Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (73%)

تلخيص الروايه
اسمي كاتسوهيكو تاكاهاشي". بدأ كل شي في عام 1967 باتصال هاتفي من سفير اليابان في الكويت: «دكتور كاتسوهيكو، لقائك». كان الأمر يتعلّق حسب الدبلوماسي، بالمساهمة في بناء عاصمة بلد لم أسمع به من قبل: أبوظبي. جديدة في الكاريبي. آنذاك كنت في الثلاثين من العمر. في نيويورك. للشبيبة. عليك إذن أن تُصغي إلي». حين أفكر في ما قلته أجد به أنني كنت بلا شك مجنوناً. أُعلم أن من يتجرأ على شوغون»، كما فعلت أنا مع الشيخ زايد يصبح مجبراً على الانتحار بطريقة الهاراكيري. لكن في ذلك الوقت كان معظم المستشارين المحيطين بالشيخ زايد يمتدحون بانتظام كلّ ما يقترحه ولا أحد يجرؤ
كان يجب أن تعجبه. كان الرجل المعيّاً ومنفتح الذهن على نحو لا يُصدق. لكن غالباً ما كنا على خلاف. أنا متأثر بالمعمار الحديث وفقاً لأسلوب كوربوزييه» في البناء، التعليم. ومخططات جمالية عمرانية. مستقيمة، لم تكن هذه وجهة نظري. أصبحت علاقتنا أكثر تعقيداً يوم اقترحت عليه نقل العاصمة إلى منطقة المفرق، وتحويل الجزيرة (حيث العاصمة الأصلية) إلى مواقع سياحية مؤلّفة من فيلات ومرفأ يصلها باليابسة طريق اسفلتي. والمؤسف أن هذه الفكرة لم ترق للشيخ زايد
الذي لم يرفضها فحسب بل رفض حتى النقاش فيها. أغلب الظن أن هذه الفكرة كانت أحد الأسباب التي أدت إلى إنهاء تعاوننا. أزعم أيضاً أن الشيخ كان قد سَئِمَ الاعتماد على مترجم وصار يفضل التعامل مع مهندس يتكلم اللغة العربية. ولا ، ريب في أنها كانت من أكثر المراحل التي أفدت فيها علماً وخبرة وتثقيفاً في حياتي المهنية. ولقد خرجت برصيد لا بأس به: قسم من شبكة الطرق، وبناء الطريق البحري (الكورنيش) و كما كان الشيخ يرغب - الكثير من المساحات الخضراء. ما قاله الدكتور كاتسوهيكو صحيح. فيها عاش أسلافنا. وفيها أرسى تاريخنا جذوره وتحويل الجزيرة إلى مصيف أمر لا يُعقل. في الحقيقة كان تاكاهاشي أشبه بجرّاح -مهندس. يا صاحب السموّ، إن فعلتُ أنا ما تريد أنت فلن يكون هذا مشروعي بل مشروعك». مهندساً موهوباً. وكان أن توجهت نحو منظمة الأمم المتحدة للتنمية. هذه المرة كنت أريد مهندساً عربياً مختصاً بتخطيط المدن. لقد مللت الاستعانة بمترجم دائماً. ثم إن اللغة كلما كانت غنية كانت أكثر استعداداً للتعبير والإبداع، وتلك هي حال اللغة العربية. أياً تكن مقدرة من يتولى الترجمة لا بد أن تفوته الفروق الدقيقة دائماً. والحال أن ثمة حروباً تنشب من جراء كلمة أو تعبير أسيئت ترجمته. اقترحت على الأمم المتحدة مهندساً معمارياً. هو الدكتور عبد الرحمن حسنين مخلوف، فوافقت. وصل في نوفمبر 1968 وكنت يومها في جنيف لحضور اجتماع حول الخلاف الحدودي مع جيراننا، الذي لم يكن قد حُلّ بعد. لم يُضع الدكتور مخلوف وقته منذ اللحظة التي حلّ فيها عندنا. وفي هذا نقطة إيجابية لصالحه في نظري. بعيداً عن الوسط نسبياً. لا أملك أي تصميم للعاصمة. أجابني بأن هذا لا يطرح أي مشكلة وأنه قادر على وضع تصميم في مهلة أسبوعين. أعترف بأنني بدوت كالمتشكك. غير أن هذا ما فعله مستعيناً بالمخطوطات الإجمالية التي وضعها من سبقوه، لم ينجح في احترام المهلة التي التزم بها فحسب بل نجح أيضاً في تحويل وحدات القياس الأنجلو-سكسونية إلى النظام المتري. حظي الرجل بتقديري فوراً. بكل موضوعية. لا أظن أن ثقتي به كانت لكونه عربياً ولا لكونه مسلماً، ولا على لون بشرته. ذلك أننا خلق الله وخياره جميعاً. كان مخلوف متأثراً جداً بالفيلسوف اليوناني أرسطو الذي كان يرى أن الدولة المثالية يجب أن تكون من أجل سعادة مواطنيها في المقام الأول. وتخطيط المدن مهمة إجتماعية قبل كلّ شيء. كان لمخلوف معلّمون درسوا في جامعات فرنسا وليس إنجلترا وهم من كبار المهندسين المصريين. نصحه أحدهم بالذهاب إلى ألمانيا والانتساب إلى جامعة ميونيخ. آنذاك كانت عملية إعادة الإعمار قائمة على قدم وساق في ألمانيا التي دمرتها الحرب. وقد نصحه مُرشده: «إذا أردت أن ترى التخطيط الحضري وهندسة المستقبل فهناك!». وهناك عاش مخلوف أربع سنوات طالباً في جامعة ميونخ حيث نال شهادة الماجستير. وجديتهم. كانوا يعرفون ماذا الذي يريدون وكيف يصلون إلى الهدف المحدّد. كما تأثر بحماية الناس المشاركين في أشغال إعادة الإعمار و الاهتمام الذي يولونه لإعادة بناء مدنهم كما كانت قبل الحرب. وقرّ في ذهني أن تلك التجربة قد وسمته بطابعها يشهد على ذلك عمله عندنا. سرعان ما عيّنته رئيساً لدائرة تخطيط المدن، وهو منصب شغله بكفاءة عالية شرّفه بها. كان يرى أن عاصمتنا يجب أن تكون قادرة على استيعاب 250 ألف ساكن، ومقرها لوس أنجلوس. في موازاة ذلك نجحت في إحاطة نفسي بشخصيات ذات كفاءة عالية، أمثال الدكتور عدنان الباجه جي. ثم عُيّن سفيراً لدى الأمم المتحدة. عاش في المنفى بعد عام 1971 ولجأ إلينا. ونظراً لما يتمتع به من مكانة وخبرة دبلوماسية، وللعلاقات الواسعة التي نسجها على المستوى الدولي خلال حياته المهنية، عزيزة علي، رافقتني أيضاً في مسيرتي الطويلة. تقاطعت طريقها مع طريقي بمحض المصادفة للمرة الثانية. لكن ما المصادفة إن لم تكن مشيئة الله الخفية؟ أؤكد : للمرة الثانية»، هو ابن السفير، وكان يُعد رسالة لنيل الماجستير في الاقتصاد. من أصل فلسطيني، وقد ولد في القدس. بعد حرب 1967 لم يعد بإمكانه العودة إلى بلاده، فقرر القدوم
إلينا للعمل في مؤسسة بناء عائلية صغيرة أنشئت حديثاً. ومنها صحيفة الفايننشال تايمز وفي أبريل 1968 اتصل بي فريق إنجليزي يعد لعمل وثائقي ويرغب في إجراء مقابلة معي. هكذا التقينا للمرة الثانية. غير أن وجهه كان يوحي لي بسابق معرفة، ومن كان أبوه. هذا اللقاء الذي كان مفترضاً ألا يتعدّى الساعة الواحدة امتد لست وثلاثين سنة. ومستشاري، وأحد أصدقائي المقربين
بوجه خاص. يوماً بعد يوم كنت أرى أرضنا تُغير وجهها. طرق الأسفلت تحل محل مسارات الرمال. في الباطن حل المطار الذي كنا في أمس
الحاجة إليه مكان المعقل والشريط الرملي الذي كان يستخدم كمدرج للهبوط ومطار ، لن يتأخر في الخروج من الرمال. وعلى طرف شمال-شرق الجزيرة يوشك أن يظهر مرفاً جديد والممر المعبد بالحجارة والطين المجفّف الذي أمرت ببنائه في المقطع قبل بضع سنوات لم يعد سوى ذكرى يمتد مكانه اليوم جسر رائع بطول ثلاثمائة
متر، ونسجت في ظلالها ذكريات وملاحم وحكايات. والمدارس الأولى للبنين، المدارس الأولى للبنات. كلها تقدم بالمجان. خصصت لكل منهم . ستة دولارات يومياً. آخر بمواصفات دولية، لن يتأخر في الخروج من الرمال. وعلى طرف شمال-شرق الجزيرة يوشك أن يظهر مرفاً جديد والممر المعبد بالحجارة والطين المجفّف الذي أمرت ببنائه في المقطع قبل بضع سنوات لم يعد سوى ذكرى يمتد مكانه اليوم جسر رائع بطول ثلاثمائة متر، ونسجت في ظلالها ذكريات وملاحم وحكايات. والمدارس الأولى للبنين، المدارس الأولى للبنات. ومطعم التلاميذ والكتب المدرسية، كلها تقدم بالمجان. مراكز تجارية وسفارات تفتح أبوابها. وقصر العدل، والمجمع الرياضي، ومؤسسة ثقافية شبكات الكهرباء والماء، والهاتف، وهذا الرقم سوف يتضاعف أربع مرات في غضون عشرين سنة. يوماً ما، الأمية، المرض، التي تعاودني بلا انقطاع: «من الآن فصاعداً أنت تملك السلطة لرفع مكانة بلادنا إلى أعلى ذُرى المعرفة والتقدّم أقدِمْ، متاحف جامعات. وكل منها ساهم بطريقته، نهضة بلادي. لم يكونوا من كبار المهندسين، ولا الخبراء، من يتذكر ماما زُليخة؟ واسمها الحقيقي الدكتورة زُليخة داوود. كانت أول طبيبة هندية تأتي للعمل عندنا. لم تكن قد سمعت بالمنطقة قبل أن تحط بها الطائرة على مدرج الهبوط الرملي لسلاح الجو البريطاني في الشارقة. كان ذلك في عِزّ الصيف في 20 أغسطس 1964، «كان الطقس حاراً جداً، قبل ذلك كانت هي وزوجها يعملان في مستشفى البعثة الأمريكية في الكويت. تداوي أصابع الصيادين التي اخترقتها الصنارات، شربوا الكيروسين خطأ. وكان عليها أن تواجه كل الحالات الطبية الطارئة: ولادة لدغ الأفاعي كسور، التهاب الرئة. في الحقيقة لم يكن لديها إلا القليل من الأدوات التي تسمح بتشخيص صحيح للمرض فكانت تعتمد على حدسها بوجه خاص. بارك الله ماما زُليخة. وكيف أنسى الدكتورة فروك هيرد بك، تلك السيدة الكبيرة، التي حملتها ريح طيبة إلى شواطئنا عام 1967؟ بعد دراسة باهرة في برلين تزوجت وتبعت زوجها، دافيد هيرد، مهندس البترول الذي جاء لاستكشاف آبارنا. كنت قرّرت للتو إنشاء مركز الوثائق والبحوث بغية جمع كل الكتابات المتعلقة بتاريخ بلادنا والخليج عامة. ورأيت أن من الضروري أن تحتفظ الأجيال الجديدة بأثر من ماضينا. ونظراً لعدم وجود مكان مناسب اخترت لهذا المركز جناحاً كبيراً في قصر الحصن. في الحقيقة كانت فكرة إنشاء هذا المركز بإيحاء من المؤرخ المصري الدكتور محمد مرسى عبد الله الذي كان يعمل آنذاك في الدوحة بقطر. عام 1966 كان في لندن حيث دعي للمشاركة في ندوة نظمها عدد كبير من المستشرقين الذين كان يقلقهم انسحاب البريطانيين قريباً من الخليج. في أثناء إقامته هذه علم أن مكتبة مكتب الهند جمعت آلاف الوثائق والمعاهدات والمراسلات المتعلقة بمنطقتنا. على الفور خطرت للدكتور عبد الله فكرة: «لماذا لا يُنشأ هذا النوع من المكتبات في أبوظبي؟». عرض فكرته على أحد أصدقائي الذي كان في الوقت نفسه من معاوني المقربين: أحمد خليفة السويدي، لم تكن الثقافة كلمة بسيطة في نظره بل كانت وظيفته، أدرك السويدي على الفور أهمية هذا المشروع. عرضه
جداً علي فوافقت في البداية كان هذا المركز – المتواضع - مؤلفاً من الدكتور عبد الله وثلاثة موظفين فقط، بما فيهم مقدم القهوة. وكان مكتبي ومكتب السويدي متلاصقين تقريباً. تصادف فيه بدواً يحملون صقورهم على قبضاتهم، وجمالين، وسياسيين أجانب وياسر عرفات أو ليلى خالد، وطلاب حاجات بوجه خاص ينتظرون أن أستقبلهم. وكان بعض الزوّار يستعيرون كتباً ثم يختفون عن الأنظار. درست التاريخ كتبت رسالتها للدكتوراه عن مصير برلين أثناء الاضطرابات السياسية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى. قيل لها إنها يمكن أن تجد في المركز معلومات عن مرحلة الإمارات المتصالحة فذهبت إليه وسألت الدكتور عبد الله إن كان يسمح لها بمراجعة الكتب الموجودة فوافق من دون تردّد. كيف لا وهو لا يستقبل كل يوم مؤرخة مثلها، ما عدت أدري أفي ذلك اليوم أو بعد فترة اقترحت أن تفرز المؤلفات وتصنّفها. لم يُسعد الاقتراح الدكتور عبد الله فحسب بل خصص لها مرتباً، حتى أنها لا تذكر اليوم مقداره. هكذا كرّست نفسها لهذه المهمة مقيمة علاقات يوم مع علمت مكتبات عامة عالمية مثل مكتبة الكونغرس. ذات أن دار المحفوظات في القاهرة تحتوي على وثائق نفيسة تسرد وقائع الحملة العسكرية التي شنّها محمد علي، نائب السلطان في مصر، لا شك في أن الأمر يتعلق بوثائق مهمة جداً لمن يهتم بتاريخ الخليج. أحالت الأمر على بحاثة إماراتي يُدعى علي التاجر كان يعمل معها في المركز. لماذا؟ بكل بساطة لأن دار المحفوظات لم تكن تمتلك آلة ناسخة. كانت حرب الأيام الستة قد مرّت من هنا وقررت مصر مقاطعة كلّ المنتجات الأمريكية باعتبار أمريكا حليفة دائمة لإسرائيل- ومن بينها المنتجات التي تصنعها شركة كزيروس المشهورة وآلاتها الناسخة. أقنعنا بشراء الآلة الناسخة وتقديمها هدية إلى دار المحفوظات المصرية في القاهرة بعد الحصول على موافقتنا بقي هذا الرجل الخدوم في العاصمة المصرية ينتظر بفارغ الصبر تسليم الآلة. ثم تولى بنفسه تصوير جميع الوثائق، واحدة واحدة، على مدى السنوات السبع والعشرين اللاحقة كان قصر الحصن يعد المنزل الثاني للسيدة هيرد بك. بفضل هذه المرأة المدهشة، إلى مؤسسة الأرشيف الوطني. إن أناساً مثلها، أشخاصاً استثنائيين، أذكر أن الشيخ زايد جاء لزيارتنا في المركز ودعانا لتناول الغداء معه. وأنا فروك هيرد بك المرأة الوحيدة الحاضرة، كان مضيفاً لطيفاً ومتحدثاً طريفاً. يهتم كثيراً بالظباء و الحيوانات عامة وسُرّ بمعرفة أن زوجي يحتفظ ببيضتين في حديقة منزلنا. في ما بعد أنشأ حديقة حيوانات في العين وأشرف شخصياً على إغنائه. أنا وزوجي في مناسبة عيد الفطر نهاية شهر رمضان.


Original text

تلخيص الروايه
اسمي كاتسوهيكو تاكاهاشي".
بدأ كل شي في عام 1967 باتصال هاتفي من سفير اليابان في الكويت: «دكتور كاتسوهيكو، يرغب الشيخ زايد في
لقائك».
كان الأمر يتعلّق حسب الدبلوماسي، بالمساهمة في بناء عاصمة بلد لم أسمع به من قبل: أبوظبي. ولما سألت موظف شركة الطيران الأمريكية عن المكان أجابني: «هذه مدينة
جديدة في الكاريبي.
عندما وصلت في 17 سبتمبر 1967 لاحظت على الفور أنهم بصدد تحويل قرية صيادين إلى مدينة حديثة.
آنذاك كنت في الثلاثين من العمر. حصلت للتو على دبلوم الهندسة من المدرسة العليا للهندسة المعمارية بجامعة كولومبيا، في نيويورك. في تلك السِّنّ يغلب على المرء الطيش والصلف الملازمان .للشبيبة. وما زلت أسمعني أردّ على الشيخ زايد يوم أطلعني على أفكاره قائلا له: «لقد وظفتني لأني أملك الخبرة التي لا تملكها أنت، عليك إذن أن تُصغي إلي». حين أفكر في ما قلته أجد به أنني كنت بلا شك مجنوناً. وبصفتي سليل عائلة عريقة من المحاربين اليابانيين القدماء، الساموراي، أُعلم أن من يتجرأ على شوغون»، كما فعلت أنا مع الشيخ زايد يصبح مجبراً على الانتحار بطريقة الهاراكيري. لكن في ذلك الوقت كان معظم المستشارين المحيطين بالشيخ زايد يمتدحون بانتظام كلّ ما يقترحه ولا أحد يجرؤ
على معارضته أتخيّل إذن أنه بدل أن يشجب صراحتي . كان يجب أن تعجبه. كان الرجل المعيّاً ومنفتح الذهن على نحو لا يُصدق. لكن غالباً ما كنا على خلاف. أنا متأثر بالمعمار الحديث وفقاً لأسلوب كوربوزييه» في البناء، وهو لا يميل إلى الضخامة المشهدية إطلاقاً. كان يريد عاصمة للناس وليس العكس. أولوياته تتلخص في بضع كلمات: الأمن، الصحة، التعليم. ولكم أمضينا من أيام بأكملها ونحن نتجادل في تصاميم أعرضها عليه رسومات، ومخططات جمالية عمرانية. ولما كان متأثراً بما شاهده في نيويورك كان يريد أن يعطي مدينته جادات عريضة، مستقيمة، ولا يكف عن إسماعي عبارته المفضّلة: «الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين». لم تكن هذه وجهة نظري.
أصبحت علاقتنا أكثر تعقيداً يوم اقترحت عليه نقل العاصمة إلى منطقة المفرق، وتحويل الجزيرة (حيث العاصمة الأصلية) إلى مواقع سياحية مؤلّفة من فيلات ومرفأ يصلها باليابسة طريق اسفلتي. والمؤسف أن هذه الفكرة لم ترق للشيخ زايد
الذي لم يرفضها فحسب بل رفض حتى النقاش فيها.
أغلب الظن أن هذه الفكرة كانت أحد الأسباب التي أدت إلى إنهاء تعاوننا. أزعم أيضاً أن الشيخ كان قد سَئِمَ الاعتماد على مترجم وصار يفضل التعامل مع مهندس يتكلم اللغة العربية. الخلاصة أن إقامتي في أبوظبي دامت أقل من سنة، ولا ، ريب في أنها كانت من أكثر المراحل التي أفدت فيها علماً وخبرة وتثقيفاً في حياتي المهنية. ولقد خرجت برصيد لا بأس به: قسم من شبكة الطرق، وبناء الطريق البحري (الكورنيش) و كما كان الشيخ يرغب - الكثير من المساحات الخضراء.


ما قاله الدكتور كاتسوهيكو صحيح. كان نقل عاصمتنا يبدو لي أمراً ناشزاً ومضطرباً. فيها عاش أسلافنا. وفيها أرسى تاريخنا جذوره وتحويل الجزيرة إلى مصيف أمر لا يُعقل. في الحقيقة كان تاكاهاشي أشبه بجرّاح -مهندس. عندما كنت أقول له: «لا أريد هذا» أو «ألغ ذاك» كان يغضب، ويجيبني: «إذن، يا صاحب السموّ، إن فعلتُ أنا ما تريد أنت فلن يكون هذا مشروعي بل مشروعك». أفليس هذا هو الأمر البديهي؟ نعم، سيكون مشروعي. لكن لا جدال في أنه كان، وسيبقى، مهندساً موهوباً.
وكان أن توجهت نحو منظمة الأمم المتحدة للتنمية. هذه المرة كنت أريد مهندساً عربياً مختصاً بتخطيط المدن.
لقد مللت الاستعانة بمترجم دائماً. ثم إن اللغة كلما كانت غنية كانت أكثر استعداداً للتعبير والإبداع، وتلك هي حال اللغة العربية. أياً تكن مقدرة من يتولى الترجمة لا بد أن تفوته الفروق الدقيقة دائماً. والحال أن ثمة حروباً تنشب من جراء كلمة أو تعبير أسيئت ترجمته.
اقترحت على الأمم المتحدة مهندساً معمارياً. هو الدكتور عبد الرحمن حسنين مخلوف، ابن مفتي القاهرة الأكبر، فوافقت. وصل في نوفمبر 1968 وكنت يومها في جنيف لحضور اجتماع حول الخلاف الحدودي مع جيراننا، الذي لم يكن قد حُلّ بعد.لم يُضع الدكتور مخلوف وقته منذ اللحظة التي حلّ فيها عندنا. بدأ على الفور بمسح الأراضي ورسم المخططات.


وفي هذا نقطة إيجابية لصالحه في نظري. التقينا للمرة الأولى أمام فندق إنتركونتنتال المبني حديثاً قبالة البحر، بعيداً عن الوسط نسبياً. جلسنا على الرمل فبادرته بالقول إنني، مع الأسف، لا أملك أي تصميم للعاصمة. أجابني بأن هذا لا يطرح أي مشكلة وأنه قادر على وضع تصميم في مهلة أسبوعين. أعترف بأنني بدوت كالمتشكك. غير أن هذا ما فعله مستعيناً بالمخطوطات الإجمالية التي وضعها من سبقوه، لم ينجح في احترام المهلة التي التزم بها فحسب بل نجح أيضاً في تحويل وحدات القياس الأنجلو-سكسونية إلى النظام المتري. حظي الرجل بتقديري فوراً. من بين كلّ مخططي المدن الذين قاربتهم لا شك في أن مخلوف كان أكثر من وثقت به، بكل موضوعية. لا أظن أن ثقتي به كانت لكونه عربياً ولا لكونه مسلماً، فأنا لم أعلق قط أهمية على الانتماء الديني أو القومي لأي شخص، ولا على أصوله، ولا على لون بشرته. ذلك أننا خلق الله وخياره جميعاً.
كان مخلوف متأثراً جداً بالفيلسوف اليوناني أرسطو الذي كان يرى أن الدولة المثالية يجب أن تكون من أجل سعادة مواطنيها في المقام الأول. وتخطيط المدن مهمة إجتماعية قبل كلّ شيء.
كان لمخلوف معلّمون درسوا في جامعات فرنسا وليس إنجلترا وهم من كبار المهندسين المصريين. نصحه أحدهم بالذهاب إلى ألمانيا والانتساب إلى جامعة ميونيخ. آنذاك كانت عملية إعادة الإعمار قائمة على قدم وساق في ألمانيا التي دمرتها الحرب. وقد نصحه مُرشده: «إذا أردت أن ترى التخطيط الحضري وهندسة المستقبل فهناك!». وهناك عاش مخلوف أربع سنوات طالباً في جامعة ميونخ حيث نال شهادة الماجستير. وقد أعجب أيما إعجاب بفعالية الألمان، وطاقاتهم، وجديتهم. كانوا يعرفون ماذا الذي يريدون وكيف يصلون إلى الهدف المحدّد. كما تأثر بحماية الناس المشاركين في أشغال إعادة الإعمار و الاهتمام الذي يولونه لإعادة بناء مدنهم كما كانت قبل الحرب. وقرّ في ذهني أن تلك التجربة قد وسمته بطابعها يشهد على ذلك عمله عندنا.
سرعان ما عيّنته رئيساً لدائرة تخطيط المدن، وهو منصب شغله بكفاءة عالية شرّفه بها. كان يرى أن عاصمتنا يجب أن تكون قادرة على استيعاب 250 ألف ساكن، وهو ما يتعارض مع تقرير وضعته أراب يكون يغطي الفترة 1975-1965 وفيه إنترناشيونال المحدودة، ومقرها لوس أنجلوس. في موازاة ذلك نجحت في إحاطة نفسي بشخصيات ذات كفاءة عالية، أمثال الدكتور عدنان الباجه جي. شغل الرجل في الفترة –1959 1965 منصب وزير خارجية العراق، ثم عُيّن سفيراً لدى الأمم المتحدة. عاش في المنفى بعد عام 1971 ولجأ إلينا. ونظراً لما يتمتع به من مكانة وخبرة دبلوماسية، وللعلاقات الواسعة التي نسجها على المستوى الدولي خلال حياته المهنية، لم أتأخر في تعيينه وزير دولة. شخصية أخرى، عزيزة علي، رافقتني أيضاً في مسيرتي الطويلة.
تقاطعت طريقها مع طريقي بمحض المصادفة للمرة الثانية. لكن ما المصادفة إن لم تكن مشيئة الله الخفية؟ أؤكد : للمرة الثانية»، لأنّ الأولى كانت في عام 1966 عندما زرت سفارة الأردن في لندن. هناك التقيته. هو ابن السفير، وكان يُعد رسالة لنيل الماجستير في الاقتصاد. ونظراً لما يتصف به من حياء لن أذكر اسمه وسأدعو تشيبي".
كان، مثل أبيه، من أصل فلسطيني، وقد ولد في القدس. بعد حرب 1967 لم يعد بإمكانه العودة إلى بلاده، فقرر القدوم
إلينا للعمل في مؤسسة بناء عائلية صغيرة أنشئت حديثاً. أظن أدركت أنه غير مؤهل لهذا النوع من العمل. ولما كان يتكلم عدة لغات من بينها الفرنسية والإنجليزية فقد عرض خدماته على بعض الصحف على أساس العمل بالقطعة، ومنها صحيفة الفايننشال تايمز وفي أبريل 1968 اتصل بي فريق إنجليزي يعد لعمل وثائقي ويرغب في إجراء مقابلة معي. كان المنتجون يبحثون عن مترجم. وكان نشيبي هو الرجل المثالي. هكذا التقينا للمرة الثانية. لم أتعرف إليه فوراً. غير أن وجهه كان يوحي لي بسابق معرفة، ولفت انتباهه إلى ذلك فذكرني بمروري بلندن، ومن كان أبوه. هذا اللقاء الذي كان مفترضاً ألا يتعدّى الساعة الواحدة امتد لست وثلاثين سنة. لم يتركني نشيبي قط. شغل منصب مدير الإعلام، وأصدر أول صحيفة باللغة الإنجليزية فى بلادنا الناشئة. جاب العالم معي. وكان حافظ سري، ومستشاري، وأحد أصدقائي المقربين
بوجه خاص.
يوماً بعد يوم كنت أرى أرضنا تُغير وجهها. طرق الأسفلت تحل محل مسارات الرمال. في حيّ العريش القديم تقوم مبان جديدة بدل العرشان. في الباطن حل المطار الذي كنا في أمس
الحاجة إليه مكان المعقل والشريط الرملي الذي كان يستخدم كمدرج للهبوط ومطار ،آخر بمواصفات دولية، لن يتأخر في الخروج من الرمال. وعلى طرف شمال-شرق الجزيرة يوشك أن يظهر مرفاً جديد والممر المعبد بالحجارة والطين المجفّف الذي أمرت ببنائه في المقطع قبل بضع سنوات لم يعد سوى ذكرى يمتد مكانه اليوم جسر رائع بطول ثلاثمائة
متر، وأربعة مسالك.
وكنت في خضم كل ذلك حريصاً على عدم اقتلاع أشجار أرضنا التي تفيأنا بها وتحملت معنا قسوة الحياة، ونسجت في ظلالها ذكريات وملاحم وحكايات.
هنا وهناك تنتصب واجهات الفنادق الأولى، والمستشفيات الأولى، وصالات السينما الأولى، والمدارس الأولى للبنين، وكما وعدت زوجتي، المدارس الأولى للبنات. الملابس ذات الزي الموحد، ومطعم التلاميذ والكتب المدرسية، كلها تقدم بالمجان. وتشجيعاً للتلاميذ على المواظبة في الحضور
خصصت لكل منهم . ستة دولارات يومياً.الحاجة إليه مكان المعقل والشريط الرملي الذي كان يستخدم كمدرج للهبوط ومطار ،آخر بمواصفات دولية، لن يتأخر في الخروج من الرمال. وعلى طرف شمال-شرق الجزيرة يوشك أن يظهر مرفاً جديد والممر المعبد بالحجارة والطين المجفّف الذي أمرت ببنائه في المقطع قبل بضع سنوات لم يعد سوى ذكرى يمتد مكانه اليوم جسر رائع بطول ثلاثمائة متر، وأربعة مسالك.
وكنت في خضم كل ذلك حريصاً على عدم اقتلاع أشجار أرضنا التي تفيأنا بها وتحملت معنا قسوة الحياة، ونسجت في ظلالها ذكريات وملاحم وحكايات.
هنا وهناك تنتصب واجهات الفنادق الأولى، والمستشفيات الأولى، وصالات السينما الأولى، والمدارس الأولى للبنين، وكما وعدت زوجتي، المدارس الأولى للبنات. الملابس ذات الزي الموحد، ومطعم التلاميذ والكتب المدرسية، كلها تقدم بالمجان. وتشجيعاً للتلاميذ على المواظبة في الحضور خصصت لكل منهم . ستة دولارات يومياً.مراكز تجارية وسفارات تفتح أبوابها. وفي الموازاة تنبثق مبان ضخمة كالمسرح الوطني، وقصر العدل، والمجمع الرياضي، ومؤسسة ثقافية شبكات الكهرباء والماء، والهاتف، والصرف الصحي تنتشر سريعاً. وفي عام 1977 تم إحصاء خمسة آلاف مزرعة، وهذا الرقم سوف يتضاعف أربع مرات في غضون عشرين سنة.
ولما كنت مدافعاً متحمّساً عن التعليم فقد وضعت نظاماً للمنح الدراسية يسمح للطلاب المتفوقين بدخول أفضل الجامعات في إنجلترا وفرنسا، والولايات المتحدة.
ذات يوم وأنا في العين مع صديقي فارس، أشرت إلى فضاء مزدحم بالنخيل وأعلنت: «هنا، يوماً ما، ستقوم مدرسة، وهناك مستشفى».
رؤيتي كانت في طريقها للتحقق.لقد واجهت تحدياً ضد الزمن، الفقر، الأمية، المرض، كلمات تدعمني زوجتي، فاطمة، التي تعاودني بلا انقطاع: «من الآن فصاعداً أنت تملك السلطة لرفع مكانة بلادنا إلى أعلى ذُرى المعرفة والتقدّم أقدِمْ، أقدم على وجه السرعة! ابن لنا مدارس كليات، متاحف جامعات...».
كلما عاينت التحوّل الكبير الذي أطلقت له العنان تحضرني، كالتماعات الضوء، وجوه أشخاص بقيت مغفلة زمناً طويلاً، وكل منها ساهم بطريقته، وبكل تواضع، في
نهضة بلادي.
لم يكونوا من كبار المهندسين، ولا الخبراء، ولا الاقتصاديين، بل هم أناس بسطاء ميزتهم الأولى الكرم وعظمة الروح. من يتذكر ماما زُليخة؟ واسمها الحقيقي الدكتورة زُليخة داوود. كانت أول طبيبة هندية تأتي للعمل عندنا. وهي، مثل كثيرين، لم تكن قد سمعت بالمنطقة قبل أن تحط بها الطائرة على مدرج الهبوط الرملي لسلاح الجو البريطاني في الشارقة. كان ذلك في عِزّ الصيف في 20 أغسطس 1964، «كان الطقس حاراً جداً، حتى لقد ظنت أنها تهبط في فوهة بركان». قبل ذلك كانت هي وزوجها يعملان في مستشفى البعثة الأمريكية في الكويت. ولم تكن تعرف من اللغة العربية إلا بعض الجمل الأساسية. كرّست كل وقتها للعمل من دون انقطاع، من الفجر إلى النجر، تداوي أصابع الصيادين التي اخترقتها الصنارات، أو الأطفال الذين، لعدم توافر الماء، شربوا الكيروسين خطأ. وكان عليها أن تواجه كل الحالات الطبية الطارئة: ولادة لدغ الأفاعي كسور، جُدري، التهاب الرئة. في الحقيقة لم يكن لديها إلا القليل من الأدوات التي تسمح بتشخيص صحيح للمرض فكانت تعتمد على حدسها بوجه خاص. طبقت سمعتها الآفاق حتى كان المرضى يقصدونها من مسقط طلباً للعلاج.
بارك الله ماما زُليخة. هي في قلوبنا دائماً.
وكيف أنسى الدكتورة فروك هيرد بك، تلك السيدة الكبيرة، التي حملتها ريح طيبة إلى شواطئنا عام 1967؟ بعد دراسة باهرة في برلين تزوجت وتبعت زوجها، دافيد هيرد، مهندس البترول الذي جاء لاستكشاف آبارنا.
كنت قرّرت للتو إنشاء مركز الوثائق والبحوث بغية جمع كل الكتابات المتعلقة بتاريخ بلادنا والخليج عامة. ورأيت أن من الضروري أن تحتفظ الأجيال الجديدة بأثر من ماضينا.ونظراً لعدم وجود مكان مناسب اخترت لهذا المركز جناحاً كبيراً في قصر الحصن.
في الحقيقة كانت فكرة إنشاء هذا المركز بإيحاء من المؤرخ المصري الدكتور محمد مرسى عبد الله الذي كان يعمل آنذاك في الدوحة بقطر.
عام 1966 كان في لندن حيث دعي للمشاركة في ندوة نظمها عدد كبير من المستشرقين الذين كان يقلقهم انسحاب البريطانيين قريباً من الخليج. في أثناء إقامته هذه علم أن مكتبة مكتب الهند جمعت آلاف الوثائق والمعاهدات والمراسلات المتعلقة بمنطقتنا. على الفور خطرت للدكتور عبد الله فكرة: «لماذا لا يُنشأ هذا النوع من المكتبات في أبوظبي؟». عرض فكرته على أحد أصدقائي الذي كان في الوقت نفسه من معاوني المقربين: أحمد خليفة السويدي، الأديب والشاعر الكبير المولع بالتراث الشعري العربي. لم تكن الثقافة كلمة بسيطة في نظره بل كانت وظيفته، فضلاً عن أنه يشاطرني الشغف بالمتنبي.أدرك السويدي على الفور أهمية هذا المشروع. عرضه
جداً علي فوافقت في البداية كان هذا المركز – المتواضع - مؤلفاً من الدكتور عبد الله وثلاثة موظفين فقط، بما فيهم مقدم القهوة. في الطابق الأول غرفة مخصصة للتليكس بإشراف هندئين من كيرالا. وكان مكتبي ومكتب السويدي متلاصقين تقريباً. في هذا الطابق حركة المجيء والذهاب لا تنقطع. تصادف فيه بدواً يحملون صقورهم على قبضاتهم، وجمالين، وسياسيين أجانب وياسر عرفات أو ليلى خالد، المقاومة الفلسطينية، وطلاب حاجات بوجه خاص ينتظرون أن أستقبلهم. وكان بعض الزوّار يستعيرون كتباً ثم يختفون عن الأنظار. كانت المرة الأولى التي تخطت فيها الدكتورة فروك هيرد بك عتبة قصر الحصن بعد سنة أو سنتين من قدومها إلى البلاد. كانت في الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين. درست التاريخ كتبت رسالتها للدكتوراه عن مصير برلين أثناء الاضطرابات السياسية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى.
قيل لها إنها يمكن أن تجد في المركز معلومات عن مرحلة الإمارات المتصالحة فذهبت إليه وسألت الدكتور عبد الله إن كان يسمح لها بمراجعة الكتب الموجودة فوافق من دون تردّد. كيف لا وهو لا يستقبل كل يوم مؤرخة مثلها، فضلاً عن أنها مؤرخة بارزة. ولم تكن السيدة هيرد بك بحاجة إلى وقت طويل حتى تكتشف أنها وقعت على كنز حقيقي. ما عدت أدري أفي ذلك اليوم أو بعد فترة اقترحت أن تفرز المؤلفات وتصنّفها. لم يُسعد الاقتراح الدكتور عبد الله فحسب بل خصص لها مرتباً، ضئيلاً، حتى أنها لا تذكر اليوم مقداره.
هكذا كرّست نفسها لهذه المهمة مقيمة علاقات يوم مع علمت مكتبات عامة عالمية مثل مكتبة الكونغرس. ذات أن دار المحفوظات في القاهرة تحتوي على وثائق نفيسة تسرد وقائع الحملة العسكرية التي شنّها محمد علي، نائب السلطان في مصر، على شبه الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر. لا شك في أن الأمر يتعلق بوثائق مهمة جداً لمن يهتم بتاريخ الخليج. أحالت الأمر على بحاثة إماراتي يُدعى علي التاجر كان يعمل معها في المركز. تحمّس الرجل للفكرة واقترح أن يذهب بنفسه إلى القاهرة لكي يحصل من السلطات المصرية على إذن بتصوير الوثائق المعنية. رُفض طلبه. لماذا؟ بكل بساطة لأن دار المحفوظات لم تكن تمتلك آلة ناسخة. كانت حرب الأيام الستة قد مرّت من هنا وقررت مصر مقاطعة كلّ المنتجات الأمريكية باعتبار أمريكا حليفة دائمة لإسرائيل- ومن بينها المنتجات التي تصنعها شركة كزيروس المشهورة وآلاتها الناسخة.
لم ينل ذلك من عزم علي التاجر. فكر في حيلة لتجاوز هذه العقبة. أقنعنا بشراء الآلة الناسخة وتقديمها هدية إلى دار المحفوظات المصرية في القاهرة بعد الحصول على موافقتنا بقي هذا الرجل الخدوم في العاصمة المصرية ينتظر بفارغ الصبر تسليم الآلة. ثم تولى بنفسه تصوير جميع الوثائق، واحدة واحدة، وعاد إلينا ظافراً.
على مدى السنوات السبع والعشرين اللاحقة كان قصر الحصن يعد المنزل الثاني للسيدة هيرد بك. قامت وحدها بفرز آلاف الكتب المتراكمة وترقيمها وترتيبها على رفوف استوردتها من ألمانيا.
هذا المركز الذي كان في البداية مجرد مكتب متواضع للتوثيق تحوّل في النهاية، بفضل هذه المرأة المدهشة، إلى مؤسسة الأرشيف الوطني. إن أناساً مثلها، أشخاصاً استثنائيين،
هم الذين ساعدوا على التعريف بالوجه الحقيقي لبلادي".
أذكر أن الشيخ زايد جاء لزيارتنا في المركز ودعانا لتناول الغداء معه. وأنا فروك هيرد بك المرأة الوحيدة الحاضرة، وجدتني جالسة إلى جانبه ما يعني أن لدى الشيخ ذهنية منفتحة وبعد نظر. كان مضيفاً لطيفاً ومتحدثاً طريفاً. يهتم كثيراً بالظباء و الحيوانات عامة وسُرّ بمعرفة أن زوجي يحتفظ ببيضتين في حديقة منزلنا. في ما بعد أنشأ حديقة حيوانات في العين وأشرف شخصياً على إغنائه. دائماً ما كنا ندعى، أنا وزوجي في مناسبة عيد الفطر نهاية شهر رمضان. ما عدت أدري لماذا لم أستطع ذات عام حضور هذه المناسبة، فذهب زوجي دافيد وحده عندما وصل إلى قصر الحصن رفض الحراس السماح له بالدخول كانت هذ المرة الأولى التي يأتي فيها وحده وفي نظر الحرّاس كنت أنا الزائرة الرسمية.
طبعاً، بادر الشيخ زايد على الفور إلى القيام باللازم لكي
يسمحوا له بالمرور. كان زمناً جميلاً.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

لم ير الخلفاء ا...

لم ير الخلفاء الراشدون، رضوان الله عليهم اشتغال الناس بتدوين السنة النبوية، صرفاً لعناية الكتبة إلى ...

Over the past 6...

Over the past 60 years, DNA has risen from being an obscure molecule with presumed accessory or stru...

M. Morris Mano ...

M. Morris Mano is a renowned engineer and professor famous for his book 'Digital Design.' The third ...

I am a travel e...

I am a travel enthusiastic person, hence I have travelled to a lot of places and countries, whether ...

ولكل نوع من أنو...

ولكل نوع من أنواعه وصف فني خاص به يتحدد بهدف استخدامه. تعد مهارات ركل الكرة إحدى أهم مهارات كرة القد...

طرأت ظروف خلال ...

طرأت ظروف خلال السنوات الخمس التي سبقت توقيع المعاهدة عام 1994 وبصورة جذرية على خريطة الشرق الأوسط ا...

كالأقاليم الصحر...

كالأقاليم الصحراوية، فإن الأمطار في الكويت تتميّز بندرتها وتفاوتها في الزمان والمكان، ويعتبر الجفاف ...

الملخص ٢… تلخي...

الملخص ٢… تلخيص المبحث الأول هو عن بداية الصراع بين الديانتين اليهودية والنصرانية في أوروبا وتأثير ...

The gravimetric...

The gravimetric method is probably the most widely used method of inhibition assessment. The simpli...

ما هي الابستمول...

ما هي الابستمولوجيا ؟ الأبستمولوجيا هي فلسفة العلم التي تهتم بدراسة كيفية اكتساب المعرفة وتحقيق الا...

When you’re smi...

When you’re smiling, it may feel like the whole world is smiling with you, but a new study suggests ...

تُعرَّفُ الخَلِ...

تُعرَّفُ الخَلِيَّةُ[1] عادةً بأنها أصغرُ وَحْدَةٍ حَيَّةٍ، وأنها الوحدةُ البِنْيَوِيَّةُ والوَظِيفِ...