Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (70%)

مقدمة في ماهية التصوف ومنهجه التصوف ظاهرة عالمية وقد اختلفت الأسماء التي أطلقت على هؤلاء الأفراد في العصور المختلفة، ولكنهم جميعا يدخلون تحت مقولة عامة هي التي تسميها الإنسان الكامل»، ومهما تكن المظاهر المختلفة التي يظهر فيها نضجهم الروحي، والوسائل المتباينة التي يتخذونها في التعبير عنه، أو فلسفة خاصة في طبيعة الوجود، أدرك ذلك من نفسه أم لم يُدركه، وعرف أن له من أجل ذلك فلسفة في الحياة أم لم يعرف ذلك الموقف الواحد العام الذي يشترك فيه هؤلاء القوم الذين نتحدث عنهم يتلخص في أنهم يُنكرون إنكارًا بانا أن «الحقيقة» هي ذلك العالم الواقع المحسوس؛ لأن الواقع المحسوس الذي يتشبث به غيرهم ممن هم أقل منهم نضجا في العقل والروح ويكادون يقدسونه، لا يشبع في طائفتنا نزعاتهم الروحية العالية، ولا يروي فيهم غلة الشوق إلى معرفة الحقيقة المجردة التي تصبو نفوسهم إلى معرفتها والاتصال بها. نجد هؤلاء القوم في الشرق والغرب في العالم القديم والمتوسط والحديث بين أهل الديانات الوثنية القديمة وأهل الديانات السماوية، وكأنهم جميعًا صُبوا من حيث روحانيتهم في قالب واحد، واستمدوا تلك الروحانية من نبع واحد، ويُنير السبيل أمامهم لنيل مطلبهم، وهذه الظاهرة طالما استرعت أنظار القدماء وأشارت إليها مذاهب اللاهوت بأساليب مختلفة. ففلاسفة اليهود - وعلى رأسهم فيلون الإسكندري - يرون أن مصدر الوحي والنبوة واحد في جميع العصور هو ما أطلقوا عليه اسم الكلمة الإلهية»، وكلمنت أحد كبار رجال اللاهوت المسيحي يصف الكلمة الإلهية (المسيح) بأنها القوة العاقلة التي كانت في الوجود قبل أن تتجسد في الصورة الناسوتية ( صورة المسيح وأنها مصدر الحياة والوجود في الكون كما أنها مصدر الوحي والإلهام والمعرفة، وأنها هي التي تكلمت بلسان موسى عليه السلام وغيره من الأنبياء، ونطقت بلسان فلاسفة اليونان وأوحت إليهم بحكمتهم، ويصف بعض متصوفة المسلمين كابن عربي الحقيقة المحمدية بمثل ما وصف به فیلون وكلمنت الكلمة الإلهية، فيعدها منبع الفيض الروحي والعلم الباطن، فإن دلت هذه الآراء على شيء فإنما تدل على اقتناع قائليها بأن ثمة طائفة من الظواهر الروحية فوق الطور البشري العادي، ثم رد هذه الظواهر إلى أصل واحد يظهر في كل من أفراد الإنسان الكامل بحسب ما توحي به بيئته ودينه وثقافته، فرد واحد يتجدد ظهوره مع دورات الزمن، لا صوفية الإسلام فحسب، بل صوفية كل دين. أما الهدف الذي يهدفون إليه ويُكرسون حياتهم له، فهو الوصول إلى الحقيقة، بل لاقوا حتفهم شنقًا أو صلبا أو إحراقا، فإن تاريخ الإنسانية حافل بالكثير من هذه الأمثلة. أما الدليل القاطع على صدق نزعتهم فاستمساكهم بمبادئهم وتشبثهم برسالاتهم رغم أساليب الاضطهاد والتعذيب والسخرية، وأمام عواصف الإنذار والتهديد، وفيما أثر عنهم من التجارب الروحية التي تختلف في تفاصيلها وأشكالها وصورها، دليل ثالث لا بد لنا من تقدير وزنه قبل أن نقول الكلمة الفاصلة عن النشاط الروحي عند الإنسان وصلته بذلك العالم غير المادي وغير المحسوس. والواقع أن كل إنسان قد أحب يوما ما ذلك الوجود المحجوب» الذي يطلقون عليه اسم «الحقيقة»؛ ذلك لأن الحقيقة شيء أولع الإنسان بالاهتداء إليه منذ أن بدأ يفكر في نفسه وفي العالم المحيط به ليتعرف أسبابه وأسراره ومبدأه ومصيره، ولكن هذا الحب المتأصل في النفس الإنسانية، الذي من شأنه أن يدفع بصاحبه نحو البحث عن الحقيقة المعرفتها والاتصال بها - كما تدفعه غريزة الجوع دفعًا إلى البحث عن الطعام - قد تعوقه العوائق عن الوصول إلى غايته فيضعف أو يموت، فقد يرى بعضهم الحقيقة على نحو ما رأى «دانتي» الشاعر الإيطالي محبوبته بياترس» شيئًا يمت إلى هذا العالم بصلة، والمتدين الورع في محرابه، والصوفي في قلبه، ورجل الفن في جمال الكون وهكذا. ولكن مهما اختلفت الأساليب التي عبر بها طلاب الحقيقة، فإن الصوفية وحدهم هم الذين يذكرون صراحة أنهم شاهدوها وجها لوجه واتصلوا بها، وفي دعواهم هذه نغمة من اليقين وصدق الإيمان. وواحدة غير متكثرة قديم قدم الفلسفة، ذلك أن العالم المحسوس حافل بالظواهر المتكثرة المتغيرة، وطالب الحقيقة المطلقة يطلبها واحدة غير متكثرة، وثابتة غير متغيرة والعالم المحسوس حافل بالأحداث المعلولة، وطالب الحقيقة يطلبها غنية في ذاتها غير معلولة لغيرها، وطالب الحقيقة يطلبها وجودًا لا متناهيا خارجا عن حدود الزمان والمكان لهذا كله تجاوز العقل البشري في طلبه للحقيقة كل مقولات العالم المحسوس، وأخذ نفسه بالبحث عن عالم آخر يستطيع أن يطبق عليه مقولات مضادة، وظهر ذلك التجاوز عن العالم المحسوس في جميع أدوار تطور الفكر البشري من غير استثناء، واتخذ لنفسه صورًا شتى كانت بدائية في أول الأمر،


Original text

مقدمة في ماهية التصوف ومنهجه


التصوف ظاهرة عالمية


من الناس أفراد يتمثل فيهم النضج العقلي والروحي في أعلى مراتبه، أو قل تتمثل فيهم الإنسانية في أعلى مراتبها وأطوارها إذا اعتبرنا جوهر الإنسان وحقيقته عقله وروحه، وقد اختلفت الأسماء التي أطلقت على هؤلاء الأفراد في العصور المختلفة، ولكنهم جميعا يدخلون تحت مقولة عامة هي التي تسميها الإنسان الكامل»، ومهما تكن المظاهر المختلفة التي يظهر فيها نضجهم الروحي، والوسائل المتباينة التي يتخذونها في التعبير عنه، بل مهما يكن من اختلافهم فيما يختلف فيه أفراد الناس عامة من حيث المشارب والنزعات والبيئة واللغة والدين، فإنهم يشتركون جميعًا في صفة واحدة عامة تتمثل في موقفهم من الوجود وحقيقته ذلك أن لكل إنسان - بما هو إنسان - موقفًا خاصا من حقيقة الوجود، أو فلسفة خاصة في طبيعة الوجود، أدرك ذلك من نفسه أم لم يُدركه، وعرف أن له من أجل ذلك فلسفة في الحياة أم لم يعرف ذلك الموقف الواحد العام الذي يشترك فيه هؤلاء القوم الذين نتحدث عنهم يتلخص في أنهم يُنكرون إنكارًا بانا أن «الحقيقة» هي ذلك العالم الواقع المحسوس؛ لأن الواقع المحسوس الذي يتشبث به غيرهم ممن هم أقل منهم نضجا في العقل والروح ويكادون يقدسونه، لا يشبع في طائفتنا نزعاتهم الروحية العالية، ولا يروي فيهم غلة الشوق إلى معرفة الحقيقة المجردة التي تصبو نفوسهم إلى معرفتها والاتصال بها. فهم يحاولون - على حد قول خصومهم - أن ينكروا الوجود لكي يصلوا إلى الوجود أي ينكروا الوجود الظاهر لكي يصلوا إلى حقيقة الوجود.


نجد هؤلاء القوم في الشرق والغرب في العالم القديم والمتوسط والحديث بين أهل الديانات الوثنية القديمة وأهل الديانات السماوية، وكأنهم جميعًا صُبوا من حيث روحانيتهم في قالب واحد، واستمدوا تلك الروحانية من نبع واحد، بل كأن قبسا من نور غير نور هذا العالم يسري في كيانهم، ويُنير السبيل أمامهم لنيل مطلبهم، وهذه الظاهرة طالما استرعت أنظار القدماء وأشارت إليها مذاهب اللاهوت بأساليب مختلفة. ففلاسفة اليهود - وعلى رأسهم فيلون الإسكندري - يرون أن مصدر الوحي والنبوة واحد في جميع العصور هو ما أطلقوا عليه اسم الكلمة الإلهية»، وكلمنت أحد كبار رجال اللاهوت المسيحي يصف الكلمة الإلهية (المسيح) بأنها القوة العاقلة التي كانت في الوجود قبل أن تتجسد في الصورة الناسوتية ( صورة المسيح وأنها مصدر الحياة والوجود في الكون كما أنها مصدر الوحي والإلهام والمعرفة، وأنها هي التي تكلمت بلسان موسى عليه السلام وغيره من الأنبياء، ونطقت بلسان فلاسفة اليونان وأوحت إليهم بحكمتهم، ويصف بعض متصوفة المسلمين كابن عربي الحقيقة المحمدية بمثل ما وصف به فیلون وكلمنت الكلمة الإلهية، فيعدها منبع الفيض الروحي والعلم الباطن، وكذلك يتصور الشيعة انتقال العلم الباطن بواسطة نوع من الوراثة الروحية عن أصل واحد.


فإن دلت هذه الآراء على شيء فإنما تدل على اقتناع قائليها بأن ثمة طائفة من الظواهر الروحية فوق الطور البشري العادي، وأنها متفقة في خصائصها ومميزاتها، ثم رد هذه الظواهر إلى أصل واحد يظهر في كل من أفراد الإنسان الكامل بحسب ما توحي به بيئته ودينه وثقافته، كأن هؤلاء الأفراد الذي يُلهمون ويُوحَى إليهم ويتصلون بعالم الحقيقة عن طريق الوحي والإلهام، فرد واحد يتجدد ظهوره مع دورات الزمن، أو كأنهم روح واحدة تتقمص في كل زمان صورة جديدة من صور الإنسان الكامل».


من هذا الصنف الملهم المتصل بالعالم الروحي طائفة الصوفية، لا صوفية الإسلام فحسب، بل صوفية كل دين. أما الهدف الذي يهدفون إليه ويُكرسون حياتهم له، فهو الوصول إلى الحقيقة، أو الاتصال بها عن طريق حالة روحية خاصة يُدركونها فيها إدراكا ذوقيا مباشرا في هذا المطلب تتمثل الحياة عندهم ومن أجله يبذلون كل عزيز لديهم بما في ذلك أرواحهم، ولسنا بحاجة إلى ذكر أمثلة من تاريخ الاضطهاد الديني الذي لاقى فيه أولئك الذين حملوا الشعلة المقدسة ضروب العنت والاضطهاد من معاصريهم، بل لاقوا حتفهم شنقًا أو صلبا أو إحراقا، فإن تاريخ الإنسانية حافل بالكثير من هذه الأمثلة.


أما الدليل القاطع على صدق نزعتهم فاستمساكهم بمبادئهم وتشبثهم برسالاتهم رغم أساليب الاضطهاد والتعذيب والسخرية، وأمام عواصف الإنذار والتهديد، وإن تلمسنا دليلا آخر على صدقهم، فاتفاقهم في غاياتهم وأساليبهم رغم اختلاف ديارهم وأجناسهم وأديانهم، وفيما أثر عنهم من التجارب الروحية التي تختلف في تفاصيلها وأشكالها وصورها، وتتفق في جوهرها ونتائجها، دليل ثالث لا بد لنا من تقدير وزنه قبل أن نقول الكلمة الفاصلة عن النشاط الروحي عند الإنسان وصلته بذلك العالم غير المادي وغير المحسوس.


والواقع أن كل إنسان قد أحب يوما ما ذلك الوجود المحجوب» الذي يطلقون عليه اسم «الحقيقة»؛ ذلك لأن الحقيقة شيء أولع الإنسان بالاهتداء إليه منذ أن بدأ يفكر في نفسه وفي العالم المحيط به ليتعرف أسبابه وأسراره ومبدأه ومصيره، ولكن هذا الحب المتأصل في النفس الإنسانية، الذي من شأنه أن يدفع بصاحبه نحو البحث عن الحقيقة المعرفتها والاتصال بها - كما تدفعه غريزة الجوع دفعًا إلى البحث عن الطعام - قد تعوقه العوائق عن الوصول إلى غايته فيضعف أو يموت، ولكنه إن مات في بعض النفوس فقد يظل يضطرب في نفوس أخرى مع اختلاف أصحابها اختلافا بينا في طرق حبهم للحقيقة وفي المجالي التي يشاهدونها فيها. فقد يرى بعضهم الحقيقة على نحو ما رأى «دانتي» الشاعر الإيطالي محبوبته بياترس» شيئًا يمت إلى هذا العالم بصلة، ولكنه يكشف لنا عن عالم آخر، وقد يراها الشاعر في حلمه الشعري، والمتدين الورع في محرابه، والصوفي في قلبه، ورجل الفن في جمال الكون وهكذا.


ولكن مهما اختلفت الأساليب التي عبر بها طلاب الحقيقة، ومهما تباينت الأسماء التي يسمونها بها، فإن الصوفية وحدهم هم الذين يذكرون صراحة أنهم شاهدوها وجها لوجه واتصلوا بها، وفي دعواهم هذه نغمة من اليقين وصدق الإيمان. أما غيرهم - في نظرهم - فقد أخفقوا وباءوا بالفشل.


والبحث عن حقيقة لا مادية ولا متغيرة، وأزلية غير حادثة، وواحدة غير متكثرة قديم قدم الفلسفة، بل قدم العقل الإنساني؛ ذلك أن العالم المحسوس حافل بالظواهر المتكثرة المتغيرة، وطالب الحقيقة المطلقة يطلبها واحدة غير متكثرة، وثابتة غير متغيرة والعالم المحسوس حافل بالأحداث المعلولة، وطالب الحقيقة يطلبها غنية في ذاتها غير معلولة لغيرها، والعالم المحسوس متناه محدود بحدود الزمان والمكان، وطالب الحقيقة يطلبها وجودًا لا متناهيا خارجا عن حدود الزمان والمكان لهذا كله تجاوز العقل البشري في طلبه للحقيقة كل مقولات العالم المحسوس، وأخذ نفسه بالبحث عن عالم آخر يستطيع أن يطبق عليه مقولات مضادة، وظهر ذلك التجاوز عن العالم المحسوس في جميع أدوار تطور الفكر البشري من غير استثناء، واتخذ لنفسه صورًا شتى كانت بدائية في أول الأمر، ثم رقت وتعقدت بمرور الزمن وتطور الحضارة وتعقدها، وكان منها الفلسفي والديني كما كان منها الصوفي ذو النزعة الدينية.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

Lakhasly. (2024...

Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...

‏ Management Te...

‏ Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...

تسجيل مدخلات ال...

تسجيل مدخلات الزراعة العضوية (اسمدة عضوية ومخصبات حيوية ومبيدات عضوية (حشرية-امراض-حشائش) ومبيدات حي...

My overall expe...

My overall experience was good, but I felt like they discharged me too quickly. One night wasn't eno...

- لموافقة المست...

- لموافقة المستنيرة*: سيتم الحصول على موافقة مستنيرة من جميع المشاركين قبل بدء البحث. - *السرية*: سي...

تعزيز الصورة ال...

تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا عالميًا في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر...

وصف الرئيس الأم...

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بأنها "مأساوية"، متعه...

Mears (2014) A ...

Mears (2014) A system of justice that could both punish and rehabilitate juvenile criminals was the ...

تراجع مكانة الق...

تراجع مكانة القضية الفلسطينية في السياسة الدولية فرض على الجزائر تحديات كبيرة، لكنه لم يغيّر من ثواب...

أيقونة الكوميدي...

أيقونة الكوميديا والدراما بقيمة 100 مليون دولار. قابل عادل إمام ولد عام 1940 في المنصورة، مصر، وبدأ ...

أتقدم إلى سموكم...

أتقدم إلى سموكم الكريم أنا المواطن / أسامة سلطان خلف الله الحارثي، السجل المدني رقم/١٧٣٧٣٨٣ ، بهذا ا...

[1] الحمد لله ...

[1] الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا أخذه ورسوله صلى ...