Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (15%)

كانت جميع فسحات الغابة وانفراجاتها مضرجة بحمرة الغروب الياقوتية التي نوّرت الدرب بين بقعة وأخرى، كان الجوّ بين أشجار التنوب مغشياً بالألوان البنفسجية الداكنة كأنها الخمرة الأثيرية، وعندما وصلت إلى هذه الأبيات: لتتخيل نفسها واحدة من أفراد تلك الواقعة البطولية. لكنها ضبطت نفسها حتى لا تفضح ما اعتمل داخلها من لهفة غامرة. "ألا تشبه هذه الأمسية حلماً أرجوانياً ياديانا؟ إنها تجعلني أشعر بالسعادة لكوني على قيد الحياة. لأنه لو وافق لكان ذلك حدثاً مسلياً. هل فعل هذا؟" ما رأيك بهذا الخبر!" "أصحيح ما تقولينه؟ ولكني أخشى ألا تسمح لي ماريلا بالذهاب. هذا ما قالته الأسبوع الماضي عندما دعتني جين للذهاب معهم في عربتهم ذات المقاعد المزدوجة إلى الحفل الموسيقي الأميركي في فندق وايت ساندس. كنت أتحرِّق شوقاً للذهاب، "سأقول لك ما الذي يمكننا عمله، لقد سبق لجين وروبي أن حضرتا المعرض مرتين من قبل، وهذا يسعدني كثيراً، وأنا أحاول ألا أتخيل نفسي وأنا أتبختر بمعطفي وقبعتي الجديدين في رواق الكنيسة يوم الأحد، هي واحدة من تلك القبعات المخملية الصغيرة الدارجة هذه الأيام. وبالمناسبة ياديانا إن قبعتك الجديدة أنيقة وجميلة جداً. أتظنين أن تفكيرنا بملابسنا ليس تفكيراً تقياً؟ إن ماريلا تعتبره تفكيراً آثماً، لأن السماء الشرقية المطلّة على أشجار التنوب في الغابة المسكونة كانت فضية وخالية من الغيوم. لكن حماس أن كان أشدّ من أن تقبل على تناول الطعام بشهية. وهذا شئ أحمد الله عليه، ويسرني أنك ترين هذا يا آنسة باري. أنا لم أزر منزل العمة جوزفين من قبل، ولا أتمنى الآن إلاّ أن تراه جوليا بيل التي لا تكف عن المباهاة بصالة أمها . " قالت آن وهي تتنهد طرباً، ومكثن هناك وسررت من نفسي لأني سررت من أجلها. أمّا السيد بيل فربح الجائزة الأولى على خنزير. وعللت ذلك بأنها فيما بعد لن تكفّ عن التفكير بالخنزير كلّما رأت الناظر بيل مستغرقاً في الصلاة. أتستطيعين أنت ذلك؟ ربحت كلارا لويس ماكفرسن جائزة على الرسم، أثارني السباق كثيراً ياماريلا، رأينا رجلاً يطير بوساطة بالون، ولقد بدأت أدرك هذه الحقيقة الآن. حقيقة أن جميع تلك الأشياء التي كنت تتوقين إليها في طفولتك تفقد نصف روعتها عندما تحصلين عليها فيما بعد. ومساءاً صحبتهما الآنسة باري إلى حفل موسيقي أقيم في معهد الموسيقى، كانت السيدة سيلتسكي رائعة الجمال، لكني توقفت عن التفكير بكل هذه المظاهر عندما سمعتها تغني. وترقرقت عيناي بالدموع، قالت ديانا إنها خُلقت لتعيش في المدينة، وسألتني الآنسة باري عن رأيي، فأخبرتها أنه عليَ التفكيرِ مليّاً قبل الإدلاء بأي رأي. ولقد عاملتنا بطريقة ملوكية. وحضر "وماذا عنك أنت أيتها الصبية آن؟" إمرأة مسنة ذات طبع لا يخلو من الأنانية. " قالت لنفسها، "ولكني الآن لا أظنها مخطئة فيما أقدمت عليه. وكانت الأمواج تتكسر على الصخور بهسهسة خافتة، دجاج مشوي ياماريلا! لا تقولي أنك أعددته من أجلي!" لقد كانت هذه الأيام الأربعة أياماً موحشة بدونك، "لقد حظيت بوقت رائع،


Original text

حقبة في حياة آن
كانت آن تسوق الأبقار من المرعى الخلفي إلى الحظيرة على طول درب العشاق في ذات أمسية من أمسيات شهر أيلول. كانت جميع فسحات الغابة وانفراجاتها مضرجة بحمرة الغروب الياقوتية التي نوّرت الدرب بين بقعة وأخرى، بينما خيّمت ظلال أشجار البتولا على القسم الأكبر منه. كان الجوّ بين أشجار التنوب مغشياً بالألوان البنفسجية الداكنة كأنها الخمرة الأثيرية، وعلى قممها صدحت الريح بألحانها، وليس هناك على وجه هذه البسيطة موسيقى أعذب من تلك التي تعزفها الريح على أشجار التنوب في المساء.
تقدّمت الأبقار بتؤدة على طول الدرب. وتبعتها أن حالمة، تُردد بصوت عالٍ نشيد المعركة من قصيدة مارميون، التي كانت أيضاً ضمن مقرر اللغة الإنجليزية للشتاء الماضي، والتي جعلتهم الآنسة ستيسي يحفظونها عن ظهر قلب. كانت أن تتلوها جذلة بوقع أبياتها السريع وبصور مناوشات الرماح الخيالية فيها، وعندما وصلت إلى هذه الأبيات:
وتوارى حاملو الرماح الأشداء في غياهب أدغالهم الدهماء


وقفت مغلقة عينيها في حالة من الوجد، لتتخيل نفسها واحدة من أفراد تلك الواقعة البطولية. وما إن فتحتهما ثانية حتى وقع نظرها على ديانا وهي تتجاوز بوابة حقل آل باري وقد علت محياها علائم الجدّ. عرفت آن حالاً أن رفيقتها تحمل لها خبراً مهماً، لكنها ضبطت نفسها حتى لا تفضح ما اعتمل داخلها من لهفة غامرة.
"ألا تشبه هذه الأمسية حلماً أرجوانياً ياديانا؟ إنها تجعلني أشعر بالسعادة لكوني على قيد الحياة. والغريب في الأمر أني عندما يطلّ علينا الصباح أراه أجمل أوقات النهار، لكن ما إن يحلّ المساء حتى أرى أنه أكثر جمالاً ."
نعم، لا شكّ أنها أمسية لطيفة،" أجابت ديانا، "ولكن الأهم من ذلك يا أن هو ما أحمله من أخبار مثيرة. عليك أولاً أن تحزري، سأمنحك ثلاث فرص للتخمين."
قررت تشارلوت غيليز إقامة مراسم زواجها في الكنيسة أخيراً،
وتريد منّا السيدة آلن تزيين الكنيسة،" هتفت أن.
كلاّ. لم يوافق خطيب تشارلوت على هذا، لأن أحداً لم يتزوج في الكنيسة قبلهما. ويعتقد أن الزواج في الكنيسة سيبدو أشبه بالجنازة.
طبعاً هذه أنانية منه، لأنه لو وافق لكان ذلك حدثاً مسلياً. خمّني مرة أخرى."
"والدة جين ستسمح لها بإقامة حفلة عيد ميلادها؟"
هزّت ديانا رأسها نافية، ورقصت عيناها السوداوان مرحاً.
"لا أستطيع التفكير بشئ آخر،" قالت أن مستسلمة، "إلاّ إذا كان مودي سبرجيون ماكفرسون قد أوصلك إلى البيت ليلة أمس بعد اجتماع الصلاة. هل فعل هذا؟"
"كلا بكل تأكيد،" قالت ديانا بلهجة حانقة. "وما كنت لأفاخر بشئ من هذا لو فعل. ياله من مخلوق بغيض! كنت أعرف أنك لن تحزري. حسناً، لقد استلمت أمي اليوم رسالة من العمة جوزفين. وتريدنا العمة جوزفين أن نذهب أنا وأنت إلى المدينة يوم الثلاثاء القادم، ونبقى عندها من أجل حضور المعرض. ما رأيك بهذا الخبر!"
"أوه ياديانا " همست أن التي شعرت أن الموقف يقتضي منها الاتكاء على جذع شجرة قيقب طلباً للدعم. "أصحيح ما تقولينه؟ ولكني أخشى ألا تسمح لي ماريلا بالذهاب. ستقول إنها لا تحبذ تجوالي خارج البيت. هذا ما قالته الأسبوع الماضي عندما دعتني جين للذهاب معهم في عربتهم ذات المقاعد المزدوجة إلى الحفل الموسيقي الأميركي في فندق وايت ساندس. كنت أتحرِّق شوقاً للذهاب، لكن ماريلا قالت إنه من الأفضل لي البقاء في البيت ومراجعة دروسي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جين. كانت خيبة أملي مريرة ياديانا، وشعرت أن قلبي قد انفطر لدرجة امتنعت معها عن تلاوة صلاتي قبل إخلادي إلى النوم، لكني ندمت بعد ذلك فنهضت وصلّيت في منتصف الليل:"
"سأقول لك ما الذي يمكننا عمله، قالت ديانا. "سنجعل أمي تطلب من ماريلا السماح لك بالذهاب، ولا شكّ أنها في هذه الحالة ستكون أكثر ليونة. وإذا وافقت سنحظى بفرصة عمرنا يا آن. أنا لم أحضر في حياتي أي معرض، ولا شئ كان يضايقني أكثر من سماعي للبنات يتحدثن عن زياراتهن للمعارض. لقد سبق لجين وروبي أن حضرتا المعرض مرتين من قبل، وهما ذاهبتان هذه السنة أيضاً "
"لن أفكّر بهذا الحدث إلاّ عندما أتأكّد من ذهابي أو عدمه،"
حزمت آن أمرها. "لأني إذا فكرت به ثم خاب أملي سيكون ذلك فوق طاقة احتمالي. أمّا إذا قدّر لي الذهاب، فلا شكّ أني سأكون سعيدة جداً لأن معطفي الجديد سيكون جاهزاً في ذلك الوقت. لم تعتقد ماريلا في البداية أني كنت بحاجة إلى معطف جديد، ورأت أن معطفي القديم ما زال صالحاً ليخدمني شتاءين آخرين. وقالت إنه علي الاكتفاء بالحصول على فستان جديد. وهو فستان جميل فعلاً ياديانا بلونه الأزرق الغامق وتصميمه العصري. طبعاً أصبحت ماريلا الآن تخيط لي فساتيني حسب الموضة، وتقول إنه ليس في نيتها ترك المجال لماثيو ليقصد السيدة ليند حتى تخيطها لي. وهذا يسعدني كثيراً، لأنه من الأسهل على الإنسان أن يكون صالحاً إذا كانت أزياء ملابسه عصرية. على الأقل هذا أسهل بالنسبة لي، إذ قد لا يشكل أهمية كبيرة بالنسبة إلى الناس ذوي الفطرة الصالحة. مع ذلك أصر ماثيو على ضرورة حصولي على معطف جديد، لذلك اشترت ماريلا قماشاً من اللون الأزرق الفاتح، وسلّمته لخياط حقيقي في كارمودي.
وسيعطينا إياه ليلة السبت. وأنا أحاول ألا أتخيل نفسي وأنا أتبختر بمعطفي وقبعتي الجديدين في رواق الكنيسة يوم الأحد، إذ أخشى أن هذه الخيالات ليست تقيّة. لكن الأمر يفلت من يدي رغماً عني. وقبعتي الجديدة جميلة أيضاً، اشتراها لي ماثيو يوم ذهبنا إلى كارمودي. هي واحدة من تلك القبعات المخملية الصغيرة الدارجة هذه الأيام. وهي زرقاء وذات شراريب وأربطة ذهبية. وبالمناسبة ياديانا إن قبعتك الجديدة أنيقة وجميلة جداً. وعندما رأيتك تعتمرينها في الكنيسة يوم الأحد الماضي انتعش قلبي زهواً لأنك رفيقتي الحميمة. أتظنين أن تفكيرنا بملابسنا ليس تفكيراً تقياً؟ إن ماريلا تعتبره تفكيراً آثماً، ولكن ألا ترين معي أنه موضوع مشوّق جداً ؟"
سمحت ماريلا لآن بالذهاب إلى المدينة. وتم الاتفاق على أن يقوم السيد باري باصطحاب الفتاتين إليها يوم الثلاثاء التالي. كان لزاماً عليهم مغادرة أفونليا في وقت مبكر جداً، نظراً لأن المدينة تقع على مبعدة ثلاثين ميلاً، ولأن السيد باري أراد الذهاب والعودة في اليوم نفسه. لكن أن اعتبرت هذه الترتيبات شيئاً ممتعاً، ونهضت في يوم الثلاثاء قبل مشرق الشمس. وتأكّدت بعد نظرة خاطفة من نافذة غرفتها أن الطقس سيكون معتدلاً، لأن السماء الشرقية المطلّة على أشجار التنوب في الغابة المسكونة كانت فضية وخالية من الغيوم.
وكان الضوء الذي شع في السقيفة الغربية لدارة منحدر البستان من خلال فرجة الأشجار، دليلاً على نهوض ديانا أيضاً.
انتهت آن من ارتداء ملابسها خلال الوقت الذي أشعل فيه ماثيو نار الموقد. وأُعدّت وجبة الإفطار بعد نزول ماريلا من غرفتها. لكن حماس أن كان أشدّ من أن تقبل على تناول الطعام بشهية. وبعد انتهاء الإفطار ارتدت معطفها وقبعتها الجديدين وهرعت إلى دارة منحدر البستان عبر جسر الجدول ثم حرش أشجار التنوب. كان السيد باري وديانا بانتظارها، وسرعان ما باشروا رحلتهم.
استمتعت آن وديانا بكل لحظة من لحظات تلك الرحلة رغم طول المسافة. ولا شئ بدا لهما أكثر عذوبة من صوت قعقعة العربة فوق الطرقات الندية تحت ضوء الشروق الأحمر الزاحف نحو حقول الحصاد. كان الجو منعشاً وغضّاً، يكتنفه السديم الدخاني الزرقة الذي غلّف الوديان وطفا فوق التلال. وكان الطريق يمتدّ أحياناً بين الأحراش حيث أشجار القيقب المحمّلة بأوائل براعمها القرمزية، أو يمضي قاطعاً الأنهار فوق جسور جعلت جسم أن ينكمش بذلك الفزع القديم المشرب بالحبور. وفي أحيان أخرى ينعطف نحو الساحل، مروراً بأكواخ الصيد الرمادية الصغيرة ذات الأشكال العنقودية، ثم يصعد من جديد نحو التلال المطلّة على البقاع المتعرجة أو المشرفة على السماء الزرقاء السديمية. لكنه أينما مضى تكشّف عن كثير من الأمور المثيرة المحفّزة على النقاش. كان النهار قد انتصف تقريباً عندما وصلت العربةُ المدينةَ وتوجّهت نحو منطقة بيتشوود حيث تقع دار الآنسة باري الفسيحة، الجميلة، القديمة الطراز، القائمة بعيداً عن الشارع بين عزلة أشجار الدردار الخضراء والزان المغصوصن.
استقبلت الآنسة باري ضيفتيها عند الباب، وعيناها السوداوان الثاقبتان تشعان بالوميض.
"إذن، جئت أخيراً لزيارتي أيتها البنت آن،" قالت. "عجبا، عجباً، كم كبرت أيتها الطفلة! أرى أنك غدوت أطول مني الآن، بل وتبدين أجمل بكثير ممّا كنت عليه. طبعاً أظنك تعرفين هذا من غير أن يخبرك به أحد."
"لا، لم أكن أعرف،" أجابت أن وهي تتوهج حيوية. "أعرف أني ما عدت منمشة كما كنت في السابق، وهذا شئ أحمد الله عليه، ولكن فيما عدا ذلك لم أجرؤ حتى على مجرد الأمل بأي تحسن آخر.
ويسرني أنك ترين هذا يا آنسة باري."
كان منزل الآنسة باري مؤثثاً بأبّهة فخمة، كما أخبرت آن ماريلا فيما بعد. وفي البداية، ارتبكت الصغيرتان قليلاً من عظمة الصالة التي تركتهما فيها الآنسة باري ريثما تشرف على تحضير الغداء.
"ألا يشبه البلاط الملكي، أنا لم أزر منزل العمة جوزفين من قبل، وما كانت لدي أدنى فكرة عن مدى رحابته. ولا أتمنى الآن إلاّ أن تراه جوليا بيل التي لا تكف عن المباهاة بصالة أمها ."
"سجادة مخملية،" قالت آن وهي تتنهد طرباً، "وستائر حريرية!
كثيراً ما حلمت بمثل هذه الأشياء ياديانا. مع ذلك لا أجدني مرتاحة كثيراً لوجودها حولي. توجد في هذه الغرفة أشياء كثيرة جداً، وجميعها بالغة الروعة لدرجة أنها لاتترك للخيال أية فسحة. لا شكّ أن ما يعزيك عندما تكونين فقيرة، هو قدرتك على تخيُّل امتلاكك للأشياء التي ترغبين فيها؟
كانت إقامة أن وديانا في المدينة حدثاً استحقّ أن تؤرخ الفتاتان حياتيهما بدءاً منه لعدة سنين، لأنها كانت إقامة مكتظّة بالأحداث المفرحة من بدايتها إلى نهايتها.
أخذتهما الآنسة باري يوم الأربعاء إلى المعرض، ومكثن هناك
طيلة النهار.
"كان عظيماً" روت آن لماريلا فيما بعد. "ما تخيلت في حياتي شيئاً مسلياً مثله. ولا أدري حقاً أي فرع منه كان أكثر تشويقاً. مع ذلك أظنني أحببت فروع الأحصنة والأزهار والأعمال الزخرفية أكثر من غيرها. نالت جوزي باي الجائزة الأولى على حياكة الشرائط.
وسررت من أجلها كثيراً، وسررت من نفسي لأني سررت من أجلها.
ألا تظنين ياماريلا أن هذا يدلّ على تحسّن أخلاقي؟ ربح السيد هارمون آندروز الجائزة الثانية على التفاح المطعّم. أمّا السيد بيل فربح الجائزة الأولى على خنزير. ورأت ديانا أنه من السخف أن يربح ناظر مدرسة الأحد جائزة على خنزير. وعللت ذلك بأنها فيما بعد لن تكفّ عن التفكير بالخنزير كلّما رأت الناظر بيل مستغرقاً في الصلاة.
لكني ياماريلا لم أستوعب ما قصدته، أتستطيعين أنت ذلك؟ ربحت كلارا لويس ماكفرسن جائزة على الرسم، أمّا السيدة ليند فحصلت على الجائزة الأولى لأفضل المصنوعات البيتية من الجبنة والزبدة. ألا تظنين ياماريلا أنه قد تمّ تمثيل أفونليا في المعرض خير تمثيل؟ طبعاً كانت السيدة ليند هناك في ذلك النهار. ولم أعرف مطلقاً كم كنت أحبها إلاّ عندما رأيت وجهها المألوف بين آلاف الغرباء الذين عجّ المعرض بهم، حتى جعلتني كثرتهم أشعر بضالتي. أخذتنا الآنسة باري إلى المنصّة الكبيرة لنتفرّج على سباق الأحصنة. أمّا السيدة ليند فلم تقصد تلك البقعة لأنها تعتبر سباق الأحصنة شيئاً موبقاً.
ورأت أن عضويتها الكنسية تحتّم عليها ضرب مثل صالح بتجنبها لهذه الأماكن. لكني لا أظن ياماريلا أن أحداً من ذلك الحشد الهائل لاحظ غياب السيدة ليند. أثارني السباق كثيراً ياماريلا، ولا أعتقد أنه يجدر بي حضور السباقات دائماً. ولقد وصل الحماس بديانا إلى درجة أنها عرضت علي مراهنتي بعشرة سنتات على فوز الحصان الأحمر. لكني رفضت مراهنتها رغم أني ما كنت أظنه سيتمكّن من الفوز، وذلك لأني أردت إطلاع السيدة الن على كل ما جرى معي، وأدركت أني لن أجرؤ على ذكر حكاية الرهان أمامها. ومن المعيب حتماً قيامك بعمل لا تستطيعين إطلاع زوج القسّ عليه. طبعاً، من الجيد أن يكون المرء مرتبطاً بأواصر الصداقة مع زوج القس، لكنها أيضاً مسؤولية كبيرة تستدعي التمسك الدائم بالفضيلة. على العموم، ربح الحصان الأحمر السباق، وكنت سأخسر عشرة سنتات لولا رفضي لذلك الرهان الذي كان من صالحي، بل وبمثابة مكافأة لي.
رأينا رجلاً يطير بوساطة بالون، وأتمنى ياماريلا لو تتاح لي فرصة الطيران ببالون، لأن هذا سيكون بكل بساطة ممتعاً. والتقينا رجلاً يقرأ الطالع. تدفعين له عشرة سنتات ويقوم طائر صغير بالتقاط ورقة تحتوي على طالعك. أعطت الآنسة باري لكل منّا؛ أنا وديانا، عشرة سنتات لنقرأ طالعنا. ونص طالعي على أني سأتزوج رجلاً أسمراً فاحش الثراء، وأني سأقطن في مكان أعبر إليه البحار. راقبت بانتباه جميع الرجال السمر الذين رأيتهم هناك، ولكني لم أشعر بالميل لأي منهم. وفي جميع الأحوال أظن أن الوقت مازال مبكراً لأبحث عنه.
كان يوماً لا يُنسى ياماريلا، وبلغ بي الإعياء درجة منعتني من النوم تلك الليلة. استضافتنا الآنسة باري في غرفة نوم الضيوف كما وعدتني سابقاً. كانت غرفة فخمة ياماريلا، ولكني لم أجد النوم في هذه الغرفة كما كنت أتخيله. ولعل هذا من أسوأ الأمور التي تصيبك عندما تكبرين، ولقد بدأت أدرك هذه الحقيقة الآن. حقيقة أن جميع تلك الأشياء التي كنت تتوقين إليها في طفولتك تفقد نصف روعتها عندما تحصلين عليها فيما بعد."
ذهبت البنتان في يوم الخميس إلى المنتزه، ومساءاً صحبتهما الآنسة باري إلى حفل موسيقي أقيم في معهد الموسيقى، حيث ستغني فيه مغنية أوبرا ذائعة الصيت. كانت تلك الأمسية بالنسبة إلى آن كالحلم المتوهج ببريق السعادة.
"كان ذلك يفوق الوصف ياماريلا، وبلغ بي الحماس درجة جعلتني أسيرة الصمت التامّ. وأظن أن هذا يعطيك فكرة عن مدى روعته.
كانت السيدة سيلتسكي رائعة الجمال، بثوبها الأبيض اللامع المرصّع باللآلى. لكني توقفت عن التفكير بكل هذه المظاهر عندما سمعتها تغني. ولا أستطيع ياماريلا أن أعبّر لك عن المشاعر التي انتابتني حينها، وبدا لي أنه باستطاعتي أن أصبح بنتاً صالحة فيما بعد بدون أية صعوبة. كانت أحاسيسي تشبه تلك الأحاسيس التي تسيطر علي عندما أتطلع نحو النجوم، وترقرقت عيناي بالدموع، لكنها كانت دموع حبور. ولكم حزنت عندما انتهى كل شئ. وأخبرت الآنسة باري أني لا أعرف كيف سأتمكن بعد ذلك الحفل من العودة إلى رتابة الحياة العادية. فقالت الآنسة باري أنني قد أتجاوز هذا الشعور إذا قصدنا المطعم الذي يقع في الجهة المقابلة من الشارع وتناولنا البوظة. بدا لي ما تقوله مجرد كلام، لكني دُهشت كثيراً عندما وجدته كلاماً صحيحاً.
كانت البوظة لذيذة جداً ياماريلا، ولم يكن هناك أروع وأكثر ترفاً من الجلوس في ذلك المطعم في الساعة الحادية عشرة ليلا لتناول البوظة.
قالت ديانا إنها خُلقت لتعيش في المدينة، وسألتني الآنسة باري عن رأيي، فأخبرتها أنه عليَ التفكيرِ مليّاً قبل الإدلاء بأي رأي. وفي تلك الليلة فكرت بالأمر تفكيراً عميقاً بعد أن أويت إلى السرير، لأن هذا الوقت هو أنسب وقت للتفكير. واستنتجت ياماريلا أني لم أكن قد خُلقت من أجل حياة المدينة، بل ويسعدني ألا أكون في المدينة. طبعاً، من اللطيف أن ترتادي المطاعم الفخمة ليلاً بين حين وآخر لتتناولي البوظة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالحياة اليومية العادية فلا شئ أروع من أن أكون نائمة في غرفتي عندما يكون الوقت قد شارف الساعة الحادية عشرة ليلاً، وأنا أعرف أن النجوم تشعّ خارج نافذتي، وأن الريح تعصف فوق أشجار التنوب عند الجدول. أخبرت الآنسة باري برأيي على طاولة الإفطار في صباح اليوم التالي، فضحكت. كانت الآنسة باري تضحك على أي شئ أقوله، حتى وإن كان جدياً. ولا أظنني استسغت هذا ياماريلا، لأني ما كنت أسعى إلى التصرّف بطريقة هزلية. مع ذلك، لا شك أن الآنسة باري إمرأة مضيافة جداً، ولقد عاملتنا بطريقة ملوكية."
أخيراً، حلّ يوم الجمعة مع تباشير العودة إلى البيت، وحضر
السيد باري ليصطحب الفتاتين.
"أرجو أن تكونا قد استمتعتما بإقامتكما هنا، قالت الآنسة باري، عندما ودّعتهما.
"نعم، بكل تأكيد،" قالت ديانا.
"وماذا عنك أنت أيتها الصبية آن؟"
"لقد استمتعت بكل لحظة من لحظات وقتي" أجابت آن وهي تلفّ ذراعيها حول عنق المرأة المسنّة وتقبّل خدّها الهرم. أمّا ديانا التي لم تكن تملك جرأة الإقدام على عمل مماثل، فقد دهشت من طلاقة آن في تعبيرها عن مشاعرها. لكن الآنسة باري شعرت بالرضى، ووقفت في شرفتها وراقبت العربة تبتعد عن ناظريها، ثم دخلت بيتها الكبير وهي تتنهد. بدا ذلك البيت موحشاً بعد أن فارقته الحياة التي أشاعتها الصبيتان اليافعتان.
كانت الآنسة باري في الواقع، إمرأة مسنة ذات طبع لا يخلو من الأنانية. وما كانت تكترث لأي مخلوق غير نفسها، وبالتالي لطالما قيمت الناس حسب نفعهم لها أو عملهم على تسليتها. ولقد حظيت آن باهتمامها لأنها كانت تسليها. مع ذلك شعرت الآنسة باري أن استلطافها لتلك الطفلة ماعاد منصبّاً على أحاديثها الظريفة بقدر ما أصبح منصباً على حماسها الفتيّ وعواطفها الشفافة وحركاتها الساحرة اللطيفة ووداعة عينيها ورقّة شفتيها.
"كنت أعتقد أن ماريلا كُتُبيرت ليست إلاّ عانساً حمقاء عندما علمت أنها تبنّت فتاة من ملجأ للأيتام،" قالت لنفسها، "ولكني الآن لا أظنها مخطئة فيما أقدمت عليه. ولو كان يوجد في بيتي طفلة مثل آن لغدوت امرأة أكثر سعادة ممّا أنا عليه."
وجدت آن وديانا رحلة العودة إلى البيت بجمال رحلة الذهاب، بل وأكثر جمالاً. لأن سرورهما في هذه المرة كان ناجماً عن معرفتهما بأن البيت ينتظرهما في آخر المطاف.
كان الوقت قد شارف الغروب عندما اجتازوا بلدة وايت ساندس، ثم سلكوا طريق الشاطئ، حيث لاحت أمامهم تلال أفونليا داكنةً تحت السماء الزعفرانية، بينما بزغ خلفهم القمر طالعاً من البحر ومضفياً عليه بريق أضوائه العظيمة. كانت الخلجان الصغيرة على طول الطريق أعجوبة من المياه المتراقصة، وكانت الأمواج تتكسر على الصخور بهسهسة خافتة، وكان الجوّ مفعماً برائحة البحر المنعشة.
"رائع أن نكون على قيد الحياة وأن نكون في طريقنا إلى البيت." هتفت أن وهي تأخذ نفسأ عميقاً.
عندما وصلت العربة إلى أفونليا، أسرعت أن قاصدة البيت. وبينما كانت تعبر جسر الجدول بعث لها ضوء مطبخ المرتفعات الخضراء غمزة ترحيب ودودة، ولوحت لها نار الموقد المتوهجة من خلال الباب المفتوح وهي ترسل وميضها الأحمر الدافئ إلى ليل الخريف الصقيعي. جرت أن مرتقية المرتفع بفرح، وسرعان ما وصلت واندفعت إلى المطبخ حيث كان العشاء الساخن ينتظر على الطاولة.
"أرى أنك عدت أخيراً؟" قالت ماريلا، وهي تطوي أدوات حياكتها.
"نعم عدّت ياماريلا، ولا شئ أجمل من العودة،" قالت آن بحبور.
"يُسعدني في هذه اللحظة تقبيل كل شئ، حتى تلك الساعة. أوه، دجاج مشوي ياماريلا! لا تقولي أنك أعددته من أجلي!"
"بلى،" أجابت ماريلا. "فكّرت أنك ستكونين جائعة بعد هذه الرحلة، وستحتاجين إلى وجبة مُشهية. أسرعي وانزعي عنك ثيابك وسنتاول العشاء ما إن يأتي ماثيو. أنا سعيدة بعودتك يا آن. لقد كانت هذه الأيام الأربعة أياماً موحشة بدونك، ولم يسبق لي أن عشت أياماً أكثر طولاً منها ."
جلست آن بعد تناول العشاء أمام الموقد، بين ماثيو وماريلا
وشرعت تحكي لهما بإسهاب عن جميع وقائع رحلتها.
"لقد حظيت بوقت رائع،" اختتمت أن حديثها بسعادة، "وأشعر أنه يحدّد حِقْبة مميزة من حقب حياتي، لكن أروع ما فيه على الإطلاق هو العودة إلى البيت."


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

مفهوم التنشئه ا...

مفهوم التنشئه البيئيه عمليه تكوين القيم والاتجاهات والمهارات لفهم العلاقه بين الانسان والمحيط الذي ...

لكي تكوني شابة ...

لكي تكوني شابة ناجحة، يجب أن تعي تماماً أن النجاح ليس مسألة حظ، بل هو نتيجة لجهودك المستمرة وإصرارك ...

إن وجود ثنائية ...

إن وجود ثنائية طب تقليدي وطب حديث لا يقتصر وجودها في الجزائر فحسب فالمطلع على أبحاث العلماء والباحثي...

تتفوق الكتب الإ...

تتفوق الكتب الإلكترونية على الكتب الورقية في كونها سهلة الحمل والتخزين، حيث يمكن الوصول إليها في أي ...

حال المرأة الغر...

حال المرأة الغربية في أوروبا والغرب بالنظر إلى التاريخ الغربي، سنجد أن المرأة لم تكن تُعامل بوصفها ك...

ثانياً: تعريف ا...

ثانياً: تعريف الإعاقة والمعاق: [أ] تعريف الإعاقة: لقد تعددت تعاريف الإعاقة ومنها: * التعريف الأول: ...

● Revenue Trend...

● Revenue Trend Graph: On the left side (for example), we have a line chart showing revenue over tim...

hello students ...

hello students Welcome to our preclinical pharmacology Channel today we are going to discuss some in...

رابعا : خاصية ا...

رابعا : خاصية التدرج و الخضوع الرئاسي خضوع النيابة العامة للسلطة الرئاسية يعني أن على عضو النيابة ا...

عوامل الخطر الم...

عوامل الخطر المرتبطة بمتلازمة الأكل الليلي تشمل مجموعة من العوامل النفسية، السلوكية، والبيئية التي ق...

- كما ان للفطري...

- كما ان للفطريات اهمية كبيرة فى التربة الزارعية حيث انها تقوم بتحليل معظم البقايا النباتية مثل السل...

عيد الفطر في ال...

عيد الفطر في المنطقة الشمالية من المملكة العربية السعودية يحمل طابعًا مميزًا يجمع بين **الترابط الاج...