Online English Summarizer tool, free and accurate!
ثانيًا: “بيير بورديو” “Pierre Bourdieu” (1930 – 2002)
يُعدّ أقوى علماء الاجتماع الفرنسيّين في النصفِ الثاني من القرنِ العشرين تأثيرًا، ورُشّح ليكون مديرًا للدراسات في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة في باريس في بداية الثلاثينيّات من عمره. وُلد في مدينة تجاريّة صغيرة في مقاطعة بيرن الواقعة في جبال البرانس (على الحدود الفرنسيّة الإسبانيّة) حيث كان والده يعمل ساعيًا للبريد.استكشف “بورديو” الديناميّات الثقافيّة وديناميّات القوّة لعددٍ كبير جددًّا من الميادين الاجتماعيّة المرتبطة ببعضها. وكان مهتمًّا اهتمامًّا متواصلًا بفضحِ الأساطير الأيديولوجيّة التي تضفي الشرعيّة على الأوضاعِ الاجتماعيّة الجائرة.حاول “بيير بورديو” قراءة بنية المجتمع الغربيّ، والكشف عن آليات السيطرة والهيمنة المتعدّدة لتحديد مفهوم السلطة. فيتحدّث عن بنية الحقل، أو بين المؤسّسات المتصارعة، وفهم هذا العالم الاجتماعيّ، يتوقّف على البحث بعمق وبجدّيّة كبيرة، في كيفيّة اشتغال آليّات حقول ذلك العالم الاجتماعيّ، من أجلِ الكشف عن واقعِها وطبيعة منطقِها الداخليّ، في علاقتِه الجدليّة بمفهوم السلطة. يقول “بورديو” بهذا الصدد، في حوار أجرته معه مجلّة الفكر العربيّ المعاصر، (إن السلطة ليست شيئًا مُتموضعًا في مكانٍ ما، وإنّما هي عبارة عن نظامِ من العلاقات المتشابكة، ونجد أنّ كلّ بنية العالم الاجتماعيّ، من أجل فهم آليّات الهيمنة والسيطرة”. هي بمثابة نظام معقّد، التي تشتغل داخليًّ، بواسطة آليّات دقيقة وفاعلة، وبعبارةٍ أخرى، تعدّ بنية الحقل حالة من حالات توزيع الرأسمال النوعيّ الذي يوجّه الاستراتيجيّات اللاحقة بما أنّه روكم أثناء الصراعات السابقة. تدخل نفسها دومًا في اللعبة. حريص كلّ الحرص، على ربط مفهوم السلطة، مفاهيم تستمدّ أهمّيّتها، من تصوّر “بورديو” للبحث المنهجيّ والأداة التحليليّة، المرتبط باستراتيجيّة كونيّة وشاملة، مؤسّسة على نظام مشروع فكريّ، تحقيقًا لهدف رئيس، هو صياغة نظريّة عامّة لمفهوم السلطة الرمزيّة، من هنا يبدو أنّه من المستحيل الحديث عن مجتمعات إنسانية خالية من العنف، فهو ظاهرة أكيدة في المجتمعات البشريّة. فالعنف الرمزيّ يرتبط بالسلطة والحقل المجتمعيّ، والفنّ، والدين…) عنفًا رمزيّا ضدّ الأفراد والجماعات.يتحدّث “بورديو” في مؤلَّفاته عن احتكار العنف (السلطة/ القوّة النوعيّة) الذي يميّز الحقل المدروس.العنف الرمزيّ* حيث بيّن “بورديو” بعض وسائله، ومدى فاعليته في تثبيت دعائم الدولة والسلطة السياسيّة الذي يعدّ عنفًا غير فيزيائيّ، يتمّ أساسًا عبر وسائل التربية وتلقين المعرفة والأيديولوجيا، وهوشكل لطيف وغير محسوس من العنف، وهو غير مرئيّ بالنسبة إلى لضحاياهم أنفسهم، ك. P. 1994, ويبرز هذا المعنى على نحو جليّ في التعليم الذي يمارسه النظام المدرسيّ لناحية الاعتقاد ببديهيّات النظام السياسيّ، أو لناحية إدخال علاقة السلطة إلى النفوس كعلاقة طبيعيّة من وجهة نظر المهيمنين. “إنّ السلطة الرمزيّة، من حيث هي قدرة على تكوين المعطى عن طريق العبارات اللفظيّة، ومن حيث هي قدرة على الإبانة والإقناع، وإقرار رؤية عن العالم أو تحويلها، قدرة شبه سحريّ تمكّن من بلوغ ما يعادل ما تمكّن منه القوّة (الطبيعيّة أو الاقتصاديّة) بفضل قدرتها على التعبئة”. (بيير بورديو،نجد هذا النوع من العنف (السلطة/ القوة) في التربية وتلقين المعرفة والأيديولوجيا. فالمدرسة مثلاً تحت ظلّ ديمقراطيّة التعليم والمساواة، والمتقدّم والمتأخّر، ولأنّ رأسمال الرمزيّ متفاوت بفعل تفاوت المستويات المجتمعيّة، فتصير هذه المؤسّسات أداة طبقيّة لـ”إعادة إنتاج” السلطة القائمة في المجتمع. شكله لطيف وغير محسوس، أيضًا هو غير مرئيّ بالنسبة إلى من تقع عليهم هذه السلطة. فنلاحظ، تستند عنده دومًا، إلى أسلوب التورية والاختفاء، وهي لا يمكن أن تحقّق تأثيرها المفترض، إلاّ من خلال التعاون الذي يجب أن تلقاه، والذين تبدو لهم هذه الحقيقة وهميّة، ولا يعترفون بها. ولا يمكن أن تمارَس، إلاّ بتواطؤ أولئك الذين يأبون الاعتراف بأنّهم يخضعون لها، بل ويمارسونها” (بيير بورديو، 2007، ص 52) إنّ هذه السلطة لا تعمل عملها إلاّ إذا اعترف بها، وإنّما في كونها تتحدّد بفضل علاقة معيّنة تربط من يمارس السلطة بمن يخضع لها، (بيير بورديو، 2007، ص 56)
وبالتالي فهي – أي السلطة الرمزيّة – تمارس فعلها العميق، وتخطّط من أجل فرض وتحقيق الأهداف المرسومة والمتوخّاة، وإنتاج الأدوات والآليّات، والمعايير المناسبة، وتمارس سلطة الرمز كلّ هذه الأعمال بطريقة منظّمة وبنائيّة، وتحت غطاء الخفاء والاختفاء، وراء حجاب أقنعة المألوف العاديّ، وأنظمة التقليد، فهي تمارس على الفاعلين الاجنماعيّين بموافقتهم وتواطئهم. ولذلك فهم غالبًا لا يعترفون به كعنف، حيث إنّهم يستخدمونه كبديهيّات، أو مسلّمات من خلال وسائل التربية، والتنشئة الاجتماعيّة، وأشكال التواصل داخل المجتمع. ومن هذا الجانب يمكن وحسب “بورديو” فهم الأساس الحقيقيّ الذي تستند إليه السلطة السياسيّة في بسط سيطرتها وهيمنتها، فهي تستغلّ بذكاء التقنيّات والآليّات التي تمرّ من خلالها السلطة الرمزيّة، التي تسهل عليها تحقيق أهدافها بأقلّ تكلفة وبفاعليّة أكثر، خصوصًا أنّ هناك توافقًا بين البنيات الموضوعيّة السائدة على أارض الواقع، وبين البنيات الذهنيّة الحاصلة على مستوى الفكر.الحقل واللعب وعلاقتهما بالسلطة
إنّ اعتماد مفهوم الحقل، هو بمثابة تقنيّة إجرائيّة دقيقة وأساسيّة، أي التفكير على نحو علاقيّ وجدليّ، بدل التفكير بالطريقة البنيويّة الجاهزة والضيّقة الأفق، محاولة منه لتصحيح مسار فكريّ وفلسفيّ اقتنع به، ومارسه بنقد وهدم الفكر السائد، وتأسيس الفكر الفاعل والبديل. التي تحدّد في وجودها بمحتلّيها، وهؤلاء المحتلّون لتلك الأوضاع، حسب موقعهم الحالي، وهي شرط أساسيّ ومهمّ لتحقيق لعب متوازٍ بين القوى الفاعلة في الحقل، بواسطة علاقتهم الموضوعيّة بالأوضاع الأخرى (سيطرة،“إنّ حقل السلطة ليس حقلاً كسائر الحقول كلّها: إنّه مكان علاقات القوّة بين أنواع رأس المال المتعدّدة، أو بكلام أدقّ، بين الفاعلين المزوّدين كفاية بأحد أنواع الرأسمال المتنوّعة بما يجعلهم قادرين على السيطرة على الحقل المعني” (عادل العوا، 2000، بمفهوم الرأسمال ارتباطًا وثيقًا، كقوّة لها سلطة فاعلة رمزيّة للقدرة على السيطرة على فضاء اللعب، الذي من الطبيعيّ أن يشهد بدوره، أو اجتماعيّا، أو فكريًّا، أو دينيّا، أو ثقافيًّا، أو حضاريًّا… إلخ)، وذلك بهدف الدفاع عن المكتسبات السابقة للقوى المتصارعة، والاحتفاظ بها قدر الإمكان، أو تحويل تشكّل تلك القوى لصياغة خريطة جديدة، تتناسب ووضع اللعب الجديد.“حتّى نفهم حقلاً ما، وتبقى القوّة الفاعلة داخل الحقل تقوم على الرأسمال الرمزيّ في توجيه (فضاء اللعب؛ الاجتماعيّ، والسياسيّ، والدينيّ، والثقافيّ،العلاقة بين الأفراد والمؤسّسات داخل الحقل، فلكلّ موقف تربويّ أم سياسيّ أم فنّيّ أم رياضيّ أم دينيّ، يقابله مجال إنتاج داخل الحقل. والإنتاج داخل الحقل. إنّه التناغم بين السيطرة والهيمنة والقوّة، وهي الممارسة المستمدّة من عملاء الحقل، تلك التي تبقى مشروطه، بمدى الانسجام، والتوافق الصادر عن الفاعل الاجتماعيّ بما تستند إليه رؤية العالم والحسّ المشترك لدى العملاء. العنصر الفاعل في إبراز مكامن السلطة، لا يقوم على صراع مباشر بين أطراف، عبر اعتراف المنافسين وباقي أفراد المجتمع. وهكذا تتمّ عمليّة ترصد الحقل، وفهمه، وتفسيره، من خلال الوقوف على تحديد السلطة في داخله، وبالمقابل لا تفتر عزيمة العملاء الطامحين لولوج مجال الهيمنة والسلطة داخل الحقل، وخطاباتهم، ومقولاتهم، ورؤاهم على مجمل علاقات الحقل. فالتنافس، والصراع، وظيفتان أساسيّتان للمجتمع حيث يتشكّلان في حقول متعدّدة، تتمّيز هذه الحقول بوجود تفاوت طبقيّ اجتماعيّ.ولكي تتّضح ملامح دلالة مفهوم الحقل، ويعمل به في تحاليله الاجتماعيّة، يمكننا تقديم مثال عن حقل السلطة، وهو المثال الذي كثيرًا ما يتشهد به في كتاباته النظريّة تقريبًا لهذا المفهوم.إنّه حقل قوى محدّدة، أو أنواع متنوّعة من الرأسمال. والهيمنة بين مالكي سلطات متباينة.إنّه فضاء للعب، هي تحقيق الرغبة في احتلال أوضاع مسيطرة في حقولهم الخاصّة، وحقل الإدارة العليا للدولة، الحقل الأكاديميّ، الحقل الفكريّ)، إلى الاحتفاظ بعلاقة القوّة تلك،الهدف من صراع القوى السابق هو فرض مبدأ السيطرة (سيطرة المسيطر)، الذي يمكن أن يصل في أيّ لحظة إلى حالة من التوازن، أي تقسيم عمل السيطرة.هو أيضًا صراع ونزاع من أجل فرض مبدأ الشرعنة (المشروعيّة)، إلى جانب الحفاظ على نمط إعادة الإنتاج المشروع، لأسس السيطرة المحقّقة. وأساس مشروعيّتها هو الاعتراف بها من قبل الخاضعين لها.
ثانيًا: “بيير بورديو” “Pierre Bourdieu” (1930 – 2002)
يُعدّ أقوى علماء الاجتماع الفرنسيّين في النصفِ الثاني من القرنِ العشرين تأثيرًا، ورُشّح ليكون مديرًا للدراسات في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة في باريس في بداية الثلاثينيّات من عمره. وُلد في مدينة تجاريّة صغيرة في مقاطعة بيرن الواقعة في جبال البرانس (على الحدود الفرنسيّة الإسبانيّة) حيث كان والده يعمل ساعيًا للبريد.
استكشف “بورديو” الديناميّات الثقافيّة وديناميّات القوّة لعددٍ كبير جددًّا من الميادين الاجتماعيّة المرتبطة ببعضها. وكان مهتمًّا اهتمامًّا متواصلًا بفضحِ الأساطير الأيديولوجيّة التي تضفي الشرعيّة على الأوضاعِ الاجتماعيّة الجائرة.
حاول “بيير بورديو” قراءة بنية المجتمع الغربيّ، والكشف عن آليات السيطرة والهيمنة المتعدّدة لتحديد مفهوم السلطة. تنطلق نظريّة “بورديو” من تقسيم العالم الاجتماعيّ إلى مجموعة حقول مستقلّة نسبيًّا، فيتحدّث عن بنية الحقل، وهي حالة من حالات علاقة السلطة بين الفاعلين، أو بين المؤسّسات المتصارعة، وفهم هذا العالم الاجتماعيّ، يتوقّف على البحث بعمق وبجدّيّة كبيرة، في كيفيّة اشتغال آليّات حقول ذلك العالم الاجتماعيّ، من أجلِ الكشف عن واقعِها وطبيعة منطقِها الداخليّ، في علاقتِه الجدليّة بمفهوم السلطة. يقول “بورديو” بهذا الصدد، في حوار أجرته معه مجلّة الفكر العربيّ المعاصر، (إن السلطة ليست شيئًا مُتموضعًا في مكانٍ ما، وإنّما هي عبارة عن نظامِ من العلاقات المتشابكة، ونجد أنّ كلّ بنية العالم الاجتماعيّ، ينبغي أن تؤخذ بالحسبان، من أجل فهم آليّات الهيمنة والسيطرة”. (مجلّة الفكر العربيّ،1985، ص 37).
إنّ السلطة إذًا، حسب “بورديو”، هي بمثابة نظام معقّد، يخترق كلّ العلاقات والترابطات، التي تشتغل داخليًّ، بواسطة آليّات دقيقة وفاعلة، تتحكّم في البنية العامّة لذلك النظام. وبعبارةٍ أخرى، تعدّ بنية الحقل حالة من حالات توزيع الرأسمال النوعيّ الذي يوجّه الاستراتيجيّات اللاحقة بما أنّه روكم أثناء الصراعات السابقة. إنّ هذه البنية التي تولّد الاستراتيجيّات الهادفة إلى تغيير تلك البنية نفسها، تدخل نفسها دومًا في اللعبة.
بالإضافة إلى أنّ هذا المنظور المنهجيّ في التحليل السوسيولوجيّ عند “بورديو“، حريص كلّ الحرص، على ربط مفهوم السلطة، كركن إجرائيّ جوهريّ في الفعل التحليليّ، بمفاهيم أخرى، لا تقلّ أهمّيّة وقيمة، من مفهوم السلطة ذاته، ونذكر من بينها، مفهوم النسق، والحقل، واللعب… الخ، وهي على كلّ حال، مفاهيم تستمدّ أهمّيّتها، من تصوّر “بورديو” للبحث المنهجيّ والأداة التحليليّة، المرتبط باستراتيجيّة كونيّة وشاملة، مؤسّسة على نظام مشروع فكريّ، لبناء آليّات وقوانين اشتغال بنية العالم الاجتماعيّ ودراستها، كما أسلفنا، تحقيقًا لهدف رئيس، هو صياغة نظريّة عامّة لمفهوم السلطة الرمزيّة، من هنا يبدو أنّه من المستحيل الحديث عن مجتمعات إنسانية خالية من العنف، فهو ظاهرة أكيدة في المجتمعات البشريّة. فالعنف الرمزيّ يرتبط بالسلطة والحقل المجتمعيّ، بمعنى أنّ الدولة تمارس عبر مجموعة من المؤسّسات (الإعلام، والمدرسة، والفنّ، والدين…) عنفًا رمزيّا ضدّ الأفراد والجماعات.
يتحدّث “بورديو” في مؤلَّفاته عن احتكار العنف (السلطة/ القوّة النوعيّة) الذي يميّز الحقل المدروس.
العنف الرمزيّ* حيث بيّن “بورديو” بعض وسائله، ومدى فاعليته في تثبيت دعائم الدولة والسلطة السياسيّة الذي يعدّ عنفًا غير فيزيائيّ، يتمّ أساسًا عبر وسائل التربية وتلقين المعرفة والأيديولوجيا، وهوشكل لطيف وغير محسوس من العنف، وهو غير مرئيّ بالنسبة إلى لضحاياهم أنفسهم، فهو يتمّ عبر وسائل عدّة (شوفالييه، س. وشوفيري، ك. 2013، ص 223 – 219)
فعند تعريف “بورديو” للدولة يعطي العنف الرمزيّ معنى “القوّة الخفيّة التي تمارسها الدولة على الأفراد والجماعات بالتواطؤ معهم” (Bourdieu, P. 1994, P 164). ويبرز هذا المعنى على نحو جليّ في التعليم الذي يمارسه النظام المدرسيّ لناحية الاعتقاد ببديهيّات النظام السياسيّ، أو لناحية إدخال علاقة السلطة إلى النفوس كعلاقة طبيعيّة من وجهة نظر المهيمنين. “إنّ السلطة الرمزيّة، من حيث هي قدرة على تكوين المعطى عن طريق العبارات اللفظيّة، ومن حيث هي قدرة على الإبانة والإقناع، وإقرار رؤية عن العالم أو تحويلها، ومن ثمّة قدرة على تحويل التأثير في العالم، وبالتالي تحويل العالم ذاته، قدرة شبه سحريّ تمكّن من بلوغ ما يعادل ما تمكّن منه القوّة (الطبيعيّة أو الاقتصاديّة) بفضل قدرتها على التعبئة”. (بيير بورديو، 2007، ص 56)
نجد هذا النوع من العنف (السلطة/ القوة) في التربية وتلقين المعرفة والأيديولوجيا. فالمدرسة مثلاً تحت ظلّ ديمقراطيّة التعليم والمساواة، تحدّد الناجح وغير الناجح، والمتقدّم والمتأخّر، ولأنّ رأسمال الرمزيّ متفاوت بفعل تفاوت المستويات المجتمعيّة، فمجموع معارف الأغنياء يتناسب مع سواهم لأنّ المدرسة تحاكم الجميع وفقًا لرأسمال رمزيّ، لمجموعة واحدة هي عادة الطبقة الوسطى. فتصير هذه المؤسّسات أداة طبقيّة لـ”إعادة إنتاج” السلطة القائمة في المجتمع. طالما أنّ معايير التمايز هي وفقًا لطرف واحد وليس معيار كلّيّ.
وهذا النوع من العنف، شكله لطيف وغير محسوس، أيضًا هو غير مرئيّ بالنسبة إلى من تقع عليهم هذه السلطة. فنلاحظ، أنّ السلطة الرمزيّة، تستند عنده دومًا، إلى أسلوب التورية والاختفاء، وهي لا يمكن أن تحقّق تأثيرها المفترض، وتنفيذها بشكل فاعل وإيجابيّ، إلاّ من خلال التعاون الذي يجب أن تلقاه، من طرف أغلبيّة الناس المعنيّين بها، والذين تبدو لهم هذه الحقيقة وهميّة، ولا يعترفون بها. يقول “بورديو” بهذا الصدد “إنّ السلطة الرمزيّة هي سلطة لامرئيّة، ولا يمكن أن تمارَس، إلاّ بتواطؤ أولئك الذين يأبون الاعتراف بأنّهم يخضعون لها، بل ويمارسونها” (بيير بورديو، 2007، ص 52) إنّ هذه السلطة لا تعمل عملها إلاّ إذا اعترف بها، أي إذا لم يؤبه بها كقوة اعتباطيّة، وهذا يعني أنّ السلطة الرمزيّة لا تتجلّى في “المنظومات الرمزيّة، وإنّما في كونها تتحدّد بفضل علاقة معيّنة تربط من يمارس السلطة بمن يخضع لها، أي إنّها تتحدّد ببنية المجال التي يؤكّد فيها الاعتقاد ويعاد إنتاجه”. (بيير بورديو، 2007، ص 56)
فتأثير السلطة الرمزيّة يكون أعمق وأخطر، لسبب بسيط، يتمثّل في كونه يستهدف أساسًا البنية النفسيّة والذهنيّة للمتلقّين لها، وبالتالي فهي – أي السلطة الرمزيّة – تمارس فعلها العميق، وتخطّط من أجل فرض وتحقيق الأهداف المرسومة والمتوخّاة، وإنتاج الأدوات والآليّات، والمعايير المناسبة، والناجعة، لتثبيت واقع وضع إنسانيّ وخلقها مرغوب فيه ومخطّط له، وتمارس سلطة الرمز كلّ هذه الأعمال بطريقة منظّمة وبنائيّة، وتحت غطاء الخفاء والاختفاء، وراء حجاب أقنعة المألوف العاديّ، وأنظمة التقليد، والقانون، والخطابات الشائعة بين الناس. فهي تمارس على الفاعلين الاجنماعيّين بموافقتهم وتواطئهم. ولذلك فهم غالبًا لا يعترفون به كعنف، حيث إنّهم يستخدمونه كبديهيّات، أو مسلّمات من خلال وسائل التربية، والتنشئة الاجتماعيّة، وأشكال التواصل داخل المجتمع. ومن هذا الجانب يمكن وحسب “بورديو” فهم الأساس الحقيقيّ الذي تستند إليه السلطة السياسيّة في بسط سيطرتها وهيمنتها، فهي تستغلّ بذكاء التقنيّات والآليّات التي تمرّ من خلالها السلطة الرمزيّة، التي تسهل عليها تحقيق أهدافها بأقلّ تكلفة وبفاعليّة أكثر، خصوصًا أنّ هناك توافقًا بين البنيات الموضوعيّة السائدة على أارض الواقع، وبين البنيات الذهنيّة الحاصلة على مستوى الفكر.
الحقل واللعب وعلاقتهما بالسلطة
إنّ اعتماد مفهوم الحقل، في التحليل السوسيولوجيّ عند “بورديو“، هو بمثابة تقنيّة إجرائيّة دقيقة وأساسيّة، للتفكير بصيغة العلاقات، أي التفكير على نحو علاقيّ وجدليّ، بدل التفكير بالطريقة البنيويّة الجاهزة والضيّقة الأفق، كما كانت سائدة ومهيمنة، في بداية انشغال “بورديو” بموضوع السلطة الرمزيّة (عصر انفجار الفكر البنيويّ في أوروبا)، لهذا كانت أبحاثه المعرفيّة والعلميّة عامّة، محاولة منه لتصحيح مسار فكريّ وفلسفيّ اقتنع به، ومارسه بنقد وهدم الفكر السائد، وتأسيس الفكر الفاعل والبديل.
يتشكّل الحقل، حسب “بورديو“، من جملة علاقات موضوعيّة، القائمة بين مجموعة من الأوضاع، التي تحدّد في وجودها بمحتلّيها، وهؤلاء المحتلّون لتلك الأوضاع، إمّا أن يكونوا فاعلين أو مؤسّسات، حسب موقعهم الحالي، أو المحتمل، في بنية توزيع أنواع السلطة (الرأسمال) المتعدّدة التي يتطلّب امتلاكها بلوغ الأرباح الخاصّة، وهي شرط أساسيّ ومهمّ لتحقيق لعب متوازٍ بين القوى الفاعلة في الحقل، وفي الآن ذاته، بواسطة علاقتهم الموضوعيّة بالأوضاع الأخرى (سيطرة، تبعيّة، تطابق… إلخ).
“إنّ حقل السلطة ليس حقلاً كسائر الحقول كلّها: إنّه مكان علاقات القوّة بين أنواع رأس المال المتعدّدة، أو بكلام أدقّ، بين الفاعلين المزوّدين كفاية بأحد أنواع الرأسمال المتنوّعة بما يجعلهم قادرين على السيطرة على الحقل المعني” (عادل العوا، 2000، ص 63). كما يرتبط مفهوم الحقل، بمفهوم الرأسمال ارتباطًا وثيقًا، من خلال التأكيد على أبعاده الثقافيّة والاقتصاديّة، كقوّة لها سلطة فاعلة رمزيّة للقدرة على السيطرة على فضاء اللعب، في الحقل المعني، الذي من الطبيعيّ أن يشهد بدوره، حركيّة داخليّة مُهِمَّة واشتغالاً ديناميًا محكمًا، سيؤدّي فيما بعد، إلى نشوء نزاعات وستتراكم وتختمر، لتنفجر في المرحلة الموالية، على شكل صراعات بين هذه القوى الفاعلة داخل حقل اللعب (سواء كان لعبًا طبيعيًّا، أو سياسيّا، أو اجتماعيّا، أو فكريًّا، أو دينيّا، أو ثقافيًّا، أو حضاريًّا… إلخ)، وذلك بهدف الدفاع عن المكتسبات السابقة للقوى المتصارعة، والاحتفاظ بها قدر الإمكان، أو تحويل تشكّل تلك القوى لصياغة خريطة جديدة، تتناسب ووضع اللعب الجديد.
“حتّى نفهم حقلاً ما، لا بدّ من معرفة وضعه فى مجال السلطة” يقوم الحقل على أوضاع يحتلّها أفراد ومؤسّسات، تتوزّع بينهم السلطة الرمزيّة، الساعية نحو تحقيق أهداف خاصّة. عبر تنظيم أوضاع السيطرة والتطابق في المصالح والتبعيّة. وتبقى القوّة الفاعلة داخل الحقل تقوم على الرأسمال الرمزيّ في توجيه (فضاء اللعب؛ الاجتماعيّ، والسياسيّ، والدينيّ، والثقافيّ، والأدبيّ) على حدّ تعبير “بورديو” سعيًا لحفاظ القوى المهيمنة على مكتسباتها بما تستطيعه من تكيّف مع الأوضاع الجديدة والمتغيّرة.
العلاقة بين الأفراد والمؤسّسات داخل الحقل، تبقى خاضعة لقواعد ثابتة، فلكلّ موقف تربويّ أم سياسيّ أم فنّيّ أم رياضيّ أم دينيّ، يقابله مجال إنتاج داخل الحقل. إنّه التواطؤ على المعاني، ذلك الذي يميّز مجال العلاقات، والإنتاج داخل الحقل. إنّه التناغم بين السيطرة والهيمنة والقوّة، وهي الممارسة المستمدّة من عملاء الحقل، تلك التي تبقى مشروطه، بمدى الانسجام، والتوافق الصادر عن الفاعل الاجتماعيّ بما تستند إليه رؤية العالم والحسّ المشترك لدى العملاء. العنصر الفاعل في إبراز مكامن السلطة، لا يقوم على صراع مباشر بين أطراف، بقدر ما يكون الاستناد إلى الموقع الذي يشغله الفاعل الاجتماعيّ داخل الحقل، بما يؤهّله للسيطرة والتوجيه على الرأسمال الرمزيّ، الذي يتمّ من خلاله نيل الحظوة بالمكانة المكرّسة داخل الحقل، عبر اعتراف المنافسين وباقي أفراد المجتمع. وهكذا تتمّ عمليّة ترصد الحقل، ومحاولة تحليله، وفهمه، وتفسيره، من خلال الوقوف على تحديد السلطة في داخله، حيث التركيز على تحليل مجال القوّة الذي يمتلكه الفاعلون والمؤسّسات على شكل رأسمال مادّيّ، ورمزيّ. وبالمقابل لا تفتر عزيمة العملاء الطامحين لولوج مجال الهيمنة والسلطة داخل الحقل، من الدخول في صراع مع مباشر مع العملاء المكرّسين، من خلال محاولة شرعنة أنساقهم، وخطاباتهم، ومقولاتهم، ورؤاهم على مجمل علاقات الحقل. فالتنافس، والصراع، وظيفتان أساسيّتان للمجتمع حيث يتشكّلان في حقول متعدّدة، تتمّيز هذه الحقول بوجود تفاوت طبقيّ اجتماعيّ.
ولكي تتّضح ملامح دلالة مفهوم الحقل، كما يتصوّره “بورديو“، ويعمل به في تحاليله الاجتماعيّة، يمكننا تقديم مثال عن حقل السلطة، وهو المثال الذي كثيرًا ما يتشهد به في كتاباته النظريّة تقريبًا لهذا المفهوم. فما المقصود بحقل السلطة عند “بورديو” وما هي مميّزاته؟
إنّه حقل قوى محدّدة، في بنيته، بحالة علاقة القوّة بين أشكال من السلطة، أو أنواع متنوّعة من الرأسمال.
هو حقل صراعات من أجل السلطة، والسيطرة، والهيمنة بين مالكي سلطات متباينة.
إنّه فضاء للعب، يتواجه فيه فاعلون ومؤسّسات، يشتركون في امتلاك كمّ معيّن من الرأسمال الخاصّ (ثقافيّ، اقتصاديّ…)، والغاية من تلك المواجهة، هي تحقيق الرغبة في احتلال أوضاع مسيطرة في حقولهم الخاصّة، والعمل على تحريرها (الحقل الاقتصاديّ، وحقل الإدارة العليا للدولة، الحقل الأكاديميّ، الحقل الفكريّ)، كما تهدف تلك المواجهة، إلى الاحتفاظ بعلاقة القوّة تلك، أو محاولة تحويلها.
الهدف من صراع القوى السابق هو فرض مبدأ السيطرة (سيطرة المسيطر)، الذي يمكن أن يصل في أيّ لحظة إلى حالة من التوازن، ليتمكّن بالتالي من اقتسام السلطة فيما بينه وبين المتنازع الآخر، أي تقسيم عمل السيطرة.
هو أيضًا صراع ونزاع من أجل فرض مبدأ الشرعنة (المشروعيّة)، أي إضفاء المشروعيّة والمصداقيّة، على وضعيّة السيطرة المنفذّة، إلى جانب الحفاظ على نمط إعادة الإنتاج المشروع، لأسس السيطرة المحقّقة. فالسلطة مع قوّة التاثير لا يمكن أن تبلغ هدفها إلاّ إذا اعترف بهاـ وشرط فاعليّتها هو مشروعيّتها، وأساس مشروعيّتها هو الاعتراف بها من قبل الخاضعين لها.
يتبيّن لنا، ممّا سبق ذكره، أنّ “بيير بورديو” من أهمّ علماء الاجتماع الملتزمين بنقد السياسة الرأسماليّة، والكشف عن الآليّات المتعدّدة التي يتخذّها هذا النظام في ممارسة العنف الرمزيّ، والمادّيّ، وبناء سلطته على القهر والخضوع والهيمنة.
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
تيار شعبي برز في بدايةالثالثينات، اعتمد المقاومة السياسية علي يد نخبة مثقفة عملت لى تعبئة الشعب لمن...
■ ّ الموجة هي اضطراب ينتقل عبر الوسط من مكان إلى آخر، وهي تنقل الطاقة فقط وال تنقل المادة. ■ ّ تنتقل...
كانت المبادرة الأولى عندما عقد سمو الشيخ زايد رحمه الله في منطقة (السميح) الواقعة بين أبو ظبي ودبي ا...
تطور احتياطي النفط بين 1939و 2022 من 87,5 مً الى 244 مً وقد بلغت حصة العالم العربي من الاحتياطي المؤ...
تعتبر المحروقات المصدر الأساسي للطاقة، فالاهتمام بها ليس حديث النشأة، فقد استعملاها الإنسان منذ القد...
قمنا بمحاكاة نظام اهتزاز بسيط يتكوّن من كتلة ونابض ومخمّد باستخدام بيئة MATLAB. تم استخدام أدوات عدد...
providing numerous job openings across multiple divisions, including the Human Resources and Recrui...
The Global Essence restaurant stands out for combining all of these cultures into one space, allowin...
تقديم إشكالي تلعب البرامج الإعلامية دورا في هاما النهوض بقيم المواطنة. فما معنى البرنامج الإعلامي؟ ...
نقد البيانات والمعلومات أولاً المصادر البيانات والمعلومات الغير المباشرة خاصة التي تم جمعها دون الرج...
تطبيق شعار الإصلاح (الحياة الاقتصادية ) كان شعار الدعوة إلى الإصلاح أحد الشعارات التي رفعتها الدعو...
عند النظر في مجالات التعاون بين الدول الأطراف وغير الأطراف نجذ غالبها تتشابه فيما يخص التعاون مع الم...