Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (Using the clustering technique)

والمقريزي هو أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد المعروف بتقى الدين المقريزي كان جده من كبار المحدثين ببعلبك في الشام وانتقل والده علي إلى والتي امتلأت حاراتها وشوارعها بعبق التاريخ والتي تزيد ساكنها وزائرها بالشوق دائماً إلى ماضيها الحافل وآثارها الباهرة وأتيح للمقريزي مشاهدة منشآت بعد على تخليد ذكر مدينته وما بها من عمران. ونشأة المقريزى فى أسرة اشتغالت بالعلم أي أنه شهد حوادث عصره من زاوية أبناء الفئة المتعلمة من الطبقة الوسطى. ذبول لدولة سلاطين المماليك ذات البطولات الشامخة السالفة وأمجاد ماضية ملات أعين التاريخ في الشرق والغرب. وشهد المقريزي فى فترة طفولته ومراهقته وشبابه حوادث ذلك العصر المتدهور من نافذته الفكرية المصرية البعيدة عن المؤثرات المملوكية, المماليك الذين جعلوا من السلاطين الأطفال وأشباه الأطفال وقتذاك ستاراً رقيقاً يعملون من ورائه لتحقيق مطامعهم الخاصة, وتلقى المقريزى تعليمه مثل كل أقرانه في ذلك العصر, التقليدية من علوم الدين وحفظ القرآن ومعرفة اللغة والنحو ودرس الفقه والتفسير غير أن نظرة عابرة على مؤلفاته تدل دلالة واضحة على مدى تأثره بالأحداث المضطربة التي تموج بها البلاد ومثله في ذلك مثل أستاذه ابن خلدون الذي رأى ما في بلاد المغرب والأندلس من تفكك وانحلال وفساد وفتن, تاريخه المسمى العبر وديوان المبتدأ والخبر ومقدمته المشهورة, تأليفها أساساً لدراسة تجارب الأمم. وكان تأثير ابن خلدون على تلميذه المقريزى واضحاً إذا نظرنا إلى مؤلفاته التي أخذت الصبغة الاقتصادية والاجتماعية. حلقات دراسية كما سبق أن ذكرنا ذلك وتعددت محاضراته في عدة أماكن. وصارت هذه المحاضرات نواة لمدرسة فكرية تخرج منها المقريزي وغيره من كما أن أوضاع مصر كان لها أثرها الواضح على فكر المقريزي, أن مصر عاشت فترة تموج بالفتن والحروب داخل محيط السلطة المملوكية, وتحزب هؤلاء المماليك وتعصبوا في عنصرية مقيتة بين الأتراك والجراكسة مرة, وبين المماليك المتوطنين والوافدين مرة أخرى. عن السلطة ولا يناله منها إلا مرها. الوظائف التي لا يصل إليها وقتذاك إلا أصحاب المؤهلات العالية والموهبة والمعرفة والتفوق في اللغة والأدب والتاريخ وتقويم البلدان والحساب. المقريزي نائباً من نواب الحكم أي قاضياً. وظيفة تدريس الحديث في المدرسة المؤيدية وهي أيضاً من الوظائف العلمية ثم انتقل إلى الوظائف ذات الصبغة الدينية والسياسية عندما عينه السلطان برقوق محتسباً للقاهرة والوجه البحرى. والتعليم إلى دائرة الإدارة والاختلاط بمختلف طبقات المجتمع ولاسيما أرباب الأسواق والمتاجر وأصحاب المهن والصناعات، وتوليه الحسبة شهادة على الأمانة والدقة في الإدارة وتطبيق الأحكام ضاق بمسؤولياتها التي شغلت وقته ليلاً ونهاراً، الجلوس في دكة المحتسب للفصل في شكاوى عامة الناس.

  • مؤلفاته: وفى نحو ذلك الوقت تزوج المقريزى وأنجب, ماتت في سن السادسة بالطاعون الذي اجتاح القاهرة وسائر البلاد المصرية سنة "إغاثة الأمة بكشف الغمة". ودفعه عمله بوظيفة الحسبة إلى تأليف كتابي "شذور العقود في ذكر النقود"، و "الأكيال والأوزان الشرعية". وعاد المقريزى إلى التدريس مرة أخرى, للحديث بالمدرستين الإقبالية والأشرفية بدمشق مع وظيفة أخرى وهي نظر أوقاف ويبدو أنه كتب أول مؤلفاته الطويلة في هذه السنوات الدمشقية, "إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والحفدة والأخوال والأتباع", مشحون بصفحات متتالية من مؤلفات السابقين في تاريخ السيرة. أيضاً يرجع تأليفه لكتاب "النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم", كتاب مستمد من فكرة العصبية القبلية التي بنى عليها ابن خلدون معظم نظرياته في وبعد إقامة استمرت عشرة سنوات, "ضوء الساري في معرفة تميم الداري"، كلها كتب صغيرة ومرتبطة بالبلاد العربية والأماكن المقدسة وأخبارها. أن الكتاب المسمى "الإعلام بمن في أرض الحبشة من ملوك الإسلام" يرجع كذلك وبدأ المقريزي نشاطه العلمي في هذه المرحلة من حياته بكتاب تاريخ القاهرة وآثارها والذي سماه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" والمعروف باسم "الخطط المقريزية" لأنه تناول دراسة خطط وشوارع القاهرة وحاراتها, المهمة من قصور وجوامع ومساجد ومدارس وغيرها فضلاً عن أخبار المدن ثم اتجه إلى وضع خطة استهدفت كتابة تاريخ الدول المستقلة في مصر, دولة في مؤلف منفرد خاص بها. فيمن دخل مصر من الأعراب, الكتاب الذي غدا أساساً لجميع التواريخ المصرية في عصر الدولتين الأيوبية ومن الملاحظ أن المقريزى كتب المؤلفات السابقة لتكون كلها تتمة لكتاب من أخبار الدول الإسلامية في مصر في ذلك الكتاب الكبير. الكتب السابقة على جمع المادة التاريخية اللازمة لكتاب كبير آخر في التراجم والسير وهو الذي سماه "المقفى". ورجالها والواردين عليها منذ أقدم العصور التاريخية المعروفة لديه إلى ما قبل ومؤلفات المقريزى الكبرى والصغرى تربو على مائة كتاب ويتعجب الباحثون المعاصرن والمتأخرون والمحدثون أن ينسب كل هذا العدد الوافر من وثمة ملاحظة مهمة على مؤلفات المقريزى الصغيرة, بعض ملامح عصره وتلقى الأضواء على الجوانب الفكرية والاجتماعية والمقريزى يعرض فى كتبه الصغيرة مسائل قل أن يعرضها في كتبه من عيوب المجتمع نقاشاً حراً. وأعطى المقريزى عناية فائقة بتاريخ مصر على وجه الخصوص, من جوانب لم يفطن غيره من المؤرخين إلى الانتباه إليها أو على الأقل لم يتناولوها بمثل ما تناولها المقريزى من الدقة والاستقصاء والتوسع ولا ريب أنه اعتمد على جهود كثير من أسلافه ولكننا نلمس شخصية المقريزي في كل ما كتبه. فلا شك أن الفضل للمقريزى فى الجمع بين شتات المعلومات, تاريخية مستفيضة أصبحت قوام عمل تاریخی مستقل بذاته. المقريزى يعود أيضاً في أن مؤلفاته حفظت نبذأ نفسية عديدة نقلها عن مؤرخين ضاعت مؤلفاتهم لم تصلنا بعد أن أخذ منها واستفاد بها. وتحتل مجموعة كبيرة من مؤلفات المقريزى مكانة بارزة ومهمة في المكتبة محمد مصطفى زيادة . تناول فى باقى الأجزاء تاريخ مصر ودولة سلاطين المماليك في توسع واستفاضة. ولم يقم بالربط بين سنة أخرى, . خطط المقريزى وكتاب "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" أو "الخطط المقريزية" هو أعظم ما ترك المقريزى بلا ريب وقد اختصه المقريزى لدراسة تاريخ وآثار القاهرة وما حولها من مدائن قديمة. والعسكر أى مدينة مصر ثم القاهرة وبين مواقعها الجغرافية, وحاراتها وعطفاتها وذكر جوامعها ومساجدها وما بنى فيها من زوايا وربط مع ذكر بداية تأسيسه وذكر من قام بالبناء وتاريخه وما آل إليه هذا الصرح أو إن كتاب "الخطط" أكد أن المقريزى كان رجلاً مثابراً على البحث والاطلاع فذكر في صدره فقيدت بخطى في الأعوام الكثيرة, فأردت أن ألخص منها أنباء ما بديار مصر من الآثار الباقية عن الأمم والقرون الخالية وما بقي بفسطاط مصر من المعاهد غير ما كاد يفنيه البلى والقدم, ولم يبق إلا أن يمحو رسمها الفناء والعدم وأذكر ما بمدينة القاهرة من آثار القصور الزاهرة, مع التعريف بحال من أسس ذلك من أعيان الأماثل والتنويه بذكر الذي شادها من سراة الأعاظم الأفاضل". وهناك أدلة تشير إلى أنه كتب أجزاء بعد فترة المحن والغلاء التي وقعت في مصر سنة 806هـ حسبما أشار في عدة مواضع بالكتاب, ثم ذكر في موضع آخر أثناء كلامه عن مدينة مدين قائلاً: "وكان بأرض مدين عدة مدائن كثير قد باد أهلها خربت، أنه ذكر في أخبار بعض مساجد القاهرة التي أنشئت أو جددت في عصره فقال: "وتجدد في آخر سويقة أمير الجيوش بالقاهرة جامع أنشأه الفقير المعتقد محمد الغمري, وأقيمت به الجمعة في يوم الجمعة رابع ذى الحجة سنه ثلاث وأربعين وثمانمائة قبل أن يكمل". وعرض الأحكام الدولة وعوائدها منذ عصر الولاة في مصر ومروراً بالدولة الفاطمية ثم الدولة الأيوبية مع شيء من الاستفاضة عن عصر سلاطين المماليك. كما تدوين أخبار باقى الأقاليم والمدن المصرية التاريخية مثل الإسكندرية والفرما ودمياط والمنصورة وقفط وقوص والأشمونين والفيوم وغيرها. وأثبت المقريزى في خططه مقدرته كمؤرخ مبدع فاهتم بتدوين التاريخ السياسي والاقتصادي والفكرى والاجتماعي لمصر في العصور الوسطى, جلياً في كتاب المقريزى المسمى "إغاثة الأمة بكشف الغمة" إذ تناول فيه المقريزى الظواهر والعوامل التي أدت إلى خراب مصر وإفقار المجتمع المصرى, وسار في هذا الكتاب على نهج ابن خلدون في الشرح والتعليل. واهتم المقريزى فى خططه برسم صورة المجتمع المصرى في عهد الخلفاء الفاطميين ثم سلاطين بنى أيوب ومن بعدهم المماليك, أثوابه المختلفة زاهية ، وتناول وصف الحفلات الرسمية والعامة والمواكب السلطانية إذا خرج الحاكم للصلاة أو للرياضة أو للحرب. الشئون العامة للبلاد من أمور تشريعية وحربية ومالية سواء في عهد الخلفاء الفاطميين أو السلاطين الأيوبيين والمماليك من بعدهم. وبلغت قيمة كتاب الخطط ذروتها فيما تناوله المقريزى من كتابات عن حياة مثل عادات الناس وتقاليدهم وأحوالهم في المعاملات, وفي ملبسهم ومأكلهم وفى أفراحهم وأحزانهم وفى اللهو والرياضة, بخواص الشعب المصرى وطبقاته الاجتماعية.
  • أصالة الخطط وقد تعرض كتاب الخطط المقريزية للطعن في أصالته, الدين السخاوى بحملة ضارية على المقريزى واتهمه بسرقة "الخطط". له عدة محاسن عاد فقال: لكنه" قليل المعرفة بالمتقدمين, ثم فجر السخاوى مفاجأته فقال عن المقريزى وكتابه الخطط: "وهو مفيد - ذكر السخاوى هذه التهمة في كتابه "الإعلان" بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ" فقال: "وكذا جمع خططها أي المقريزي لمصر والقاهرة وهو مفيد. يقصد ابن حجر العسقلاني إنه أي -المقريزى ظفر به مسودة لجاره الشهاب أحمد بن عبد الله بن الحسن الأوحدى بل كان بيض بعضه فأخذها, وقبل الرد على هذا الاتهام لابد من التعريف بالأوحدي البطل الأسطوري أنه برع فى القرآن والأدب واهتم بالتاريخ, وذكره المقريزى في كتاب درر" العقود الفريدة, وللرد على اتهام السخاوى للمقريزى بسرقة خططه عن الأوحدى نبدأ بالتعرف على مصادر المقريزى التي اعتمد عليها في كتابة خططه. المقريزي في مقدمة كتابه إلى المنهج الذي اتبعه فقال: "وأما أي أنحاء التعاليم التي في العلوم والرواية عمن أدركت من شيخة العلم وجلة الناس, فأما النقل من دواوين العلماء التي صنفوها في أنواع العلوم, كل نقل إلى الكتاب الذى نقلته منه لأخلص من عهدته, .... وأما الرواية عمن أدركت من الجلة والمشايخ فإني في الغالب والأكثر ثم ذكر المؤرخين الذين كتبوا في خطط مصر قبله, من منهج في تدوين كتابه فلا يكاد ينقل رواية أو واقعة أو وصفاً إلا أسنده إلى وابن يونس والمسعودى وابن وصيف شاه ورجع في أخبار الفسطاط الأولى إلى وأبدع ما في "الخطط" وهو الجزء الخاص بالدولة الفاطمية, ابن زولاق والمسبحي وابن المأمون والجواني, والقاهرة رجع إلى القاضي الفاضل وابن عبد الظاهر وابن المتوج. المقريزي مادته تباعاً من سلسلة متصلة من المصادر المعاصرة, فإذا كان هذا هو حال المقريزى ومنهجه في الفترة المبكرة لتاريخ مصر حتى قبيل وفاته وهذه الفترة التي عاشها المقريزى امتدت بين سنتي 766-845هـ, وهي تشغل حيزاً كبيراً من مادة "الخطط". وقد عاصر المقريزى عشرة سلاطين من المماليك متعاقبين على حكم مصر, وأدرك مرحلتين كبيرتين في تطور مصر والقاهرة من ناحية العمران والمجتمع الأولى: أواخر القرن الثامن الهجري حيث كانت مصر والقاهرة تسترد عافيتها بعد ما أصابها من وباء والثانية بعد المحن التي توالت عليها بين سنتي 806 و 812هـ بسبب الوباء والغلاء, ومعنى ذلك أنه ليس من الممكن عقلاً أن يكون المقريزى قد نقل عن الأوحدى شيئاً يتعلق بأحوال هذه الفترة, فإذا أضفنا إلى ذلك أن المقريزى يقتبس من أسلافه كتاب الخطط والتواريخ وغيرهم بطريق الإسناد فقرات تعد بالمئات, فإن ما تبقى مما يمكن أن يكون موضعا للاتهام جزءاً يسيراً جداً, ولكن إذا رجعنا إلى رأى ابن حجر في صديقه المقريزي فقال عنه: "وله أي المقريزي النظم الفائق والنثر العابق, وقال عنه أيضاً: "رفيقي الإمام الأوحد المطلع تقى الدين المقريزي. وإذا طالعنا مؤلفات السخاوى ومنها الضوء اللامع" و"التبر المسبوك" و " الإعلان بالتوبيخ لعرفنا أنه كان ناقدا لاذعا فانتقص من أقدار كبار علماء عصره. وأدى أسلوب السخاوى الجارح إلى إثارة العداوة والبغضاء بينه وبين طائفة كبيرة من الأعلام ودخل مع كثير منهم في معارك قلمية ملتهبة. وكانت خصومته لجلال الدين السيوطى حادة وعنيقة فاضطرم الجدل بينهما حينا وتبادلا مر الحملات والتهم ونسب كل منهما الآخر إلى الاختلاس والنقل. وهكذا فإن اتهام السخاوى للمقريزى بسرقة "المواعظ والاعتبار" أمر مرفوض واتهام باطل ترده الحقائق المادية.


Original text

المقريزي
والمقريزي هو أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد المعروف بتقى الدين
المقريزي كان جده من كبار المحدثين ببعلبك في الشام وانتقل والده علي إلى
القاهرة, وولى بها بعض الوظائف القضائية, وعمل في وظيفة التوقيع بديوان
الإنشاء, وفى سنة 766 هـ / 1364م ولد مؤرخنا أحمد بن علي بالقاهرة.
النشأة والمؤثرات: نشأ المقريزى فى القاهرة, تلك المدينة الحافلة بالذكريات,
والتي امتلأت حاراتها وشوارعها بعبق التاريخ والتي تزيد ساكنها وزائرها بالشوق
دائماً إلى ماضيها الحافل وآثارها الباهرة وأتيح للمقريزي مشاهدة منشآت
ومؤسسات هذه المدينة العريقة، وتشبع بعبقها، فتركت في نفسه أثرا، وعزم فيما
بعد على تخليد ذكر مدينته وما بها من عمران.
ونشأة المقريزى فى أسرة اشتغالت بالعلم أي أنه شهد حوادث عصره من
زاوية أبناء الفئة المتعلمة من الطبقة الوسطى. وكانت هذه الحوادث هي نوبات
ذبول لدولة سلاطين المماليك ذات البطولات الشامخة السالفة وأمجاد ماضية ملات
أعين التاريخ في الشرق والغرب.
وشهد المقريزي فى فترة طفولته ومراهقته وشبابه حوادث ذلك العصر
المتدهور من نافذته الفكرية المصرية البعيدة عن المؤثرات المملوكية, ورأى هؤلاء
المماليك الذين جعلوا من السلاطين الأطفال وأشباه الأطفال وقتذاك ستاراً رقيقاً
يعملون من ورائه لتحقيق مطامعهم الخاصة, ثم زالت دولة سلاطين المماليك
البحرية, ليحل محلهم المماليك الجراكسة.
وتلقى المقريزى تعليمه مثل كل أقرانه في ذلك العصر, فعكف على الدراسة
التقليدية من علوم الدين وحفظ القرآن ومعرفة اللغة والنحو ودرس الفقه والتفسير
والحديث, وبعض العلوم الأخرى مثل التاريخ وتقويم البلدان والأدب والحساب.
غير أن نظرة عابرة على مؤلفاته تدل دلالة واضحة على مدى تأثره بالأحداث
المضطربة التي تموج بها البلاد ومثله في ذلك مثل أستاذه ابن خلدون الذي رأى
ما في بلاد المغرب والأندلس من تفكك وانحلال وفساد وفتن, فألهمه ذلك تأليف
تاريخه المسمى العبر وديوان المبتدأ والخبر ومقدمته المشهورة, التي غدت منذ
تأليفها أساساً لدراسة تجارب الأمم.
وكان تأثير ابن خلدون على تلميذه المقريزى واضحاً إذا نظرنا إلى مؤلفاته
التي أخذت الصبغة الاقتصادية والاجتماعية. فعندما استقر ابن خلدون بالقاهرة عقد
حلقات دراسية كما سبق أن ذكرنا ذلك وتعددت محاضراته في عدة أماكن.
وصارت هذه المحاضرات نواة لمدرسة فكرية تخرج منها المقريزي وغيره من
معاصريه.
كما أن أوضاع مصر كان لها أثرها الواضح على فكر المقريزي, ومن ذلك
أن مصر عاشت فترة تموج بالفتن والحروب داخل محيط السلطة المملوكية,
وتحزب هؤلاء المماليك وتعصبوا في عنصرية مقيتة بين الأتراك والجراكسة مرة,
وبين المماليك المتوطنين والوافدين مرة أخرى. كل هذا والشعب المصرى بعيداً
عن السلطة ولا يناله منها إلا مرها.- وظائفه: وبعد أن نال المقريزى قسطاً وافراً من التعليم التحق بالوظائف
الحكومية, فعمل في ديوان الإنشاء بالقلعة في وظيفة موقع أي كاتب, وهي من
الوظائف التي لا يصل إليها وقتذاك إلا أصحاب المؤهلات العالية والموهبة
والمعرفة والتفوق في اللغة والأدب والتاريخ وتقويم البلدان والحساب. ثم عين
المقريزي نائباً من نواب الحكم أي قاضياً. ثم صار إماماً لأحد الجوامع وتولى
وظيفة تدريس الحديث في المدرسة المؤيدية وهي أيضاً من الوظائف العلمية
العالية.
ثم انتقل إلى الوظائف ذات الصبغة الدينية والسياسية عندما عينه السلطان
برقوق محتسباً للقاهرة والوجه البحرى. فانتقل بذلك من دائرة المشتغلين بالعلم
والتعليم إلى دائرة الإدارة والاختلاط بمختلف طبقات المجتمع ولاسيما أرباب
الأسواق والمتاجر وأصحاب المهن والصناعات، وهي طبيعة عمل المحتسب.
وتوليه الحسبة شهادة على الأمانة والدقة في الإدارة وتطبيق الأحكام
الشرعية. غير أنه لم يلبث أن تنحى عن هذه الوظيفة مرتين في عامين متتاليين, إذ
ضاق بمسؤولياتها التي شغلت وقته ليلاً ونهاراً، وصرفته عن القراءة، وتطلبت منه
الجلوس في دكة المحتسب للفصل في شكاوى عامة الناس.



  • مؤلفاته: وفى نحو ذلك الوقت تزوج المقريزى وأنجب, والمعروف أن بنتاً له
    ماتت في سن السادسة بالطاعون الذي اجتاح القاهرة وسائر البلاد المصرية سنة
    806هـ / 1403م. وهذا الطاعون بالذات هو الذي دفع المقريزي إلى تأليف كتاب
    "إغاثة الأمة بكشف الغمة".
    ودفعه عمله بوظيفة الحسبة إلى تأليف كتابي "شذور العقود في ذكر النقود"،
    و "الأكيال والأوزان الشرعية". ويبدو أن هذه الكتب الصغيرة ترجع إلى أوائل عهد
    المقريزي بالتأليف, كما يبدو من محتوياتها مدى تأثير ابن خلدون في التكوين
    الفكرى عند تلميذه الموهوب.
    وعاد المقريزى إلى التدريس مرة أخرى, حين عينه السلطان برقوق مدرساً
    للحديث بالمدرستين الإقبالية والأشرفية بدمشق مع وظيفة أخرى وهي نظر أوقاف
    البيمارستان النوري أي المستشفى. ثم عرض السلطان فرج بن برقوق عليه وظيفة
    نائب الحكم بدمشق (قاضي), ولكنه رفض.
    ويبدو أنه كتب أول مؤلفاته الطويلة في هذه السنوات الدمشقية, وهو كتاب
    "إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والحفدة والأخوال والأتباع", وهو كتاب
    مشحون بصفحات متتالية من مؤلفات السابقين في تاريخ السيرة. وإلى تلك السنوات
    أيضاً يرجع تأليفه لكتاب "النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم", وهو
    كتاب مستمد من فكرة العصبية القبلية التي بنى عليها ابن خلدون معظم نظرياته في
    فلسفة التاريخ.
    وبعد إقامة استمرت عشرة سنوات, رحل المقريزى عن دمشق عائداً إلى
    القاهرة, ليتفرغ للدرس والتدريس والتأليف الذى وضحت موهبته فيه بما أخرجه
    من المؤلفات الصغيرة, غير أنه أدى فريضة الحج أولاً وظل مقيماً بمكة نحو
    خمس سنوات, واشتغل في تلك السنوات المكية من حياته بتدريس الحديث. وربما يرجع تأليف كتابه "الكلام ببناء الكعبة بيت الله الحرام"، وكتاب
    "ضوء الساري في معرفة تميم الداري"، وكتاب "التبر المسبوك في ذكر من حج
    من الخلفاء والملوك"، وكتاب "وصف حضرموت العجيبة" إلى هذه المرحلة. فإنها
    كلها كتب صغيرة ومرتبطة بالبلاد العربية والأماكن المقدسة وأخبارها. والراجح
    أن الكتاب المسمى "الإعلام بمن في أرض الحبشة من ملوك الإسلام" يرجع كذلك
    إلى هذه المرحلة.
    ثم استقر المقريزى بعدئذ بالقاهرة, وجعل من داره مكاناً للتدريس والتأليف.
    وبدأ المقريزي نشاطه العلمي في هذه المرحلة من حياته بكتاب تاريخ القاهرة
    وآثارها والذي سماه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" والمعروف باسم
    "الخطط المقريزية" لأنه تناول دراسة خطط وشوارع القاهرة وحاراتها, والأبنية
    المهمة من قصور وجوامع ومساجد ومدارس وغيرها فضلاً عن أخبار المدن
    المصرية الكبرى, وتراجم رجال الدول ونظم الحكم في مختلف العصور.
    ثم اتجه إلى وضع خطة استهدفت كتابة تاريخ الدول المستقلة في مصر, كل
    دولة في مؤلف منفرد خاص بها. وبدأ ترتيبه التاريخي بكتاب "البيان والإعراب
    فيمن دخل مصر من الأعراب, ثم أعقبه بكتاب "عقد جواهر الأسفاط في أخبار
    مدينة الفسطاط", وهذا الكتاب عبارة عن تاريخ لمصر منذ الفتح العربي حتى قيام
    الدولة الفاطمية. ثم تلا ذلك كتابه عن الدولة الفاطمية وسماه "إتعاظ الحنفا بأخبار
    الأئمة الفاطميين الخلفا". ثم كتب بعد ذلك كتاب "السلوك لمعرفة دول الملوك" وهو
    الكتاب الذي غدا أساساً لجميع التواريخ المصرية في عصر الدولتين الأيوبية
    والمماليكية.
    ومن الملاحظ أن المقريزى كتب المؤلفات السابقة لتكون كلها تتمة لكتاب
    "المواعظ والاعتبار ", أو أنها فروعا له، وأنه قصد في كل منها أن يشرح ما أجمله
    من أخبار الدول الإسلامية في مصر في ذلك الكتاب الكبير. وعكف أثناء إعداد
    الكتب السابقة على جمع المادة التاريخية اللازمة لكتاب كبير آخر في التراجم
    والسير وهو الذي سماه "المقفى". وقد جعله معجماً كبيراً لتراجم حكام مصر
    ورجالها والواردين عليها منذ أقدم العصور التاريخية المعروفة لديه إلى ما قبل
    عصره. أما كتاب "درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة" فقد جعله معجماً
    محلياً لشخصيات عصره. كما ألف كتاباً عن التاريخ القديم عنوانه "الخبر عن
    البشر". أما كتابه "شارع النجاة في تاريخ الأديان" فهو أول كتاب مستقل من نوعه
    في اللغة العربية. كما كتب المقريزى مؤلفات صغيرة كانت موضوعاتها مرتبطة
    بالمجتمع الذي عاشه.
    ومؤلفات المقريزى الكبرى والصغرى تربو على مائة كتاب ويتعجب
    الباحثون المعاصرن والمتأخرون والمحدثون أن ينسب كل هذا العدد الوافر من
    الكتب إلى مؤلف واحد. والواقع أن بعض هذه الكتب لم يتعد موضوعاً واحداً بذاته
    أو حادثة بعينها. وبعض هذه الكتب لا تزيد عن مقالة طويلة في مجلة في عصرنا
    الحاضر.
    وثمة ملاحظة مهمة على مؤلفات المقريزى الصغيرة, وهي أنه في الوقت
    الذي تموج مؤلفاته الكبيرة بأخبار الخلفاء والسلاطين والأمراء, وتحفل بحوادث العزل والولاية وتفيض بالتراجم والوفيات, حتى تكاد شخصية المؤلف أن تختفى
    تماماً, إذ بهذه الكتب الصغيرة تلقى كثيراً من الضوء على هوية المؤلف, وتدل على
    بعض ملامح عصره وتلقى الأضواء على الجوانب الفكرية والاجتماعية
    والاقتصادية للمجتمع.
    والمقريزى يعرض فى كتبه الصغيرة مسائل قل أن يعرضها في كتبه
    الكبيرة, وفيها تحلل من قيود تسجيل الأخبار, وقدم رأيه الخاص في أسلوب
    النصيحة, بل حاول أحياناً أن يعلل ويحلل حادثة بذاتها تعليلاً عقلياً أو يناقش عيباً
    من عيوب المجتمع نقاشاً حراً.
    وأعطى المقريزى عناية فائقة بتاريخ مصر على وجه الخصوص, فتناوله
    من جوانب لم يفطن غيره من المؤرخين إلى الانتباه إليها أو على الأقل لم
    يتناولوها بمثل ما تناولها المقريزى من الدقة والاستقصاء والتوسع ولا ريب أنه
    اعتمد على جهود كثير من أسلافه ولكننا نلمس شخصية المقريزي في كل ما كتبه.
    فلا شك أن الفضل للمقريزى فى الجمع بين شتات المعلومات, وصياغة مادة
    تاريخية مستفيضة أصبحت قوام عمل تاریخی مستقل بذاته. كما أن فضل
    المقريزى يعود أيضاً في أن مؤلفاته حفظت نبذأ نفسية عديدة نقلها عن مؤرخين
    ضاعت مؤلفاتهم لم تصلنا بعد أن أخذ منها واستفاد بها.
    وتحتل مجموعة كبيرة من مؤلفات المقريزى مكانة بارزة ومهمة في المكتبة
    التاريخية, على رأس هذه المؤلفات كتابه "المواعظ والاعتبار" ثم "السلوك لمعرفة
    دول الملوك". وأما السلوك فقد أخرجه مطبوعاً عالمان جليلان هما الأستاذان د.
    محمد مصطفى زيادة .ود سعيد عبد الفتاح عاشور طبع في أربعة أجزاء وكل
    جزء ضم ثلاثة أقسام. تناول تاريخ الأيوبيين فى الجزء الأول من القسم الأول, ثم
    تناول فى باقى الأجزاء تاريخ مصر ودولة سلاطين المماليك في توسع واستفاضة.
    واتبع المقريزى في "السلوك" النظام الحولي, فسرد تاريخ كل سنة على حدة,
    ولم يقم بالربط بين سنة أخرى, ولم يستوقف القارئ فى وسط السنين إلا عند حدوث
    عهد جديد, أى وفاة سلطان وتولية آخر, وأعقب نهاية كل سنة بذكر من مات فيها
    من الأعيان.
    . خطط المقريزى وكتاب "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" أو "الخطط
    المقريزية" هو أعظم ما ترك المقريزى بلا ريب وقد اختصه المقريزى لدراسة
    تاريخ وآثار القاهرة وما حولها من مدائن قديمة. فتناول خطط الفسطاط والقطائع
    والعسكر أى مدينة مصر ثم القاهرة وبين مواقعها الجغرافية, وخطط شوارعها
    وحاراتها وعطفاتها وذكر جوامعها ومساجدها وما بنى فيها من زوايا وربط
    وخانقاوات وأسبلة وأضرحة. وذكر أسواقها وقصورها ومدارسها وكل ما احتوت
    من صروح ودور عامة, فما من صرح أثرى إلا وفاه المقريزى حقه من الوصف
    مع ذكر بداية تأسيسه وذكر من قام بالبناء وتاريخه وما آل إليه هذا الصرح أو
    ذاك.
    إن كتاب "الخطط" أكد أن المقريزى كان رجلاً مثابراً على البحث والاطلاع
    والعناية الفائقة بالتقصي والتحقيق, فقد قضى أعواماً طويلة في البحث والدرس,
    وجمع المذكرات والأخبار, فذكر في صدره فقيدت بخطى في الأعوام الكثيرة,
    وجمعت من ذلك فوائد قل ما يجمعها كتاب أو يحويها لعزتها وغرابتها إهاب؛ إلا أنها ليست بمرتبة على مثال, ولا مهذبة بطريقة ما نسج على منوال؛ فأردت أن ألخص منها أنباء ما بديار مصر من الآثار الباقية عن الأمم والقرون الخالية وما بقي بفسطاط مصر من المعاهد غير ما كاد يفنيه البلى والقدم, ولم يبق إلا أن يمحو رسمها الفناء والعدم وأذكر ما بمدينة القاهرة من آثار القصور الزاهرة, وما اشتملت عليه من الخطط والأصقاع وحوته من المباني البديعة والأوضاع، مع التعريف بحال من أسس ذلك من أعيان الأماثل والتنويه بذكر الذي شادها من سراة الأعاظم الأفاضل".وليس من المعروف تحديداً بداية كتابة المقريزي لخططه, وهناك أدلة تشير إلى أنه كتب أجزاء بعد فترة المحن والغلاء التي وقعت في مصر سنة 806هـ حسبما أشار في عدة مواضع بالكتاب, وكان مازال يكتب حتى سنة 820هـ. ثم ذكر في موضع آخر أثناء كلامه عن مدينة مدين قائلاً: "وكان بأرض مدين عدة مدائن كثير قد باد أهلها خربت، وبقى منها إلى يومنا هذا وهو سنة خمس وعشرين وثمانمائة نحو الأربعين مدينة قائمة ...".وظل المقريزي على تدوين خططه والزيادة فيها تباعاً حتى سنة 843هـ, أي قبل وفاته بنحو عامين. والدليل على استمراره في الكتابة حتى التاريخ السابق؛ أنه ذكر في أخبار بعض مساجد القاهرة التي أنشئت أو جددت في عصره فقال: "وتجدد في آخر سويقة أمير الجيوش بالقاهرة جامع أنشأه الفقير المعتقد محمد الغمري, وأقيمت به الجمعة في يوم الجمعة رابع ذى الحجة سنه ثلاث وأربعين وثمانمائة قبل أن يكمل".ومن هنا نقول أن معظم المادة التي تتعلق بتاريخ مصر القديم والفتح الإسلامي, وأخبار الفسطاط وملوكها, وغير ذلك مما لا يرتبط بمجرى الحوادث في عصر المؤلف, قد كتب في تاريخ سابق, وما يتعلق بعصر المؤلف فلا ريب أن كتابته أو الزيادة فيه قد استمرت إلى ما قبل وفاة المقريزي في سنة .845هـ/1441م- أهمية "الخطط": إن أهمية كتاب الخطط تعود بالدرجة الأولى إلى ما ضمه هذا الكتاب من مادة غزيرة, فقد ضم بالإضافة إلى ما ذكرنا عرضا لجغرافية مصر والقاهرة والنيل, ولمحة عن تاريخ مصر الإسلامية. ثم وضع صورة فريدة للعمران داخل العاصمة وتناول جوانب من حياة مصر الاجتماعية والسياسية, وعرض الأحكام الدولة وعوائدها منذ عصر الولاة في مصر ومروراً بالدولة الفاطمية ثم الدولة الأيوبية مع شيء من الاستفاضة عن عصر سلاطين المماليك.وعرض لتراث عمراني وفني خالد هو تراث المدينة الإسلامية في مصر.كما تدوين أخبار باقى الأقاليم والمدن المصرية التاريخية مثل الإسكندرية والفرما ودمياط والمنصورة وقفط وقوص والأشمونين والفيوم وغيرها.وأثبت المقريزى في خططه مقدرته كمؤرخ مبدع فاهتم بتدوين التاريخ السياسي والاقتصادي والفكرى والاجتماعي لمصر في العصور الوسطى, فظهر تأثره بابن خلدون, وإعجابه بنظرياته, وكان ذلك بلا شك قبل أن يبدأ في كتابة خططه. وكان لآراء ابن خلدون ونظرياته التاريخية أثر كبير على إنتاجه فالفتت المقريزى إلى العناية بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية وإن أثر ابن خلدون يبدو
    جلياً في كتاب المقريزى المسمى "إغاثة الأمة بكشف الغمة" إذ تناول فيه
    المقريزى الظواهر والعوامل التي أدت إلى خراب مصر وإفقار المجتمع المصرى,
    وسار في هذا الكتاب على نهج ابن خلدون في الشرح والتعليل.
    واهتم المقريزى فى خططه برسم صورة المجتمع المصرى في عهد الخلفاء
    الفاطميين ثم سلاطين بنى أيوب ومن بعدهم المماليك, فقدم لنا هذا المجتمع في
    أثوابه المختلفة زاهية ،وقاتمة، فقام بعرض النظم السياسية والاقتصادية التي توالت
    على مصر, وتحدث من خلال نظم الحكم عن الخراج وديوان الأموال.
    وتناول وصف الحفلات الرسمية والعامة والمواكب السلطانية إذا خرج
    الحاكم للصلاة أو للرياضة أو للحرب. أي أنه تناول بالشرح والتفصيل كيف تدار
    الشئون العامة للبلاد من أمور تشريعية وحربية ومالية سواء في عهد الخلفاء
    الفاطميين أو السلاطين الأيوبيين والمماليك من بعدهم.
    وبلغت قيمة كتاب الخطط ذروتها فيما تناوله المقريزى من كتابات عن حياة
    الشعب المصرى الخاصة, مثل عادات الناس وتقاليدهم وأحوالهم في المعاملات,
    وفي ملبسهم ومأكلهم وفى أفراحهم وأحزانهم وفى اللهو والرياضة, وفي الجد
    والهزل. فقد صور المقريزى الحياة الاجتماعية المصرية أبدع تصوير, وعرفنا
    بخواص الشعب المصرى وطبقاته الاجتماعية.

  • أصالة الخطط وقد تعرض كتاب الخطط المقريزية للطعن في أصالته, فقام شمس
    الدين السخاوى بحملة ضارية على المقريزى واتهمه بسرقة "الخطط". فبعد أن ذكر
    له عدة محاسن عاد فقال: لكنه" قليل المعرفة بالمتقدمين, ولذلك كثر له فيهم وقوع
    التحريف والسقط... وكانت له معرفة قليلة بالفقه والنحو, واطلاع على أقوال
    السلف, وإلمام بمذهب أهل الكتاب حتى كان يتردد إليه أفاضلهم للإستفادة منه..."
    ثم عاد السخاوى فامتدحه في مواضع, وذمه في مواضع أخرى.
    ثم فجر السخاوى مفاجأته فقال عن المقريزى وكتابه الخطط: "وهو مفيد -
    أي الكتاب لكونه ظفر بمسودة الأوحدى, فأخذها وزادها زوائد غير طائلة. ثم
    ذكر السخاوى هذه التهمة في كتابه "الإعلان" بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ" فقال:
    "وكذا جمع خططها أي المقريزي لمصر والقاهرة وهو مفيد. قال لنا شيخنا -
    يقصد ابن حجر العسقلاني إنه أي -المقريزى ظفر به مسودة لجاره الشهاب أحمد
    بن عبد الله بن الحسن الأوحدى بل كان بيض بعضه فأخذها, وزاد عليه زيادات
    ونسبها لنفسه".
    وقبل الرد على هذا الاتهام لابد من التعريف بالأوحدي البطل الأسطوري
    لقصة السخاوي, فالأوحدى عاش بين عامى 761-811هـ, وذكره السخاوى فقال
    أنه برع فى القرآن والأدب واهتم بالتاريخ, وأنه كتب" مسودة كبيرة لخطط مصر
    والقاهرة, تعب فيها وأجاد وبيّض بعضها, فيبضها التقى المقريزي، ونسبها لنفسة
    مع زيادات......
    وذكره المقريزى في كتاب درر" العقود الفريدة, واعترف بانتفاعه بمسوداته
    في "الخطط". وذكره السيوطى أيضاً بقوله: "كان" لهجاً بالتاريخ, ألف كتاباً كبيراً في خطط مصر والقاهرة, وكان مقرناً أديباً, ومات في جمادى الأولى سنة
    ."811هـ/1408م
    وللرد على اتهام السخاوى للمقريزى بسرقة خططه عن الأوحدى نبدأ
    بالتعرف على مصادر المقريزى التي اعتمد عليها في كتابة خططه. فقد أشار
    المقريزي في مقدمة كتابه إلى المنهج الذي اتبعه فقال: "وأما أي أنحاء التعاليم التي
    قصدت في هذا الكتاب, فإنى سلكت فيه ثلاثة أنحاء؛ وهي النقل من الكتب المصنفة
    في العلوم والرواية عمن أدركت من شيخة العلم وجلة الناس, والمشاهدة لما
    عاينته ورأيته ...".
    .... فأما النقل من دواوين العلماء التي صنفوها في أنواع العلوم, فإني أعزو
    كل نقل إلى الكتاب الذى نقلته منه لأخلص من عهدته, وأبرأ من جريرته, فكثير
    ممن ضمني وإياه العصر, واشتمل علينا المصر صار لقلة إشرافه على العلوم,
    وقصور باعه في معرفة علوم التاريخ, وجهل مقالات الناس, يهجم بالإنكار على ما
    لا يعرفه, ولو أنصف لعلم أن العجز من قبله, وليس ما تضمنه هذا الكتاب من العلم
    الذي يقطع عليه, ولا يحتاج في الشريعة إليه, وحسب العالم أن يعلم ما قيل في ذلك
    ويقف عليه...".
    .... وأما الرواية عمن أدركت من الجلة والمشايخ فإني في الغالب والأكثر
    أصرح باسم من حدثنى, إلا أن لا يحتاج إلى تعيينه أو أكون نسيته, وقل ما يتفق
    مثل ذلك. وأما ما شاهدته فأنى أرجو أن أكون, ولله الحمد غير متهم ولا ظنين".
    على نفسه
    ثم ذكر المؤرخين الذين كتبوا في خطط مصر قبله, والتزم ما أخذه
    من منهج في تدوين كتابه فلا يكاد ينقل رواية أو واقعة أو وصفاً إلا أسنده إلى
    مصدره ومؤلفه. فنقل أخبار فتوح مصر وتاريخها قبل الإسلام عن ابن عبدا لحكم
    وابن يونس والمسعودى وابن وصيف شاه ورجع في أخبار الفسطاط الأولى إلى
    الكندى وابن زولاق, وأما عن وصف النيل وغيره من الموضوعات الجغرافية
    فأخذه عن المسعودي.
    وأبدع ما في "الخطط" وهو الجزء الخاص بالدولة الفاطمية, فقد أخذه عن
    ابن زولاق والمسبحي وابن المأمون والجواني, وقد عاشوا جميعاً في عصر الدولة
    الفاطمية, وكتبوا ما شاهدوه عن معرفة ودراية وما تلى ذلك من أخبار مصر
    والقاهرة رجع إلى القاضي الفاضل وابن عبد الظاهر وابن المتوج. وهكذا استقى
    المقريزي مادته تباعاً من سلسلة متصلة من المصادر المعاصرة, وأشار صراحة
    إلى المصدر الذي نقل عنه.
    فإذا كان هذا هو حال المقريزى ومنهجه في الفترة المبكرة لتاريخ مصر
    والقاهرة, فما بالنا بمنهجه في الفترة القريبة العهد بحياته والتي أدرك فيها المقريزي
    شيوخه, وأخذ عنهم ما شاهدوه وأدركوه بأنفسهم, ثم كذا نفس الفترة التي عاصرها
    حتى قبيل وفاته وهذه الفترة التي عاشها المقريزى امتدت بين سنتي 766-845هـ,
    وهي تشغل حيزاً كبيراً من مادة "الخطط".
    وقد عاصر المقريزى عشرة سلاطين من المماليك متعاقبين على حكم مصر,
    وأدرك مرحلتين كبيرتين في تطور مصر والقاهرة من ناحية العمران والمجتمع الأولى: أواخر القرن الثامن الهجري حيث كانت مصر والقاهرة تسترد عافيتها بعد ما أصابها من وباء والثانية بعد المحن التي توالت عليها بين سنتي 806 و 812هـ بسبب الوباء والغلاء, حيث عادت ثانية تسترد عمرانها وبهاءها. وتناول المقريزي هاتين الفترتين وأحوالهما وما استجد من عمران فيهما بالتفصيل. وساعده على ذلك ما تولاه من وظائف وما ناله من حظوة لدى بعض السلاطين الذين عاصرهم, فتمكن بذلك من البحث والتحرى والاستطلاع والمعانية.
    والأهم من كل ذلك في رد الاتهام عن المقريزى, أن الأوحدى الذي قيل أن المقريزي سرق خططه توفى كما ذكرنا في سنه 811هـ / 1408م, وأما المقريزي فقد بدأ كتابة خططه قبيل سنة 820هـ, واستمر في كتابته إلى سنة 843هـ. ومعنى ذلك أنه ليس من الممكن عقلاً أن يكون المقريزى قد نقل عن الأوحدى شيئاً يتعلق بأحوال هذه الفترة, والأوحدى قد توفى قبلها ولم يدرك شيئاً منها.
    ثم إن ما كتبه المقريزى عن خطط مصر والقاهرة وأحوال المجتمع المصرى, منذ أوائل القرن الثامن الهجرى إلى قبيل وفاته هذا الكم من كتابه يشغل أكثر من النصف. فإذا أضفنا إلى ذلك أن المقريزى يقتبس من أسلافه كتاب الخطط والتواريخ وغيرهم بطريق الإسناد فقرات تعد بالمئات, فإن ما تبقى مما يمكن أن يكون موضعا للاتهام جزءاً يسيراً جداً, وهذا الجزء اليسير يصعب علينا أن نعتقد أن المقريزي كان بحاجة إلى إختلاسه.
    وأصل اتهام السخاوى قد أخذه شيخه ابن حجر العسقلاني, ثم تولى هو إشاعة هذا الاتهام في العديد من مؤلفاته. ولكن إذا رجعنا إلى رأى ابن حجر في صديقه المقريزي فقال عنه: "وله أي المقريزي النظم الفائق والنثر العابق, والتصانيف الباهرة, خصوصاً في تاريخ القاهرة, فإنه أحيا معالمها وأوضح مجاهلها, وجدد مآثرها وترجم أعيانها". وهذه الكلمات تحمل إشادة ابن حجر بالخطط المقريزية.
    وقال عنه أيضاً: "رفيقي الإمام الأوحد المطلع تقى الدين المقريزي...".
    وإذا طالعنا مؤلفات السخاوى ومنها الضوء اللامع" و"التبر المسبوك" و " الإعلان بالتوبيخ لعرفنا أنه كان ناقدا لاذعا فانتقص من أقدار كبار علماء عصره. وأدى أسلوب السخاوى الجارح إلى إثارة العداوة والبغضاء بينه وبين طائفة كبيرة من الأعلام ودخل مع كثير منهم في معارك قلمية ملتهبة. وكانت خصومته لجلال الدين السيوطى حادة وعنيقة فاضطرم الجدل بينهما حينا وتبادلا مر الحملات والتهم ونسب كل منهما الآخر إلى الاختلاس والنقل. وقد ألف السيوطى كتاباً للرد على السخاوى وسماه الكاوى على تاريخ السخاوى".
    وهكذا فإن اتهام السخاوى للمقريزى بسرقة "المواعظ والاعتبار" أمر مرفوض واتهام باطل ترده الحقائق المادية.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

بدينا تخزينتنا ...

بدينا تخزينتنا ولم تفارقني الرغبة بان اكون بين يدي رجلين اثنين أتجرأ على عضويهما المنتصبين يتبادلاني...

خليج العقبة هو ...

خليج العقبة هو الفرع الشرقي للبحر الأحمر المحصور شرق شبه جزيرة سيناء وغرب شبه الجزيرة العربية، وبالإ...

فرضية كفاءة الس...

فرضية كفاءة السوق تعتبر فرضية السوق الكفء او فرضية كفاءة السوق بمثابة الدعامة او العمود الفقري للنظر...

‏@Moamen Azmy -...

‏@Moamen Azmy - مؤمن عزمي:موقع هيلخصلك اي مادة لينك تحويل الفيديو لنص https://notegpt.io/youtube-tra...

انا احبك جداً ت...

انا احبك جداً تناول البحث أهمية الإضاءة الطبيعية كأحد المفاهيم الجوهرية في التصميم المعماري، لما لها...

توفير منزل آمن ...

توفير منزل آمن ونظيف ويدعم الطفل عاطفيًا. التأكد من حصول الأطفال على الرعاية الطبية والتعليمية والن...

Le pêcheur et s...

Le pêcheur et sa femme Il y avait une fois un pêcheur et sa femme, qui habitaient ensemble une cahu...

في التاسع من ما...

في التاسع من مايو/أيار عام 1960، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على الاستخدام التجاري لأول أقر...

أهم نقاط الـ Br...

أهم نقاط الـ Breaker Block 🔹 ما هو الـ Breaker Block؟ • هو Order Block حقيقي يكون مع الاتجاه الرئي...

دوري كمدرب و مس...

دوري كمدرب و مسؤولة عن المجندات ، لا اكتفي باعطاء الأوامر، بل اعدني قدوة في الانضباط والالتزام .فالم...

سادساً: التنسيق...

سادساً: التنسيق مع الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية وفريق إدارة شؤون البيئة لنقل أشجار المشلع ب...

I tried to call...

I tried to call the hospital , it was too early in the morning because I knew I will be late for ...