Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

(Using the AI)

تتناول هذه الدراسة أهمية وسائل الإثبات في تحقيق العدالة، مؤكدةً دورها المحوري في تمكين القضاء من الوصول إلى الحقيقة. يركز النص على دور القاضي في فحص تلك الوسائل، وقبول ما يستوفي شروط البينة، ورفض ما لا يستوفيها، حتى لو لم يطلب الخصوم ذلك. ويُبرز النص حق القاضي في الاستناد إلى علمه الخاص في بعض الحالات، موضحاً أن هذا الاستثناء لا يُمنح إلا للحفاظ على سلامة الحكم وعدالته، وذلك لتجنب إصدار أحكام بناءً على معلومات خارج نطاق الدعوى. ويشير النص إلى عناية الإسلام بمسألة البينة، متضمناً أحكاماً قرآنية وسُنّية، وقواعد فقهية تنظمها. لكنّه يُبرز صعوبة الوصول إلى هذه القواعد في كتب الفقه القديمة بسبب اختلاف منهجياتها، مما دفع الكاتب إلى إعادة تنظيم هذه القواعد بمنهجية عصرية. يُقدم الكاتب دراسة لنظريات السببية في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، مُقارناً بينهما، مؤكداً تميز الفقه الإسلامي. كما يُحلل الكتاب مختلف آراء الفقهاء في وسائل الإثبات، مُرجّحاً بعضها على بعض بناءً على الدلائل الشرعية، مع التأكيد على عدم التعصب لمذهب معيّن، مُفضّلاً رأي الإمام مالك في أغلب الحالات نظراً لتمسكه بالنصوص الصحيحة. يتناول الكتاب أنواع البينات (الإقرار، الشهادة، اليمين، الكتابة، القرائن)، مُخصصاً كل باب منها لنَوع معيّن من هذه الأنواع، مُستعرضاً تعريف كل نوع، وأركانه، وأحكامه، مع التفصيل في موضوع الإقرار وبيان أركانه وشروطه، وذلك باستعراض الأدلة من القرآن والسنة. ويختم الكاتب بالتأكيد على أهمية هذا البحث في تيسير عمل الباحثين والقضاة، مع دعائه أن يكون عمله خالصاً لوجه الله تعالى.


Original text

مقدمة
لا شك أن أهمية وسائل الإثبات لا تخفى، ولا حاجة إلى التدليل على خطورتها في حياة البشر، إذ يكفي أن نشير إلى أنها هي الوسائل التي تمكن القضاء - الذي هو أهم سلطة في الدولة وأسماها- من القيام بمهمته التي هي تحقيق العدالة، وصيانة المجتمع، عن طريق إيصال الحقوق لأربابها، وإيقاع العقوبات على مستحقيها. لأنه لا يتهيأ للقاضي أن يتوصل إلى الحقيقة من بين ما يقدم إليه من ادعاءات، ولا يستطيع أن يميز بين الحق والباطل من بين ما يعرض عليه من قضايا، إلا بواسطة هذه الحجج والبراهين التي يعضد بها كل واحد من المتقاضين دعواه. إذ بواسطة هذه الحجج، وبالمقارنة بينها، يستخرج القاضي الحق من الباطل، ويميز بين الصحيح والمزيف، ويصدر تبعا لذلك حكما عادلا يحفظ للقضاء هيبته، ويحقق به مهمته التي هي نشر ألوية العدالة في المجتمع.
ولا نبالغ إذا قلنا إن وسائل الإثبات هي التي تدفع القاضي إلى أن يصدر حكمه على حسب ما تدل عليه تلك الوسائل، وبمقتضى ما تثبته البينات. ولذلك تقتصر مهمة القاضي على أن يكون اللسان المعبر عما تشير إليه، ولقد عبر الفقهاء عن هذه الفكرة عندما عرفوا الشهادة التي هي أهم أنواع البينات بأنها: قول بحيث يوجب على الحاكم سماعه الحكم بمقتضاه. ومعنى هذا أنه يجب على القاضي أن يحكم بمقتضى ما يدل عليه قول الشاهد أو غيره من أنواع البيئات، وأن الحكم لا يكون إلا بمقتضى ذلك.
ولما كان للبينات كل هذه الأهمية التي تتجلى في كونها وسيلة يحافظ بها الشخص على حقوقه ويثبتها بواسطتها، وفي كونها وسيلة للقاضي يتوصل عن طريقها إلى الحكم بالحق وتحقيق العدالة، لذلك كانت مهمة النظر في الحجج والبينات التي يقدمها أطراف الدعوى وما يتعلق بها من البحث عن كونها مستجمعة لشروطها، ومتوفرة على أركانها، وكونها صحيحة مقبولة، أو باطلة مردودة، وغير ذلك من المقارنة بينها، وترجيح بعضها على بعض عند تعارضها، لا ترجع إلى أطراف الدعوى فقط، ولا تقتصر على الخصوم الذين تقام البينة ضدهم، وإنما ترجع أيضا إلى القاضي الذي ينظر في القضية، وتقام الدعوى عنده . إذ يجب عليه أن يتولى فحص الحجج والبينات التي يدلي بها المترافعون إليه، ويتعمق في دراسة كل منها على حدة، فلا يقبل إلا ما كان منها مستجمعا لشروط البينة، صالحا للاحتجاج به. ثم عليه أن يقارن بين الحجج المتعارضة، ليرجح من بينها ما كان منها متوفرا على ما لا تتوفر عليه الأخرى من المرجحات. كما أن للقاضي أن يبدي من الطعون في الحجج ما لم يبده الخصوم فيها، وأن يستبعد من الدعوى كل حجة تبين له أنها غير متوفرة على شروط القبول، ولو لم يطلب الخصم الآخر ذلك، بل ولو لم يتفطن إلى كونها غير مقبولة.
وما طلب من القاضي ذلك إلا لأن البينة هي الأساس الذي ينبني عليه الحكم، ولا يصح أن يكون الحكم مبنيا إلا على أساس سليم ومتين.
وللتدليل على الاعتراف بحق القاضي في قبول الحجج أو رفضها، نذكر أنه أبيح له أن يحكم بمقتضى علمه فيما يتعلق بعدالة الشهود وكونهم متوفرين على شروط قبول شهادتهم، مع أن القاعدة العامة عند أكثر الفقهاء تقضي بأن القاضي لا يستند إلى علمه في إصدار الأحكام. كما أبيح للقاضي - بل طلب منه- أن يقوم بالبحث – سرا- عن حالة الشهود وكونهم عدولا أو لا، فإن تبين له أنهم لا يتوفرون على شروط العدالة امتنع من قبول شهادتهم من غير أن يحتاج إلى الإعذار للأطراف في ذلك.
وإذا كانت القاعدة- كما قلنا-تقضي بأن الحاكم لا يستند إلى علمه في إصدار الأحكام، بمعنى أنه لا يجوز له أن يصدر حكما في قضية بناء على المعلومات التي استقاها من خارج الدعوى، فلو أن قاضيا رأى شخصا يقتل آخر ثم تقدم أولياء المقتول إليه بدعوى يطلبون فيها إصدار حكم مدني أو جزائي على القاتل، فإنه لا يباح للقاضي أن يصدر حكمه بناء على أنه رأى المتهم يقتل ولي هؤلاء المدعين. فما شرعت هذه القاعدة إلا لأجل أن تكون البينة هي التي تبنى عليها الأحكام، ليتمكن الخصوم من الاطلاع عليها ومناقشتها، وتوجيه المطاعن إليها ومعارضتها. ولأجل أن لا تترك للقضاة الحرية في أن يصدروا أحكامهم كما يشاؤون ويعللونها بأنهم استندوا إلى معلوماتهم. وفي هذا يقول الكرابيسي: يلزم من أجاز القاضي أن يقضي بعلمه مطلقا، أنه لو عمد إلى رجل مستور لم يعهد منه فجور قط أن يرجمه ويدعي أنه رآه يزني، أو يفرق بينه وبين زوجته ويزعم أنه سمعه يطلقها، أو بينه وبين أمته ويزعم أنه سمعه يعتقها، فإن هذا الباب لو فتح لوجد كل قاضي السبيل إلى قتل عدوه وتفسيقه، والتفريق بينه وبين من يحب. ولهذا يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لو رأيت رجلا على حد من حدود الله ما أخذته ولا دعوت إليه أحدا حتى يكون معي غيري.
ونظرا لهذه الأهمية التي لوسائل الإثبات، اعتنى بها الإسلام، وتضمنت أصول التشريع الإسلامية أهم القواعد التي تنظم هذه الناحية من التشريع، واشتمل القرآن والسنة على عدد كبير من الأحكام التي تتعلق بالبينات. كما أن الفقهاء استنبطوا كثيرا من القواعد التي تتعلق بهذا الموضوع، تدل على شدة عنايتهم به.
غير أن كتب الفقه الإسلامي وإن كانت زاخرة بالنظريات الفقهية في مختلف نواحي التشريع، وبالرغم من كونها تشتمل على جميع القواعد التي تنظم كل ما يتعلق بالعبادات والمعاملات، إلا أن فهم هذه الكتب والاستفادة منها واستخراج تلك القواعد التي فيها يحتاج إلى البحث الطويل الشاق، والتدرب على أساليب الفقهاء التي لم تعد تستعمل في هذا العصر، كما تحتاج إلى الصبر وطول الأناة، نظرا إلى أن الفقهاء الأقدمين لم يتبعوا في كتاباتهم منهجا موحدا، الشيء الذي كان يسمح لكل مؤلف بأن ينظم كتابه على النحو الذي يريده، أو أن يكتب كما تهيأ له، وذلك ما جعل الكتب الفقهية مختلفة في الترتيب والتبويب، وبهذا أصبح من يريد البحث في هذه الكتب يجد مشقة في الحصول على بغيته، ويحتاج إلى أن ينقب كثيرا وفي أبواب عديدة ليظفر بما يطلبه.
ولا شك أن هذه الصعوبات هي التي جعلت كثيرا من المثقفين يعزفون عن البحث والتعمق في دراسة الفقه الإسلامي، والتعريف به ونشر كنوزه، واكتفى البعض منهم بالاعتماد على كتاب أو كتابين في كتاباته من الفقه الإسلامي، فجاءت بحوثهم بسبب ذلك ناقصة مبتسرة، لا تعطي فكرة كاملة وصحيحة عن المواضيع التي يبحثون فيها.
كما أن هذه الصعوبة التي تعرض لها بعض الباحثين في هذا الفقه ممن لم يتسلحوا بالسلاح الكامل، ولم يأخذوا كل أهبتهم لهذا العمل، حملهم على أن ينفضوا أيديهم منه، وأن يتراجعوا عن المضي في هذا الطريق، ثم أصبحوا يرمون الفقه الإسلامي وكتبه بأنه لا يصلح للحياة الخاصرة، ولا بفي بحاجيات هذا الوقت ومتطلباته.
ولذلك كان من الواجب الأكيد علينا نحن علماء القرويين خريجي دار الحديث الحسنية التي أنشأها أمير المؤمنين جلالة الحسن الثاني للتخصص في دراسة العلوم الإسلامية، والتعمق في التشريع الإسلامي أن نعطي كل همنا، وأن تكرس كل جهودنا للبحث والتنقيب، وأن نعمل على التعريف بعلومنا الإسلامية وثقافتنا العربية، وخصوصا ما يتعلق منها بالفقه الإسلامي الذي يدل على عبقرية المسلمين وطول باعهم. وأن نقوم بتنقيح كتيبه، ونعيد كتابته طبقا للمنهجية التي يتبعها فقهاء العصر الحديث، ثم نقوم بالمقارنة بين مذاهبه الفقهية المختلفة، لترجيح ما تعضده الحجة الشرعية، وما هو أقرب إلى روح الإسلام. ثم نعمل على المقارنة بين هذه الآراء والنظريات التي ترجحت لدينا، وبين النظريات القانونية الوضعية، لتتجلى من ذلك قيمة الفقه الإسلامي، وتتضح أهميته، ويتبين لرجال الفقه والقانون أن فقهنا الإسلامي يحتوي على جميع القواعد التي تصلح لتنظيم حياتنا في مختلف الميادين، مما يجعلنا في غني عن استيراد القوانين الأجنبية التي لا تلائم مجتمعنا، ولا توافق ذوقنا ولا مقوماتنا.
وهذا ما حداني إلى أن أختار نظرية السبب كموضوع للرسالة التي تقدمت بها إلى كلية الحقوق لنيل الدبلوم العالي في القانون المدني، بالرغم من تعقد هذه النظرية والتطورات العديدة التي طرأت عليها، حيث قارنت بين هذه النظرية كما هي في الفقه الوضعي من عهد الرومان إلى العهد الحاضر، وبين ما يمكن أن يستخرج من الفقه الإسلامي في هذا الصدد، وبينت أن الفقهاء المسلمين توصلوا منذ القديم إلى ما لم يصل إليه الفقهاء في فرنسا إلا في هذا العصر الحاضر.
كما أنني حاولت أن أجمع في هذا الكتاب كل ما يتعلق بوسائل الإثبات ، وأن أنظم مختلف القواعد التي تهم هذا الفرع من التشريع ، كما أنني حاولت أن أستعرض أهم المذاهب والأقوال التي سار عليها العلماء فيما يتصل بهذا الموضوع ، وأن أناقش كل قول ومذهب ، وذلك باستعراض الحجج التي يحتج بها ، والردود التي يرد بها على مخالفيه ، ثم أرجح ما بدا لي أنه أقوى من حيث الدليل وأقرب إلى الصواب ، من غير أن أتعصب لمذهب من المذاهب ، ولا لإمام من الأئمة ، وإن كنت قد بينت أن مذهب الإمام مالك يصادف الحق غالبا ، ويتمسك بالنصوص الصحيحة ، ويسير على هديها في الأعم من قواعده، وهذا ما حداني إلى ترجيح رأي هذا المذهب في أغلب الحالات وإن كثر مخالفوه، وذلك كما في مسألة قبول شهادة الصبيان فيما يقع بينهم من الجرح والقتل. فقد تبين من دراسة مذاهب العلماء ومقابلة حجج بعضهم ببعض، أن الحق مع المالكية الذين يقبلون هذه الشهادة فيما إذا توفرت على الشروط التي اشترطوها، لأن الثقة التي تبعثها حينئذ في نفس القاضي لا تقل عن الثقة التي تبعثها شهادة العدل، بل قد تفوقها. ولا شك أن الحكم على من شهد عليه الصبيان بمجرد وقوع الحادثة، وقبل تفرقهم، أنهم رأوه يقتل أو يجرح غيره منهم، وتطابقت أقوالهم، أقرب إلى العدالة من رد هذه الشهادة والحكم إما بمؤاخذة جميع الصبيان الموجودين في مكان الحادثة بما لم يجنه إلا بعضهم، وإما إهدار دم أو روح الصبي المجني عليه مع وجود الجاني وثبوت التهمة عليه، لمجرد أنه لم يحضر بينهم كبير يشهد على هذا الجاني بما فعل. خصوصا وأن الشارع ندب إلى تعليم الصبيان وتثقيفهم وترويضهم، وغالبا ما يجتمعون لذلك أو غيره، ويغيب عنهم الكبير المقبول في الشهادة.
وكما في مسألة الشاهد واليمين، فقد أثبت بالحجج الكثيرة، أن الحق مع الإمام مالك وأصحابه في قبولهم يمين المدعي الذي يثبت حقه المالي بشاهد واحد أو ما ينزل منزلته، وأن ذلك ثابت بالأحاديث التي رواها أكثر من عشرين صحابيا. ووردت في كتب السنة الصحيحة، الشيء الذي لا يمكن معه مخالفتها لمجرد الرأي والهوى والتعصب القول فقيه رأى رأيا مخالفا لأنه لم يطلع على هذه الأحاديث أو فهمها على غير وجهها.
بهذا يتبين أن الواجب يقضي بأن نختار أفضل الآراء وأرجحها في كل مسألة من المسائل، ونتخلى عن الرأي المرجوح إلى الرأي الراجح، ونعمل بما يعضده البرهان وتقويه الحجة الإسلامية الواجبة الاتباع، لأننا مأمورون باتباع ما تدل عليه تلك الأصول، ولسنا ملزمين باتباع مذهب معين اتباعا مطلقا، والتعصب الأعمى لكل ما فيه. ولهذا خرجت على مذهب الإمام مالك عندما تبين لي أنه لم يصادف الصواب ، وأن حجة مخالفيه أقوى من حجته ، ومن ذلك أنني رجحت القول الذي يرى قبول شهادة الكفار بعضهم البعض، مع أن المالكية يرون أن شهادة الكفار لا تقبل مطلقا ، سواء شهدوا لمسلم أو الكافر، فقد تبين من المقارنة بين حجج المالكية وحجج المذاهب الأخرى ، أن حجج الذين يقولون بقبول شهادة الكفار بعضهم لبعض أقوى وأرجح، زيادة على أنه القول الذي يتمشى مع المنطق ، ويوافق ما جاءت به الشريعة الإسلامية من الرفق والتيسير، إذ مما لا شك فيه أن تكليف الكفار بأن لا يشهدوا على معاملاتهم وما يقع بينهم إلا المسلمين الذين تتوفر فيهم جميع شروط العدالة تكليف بعسير إن لم نقل إنه تكليف بمستحيل في الغالب . نظرا لندرة العدول بين ظهران المسلمين أنفسهم فكيف يتصور وجود العدول من المسلمين بين الكفار.
كما أنني قد أرجح القول الضعيف في المذهب المالكي على القول الصحيح المعمول به، عندما يتبين لي أنه أوفق للمصلحة العامة التي جاء الإسلام بتقديمها، وعدها الإمام مالك من أصول مذهبه. ومن ذلك أنني رجحت القول الذي ذهبت إليه طائفة من فقهاء المالكية فيما يتعلق بشهادة النساء وحدهم في القتل والجرح الذي يقع بينهن عندما يجتمعن في مكان لا رجال فيه. فقد رأت هذه الطائفة أن شهادة النساء في هذه الحالة تقبل للضرورة، لكي لا تهدر دماء النساء، وتلافيا لما قد يحدث فيما لو منعنا قبول شهادتهن حينئذ من التجرؤ عليهن والترصد لهن في تلك الأمكنة ، خصوصا وقد ذكرنا أن الضرورة تدعو الآن إلى اجتماع النساء في المعاهد والمعامل والمستشفيات، وما زلن يجتمعن في الحمامات والمآتم والأعراس منذ عصر النبي ﷺ إلى عصرنا هذا، ومن البديهي أن هذا القول أولى بالقبول وإن كان ضعيفا ومخالفا للقول الآخر في المذهب المالكي الذي يرى أن شهادة النساء لا تقبل في القتل والجرح مطلقا، وهو القول الذي قال عنه ابن فرحون إنه القول الصحيح في المذهب المالكي، زيادة على أنه هو الذي سار عليه جمهور الأئمة ما عدا الظاهرية .
وهكذا عملت في هذا الكتاب على جمع القواعد التي تتعلق بهذا الموضوع الحيوي من التشريع، وسقت الآراء التي توصل إليها علماء الفقه الإسلامي في هذا الصدد، وقمت بتبويبها وترتيبها حسب الاستطاعة والإمكان، كما أني عملت على تخريج الكثير من الأحاديث التي أوردتها، وتحقيقها، وذكر مرتبتها.
وأصل هذا الكتاب هو الرسالة التي تقدمت بها سنة 1970 لنيل شهادة دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإسلامية والحديث، من دار الحديث الحسنية، التي أنشأها صاحب الجلالة الحسن الثاني نصره الله لتضاف إلى مبراته، ولتكون دليلا ناطقا على حرصه - أعزه الله- على مقومات الأمة العربية. ودأبه على المحافظة على الثقافة الإسلامية، وتشجيعه على إحياء التراث الإسلامي الذي يعد بحق كنزا من الكنوز الإنسانية المطمورة، والتي أصبحت في حاجة ماسة إلى من ينفض عنها غبار الإهمال، ويعيد ترتيبها، ويبرز محاسنها ليستفيد منها المسلمون وغيرهم، كما استفاد الجميع في القديم من العلوم والحضارة الإسلاميين.
وأسأل الله أن أكون قد وفقت إلى جمع القواعد المتعلقة بالبينات في الفقه الإسلامي ليسهل على الباحثين والمشتغلين بالقضاء الرجوع إلى هذه القواعد والاستفادة منها.
كما أسأله تعالى أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يثيبني عليه ثواب من يخدم شريعته، وأن يجعلني من الذين يريد بهم خيرا.


تمهيد
المقصود بالبينة
البينة اسم لكل ما بين الحق ويظهره، وسمى النبي ﷺ الشهود بينة لوقوع البيان بقولهم، وارتفاع الإشكال بشهادتهم، كوقوع البيان بقول الرسول عليه الصلاة والسلام.
والبينة في كلام الله ورسوله، وأقوال الصحابة تدل على هذا المعنى العام، الذي يعني كل ما يبين الحق ويظهره، من غير أن تكون محصورة في شهادة الشهود دون غيرها من وسائل الإثبات الأخرى، يقول الله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات). ويقول أيضا: (ولقد جاءكم موسى بالبينات). فالمراد بالبينات في هاتين الآيتين، وفي غيرهما: كل ما بين الحق ويدل على صدق الرسول من حجج، وآيات، ومعجزات. وقال رسول الله ﷺ: ألك بينة؟ وقال: أيضا: البينة على المدعي والمراد هنا بالبينة: كل ما يغير الحق ويظهره من شهود أو دلالة. بدليل أنه لو أقر المدعى عليه عندما قال رسول الله للمدعي: ألك بينة؟ لحكم النبي ﷺ للمدعي بمجرد ذلك "كما حكم بالإقرار في كثير من الحالات" ولو أحضر المدعي شاهدين، أو شاهدا ثم حلف معه لقضى له بما طلب كما فعل في كثير من الأقضية، ولو كانت القرائن تشهد للمدعي لاعتبارها النبي ﷺ بينة. ولحكم بمقتضاها.
ولما كان المقصود بالبينة كل ما يظهر الحق ليقع الحكم به. لذلك لا يشترط أن يكون هذا الظهور على شكل معين. وإنما يقبل كل ما يدل على الحق من غير تخصيص بكيفية معينة يقصر عليها، ولا يحكم بغيرها، وإن كان الحق ظاهرا بطريقة أخرى.
ولو أن الإسلام اشترط أن تكون البينة على شكل معين لا يقبل غيره، ولا يحكم إلا بمقتضاه، لضاعت حقوق كثيرة، ولعسر على الناس - في كثير من الأحيان- إثبات دعاويهم، وهذا ما وقع فعلا عندما ظن بعض الناس أنه لابد من طريق معين لإثبات الحقوق، حيث إن كثيرا من الظلمة والفجار تمكنوا من أن يفعلوا ما يشاؤون وهم في مأمن من أن يثبت عليهم ذلك بالبينة التي انحصرت عند فقهاهم في الشاهدين. وبذلك ضاعت حقوق كثيرة لله والعباد. ولو أن هؤلاء الفقهاء طبقوا ما جاء به الرسول الأكرم على وجهه من اعتبار البينة شاملة لكل ما يظهر الحق، لكان فيه تمام المصلحة المغنية عن التفريط والعدوان.
وإذا كان الله تعالى قد ذكر نصاب الشهادة، وأوجب أن يشهد بكل نوع من الحقوق عدد معين من الشهود فاشترط في إثبات الزنا شهادة أربعة عدول: (واللذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) الآية.


وفي إثبات الرجعة (وما يماثلها من الحقوق غير المالية) شهادة عدلين: (وأشهدُوا ذوي عدل منكم)، وفي الأموال شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) . كما ثبت من السنة أن النبي ﷺ لم يقبل في إثبات أي نوع من الحقوق - بواسطة الشهود- إلا إذا شهد به العدد المطلوب في إثبات ذلك الحق، فإنما ذلك لإرشاد المسلمين إلى كيفية توثيق حقوقهم بالإشهاد عليها، بمعنى أنه عندما يريد الإنسان أن ينشئ معاملة مالية أو غير مالية، فعليه أن يشهد من ذكر في هذه الآيات، ليكون ذلك أضمن لحقه، وأدعى إلى عدم المنازعة. ولم يذكر الله تعالى أنه لا يجوز للحكام أن يحكموا بما عدا ذلك. فلم يرد في القرآن نفي الحكم بشاهد ويمين، ولا بالنكول، ولا باليمين المردودة، ولا بأيمان القسامة، ولا بغير ذلك من كل ما بين الحق ويظهره، كالقرائن والأمارات، بدليل أن النبي ﷺ وأصحابه وعلماء السلف حكموا بمقتضى ذلك، ولم يحصروا وسائل الإثبات فيما ورد في القرآن. وكتب السنة والفقه زاخرة بما يدل على هذا، كما سنرى في أبواب هذه الرسالة.
وإذا كان الله تعالى قد شرط في الشهود أن يكونوا عدولا مرضيين: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) (ممن ترضون من الشهداء). فإنما أوجب ذلك في الأحوال العادية التي يتمكن فيها صاحب الحق من إشهاد العدول، وهذا رأى العلماء أنه عند الاضطرار تقبل الشهادات والبينات التي لا تقبل عادة لولا الاضطرار إليها. وتطبيقا لهذا المبدأ نجد الفقهاء يقبلون شهادة النساء متفرقات في القتل والجرح الذي يقع بينهن في الأعراس أو الحمامات والمواضع التي تنفرد النساء بالحضور فيها، منع أن القتل والجرح لا يثبت -إذا كان عمدا-إلا بشهادة رجلين في الأحوال العادية. ونجد الصحابة وفقهاء المدينة يقبلون شهادة الصبيان فيا يقع بينهم من جرح وقتل، مع أن الصبي لا تقبل شهادته في الأحوال العادية لأنه غير عدل، ولو لم تقبل شهادة النساء والصبيان في هذه الحالات، لضاعت الحقوق وأهدرت الدماء، مع أنه يغلب على الظن أن شهادة هؤلاء صادقة، خصوصا فيا إذا أذا أدى الصبيان شهادتهم على الكيفية وضمن الشروط التي سنراها في شهادة الصبيان. إذ يحصل للقاضي بشهادتهم هذه من العلم واليقين مثل ما يحصل له بشهادة رجلين بذلك، وتبعا لذلك قال الفقهاء بجواز قبول شهادة غير العدول فيما إذا تعذر إشهاد من تتوفر فيه شروط العدالة، وإن احتاطوا لذلك فشرطوا أن تأتي هذه الشهادة على كيفية معينة تبعث على الاطمئنان إلى هذه الشهادة، كما سنرى في شهادة اللفيف.
وهذا كله يدل على أن الفقهاء فهموا أن كل ما أظهر الحق وبينه فهو بينة (وأن الله ورسوله لم يعطلا حقا بعدما تبين بطريق من الطرق أصلا) وغير خاف أن هذا لا يعني أنه ينبغي التساهل في إثبات الدعاوى، وأن يقبل فيها مجرد الدعوى. أو الشبه والقرائن البعيدة، فإن هذا لا يمكن أن يقول به أحد من الفقهاء. لأن الإسلام لا يقبل مجرد الدعوى، ولا يصدق الشخص في دعواه بدون بينة. فقد أجمعت الأمة على أن الصالح التقي، مثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، لو ادعى على أفسق الناس درهما واحدا لا يصدق فيه، وعليه البينة، وهذا المبدأ من الأصول التي وردت في الكتاب والسنة، يقول الله تعالى : (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) ، وقال تعالى : (فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون). وروى الإمام مالك في الموطإ عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال لرسول الله ﷺ: أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول الله ﷺ نعم. قال الزرقاني: في حديث الباب النهي عن إقامة حد بغير سلطان ولا شهود، وقطع الذريعة إلى سفك الدم بمجرد الدعوى. وهذا شيء مجمع عليه ونطق به الكتاب والسنة، وروى الإمام مالك أيضا ما ملخصه: أن رجلا من أهل الشام وجد مع امرأته رجلا فقتله، أو قتلها، فأشكل الأمر على معاوية، فسئل علي عن الحكم فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته. أي يسلم إلى أولياء المقتول ليقتصوا منه. قال ابن عبد البر: على هذا جماعة الفقهاء، لأن الله حرم دماء المسلمين تحريما مطلقا، فمن ثبت عليه قتل مسلم، وادعى أنه كان يجب قتله، لم يقبل منه حتى يثبت دعواه، لأنه يرفع بها عن نفسه القصاص، وكذا من لزمه حق لآدمي، لم يقبل قوله في المخرج منه إلا ببينة تشهد له بذلك.
وإنما يعني أنه لا يلزم في الإثبات أن يكون على شكل معين، بحيث إذا لم يتوفر ذلك الشكل لم يقبل قول صاحب الحق وإن كان حقه ظاهرا جليا بطريق أخرى غير الطريق المعينة. ولهذا يتعين على القاضي أن يحكم بالبينة التي يقتنع بها، ويطمئن إليها، وتفيده غلبة الظن بأن الحق بجانب من قامت له هذه البينة، يقطع النظر عما إذا كانت هذه البينة عبارة عن إقرار الخصم، أو شهادة العدول، أو اليمين، أو شهادة الحال والقرائن.
ويتبين مما سبق أنه إذا كان الإسلام قد أمر بالإشهاد على الحقوق على اختلاف أنواعها، من مالية وغيرها، وشرط في الشهود أن يكونوا عدولا مرضيين، وحدد لكل نوع من أنواع القضايا نصاباً معيناً من الشهود لا يثبت بأقل منه، بحيث يتعين إذا أريد إثبات أي حق بواسطة الشهود أن يشهد به العدد المطلوب، فلا يثبت الزنا مثلا بأقل من أربعة عدول، ولا يثبت القتل بأقل من شاهدين، وهكذا. وذلك لأن شهادة الشهود العدول تفيد الظن بمضمن ما شهدوا به، ويقوى الظن أو يضعف تبعا لكثرة الشهود وقلتهم. ولما كانت شهادتهم توجب الحكم بمقتضاها، وقد يكون هذا الحكم هو الرجم أو القتل، أو قطع الأعضاء، أو غرم المال. وهذه الأحكام تتدرج في الخطورة كما رأينا. لذلك كان من الحكمة أن يشترط الإسلام في إثبات الزنا بواسطة الشهود شهادة أربعة عدول زيادة في الاحتياط والتثبت، لما ينتج عن إثبات هذا النوع من الدعوى من النتائج الخطيرة، وأن يشترط في إثبات الحقوق غير المالية شهادة عدلين، لأنها لا تخلو من خطورة، وإن كانت لا تصل إلى خطورة إثبات الزنا، وأن يكتفي في إثبات الحقوق المالية بما دون ذلك، كشهادة عدل وامرأتين، أو أحدهما ويمين، أو النكول واليمين، لقلة خطرها، وكثرة التعامل فيها.


إلا أن الإسلام لم يحصر وسائل الإثبات في شهادة الشهود. وإنما قبل في ذلك كل أنواع البينات- كما رأينا - من إقرار، ويمين، وقرائن الأحوال. كما أنه لم يتمسك بوجوب توفر العدالة في الشاهد وما تتضمنه من شروط في جميع الحالات. وإنما رخص في قبول شهادة من لم تتوفر فيه شروط العدالة عند الضرورة الداعية إلى قبول هذه الشهادة. وقد قبل النبي الله خير الدليل المشرك الذي استأجره ليدله على الطريق إلى المدينة في هجرته عندما ظهر له صدقه وأمانته.
ولعل من أوضح الأدلة على أن الشرع لم يحصر البينة فيما ذكر في القرآن والسنة، أن عمر رضي الله عنه رجم المرأة التي ظهر بها حبل مع أن الزنا لا يثبت إلا بأربعة شهود تتوفر فيهم شروط العدالة، أو بالإقرار المفسر.
تبين من هذه المقدمة الوجيزة أن البينات التي تقبل كوسائل للإثبات - حسب الفقه الإسلامي - هي: الإقرار، والشهادة، واليمين، وقرائن الأحوال، ويضاف إلى ذلك نوع آخر هو الإثبات بواسطة الكتابة، وهذه الكتابة إما أن تكون بخط من عليه الحق أو بتوقيعه، فتعتبر حينئذ نوعا من الإقرار. وإما أن تكون بخط شخص أجنبي عن الطرفين، فتعتبر في هذه الحالة نوعا من أنواع الشهادة، إذا توفرت على الشروط اللازمة.
وبناء على ذلك، فسأتكلم على أنواع البينات في خمسة أبواب، أخصص كل باب منها لنوع من أنواعها حسب ما يلي:
الباب الأول: الإقرار.
الباب الثاني: الشهادة
الباب الثالث: اليمين
الباب الرابع: كتابة الوثائق
الباب الخامس: القرائن


الباب الأول
الإقرار
الفصل الأول: في تعريفه والأدلة على حجيته.
الفصل الثاني: في أركان الإقرار
الفصل الثالث: في أحكام الإقرار.
الفصل الأول: تعريف الإقرار والأدلة على حجيته
قال ابن راشد: حقيقة الإقرار: الإخبار عن أمر يتعلق به حق الغير (1) وقال الدسوقي في الفرق بين الإقرار، والشهادة، والدعوى: إن الثلاثة كلها إخبار، والفرق بينها أن الإخبار إن كان حكمه قاصراً على قائله فهو الإقرار، وإن لم يقتصر على قائله فإما أن لا يكون للمخبر فيه نفع وهو الشهادة، أو يكون له فيه وهو الدعوى.
وعرفه ابن عرفة بقوله: الإقرار خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط، بلفظه أو بلفظ نائبه فيدخل إقرار الوكيل، وتخرج الإنشاءات كبعت وطلقت، ونطق الكافر بالشهادتين ولازمها الإخبار ككنت بعت وطلقت وأسلمت ونحو ذلك. والرواية والشهادة، وقوله زيد زان لأنه وإن أوجب حكما على قائله فقط. فليس هو حكم مقتضى صدقه.
والإقرار إذا توفرت فيه شروطه أقوى الحجج وأدعاها إلى القبول. وهو أبلغ من الشهادة وأقوى منها في الحجية. قال أشهب: قول كل أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره. والدلائل على حجية الإقرار كثيرة منها:
1- قوله تعالى: "كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ". قال ابن العربي: أمر الله سبحانه العبد بأن يشهد على نفسه بالحق، ويسمى الإقرار شهادة. إلا أنه في باب الحدود ندب إلى أن يستر نفسه، ويتوب. نعم يجوز له أن يقر على نفسه بالحد إذا رأى غيره ابتلي به وهو صاحبه فيشهد على نفسه ليخلصه ويبرئه.
2- ) قوله تعالى : (بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) قال ابن العربي : في هذه الآية دليل على قبول إقرار المرء على نفسه لأنها شهادة منه عليها ، ولا خلاف فيه ، لأنه إخبار على وجه تنتفي التهمة عنه ، لأن العاقل لا يكذب على نفسه
3- قوله تعالى: "وَلْيُمْلِلِ الذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ". قال الجصاص: فيه إثبات إقرار الذي عليه الحق وإجازة ما أقر به، وإلزامه إياه. لأنه لولا جواز إقراره إذا أقر لم يكن إملاء الذي عليه الحق بأولى من إملاء غيره من الناس، فقد تضمن ذلك جواز إقرار كل مقر بحق عليه.
4- ما رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب أنه أخبره أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله ﷺ، وشهد على نفسه أربع مرات، فأمر به رسول الله ﷺ فرجم. قال ابن شهاب: فمن أجل ذلك يؤخذ الرجل باعترافه على نفسه. قال الزرقاني: باعترافه على نفسه بالزنا أو بغيره حيث كان مكلفا غير محجور عليه.
5- ما جاء في قصة العسيف الذي زنى بامرأة مستأجره. فقد قال فيها رسول الله ﷺ: واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها.
6- روى أبو داود والنسائي عن اللجلاج أنه كان يعمل في السوق، فرمت امرأة صبيا، فقال: فثار الناس، وثرت فيمن ثار، فانتهيت إلى النبي ﷺ وهو يقول: من أبو هذا معك؟ فقال فتى حذاءها: أنا أبوه يا رسول الله. فأقبل عليها فقال : من أبو هذا معك ؟ فسكتت. فقال للنبي ﷺ: إنها حديثة السن، حديثة عهد بحزن، وليست تكلمك، أنا أبوه. فنظر إلى بعض أصحابه كأنه يسألهم عنه فقالوا: ما علمنا إلا خيرا. فقال النبي ﷺ: أحصنت؟ قال: نعم. فأمر به فرجم، فقال: فخرجنا فحفرنا له حتى أمكناه ثم رميناه بالحجارة حتى هدأ يحتضر.
7- روي مالك في الموطإ قصة رجل جاء إلى عمر رضي الله عنه وذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا، فأرسل إليها عمر يسألها عن ذلك، فذكر لها الرسول أن اتهام زوجها لا يثبت الزنا عليها ما لم تعترف بذلك، فاعترفت واستمرت على اعترافها فأمر بها عمر فرجمت.
الفصل الثاني: أركان الإقرار
أركان الإقرار أربعة، هي: الصيغة، المقر، المقر له، المقر به.
وتخصص مبحثنا لكل ركن منها.
المبحث الأول: صيغة الإقرار
صيغة الإقرار هي اللفظ أو ما يقوم مقامه من كل ما يدل على توجه الحق على المقر، كان يقول: لك على ألف درهم أو أخذتها منك، أو أقرضتني ألف درهم أو لأقضينك ألف درهم أو لأقضينك اليوم، أو ساهلني في الطلب وأنا أودي لك ما علي.
ومثل اللفظ، الإشارة والكتابة، والسكوت الدال على الإقرار.
فالإشارة من الأبكم والمريض، كأن يقال له: الفلان عندك كذا؟ فيشير برأسه: أن نعم فإن هذا إقرار يلزمه وتقبل الإشارة في الإقرار ولو كان المقر صحيحا قادرا على الكلام وعند الحنفية أن الإشارة لا تقبل من القادر على الكلام أو الكتاب.
والكتابة مثل أن يكتب الإنسان بيده إقرارا بحق ويثبت أن ذلك خطه، فإنه يكون إقرارا ويلزمه ما فيه وستكلم على خط الفقر وبأي شيء يثبت، وذلك في الكلام على مستند علم الشاهد.
والسكوت يعتبر إقرارا إذا فهم من المقام أنه بمثابة الإقرار، وذلك مثل أن تباع تركة شخص متوفى وتقسم بين ورثته، ثم يقوم شخص كان حاضرا كل ذلك ويدعي أن له على الميت دينا، فإن كلامه هذا لا يقبل إلا أن يكون له عذر. لأن سكوته ذلك يعتبر إقرارا منه بأنه لا دين له على الميت. ومثل أن يأتي شخص إلى قوم ويقول لهم: اشهدوا أن لي كذا وكذا على هذا الرجل. والرجل ساكت. فإن سكوته هذا بمثابة الإقرار بما ادعاه ذلك الرجل، بحيث لا يمكنه أن ينكر ذلك الحق. ومثل أن تلد الزوجة ولدا فيهنئ الناس زوجها بذلك وهو ساكت. فان هذا يعتبر إقرارا منه بأن الولد له ولا يمكنه أن ينفيه بعد ذلك.
والدليل على اعتبار السكوت إقرارا ما جاء في الحديث: "والبكر تستأمر، وإذنها صماتها". فجعل النبي ﷺ سكوت البكر بمثابة اعترافها بالرضى بالزوج.
وعند الحنفية أن طلب الصلح على حق يعتبر إقرارا منه، كأن يقول شخص لآخر: لي عليك ألف درهم، فيرد عليه الآخر بقوله: صالحني عنه بسبعمائة درهم. فإن هذا يعتبر إقرارا منه بأن عليه الألف درهم. والظاهر أن الصلح لا يعتبر إقرارا، لأنه قد يحمله على الصلح الخوف من الحكم عليه بالألف درهم كلها مع علمه بأنه غير مدين. أو لأنه أراد أن يتفادى الظهور أمام القاضي وما يجره ذلك عليه من كلام الناس.
ثم إن الصيغة قسمان:



  1. واضحة الدلالة على الشيء المقر به كأن يقول: لفلان علي ألف درهم من بيع أو نحو ذلك. أو يقول: إنني ارتكبت كذا. قتلت فلانا بالسكين، أو بالمسدس، ويلزمه في هذه الحالة ما أقر به؛

  2. مبهمة. أي غير واضحة الدلالة على الشيء المقر به، وهي أنواع منها:
    أ‌. أن يقول: الفلان علي شيء. أو كذا، وفي هذه الحالة يجب عليه أن يفسر مراده، ويحلف على ما فسره، وإن أبى من التفسير أو من الحلف سجن إلى أن يفعل. وكذلك إذا قال: الفلان علي كذا درهم، أو كذا دراهم، أو كذا درهما، أو كذا دراهم، أو كذا كذا، أو كذا وكذا.
    ب‌. أن يقول: الفلان على مال، والمعتمد أنه يلزمه في هذه الحالة نصاب الزكاة.
    ت‌. أن يقول: له علي مائة درهم وشيء، أو له علي شيء ومائة درهم فإنه يسأل عن مراده بذلك، ويقبل تفسيره بيمينه. فإن تعذر سؤاله لموته أو لغير ذلك، فتلزمه المائة.
    ث‌. أن يقول: علي بضع دراهم. أو علي دراهم. فيلزمه ثلاثة، وإن قال: علي بضعة عشر لزمه ثلاثة عشر. وإن قال: علي دراهم كثيرة لزمه أربعة دراهم. وهذا فيما إذا لم يفسره بأكثر من ذلك.
    ج‌. أن يقول: علي جل المائة، أو نحوها، أو أكثرها، لزمه ثلثا المائة فأكثر باجتهاد الحاكم، مع مراعاة حال المقر من عسر ويسر. إن لم يفسره المقر بأكثر من ذلك.
    ونذكر في الأخير أن المقر إذا قال: أبرأت فلانا مما لي عليه، أو من كل حق، أو أبرأته وسكت. فإن المقر له يبرأ من جميع الحقوق، مالية، كالديون والودائع ومال السرقات. وغير مالية، كحد القذف. ولا يقبل بعد ذلك تخصيص الإقرار بشيء، أو إلزام المقر له بحق من الحقوق بدعوى أنه نسي ذلك الحق عند البراءة، أو كان يجهله، أو أنه لم يقصد إبراءه منه، فإن ذلك لا يقبل منه ولو كان له عليه وثيقة، مادام تاريخها سابقا على الإبراء. أو جهل هل تاريخها سابق أو لاحق.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

أيقونة الكوميدي...

أيقونة الكوميديا والدراما بقيمة 100 مليون دولار. قابل عادل إمام ولد عام 1940 في المنصورة، مصر، وبدأ ...

أتقدم إلى سموكم...

أتقدم إلى سموكم الكريم أنا المواطن / أسامة سلطان خلف الله الحارثي، السجل المدني رقم/١٧٣٧٣٨٣ ، بهذا ا...

[1] الحمد لله ...

[1] الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا أخذه ورسوله صلى ...

ad يترقب المقيم...

ad يترقب المقيمون في دول مجلس التعاون الخليجي بدء تفعيل التأشيرة الخليجية الموحدة بعد مرور أكثر من ع...

Bullying is a r...

Bullying is a repeated aggressive behavior that involves an imbalance of power between the bully and...

فاللغة العربية ...

فاللغة العربية ليست فقط لغة المسلمين، ووسيلة لتحقيق غاية أخرى وهي تعديل سلوك التلاميذ اللغوي من خلال...

1-تعتبر أسرة مح...

1-تعتبر أسرة محمد آل علي الإبداع والإبتكار هي أول نقطة في الإنطلاق إلى التحسين في شتى المجالات حيث ق...

يعتبر فول الصوي...

يعتبر فول الصويا من المحاصيل الغذائية والصناعية الهامة على المستوى العالمي نظراً لاحتواء بذوره على ن...

Traffic Padding...

Traffic Padding: inserting some bogus data into the traffic to thwart the adversary’s attempt to use...

السلام عليكم ور...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اليوم ذهب إلى دورة القرآن وتعلمت القرآن ثم عدت إلى منزلي ومكتبي قلي...

يجمع نظام التكا...

يجمع نظام التكاليف بجوار المحاسبة على الفعليات،التوفيق في ظروف حدوثها وأسبابها ومدى الكفاءة في التنف...

نطاق البحث يركز...

نطاق البحث يركز هذا البحث على تحليل الأطر القانونية والمؤسساتية لعدالة الأحداث، مع دراسة النماذج الد...