Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

ومن خلاله يتعرف على نفسه، وإذا كان الاستعمار سلب للأرض والخيرات، فلن يستطيع سلب الزمن أو الحرية، والحرب التحريرية هي إعطاء المعنى الحقيقي للحرية واسترجاع الأرض - المكان الذي فيه السيادة والدولة والشخصية الجغرافية والوطنية، وإذا أخذنا مثالاً عن الحقيقة العلمية التي كثيراً ما يشار إليها في الكلام عن أنواع الحقيقة، أي ضد معنى الحرية والدفاع عن الحقيقة والمطالبة بالاعتذار والاعتراف بالمسؤولية والجرم، ولا تقل معركة اليوم عن المقاومة والثورة، فنحن في كلتا الحالتين نكافح من أجل هويتنا، حريتنا إنه كفاح من أجل زمن الحقيقة، وهو هنا زمن الحرية الذي يبقى مستمراً معنا مادام هناك وعي غربي يرى ذاته مركز العالم والحضارة والدفاع عن حقوق الإنسان، إنها لم تكتمل، وهو العدالة. هذه المفاهيم الثلاثة تتضايف الحقيقة والحرية والعدل، لكن كل ذلك يقتضي آخر - غيرية - يعترف بالحقيقة، أن الحقيقة لم تعد مرتبطة بـ «الأناء مثل ما أسس ذلك هنري ديكارت صائغ العقلية الفرنسية أنا أفكر إذا أنا موجود، أي أن الآخر إما أن يلغى أو يستعبد، أولاً : الذاكرة وبلاغات : التبرير والاعتقاد والاقتناع في أجواء شعار إعادة كتابة التاريخ وقد كان شعاراً فارغاً مراوغاً لشيء لم يكتب، لقد بقيت علاقتنا بالماضي تتسع هوتها بسبب أن السلطة ظلت تقدم خطاباً تبريرياً لتسلطها وشرعيتها باسم الماضي، باسم الذاكرة، ومن هذا النفور ما نلمسه من عدم الاهتمام البيداغوجي والعلمي بالمادة التاريخية في المؤسسات المدرسية والجامعية (1)، وهنا تمت أسطرة الماضي الثوري وأسطرة الشخصيات التاريخية، والعلاقة بالزمن هنا ليس الماضي فقط ولكنه الحاضر والمنتظر، ورجال المال المعنى الواحد وبتراثنا، مازلنا مثلاً نهمل القوة الإبداعية الخيالية الشفهية، منها الأثر الفني في المعمار والمصنوعات وغيرهما، إن إعادة تشكيل خطابنا التراثي معناه القراءة والتفسير وفن التأويل، تعدد المعنى ونقله وترجمته من سياقات ثقافية إلى أخرى مع الإدراك والوعي بذلك، حضوره إلى الحاضر ضمن سياقاتنا الحضارية، مع الإقرار بالمسافة الزمنية والنفسية، منذ الاستقلال ظل النص واحداً والمعنى واحداً لتراث مازال جزوه الأكبر غير معروف مخطوط مهمل في الأقبية والزوايا وعند أصحابها للتبرك أو مسكوت عنه، أو يحكى لنا عبر سود الآخر، سود الآخر حول ذاتنا مهم في العملية التاريخية وفي الوعي التاريخي لوضعنا غير أن خطاب الآخر المتشكل في ظروف تاريخية معينة ارتبط ببلاغة الخداع والمكر فالحاجة الأيديولوجية الاستيطانية الاستعمارية تقتضي ذلك، كانت هذه البلاغة تجد سندها المرجعي في البلاغة الأنوارية الفرنسية، ليس النص العقد الاجتماعي في. ولكن الذين يحتكرون هذا التراث الأنواري، يلبسونه ما يشتهون، فمرة تكون هذه البلاغة الماكرة باسم تحضير وتعدين المتخلف، ومرة أخرى باسم العدالة وحقوق الإنسان أو باسم محاربة الإرهاب وإحلال الديمقراطية ما حدث في العراق، وما يحدث في لبنان، وترى أن خطاب النهايات الذي يرى انتصارات لليبرالية الأمريكية هي استمرار للمطلق الهيغلي المتمركز في الأنا وترى الآخر في استعباده وإلحاقه بالانا، ومن الخطب التي تقع على يسار هذه الليبرالية، نظرية العدالة التي أسس رؤيتها الفيلسوف الأمريكي جون راولس ولها امتداداتها التأثيرية اليوم في أمريكا وفرنسا والمانيا. لقد تم منذ دخول الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر تشكيل ذاكرة وخيال عن الجزائر يضاهي القدرات العسكرية للمحتل، وبالمقابل كانت الرؤية التقليدية الآسنة التي ترعاها أجيال تتماهى مع ذاتها، وتحاكي أناها، تعيش على بلاغة المناقب في نصوص التاريخ والأدب والحكي، أو رؤية عدمية سلبية تجد سندها في بلاغة الجهاد وفي الزمن الإسلامي الأول المعاد تأويله من خلال الخطاب القطبي التنظيري، أو من خلال الفعل التأويلي العنفي القاعداتي نسبة إلى القاعدة، ويصبح الزمن - عندهم - ممتداً جهادياً من غزوة بدر» إلى «غزوة مانتهاین ۱۱ ايلول / سبتمبر ۲۰۰۱ هذا الخطاب يحاول أن يسيج نفسه من العولمة بنصوص الأجداد السلف ضد الآخر المخترق للأنا كان له ما يبرره زمن المقاومة تقصد هنا الجهاد، لكن استمراره شكل في ما بعد عائقاً معرفياً ابستومولوجيا نحو اجتهاد في الدين والدنيا والدنيا والسياسة، وهي تلتقي مع السرد العنفي، للحداثة في محاولة التبرير ورفض الآخر كلية وتصويره شيطانياً، وطبعاً كان هنا للغلاف العقائدي - الديني دوره في ابتكار صور وأساليب حجاجية، فتقرأ الذات ذاكرتها في الفعل المقاوماتي أو العكس اي تقريباً نصف قرن المتبقى من زوال دولة الأتراك إلى اليوم، وهي مسافة زمنية قد تعرف سمة الدوران وليس الامتداد الكرونولوجي، أدب، أما الفعل الإنساني الاجتماعي فيتابع كإنجاز القول الخطاب بالمعنى التداولي، وكتلاحم معه، أو عالم النص أو في الفعل، كثورة ١٩٥٤، ثانياً: من احتلال الأرض إلى احتلال الذاكرة ان احتلال الذاكرة عبارة مجازية، وه الظاهرة الاستعمارية ظاهرة تاريخية من الناحية الزمنية والسياسية تعتبر منتهية ومرحلة سابقة مثل حديثنا عن الحربين العالميتين والحرب الباردة والشيوعية، ويبقى الحديث عن الآثار وما ينجم عن ذلك من الحديث المدرسي، لكن معاودة التحليل والفهم سواء للظاهرة في ظروف العولمة الجديدة والنظام العالمي الجديد وتتبع بقاء عقيدة الهيمنة عبر القوى الجديدة واستمرارها عبر أشكال من التفوق العلمي والتكنولوجي والإعلامي التي تختلف من الناحية التاريخية عن الاستعمار ولكن ما بقي مستمراً كايديولوجية متجددة للهيمنة في الكتابة اليوم المتعلقة بالإرهاب والعولمة والتغيير الجغرافي السياسي درجنا على أننا نعيش أثر الحرب الباردة، والبعض يعزو اليوم العولمة وعنفها والرعب المضاد لها إلى انعدام التوازن الرعبي بين الشرق والغرب وبالتالي تصير العولمة شكلاً جديداً من الهيمنة، وهي عملية منهجية تحليلية للخطاب بكل ما تعني كلمة خطاب اليوم في حقولها الدلالية والتنوعية والرمزية في العلوم الإنسانية وحتى العلم في حد ذاته، إنه رعب في مواجهة رعب، سؤال لماذا الاستعمار، ما هي أسبابه ومكوناته وآثاره؟ هو بحث في الحقيقة، ولكن السؤال اليوم، ما هي حقيقة استمرار الاستعمار، أي ما هي العوامل التي تجعل الهيمنة تتجدد والاحتلال يتجدد من خلال الوعي والزمن والجغرافيا وأقصد هذا بالوعي أي استمرار الثقافة والقيم التي تجعل من الأنا الغربي ينظر إلى هويته وذاته على أنها التي لها الحق في الدفاع عن حقوق الإنسان وحفظ السلام العالمي وإبقاء التوازن وحفظ البيئة. أما الزمن فهو هنا الذاكرة والنسيان والمحو، والذاكرة زمن مساحة ليست محدودة جغرافياً وليست تراباً، الذاكرة هي المشكل للهوية، الزمن أو الذاكرة هناء هي سكني كاللغة هي السكن عند هيدغر سنحاول تلمس العناصر الباقية المتجددة التي تشكل أيديولوجية تاريخ الهيمنة سواء عبر البحر أو الأرض أو الهوية والذاكرة، والجزائر كانت تحت هذه الهيمنة بمستوياتها الثلاثة. 1 - الحقيقة : أنا الحقيقة وكان الشعار التالي ملخصاً لذلك إعرف نفسك بنفسك وصحيح أن التفكير حول الفرد والذات كان عاملاً أساسياً في تبلور أيديولوجية التمركز حول الذات، فالأناء، (الذات) لا معنى لها سوى أنها المقابل لـ الآخر (Autre) تقابل تعارض وتضاد، وما له دلالة في هذا الصدد أن كلمة (Altérite) أي الغيرية ذات علاقة اشتقاقية بـ (Alterer et Alteration) وتعنيان تغير الشيء وتحوله إلى الأسوا، تعكر، فساد، بل الغيرية في الفكر الأوروبي مقولة تؤسسها فكرة السلب أو النفي (La Negation)، في الأناء لا يفهم إلا بوصفه سلباً، لـ «الآخر». وغني عن البيان القول إن لفظ الآناء في العربية المعاصرة إنما هو ترجمة لأداء معنى (Le Meme) بالفرنسية و (Fgo) بالإنكليزية والألمانية. ومن هذه الكلمة اشتقت مصطلحات أخرى مثل (Egocentrisme) وهو ما نترجمه اليوم بـ التمركز حول الذات، وكذلك (Egoisme) بمعنى الأنانية في الاستعمال اللغوي العام. وجوداً وهمياً، وأيضاً: الميل إلى إرجاع كل شئ إلى الذات. ذلك لأن كل أناء هو عدو، مفهوم «الأنا» مبني على السيطرة، وفي هذا المعنى كتب ماكس هوركهيمر يقول: من الصعب جداً أن يحدد المرء بدقة ما أرادت اللغات الأوروبية في وقت من الأوقات أن تقوله وتعنيه من خلال لفظ Ego (الأنا). فمن حيث إنه مبدأ الأناء الذي يحاول جاهداً كسب المعركة ضد الطبيعة على العموم وضد الآخرين من الناس على الخصوص، يبدو الـ (Ego) مرتبطاً بوظائف السيطرة والحكم والتنظيم [. ولم يتحرر مفهوم الأنا في أي وقت من حمولاته وشوائبه الأصلية الراجعة إلى نظام السيطرة الاجتماعية. بالتنسيق بين ما تنقله الحواس ويصدر أوامره إلى مختلف أجزاء الجسم. ودلالته ووظيفته في الفكر الأوروبي، أي بوصفه موضوعا للسيطرة أو عدواً، ولم يستسغ بعض الزملاء ذلك، طيف يؤمن به العقل الغربي ليس فقط كجزء من التدين المسيحي، ولكن كمعرفة، وكأيديولوجية ترى أن ما يشوش الحقيقة هو هذا الطيف الذي ضلل ديكارت في وصوله للمعرفة، إذاً، هذا التراث المرتبط بنمط اقتصادي يرى في خيرات الآخرين تطوراً للرأسمالية والليبرالية السياسية ربط الحقيقة بالمعتقد والتحيز لها، وبالتالي كان التبرير للجريمة والإبادة والانتهاكات الإنسانية واليوم يبرر كذلك بتلوينات جديدة وبلغة أخرى، وفي كلتا الحالتين تقديم حقيقة واحدة وذاكرة واحدة وذات واحدة، هو فلسفة تجد جذورها في القول بـ العقل الكلي عند هيغل، وترجمه فعلياً من حيث الدعوة إلى الاستعمار توكفيل، وهنا يكون التبشير بحقوق إنسانية تلغي خصوصية الآخرين وهوياتهم بمنطق العقل الكلي الذي هو تنويع للذاتية المركزية التي تحدثنا عنها أنفاً. وترى بطريقة تقليدية أن الصراع هو بين الخير والشر، وهي رؤية ممزوجة بمسيحية مؤولة في نصوص المفكرين الاستراتيجيين من اليمين الجديد، وهي رؤية يوجه لها اليوم انتقاد شديد حتى في الأوساط الفكرية الغربية (٢)، فمثلاً جون بودريال المشار إليه أنفاً يرى أن الخير حينما يراد تطبيقه بالقوة يصير شراً، ولو كان الإسلام هو اليوم له السيطرة مثل الليبرالية الغربية لواجه مقاومة، وبالتالي فالصراع هو ضد العولمة الجديدة، ضد استمرار أيديولوجية الهيمنة، غير أن الحرب اليوم تختلف فالموت المتناهي في الصغر أي الاستشهاد هو فعل المقاومة الوحيد، ولو حاولنا فهم الأيديولوجية الصهيونية لوجدناها خلاصة الفكر الغربي في الاستيطان والاستحواذ والهيمنة بالرغم من قيامها على ذاكرة الضحية، فهو الشعب المقهور المعذب، ولكن هذه الذاكرة هي نفسها ذاكرة الجلاد. وستحاول مثلاً أن تعرض للخلاف من داخل العقلية الغربية المسألة الإجماع والتنازع بين الفرنسيين والألمانيين الذين يتحركون على أرضية واحدة من خلال مفكرين معروفين يورغن هابرماس الألماني وفرنسوا ليوتار اللذين لم يلغيا الآخر. إن التقابل بين التنازع والإجماع تقابل تضاد، فهما لا يجتمعان معاً وقد يرتفعان معاً بحكم وجود حالات تواصل متوسطة كالجدال والتفاوض، ويتميز مبحث التواصل بوجود آخر عكس مباحث التلقي والنقد وتحليل الخطاب، وتطرح نظرية التواصل اليوم ما يسمى بالتداولية الكلية تقر بوجود دعاوى صلاحية قبلية تنظم صيرورة الحوار سعياً وراء الإجماع، ويعتقد هابرماس بأن دعاوى الصلاحية مثل الوضوح والجدية والمناسبة والصدق دعاوى كلية تتحقق في سائر المجتمعات على أنحاء متباينة. هذه الفلسفة تلغي السلوك الخاضع لمبدأ الوسيلة الغاية، بل السلوك التواصلي القائم على دعاوى قبلية لا تجعل أحد طرفي الحوار وسيلة الوصول إلى أهداف شخصية (1) . إن الانتصار والإقناع والحقيقة مستويات التمايز بين التنازع والمساجلات والعلم، يتخذ الإنتصار على الآخر طابعاً حربياً ويتخذ الإقناع طابعاً بلاغياً، هناك من يحصر الإقناع البلاغة والبرهان العلم والانتصار الحرب هناك عند هابرماس تفاوت هنا تنتمي للتواصل الحجاجي لقد اعتبر هابرماس أن اللااثرية النظرية في اتجاه ما بعد الحداثة قد القضت إلى لا أثرية سياسية ما سمح بحصول التقاء بينهما وبين الاتجاه المحافظ الجديد في التصور الاجتماعي ويؤاخذ هابرماس الفرنسيين على تزوعهم المكشوف نحو اللاعقلانية والفكر المحافظ. أما ليوتار فيرى أن الخطابات التي تتكلم باسم المشروع العقلاني المفكري الأنوار والعقل المثاني لدى المثاليين والذات في الطبقة العمالية والكتابة المفهومية المنطقية لدى فريجة والكتابة العلمية الكلية لدى هوسرل، والبنية لدى البنيويين والنحاة التحويليين ومنظري نظرية الأنساق و الخطاب الكلي الذي لا تمليه سلطة، كما تجسد ذلك في النظرية التداولية إن القول بنهاية التاريخ، يجد لدى هابرماس وكارل أوتو آبل يسعى ليوتار جذوره في القول بـ "العقل للتدليل على أن كل هذه الخطابات مهما بدت الكلي عند هيغل. متعارضة في ما بينها من الزاوية الأيديولوجية تشترك في اقتضاء ضمني وهو الدفاع عن الكلية الكونية للصلاحية وعن الطموح الذي يساور هذه الدعوى، يرى ليونار التسليم بوجود مبدأ أول يستند إليه منهجنا وهو أن التكلم من قبل المبارزة، بالمعنى الذي نعني به اللعب، وأن الأفعال اللغوية تنتمي إلى نظرية عامة في الحرب (Agonistique generale)؛ يرى أن مشاريع علم الاجتماع التي تشتغل اعتماداً على نموذج الجهاز العضوي القادر على تنظيم ذاته بذاته تستهين بواقعة أساسية تنص على أن السلوك اللغوي الهادف إلى إملاء السلطة بدل امتلاك الحق ذو طبيعة حربية، ومن هنا يتخذ الإجماع سمات إرهابية ويعني ليوتار بالإرهاب الفعالية المترتبة على إقصاء شريك لك خارج لعبة اللغة التي كنا نلعبها من قبل أو الفعالية المترتبة على مجرد التلويح بذلك. إن فكرة كلية جديدة غير حربية من إرث عصر النهضة ومنها الماركسية التي ترى الصراع مؤقتاً، ومن هنا يرى ليوتار أننا لما تعتبر بنية ما متجانسة في هيئة نسق أو هيئة كلية أو مجتمع من دون طبقات ينعدم الابتكار اللاعقل عنده متحرر من الكلي والألعاب اللغوية وفي النزاعات النقابية الفوضوية، الكل حينما يرتبط بالمؤسسة يتحول إلى بيروقراطية ويصير ضد الإبداع. بحكم غياب قاعدة حكم تنطبق على صيرورة الحجاج أي الجدل. وهي اتساق لا ندركها إلا في تعدديتها، ويعتبر كانط وفيتغنشتاين رائدا ما بعد الحداثة، فكانط ركز على التنافر الحاصل بين القواعد المختلفة لاستعمال الجملة أي على وجود تنافر بين الخطاب الواصف أو العقل النظري والخطاب الطلبي أو العقل العملي أي ركز على تعدد أشكال أجناس الخطاب المختلفة القول حول الصلة بين الشيء في ذاته والحساسية وهما كانط وفيتغنشتاين شاهدان على انهيار الكلية المطلقة لبينتز وراسل من هنا تدرك أن حتى الفكر الغربي حين يفكر في الآخر ليس كتواصل ولكن كهيمنة وهي مشكلة معرفية وحضارية وسياسية، إنها تتعلق بالقيم، الا يمكننا القول إن الغرب يعيش أزمة اخلاقية حقيقة، وهي بده خيانة الذاكرتهم التي تتحدث عن العقلانية والموضوعية والحقيقة. - تقريض ذاكرة الاحتلال مازال بعضهم يرزق (۱۱)، وهي رؤية مشبعة بقيم أنوارية إنسانية تختلف عن الذين يرون الآخر عدواً أو إرهابياً مثل اليمينيين المتطرفين الذين وجدوا في هذا القانون متنفساً للكراهية وتشريعاً رسمياً لذاكرة تقرأ التاريخ برؤيتها الذاتية. ووزير العدل السابق الذي زار الجزائر مؤخراً وغير مواراً عن رفضه للقانون ٢٣ شباط / فبراير، وفي فيشور نائب الحزب الشيوعي في البرلمان الفرنسي، وجمعية الصدقاء مولود فرعون في فرنسا، ومعهد شارل أندري جوليان، يحاول بعض الفرنسيين ومنهم الذين صادقوا على قانون ۲۳ شباط / فبراير، وتصويره عدوانياً أو إرهابياً، وبالتالي هناك مجرد لاحتلاله أو إعلان الحرب عليه ماضياً أو اليوم، لنتذكر هنا طلبات الاعتذار التي ينبغي على تركيا تقديمها تجاه من قتلت آباءهم قبل أن تطلب الدخول في الاتحاد الأوروبي؟ ترى ماذا لو أن المانيا اليوم ترى في احتلالها فرنسا وحربها ضد الفرنسيين فضيلة ؟ ماذا يصنع الفرنسيون؟ لماذا السكوت عن الهجمات التي طالت كل من ينتقد خيال الهوليكوست؟ إن الإسرائيليين عقدوا عقدة الأوروبيين تجاه ذاكرتهم وهم يشعرون بمرارة ما أضفاه الخيال الإسرائيلي على القتل التاريخي الذي طال اليهود، ويكفرون عن ذنوبهم باستمرار بالرغم من التكفير بالأضحية الكبرى التاريخية في تسليم فلسطين إليهم. إن القانون الفرنسي الممجد للاستعمار، فيه إهانة واضحة لشعوب تغازلها في قضايا عربية مواساة وإبقاء لخيط المصالح الاقتصادية والهيمنة، أو المنطق الإسرائيلي الصهيوني الذي يجد شرعيته التاريخية للاغتصاب من خلال نصوص مقدسة انشاها خياله أو خيال من تعاطف معه،


Original text

استخدمنا قبل لفظ الحقيقة لفظ زمن ولم ننعتها - أي لم نضف إليها وصفاً تحديدياً - والزمن هنا يتعلق بلغة الفلاسفة بالكائن الوجود فالزمن هو الذي يعطيه هويته وحريته، ومن خلاله يتعرف على نفسه، وإذا كان الاستعمار سلب للأرض والخيرات، فلن يستطيع سلب الزمن أو الحرية، قد يسيطر عليها، يحرمنا منها ولكن جوهرها الحقيقي يبقى معنا نعيش به وفيه، والحرب التحريرية هي إعطاء المعنى الحقيقي للحرية واسترجاع الأرض - المكان الذي فيه السيادة والدولة والشخصية الجغرافية والوطنية، ولكن الزمن يبقى مجالاً للصراع ويتجسد من خلال اللغة والرمز والماضي والذاكرة والنسيان ومحاولة المحو والتزييف والاعتراف أو اللا إعتراف، وبالتالي الحديث عن الحقيقة هو الحديث عن الحرية عن الزمن، وإذا أخذنا مثالاً عن الحقيقة العلمية التي كثيراً ما يشار إليها في الكلام عن أنواع الحقيقة، فإنها تعني التحرر من الحقيقة السابقة التي تصير ماضياً، ذاكرة، ولكنها مستمرة كتراكم معرفي وتعني الدخول لزمن جديد، فالحقيقة تعني الحرية، والزمن، وإذا ما تساءلنا عن الصراع اليوم مع الذين لا يعتذرون عن جرائمهم ولا يعترفون بها، فهم في الحقيقة، ضد زمن الآخرين زمن هو جزء من هويتهم، أي ضد معنى الحرية والدفاع عن الحقيقة والمطالبة بالاعتذار والاعتراف بالمسؤولية والجرم، ولا تقل معركة اليوم عن المقاومة والثورة، فنحن في كلتا الحالتين نكافح من أجل هويتنا، ذاكرتنا، حريتنا


إنه كفاح من أجل زمن الحقيقة، وهو هنا زمن الحرية الذي يبقى مستمراً معنا مادام هناك وعي غربي يرى ذاته مركز العالم والحضارة والدفاع عن حقوق الإنسان، وبالتالي فجوهر الحقيقة هو الحرية، أي ليكون الاهتمام هنا في مسالة الحقيقة، في تطابقها مع الواقع أم لا؟ أو في معنى الصحة أم لا؟. إنها ما لم ينجز، إنها لم تكتمل، كالحرية التي في نظري لا تكتمل إلى حين نسيطر على زمننا على ذاكرتنا التي في جزئها المادي بأيدي غيرنا ومازال هو يشكل ذاكرتنا ويستولي عليها الحقيقة هنا مشروع لم يكتمل والحرية كذلك، جوهرها الحقيقي مشروع في طور الإنجاز (۱).


هكذا نجد المفاهيم التالية: الحقيقة الزمن، الحرية، تستدعي مفهوماً آخر، وهو العدالة. يقول جون راولس في كتابه الشهير نظرية العدالة والعدالة هي الفضيلة الأولى للمؤسسات الاجتماعية كالحقيقة بالنسبة إلى اتساق الفكره (۳)، فالعدالة هي سمة للعلم أولاً ولكنها تأخذ تجسيدها المادي عبر المؤسسات على المستوى الفردي تقتضي الحرية الاعتراف بالحقيقة.


هذه المفاهيم الثلاثة تتضايف الحقيقة والحرية والعدل، أما الزمن فهو الذي يعطيها المعنى إن بناء الهوية الفردية والهوية الجماعية يكون بحسب الحرية المتوافرة وبحسب امتلاك الحقيقة أو ما يعرف عن الحقيقة ووجود العدل والعدالة، سواء كقيمة اخلاقية أو كمؤسسات للمساواة والفرص المتساوية وتحقيق الحق. لكن كل ذلك يقتضي آخر - غيرية - يعترف بالحقيقة، حقيقة السطو على الحرية والظلم ويرى من قيم الحقيقة الاعتراف وعدم المساس بالذاكرة عبر المحو والنسيان، ومن هنا عطفنا على العنوان الجزئي بقولنا: قيم الاعتراف والتواصل مع الآخر، والمعنى هنا، أن الحقيقة لم تعد مرتبطة بـ «الأناء مثل ما أسس ذلك هنري ديكارت صائغ العقلية الفرنسية أنا أفكر إذا أنا موجود، أو ما توحي به عبارة كتاب ميشال هنري أنا الحقيقة، وهي رؤية مشبعة بالنرجسية المسيحية التي ترى الشبح، أو العدو هو الخطر، أي أن الآخر إما أن يلغى أو يستعبد، في حين مع القرن العشرين وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح معنى الحقيقة التواصل مع الآخر أي أن يكون هنا التحاور واحترام خصوصية وهوية الآخر وهذا شرطها.


أولاً : الذاكرة وبلاغات : التبرير والاعتقاد والاقتناع


نقد تناول الحقيقة وكيف ينظر إلينا الآخر تقتضي كذلك نقد علاقتنا بـ «أنانا» بتراثناء فالتاريخ والذاكرة عندنا ما زالا محكومين بالرؤية التقليدية المترسبة، فالنصوص المكتوبة إلى اليوم شاحبة وشحيحة، أما عملية تثبيت النص الشفهي ومنه الشهادات والاعترافات، كتابة ورسماً، فقد كثر الحديث عنها، منتصف الثمانينيات، في أجواء شعار إعادة كتابة التاريخ وقد كان شعاراً فارغاً مراوغاً لشيء لم يكتب، أو ما كتب في الغالب هو من إنشاء الآخر، لقد بقيت علاقتنا بالماضي تتسع هوتها بسبب أن السلطة ظلت تقدم خطاباً تبريرياً لتسلطها وشرعيتها باسم الماضي، باسم الذاكرة، كانت العلاقة مع الزمن عند الأجيال الجزائرية علاقة مشوشة فيها الارتياب والشك أو النفور والرفض، ومن هذا النفور ما نلمسه من عدم الاهتمام البيداغوجي والعلمي بالمادة التاريخية في المؤسسات المدرسية والجامعية (1)، قد تعود إلى اسباب ديداكتيكية وبرمجية، ولكن للعامل النفسي من الهروب من تعليم وتعلم التاريخ دوره هذا بحكم أن الذين رسمياً يستندون إلى الذاكرة والتاريخ هم المجموعات التي تسلطت على يشحنون مخيال المقاومة والثورة بإضافات وقراءات إبتسارية وتحريفية من أجل تحرير بلاغة مخادعة، مراوغة، فيها عنف الاعتقاد وليس حجة الاقتناع، لتبقى السلطة تمارس سيادتها، وهنا تمت أسطرة الماضي الثوري وأسطرة الشخصيات التاريخية، فكان التاريخ لهم منقبياً تاريخ مناقب شبيه بكتابة فضائل الصحابة ومناقب الأولياء خيال وبلاغة المناقب يطبع علاقتنا بالزمن، والعلاقة بالزمن هنا ليس الماضي فقط ولكنه الحاضر والمنتظر، والتداخل له حضوره في رؤيتنا للآخر ولذاتنا وإنشاء التصور المستقبلي.


إن نقد نظرة الآخر إلينا تقتضي نقد علاقتنا بـ "أنانا" رقاب الامة باسم ذلك، ورجال المال المعنى الواحد وبتراثنا، فالتاريخ والذاكرة الوحيد الفقير للماضي، ومازال الماضي ربعاً تحيا به استغلالاً واحتكاراً. لقد ظلت السلطة وسدنتها عندنا ما زالا محكومين بالرؤية التقليدية المترشبة.


أرى أننا مازلنا لم تدشن بعد إعادة تشكيل سردنا ذاكرة، تاريخ، فقه، شعر وغير ذلك. مازلنا مثلاً نهمل القوة الإبداعية الخيالية الشفهية، واشكال التعبير غير المكتوبة، منها الأثر الفني في المعمار والمصنوعات وغيرهما، إن إعادة تشكيل خطابنا التراثي معناه القراءة والتفسير وفن التأويل، تعدد المعنى ونقله وترجمته من سياقات ثقافية إلى أخرى مع الإدراك والوعي بذلك، حضوره إلى الحاضر ضمن سياقاتنا الحضارية، مع الإقرار بالمسافة الزمنية والنفسية، الوعي بالشرط التاريخي لتلك السياقات أو هذه والوعي بالمسافة الزمنية يضمنان لنا تجنب التعسف في الحكم والاستعمال الخادع للتراث والماضي الاستعمال غير المبدع ولكنه الخاضع لقناعات عنفية الإقناع الاعتقادي، هي اعتقادية نمطية تريد فرض رؤية واحدة وجعل المعنى واحداً ممتداً، بدل المعاني المتعددة واستخدام البرهان كأداة للإقناع.


منذ الاستقلال ظل النص واحداً والمعنى واحداً لتراث مازال جزوه الأكبر غير معروف مخطوط مهمل في الأقبية والزوايا وعند أصحابها للتبرك أو مسكوت عنه، أو يحكى لنا عبر سود الآخر، سود الآخر حول ذاتنا مهم في العملية التاريخية وفي الوعي التاريخي لوضعنا غير أن خطاب الآخر المتشكل في ظروف تاريخية معينة ارتبط ببلاغة الخداع والمكر فالحاجة الأيديولوجية الاستيطانية الاستعمارية تقتضي ذلك، كانت هذه البلاغة تجد سندها المرجعي في البلاغة الأنوارية الفرنسية، التي تلبس لبوساً متعدد ومتنوع الألوان وتبدو أحياناً زاهية الألوان، ليس النص العقد الاجتماعي في. حد ذاته روسو، وجون لوك وغيرهما من فلاسفة الانوار، ولكن الذين يحتكرون هذا التراث الأنواري، يلبسونه ما يشتهون، فمرة تكون هذه البلاغة الماكرة باسم تحضير وتعدين المتخلف، وهو التبرير الذي قدمه آنذاك مثقفو الاحتلال الفرنسي للشعوب المقهورة، ومرة أخرى باسم العدالة وحقوق الإنسان أو باسم محاربة الإرهاب وإحلال الديمقراطية ما حدث في العراق، وما يحدث في لبنان، بلاغة تقف في وجهها بلاغات أخرى من ذات الآخر، كـ بلاغة الاختلاف التهديمية للمركزية الأوروبية ولأنوارية تحولت في علاقتها بالآخر إلى استبدادية واستعمارية، وترى أن خطاب النهايات الذي يرى انتصارات لليبرالية الأمريكية هي استمرار للمطلق الهيغلي المتمركز في الأنا وترى الآخر في استعباده وإلحاقه بالانا، هذا المطلق لا يرى سوى نات مركزية واحدة مهيمنة، ومن الخطب التي تقع على يسار هذه الليبرالية، نظرية العدالة التي أسس رؤيتها الفيلسوف الأمريكي جون راولس ولها امتداداتها التأثيرية اليوم في أمريكا وفرنسا والمانيا.


لقد تم منذ دخول الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر تشكيل ذاكرة وخيال عن الجزائر يضاهي القدرات العسكرية للمحتل، واستطاعت هذه الذاكرة الاستمرار عبرنا وفينا لأسباب علمية وايديولوجية إلى اليوم، وبالمقابل كانت الرؤية التقليدية الآسنة التي ترعاها أجيال تتماهى مع ذاتها، وتحاكي أناها، تعيش على بلاغة المناقب في نصوص التاريخ والأدب والحكي، أو رؤية عدمية سلبية تجد سندها في بلاغة الجهاد وفي الزمن الإسلامي الأول المعاد تأويله من خلال الخطاب القطبي التنظيري، أو من خلال الفعل التأويلي العنفي القاعداتي نسبة إلى القاعدة، ويصبح الزمن - عندهم - ممتداً جهادياً من غزوة بدر» إلى «غزوة مانتهاین ۱۱ ايلول / سبتمبر ۲۰۰۱ هذا الخطاب يحاول أن يسيج نفسه من العولمة بنصوص الأجداد السلف ضد الآخر المخترق للأنا كان له ما يبرره زمن المقاومة تقصد هنا الجهاد، معرفياً وتاريخياً في حينه، لكن استمراره شكل في ما بعد عائقاً معرفياً ابستومولوجيا نحو اجتهاد في الدين والدنيا والدنيا والسياسة، وهي تلتقي مع السرد العنفي، للحداثة في محاولة التبرير ورفض الآخر كلية وتصويره شيطانياً، وطبعاً كان هنا للغلاف العقائدي - الديني دوره في ابتكار صور وأساليب حجاجية، وهي ذاكرة تشكلت متزامنة مع الفعل الاجتماعي - السياسي للمقاومة ثم الحركة الوطنية ثم الثورة، وكان التمازج بين خطاب المقاومة وفعل المقاومة، يحدث متتالياً أو معاً، فتقرأ الذات ذاكرتها في الفعل المقاوماتي أو العكس اي تقريباً نصف قرن المتبقى من زوال دولة الأتراك إلى اليوم، وهي مسافة زمنية قد تعرف سمة الدوران وليس الامتداد الكرونولوجي، على اعتبار استمرار زمن في زمن آخر المستقبل أت أو عودة ارتدادية، ويكون العلاقة الظهور والاختفاء المغالبة السلمية والمغالبة العلفية، الإدماج والانفصال الطابع الممين الجدلية التطور في هذه المرحلة الزمنية التي يهمنا فيها سرد الحكي مذاكرة، تاريخ، أدب، فقه وتفسير»، أما الفعل الإنساني الاجتماعي فيتابع كإنجاز القول الخطاب بالمعنى التداولي، وكتلاحم معه، فانصهار الأفاق يكون في الخطاب، أو عالم النص أو في الفعل، كثورة ١٩٥٤، كما إن علاقة الذات بالآخر تقرأ من خلال هذين المجالين الخطاب والفعل.


ثانياً: من احتلال الأرض إلى احتلال الذاكرة


ان احتلال الذاكرة عبارة مجازية، ليس كاحتلال الأرض، والقصد هنا محاولة تغطية وتزييف الحقيقة أو تمجيد احتلال الأرض واعتبار ذلك خدمة وتحضيراً للشعوب المقهورة وبالتالي حديثنا عن الظاهرة الاستعمارية لا يكون فقط من باب التاريخ والعمل الاستغرافي.


وه الظاهرة الاستعمارية ظاهرة تاريخية من الناحية الزمنية والسياسية تعتبر منتهية ومرحلة سابقة مثل حديثنا عن الحربين العالميتين والحرب الباردة والشيوعية، ويبقى الحديث عن الآثار وما ينجم عن ذلك من الحديث المدرسي، أو الكتابة السياسية والتاريخية المدرسية والجامعية، لكن معاودة التحليل والفهم سواء للظاهرة في ظروف العولمة الجديدة والنظام العالمي الجديد وتتبع بقاء عقيدة الهيمنة عبر القوى الجديدة واستمرارها عبر أشكال من التفوق العلمي والتكنولوجي والإعلامي التي تختلف من الناحية التاريخية عن الاستعمار ولكن ما بقي مستمراً كايديولوجية متجددة للهيمنة في الكتابة اليوم المتعلقة بالإرهاب والعولمة والتغيير الجغرافي السياسي درجنا على أننا نعيش أثر الحرب الباردة، والبعض يعزو اليوم العولمة وعنفها والرعب المضاد لها إلى انعدام التوازن الرعبي بين الشرق والغرب وبالتالي تصير العولمة شكلاً جديداً من الهيمنة، وهذا التحقيب عادة ما يخضع لتطور الجغرافية السياسية من دون أن يلتفت إلى أن التحقيب السياسي والتاريخي الفاصل بين مرحلة وأخرى قد يمنعنا من تحليل الجانب القيمي والثقافي والرمزي الذي يستمر عبر تلوينات وصيغ جديدة تحتاج المعاودة القراءة والفهم من دون إخضاع ذلك بالضرورة للتحقيب المعتاد، وهي عملية منهجية تحليلية للخطاب بكل ما تعني كلمة خطاب اليوم في حقولها الدلالية والتنوعية والرمزية في العلوم الإنسانية وحتى العلم في حد ذاته، فمثلاً يمكننا هنا أن نستشهد بجزء من تحليلات جون بودريار للظاهرة الإسلامية في مواجهة الرعب العولمي من خلال حادثة أيلول / سبتمبر ۲۰۰۱ التي هي سلاح جديد - قديم وهو الموت أو الاستشهاد جزء متناهي في الصغر ضد الأبراج الرمزية للتطور والتفوق العسكري، إنه رعب في مواجهة رعب، فالأمر بالنسبة إليه لا يتعلق بصدام الحضارات ولا بصدام أديان، فالعولمة المنتصرة تخوض صراعاً مع ذاتها، واختلال التوازن العالمي بعد الحرب العالمية دفع القوة الجديدة التي رأت نفسها تنتصر الخير إلى البحث عن عدى جديد فكان ذلك في الإسلام (1).


سؤال لماذا الاستعمار، ما هي أسبابه ومكوناته وآثاره؟ هو بحث في الحقيقة، ولكن السؤال اليوم، ما هي حقيقة استمرار الاستعمار، أي ما هي العوامل التي تجعل الهيمنة تتجدد والاحتلال يتجدد من خلال الوعي والزمن والجغرافيا وأقصد هذا بالوعي أي استمرار الثقافة والقيم التي تجعل من الأنا الغربي ينظر إلى هويته وذاته على أنها التي لها الحق في الدفاع عن حقوق الإنسان وحفظ السلام العالمي وإبقاء التوازن وحفظ البيئة. أما الزمن فهو هنا الذاكرة والنسيان والمحو، ومن يريد المحو أو النسيان فهو يسعى إلى التحكم في الذاكرة، والذاكرة زمن مساحة ليست محدودة جغرافياً وليست تراباً، بل هي وطن آخر بالمعنى المعاصر، الذاكرة هي المشكل للهوية، هي الوطن الذي يعطي معنى للاستقلال والاحتفال ومعاني النصب التذكارية صحيح أن هوية الفرد أو الجماعة يسهم في تشكلها الآخر الآخر هو الذي يحدثني عن ولادتي ولكن ليس من حقه أن يتدخل في النسيان والمحو، أو كيف أشكل وجودي، الزمن أو الذاكرة هناء هي سكني كاللغة هي السكن عند هيدغر سنحاول تلمس العناصر الباقية المتجددة التي تشكل أيديولوجية تاريخ الهيمنة سواء عبر البحر أو الأرض أو الهوية والذاكرة، والجزائر كانت تحت هذه الهيمنة بمستوياتها الثلاثة. ونحاول تلمس العناصر المشكلة الثقافة الهيمنة والسيطرة أو - بلغة الإخوة الشيعة - الثقافة الاستكبار.


1 - الحقيقة : أنا الحقيقة


لقد تم الربط بين الحقيقة والانا الفردي في تاريخ الغرب منذ الإغريق كون الحقيقة هي الذات، وكان الشعار التالي ملخصاً لذلك إعرف نفسك بنفسك وصحيح أن التفكير حول الفرد والذات كان عاملاً أساسياً في تبلور أيديولوجية التمركز حول الذات، فالأناء، (الذات) لا معنى لها سوى أنها المقابل لـ الآخر (Autre) تقابل تعارض وتضاد، أو أنها المطابق لنفسه المعبر عنه بـ الهوية (Identite) أو العينية»، أي كون الشيء هو عين نفسه، وإذاً فالغيرية في الفكر الأوروبي مقولة أساسية مثلها مثل مقولة الهوية أو العينية أو الذاتية). وما له دلالة في هذا الصدد أن كلمة (Altérite) أي الغيرية ذات علاقة اشتقاقية بـ (Alterer et Alteration) وتعنيان تغير الشيء وتحوله إلى الأسوا، تعكر، استحالة، فساد، كما ترتبط بالاشتقاق بكلمة (Alternance) التي تفيد التعاقب والتداول بعبارة أخرى يمكن القول إن ما يؤسس مفهوم الغيرية في الفكر الأوروبي ليس مطلق الاختلاف، كما هو الحال في الفكر العربي، بل الغيرية في الفكر الأوروبي مقولة تؤسسها فكرة السلب أو النفي (La Negation)، في الأناء لا يفهم إلا بوصفه سلباً، أو نفياً، لـ «الآخر».


وغني عن البيان القول إن لفظ الآناء في العربية المعاصرة إنما هو ترجمة لأداء معنى (Le Meme) بالفرنسية و (Fgo) بالإنكليزية والألمانية. وكلمة (Ego) لاتينية تدل على ما تدل عليه كلمة ذات في اللغة العربية حينما يقصد بها الشخص المتكلم، ومن هذه الكلمة اشتقت مصطلحات أخرى مثل (Egocentrisme) وهو ما نترجمه اليوم بـ التمركز حول الذات، وكذلك (Egoisme) بمعنى الأنانية في الاستعمال اللغوي العام. أما في الاصطلاح الفلسفي فالكلمة تدل على المذهب الفلسفي الذي يعتبر وجود الكائنات الأخرى غير الاناء، وجوداً وهمياً، أو موضوع شك على الأقل. ومن هذا المذاهب الفلسفية المثالية (Idealismes) التي لا تعترف باي وجود آخر غير تمثلات الانا؛ فالعالم هو ما أتمثله وأتصوره وليس هناك وجود آخر.


نقرأ في معجم لالاند الفلسفي في معنى الآنا (MOI) ما يلي: وعي فردي، بوصفه منشغلاً بمصالحه ومنحازاً لذاته، وأيضاً: الميل إلى إرجاع كل شئ إلى الذات. ويستشهد لالاند بعبارة للفيلسوف واللاهوتي والعالم الفرنسي باسكال يقول فيها: للأنا خاصيتان فمن جهة هو في ذاته غير عادل من حيث إنه يجعل من نفسه مركزاً لكل شيء وهو من جهة أخرى مضايق للآخرين من حيث إنه يريد


مفهوم "الأنا" مبني على استعبادهم، ذلك لأن كل أناء هو عدو، ويريد أن السيطرة. سيطرة الذات على يكون المسيطر على الكل.. ما تتخذه موضوعاً لها، سواء كان هذا الموضوع أشياء الطبيعة أو أناساً آخرين.


مفهوم «الأنا» مبني على السيطرة، سيطرة الذات على ما تتخذه موضوعاً لها، سواء كان هذا الموضوع أشياء الطبيعة أو أناساً آخرين. وفي هذا المعنى كتب ماكس هوركهيمر يقول: من الصعب جداً أن يحدد المرء بدقة ما أرادت اللغات الأوروبية في وقت من الأوقات أن تقوله وتعنيه من خلال لفظ Ego (الأنا). إن هذا اللفظ يسبح في تداعيات غامضة قاحلة، فمن حيث إنه مبدأ الأناء الذي يحاول جاهداً كسب المعركة ضد الطبيعة على العموم وضد الآخرين من الناس على الخصوص، كما ضد الدوافع السلوكية التي تحركه، يبدو الـ (Ego) مرتبطاً بوظائف السيطرة والحكم والتنظيم [...] ولم يتحرر مفهوم الأنا في أي وقت من حمولاته وشوائبه الأصلية الراجعة إلى نظام السيطرة الاجتماعية. وحتى الصياغات المثالية كنظرية الأنا عند ديكارت تنطوي بالفعل، في ما يبدو على معنى السيطرة. إن اعتراضات جاساندي على التاملات (كتاب لديكارت تضع موضع السخرية تصور روح صغير، الـ Ego أو الاناء يقوم من داخل قلعته المخبأة في أعماق الدماغ [...] بالتنسيق بين ما تنقله الحواس ويصدر أوامره إلى مختلف أجزاء الجسم.


من خلال هذا التصور لـ الأناء كمبدأ للسيطرة يتحدد موقع الآخر، ودلالته ووظيفته في الفكر الأوروبي، أي بوصفه موضوعا للسيطرة أو عدواً، أو بوصفه قنطرة تتعرف الذات من خلاله على نفسها. يقول سارتر: أنا في حاجة إلى توسط الآخر لأكون ما أنا عليه ولذلك كنا كتبنا منذ سنة عن شيطان ديكارت بعد قانون ۲۳ شباط / فبراير، ولم يستسغ بعض الزملاء ذلك، وهو ليس استهانة بفيلسوف العقلانية ولكنه تلمس للطيف الذي يعود من حين لآخر، طيف يؤمن به العقل الغربي ليس فقط كجزء من التدين المسيحي، ولكن كمعرفة، وكأيديولوجية ترى أن ما يشوش الحقيقة هو هذا الطيف الذي ضلل ديكارت في وصوله للمعرفة، ولذلك وجب الانتصار عليه من أجل الحقيقة والتقدم العقل هنا مصوغ بلغة الأنا في مقابل الآخر الذي ينبغي أن يستبعد ويقيد مثل الشيطان حتى لا يؤدي بالأنا الأوروبي إلى الضلال والهلاك. إذاً، للحفاظ على الحقيقة والذاكرة والمستقبل يجب مقاومة هذا الطيف (1).


هذا التراث المرتبط بنمط اقتصادي يرى في خيرات الآخرين تطوراً للرأسمالية والليبرالية السياسية ربط الحقيقة بالمعتقد والتحيز لها، وبالتالي كان التبرير للجريمة والإبادة والانتهاكات الإنسانية واليوم يبرر كذلك بتلوينات جديدة وبلغة أخرى، وفي كلتا الحالتين تقديم حقيقة واحدة وذاكرة واحدة وذات واحدة، أما الآخر فهو الطيف والشيطان والتخلف والإرهاب.


٢ - نهاية التاريخ: «مهدوية جديدة»


إن القول بنهاية التاريخ وإن الصراع حضاري مستمر وعلى القوي تحضير وتحديث الضعيف في مسائل حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية ولو بالقوة والاحتلال، هو فلسفة تجد جذورها في القول بـ العقل الكلي عند هيغل، وترجمه فعلياً من حيث الدعوة إلى الاستعمار توكفيل، أو اليوم من خلال اليمين الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يعتمد نصوص النهايات أي القول بانتصار الليبرالية.


وإن نصوص صدام الحضارات الذي يرى أن الصراع سيكون بين الغرب من جهة والتحالف الإسلامي - الكونفيشيوسي، ويجعل من الجزائر قاعدة لضرب أوروبا الجنوبية معناه إبقاء هذه الشعوب تحت الهيمنة الجديدة - القديمة، إنها الأجزاء الأخرى من العالم الصغير التي تهدد أمن وسلامة الغرب وأمريكا، وهنا يكون التبشير بحقوق إنسانية تلغي خصوصية الآخرين وهوياتهم بمنطق العقل الكلي الذي هو تنويع للذاتية المركزية التي تحدثنا


عنها أنفاً.


القول بنهاية التاريخ معناه تقديم مهدوية جديدة ترى الخير بحسب رؤيتها فقط في إتباع النهج الليبرالي، وترى بطريقة تقليدية أن الصراع هو بين الخير والشر، وهي رؤية ممزوجة بمسيحية مؤولة في نصوص المفكرين الاستراتيجيين من اليمين الجديد، وهي رؤية يوجه لها اليوم انتقاد شديد حتى في الأوساط الفكرية الغربية (٢)، فمثلاً جون بودريال المشار إليه أنفاً يرى أن الخير حينما يراد تطبيقه بالقوة يصير شراً، ولو كان الإسلام هو اليوم له السيطرة مثل الليبرالية الغربية لواجه مقاومة، وبالتالي فالصراع هو ضد العولمة الجديدة، ضد استمرار أيديولوجية الهيمنة، غير أن الحرب اليوم تختلف فالموت المتناهي في الصغر أي الاستشهاد هو فعل المقاومة الوحيد، وهو هنا صنع المستقبل آخر في عالم الغيب مستقبل يؤسس المستقبل ووعد على الأرض، وهي مفاهيم تشحن النفوس والهمم في غياب العدالة والتوازن واحتلال أراضي الشعوب، ولو حاولنا فهم الأيديولوجية الصهيونية لوجدناها خلاصة الفكر الغربي في الاستيطان والاستحواذ والهيمنة بالرغم من قيامها على ذاكرة الضحية، فهو الشعب المقهور المعذب، ولكن هذه الذاكرة هي نفسها ذاكرة الجلاد.


وستحاول مثلاً أن تعرض للخلاف من داخل العقلية الغربية المسألة الإجماع والتنازع بين الفرنسيين والألمانيين الذين يتحركون على أرضية واحدة من خلال مفكرين معروفين يورغن هابرماس الألماني وفرنسوا ليوتار اللذين لم يلغيا الآخر.


إن التقابل بين التنازع والإجماع تقابل تضاد، فهما لا يجتمعان معاً وقد يرتفعان معاً بحكم وجود حالات تواصل متوسطة كالجدال والتفاوض، ويتميز مبحث التواصل بوجود آخر عكس مباحث التلقي والنقد وتحليل الخطاب، وتطرح نظرية التواصل اليوم ما يسمى بالتداولية الكلية تقر بوجود دعاوى صلاحية قبلية تنظم صيرورة الحوار سعياً وراء الإجماع، ويعتقد هابرماس بأن دعاوى الصلاحية مثل الوضوح والجدية والمناسبة والصدق دعاوى كلية تتحقق في سائر المجتمعات على أنحاء متباينة.


هذه الفلسفة تلغي السلوك الخاضع لمبدأ الوسيلة الغاية، بل السلوك التواصلي القائم على دعاوى قبلية لا تجعل أحد طرفي الحوار وسيلة الوصول إلى أهداف شخصية (1) . إن الانتصار والإقناع والحقيقة مستويات التمايز بين التنازع والمساجلات والعلم، يتخذ الإنتصار على الآخر طابعاً حربياً ويتخذ الإقناع طابعاً بلاغياً، هناك من يحصر الإقناع البلاغة والبرهان العلم والانتصار الحرب هناك عند هابرماس تفاوت هنا تنتمي للتواصل الحجاجي لقد اعتبر هابرماس أن اللااثرية النظرية في اتجاه ما بعد الحداثة قد القضت إلى لا أثرية سياسية ما سمح بحصول التقاء بينهما وبين الاتجاه المحافظ الجديد في التصور الاجتماعي ويؤاخذ هابرماس الفرنسيين على تزوعهم المكشوف نحو اللاعقلانية والفكر المحافظ.


أما ليوتار فيرى أن الخطابات التي تتكلم باسم المشروع العقلاني المفكري الأنوار والعقل المثاني لدى المثاليين والذات في الطبقة العمالية والكتابة المفهومية المنطقية لدى فريجة والكتابة العلمية الكلية لدى هوسرل، والبنية لدى البنيويين والنحاة التحويليين ومنظري نظرية الأنساق و الخطاب الكلي الذي لا تمليه سلطة، كما تجسد ذلك في النظرية التداولية إن القول بنهاية التاريخ، وبأن الفلسفية حول الإجماع وفق ساندريس بورس الصراع حضارتي مستمر، يجد لدى هابرماس وكارل أوتو آبل يسعى ليوتار جذوره في القول بـ "العقل للتدليل على أن كل هذه الخطابات مهما بدت الكلي عند هيغل. متعارضة في ما بينها من الزاوية الأيديولوجية تشترك في اقتضاء ضمني وهو الدفاع عن الكلية الكونية للصلاحية وعن الطموح الذي يساور هذه الدعوى، وهو طموح التحول إلى اداة متجانسة للقول المعقول الذي يصدق على سائر الخطابات المفردة ويصدق بالتالي على الألعاب اللغوية، على سبيل المثال (1).


يرى ليونار التسليم بوجود مبدأ أول يستند إليه منهجنا وهو أن التكلم من قبل المبارزة، بالمعنى الذي نعني به اللعب، وأن الأفعال اللغوية تنتمي إلى نظرية عامة في الحرب (Agonistique generale)؛ يرى أن مشاريع علم الاجتماع التي تشتغل اعتماداً على نموذج الجهاز العضوي القادر على تنظيم ذاته بذاته تستهين بواقعة أساسية تنص على أن السلوك اللغوي الهادف إلى إملاء السلطة بدل امتلاك الحق ذو طبيعة حربية، ومن هنا يتخذ الإجماع سمات إرهابية ويعني ليوتار بالإرهاب الفعالية المترتبة على إقصاء شريك لك خارج لعبة اللغة التي كنا نلعبها من قبل أو الفعالية المترتبة على مجرد التلويح بذلك.


إن فكرة كلية جديدة غير حربية من إرث عصر النهضة ومنها الماركسية التي ترى الصراع مؤقتاً، ومن هنا يرى ليوتار أننا لما تعتبر بنية ما متجانسة في هيئة نسق أو هيئة كلية أو مجتمع من دون طبقات ينعدم الابتكار اللاعقل عنده متحرر من الكلي والألعاب اللغوية وفي النزاعات النقابية الفوضوية، الكل حينما يرتبط بالمؤسسة يتحول إلى بيروقراطية ويصير ضد الإبداع.


إن التنازع يجسد حالة من حالات الصراع بين فريقين من دون أن تفضي إلى حسم عادل للصراع، بحكم غياب قاعدة حكم تنطبق على صيرورة الحجاج أي الجدل. ويلاحظ هابرماس أن الطروحة كتاب التنازع وحقبة ما بعد الحداثة لفرانسوا ليوتار (١٠) هي القول بهشاشة الخطاب الأعلى الفوقي المحيط بأنساق التواصل، وهي اتساق لا ندركها إلا في تعدديتها، تعلن نهاية أسلوب تأويل العالم الذي اعتدنا على ربطه بعصر النهضة أو بالغرب أي ساعة نهاية التفلسف قد أزفت، ويعتبر كانط وفيتغنشتاين رائدا ما بعد الحداثة، فكانط ركز على التنافر الحاصل بين القواعد المختلفة لاستعمال الجملة أي على وجود تنافر بين الخطاب الواصف أو العقل النظري والخطاب الطلبي أو العقل العملي أي ركز على تعدد أشكال أجناس الخطاب المختلفة القول حول الصلة بين الشيء في ذاته والحساسية وهما كانط وفيتغنشتاين شاهدان على انهيار الكلية المطلقة لبينتز وراسل


من هنا تدرك أن حتى الفكر الغربي حين يفكر في الآخر ليس كتواصل ولكن كهيمنة وهي مشكلة معرفية وحضارية وسياسية، إنها تتعلق بالقيم، الا يمكننا القول إن الغرب يعيش أزمة اخلاقية حقيقة، فالنقاش اليوم حول الحقيقة والذاكرة يجعل من هذه المواضيع ذات طابع إيطيقي واخلاقي (Ethique)، وبالتالي فاعتراف فرنسا بجرائمها وقول الحقيقة وعدم السطو على ذاكرة الآخرين هي مسألة تتعلق بالقيم والاخلاق، وهي بده خيانة الذاكرتهم التي تتحدث عن العقلانية والموضوعية والحقيقة.



  • تقريض ذاكرة الاحتلال


لم تكتف الأيديولوجية الكولنيالية الاستيطانية، بقرن واثنتين وثلاثين سنة من احتلال أرض بغير حق والاستحواذ على خيرات هذه البلدان ومسخ لغتها وتشويه ذاكرتها، بل تسعى اليوم إلى تجميل هذا التاريخ المجروح والاعتراف بالأعمال الدموية التي قامت بها منظمة الجيش السري (OAS) أثناء مفاوضات الاستقلال وإعلانه سنة ١٩٦٢. تم ذلك بقانون الجمعية الوطنية الفرنسية ۲۳ شباط / فبراير ۲۰۰٥ الذي يمجد الاستيطان الفرنسي الشمال أفريقيا ويبرر الجرائم المرتكبة والإبادات الجماعية التي كان أقصاها دموية أحداث ١٩٤٥ وكان ختامها دموياً عام ١٩٦٢ بما قامت به المنظمة السرية من اغتيالات وحرق طالت حتى بعض الفرنسيين الذين ساندوا الثورة والاستقلال. وهذا العمل يعيد علاقة الذاكرة بالتاريخ عند الفرنسيين على أساس قوة الغصب وتمجيد العنف واعتبار الآخر عدواً، وهو ما يقف ضده بعض الشخصيات السياسية والثقافية الفرنسية منهم من عرف عنهم منذ الثورة التحريرية مواقفهم الإنسانية المنسجمة مع انتماءاتهم الفكرية والعقائدية ومنهم من سموا آنذاك بـ حملة الحقائب، مازال بعضهم يرزق (۱۱)، وهي رؤية مشبعة بقيم أنوارية إنسانية تختلف عن الذين يرون الآخر عدواً أو إرهابياً مثل اليمينيين المتطرفين الذين وجدوا في هذا القانون متنفساً للكراهية وتشريعاً رسمياً لذاكرة تقرأ التاريخ برؤيتها الذاتية. من الذين تحركوا سياسياً وإعلامياً في فرنسا ضد هذا القانون وإعادة الاعتبار للجرائم والإبادات التاريخية في شمال أفريقيا ميشال فوزال رئيس المجلس الجهوي البروفانس دي ألب وكوت دازیر، ووزير العدل السابق الذي زار الجزائر مؤخراً وغير مواراً عن رفضه للقانون ٢٣ شباط / فبراير، وفي فيشور نائب الحزب الشيوعي في البرلمان الفرنسي، وجمعية الصدقاء مولود فرعون في فرنسا، ورابطة حقوق الإنسان، ومعهد شارل أندري جوليان، أما في الجزائر وباقي دول المغرب العربي فالردود باردة ومتأخرة جداً.


يحاول بعض الفرنسيين ومنهم الذين صادقوا على قانون ۲۳ شباط / فبراير، تقنين علاقة التاريخ بالذاكرة وترسيمها وإنعاشها أكثر في المقررات المدرسية والكتابة التاريخية والصحافية، وهو انسجام منطقي مع ذاكرة مدح العنف التي كان أبرزها مذكرات أساريس التي افتخر فيها بتعذيبه الجزائريين أثناء الثورة التحريرية، وتنسجم كذلك مع ازدياد قتامة صورة العربي في وسائل الإعلام الغربي، وتصويره عدوانياً أو إرهابياً، وبالتالي هناك مجرد لاحتلاله أو إعلان الحرب عليه ماضياً أو اليوم، وهو منطق المحافظين الجدد في واشنطن، لنتذكر هنا طلبات الاعتذار التي ينبغي على تركيا تقديمها تجاه من قتلت آباءهم قبل أن تطلب الدخول في الاتحاد الأوروبي؟ ترى ماذا لو أن المانيا اليوم ترى في احتلالها فرنسا وحربها ضد الفرنسيين فضيلة ؟ ماذا يصنع الفرنسيون؟ لماذا السكوت عن الهجمات التي طالت كل من ينتقد خيال الهوليكوست؟ إن الإسرائيليين عقدوا عقدة الأوروبيين تجاه ذاكرتهم وهم يشعرون بمرارة ما أضفاه الخيال الإسرائيلي على القتل التاريخي الذي طال اليهود، ويكفرون عن ذنوبهم


باستمرار بالرغم من التكفير بالأضحية الكبرى التاريخية في تسليم فلسطين إليهم.


إن القانون الفرنسي الممجد للاستعمار، فيه إهانة واضحة لشعوب تغازلها في قضايا عربية مواساة وإبقاء لخيط المصالح الاقتصادية والهيمنة، ولا تختلف عن المنطق الأمريكي الذي تعارضه في ما يخص العراق أنه من أجل الديمقراطية والحرية والأمن العالمي، أو المنطق الإسرائيلي الصهيوني الذي يجد شرعيته التاريخية للاغتصاب من خلال نصوص مقدسة انشاها خياله أو خيال من تعاطف معه، وبالتالي فما الفرق بين ذاكرة الضحية التي تحولت إلى جلاد تقوم على الخيال التاريخي وسلطة الماضي؟ وبين ذاكرة من يرى جرمه من أجل تقدم وتطور شمال أفريقيا وذاكرة تصنعها العولمة الأمريكية ترى في احتلال الغير وابتزازه والاعتداء عليه من أجل قيم الديمقراطية والحرية والعدالة؟ هلا تدخلت أمريكا في البرامج التعليمية التاريخية الغربية التي تمجد الاحتلال والغصب لشعوبها كما تتدخل في برامجنا التعليمية العربية وتراها تعلم التعصب والتطرف والإرهاب؟ ترى هل تستطع السلطة في الجزائر ودول المغرب العربي الضغط على الفرنسيين في تغيير هذا القانون أم أن براغماتيتنا أكثر تطوراً من براغماتية الفرنسيين هم يحاولون فرض قراءة قديمة - جديدة للتاريخ بالرغم من التنوع الحاصل في التأويل والقراءة للتاريخ والذاكرة عندهم، أما نحن فماهي القراءة التي علينا إعادة إنتاجها؟ ما هي العلاقة التي تقيمها بين الذاكرة والتاريخ؟ كيف نفهم


الترابط بين الاقتصاد والمصلحة والتاريخ والتشريع.


إن نقد الآخر يبدأ من هنا من فهم العقلية الغربية القديمة والجديدة وتحليل مرتكزاتها النظرية وفي الوقت ذاته أنانا» (ذاتنا) بإبراز الحقيقة وجعل الذاكرة ملكاً للجميع، ومن حقنا معاودة القراءة والتأويل الحقيقة كفضيلة والعدالة كمؤسسات والحرية كمعنى للوجود والزمن تتداخل لتحيل على معان متضايفة ومتقاربة، وهويتنا في ذاكرة تعترف بذلك أو العكس وتكون ضد النسيان والمحو، اللهم إلا إذا كان النسيان يعني العفو والتسامح ورسم الوعد والمستقبل الاعتراف سواء من الآخرين أو منا، هو بداية التاريخ للحقيقة وهو مقاومة من أجل العدل والعدالة والحرية، ومن هنا نفهم أن الفرنسيين والغرب عليهم أن يفهموا أن وعيهم المتباهي به هو جريح، جريح بماض فيه الانتهاك والجريمة وقد يجرح أكثر بإخفاء الحقيقة وتمجيد الشر والظلم، وهنا نكون أمام أزمة في القيم والأخلاق، والمقاومة اليوم مطالبة الآخر بالاعتراف هي مسألة اخلاقية - ضميرية بالدرجة الأولى وليس سياسية


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

حيث تم التركيز ...

حيث تم التركيز على أهمية الموازنة بين المساءلة وإعادة التأهيل. من المتوقع أن تسفر نتائج البحث عن فهم...

تُعتبر المملكة ...

تُعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من أهم الدول في العالم العربي والإسلامي، حيث تحتل موقعًا جغراف...

This study expl...

This study explores university students' experiences and perceptions of using artificial intelligenc...

1 تجارب تهدف ال...

1 تجارب تهدف الى اكتشاف الظواهر الجديدة 2 تجارب التحقق تهدف لاثبات او دحض الفرضيات وتقدير دقتها 3 ال...

تشهد محافظة تعز...

تشهد محافظة تعز موجة متصاعدة من الغضب الشعبي، عبّرت عنها سلسلة من المسيرات والوقفات الاحتجاجية اليوم...

تعاني المدرسة م...

تعاني المدرسة من مجموعة واسعة من المخاطر التي تهدد سلامة الطلاب والطاقم التعليمي وتعوق العملية التعل...

يهدف إلى دراسة ...

يهدف إلى دراسة الأديان كظاهرة اجتماعية وثقافية وتاريخية، دون الانحياز إلى أي دين أو تبني وجهة نظر مع...

‏تعريف الرعاية ...

‏تعريف الرعاية التلطيفية‏ ‏وفقا للمجلس الوطني للصحة والرفاهية ، يتم تعريف الرعاية التلطيفية على النح...

Risky Settings ...

Risky Settings Risky settings found in the Kiteworks Admin Console are identified by this alert symb...

الممهلات في الت...

الممهلات في التشريع الجزائري: بين التنظيم القانوني وفوضى الواقع يخضع وضع الممهلات (مخففات السرعة) عل...

Lakhasly. (2024...

Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...

‏ Management Te...

‏ Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...