Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

فَيَا أَيُّها المُؤمِنُونَ :
لَقَدْ دَارَ الفَلَكُ دَوْرَتَهُ حَسَبَ سُنَّةِ اللهِ التِي لاَ تَتَحَوَّلُ وَلاَ تَتَبَدَّلُ ((فَلَنْ تَجِدَ لِسُّنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُّنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً))(1)، وَأَصْنَافُ البَرَكَاتِ، وَصَفَاءِ النُّفُوسِ وَسَلاَمَةِ الصُّدُورِ، وَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَلْقَاهُ كَمَا يَلْقَى كُلَّ هِلاَلٍ، بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالابْتِهَالِ، هِلاَلُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ))، لِتِجَارَةٍ مُبَارَكَةٍ رَاجِحَةٍ رَابِحَةٍ، يُضَاعِفُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا الأُجُورَ، فَحُقَّ لَهَا أَنْ تُوْصَفَ بِأنَّها تِجَارَةٌ لَنْ تَبُورَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ))(2)، فِي كُلِّ الأَوقَاتِ، ومَنْ أدَّى فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ)). وَإِيثَارٍ جَمِيلٍ، وَأَحْسَنْتُمُ المَتَابَ؛ فَكَفَّرَ اللهُ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَمَنَحَكُمْ عَظِيمَ الأَجْرِ وَجَزِيلَ الثَّوَابِ، فَهُوَ إِذَنْ لاَ يَخْـلُو مِنْ سَقَطَاتٍ، وَلِذَلِكَ كَانَتِ التَّوْبَةُ مِنْ لَوَازِمِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، فَيُحْبِطَ كُلَّ مَا عَمِلْنَاهُ، وَيَهْدِمَ كُلَّ مَا بَنَيْنَاهُ، واستَمِعُوا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُنَادِينَا فِي القُرآنِ بِصِفَةِ الإِيمَانِ فَيَقُولُ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(3)، ويَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))(4)، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْـلِ، حتَّى تَطْـلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا))، بِتَوْبَةٍ صَادِقَةٍ سَوِيَّةٍ، لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنَّا مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبٍ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَعَرَفَ حُدُودَهُ وَتَحَفَّظَ مِمَّا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْهُ كَفَّرَ مَا قَبْـلَهُ))، وَيَقُولُ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))، وَادْخُلوهُ مُحَافِظِينَ عَلَى أَدَاءِ مَا أَمَرَكُمُ اللهُ فِيهِ مِنْ صِيامٍ وَقِيَامٍ، وَتِلاَوَةٍ لِكِتَابِ اللهِ وَمُدَارَسَةٍ لَهُ، وَتَمَسُّـكٍ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، فَشَهْرُ رَمَضَانَ مَحَطَّةٌ لِتَعْبِئَةِ القُوَى النَّفْسِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ وَالخُلُقِيَّةِ، التِي تَحتَاجُ إِلَيْهَا كُلُّ أُمَّةٍ فِي الحَيَاةِ، تَنْهَزِمُ أَمَامَهَا المَطَالِبُ الجَسَدِيَّةُ، وَبِذَلِكَ تَصْـفُو الرُّوحُ وَتَكَونُ أَكْثَرَ نَقَاءً، وَتَتَفَوَّقُ صُعُودًا وارتِقَاءً، إِنَّ المُسْـلِمَ الصَّائِمَ طَوَاعِيَةً وَاخْتِيَارًا وَعُبُودِيَّةً للهِ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ، بَلْ يَرَى فِيهِ حَافِزًا إِلَى مُوَاصَلَةِ العَمَلِ، لِنُحَقِّقَ فِيهِ مَا نَأْمُلُهُ مِنْ تَفَوُّقٍ وَنَجَاحٍ، إِنَّ الصِّيَامَ الذِي فَرَضَهُ اللهُ عَلَى المُسْـلِمِينَ فِيهِ الجَمْعُ بَيْنَ القُوَّتَيْنِ الرُّوحِيَّةِ وَالمَادِّيَّةِ جَمْعًا رَائِعًا مُنْسَجِمًا، فَهُوَ مِنَ النَّاحِيَةِ المَادِّيَّةِ قُوَّةٌ لِلْجِسْمِ يَدْفَعُ عَنْهُ كَثِيرًا مِنَ الأَمْرَاضِ وَالأَخْطَارِ، إِنَّ الوَافِدَ المُبارَكَ يُهِيبُ بِنَا وَيُنَادِينَا بِلِسَانِ حَالِهِ أَنِ انْبِذُوا الأَنَانِيَّةَ وَالأَثَرَةَ وَالعُزلَةَ، وَانْطَلِقُوا جَمِيعًا إِخْوَةً فِي اللهِ مُتَحابِّينَ، يُعِينُ القَوِيُّ مِنْكُمُ الضَّعِيفَ، وَيَعْطِفُ الغَنِيُّ مِنْكُمْ عَلَى الفَقِيرِ، وَيَتَقدَّمُ الجَمِيعُ بِخُطًى ثَابِتَةٍ نَحْوَ مِضْمَارِ السِّبَاقِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ، يَنْظُرُ اللهُ تَعَالَى إِلَى تَنَافُسِكُمْ فِيهِ، وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلاَئِكتَهُ، فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ))، لَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- جَوَادًا كَرِيمًا، لاَ يُوَازَى فِي ذَلِكَ وَلاَ يُبَارَى، وَلاَ يُسَامَى وَلاَ يُجَارَى، فَإِذَا أَقْبَلَ رَمَضَانُ كَانَ أَكْثَرَ كَرَمًا وَأَعْظَمَ جُودًا، يَقُولُ ابنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ فَيُدَارِسُهُ القُرآنَ، إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ بِمَا فِيهِ مِنْ طَاعَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، يُعَوِّدُنا الصَّبْرَ وَالاحتِمَالَ؛ وَيُبَارِكُ اللهُ فِي القَلِيلِ فَيُصْبِحُ كَثِيرًا، أَو يُحْبِطَهُ يَأْسٌ أَو كَسَلٌ، وَالصَّبْرُ الذِي يُعلِّمُنا إِيَّاهُ رَمَضَانُ لَيْسَ الصَّبْرَ الذِي تَدْفَعُ إِلَيْهِ الفَاقَةُ أَو يُلْجِئُ إِلَيْهِ الحِرْمَانُ، بَلْ هُوَ الصَّبْرُ الاختِيَارِيُّ، فَالذِي لاَ يَستَطِيعُ الصَّبْرَ وَهُوَ مُخْتَارٌ؛
واستَبِقُوا فِيهِ الخَيْرَاتِ، وَأَصْلِحُوا القُلُوبَ وَنَقُّوا الضَّمَائِرَ، وادْعُوا اللهَ أَنْ يُصْـلِحَ أَعْمَالَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ. الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
وَالتَّقْوى هِيَ خَيْرُ زَادٍ، لِمَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ فِي يَوْمِ التَّنَادِ، يَقُولُ تَعَالَى: ((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى))(5)، وَلَقَدْ فَضَّـلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا الشَّهْرَ بِنُزُولِ القُرآنِ الكَرِيمِ فِيهِ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَ القُرآنَ الكَرِيمَ فِي هَذَا الشَّهْرِ رَفِيقَهُ، فَضَاعَفَ التِّلاَوَةَ فِيهِ، وَبِذَلِكَ يَنَالُ شَفَاعَتَيْنِ: شَفَاعَةَ الصِّيَامِ وَشَفَاعَةَ القُرآنِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((الصِّيَامُ وَالقُرآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُشَفَّعَانِ))، وَأَعَانَ فِيهِ إِخْوَانَهُ، وَصُدُورٍ مُرَحِّبَةٍ بِهِ، فَعَبَدُوا اللهَ فِيهِ حَقَّ عِبَادَتِهِ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى تَحقِيقِ هَذَا الهَدَفِ النَّبِيلِ، فَأعَانَهُمُ اللهُ وَأَنَارَ لَهُمُ السَّبِيلَ، فَأَصْـلَحَ اللهُ بَالَهُمْ، وَالعَفْوِ وَالمُسَامَحَةِ، أَملاً فِي أَنْ يَتَقَبَّـلَ اللهُ صِيَامَهُمْ وَقِيَامَهُمْ، لِيَجِدُوا ثَوابَ ذَلِكَ أَمَامَهُمْ، وَطُوبَى لِمُجتَمَعٍ استَقْبَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ بِالبُعْدِ عَنِ الإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا))(7). فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واجعَلُوا هَمَّـكُمْ فِي الشَّهْرِ الكَرِيمِ تَزكِيَةَ أَرْوَاحِكُمْ، فَفِي تَزْكِيَةِ الأَرْوَاحِ رِضَا اللهِ المَلِكِ المَعْبُودِ، وتَشَبُّهٌ بِمَلاَئِكَةِ اللهِ الرُّكَّعِ السُّجُودِ. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ))(8). اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ. وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً،


Original text

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّها المُؤمِنُونَ :
لَقَدْ دَارَ الفَلَكُ دَوْرَتَهُ حَسَبَ سُنَّةِ اللهِ التِي لاَ تَتَحَوَّلُ وَلاَ تَتَبَدَّلُ ((فَلَنْ تَجِدَ لِسُّنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُّنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً))(1)، فبَعْدَ وَقْتٍ قَرِيبٍ يَتَألّقُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا هِلاَلٌ يُؤْذِنُ ظُهُورُهُ بِقُدُومِ وَافِدٍ مُبارَكٍ، إِنَّهُ ضَيْـفٌ عَزِيزٌ، ذَلِكُمْ هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرُ القُرآنِ، شَهْرُ الجُودِ والإِحْسَانِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا كُلَّ عَامٍ، وَفِي مَعِيَّـتِهِ أَلْوَانُ الخَيْرَاتِ، وَأَصْنَافُ البَرَكَاتِ، فَحَقٌّ عَلَيْنَا أَنْ نَستَقْبِلَهُ بِمَزِيدٍ مِنَ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَصَفَاءِ النُّفُوسِ وَسَلاَمَةِ الصُّدُورِ، وَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَلْقَاهُ كَمَا يَلْقَى كُلَّ هِلاَلٍ، بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالابْتِهَالِ، فَيَقُولُ: ((اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، هِلاَلُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ))، كَمَا كَانَ –عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ بِمَقْدَمِ هَذَا الشَّهْرِ المُبَارَكِ؛ لِيَستَعِدُّوا لاغْتِنَامِ أَوقَاتِهِ، وَاقْتِنَاصِ كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظَاتِهِ، فَهُوَ فُرْصَةٌ سَانِحَةٌ، لِتِجَارَةٍ مُبَارَكَةٍ رَاجِحَةٍ رَابِحَةٍ، يُضَاعِفُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا الأُجُورَ، فَحُقَّ لَهَا أَنْ تُوْصَفَ بِأنَّها تِجَارَةٌ لَنْ تَبُورَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ))(2)، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ التِّجَارَةُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ مِنَ العَطَاءِ، وَالزِّيَادَةِ وَالنَّمَاءِ، فِي كُلِّ الأَوقَاتِ، فَكَيْفَ بِشَهْرِ الخَيْرَاتِ وَمَوْسِمِ البَرَكَاتِ؟ كَيْفَ بِشَهْرٍ يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَأْنِهِ: ((مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْـلَةٍ مِنَ الخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، ومَنْ أدَّى فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ)).
عِبَادَ اللهِ :
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ تَنْعَقِدُ لِلْمُؤمِنِينَ دَوْرَةٌ تَدْرِيبِيَّةٌ، لِتَنْقِيَةِ الفِطْرَةِ البَشَرِيَّةِ، وتَجْدِيدِ المَعَانِي الإِنْسَانِيَّةِ، مِنْ خُلُقٍ نَبِيلٍ، وَإِيثَارٍ جَمِيلٍ، وَصَبْرٍ وَمُصَابَرَةٍ، وَمُدَاوَمَةٍ عَلَى الخَيْرِ وَمُثَابَرَةٍ، وَتَأْسِيسٍ لِلتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ النَّصُوحِ، وَهِيَ بَابٌ وَاسِعٌ وَمَفْتُوحٌ، مَنْ وَلَجَهُ بِعَزِيمَةٍ وَإِرَادَةٍ؛ حَظِيَ بِالقَبُولِ وَنَالَ السَّعَادَةَ، فَهَلاَّ وَلَجْتُمْ هَذَا البَابَ، وَأَحْسَنْتُمُ المَتَابَ؛ فَكَفَّرَ اللهُ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَمَنَحَكُمْ عَظِيمَ الأَجْرِ وَجَزِيلَ الثَّوَابِ، إِنَّ الإِنْسَانَ - أَيُّهَا الإِخْوَةُ - خُلِقَ ضَعِيفًا، فَهُوَ إِذَنْ لاَ يَخْـلُو مِنْ سَقَطَاتٍ، وَلاَ يَسْـلَمُ مِنْ عَثَرَاتٍ، وَلِذَلِكَ كَانَتِ التَّوْبَةُ مِنْ لَوَازِمِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، إِلى أَنْ يَأْتِيَهُ اليَقِينُ، وَلَقَد دَعَانَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى التَّوْبَةِ وَحَثَّـنَا عَلَيْهَا، مَعَ وُجُودِ الإِيمَانِ وَاستِقْرَارِهِ، وَاستِدَامَتِهِ وَاستِمْرَارِهِ، حتَّى لاَ يُصِيبَنا دَاءُ العُجْبِ، فَيُحْبِطَ كُلَّ مَا عَمِلْنَاهُ، وَيَهْدِمَ كُلَّ مَا بَنَيْنَاهُ، واستَمِعُوا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُنَادِينَا فِي القُرآنِ بِصِفَةِ الإِيمَانِ فَيَقُولُ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(3)، ويَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))(4)، ويَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْـلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْـلِ، حتَّى تَطْـلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا))، وَيَقُولُ –عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ-: ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ))، فَمَا أَحْرَانَا أَنْ نَستَقْبِلَ شَهْرَ رَمَضَانَ الكَرِيمَ بِمَا فِيهِ مِنْ نَفَحَاتٍ إِلَهِيَّةٍ، بِتَوْبَةٍ صَادِقَةٍ سَوِيَّةٍ، لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنَّا مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبٍ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَعَرَفَ حُدُودَهُ وَتَحَفَّظَ مِمَّا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْهُ كَفَّرَ مَا قَبْـلَهُ))، وَيَقُولُ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))، فَاستَقْبِلُوا - عِبَادَ اللهِ - شَهْرَ رَمَضَانَ بِمَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ انْضِبَاطٍ وَالْتِزَامٍ، وَادْخُلوهُ مُحَافِظِينَ عَلَى أَدَاءِ مَا أَمَرَكُمُ اللهُ فِيهِ مِنْ صِيامٍ وَقِيَامٍ، وَتِلاَوَةٍ لِكِتَابِ اللهِ وَمُدَارَسَةٍ لَهُ، وَتَمَسُّـكٍ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، وَإِسْهَامٍ فِي كُلِّ عَمَلٍ نَافِعٍ خَلاَّقٍ، فَشَهْرُ رَمَضَانَ مَحَطَّةٌ لِتَعْبِئَةِ القُوَى النَّفْسِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ وَالخُلُقِيَّةِ، التِي تَحتَاجُ إِلَيْهَا كُلُّ أُمَّةٍ فِي الحَيَاةِ، وَلاَ يَستَغْنِي عَنْهَا أَيُّ فَرْدٍ فِي المُجتَمَعِ.
أَيُّها المُؤمِنُونَ :
إِنَّ رَمَضَانَ إِذَا هَلَّ هِلاَلُهُ، فأُحْسِنَ استِقْبَالُهُ؛ مَنَحَنَا قُوَّةً رُوحِيَّةً، تَنْهَزِمُ أَمَامَهَا المَطَالِبُ الجَسَدِيَّةُ، وَبِذَلِكَ تَصْـفُو الرُّوحُ وَتَكَونُ أَكْثَرَ نَقَاءً، وَتَتَفَوَّقُ صُعُودًا وارتِقَاءً، إِنَّ المُسْـلِمَ الصَّائِمَ طَوَاعِيَةً وَاخْتِيَارًا وَعُبُودِيَّةً للهِ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ، لاَ يَرَى فِي الصِّيَامِ مَدْعَاةً لِلْخُمُولِ وَالكَسَلِ، بَلْ يَرَى فِيهِ حَافِزًا إِلَى مُوَاصَلَةِ العَمَلِ، فَمَا أَحْرَانا أَنْ نَستَقْبِلَ شَهْرَ رَمَضَانَ بِالعَمَلِ وَالجِدِّ وَالكِفَاحِ، لِنُحَقِّقَ فِيهِ مَا نَأْمُلُهُ مِنْ تَفَوُّقٍ وَنَجَاحٍ، إِنَّ الصِّيَامَ الذِي فَرَضَهُ اللهُ عَلَى المُسْـلِمِينَ فِيهِ الجَمْعُ بَيْنَ القُوَّتَيْنِ الرُّوحِيَّةِ وَالمَادِّيَّةِ جَمْعًا رَائِعًا مُنْسَجِمًا، يُؤْتِي أَحْسَنَ الثِّمَارِ، فَهُوَ مِنَ النَّاحِيَةِ المَادِّيَّةِ قُوَّةٌ لِلْجِسْمِ يَدْفَعُ عَنْهُ كَثِيرًا مِنَ الأَمْرَاضِ وَالأَخْطَارِ، وَهُوَ مِنَ النَّاحِيَةِ الرُّوحِيَّةِ يُزَوِّدُ المُسْـلِمَ بِكَثِيرٍ مِنَ القُوَى المَعْنَوِيَّةِ، التِي لَهَا أَكْبَرُ الأَثَرِ فِي سَعَادَةِ الأَفْرَادِ وَالمُجتَمَعَاتِ البَشَرِيَّةِ، إِنَّ الوَافِدَ المُبارَكَ يُهِيبُ بِنَا وَيُنَادِينَا بِلِسَانِ حَالِهِ أَنِ انْبِذُوا الأَنَانِيَّةَ وَالأَثَرَةَ وَالعُزلَةَ، وَانْطَلِقُوا جَمِيعًا إِخْوَةً فِي اللهِ مُتَحابِّينَ، يُعِينُ القَوِيُّ مِنْكُمُ الضَّعِيفَ، وَيَعْطِفُ الغَنِيُّ مِنْكُمْ عَلَى الفَقِيرِ، وَيَتَقدَّمُ الجَمِيعُ بِخُطًى ثَابِتَةٍ نَحْوَ مِضْمَارِ السِّبَاقِ، وَالتَّنَافُسِ الإِيجَابِيِّ الخَلاَّقِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ، يَغْشَاكُمُ اللهُ فِيهِ فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ، وَيَحُطُّ الخَطَايَا وَيَستَجِيبُ فِيهِ الدُّعَاءَ، يَنْظُرُ اللهُ تَعَالَى إِلَى تَنَافُسِكُمْ فِيهِ، وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلاَئِكتَهُ، فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ))، وَلَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ يَتَهيَّأُونَ لاستِقْبَالِ رَمَضَانَ، بِالاجتِهَادِ فِي مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، لَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- جَوَادًا كَرِيمًا، لاَ يُوَازَى فِي ذَلِكَ وَلاَ يُبَارَى، وَلاَ يُسَامَى وَلاَ يُجَارَى، فَإِذَا أَقْبَلَ رَمَضَانُ كَانَ أَكْثَرَ كَرَمًا وَأَعْظَمَ جُودًا، يَقُولُ ابنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ فَيُدَارِسُهُ القُرآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جَبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ)).

أَيُّهَا المُسْـلِمُونَ :

إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ بِمَا فِيهِ مِنْ طَاعَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَبِمَا لَهُ مِنْ غَايَاتٍ وَأَهْدَافٍ مُتَجَدِّدَةٍ، يُعَوِّدُنا الصَّبْرَ وَالاحتِمَالَ؛ فَتَخِفُّ الأَعْبَاءُ الثِّقَالُ، فَيَغْدُو العَسِيرُ يَسِيرًا، وَيُبَارِكُ اللهُ فِي القَلِيلِ فَيُصْبِحُ كَثِيرًا، وَكَمْ مِنْ شَدَائِدَ وَصُعُوبَاتٍ وَاجَهَهَا الصَّائِمُ بِقُوَّةِ إِرَادَتِهِ وَمَضَاءِ عَزِيمَتِهِ؛ فَتَحَطَّمَتْ بِفَضْـلِ مَا أَمَدَّهُ اللهُ بِهِ مِنْ قُوَّةٍ رُوحِيَّةٍ، اكتَسَبَها نَهارًا بِالصِّيَامِ، وَنَمَّاهَا وَغَذَّاها لَيْـلاً بِالقِيَامِ، وَتَعَوَّدَ ذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحَ يُوَاجِهُ مُستَجِدَّاتِ الأَحْدَاثِ مَهْمَا عَظُمَتْ، وَمُشْكِلاَتِ الحَيَاةِ مَهْمَا كَثُرَتْ، دُونَ أَنْ يُقْعِدَهُ مَلَلٌ، أَو يُحْبِطَهُ يَأْسٌ أَو كَسَلٌ، وَالصَّبْرُ الذِي يُعلِّمُنا إِيَّاهُ رَمَضَانُ لَيْسَ الصَّبْرَ الذِي تَدْفَعُ إِلَيْهِ الفَاقَةُ أَو يُلْجِئُ إِلَيْهِ الحِرْمَانُ، بَلْ هُوَ الصَّبْرُ الاختِيَارِيُّ، فَهَذا الصَّبْرُ أَكْثَرُ فَائِدَةً وَأَعْظَمُ نَفْعًا، فَالذِي لاَ يَستَطِيعُ الصَّبْرَ وَهُوَ مُخْتَارٌ؛ لاَ يَستَطِيعُهُ فِي حَالِ الاضْطِرَارِ، إِنَّ الصَّائِمَ يَجُوعُ وَالطَّعَامُ الشَّهِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَعْطَشُ وَالمَاءُ الصَّافِي يَتَرَقْرَقُ أَمَامَ عَيْنَيْهِ، فَيَمتَنِعُ وَلاَ رَقِيبَ عَلَيْهِ إِلاَّ الله،ُ فَلاَ عَجَبَ أَنْ قَالَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَزُفُّ البُشْرَى لِلنَّاسِ بِقُرْبِ حُلُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ: ((وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الجَنَّةُ)).

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعرِفُوا لِرَمضَانَ فَضْـلَهُ، وِللصَّوْمِ قَدْرَهُ، وَتَزَوَّدُوا فِي هَذَا الشَّهْرِ مِنَ الطَّاعَاتِ، واستَبِقُوا فِيهِ الخَيْرَاتِ، وَأَصْلِحُوا القُلُوبَ وَنَقُّوا الضَّمَائِرَ، وَتَرَفَّعُوا عَنِ الدَّنَايَا وَالصَّغَائِرِ، وادْعُوا اللهَ أَنْ يُصْـلِحَ أَعْمَالَكُمْ، وَاشْكُرُوهُ أَنْ سُلِّمْـتُمْ لِرَمَضانَ، وَسُلِّمَ رَمَضَانُ لَكُمْ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
*** *** ***
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ مِنْ أَعْظَمِ مَوَاسِمِ الخَيْرِ، وَالعَاقِلُ الرَّشِيدُ هُوَ مَنْ يَغْتَنِمُ لِيَالِيَهُ وَأَيَّامَهُ، فَيَتَزَوَّدُ فِيهَا بِالخَيْرِ لِمَا أَمَامَهُ، وَالتَّقْوى هِيَ خَيْرُ زَادٍ، لِمَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ فِي يَوْمِ التَّنَادِ، يَقُولُ تَعَالَى: ((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى))(5)، وَلَقَدْ فَضَّـلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا الشَّهْرَ بِنُزُولِ القُرآنِ الكَرِيمِ فِيهِ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَ القُرآنَ الكَرِيمَ فِي هَذَا الشَّهْرِ رَفِيقَهُ، وَأَنِيسَهُ وَصَدِيقَهُ، فَضَاعَفَ التِّلاَوَةَ فِيهِ، وَتَدَبَّرَ فِي أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ، قَالَ تَعَالَى: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ))(6)، وَبِذَلِكَ يَنَالُ شَفَاعَتَيْنِ: شَفَاعَةَ الصِّيَامِ وَشَفَاعَةَ القُرآنِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((الصِّيَامُ وَالقُرآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ القُرآنُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْـلِ فَشَـفِّعْنِي فِيهِ؛ فَيُشَفَّعَانِ))، وَطُوبَى لِعَبْدٍ وَاسَى فِيهِ رَحِمَهُ وَجِيرَانَهُ، وَأَعَانَ فِيهِ إِخْوَانَهُ، فَهُوْ شَهْرُ المُوَاسَاةِ، كَمَا أَنْبأَ وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، وَطُوبَى لأُسْرَةٍ استَقْبَلُوا رَمَضَانَ بِقُلُوبٍ مُتَعَطِّشَةٍ إِلَيْهِ، وَنُفُوسٍ مُتَلَهِّـفَةٍ عَلَيْهِ، وَصُدُورٍ مُرَحِّبَةٍ بِهِ، فَأَنْزَلُوهُ مِنْ قُلُوبِهِمُ المَنْزِلَةَ اللاَّئِقَةَ بِهِ، فَعَبَدُوا اللهَ فِيهِ حَقَّ عِبَادَتِهِ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى تَحقِيقِ هَذَا الهَدَفِ النَّبِيلِ، فَأعَانَهُمُ اللهُ وَأَنَارَ لَهُمُ السَّبِيلَ، وَشَرَحَ لِلْخَيْرِ صُدُورَهُمْ، فَأَصْـلَحَ اللهُ بَالَهُمْ، وَيَسَّرَ لَهُمْ أُمُورَهُمْ، وَطُوبَى لِمُتَخَاصِمَيْنِ استَقْبَلاَ شَهْرَ رَمَضَانَ بِالمُصَالَحَةِ، وَالعَفْوِ وَالمُسَامَحَةِ، أَملاً فِي أَنْ يَتَقَبَّـلَ اللهُ صِيَامَهُمْ وَقِيَامَهُمْ، لِيَجِدُوا ثَوابَ ذَلِكَ أَمَامَهُمْ، وَطُوبَى لِمُجتَمَعٍ استَقْبَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ بِالبُعْدِ عَنِ الإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ، وَالحِرْصِ عَلَى أَلاَّ يَقَعَ فِي هَذَا المُنْزَلَقِ الخَطِيرِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا))(7).
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واجعَلُوا هَمَّـكُمْ فِي الشَّهْرِ الكَرِيمِ تَزكِيَةَ أَرْوَاحِكُمْ، فَفِي تَزْكِيَةِ الأَرْوَاحِ رِضَا اللهِ المَلِكِ المَعْبُودِ، وتَشَبُّهٌ بِمَلاَئِكَةِ اللهِ الرُّكَّعِ السُّجُودِ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ))(8).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :
((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

الكترونية المتا...

الكترونية المتاجر: كتابة سياسية المتجر. كتابة سياسية الاستبدال والاسترجاع. ظبط الاعدادت الاسياسية ال...

المجاهد : محمد ...

المجاهد : محمد الزرقطوني ( رحمه الله )....​ ولد بالدار البيضاء سنة1925وترعرع في أحضان الحركة ​ الو...

محاضرات علم الس...

محاضرات علم السكان: محــــــــــــاضرة 1: أولا: مفهوم علم السكان قبل أن نقدم تعريفا دقيقا لعلم الس...

Biomechanical f...

Biomechanical function of articular cartilage: Through its low friction, articular cartilage facili...

الصحة النفسية :...

الصحة النفسية : رضا وانسجام الفرد مع نفسه ومع الأشخاص والمواقف والأحداث من حوله. بهذا المعنى فالصحة ...

مفهوم علم السكا...

مفهوم علم السكان قبل أن نقدم تعريفا دقيقا لعلم السكان ارتأينا أن نقدم للطلبة في البداية نبذة تاريخية...

، وجمعه وترتيبه...

، وجمعه وترتيبه دون مزجه بغيره من أقوال الصحابة والتابعين - إلا بالقدر اليسير الذي قد يحتاج إليه - و...

التجارة عند الع...

التجارة عند العرب قبل الإسلام أ. مسار القوافل التجارية عرف العرب في الجاهلية الأنشطة الاقتصادية المخ...

LITERATURE REVI...

LITERATURE REVIEW 2.1 VOCABULARY KNOWLEDGE Three elements of lexical knowledge are identified by con...

يستهل الشاعر قص...

يستهل الشاعر قصيدته بوصف محطة القطار التي توجد أسفل المدينة مما يجعلها مظلمة تحتاج للإنارة طول النها...

هي مجموعة كبيرة...

هي مجموعة كبيرة من المواد الثانوية الفعالة في الطبيعة التي تنتجها النباتات الطبية. اشتقت كلمة الفلان...

In addition to ...

In addition to its low labor costs, China has become known as "the world's factory" because of its s...