Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (53%)

كيف ستحدث النهضة العربية والإسلامية؟ 
شكلت القيم والمبادئ الكبرى، التي مثَّلت غطاءً أخلاقيًا وموجهًا فكريًا للتنوير والحداثة، أحد المقومات التي أسهمت في انتشار مقولاتها على مستوى العالم، يحمل في جانب منه قيمًا إنسانية للانتقال بالإنسان والمجتمعات من وضعية التقليد، وما ظلت تحكمه من أنساق ثقافية واجتماعية إلى وضعية ترتقي بالإنسان، في أنساق ونظم تعترف بكينونته وتمنحه رتبة القداسة في التاريخ، من خلال مرتكزات العقلانيّة والحرية والفردانية والديمقراطية والمساواة، وغيرها من القيم الرئيسية التي يرتكز عليها مشروع الحداثة بالنسبة للإنسان الفرد والمجتمعات الحديثة أساسًا.لكن هذا المشروع الذي بشّر الإنسان الحديث بجملة من التطلعات، تتكشّف مخرجاته منذ عقود، في نزعات تدميرية للإنسان والمجتمعات التي تختلف مرتكزاتها الثقافية والقيمية وإراداتها السياسية عن المنحى الذي ترسمه بعض القوى المهيمنة على أدوات إنتاج الحضارة إلى حدود اليوم، والتي تقود العالم اقتصاديًا وقانونيًا وسياسيًا وثقافيًا.لعلّ الصراعات والحروب والنزاعات- في عالم المسلمين ورعاية الاستعمار والاستيطان في العالم الثالث برمته- كاشفةٌ عن مدى التناقضات التي حملها مشروع التحديث طوال القرون التي مضت، وهي ليست أعراضًا ترتبط بصراع المصالح والنزاعات السياسية والعسكرية، يحمل المشروع معه خطيئة الولادة على مُستوى الجينات التي يتشكل منها.أين يتجلّى ذلك؟ وما هي تمظهراته على مستوى التاريخ الحديث والواقع؟ وكيف تؤثر نظرته المعادية للآخر والرافضة له في بعض تجلياته مع الاستعمار ومناهضة تحرّر الشعوب واستقلالها وسيادتها على العلاقة بين الثقافات والشعوب والحضارات. وبشكل أدقّ على العلاقة بين الشرق والغرب؟
المجال التداولي العربي الإسلامي والحداثة. الحاجة إلى النقد وضرورات الاستئناف
لا يهم كثيرًا الوقوف على الدلالات اللغوية والاصطلاحية لمفاهيم من قبيل التنوير والحداثة، فقد أصبحت شائعة الاستعمال، كما لا يهم الدخول في توصيف أكاديمي للانتقالات المعرفية التي مرت منها نماذج الحداثة وإرادة التنوير.إنما تهمنا هنا الجوانب التأسيسية التي تستبطن تناقضات جوهرية في مشروع الحداثة برمته، وهي الجوانب التي يتفاعل معها العالم العربي والإسلامي، وظلت موضع احتفاء ثقافي وفكري من طرف لفيف من النخبة والمثقفين، باعتبار أن وسيلة التقدم هي خوض تجربة النقد المتعدد، والانخراط في العصر من خلال التخلص من التراث وكل ما تكتنزه الثقافة العربية، ذلك أن هذه الأخيرة تستبطن أزمة ذاتية،لقد انتبه النقاد جيدًا- عقب هزيمة يونيو/ حزيران مع الرعيل الثاني من رواد الفكر النهضوي العربي- إلى التراث كعامل ينبغي الاشتغال عليه، وهو نقد يتأرجح بين التطرف في النقد بأدوات أيديولوجية وليست علمية في الأغلب، نظرًا للموقف السلبي المسبق منه، أو النقد المعتدل الذي يعمل على التوليف بين روح العصر، وما يكتنفه التراث من جوانب مستنيرة.لكن ما ينبغي التأكيد عليه أن أغلب هذه الدراسات لم تنشغل نقديًا بالحداثة كثيرًا، حيث كان الانشغال بها من منطلق الرفض الكامل لها، بخلفية تحكَّمَ فيها بعدٌ عاطفي على الأغلب، أو خاضعة للسياق المقاوم للغرب المستعمر وقيمه الثقافية، وأن الإسلام لا يحتاج إلى تنوير أو تجديد،وهذا فيه غربة عن العصر في واقع الأمر، ومن ثم تمنح البعد الحضاري الإسلامي إمكانية الاستئناف بما يقوم بعملية وصل خلاقة بين التراث الحضاري الإسلامي المشرق وقيمه، تصل ذروتها مع معاداة الإنسان والحياة والطبيعة، إذ إن التحولات الكبرى في مسار الحضارات والثقافات والشعوب، ومهما امتلكت الدول أدوات التقنية والتقدم، فإن التجرد من الوازع الأخلاقي يعد مؤشرًا لبداية الانحدار
لقد كان الاستعمار للعالم الإسلامي أهمَ العوامل التي غذّت الرفض، وحجبت عملية النقد الواعية لمشروع الحداثة، ومن ثم شكّل القرن العشرون مقاومة مباشرة للاستعمار، فكانت الثقافة واحدة من أوجه المقاومة والرفض لكل ما يأتي من الضفة الأخرى، بما يعني أن الاستعمار يعد عائقًا من العوائق التي تمنع عملية التثقيف القائمة على الحوار المتبادل بين ثقافات الشعوب وخصوصياتها الحضارية.وبالمثل مثّلت الرؤية- التي تشكلت عقب إدخال العالم الغربي لسياقات الحداثة إلى العالم العربي والإسلامي- نظرة دونية وإقصائية، وغطاء للاستعمار وتبريرًا له؛ بدعوى الفصل بين العالم المتحضر وغير المتحضر، والحقيقة أن التحضر أبعد من الاستعمال السطحي السائد اليوم، بل إن خطاب التحضر منذ استعمالاته الأولى حمل في طياته على الأغلب نزعة همجية في حق الإنسان والحضارة، وظل يفتقر إلى النوازع الأخلاقية والإنسانية.لعلّ الخطاب الرائج على أرض فلسطين المحتلة اليوم، هو العودة إلى هذه السرديات القديمة، ما يضع الغرب أمام اختبار تناقضات في الفلسفة والنموذج الذي يحكم رؤيته للعلاقات بين الشعوب والثقافات،عند تأمل هذه النظرة من قبل الغرب، يتجلى لنا الوجه الحقيقي له وكيف ينظر به للشرق، إذ يعتبر الاستعمار والرغبة في الهيمنة بأدوات العنف المميت أحد أكثر الأوجه بشاعة التي رافقت مشروع التقدم الحديث. كما أنّ السيطرة بالأدوات الناعمة والتحكم في مصائر الشعوب وخياراتها وتذويب مقدراتها الثقافية والرمزية، تشكل عنفًا معنويًا ورفضًا للآخر وما يستبطنه، بل هي رفض للتنوع والتعددية والاختلاف والسعي لفرض رؤية عالمية واحدة، هي رؤية الغرب بكل تأكيد. تصل ذروتها مع معاداة الإنسان والحياة والطبيعة، إذ إن التحولات الكبرى وفي مسار الحضارات والثقافات والشعوب، فإن التجرد من الوازع الأخلاقي يعد مؤشرًا لبداية الانحدار. فإن ما يستبطنه في واقع الأمر على مستوى قيمه الرمزية والثقافية، يشكل باعثًا خلاقًا على الاستئناف النهضوي والحضاري، مستندًا إلى العودة إلى ذاته الحقيقية وهُويته مع التحلي بروح العصر.لذا يكون هذا مخرجًا للإنسانية برمتها من نزعة التدمير من خلال العدوان المادي على الإنسان والحياة، والتفكيك المعنوي للقيم الثقافية؛ قيم الفطرة التي تنتصر للإنسان وتصون كرامته وحريته وتحقق آدميته، وبذلك يُنشئ الغرب نموذجًا جديدًا، يمكن أن تسهم الأحداث الكبرى في تعزيزه، والسماح له بالتخلّق على أنقاض التصورات القديمة الحادة للغرب.قد كانت القدس وقضية فلسطين باستمرار ملهمة للوعي الحضاري العربي والإسلامي على مدى التاريخ باستئناف دورةِ الحضارة والإشراق من جديدٍ، وتحريرٍ جديد للعمران والإنسان في المنطقة برمتها. أي فيما هو أبعد من عالم العرب والمسلمين.السيادة المطلقة للعقل وضمور الحس الأخلاقي
منذ القرن الـ17 حتى هذه اللحظة الراهنة، كان العقل هو الذي يحكم طريقة التفكير في أنساق الحداثة والمشروعات التي قام عليها، هذه المشروعات تُنتج نمطًا من طريقة التفكير والعيش، ولكن في الوقت ذاته وضعت هذه المشروعات الدين جانبًا بما يحمله من وازع أخلاقي دون أن يكون له أي دور حقيقي في تشكيل تلك التصورات والفلسفات.هذه الآلام ناتجة عن الوقوع في المحذور الأخلاقي، حيث خضع الإنسان لهاجس التقدم والسيادة على الإنسان والطبيعة من خلال التوظيف المفرط للعقل دون وقاية أو بواعث أخلاقية، تحكم وتضبط هذه القوة التي يمتلكها،ومن ثم فإن العقل الذي حرّر جملة من المجتمعات في حقبة زمنية، أدى توظيفه السيئ- وما أنتجه في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد وتبرير حيازة القوة المدمرة وغياب الأخلاق- إلى وقوع المجتمعات البشرية تحت الهيمنة والتحكم مع نسق السوق وقيمه التي لا رحمة فيها ولا أخلاق.من هذا المنطلق أصبح عاديًا الحروب وإبادة الإنسان والمجتمعات، مع القدرة على تبرير ذلك. وهذا كان منذ هجرة البيوريتان إلى أميركا وإبادة الهنود الحمر بها، ثم استمرار المد الاستعماري والإمبريالي، التي تعد فلسطين آخر الظواهر الاستعمارية المعمرة والتجليات البارزة منذ تلك الحقبة.وطبعًا قبل ذلك مع الحربين العالميتين اللتين أودتا بحياة ملايين البشر، وهما معًا يمكن عدهما تعبيرًا أصيلًا عن أزمة ناجمة عن بشع في منظومة التنوير والحداثة، التي جعلت التقدم غايتها دون أن تضع له ضوابط وقيمًا أخلاقية، تجعل "الإنسان المكرّم" في صلب هذا التقدم.ختامًا: إن ما يقع في السياق العربي والإسلامي منذ ثلاثة قرون مستمرة من الاستعمار- منذ أن وطِئت خيول نابليون الجامع الأزهر إلى حدود اللحظة الراهنة- هو في واقع الأمر صراع على أرضيتَين ونموذَجين، يقابله رفض مستمر وممانعة للتطويع والخضوع بمختلف أشكال المقاومة. يحاول الغرب التحكم بالأدوات الناعمة، وكان دائمًا السياق العربي في اشتباك مستمر مع تجليات التنوير والحداثة، وأحيانًا أخرى من خلال وسائط ثقافية.هذه التناقضات الكامنة في النموذج الغربي- بين رغبته في الهيمنة واستخدام عنصر القوة والسيطرة من ناحية، وبين رغبته في الحفاظ على صورته ومقولاته المستنيرة في حقوق الإنسان والحريات من ناحية أخرى- تجعل فلسفة التقدم الحديثة بعيدة كل البعد عن البواعث الأخلاقية والقيمية وتجعله يواجه أزمة حقيقية. وهو سياق انهيارات أخلاقية وفلسفية وقيمية كبرى، يجعلنا ذلك أمام ضرورة العودة إلى الذات العربية والإسلامية.


Original text

كيف ستحدث النهضة العربية والإسلامية؟ 
شكلت القيم والمبادئ الكبرى، التي مثَّلت غطاءً أخلاقيًا وموجهًا فكريًا للتنوير والحداثة، أحد المقومات التي أسهمت في انتشار مقولاتها على مستوى العالم، يقدم نفسه باعتباره مشروعًا كونيًا، يحمل في جانب منه قيمًا إنسانية للانتقال بالإنسان والمجتمعات من وضعية التقليد، وما ظلت تحكمه من أنساق ثقافية واجتماعية إلى وضعية ترتقي بالإنسان، في أنساق ونظم تعترف بكينونته وتمنحه رتبة القداسة في التاريخ، من خلال مرتكزات العقلانيّة والحرية والفردانية والديمقراطية والمساواة، وغيرها من القيم الرئيسية التي يرتكز عليها مشروع الحداثة بالنسبة للإنسان الفرد والمجتمعات الحديثة أساسًا.لكن هذا المشروع الذي بشّر الإنسان الحديث بجملة من التطلعات، تتكشّف مخرجاته منذ عقود، في نزعات تدميرية للإنسان والمجتمعات التي تختلف مرتكزاتها الثقافية والقيمية وإراداتها السياسية عن المنحى الذي ترسمه بعض القوى المهيمنة على أدوات إنتاج الحضارة إلى حدود اليوم، والتي تقود العالم اقتصاديًا وقانونيًا وسياسيًا وثقافيًا.لعلّ الصراعات والحروب والنزاعات- في عالم المسلمين ورعاية الاستعمار والاستيطان في العالم الثالث برمته- كاشفةٌ عن مدى التناقضات التي حملها مشروع التحديث طوال القرون التي مضت، وهي ليست أعراضًا ترتبط بصراع المصالح والنزاعات السياسية والعسكرية، وبصيغة أخرى؛ يحمل المشروع معه خطيئة الولادة على مُستوى الجينات التي يتشكل منها.أين يتجلّى ذلك؟ وما هي تمظهراته على مستوى التاريخ الحديث والواقع؟ وكيف تؤثر نظرته المعادية للآخر والرافضة له في بعض تجلياته مع الاستعمار ومناهضة تحرّر الشعوب واستقلالها وسيادتها على العلاقة بين الثقافات والشعوب والحضارات. وبشكل أدقّ على العلاقة بين الشرق والغرب؟
المجال التداولي العربي الإسلامي والحداثة. الحاجة إلى النقد وضرورات الاستئناف
لا يهم كثيرًا الوقوف على الدلالات اللغوية والاصطلاحية لمفاهيم من قبيل التنوير والحداثة، فقد أصبحت شائعة الاستعمال، كما لا يهم الدخول في توصيف أكاديمي للانتقالات المعرفية التي مرت منها نماذج الحداثة وإرادة التنوير.إنما تهمنا هنا الجوانب التأسيسية التي تستبطن تناقضات جوهرية في مشروع الحداثة برمته، وهي الجوانب التي يتفاعل معها العالم العربي والإسلامي، وظلت موضع احتفاء ثقافي وفكري من طرف لفيف من النخبة والمثقفين، باعتبار أن وسيلة التقدم هي خوض تجربة النقد المتعدد، والانخراط في العصر من خلال التخلص من التراث وكل ما تكتنزه الثقافة العربية، ذلك أن هذه الأخيرة تستبطن أزمة ذاتية،لقد انتبه النقاد جيدًا- عقب هزيمة يونيو/ حزيران مع الرعيل الثاني من رواد الفكر النهضوي العربي- إلى التراث كعامل ينبغي الاشتغال عليه، والعودة إليه لنقده في أفق تجاوزه، وهو نقد يتأرجح بين التطرف في النقد بأدوات أيديولوجية وليست علمية في الأغلب، ما يؤدي إلى إلغائه؛ نظرًا للموقف السلبي المسبق منه، أو النقد المعتدل الذي يعمل على التوليف بين روح العصر، وما يكتنفه التراث من جوانب مستنيرة.لكن ما ينبغي التأكيد عليه أن أغلب هذه الدراسات لم تنشغل نقديًا بالحداثة كثيرًا، إلا في بعض الأطروحات الفكرية والفلسفية المعدودة.أو العكس تمامًا، حيث كان الانشغال بها من منطلق الرفض الكامل لها، بخلفية تحكَّمَ فيها بعدٌ عاطفي على الأغلب، أو خاضعة للسياق المقاوم للغرب المستعمر وقيمه الثقافية، وأن الإسلام لا يحتاج إلى تنوير أو تجديد، وأن طريق التقدم في العودة للإسلام.وهذا فيه غربة عن العصر في واقع الأمر، ومن ثم تمنح البعد الحضاري الإسلامي إمكانية الاستئناف بما يقوم بعملية وصل خلاقة بين التراث الحضاري الإسلامي المشرق وقيمه، والعصر الراهن. تصل ذروتها مع معاداة الإنسان والحياة والطبيعة، إذ إن التحولات الكبرى في مسار الحضارات والثقافات والشعوب، كان الوازع فيها أخلاقيًا، ومهما امتلكت الدول أدوات التقنية والتقدم، فإن التجرد من الوازع الأخلاقي يعد مؤشرًا لبداية الانحدار
لقد كان الاستعمار للعالم الإسلامي أهمَ العوامل التي غذّت الرفض، وحجبت عملية النقد الواعية لمشروع الحداثة، ومن ثم شكّل القرن العشرون مقاومة مباشرة للاستعمار، فكانت الثقافة واحدة من أوجه المقاومة والرفض لكل ما يأتي من الضفة الأخرى، بما يعني أن الاستعمار يعد عائقًا من العوائق التي تمنع عملية التثقيف القائمة على الحوار المتبادل بين ثقافات الشعوب وخصوصياتها الحضارية.وبالمثل مثّلت الرؤية- التي تشكلت عقب إدخال العالم الغربي لسياقات الحداثة إلى العالم العربي والإسلامي- نظرة دونية وإقصائية، وغطاء للاستعمار وتبريرًا له؛ بدعوى الفصل بين العالم المتحضر وغير المتحضر، والحقيقة أن التحضر أبعد من الاستعمال السطحي السائد اليوم، بل إن خطاب التحضر منذ استعمالاته الأولى حمل في طياته على الأغلب نزعة همجية في حق الإنسان والحضارة، وظل يفتقر إلى النوازع الأخلاقية والإنسانية.لعلّ الخطاب الرائج على أرض فلسطين المحتلة اليوم، هو العودة إلى هذه السرديات القديمة، ما يضع الغرب أمام اختبار تناقضات في الفلسفة والنموذج الذي يحكم رؤيته للعلاقات بين الشعوب والثقافات، والنظرة إلى الآخر.عند تأمل هذه النظرة من قبل الغرب، يتجلى لنا الوجه الحقيقي له وكيف ينظر به للشرق، إذ يعتبر الاستعمار والرغبة في الهيمنة بأدوات العنف المميت أحد أكثر الأوجه بشاعة التي رافقت مشروع التقدم الحديث. كما أنّ السيطرة بالأدوات الناعمة والتحكم في مصائر الشعوب وخياراتها وتذويب مقدراتها الثقافية والرمزية، تشكل عنفًا معنويًا ورفضًا للآخر وما يستبطنه، بل هي رفض للتنوع والتعددية والاختلاف والسعي لفرض رؤية عالمية واحدة، هي رؤية الغرب بكل تأكيد. تصل ذروتها مع معاداة الإنسان والحياة والطبيعة، إذ إن التحولات الكبرى وفي مسار الحضارات والثقافات والشعوب، كان الوازع فيها أخلاقيًا، فإن التجرد من الوازع الأخلاقي يعد مؤشرًا لبداية الانحدار.أما ما يخص الشرق؛ فإن ما يستبطنه في واقع الأمر على مستوى قيمه الرمزية والثقافية، يشكل باعثًا خلاقًا على الاستئناف النهضوي والحضاري، مستندًا إلى العودة إلى ذاته الحقيقية وهُويته مع التحلي بروح العصر.لذا يكون هذا مخرجًا للإنسانية برمتها من نزعة التدمير من خلال العدوان المادي على الإنسان والحياة، والتفكيك المعنوي للقيم الثقافية؛ قيم الفطرة التي تنتصر للإنسان وتصون كرامته وحريته وتحقق آدميته، وبذلك يُنشئ الغرب نموذجًا جديدًا، يمكن أن تسهم الأحداث الكبرى في تعزيزه، والسماح له بالتخلّق على أنقاض التصورات القديمة الحادة للغرب.قد كانت القدس وقضية فلسطين باستمرار ملهمة للوعي الحضاري العربي والإسلامي على مدى التاريخ باستئناف دورةِ الحضارة والإشراق من جديدٍ، وتحريرٍ جديد للعمران والإنسان في المنطقة برمتها. أي فيما هو أبعد من عالم العرب والمسلمين.مأزق التنوير والحداثة.السيادة المطلقة للعقل وضمور الحس الأخلاقي
منذ القرن الـ17 حتى هذه اللحظة الراهنة، كان العقل هو الذي يحكم طريقة التفكير في أنساق الحداثة والمشروعات التي قام عليها، هذه المشروعات تُنتج نمطًا من طريقة التفكير والعيش، ولكن في الوقت ذاته وضعت هذه المشروعات الدين جانبًا بما يحمله من وازع أخلاقي دون أن يكون له أي دور حقيقي في تشكيل تلك التصورات والفلسفات. حملت معها مشكلات للمستقبل؛ هي ما تعيشه الإنسانية اليوم من آلام لا حصر لها.هذه الآلام ناتجة عن الوقوع في المحذور الأخلاقي، حيث خضع الإنسان لهاجس التقدم والسيادة على الإنسان والطبيعة من خلال التوظيف المفرط للعقل دون وقاية أو بواعث أخلاقية، تحكم وتضبط هذه القوة التي يمتلكها، بل هو أعدل قسمة بين الناس، ومن المقدسات التي يحوزها المرء، خاضعًا لها، يُنفذ ما تمليه عليه دون رادع.ومن ثم فإن العقل الذي حرّر جملة من المجتمعات في حقبة زمنية، أدى توظيفه السيئ- وما أنتجه في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد وتبرير حيازة القوة المدمرة وغياب الأخلاق- إلى وقوع المجتمعات البشرية تحت الهيمنة والتحكم مع نسق السوق وقيمه التي لا رحمة فيها ولا أخلاق.من هذا المنطلق أصبح عاديًا الحروب وإبادة الإنسان والمجتمعات، مع القدرة على تبرير ذلك. وهذا كان منذ هجرة البيوريتان إلى أميركا وإبادة الهنود الحمر بها، ثم استمرار المد الاستعماري والإمبريالي، التي تعد فلسطين آخر الظواهر الاستعمارية المعمرة والتجليات البارزة منذ تلك الحقبة.وطبعًا قبل ذلك مع الحربين العالميتين اللتين أودتا بحياة ملايين البشر، وهما معًا يمكن عدهما تعبيرًا أصيلًا عن أزمة ناجمة عن بشع في منظومة التنوير والحداثة، التي جعلت التقدم غايتها دون أن تضع له ضوابط وقيمًا أخلاقية، تجعل "الإنسان المكرّم" في صلب هذا التقدم.ختامًا: إن ما يقع في السياق العربي والإسلامي منذ ثلاثة قرون مستمرة من الاستعمار- منذ أن وطِئت خيول نابليون الجامع الأزهر إلى حدود اللحظة الراهنة- هو في واقع الأمر صراع على أرضيتَين ونموذَجين، يقابله رفض مستمر وممانعة للتطويع والخضوع بمختلف أشكال المقاومة.من ناحية أخرى، يحاول الغرب التحكم بالأدوات الناعمة، وكان دائمًا السياق العربي في اشتباك مستمر مع تجليات التنوير والحداثة، التي تأتي أحيانًا على ظهر دبابة، وأحيانًا أخرى من خلال وسائط ثقافية.هذه التناقضات الكامنة في النموذج الغربي- بين رغبته في الهيمنة واستخدام عنصر القوة والسيطرة من ناحية، وبين رغبته في الحفاظ على صورته ومقولاته المستنيرة في حقوق الإنسان والحريات من ناحية أخرى- تجعل فلسفة التقدم الحديثة بعيدة كل البعد عن البواعث الأخلاقية والقيمية وتجعله يواجه أزمة حقيقية.السياق الراهن، والمشهد الحالي الذي نواجهه، وهو سياق انهيارات أخلاقية وفلسفية وقيمية كبرى، يجعلنا ذلك أمام ضرورة العودة إلى الذات العربية والإسلامية.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

الإشتياق المفاج...

الإشتياق المفاجئ لشخص ما هو أمر نمر به معظمنا، وقد نشعر بالإستغراب منه، فلماذا نشتاق لهذا الشخص بالذ...

The most common...

The most common physical properties of the binder are penetration value, ductility value, specific g...

WNBA Star Angel...

WNBA Star Angel Reese Sends Clear Message to Her Haters.The star rookie re-shared a message calling ...

Audi of America...

Audi of America recently announced the estimated range specifications and delivery timings for the a...

فإن ما توصلت إل...

فإن ما توصلت إليه الدراسة بأن الوعي ببوابة الحكومة الإلكترونية الأردنية يؤثر بقوة على مستوى الرضا له...

TThe method is ...

TThe method is carried out to mix dry powder materials or combine solutions to mix easily or solve a...

I feel like I d...

I feel like I don’t matter anymore. I mattered before. Once I was loved. I had joy. There was purpos...

يظهر البحث الحا...

يظهر البحث الحالي أن مستخدمي الإنترنت في الأردن يتزايد على المستوى المعلوماتي للحكومة الإلكترونية. و...

جرائم معالجنحي ...

جرائم معالجنحي التلبسي عدد ،73831/85 على أساس الفصل 521 من ق.ج المتعلق بالاختلاس العمدي لقوى كهربائ...

يكمن هدف التدري...

يكمن هدف التدريس في تحقيق النموّ في الجانب المعرفيّ، والجانب النفسيّ، والحركي، والوجدانيّ للفرد، وتم...

نشاط : مشاركة ا...

نشاط : مشاركة المرأة في الاحزاب السياسية. اختر أحد الأحزاب السياسية التي ترغب في الانضمام إليها أو ...

in their state ...

in their state of language acquisition. If they use the plural marker and answer “wugs”, which is pr...