Lakhasly

والرحلة ب Gا(شكلات والنتائج رحلة نقوم بها في ا(واد الدراسيةالمخصصة للنظرية الاجتماعية Hوفي وضع النظريات على حد سواء Hوهيرحلة محفوفة بالمخاطر ذاتها. ذلك لأن طبيعة علم الاجتماع ليست بتلكالكيفية التي >كننا من الانتقال رأسا Hمن دراسات عملية مليئة _علوماتعن الحياة الاجتماعية إلى النظرية الاجتماعيـة. فـالـنـظـريـة الاجـتـمـاعـيـةبطبيعتها عامة Hوتدعي أن لها صلة بكل المجالات ا(ستقلة الـتـي يـتـنـاولـهـاعلماء الاجتماع. ونحن لا نستطيع الانتقال مـبـاشـرة مـن دراسـة اتجـاهـاتالعمال مثلا إلى نظرية معينة Hذلك أن أي نظرية ذات قيمة علمية يجب أنتعالج مسائل أكثر بكثير من اتجاهات العمال. وكرد فعل على هذا Hيذود الكثير ƒن يرون أنفسهمأساسا كمنـظّرين Hيذود هؤلاء عن أنفسهم بالتحصن بالكـبـريـاء Hويـكـيـلـونالصاع صاع Gضد كل من يعاملهم باحتقار. كيف \كنإذن التعامل مع النظرية والحال هذه? ليس من ا(فيد التظاهر بأن باستطاعتناجعل النظرية سهلة Hبيد أن باستطاعتنا جعلها أسهل ƒا هي عليه. و\كن صياغة ما قلناه بصورة أخرى Hوهي أن فـهـم الـنـظـريـة مـسـألـةتتعلق بتعلم التفكير نظريا أكثر منها بتعلم النظريات ذاتها. و\كن تشـبـيـههذا الأسلوب من التعلم بتعلم لغة جديدة بطريقة بالغة الصعوبة Hأي ليسبطريقة تحصيل الكلمات تدريجيا وتعلم مختلف قواعد النـحـو Hوإqـا عـنطريق سماع اللغة وهي تتداول في أفواه أهلها Hبكل تعقيداتها HولهجاتـهـاHوعاميتها وما إلى ذلك. فا(شكلات التي تدفع البشر إلىالنظرية هي ـ كما قلت أعلاه ـ مشكلات نواجهها جميعا في حياتنا اليومية. وحقيقة الأمر ـ كما أعتقد ـ هي أننا جميعا نفكر نظريا بطريقة نحن لسناعلى وعي بها غالبا. إذن Hما هي ا(شكلات التي نقوم جميعا من خلال الاستجابة لها بالتفكيرنظريا دون أن نعي ذلك? إن معظمنا يتأثر بطريقة ما بالأحداث التـي هـيخارج نطاق إرادتنا والتي لا تكون أسبابها واضحة للعـيـان Hفـبـعـضـهـا يـقـعفجأة وأخرى تكون بداياتها متدرجة لا تلفت النظر Hكأن يفقد أحـد أفـرادالأسرة عمله Hأو أن لا يقبل في الجامعة أو إحدى الكليات العلمية كما كانيتوقع Hأو أن تتوقف بعض الخدمات والبضائع فجأة من جراء إضراب Hأوبسبب السياسة الاقتصادية للحكومة ا(ركزية أو المحلية Hأو أن تفقد الأجوروعائدات الضمان الاجتماعي وإعانات العاطل Gومكافآت ا(نح الدراسيHةقيمها الأساسية أكثر فأكثر مع تقادم الوقت. قد ألجأ حينئذ إلى تجربة سابقة لي بصفتها مرجعـي الأول Hأو قـدألجأ إلى تجربة صديق حميم لي وجد نفسه في ا(أزق ذاته Hفأبـحـث عـنا(لامح ا(شتركة في هذا الوضع: لعل الأمر يعود إلى ضغوط الوظيفة; وإذا أخافتني هذه التجربة أكثر وكنت بحاجة إلـى إلـقـاءاللوم على كاهل شخص آخر غيري Hفقد أعزو ا(شكلة إلى تصرّفات معينةتقوم بها زوجتي في علاقتنا الحميمة. إذ تظهر عندنا في عملية إقامة ور_ا اعتقد العامل أنه يقبض أجرا عادلا عن عملهفي اليوم Hلكن هذا العامل عند ماركس يخضع للاستغلال ا(نظم. وهـذا بـحـد ذاتـهيكفي لقبول الغرابة الظاهرة للنظرية الاجتماعية. لقد قلت أعلاه Hإن بإمكاننا أن نجعل النظرية أسهل ولكن لا \كننا أننجعلها سهلة. فمن المحال Hعلى سبيل ا(ثـال Hأن نـتـتـبـع جـذور الـنـظـريـاتا(عروضة في هذا الكتاب وإرجاعها إلى ا(شكلات اليومية Hفهذه ا(شكلاتقد أخضعت سابقا لقرون من التفكير الفلسفي Hولتـطـور ا(ـعـرفـة قـبـل أنتظهر النظرية التي تتحدث عنها بتجريد. إن كل الدراسات التي ناقشها مارشال تعتمد على النظرية Hوحتـى لـو كـانذلك مستترا Hوكما قال أحد مراجعي الكتـاب Hإن عـلـم الاجـتـمـاع سـيـبـقـىمجرد وسيلة إمبريقية مساعدة لعلوم أخرى Hإن لم تجـر بـعـض المحـاولاتللتوصل إلى إطار نظري عام. ويتمثل النشاط العلمي هنا في محاولة معالجة مظاهرمعينة للعالم الطبيعي Hبعزلها بشكل مناسب في أوضاع تجريبية Hلتنـطـبـقعلى النموذج الإرشادى. فنحن على سبيل ا(ثال Hلن نتعلم الكثير عن رد فعلي إزاء العجز الجنسيبإلصاق علامة »الأبوية« على حالتي Hإذ علينا أن نب Gكيف أن طبيعةالأبويةتحدد عجزي ورد فعلي نحوه من ناحية Hوأن نب Gمن الناحية الثانية كيفأن هذه العمليات تتفاعل مع عمليات أخرى (مثل تغيـر سـوق الـعـمـل الـذيأعطى النساء فرصة أكبر للاستقلال بوظائف خاصة بهن H(وذلك من أجلأن نفهم ا(وقف بكل تعقيداته. غير أن الكثيرمن هذه ا(شكلات لا توجد لها حلول Hأو أنها ضعيفة الصلة _ا نحاول أننفعله Hلكنها مع ذلك قضايا مثيرة ومشوقة Hوأنا أعرف من تجربتي الشخصيةأن التعامل معها يجلب الكثير من ا(تعة Hمثل تلك ا(تعة التي يجلبها حل لعبةالألغاز الصعبة التي تظهر في بعض الأحيان في صحف يوم الأحد الرزينة. وأنا أرى أن بالإمكان الوصولإلى حلول تبدو عليها الأناقة في كلا طرفي المحاورة Hليس لأي مـنـهـا نـفـعملموس للتحليل الاجتماعي Hفضلا عن كونها حلولا غير حاسمة. وهذا يعني أنه في ح Gأن النظرية يـجـب أنتسعى إلى الترابط الداخلي Hإلى الترتيب ا(نطقي Hفإن العالم ذاته كثيرا مالا يكون منطقيا أو هو منطقي بصورة أخرى مختلفة عن النظرية HوبالتاليHفإن النظرية يجب أن تكون قادرة على الاعتراف بهذا الاختلاف والتباين. وما أبتغـيـه الآن هـو أن أنـظـر بـعـض الـوقـت فـي نـطـاقالنظريات التي يتعامل معها علماء الاجتماع حاليا ويتداولونها Hوفي كيفيةتنظيم تلك النظريات بطريقة تسهلها على الفهم.

ما عيب النظرية ولماذانبقى بحاجة إليها؟
تمهيد
يبدو أن كلمة »نظرية« نفسهـا تـثـيـر فـي بـعـضالأحيان الهلـع فـي نـفـوس الـنـاس Hوهـو أمـر لـه مـايبرره. فالكثير من النظريات الاجتماعية الحديثـةعصية على الفهم أو مبتذلـة أو لا مـعـنـى لـهـا. ولايشعر القارŸ بأنه يتعلم جديدا أو بأنه يتعلم شيئاعـلـى الإطـلاق. وهـو بـالـتـأكـيـد لا يـشـعـر بـا(ـتـعـة.والنظرية تحتاج حتى من ا(تخصصـ Gمـن طـلابعلم الاجتماع ومدرّسيه إلى جهد مُـضْـن للحصولعلى فهم متواضع. وما أقل من يألفون النظرية أويستخدمونها بطريقة مثمرة.
حينما أعددت الطبعة الأولى من هذا الـكـتـابكان هناك فـيـض مـن الأعـمـال الـنـظـريـة فـي عـلـمالاجتماع Hولقد تراجع الكثير من ذلك الآن. بيد أنالنظرية موجودة دائما. وقد يظُن أن وجود النظريةتَ ¤رف لا تقوى عليه إلا المجتمعات ا(ـتـقـدمـة Hالـتـيتتيح لأفرادها الحصول على دخل عال _مارستهملألعاب معقدة Hغير أن هذا لم يكن ليحصل لو أنهلم تكن هناك قضايا حقيقية تدفع البشر إلى اللجوءللنظرية. والحق أن القضايا التي تجبر البشر على اللجوء للنظرية لا تتعلقبالبحث الاجتماعي وحده; إنها قضايا نواجهها جميعا في حياتنا اليوميةHكسعينا لفهم ما يجري لنا وللآخرين من حولنا Hأو تلك النابعة من خياراتناالأخلاقية والسياسية.
لذا Hفإن هناك أسبابا حقيقية تدفع البشر لإنتاج أعمال نظرية Hولابدأيضا أن هناك أسبابا تجعل نتائج تلك النظريات غير مفيدة في كثير مـنالأحيان. والرحلة ب Gا(شكلات والنتائج رحلة نقوم بها في ا(واد الدراسيةالمخصصة للنظرية الاجتماعية Hوفي وضع النظريات على حد سواء Hوهيرحلة محفوفة بالمخاطر ذاتها. وابتداؤنا في تعليم النظـريـة لا يـجـعـل هـذهالرحلة أيسر بحال من الأحوال. ذلك لأن طبيعة علم الاجتماع ليست بتلكالكيفية التي >كننا من الانتقال رأسا Hمن دراسات عملية مليئة _علوماتعن الحياة الاجتماعية إلى النظرية الاجتماعيـة. فـالـنـظـريـة الاجـتـمـاعـيـةبطبيعتها عامة Hوتدعي أن لها صلة بكل المجالات ا(ستقلة الـتـي يـتـنـاولـهـاعلماء الاجتماع. ونحن لا نستطيع الانتقال مـبـاشـرة مـن دراسـة اتجـاهـاتالعمال مثلا إلى نظرية معينة Hذلك أن أي نظرية ذات قيمة علمية يجب أنتعالج مسائل أكثر بكثير من اتجاهات العمال. إن علينا أن نجمع النمطـGمعا Hفنستخدم دراساتنا للواقع بصفتها ا(ادة الأولية للنـظـريـة ونـسـتـخـدمنظريتنا كي تساعد على فهم نتائج دراساتنا للواقع. أما حينما نتعلم النظريةفلابدّ أن نبدأ بالنظرية ذاتها وهذا ما يجعل الأمر في غاية الصعوبة.
لكن هناك عوامل أخرى تزيده صعوبة. فثقافتنا ليـسـت ثـقـافـة تـتـقـبـلالنظرية بكل تفاصيلها وتشعباتها بسهـولـة(). ويتعلم أكثرنا وبطريقة تكـادتكون لا شعورية ألاّ نثق بالنظرية Hأو نصل إلى الاقتناع بأنها تتجاوز إدراكنا.أما النظرية الاجتماعية فتخلق حساسياتها الخاصـة. إن الـسـواد الأعـظـممنا لا يعرف إلا القليل عن العلوم الطبيعية Hولكننا مع ذلك نعتـبـر أن عـلـمالطبيعة النظري »شيء جيد H«حيث يبدو أن لهذا العلم نتائج عملية Hوحتىلو علمنا سلفا أننا لا نستطيع استيعـاب هـذا الـعـلـم Hفـإنـنـا نـشـجـع أولـئـكالقادرين على ذلك. وفي ا(قابل Hتبدو النظرية الاجتماعية وكأنها ليس لهاأي نتائج عملية. والأسوأ من ذلك Hأنها تتناول موضوعات نعرفـهـا مـعـرفـةوثيقة هي حياتنا الاجتماعية Hوتحولها إلى هراء لا يُفهم.
وƒا يزيد الط Gبلّة أن دراسة النظرية الاجتماعية وتدريسها في حدذاتهما يتمان في جو يلفه الغموض Hوهما يساعدان على خـلـق هـذا الجـوHوهذا بدوره يفرز بيئة غير مواتية للدراسة. فمثـلا يـكـون أسـتـاذ الـنـظـريـةالذي تشغل النظرية كل اهتمامه أو جُلّه Hيكون محل تقدير مشوب بالحسدمع كراهية تكاد أن تكون سافرة. وفي الأقسام العلمية التي يجتذب باحثوهاالذين يهتمون بـالأبـحـاث ا(ـيـدانـيـة الأحـوال المخـصـصـة لـلـبـحـث الـعـلـمـيHويكتسبون الشهرة عن طريق هذا النوع من الأبحاث Hيعتبـر الـــمُنَظّر شيئـازائدا على الحاجة وموضوعا للتندر وعبئا على زملائه Hولذا Hفإن الـمُنَـظرّيصبح في المحصلة النهائية في منزلة أدنـى ولـيـس أعـلـى بـ Gزمـلائـه فـيالترتيب غير الرسمي. وكرد فعل على هذا Hيذود الكثير ƒن يرون أنفسهمأساسا كمنـظّرين Hيذود هؤلاء عن أنفسهم بالتحصن بالكـبـريـاء Hويـكـيـلـونالصاع صاع Gضد كل من يعاملهم باحتقار. فهم يـرفـضـون الـتـراجـع عـناهتماماتهم Hويغالون في غموضهم وصعوبتهم. وكثيرا ما تبدأ هذه العمليةب Gطلاب الدراسات العليا Hوهي تؤدي إلى تعميق الهوة الطبيعية القائمةب Gا(درس والطالب أكثر ƒا ينبغي على كل ا(ستويات. أما ب Gالـطـلابأنفسهم Hفإن الطالب ا(هتم بها والقادر على استيعابها يكتسب هالة تفصلهعن الآخرين Hحيث ينظر إليه على أنه أذكى وأ(ع وأقدر نوعا ما من الآخرينبسبب ما للنظرية من صعوبة واضحة; ولا يخالجني الشك في أن كثيرا منالطلبة (والأساتذة) يباهون بهذه ا(يـزة بـشـكـل مـقـصـود Hسـعـيـا وراء طـرقملتوية من طرق التعبير عن النفس Hفتراهم يسبقون الجميع في استخدامآخر الترجمات في أوروبا Hنافش Gريشهم النظري أمام أع Gالناظرين.
إن كل هذه الصعوبات تقابلنا في أول الطريق. وظني أن معظم الـنـاسيتناولون النظرية درسا لأنهم لا خيار آخر أمامهم Hفهي إحدى ا(واد الإلزاميةفي حياة الطالب العلمية Hوبالتالي فهو يدرسها مكرها لا بطلا. كيف \كنإذن التعامل مع النظرية والحال هذه? ليس من ا(فيد التظاهر بأن باستطاعتناجعل النظرية سهلة Hبيد أن باستطاعتنا جعلها أسهل ƒا هي عليه.
التفكير النظري
إن الخطوة الأولى في تسهيل النـظـريـة عـلـى الـفـهـم هـي إعـادة الـنـظـربالطريقة التي نتناول بها هذا ا(وضوع. و(ا كنا في دراستنا للنظرية نـبـدأبالنتائج Hفما أسهل أن يتصور الطلبة وا(درسون أن العملية َّ برمـتها تتلخصفي تعـلُّ ـم ما قاله هذا ا(نـظّر أو ذاك ـ أي تعلم النظريات. ور_ا كـان هـذاصحيحا بطبيعة الحال Hولكنه وجه واحد من العمليـة وهـو أقـلـهـا أهـمـيـة.فمن ا(مكن ـ ومن السهولة _كان ح Gيألف ا(رء الـكـلـمـات الـطـويـلـة ـ أنيعرف ما قاله تالكوت بارسونز Hوأن يعيد صياغة ذلك بشـكـل مـقـبـول فـيمقالات أو على أوراق الامتحان. أما غير تلك الفائدة Hأي اجتياز الامتحاناتفلا نفع لهذا الأسلوب. إن النظرية مفيدة إن استـطـعـنـا الـتـعـلـم مـنـهـا Hولانستطيع التعلم منها إلا إذا ما عرفنا كيف نستخدمها.
و\كن صياغة ما قلناه بصورة أخرى Hوهي أن فـهـم الـنـظـريـة مـسـألـةتتعلق بتعلم التفكير نظريا أكثر منها بتعلم النظريات ذاتها. و\كن تشـبـيـههذا الأسلوب من التعلم بتعلم لغة جديدة بطريقة بالغة الصعوبة Hأي ليسبطريقة تحصيل الكلمات تدريجيا وتعلم مختلف قواعد النـحـو Hوإqـا عـنطريق سماع اللغة وهي تتداول في أفواه أهلها Hبكل تعقيداتها HولهجاتـهـاHوعاميتها وما إلى ذلك. إنها كحالة فرد وجد نفسه في مجتمع غريب عنهكل الغرابة Hفي قرية من قرى غينيا الجـديـدة مـثـلا(٢) Hحيث تكون جمـيـعمظاهر الحياة غير مألوفة Hويكون مضطرا لتعلم لغة الأهـالـي عـن طـريـقسماعها فقط. إن عملية التعلم تلك ستكون أسهل لو كانت لهذا الشخـصمعرفة بطرق تفكير الأهالي ومقاصدهم. فا(شكلات التي تدفع البشر إلىالنظرية هي ـ كما قلت أعلاه ـ مشكلات نواجهها جميعا في حياتنا اليومية.وحقيقة الأمر ـ كما أعتقد ـ هي أننا جميعا نفكر نظريا بطريقة نحن لسناعلى وعي بها غالبا. أما ما لم نتعوده فهو أن نفكر نظريا بطريقة منظـمـةبكل مايقتضيه ذلك من دقة وأناة وما يعترضه من صعوبات Hوعندما نـرىمثل هذا التفكير ا(نظم فإنه يبدو غريبا علينا للوهلة الأولى.
إذن Hما هي ا(شكلات التي نقوم جميعا من خلال الاستجابة لها بالتفكيرنظريا دون أن نعي ذلك? إن معظمنا يتأثر بطريقة ما بالأحداث التـي هـيخارج نطاق إرادتنا والتي لا تكون أسبابها واضحة للعـيـان Hفـبـعـضـهـا يـقـعفجأة وأخرى تكون بداياتها متدرجة لا تلفت النظر Hكأن يفقد أحـد أفـرادالأسرة عمله Hأو أن لا يقبل في الجامعة أو إحدى الكليات العلمية كما كانيتوقع Hأو أن تتوقف بعض الخدمات والبضائع فجأة من جراء إضراب Hأوبسبب السياسة الاقتصادية للحكومة ا(ركزية أو المحلية Hأو أن تفقد الأجوروعائدات الضمان الاجتماعي وإعانات العاطل Gومكافآت ا(نح الدراسيHةقيمها الأساسية أكثر فأكثر مع تقادم الوقت. إننا نحاول حيال هذه الأحداثأن نتصرف لتقليل ضررها Hلكن وقوعها أمر محتوم Hسواء أحببنا ذلـك أملم نحب Hفضلا عن أن سبب وقوعها غير معلوم. وثـمـة أحـداث مـثـل تـلـكولكنها >س حياتنا الشخصية Hكالتغير الذي يحدث تدريجيا مع الزمن فيعلاقة الوالدين بأطفالهم Hأو ب Gالمحب HGفمثل هذا التغير لا يريد وقوعهأحد ولكنه مع ذلك يحدث. وقد أجد صديقا تحول فجأة ودون سبب واضحإلى معاداتي. وعلى مستوى شخصي أكثر Hقـد أقـع فـي الحـب فـجـأة وفـيوقت يكون غير ملائم >امـا لـلـحـبّ Hأو أجد نفسي أسيرا (شاعر عـنـيـفـةتتحكم في حياتي دون أن أعرف مصدر تلك ا(شاعر Hأو ـ وهذا مثال سأظلأتوسّع فيه فيما بعد ـ قد أصبح رهينا (رض ذي أعراض جسمية ونفسيةفي آن معا كالعجز الجنسي(٣*).
إننا نحاول إيجاد تفسير ما في كل هذه الحالات. وكثيرا ما تأخذ هذهالتفسيرات شكل إلقاء اللوم على أحد الأشخاص أو الأشياء دون وجه حقفي كثير من الأحيـان: أنـا فـقـدتُ وظيفتي بسبب كل أولـئـك الـسـود الـذيـنيتدفقون على هذه البلاد (ا(ملكة ا(تحدة); أنا تعيس لأن أمي تسيطر علي;أنا أعاني من العجز الجنسي لأن زوجتي باردة. لكن اللوم يقترب في الهدفأحيانا: أنا فقدت وظيفتي بسبب وضع اقتصادي هو إلى حد بعيد نتيـجـةلسياسة الحكومة; أنا موشك على انهيار عصبي لأنـنـي أرفـض الاعـتـرافببعض ا(شاعر التي تعتمل في نفسـي; أنـا مـصـاب بـالـعـجـز الجـنـسـي لأنالنساء ـ أو لأن امرأة معينة تخيفني. لكن التفـسـيـرات تـبـلـغ أحـيـانـا درجـةأعلى من الحنكة.
غير أن ما أود قوله هو أنه حا(ا نبدأ بالتفكير في شيء ما يحدث لنـاونحاول تفسيره Hشيء لاq ك القدرة على التحكم فيه Hفإننا نكون قد بدأناالتفكير نظريا. أما إذا حدث شيء Hلنا سيطرة عليه Hفلا يكون هـنـاك داعللتفسير Hذلك أن هذا الشيء قد حدث لأنني أرغب أن يقع وبذلت جهدا كييقع (أو أنني لم أبذل جهدا لوقف وقوعه). و\كن توضيح ما قلناه بصورةأخرى تقربنا أكثر إلى فهم »الـنـظـريـة« كـمـا تـعـلـم فـي قـاعـات الـدرس. إنالنظرية هي محاولة تفسير خبراتـنـا الـيـومـيـة فـي الحـيـاة Hتـلـك الخـبـراتالشخصية اللصيقة بنا Hوفقا لشيء ليس بذلك القرب منا ـ سواء أكان ذلكالشيء أفعال أناس آخرين Hأو خبراتنا السابقة Hأو عواطفنا ا(كبوتـة Hومـاشاكل ذلك. وفي بعض الأحيان ـ وتلك أكثرها صعوبة ـ يتم التفسـيـر عـلـىأساس شيء ما ليس لنا به خبرة مباشرة البتة Hوعند هذا ا(ـسـتـوى تـكـونالنظرية قد قدمت لنا شيئا جديدا حقا عن الحياة.
وقد يتضح الأمر أكثر لو تقصّينا هذا النوع من التفكير النظري اليوميبتفصيل أكبر. وقد َّ نتوسع _ثال العجز الجنسي أكثر فنقول إنه قد يحدثلي فجأة ودون سابق إنذار. وقد لا أرغب في الاعتراف بوجـوده فـتـرة مـنالزمن Hلكنني أضطر إلى الاعتراف به في نهاية ا(طاف Hوأبدأ بالتفكير فيأمره. قد ألجأ حينئذ إلى تجربة سابقة لي بصفتها مرجعـي الأول Hأو قـدألجأ إلى تجربة صديق حميم لي وجد نفسه في ا(أزق ذاته Hفأبـحـث عـنا(لامح ا(شتركة في هذا الوضع: لعل الأمر يعود إلى ضغوط الوظيفة; ر_ايحدث ذلك عندما تحقق زوجتي نجاحا خاصا في عملها أو تحصـل عـلـىزيادة في َّ مرتبها; وإذا أخافتني هذه التجربة أكثر وكنت بحاجة إلـى إلـقـاءاللوم على كاهل شخص آخر غيري Hفقد أعزو ا(شكلة إلى تصرّفات معينةتقوم بها زوجتي في علاقتنا الحميمة.
وهناك مصدر آخر لتفسير حالتي من المحتمل استخدامه على أي حالHوبخاصة حينما لا تكون لي معرفة سابقة بالعجز الجنسي Hعـجـزي أنـا أوسواي أستطيع الاعتماد على أفكار عامة عن الحياة لم أتوصـل إلـيـهـا فـيخبرتي الشخصية مباشرة بأي طريقة من الطرق. على سـبـيـل ا(ـثـال Hقـدأفترض أن الفحولة ـ وهي الاستعداد الدائم لاستغلال الفرص ا(تاحة ـ هيمكون أساسي للرجولة. أما عجزي فيعني أنني فقدت رجولتي ولذا فإننيلا أنتمي إلى صنف الرجال. إن هذه الفكرة لم تأتني من خبرتي الشخصيةفأنا لا أملك معرفة بالأحوال الجنسية لكل الرجال Hأو أي رجل آخر غيري.وأنا لم أتعلم هذه الفكرة بأي طريقة مـبـاشـرة عـلـى الـرغـم مـن أنـه \ـكـنالإشارة إلى مواقـف قـد أكـون تـعـلَّ مت من خـلالـهـا ا(ـوضـوع دون وعـي. إنالفكرة الجوهرية هنا هي أنني من خلال السعي لفهم الواقع Hأعتمد علـىخبرات وأفكار عن الحياة ليس لها علاقة مباشرة _شكلتي. وهنا تتضافرالخبرة مع الفكرة: فخوفي وخجلي من فقـدان رجـولـتـي قـد تـدفـعـنـي إلـىالبحث عن شيء ما في زوجتي أستطيع لومه.
إن النظرية الاجتماعية تستخدم لنفـس الأغـراض: لـتـفـسـيـر خـبـرة مـاوفهمها على أساس خبرات وأفكار أخرى عامة عن الحياة. وتأسيسا علىذلك\ Hكن النظر إلى بعض الفروق ب Gالتفكير النظري بصيغته اليـومـيـةوب Gالنظرية الاجتماعية. الأول أن النظرية الاجتمـاعـيـة تحـاول أن تـكـونأشد تنظيما في نظرها إلى الأفكار والخـبـرات مـعـا. وفـي عـلـم الاجـتـمـاعكثيرا ما يجري التنظيم الفعلي للخبـرة _ـعـزل عـن الـنـظـريـة فـيـمـا يـظـن.وهناك الكثير من الجدل حول ما إذا كان الانطـلاق مـن دون نـظـريـة أمـراƒكنا أو مستحبا. وأظن أنه قد استقر الرأي الآن على استحالة الوصولإلى ا(وضوعية الخالصة أو إلى تنظيم للوقائع بعيدا عـن الأهـواء Hومـهـمـايكن من أمر فإن المحاولة ا(نظمة والدؤوبة لجمـع ا(ـعـلـومـات عـن خـبـراتالبشر Hتستطيع بذاتها أن تنتج معرفة تبدو غريبة للوهلة الأولى. فلو َّ وسـعتقلقي حول عجزي الجنسي Hوبدأت بدراسة الحياة الجنسية عند الرجالHحتى لو اقتصر ذلك على رجال مجتمعي أنا Hفقد أكتشف أن العجز الجنسيظرف »عادي« \ر به معظم الرجال في فترات مختلفة من حياتهم Hوسأجدبالتأكيد أن كل أصناف السلوك التي لا أعتبرها رجولـيـة يـقـوم بـهـا رجـالآخرون. من جهة أخرى Hتخضع عملية تنظيم الأفكار العامة لأحكام ا(نطقHفالأفكار في النظرية يجب أن تستتبع إحداها الأخرى Hلا أن تتناقض إحداهامع الأخرى Hأو على أقل تقدير يـجـب أن تـكـون عـلاقـتـهـا بـبـعـض واضـحـةا(عالم. ومن ا(هم أن ندرك أنه لا نهاية حاسمة لهذه العملية على ا(ستويG:فنحن \كننا دائما أن نكتشف ا(زيد عن العالم وأن ننظم ما نكتشف بطرقمختلفة Hوفقا لقواعد متباينة.
وتأخذنا هذه النقطة إلى الفرق الثاني. إذ تظهر عندنا في عملية إقامة
الأنساق النظرية ما أدعـوه مـشـكـلات الـرتـبـة الـثـانـيـة HSecond Orderوهـيمشكلات متعلقة بأفضل الطرق فـي إجـراء عـمـلـيـة إقـامـة الأنـسـاق Hوهـيعملية لا ترتبط إلا بشكل غير مباشر بتفسير خبراتنا. ومن الأمثـلـة عـلـىذلك الجدل الذي \كن أن يدور حول ماذا نعني بـالـتـفـسـيـر Hومـتـى يـكـونالتفسير كافيا Hومتى لا يكون?
أما الفرق الثالث فقد أشير إليه سابقـا. إذ \ـكـن أن تـقـودنـا عـمـلـيـاتالتنظيم المختلفة إلى الاستنتاج بأن ثمة ظواهر موجودة في الحياة ليست لنابها خبرة مباشرة Hوفي أحاي Gأخرى Hقد تكون هذه الظواهر على عكس ماكنا نتوقع من خبرتنا الحياتية. ولعل قبول ذلك أصعب كثيرا في حال الواقعالاجتماعي Hبينما نحن نقبله في حال الواقع ا(ادي Hوهذا مايدعونا إلى أننظل منفتح Gذهنيا على الأقل. إذ لو آمنا فقط _ا ترى أعيننا فلن يؤمـنأحد منا بأن الأرض كروية أو أنها تدور حول الشمس Hوهو ما أنكرنـاه فـيالشطر الأعظم من تاريخنا.
ولنعد إلى مثالنا حول العجز الجنسي. فقد تقودنا عملياتنا التنظيمـيـةالمختلفة إلى استنتاج مفاده Hأن الرجل يتحكم في حياة ا(رأة الجنسيـة فـيمعظم المجتمعات Hوأنه مهما اعتقد الرجال عن أنفسهم Hفـإن ا(ـرأة سـوفتلام إذا ما تعرضت تلك ا(عتقدات للاهتزاز. عندئذ Hقد نفاجأ بـالـتـشـابـهب Gهذا الاستنتاج وبعض الأفكار المجردة التي طرحها ماركس حول علاقةالطبقات الاجتماعية. فنأخذ على عاتقنا مهمة تهذيـب أفـكـاره وتـعـديـلـهـاHلتساعدنا على استجلاء العلاقة ب Gالرجل وا(ـرأة. وقـد نـذهـب أبـعـد مـنذلك فنربط بعضا من الأفكار العامة ا(أخوذة من فرويد Hلننتهي إلى نظريةعن شيء يسمى »الأبوية« ـ وهوq وذج من الـتـنـظـيـم الاجـتـمـاعـي يـتـم فـيـهاضطهاد ا(رأة بانتظام من قبل الرجل. وهذا الاستنتاج هو عكس ما قداتنيإليه تجربتي مع العجز الجنسي Hفتجربتي ورد فعلي إزاءها هي أن زوجتيتتسلط علي وتحرمني من شيء مع Gوتجعل حياتي جحيـمـا. إن الـنـظـريـةالأبوية تجعلني قادرا على إعادة تفسير رد الفعل هذا: إن ما يحدث حقا هوأن زوجتي أخذت تهدد سلطتي Hبشكل ما Hر_ا لكونها مستـقـلـة أكـثـر ƒـاينبغي Hأو لعلها تحاربني _ا لديها من أسلحة >تلكه. وعندمـا ألـقـي الـلـومعليها Hوخاصة عندما أحاول إقناعها بتحمل ا(سؤولية فإنني أحاول بذلكتأكيد سلطتي من جديد.
وسواء أوافقت على هذا التفسير أم لم توافق (حيث المجال يتـسـع هـنـاللجدل H(فإن كل نظرية اجتماعية يتطرق إليهـا هـذا الـكـتـاب تـطـرح بـعـضالفروض التي لا تستقيم مع خبرتنا اليومية ا(باشرة ومع ما نعتقده Hوهـذهفي الواقع هي الطريقة التي نتعلم بها من النظرية. فالساقطة قد تـعـتـقـدأنها تتمرد >ردا تاما على ثقافة أبويها وعلى السلطة Hفي ح Gترى النظريةالوظيفية أن هذه الفتاة بسلوكها هذا إqا تدفع _جموعة من صيغ التكيفHالتي بواسطتها تستمر تلك الثقافة وذلك المجتمع في البقاء بطريقـة أكـثـرسلاسة من ذي قبل. ور_ا اعتقد العامل أنه يقبض أجرا عادلا عن عملهفي اليوم Hلكن هذا العامل عند ماركس يخضع للاستغلال ا(نظم. وعندماأعطي علامة الرسوب لورقة امتحان طالب فقد أحسب أنني أطبق ا(عاييروأحافظ على مستوى أكاد\ي مع :Gفهذا الطـالـب لـم يـسـتـطـع بـلـوغ حـدمع Gمن ا(عرفة موضوع سلفا Hوهنا أحكم عليه بنفس الطريقـة الـتـي قـدأحكم بها على قطعة خشب بـأنـهـا أقـصـر ƒـا أريـد. إن أصـحـاب نـظـريـةالتفاعلية الرمزية ) HSymbolic Interactionistsوبصورة أخرى) أصحاب نظريةا(نهجية العامية(٤*) HEthnomethodologistsسيقولون عني إنني أوجدت حالةفشل. وإذا كنا صرحاء حقا مع أنفسنا Hفـلابـد أن نـقـر بـأنـنـا أقـدمـنـا فـيحالات كثيرة على أفعال كانت عكس ما كنا ننويه أصـلا. وهـذا بـحـد ذاتـهيكفي لقبول الغرابة الظاهرة للنظرية الاجتماعية.
لقد قلت أعلاه Hإن بإمكاننا أن نجعل النظرية أسهل ولكن لا \كننا أننجعلها سهلة. فمن المحال Hعلى سبيل ا(ثـال Hأن نـتـتـبـع جـذور الـنـظـريـاتا(عروضة في هذا الكتاب وإرجاعها إلى ا(شكلات اليومية Hفهذه ا(شكلاتقد أخضعت سابقا لقرون من التفكير الفلسفي Hولتـطـور ا(ـعـرفـة قـبـل أنتظهر النظرية التي تتحدث عنها بتجريد. ومع ذلك\ Hكن النظر إلى هذهالنظريات على اعتبار أنها تطرح أسئلة مـعـقـولـة عـن الـواقـع ا(ـعـيـش (وإنكانت الإجابات ليست دائما كذلك). ولعل أفضل طريقة لتعلم التفكير النظريلا تكمن في مجرد قراءة النظرية وفهمـهـا Hبـل فـي طـرح الـتـسـاؤلات عـلـىالنظرية وإعمال العقل في الإجابات ا(مكنة. وتلك هي الطريقة التي سنشرعكتابنا بها Hمحاول Gمعرفة: ما هي الأسئلة التي تطرحها النظرية? وما هيالأسئلة التي نستطيع نحن طرحها على النظرية? وقبل كـل شـيء Hلابـد أنيكون الكتاب (أو يبدأ) كلعبة من اللعب Hنطلق فيها الخيال من عقاله. ومـادمنا على علم ببعض آراء بارسونز Hهل بإمكاننا ـ مثـلا ـ تـفـسـيـر انـتـخـابالحكومة عندنا طبقا لهذه الآراء? وهل \كننا أن نستخدم بارسونز لـفـهـمزيادة معدل الطلاق أو التغيرات في مستوى الجر\ة وطبيعتها? إن الخطوةالأولى تبدأ دائما بعملية تأمل Hفي محاولة ابتداع إجابة. أما التـعـود عـلـىصرامة ا(نطق والوقائع فسرعان ما سيتبع ذلك. وإن نحن أحسنا استخدامالنظرية و>رسنا على تطبيقها تطبيقا سليما Hفإن ا(ردود سيكـون عـلـيـنـاظاهرا Hإذ ستزيد من نطاق تأثير أفعالنا ونشاطنا Hوستكون عـونـا وسـنـدافي انطلاقنا وتحررنا.
إن من ا(مكن قراءة كل ما َّ تـقـدم على أساس أنه دفاع عن النـظـريـة أوتبرير لصعوبتها وغموضها. ومع ذلك Hفإنني عنيت ما قلـت ابـتـداء مـن أنالسواد الأعظم من النظرية الحديثة مبهمة مبتذلة ومليئة بلغـو فـارغ Hومـاأكثر ا(زالق التي تواجهنا في عملية التفكير النظري.
شـرُك نظـريـة
الشَّ ــرَك الأول يسبق النظرية ذاتـهـا. وقـد َّ مـرت أوقات ـ ومنها الـوقـتالحاضر (٢٩٩١) ـ بدا فيها أن علماء الاجتماع مـعـرّضون للوقوع فيه بوجـهخاص. وهذا الشرك هو شرك علم الاجتماع الإمبريقي ذاته. وفيه يتحولالبحث الاجتماعي إلى مجرد عملية لجمع البيانات Hأو الاستغراق في جدلحول ا(نهج والعلاقات الإحصائية Hأو اعتماد هذه الطريقة الإمبريقية لكشفالواقع الكامن خلف أسطورة شائعة. خذ مثلا كتاب جوردن مارشال GordonMarshall In Praise of Sociology (١٩٩٠) (في الثناء على علم الاجتماع H(فهويعالج مجموعة من الدراسات ا(همة التـي كـشـفـت بـعـض مـلامـح المجـتـمـعالبريطاني Hغير أنه لم يقل شيئا عن النظرية. إن الوظيفة الأساسية للنظريةمتعلقة بتأويل كل ما نستطيع كشفه والاتفاق عليه من الوقائـع Hوسـيـتـضـحأننا في بعض الحالات بحاجة إلى النظرية كي تخبرنا ما هي تلك الوقائع.إن كل الدراسات التي ناقشها مارشال تعتمد على النظرية Hوحتـى لـو كـانذلك مستترا Hوكما قال أحد مراجعي الكتـاب Hإن عـلـم الاجـتـمـاع سـيـبـقـىمجرد وسيلة إمبريقية مساعدة لعلوم أخرى Hإن لم تجـر بـعـض المحـاولاتللتوصل إلى إطار نظري عام.
إن الشرك النظري الحقيقي الأول هو ما سأطلق عليه »شرك الأحجية«Crossword puzzle trap(٥*). ومن ا(فارقات أن أحد أهم الكتب ا(ؤثرة في علمالاجتماع منذ الثلاث Gسنة ا(اضية لم يكن في علم الاجتماع على الإطلاقHبل في تاريخ العلوم الطبيعية Hأقصد كتاب توماس كون The HThomas KuhnStructure of Scientific Revolutions (بنية الثورات العلمية)(٦*). يفرق كون بGما يسميه العلم »الثوري« والعلم »العادي« والأخير هو ا(هم (ا سأطرحه. إنالعلم العادي هو العلم ا(ألوف ا(تكرر. فالعالم فيه \تلـك مـعـرفـة نـظـريـةمقبولة Hوعلما بالإجراءات التجريبية ا(عتادة Hفضلا عن الأدوات الضروريةلإجراء التجارب. ويدعو كون هذه العناصر (مع عـنـاصـر أخـرى) الـنـمـوذجالإرشادي paradigm. ويتمثل النشاط العلمي هنا في محاولة معالجة مظاهرمعينة للعالم الطبيعي Hبعزلها بشكل مناسب في أوضاع تجريبية Hلتنـطـبـقعلى النموذج الإرشادى. وكما أن الأحجية تعطـيـنـا إطـارا ومـجـمـوعـة مـنا(فاتيح لحل اللغز Hفإن النموذج الإرشادي يعطينا إطـارا عـامـا ومـؤشـراتتدل على ما يجب أن يكون عليه شكل ذلك الواقع Hفيقوم العالم _لء تلكا( َّ ربعات بالتفاصيل. وأنا أرى أن هناك جملة من الأسبـاب الـتـي يـجـب أن>نع العالم في العلوم الاجتماعية Hمن تطبيق النظرية بهذه الطريقة رغماعن فاعليتها في العلوم الطبيعية Hوهو موضوع يجري الجدل حوله حتى فيتلك العلوم. إن تعقد موضوع العلوم الاجتماعية Hواسـتـحـالـة عـزل جـوانـبمهمة من الحياة الاجتماعية لاختبارها Hوكـون الـنـشـاط الإنـسـانـي عـمـلـيـةتستند على الوعي الذاتي والتأمل Hإن هذه العوامل مجتـمـعـة Hتجـعـل مـثـلهذه الطريقة الشبيهة بطريقة حل الألغاز ـ تشويها للواقع أو اختزالا له كمايقول بعض الناس: إنها تختزل الواقع الحقيقي ا(تشابك إلى مجموعة منا(فاهيم النظرية.
فنحن على سبيل ا(ثال Hلن نتعلم الكثير عن رد فعلي إزاء العجز الجنسيبإلصاق علامة »الأبوية« على حالتي Hإذ علينا أن نب Gكيف أن طبيعةالأبويةتحدد عجزي ورد فعلي نحوه من ناحية Hوأن نب Gمن الناحية الثانية كيفأن هذه العمليات تتفاعل مع عمليات أخرى (مثل تغيـر سـوق الـعـمـل الـذيأعطى النساء فرصة أكبر للاستقلال بوظائف خاصة بهن H(وذلك من أجلأن نفهم ا(وقف بكل تعقيداته. ودون ذلك Hفإن شيئا ما سيكون ناقصا. ولذافإننا بحاجة إلى أن ندخل في حسابنا كل أشكال العلاقات (الوسائط H(بGما تخبرنا عنه النظرية وب Gالواقعة أو الحدث الذي نحاول فهمه.
أما الشرك الثاني فإنني أسمـيـه شـرك الألـغـاز الـصـعـبـة Brain - teaserTrap. لقد ألمحت أعلاه أننا عند تنظيم أفكارنا عن الحياة Hتظهر لنا مجموعةعن مشكلات الرتبة الثانية وهي مشكلات ليست مرتبطة مباشرة بتفسيرشيء ما. ولقد ضربت مثلا _ا نعنيه »بالتفسير«. إن كثيرا من هذه ا(شكلاتمهمة Hودون شك سيظهر الكثير منها في سياق هذا الكتاب. غير أن الكثيرمن هذه ا(شكلات لا توجد لها حلول Hأو أنها ضعيفة الصلة _ا نحاول أننفعله Hلكنها مع ذلك قضايا مثيرة ومشوقة Hوأنا أعرف من تجربتي الشخصيةأن التعامل معها يجلب الكثير من ا(تعة Hمثل تلك ا(تعة التي يجلبها حل لعبةالألغاز الصعبة التي تظهر في بعض الأحيان في صحف يوم الأحد الرزينة.وظني أن هذا النشاط »جائز« ما دام عرف (ا هو مخصص له بالضبط Hأماح Gنخلط ب Gهذا النشاط وب Gا(شروع النظري ككل فإن النظرية تفقدقيمتها.
ومـن الأمـثـلـة الجـيـدة عـلـى ذلـك هـذا الجـدل ا(ـسـتـورد إلـى الـنـظـريـةالاجتماعية من الفلسفة التحليلية البريطانية Hعما إذا كانت ا(بررات التييعطيها الشخص لأفعاله يجب أن تعتبر هي مسبّبات أفعاله. وههنا مسألةلها علاقة بطبيعة العلوم الاجتماعية وإمكانية وجودها Hولكن شروط الحوارضيقة جدا في حدودها وهي تستثني الكثير من ملامح الفعـل الإنـسـانـيHبحيث تبدو لي أن ا(شكلة الأساسية قد غابت. وأنا أرى أن بالإمكان الوصولإلى حلول تبدو عليها الأناقة في كلا طرفي المحاورة Hليس لأي مـنـهـا نـفـعملموس للتحليل الاجتماعي Hفضلا عن كونها حلولا غير حاسمة.
ثالثا Hهناك »شرك ا(نطق«. وقد يبدو هذا غريبا Hحيث إنني قد ذكرتسابقا أن ا(ظهر الرئيسي للتفكير النظري هو محاولته تحقيق ترابط منطقيب Gمختلف أجزاء النظرية. وا(قصود هنا أن هـذا الـسـعـي نـحـو الـتـرابـطا(نطقي قد يأخذ شكلا مبالغا فيه. وسترد في صفحات هذا الكتاب بعضالأمثلة على الطريقة التي قد تدحض بها نظرية ما علـى أسـاس مـنـطـقـيبحتƒ Hا ينبغي إمكانية وجود النظرية أصلا إذا ما استخدم هذا الأساسا(نطقي استخداما متطرفا. وهذا يعني أنه في ح Gأن النظرية يـجـب أنتسعى إلى الترابط الداخلي Hإلى الترتيب ا(نطقي Hفإن العالم ذاته كثيرا مالا يكون منطقيا أو هو منطقي بصورة أخرى مختلفة عن النظرية HوبالتاليHفإن النظرية يجب أن تكون قادرة على الاعتراف بهذا الاختلاف والتباين.والحق أن ثمة مجموعة من الأمثلة لنظريات استغرقت في مثل هذا الجدلا(نطقي Hوتركت وراءها أي اهتمام بتفسير الواقع الاجتـمـاعـي ا(ـعـيـش أوفهمه.
وأخيرا Hهناك »شرك الوصـف «Description Trap. والفرق ب Gالتفسيروالوصف سيناقش في الفصل الثاني. أما الآن فحسبنا القول إن التفسيريخبرنا عن شيء ما لم نكن نعرفه أو لم تكن لنا القدرة على كشفه _جردالنظر. في ح Gأن الوصف يخبرنا عن شيء نستـطـيـع اكـتـشـافـه بـالـنـظـرفقط. ويبدو لي أن قدرا كبيرا من النظرية الحديثة تصف شيئا ما Hوعادةما يكون هذا الشيء معروفا جيدا لدينا Hتصفه بكلمات نظرية مجردة Hثمتزعم أن ذلك تفسير. ولعل هذا ما يساهم أكثر في تشويه اسم النـظـريـة:صفحات لانهاية لها من الكلمات الطوال التي سنجد أنها إذا مـا تـرجـمـتتخبرنا _ا هو بديهي. وسنرى أن تالكوت بارسونـز عـلـى وجـه الخـصـوصيعاني من هذه النقيصة Hغير أن معظم أصحاب نـظـريـة مـا بـعـد الحـداثـة HPostmodernistsهم أيضا من الذين يلوكون الكلمات التي تضيف القليل أولا تضيف شيئا على الإطلاق إلى معرفتنا.
وهكذا Hفإنني حاولت أن أب Gأسباب أهمية النظرية وبعض ا(نزلقـاتالتي \كن أن نهوي إليها في استخدامها. غيـر أن الـنـظـريـة الاجـتـمـاعـيـةتبعث على الخوف لأمر آخر: وهو أمر يتعلق بكثرة مـا كـتـب فـيـهـا وبـكـثـرةمدارسها وتنوعها. وما أبتغـيـه الآن هـو أن أنـظـر بـعـض الـوقـت فـي نـطـاقالنظريات التي يتعامل معها علماء الاجتماع حاليا ويتداولونها Hوفي كيفيةتنظيم تلك النظريات بطريقة تسهلها على الفهم.