Online English Summarizer tool, free and accurate!
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ؛ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَوْنِيُّ:" يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كَبِيرٍ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ بِأَنَّهُ كَبِيرٌ، وَتُعُقِّبَ: بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا، وَأجِيب بِأَن الحكم بالْخبر يَجُوزُ نَسْخُهُ، فَإِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَبِيرٌ فَأَخْبَرَ بِهِ كَانَ نَسْخًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ يَعُودُ على الْعَذَاب؛ لما ورد فِي صَحِيح ابن حِبَّانَ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه:" يُعَذَّبَانِ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ذَنْبٍ هَيِّنٍ"، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَحَدِ الذَّنْبَيْنِ، لِأَنَّ الِاسْتِتَارَ الْمَنْفِيَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ الدَّاودِيّ وابن الْعَرَبِيِّ:" كَبِيرٌ الْمَنْفِيِّ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الدَّنَاءَةِ وَالْحَقَارَةِ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي اعْتِقَادِهِمَا أَوْ فِي اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِينَ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ كَبِيرٌ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)، وَقِيلَ: لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ؛ وَهَذَا الْأَخِيرُ جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيُّ، وَرَجَّحَهُ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ، وَإِنَّمَا صَارَ كَبِيرًا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ، وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ السِّيَاقُ؛ فَإِنَّهُ وَصَفَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَجَدُّدِ ذَلِكَ مِنْهُ وَاسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ؛ لِلْإِتْيَانِ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ بَعْدَ حَرْفِ كَانَ، كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمُثَنَّاتَيْنِ مِنْ فَوْقُ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَة، وَفِي رِوَايَة ابن عَسَاكِرَ:" يَسْتَبْرِئُ"، بِمُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ مِنَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَأَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ:" يَسْتَنْزِهُ"، بِنُونٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا زَايٌ ثُمَّ هَاءٌ، فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ مَعْنَى الِاسْتِتَارِ؛ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَوْلِهِ سُتْرَةً، فَتُوَافِقُ رِوَايَةَ:" لَا يَسْتَنْزِهُ"؛ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ، وَضُعِّفَ بِأَنَّ التَّعْذِيبَ لَوْ وَقَعَ عَلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ لَاسْتَقَلَّ الْكَشْفُ بِالسَّبَبِيَّةِ، فَيَتَرَتَّبُ الْعَذَابُ عَلَى الْكَشْفِ؛ وَسَيَأْتِي كَلَام ابن دَقِيقِ الْعِيدِ قَرِيبًا، وَأَمَّا رِوَايَةُ الِاسْتِبْرَاءِ فَهِيَ أَبْلَغُ فِي التَّوَقِّي، وَتَعَقَّبَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رِوَايَةَ الِاسْتِتَارِ بِمَا يحصل جَوَابه مِمَّا ذكرنَا، قَالَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ:" لَوْ حُمِلَ الِاسْتِتَارَ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لَلَزِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ كَانَ سَبَبَ الْعَذَابِ الْمَذْكُورِ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْبَوْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَذَابِ الْقَبْرِ خُصُوصِيَّةً، يُشِيرُ إِلَى مَا صَححهُ ابن خُزَيْمَةَ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه مَرْفُوعًا:( أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ)؛ قَالَ:" وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ لَفْظَ مِنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمَّا أُضِيفَ إِلَى الْبَوْلِ اقْتَضَى نِسْبَةَ الِاسْتِتَارِ الَّذِي عَدَمُهُ سَبَبُ الْعَذَابِ إِلَى الْبَوْلِ، بِمَعْنَى أَنَّ ابْتِدَاءَ سَبَبِ الْعَذَابِ مِنَ الْبَوْلِ، فَلَوْ حُمِلَ عَلَى مُجَرَّدِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى، لِتَجْتَمِعَ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أبي بكرَةرضي الله عنه عِنْد أَحْمد، أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَيُعَذَّبُ فِي الْبَوْلِ، يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، قَالَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ:" هِيَ نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا: مَا كَانَ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ، فَأَمَّا مَا اقْتَضَى فِعْلَ مَصْلَحَةٍ، أَوْ تَرْكَ مَفْسَدَةٍ فَهُوَ مَطْلُوبٌ"، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلنَّمِيمَةِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يُخَالِفُهُ كَمَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ، قَالَ النَّوَوِيُّ:" وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ الْغَيْرِ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ، وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ:" هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى قَاعِدَةِ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْكَبِيرَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ، وَلَا حَدَّ عَلَى الْمَشْيِ بِالنَّمِيمَةِ؛ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الِاسْتِمْرَارُ هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ جَعْلَهُ كَبِيرَةً؛ لِأَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْكَبِيرَةِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَبِيرَةِ مَعْنًى غَيْرُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ، وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ هُوَ قَوْلَ جَمِيعِهِمْ، لَكِنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ؛ حَيْثُ حَكَى فِي تَعْرِيفِ الْكَبِيرَةِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي أَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ"، وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ مَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُعَدَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنَ الْكَبَائِرِ، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُمَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعُرِفَ بِهَذَا الْجَوَابِ عَنِ اعْتِرَاضِ الْكِرْمَانِيِّ؛ بِأَنَّ النَّمِيمَةَ قَدْ نُصَّ فِي الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهَا كَبِيرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِلْأَعْمَشِ:" فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ"، وَالْعَسِيبُ بِمُهْمَلَتَيْنِ بِوَزْنِ فَعِيلٍ، فَإِنْ نَبَتَ فَهِيَ السَّعَفَةُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ خَصَّ الْجَرِيدَ بِذَلِكَ؛ وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍرضي الله عنه بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، أَنَّ الَّذِيَ أَتَاهُ بِالْجَرِيدَةِ بِلَالٌرضي الله عنه، وَلَفْظُهُ:" كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ، إِذْ سَمِعَ شَيْئًا فِي قَبْرٍ فَقَالَ لِبِلَالٍ:ائْتِنِي بِجَرِيدَةٍ خَضْرَاءَ"، أَيْ فَأَتَى بِهَا فَكَسَرَهَا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالطَّبَرَانِيِّ: أَنَّهُ الَّذِي أَتَى بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍرضي الله عنه الطَّوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ: أَنَّهُ الَّذِي قَطَعَ الْغُصْنَيْنِ، فَهُوَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ هَذِهِ، فَالْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَوْجُهٍ؛ وَمِنْهَا: أَنَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَسَ الْجَرِيدَةَ بَعْدَ أَنْ شَقَّهَا نِصْفَيْنِ، كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍرضي الله عنه أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ جَابِرًارضي الله عنه بِقَطْعِ غُصْنَيْنِ مِنْ شَجَرَتَيْنِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَتَرَ بِهِمَا عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَ جَابِرًارضي الله عنه فَأَلْقَى الْغُصْنَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، حَيْثُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا، فَقَالَ:" إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرْفَعَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ"، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي قِصَّةِ جَابِرٍرضي الله عنه أَيْضًا السَّبَبُ الَّذِي كَانَا يُعَذَّبَانِ بِهِ، فَبَان تغاير حَدِيث ابن عَبَّاسٍرضي الله عنهما، وَقَدْ رَوَى ابن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه:" أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: ائْتُونِي بِجَرِيدَتَيْنِ، فَجَعَلَ إِحْدَاهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ قِصَّةً ثَالِثَةً، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍرضي الله عنه كَمَا تَقَدَّمَ:" فَسَمِعَ شَيْئًا فِي قَبْرٍ"، وَفِيهِ:" فَكَسَرَهَا بِاثْنَيْنِ، وَفِي قِصَّةِ الْوَاحِد جعل نِصْفَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَنِصْفَهَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَفِي قِصَّةِ الِاثْنَيْنِ جَعَلَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ جَرِيدَةً أَنَّهَا كِسْرَتَيْنِ بِكَسْرِ الْكَافِ، وَالْكِسْرَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ الْمَكْسُورِ، وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍرضي الله عنهعَنْهُ بِاثْنَتَيْنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ:" الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ الْآتِيَةِ:" فَغَرَزَ"، قَوْلُهُ: فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً؛وَقَعَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ:" ثُمَّ غَرَزَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِطْعَة"، وَلَمْ نَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ السَّائِل مِنْهُم، قَالَ ابن مَالِكٍ:" يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ ضَمِيرَ الشَّأْنِ، وَجَازَ تَفْسِيرُهُ بِأَنْ وَصِلَتِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ جُمْلَةٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مُسْنَدٍ وَمُسْنَدٍ إِلَيْهِ"، قَالَ:" وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَنْ زَائِدَةً، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بِحَذْفِ أَنْ فَقَوَّى الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ:" شَبَّهَ لَعَلَّ بِعَسَى، أَيِ الْعَذَابُ عَنِ الْمَقْبُورَيْنِ، كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ:" يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا هَذِهِ الْمُدَّةَ"، قَالَ:" وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ غَيْرُ هَذَا"، وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْوَحْيُ لَمَا أَتَى بِحَرْفِ التَّرَجِّي، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إِذَا حَمَلْنَاهَا عَلَى التَّعْلِيلِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:" وَقِيلَ: إِنَّهُ شَفَعَ لَهُمَا هَذِهِ الْمُدَّةَ، كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍرضي الله عنه؛ وَكَذَا رَجَّحَ النَّوَوِيُّ كَوْنَ الْقِصَّة وَاحِدَة"، وَفِيه نظر لما أوضحناه مِنَ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ:" هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ مُدَّةَ بَقَاءِ النَّدَاوَةِ، لَا أَنَّ فِي الْجَرِيدَةِ مَعْنًى يَخُصُّهُ، قَالَ:" وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يُسَبِّحُ مَا دَامَ رَطْبًا؛ فَيَحْصُلُ التَّخْفِيفُ بِبَرَكَةِ التَّسْبِيحِ، وَعَلَى هَذَا فَيَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ رُطُوبَةٌ مِنَ الْأَشْجَارِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ:" الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِمَا مَا دَامَتَا رَطْبَتَيْنِ تَمْنَعَانِ الْعَذَابَ؛ وَقَدِ اسْتَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَضْعَ النَّاسِ الْجَرِيدَ وَنَحْوَهُ فِي الْقَبْرِ عَمَلًا بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ:" لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِبَرَكَةِ يَدِهِ"، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:" لِأَنَّهُ عَلَّلَ غَرْزَهُمَا عَلَى الْقَبْرِ بِأَمْرٍ مُغَيَّبٍ، قُلْتُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِنَا لَا نَعْلَمُ أَيُعَذَّبُ أَمْ لَا؟ أَنْ لَا نَتَسَبَّبَ لَهُ فِي أَمْرٍ يُخَفِّفُ عَنْهُ الْعَذَابَ أَنْ لَوْ عُذِّبَ، كَمَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَنَا لَا نَدْرِي أَرُحِمَ أَمْ لَا؟ أَنْ لَا نَدْعُوَ لَهُ بِالرَّحْمَةِ، وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ بَاشَرَ الْوَضْعَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ؛ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهِ، وَقَدْ تَأَسَّى بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ الصَّحَابِيُّرضي الله عنه بِذَلِكَ، فَأَوْصَى أَنْ يُوضَعَ عَلَى قَبْرِهِ جَرِيدَتَانِ؛ تَنْبِيهٌ: لَمْ يُعْرَفِ اسْمُ الْمَقْبُورَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَمْدٍ مِنَ الرُّوَاةِ؛ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَالَغَ فِي الْفَحْصِ عَنْ تَسْمِيَةِ مَنْ وَقَعَ فِي حَقِّهِ مَا يُذَمُّ بِهِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ أَحَدَهُمَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍرضي الله عنه فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ، لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ إِلَّا مَقْرُونًا بِبَيَانِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْحِكَايَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَرَ دَفْنَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍرضي الله عنه كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، فَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَرضي الله عنه عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ:" مَنْ دَفَنْتُمُ الْيَوْم هَا هُنَا؟"، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا ذَبًّا عَنْ هَذَا السَّيِّدِ الَّذِي سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدًا، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:" قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ"، وَقَالَ:" إِنَّ حُكْمَهُ قد وَافقحُكْمَ اللَّهِ"، وَقَالَ:" إِنَّ عَرْشَ الرَّحْمَنِ اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ"، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ الْجَلِيلَةِ، خَشْيَةَ أَنْ يَغْتَرَّ نَاقِصُ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَيَعْتَقِدَ صِحَّةَ ذَلِكَ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ من حَدِيث جَابررضي الله عنه بِسَنَد فِيهِ ابن لَهِيعَةَ:" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَسَمِعَهُمَا يُعَذَّبَانِ فِي الْبَوْلِ وَالنَّمِيمَةِ"، قَالَ أَبُو مُوسَى:" هَذَا وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ، لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ لَمَا كَانَ لِشَفَاعَتِهِ إِلَى أَنْ تَيْبَسَ الْجَرِيدَتَانِ مَعْنًى، وَلَكِنَّهُ لَمَّا رَآهُمَا يُعَذَّبَانِ لَمْ يَسْتَجِزْ لِلُطْفِهِ وَعَطْفِهِ حِرْمَانَهُمَا مِنْ إِحْسَانِهِ، فَشَفَعَ لَهما إِلَى الْمدَّة الْمَذْكُورَة"، وَجزم ابن الْعَطَّارِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَقَالَ:" لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ لَمْ يَدْعُ لَهُمَا بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ لَبَيَّنَهُ، يَعْنِي كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ"، قُلْتُ: وَمَا قَالَهُ أَخِيرًا هُوَ الْجَوَابُ، وَمَا طَالَبَ بِهِ مِنَ الْبَيَانِ قَدْ حَصَلَ، وَلَا يَلْزَمُ التَّنْصِيصُ عَلَى لَفْظِ الْخُصُوصِيَّةِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أَبُو مُوسَى ضَعِيفٌ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَهُوَ مِنْ تَخْلِيطِ ابن لَهِيعَةَ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍرضي الله عنه الطَّوِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِمَا كَافِرَيْنِ فِيهِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَجْمُوعِ طُرُقِهِ أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، فَفِي رِوَايَةِ ابن مَاجَهْ:" مَرَّ بِقَبْرَيْنِ جَدِيدَيْنِ"، فَانْتَفَى كَوْنُهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَرضي الله عنه عِنْدَ أَحْمَدَ:" أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالْبَقِيعِ فَقَالَ: من دفنتم الْيَوْم هَا هُنَا؟" فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ؛
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ؛ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَوْنِيُّ:" يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كَبِيرٍ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ بِأَنَّهُ كَبِيرٌ، فَاسْتَدْرَكَ"، وَتُعُقِّبَ: بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا، وَالنَّسْخُ لَا يَدْخُلُ الْخَبَرَ، وَأجِيب بِأَن الحكم بالْخبر يَجُوزُ نَسْخُهُ، فَقَوْلُهُ: وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ؛ إِخْبَارٌ بِالْحُكْمِ، فَإِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَبِيرٌ فَأَخْبَرَ بِهِ كَانَ نَسْخًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ يَعُودُ على الْعَذَاب؛ لما ورد فِي صَحِيح ابن حِبَّانَ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه:" يُعَذَّبَانِ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ذَنْبٍ هَيِّنٍ"، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَحَدِ الذَّنْبَيْنِ، وَهُوَ النَّمِيمَةُ؛ لِأَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ، بِخِلَافِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَهَذَا مَعَ ضَعْفِهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِتَارَ الْمَنْفِيَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ الدَّاودِيّ وابن الْعَرَبِيِّ:" كَبِيرٌ الْمَنْفِيِّ، بِمَعْنَى أَكْبَرَ، وَالْمُثْبَتُ وَاحِدُ الْكَبَائِرِ، أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؛ كَالْقَتْلِ مَثَلًا، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فِي الْجُمْلَةِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الدَّنَاءَةِ وَالْحَقَارَةِ، وَهُوَ كَبِيرُ الذَّنْبِ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي اعْتِقَادِهِمَا أَوْ فِي اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِينَ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ كَبِيرٌ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)، وَقِيلَ: لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ؛ أَيْ كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمَا الِاحْتِرَازُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا الْأَخِيرُ جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَرَجَّحَهُ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ، وَجَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِكَبِيرٍ بِمُجَرَّدِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ كَبِيرًا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ، وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ السِّيَاقُ؛ فَإِنَّهُ وَصَفَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَجَدُّدِ ذَلِكَ مِنْهُ وَاسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ؛ لِلْإِتْيَانِ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ بَعْدَ حَرْفِ كَانَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ"، قَوْلُهُ: لَا يَسْتَتِرُ، كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمُثَنَّاتَيْنِ مِنْ فَوْقُ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَة، وَفِي رِوَايَة ابن عَسَاكِرَ:" يَسْتَبْرِئُ"، بِمُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ مِنَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَلِمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ:" يَسْتَنْزِهُ"، بِنُونٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا زَايٌ ثُمَّ هَاءٌ، فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ مَعْنَى الِاسْتِتَارِ؛ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَوْلِهِ سُتْرَةً، يَعْنِي لَا يَتَحَفَّظُ مِنْهُ، فَتُوَافِقُ رِوَايَةَ:" لَا يَسْتَنْزِهُ"؛ لِأَنَّهَا مِنَ التَّنَزُّهِ، وَهُوَ الْإِبْعَادُ، وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ، مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ:" كَانَ لَا يَتَوَقَّى"، وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ، وَأَجْرَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَقَالَ:" مَعْنَاهُ لَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ"، وَضُعِّفَ بِأَنَّ التَّعْذِيبَ لَوْ وَقَعَ عَلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ لَاسْتَقَلَّ الْكَشْفُ بِالسَّبَبِيَّةِ، وَاطُّرِحَ اعْتِبَارُ الْبَوْلِ، فَيَتَرَتَّبُ الْعَذَابُ عَلَى الْكَشْفِ؛ سَوَاءٌ وُجِدَ الْبَوْلُ أَمْ لَا، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَسَيَأْتِي كَلَام ابن دَقِيقِ الْعِيدِ قَرِيبًا، وَأَمَّا رِوَايَةُ الِاسْتِبْرَاءِ فَهِيَ أَبْلَغُ فِي التَّوَقِّي، وَتَعَقَّبَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رِوَايَةَ الِاسْتِتَارِ بِمَا يحصل جَوَابه مِمَّا ذكرنَا، قَالَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ:" لَوْ حُمِلَ الِاسْتِتَارَ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لَلَزِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ كَانَ سَبَبَ الْعَذَابِ الْمَذْكُورِ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْبَوْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَذَابِ الْقَبْرِ خُصُوصِيَّةً، يُشِيرُ إِلَى مَا صَححهُ ابن خُزَيْمَةَ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه مَرْفُوعًا:( أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ)؛ أَيْ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ"، قَالَ:" وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ لَفْظَ مِنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمَّا أُضِيفَ إِلَى الْبَوْلِ اقْتَضَى نِسْبَةَ الِاسْتِتَارِ الَّذِي عَدَمُهُ سَبَبُ الْعَذَابِ إِلَى الْبَوْلِ، بِمَعْنَى أَنَّ ابْتِدَاءَ سَبَبِ الْعَذَابِ مِنَ الْبَوْلِ، فَلَوْ حُمِلَ عَلَى مُجَرَّدِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى، فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ؛ لِتَجْتَمِعَ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهُ وَاحِدٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أبي بكرَةرضي الله عنه عِنْد أَحْمد، وابن مَاجَهْ، أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَيُعَذَّبُ فِي الْبَوْلِ، وَمِثْلُهُ لِلطَّبَرَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍرضي الله عنه"، قَوْلُهُ: مِنْ بَوْلِهِ؛ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، قَوْله:يمشي بالنميمة؛ قَالَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ:" هِيَ نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا: مَا كَانَ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ، فَأَمَّا مَا اقْتَضَى فِعْلَ مَصْلَحَةٍ، أَوْ تَرْكَ مَفْسَدَةٍ فَهُوَ مَطْلُوبٌ"، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلنَّمِيمَةِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يُخَالِفُهُ كَمَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ، قَالَ النَّوَوِيُّ:" وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ الْغَيْرِ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ، وَهِيَ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ"، وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ:" هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى قَاعِدَةِ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْكَبِيرَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ، وَلَا حَدَّ عَلَى الْمَشْيِ بِالنَّمِيمَةِ؛ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الِاسْتِمْرَارُ هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ جَعْلَهُ كَبِيرَةً؛ لِأَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْكَبِيرَةِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَبِيرَةِ مَعْنًى غَيْرُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ، وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ هُوَ قَوْلَ جَمِيعِهِمْ، لَكِنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ؛ حَيْثُ حَكَى فِي تَعْرِيفِ الْكَبِيرَةِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي: مَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ"، قَالَ:" وَهُمْ إِلَى الْأَوَّلِ أَمْيَلُ، وَالثَّانِي أَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ"، وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ مَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُعَدَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنَ الْكَبَائِرِ، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُمَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعُرِفَ بِهَذَا الْجَوَابِ عَنِ اعْتِرَاضِ الْكِرْمَانِيِّ؛ بِأَنَّ النَّمِيمَةَ قَدْ نُصَّ فِي الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهَا كَبِيرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، قَوْلُهُ: ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ، وَلِلْأَعْمَشِ:" فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ"، وَالْعَسِيبُ بِمُهْمَلَتَيْنِ بِوَزْنِ فَعِيلٍ، هِيَ الْجَرِيدَةُ الَّتِي لَمْ يَنْبُتْ فِيهَا خُوصٌ، فَإِنْ نَبَتَ فَهِيَ السَّعَفَةُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ خَصَّ الْجَرِيدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَطِيءُ الْجَفَافِ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍرضي الله عنه بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، أَنَّ الَّذِيَ أَتَاهُ بِالْجَرِيدَةِ بِلَالٌرضي الله عنه، وَلَفْظُهُ:" كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ، إِذْ سَمِعَ شَيْئًا فِي قَبْرٍ فَقَالَ لِبِلَالٍ:ائْتِنِي بِجَرِيدَةٍ خَضْرَاءَ"، الْحَدِيثَ، قَوْلُهُ: فَكَسَرَهَا؛ أَيْ فَأَتَى بِهَا فَكَسَرَهَا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالطَّبَرَانِيِّ: أَنَّهُ الَّذِي أَتَى بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍرضي الله عنه الطَّوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ: أَنَّهُ الَّذِي قَطَعَ الْغُصْنَيْنِ، فَهُوَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ هَذِهِ، فَالْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَوْجُهٍ؛ مِنْهَا: أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ فِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ، وَقِصَّةُ جَابِرٍرضي الله عنه كَانَتْ فِي السَّفَرِ، وَكَانَ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَتَبِعَهُ جَابِرٌرضي الله عنه وَحْدَهُ، وَمِنْهَا: أَنَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَسَ الْجَرِيدَةَ بَعْدَ أَنْ شَقَّهَا نِصْفَيْنِ، كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍرضي الله عنه أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ جَابِرًارضي الله عنه بِقَطْعِ غُصْنَيْنِ مِنْ شَجَرَتَيْنِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَتَرَ بِهِمَا عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَ جَابِرًارضي الله عنه فَأَلْقَى الْغُصْنَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، حَيْثُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا، وَأَنَّ جَابِرًارضي الله عنه سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:" إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرْفَعَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ"، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي قِصَّةِ جَابِرٍرضي الله عنه أَيْضًا السَّبَبُ الَّذِي كَانَا يُعَذَّبَانِ بِهِ، وَلَا التَّرَجِّي الْآتِي فِي قَوْلِهِ:" لَعَلَّهُ"، فَبَان تغاير حَدِيث ابن عَبَّاسٍرضي الله عنهما، وَحَدِيثِ جَابِرٍرضي الله عنه، وَأَنَّهُمَا كَانَا فِي قِصَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَلَا يَبْعُدُ تَعَدُّدُ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى ابن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه:" أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: ائْتُونِي بِجَرِيدَتَيْنِ، فَجَعَلَ إِحْدَاهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ، وَالْأُخْرَى عِنْدَ رِجْلَيْهِ"، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ قِصَّةً ثَالِثَةً، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍرضي الله عنه كَمَا تَقَدَّمَ:" فَسَمِعَ شَيْئًا فِي قَبْرٍ"، وَفِيهِ:" فَكَسَرَهَا بِاثْنَيْنِ، تَرَكَ نِصْفَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ، وَنِصْفَهَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ"، وَفِي قِصَّةِ الْوَاحِد جعل نِصْفَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَنِصْفَهَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَفِي قِصَّةِ الِاثْنَيْنِ جَعَلَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ جَرِيدَةً أَنَّهَا كِسْرَتَيْنِ بِكَسْرِ الْكَافِ، وَالْكِسْرَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ الْمَكْسُورِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ؛ أَنَّهَا كَانَتْ نِصْفًا، وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍرضي الله عنهعَنْهُ بِاثْنَتَيْنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ:" الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، وَالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ"، قَوْلُهُ: فَوَضَعَ؛ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ الْآتِيَةِ:" فَغَرَزَ"، وَهِيَ أَخَصُّ مِنَ الْأُولَى، قَوْلُهُ: فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً؛وَقَعَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ:" ثُمَّ غَرَزَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِطْعَة"، قَوْله: فَقيل لَهُ؛ وللأعمش:" قَالُوا"؛ أَيِ الصَّحَابَةُرضي الله عنهم، وَلَمْ نَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ السَّائِل مِنْهُم، قَوْله: لَعَلَّه؛ قَالَ ابن مَالِكٍ:" يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ ضَمِيرَ الشَّأْنِ، وَجَازَ تَفْسِيرُهُ بِأَنْ وَصِلَتِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ جُمْلَةٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مُسْنَدٍ وَمُسْنَدٍ إِلَيْهِ"، قَالَ:" وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَنْ زَائِدَةً، مَعَ كَوْنِهَا نَاصِبَةً، كَزِيَادَةِ الْبَاءِ مَعَ كَوْنِهَا جَارَّةً"، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بِحَذْفِ أَنْ فَقَوَّى الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ:" شَبَّهَ لَعَلَّ بِعَسَى، فَأَتَى بِأَنْ فِي خَبَرِهِ"، قَوْلُهُ: يُخَفَّفُ؛ بِالضَّمِّ وَفَتْحِ الْفَاءِ، أَيِ الْعَذَابُ عَنِ الْمَقْبُورَيْنِ، قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَيْبَسَا؛ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ، أَيْ الْكِسْرَتَانِ،وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ:" إِلَّا أَنْ تَيْبَسَا"، بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلِلْمُسْتَمْلِي:" إِلَى أَنْ يَيْبَسَا"،بِإِلَى الَّتِي لِلْغَايَةِ، وَالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ، أَيِ الْعُودَانِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ:" يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا هَذِهِ الْمُدَّةَ"، وَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّ هُنَا لِلتَّعْلِيلِ، قَالَ:" وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ غَيْرُ هَذَا"، وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْوَحْيُ لَمَا أَتَى بِحَرْفِ التَّرَجِّي، كَذَا قَالَ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إِذَا حَمَلْنَاهَا عَلَى التَّعْلِيلِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:" وَقِيلَ: إِنَّهُ شَفَعَ لَهُمَا هَذِهِ الْمُدَّةَ، كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍرضي الله عنه؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا رَجَّحَ النَّوَوِيُّ كَوْنَ الْقِصَّة وَاحِدَة"، وَفِيه نظر لما أوضحناه مِنَ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ:" هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ مُدَّةَ بَقَاءِ النَّدَاوَةِ، لَا أَنَّ فِي الْجَرِيدَةِ مَعْنًى يَخُصُّهُ، وَلَا أَنَّ فِي الرَّطْبِ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِسِ"، قَالَ:" وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يُسَبِّحُ مَا دَامَ رَطْبًا؛ فَيَحْصُلُ التَّخْفِيفُ بِبَرَكَةِ التَّسْبِيحِ، وَعَلَى هَذَا فَيَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ رُطُوبَةٌ مِنَ الْأَشْجَارِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ فِيمَا فِيهِ بركَة كالذكر، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى"، وَقَالَ الطِّيبِيُّ:" الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِمَا مَا دَامَتَا رَطْبَتَيْنِ تَمْنَعَانِ الْعَذَابَ؛ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ لَنَا؛ كَعَدَدِ الزَّبَانِيَةِ"، وَقَدِ اسْتَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَضْعَ النَّاسِ الْجَرِيدَ وَنَحْوَهُ فِي الْقَبْرِ عَمَلًا بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ:" لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِبَرَكَةِ يَدِهِ"، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:" لِأَنَّهُ عَلَّلَ غَرْزَهُمَا عَلَى الْقَبْرِ بِأَمْرٍ مُغَيَّبٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ:لَيُعَذَّبَانِ"، قُلْتُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِنَا لَا نَعْلَمُ أَيُعَذَّبُ أَمْ لَا؟ أَنْ لَا نَتَسَبَّبَ لَهُ فِي أَمْرٍ يُخَفِّفُ عَنْهُ الْعَذَابَ أَنْ لَوْ عُذِّبَ، كَمَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَنَا لَا نَدْرِي أَرُحِمَ أَمْ لَا؟ أَنْ لَا نَدْعُوَ لَهُ بِالرَّحْمَةِ، وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ بَاشَرَ الْوَضْعَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ؛ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهِ، وَقَدْ تَأَسَّى بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ الصَّحَابِيُّرضي الله عنه بِذَلِكَ، فَأَوْصَى أَنْ يُوضَعَ عَلَى قَبْرِهِ جَرِيدَتَانِ؛ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ غَيْرِهِ، تَنْبِيهٌ: لَمْ يُعْرَفِ اسْمُ الْمَقْبُورَيْنِ، وَلَا أَحَدُهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَمْدٍ مِنَ الرُّوَاةِ؛ لِقَصْدِ السَّتْرِ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ عَمَلٌ مُسْتَحْسَنٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَالَغَ فِي الْفَحْصِ عَنْ تَسْمِيَةِ مَنْ وَقَعَ فِي حَقِّهِ مَا يُذَمُّ بِهِ، وَمَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ أَحَدَهُمَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍرضي الله عنه فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ، لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ إِلَّا مَقْرُونًا بِبَيَانِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْحِكَايَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَرَ دَفْنَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍرضي الله عنه كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا قِصَّةُ الْمَقْبُورَيْنِ؛ فَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَرضي الله عنه عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ:" مَنْ دَفَنْتُمُ الْيَوْم هَا هُنَا؟"، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا ذَبًّا عَنْ هَذَا السَّيِّدِ الَّذِي سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدًا، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:" قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ"، وَقَالَ:" إِنَّ حُكْمَهُ قد وَافقحُكْمَ اللَّهِ"، وَقَالَ:" إِنَّ عَرْشَ الرَّحْمَنِ اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ"، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ الْجَلِيلَةِ، خَشْيَةَ أَنْ يَغْتَرَّ نَاقِصُ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَيَعْتَقِدَ صِحَّةَ ذَلِكَ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمَقْبُورَيْنِ؛ فَقِيلَ: كَانَا كَافِرَيْنِ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ من حَدِيث جَابررضي الله عنه بِسَنَد فِيهِ ابن لَهِيعَةَ:" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، هَلَكَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَسَمِعَهُمَا يُعَذَّبَانِ فِي الْبَوْلِ وَالنَّمِيمَةِ"، قَالَ أَبُو مُوسَى:" هَذَا وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ، لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ لَمَا كَانَ لِشَفَاعَتِهِ إِلَى أَنْ تَيْبَسَ الْجَرِيدَتَانِ مَعْنًى، وَلَكِنَّهُ لَمَّا رَآهُمَا يُعَذَّبَانِ لَمْ يَسْتَجِزْ لِلُطْفِهِ وَعَطْفِهِ حِرْمَانَهُمَا مِنْ إِحْسَانِهِ، فَشَفَعَ لَهما إِلَى الْمدَّة الْمَذْكُورَة"، وَجزم ابن الْعَطَّارِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَقَالَ:" لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ لَمْ يَدْعُ لَهُمَا بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ، وَلَا تَرَجَّاهُ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ لَبَيَّنَهُ، يَعْنِي كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ"، قُلْتُ: وَمَا قَالَهُ أَخِيرًا هُوَ الْجَوَابُ، وَمَا طَالَبَ بِهِ مِنَ الْبَيَانِ قَدْ حَصَلَ، وَلَا يَلْزَمُ التَّنْصِيصُ عَلَى لَفْظِ الْخُصُوصِيَّةِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أَبُو مُوسَى ضَعِيفٌ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ فِيهِ سَبَبُ التَّعْذِيبِ، فَهُوَ مِنْ تَخْلِيطِ ابن لَهِيعَةَ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍرضي الله عنه الطَّوِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِمَا كَافِرَيْنِ فِيهِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَجْمُوعِ طُرُقِهِ أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، فَفِي رِوَايَةِ ابن مَاجَهْ:" مَرَّ بِقَبْرَيْنِ جَدِيدَيْنِ"، فَانْتَفَى كَوْنُهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَرضي الله عنه عِنْدَ أَحْمَدَ:" أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالْبَقِيعِ فَقَالَ: من دفنتم الْيَوْم هَا هُنَا؟" فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَقِيعَ
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
أكد تقرير المعهد الشرق الأوسط أن الهدنة المعلنة في 6 مايو بين الولايات المتحدة والحوثيين، المدعومين ...
The only comment is that the time of the doctor's availability is up to 430, 5 o'clock only However...
The only comment is that the time of the doctor's availability is up to 430, 5 o'clock only However...
They are serving a very dry steamed chicken breast and not tasty and the fish the should provide th...
A loop of wire that forms a circuit crosses a magnetic field. When the wire is stationary or moved p...
تعد مهارة التواصل من المهارات المهمة التي يعتمد عليها الإنسان، سواء على الصعيد المهني او الشخصي. كما...
The doctor is very brilliant . She told us how to control the sugar , gave advices to my son and tol...
تعتبر وفيات الأطفال واعتلال صحتهم من القضايا الصحية العاجلة التي تتطلب فهمًا عميقًا للعوامل المتعددة...
القطاع الزراعي يعتبر القطاع الزراعي بشقيه الحيواني و النباتي من أهم القطاعات في السودان حيث يضم 80...
يبدو أن نهاية حقبة نتنياهو قد اقتربت فعلا هذه المرة. إدارة ترامب تعتقد أن الضربات الأخيرة على إيران ...
تؤثر الألعاب الإلكترونية بشكل سلبي على المراهقين، خاصة في حال استخدامها بشكل مفرط أو عند اختيار ألعا...
إقليم تيغراي الإثيوبي. هذه التوترات تأتي على خلفية تباين أهداف الدولتين خلال الحرب في تيغراي، حيث سع...