Online English Summarizer tool, free and accurate!
تحتفظ الطبيعة بصورة عامة والصحراء بصفة خاصة بطرق ووسائل الكتمان في غاية البراعة والابداع للاحتفاظ بأسرارها وابقائها مكنونة طيوهذه قصة أحد الأسرار التي كانت ستظل بالفعل طي الغياهب والكتمان لولا القيام ببعض أعمال التنقيب عن الآثار المضنية التي حظيت بكل الدعم والمساندة من جانب صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة وحاكم أبوظبي. انها قصة بعض الخبراء المتسلحين بالايمان والصبر والمثابرة والمهارة ممن ذهبوا بثاقب نظرهم وعظيم دابهم الى ما هو أبعد من الواجهة الحديثة المدينة مزدهرة من مدن القرن العشرين ليغوصوا في أعماق التاريخ ويتوصلوا الى اكتشاف ماض عريق المدينة العين لا يقل روعة وازدهاراً عن المكانة الحاضرة لهذه المدينة الزاهرة. وقد كان السر الذي توصلوا الى اكتشافه يتمثل في أن مدينة العين قبل اكتشاف النفط بامارة أبوظبي قد كانت حاضرة لصناعة رئيسية تعمل على انتاج معدن من أثمن وأنفس المعادن التي عرفها الانسان في ذلك العصر - ألا وهو "النحاس". ويعمل هذا الكتيب على تتبع قصة التاريخ الرائع لصناعة تعدين النحاس في العين بعد أن ظلت هذه القصة دون رواية حتى الآن. وتصل قصة تعدين النحاس الى ذروتها مع وصول الاسلام الى المنطقة حين جرى احياء تلك الصناعة وبعثها من جديد بعد ألف سنة من الركود الذي ران عليها كما تم رفع مستواها لتصبح صناعة مجدية ومربحة للغاية. ان نشوء العين كمركز لانتاج النحاس قبل خمسة آلاف سنة واندثارها قبل ألف سنة قد أصبح الآن جزءاً لا يتجزأ من تاريخها ولا يقل في أهميته عن المكانة المرموقة التي أصبحت تفخر بها هذه المدينة كجزء من احدى أكبر الدول المنتجة للنفط في القرن العشرين فان العين بالأمس قد كانت بالفعل ظاهرة فائقة الروعة أيضاً البدايات الأولىفي غمرة الزحام والنشاط للحياة اليومية المعاصرة في أبوظبي من الصعب على المرء أن يتصور نشوء وازدهار مجتمعات متكاملة كانت تعيش وتعمل في العين على بعد 160 كيلومتراً فقط في مجال تعدين واستخراج النحاس من الطبقات الأرضية الغنية بخامات ذلك المعدن في الأماكن المحيطة بمنازلهم. وقد تم التوصل إلى الدلائل الأولى على وجود عمال النحاس وعائلاتهم في الماضي من خلال أعمال التنقيب عن الآثار في أضرحة المقابر القديمة عند سفوح جبل حفيت بمدينة العين. كما تم اكتشاف المئات من هذه القبور في الطرف الشمالي من جبل حفيت وعلى امتداد التلال القائمة على سفوحه الشرقية. والى جان بقايا لبي تمكن الت ومما لا وكان اس النحاس وعمان الجيوعلماء الآثار من متحف العين أثناء تنقيبهم بأحد الأضرحة عند سفح جبل حفيت بالعين. ومن خلال تحديد تاريخ الأواني الفخارية والنحاسية المكتشفة في تلك الأضرحة واستخدام الأساليب الدقيقة لتحديد عمر ذرات الكربون في عينات الفحم التي تم العثور عليها هناك. تمكن علماء الآثار من تقدير عمر تلك الأضرحة بما ينوف على خمسة آلاف سنة. وقد تم العثور على قطع صغيرة مما يعتقد أنه كأس أو سوار نحاس وبعد اجراء الفحوص والتحاليل الدقيقة عليها، عثر علماء الآثار مؤخراً على ما يعتقد أنه بقايا لبيت من تلك الفترة مما أعطى العلماء بعداً إضافياً لتصور كيفية تمكن الناس القدامى من انتاج النحاس بكميات مجدية. وقد اتجه عمال التعدين الى سلاسل الجبال الممتدة بين العين وعمان لاستخراج النحاس الذي كانوا يحتاجون اليه في صناعتهم من الجيوب الغنية بخامات ذلك المعدن في تلك المنطقة. اكتشاف ما يعتقد علماء الآثار بأنه بقايا لبيت قديم مما مكن العلماء من اعادة تشكيل نمط الحياة الذي كان سائداً في العين قبل 5000 سنة. وكان الآباء والابناء يحفرون بايديهم بحثاً عن خامات النحاس داخل مناجم مكشوفة على شكل خنادق عند سفوح الجبال. منجم مفتوح على شكل خندق. فانه يتعين تسخين خامات النحاس المكسرة الى مستوى 1200 درجة مئوية مما يعد عملاً صعباً وغير عادي في تلك الايام قبل ظهور المصاهر الحديثة. ومن أجل صهر مجرد كيلوغرام واحد من خامات النحاس، ولذلك فان استخراج النحاس كان يتوقف على عاملين أولهما وفرة الخامات الغنية بمعدن النحاس وثانيهما وجود مصدر غني بالاخشاب الصنع الفحم المستخدم في أعمال الصهر. وربما كان الحصول على مصدر ثابت للأخشاب لصنع الفحم المستخدم في الصهر يمثل مشكلة أصعب من عملية الحصول على خامات النحاس نفسها. الأواني الفخارية المصنوعة في بلاد ما بين النهرين والمكتشفة في أضرحة جبل حفيت بالعين. فقد استنتج علماء الآثار أن الناس في تلك الفترة لابد وأن كانوا من القبائل الرحل التي كانت تتنقل هنا وهناك طلباً للأخشاب المأخوذة من شجر السنط أو اللبان العربي المألوفة بالمنطقة لصنع الفحم اللازم الأعمال صهر النحاس. وربما كانت المياه تمثل مشكلة أخرى ومن المحتمل أيضاً أن أولئك الناس الرحل كانوا يحضرون موتاهم لدفنهم عند سفوح جبل حفيت كتقليد اجتماعي أو ديني. ولكن من الواضح لدينا الآن أن أولئك الناس كانوا يحرصون على ايداع عدد من الأواني الفخارية المستوردة والأدوات النحاسية المصنوعة محليا الى جانب موتاهم عند دفنهم في تلك المقابر. ومع أن علماء الآثار لم يتوصلوا حتى الآن الى اكتشاف أي دليل مباشر على حقيقة القيام بصهر خامات النحاس بمنطقة جبل حفيت، فان المكتشفات من هذه الأدوات النحاسية التي أمكن العثور عليها في القبور هناك تدل دلالة قاطعة على أن أؤلئك الناس قد كانت تتوفر لديهم المعرفة الفنية لصهر النحاس إبان تلك الفترة قبل خمسة آلاف سنة. فانه يتولد عن ذلك مادة النحاس المصهورة. ويستدل عمال الصهر من لون الغازات المتصاعدة من النار فيما اذا كانت درجة الحرارة والجو في مستويات وأوضاع ملائمة لاتمام عملية الصهر. وكانت عمليات الصهر شاقة ومضنية كما كانت كل عملية تستغرق قرابة 6 أو 7 ساعات. فان الفرن يترك كي يبرد ثم يصار بعد ذلك الى رفع كتل النحاس الخام المتشكلة في قعر الموقد. ومع أن مهام التعدين عن الخامات المعدنية الغنية بالنحاس وبقية أعمال الصهر اللازمة للحصول على النحاس نفسه كانت تتطلب جهودا صهر النحاس باستخدام أكبار من الجلود. الا أنها كانت تستحق كل ذلك العناء والجهود المبذولة في سبيلها. وكان يجري تصدير النحاس الى عدة أماكن تجارية على سواحل الخليج عن طريق جزيرة أم النار القائمة على بعد عدة كيلو مترات فقط من جزيرة أبوظبي والتي يعتقد علماء الآثار بأنها قد كانت ميناء رائجا و مزدهرا قبل زهاء 4500 سنة. وكان التجار يفدون إلى هنا من بلاد ما بين النهرين دجلة والفرات - اليوم لشراء النحاس القيم وبيع ما يجلبونه معهم من أدوات فخارية وحلي، وقد تم العثور في القبور القائمة عند سفوح جبل حفيت على عينات من تلك الأدوات والحلي المصنوعة في بلاد ما بين النهرين وكانت السهول الخصبة المحاطة بنهري دجلة والفرات تمثل السوق الرئيسية الصادرات النحاس من العين وذلك لأن بلاد ما بين النهرين على الرغم من تقدمها في الحضارة آنذاك فانها قد كانت بحاجة الى استيراد كميات من المعادن والحجارة والأخشاب. وقد مكنت سوق النحاس هذه عمال التعدين وعائلاتهم في الجبال المحيطة بالعين من الاستمتاع بالحياة وان كانت تلك المهنة قاسية عليهم بعض الشيء. وحيث أن انتاج النحاس كان يتم بمعدلات قليلة نسبيا، فانه يبدو من غير المرجح أن معامل صهر النحاس لم تؤدي الى تدمير الغابات المحيطة من جراء امداد تلك المصاهر بالوقود اللازم لها. آثار نحاسية من أضرحة جبل حفيت بالعين. العصر البرونزيكانت الحقبة الأثرية التالية التي أصبحت فيها منطقة العين مركزا هاما الصناعة النحاس قبل فترة 4000 سنة تقريبا. ويستدل من الحفريات الأثرية التي أجريت مؤخراً بمنطقة الهيلي في العين بما لا يدع مجالا للشك على حقيقة صهر وسكب النحاس في المنطقة. فقد تم العثور على شظايا من قوالب وبواتق كانت تستخدم في عملية السكب بالاضافة الى نفايات معدنية وبقايا من جدران موقد مما يدل دلالة قاطعة على وجود مشغل قديم للنحاس هناك بثلاثة مصاهر على الأقل. ويمكن الربط جغرافيا بين منقطة التعدين هذه وبين المواقع الاثرية في النحاس في العين. حدائق الهيلي مما يشكل الدلالة المباشرة الأولى على القيام باعمال سكبوقد عثر أحد المزارعين بمحض الصدفة على قبر قديم بمنطقة القطارة في العين أثناء قيامة بتسوية مزرعته بجرافة. تمكن أخصائيو الآثار بمتحف العين من العثور على عدد وفير من الخناجر والسيوف المصنوعة من النحاس الخالص أو المخلوط مع معادن أخرى. وقد ثبت علمياً أن تاريخ هذه المكتشفات الرئيسية يعود الى نحو أربعة آلاف سنة كما تبين من تحليل مكونات تلك الأسلحة وجود تركيزات من "النيكل" في السبائك النحاسية للحصول على "البرونز" مما يمثل قفزة نوعية كبيرة في تلك الصناعة. وقد تم العثور في المواقع الأثرية لبلاد ما بين النهرين على نماذج مماثلة لأنواع الخناجر والسيوف المكتشفة في منطقة العين. وبالمقارنة فان وجود تركيزات قليلة من النيكل في السبائك البرونزية يستدل منه على القيام بصهر النحاس من الخامات كما أن النحاسين القدامى في العين قد استخدموا نفس السبائك المعدنية والأساليب الفنية المعروفة قديما لانتاج أسلحة تضاهي في جودتها أفضل ما تم العثور عليه من تلك الأسلحة القديمة في أي مكان آخر بالعالم. ويرجع الفضل في سد تلك الثغرة الى اكتشاف قرية يعود تاريخها إلى العصر الحديدي" في موقع لا يبعد سوى أقل من كيلومترين من حدائق الهيلي مما أمد علماء الآثار في متحف العين بالحلقة المفقودة من التسلسل الزمني وأكد النظرية القائلة بأن أعمال تعدين وصهر النحاس قد استمرت في الرواج والازدهار في المنطقة طوال فترة العصر الحديدي بعدمرور ألفي سنة على بداية مزاولتها في أطراف جبل حفيت. وقد اكتشف علماء الآثار هذه القرية عام 1976 وبدأوا في تشكيل صورة عن الطريقة التي كان يعيش فيها أهل المنطقة قبل ٣٠٠٠ سنة. وكانت مهنة الزراعة وحرفة التعدين عن النحاس تشكلان بالنسبة لسكان تلك القرية أهم مصدرين رئيسين للثروة كما كانتا مرتبطتين بنظام الأفلاج للري الذي يعتمد على جر المياه الجوفية من الينابيع في الجبال الى مناطق السهول الغنية بالأتربة الصالحة للزراعة. وينطبق ذلك على أغلب مناطق الخليج حيث ظلت الأدوات والسبائك النحاسية تشكل الغالبية العظمى من المكتشفات الأثرية التي يعود تاريخها إلى تلك الحقبة. صهر النحاس باستخدام الأكبار المنتفخة وقد جرى استخدام تلك الأكيار بصورة مزدوجة وكانت تدار بالأقدام لزيادة ضغط الهواء داخل المصهر. وعلى النقيض من أسلافهم، وكان ذلك يتطلب اعادة صهر السبائك النحاسية لحرق الشوائب العالقة فيها مثل أكسيد الحديد. وكانت المحصلة لذلك انتاج نحاس بنوعية أفضل لصنع مواد أكثر جودة مع أن من المرجح أنه لم تتم تنقية سوى كميات قليلة من النحاس الخام المستخرج من تلك القرية في حين أن أغلب الكميات المنتجة كانت تأخذ طريقها عبر الممرات التجارية القديمة انطلاقا من ميناء «أم النار» الى بلاد ما بين النهرين أو الى الأسواق المستجدة فيما بعد في بلاد الهند عند نشوء الامبراطورية الآشورية. وكانت تنقية النحاس عملية صعبة وشاقة كما هو الحال في عملية صهر خاماته الأولية. تشكل الفقاقيع الهوائية في المنتجات النهائية. كان الطلب على الفحم يزداد أيضاً. وقد ظلت صناعة النحاس رائجة ومزدهرة في العين لمدة خمسمائة عام ولكنها توقفت بعد ذلك بصورة مفاجئة. ولكن الذي حصل بالضبط لايزال لغزا محيراً للعلماء والمؤرخين. وربما كان السبب في ذلك راجعاً الى خلل واضطراب في نظام الري بالأفلاج الذي كان قائما هناك أو الى تغير في الأنماط التجارية مع احتمال الافراط في الانتاج الزائد من النحاس مما أدى الى وضع ضغط هائل على الامدادات المحلية من الأخشاب وربما كان النقص في مواد الوقود عاملاً حاسماً في التدهور الاقتصادي الذي شهدته المنطقة آنذاك. فانهم بلا شك مخطئون في ذلك الظن. وقد اكتشف علماء الآثار صنوفاً عديدة من المواقد الاسلامية المشادة على سفوح التلال هناك مما يدل على حصول ثورة صناعية كبرى عمت سائر أرجاء المنطقة. وكان انتاج النحاس يجري هناك على نطاق واسع كما أن امكانية التقاط النحاس وخبث المعادن بصورة متوالية من خلال الفتحة الصغيرة المثقوبة في أسفل الموقد، قد مكنت من استمرار عملية الصهر نفسها ليلاً ونهاراً دون توقف. ومن المقدر أن كل فرن من تلك الأفران الكبيرة كان يستهلك زهاء ثلاثين كيلو غراماً من الفحم النباتي مقابل كل كيلو غرام واحد يتم صهره من النحاس الخام. فقد سارت تلك المهنة قدماً وازدادت قوة وازدهاراً مع مرور الزمن. الانحدار والاندثاريبدو أن من المفارقات الغريبة ومن سخرية الأقدار العجيبة أن السر في قصة نجاح وازدهار صناعة النحاس في العين كان هو نفس السبب الكامن وراء انهيار تلك الصناعة واندثارها عندما نضب معين النحاس الخام من المنطقة. كانت النتيجة لذلك محتومة. فقد استنزفت الطبقات الحاوية للنحاس الى درجة النضوب من ذلك المعدن وتوقفت بعدها أعمال التعدين وتحولت على أثرها المستوطنات والقرى إلى أماكن أخرى وأخذت المنطقة في الانزلاق مع تدهور الاقتصاد وأقول نجم الازدهار فيها. لقد عاش عمال المناجم في العين أيامهم المجيدة وفي الأخير شاءت الأقدار أن تصل تلك الصناعة الى نهايتها وأن تندتر تلك التجارة الزاهرة التي راجت لفترات طويلة مع بلاد ما بين النهرين واقليم وادي نهر الاندوز جنوب آسيا وعملت على جلب ثروات طائلة على مدى قرون عديدة الى المنطقة الممتدة بين العين في دولة الإمارات العربية المتحدة وصحار فيسلطنة عمان
تحتفظ الطبيعة بصورة عامة والصحراء بصفة خاصة بطرق ووسائل الكتمان في غاية البراعة والابداع للاحتفاظ بأسرارها وابقائها مكنونة طيوهذه قصة أحد الأسرار التي كانت ستظل بالفعل طي الغياهب والكتمان لولا القيام ببعض أعمال التنقيب عن الآثار المضنية التي حظيت بكل الدعم والمساندة من جانب صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة وحاكم أبوظبي.
انها قصة بعض الخبراء المتسلحين بالايمان والصبر والمثابرة والمهارة ممن ذهبوا بثاقب نظرهم وعظيم دابهم الى ما هو أبعد من الواجهة الحديثة المدينة مزدهرة من مدن القرن العشرين ليغوصوا في أعماق التاريخ ويتوصلوا الى اكتشاف ماض عريق المدينة العين لا يقل روعة وازدهاراً عن المكانة الحاضرة لهذه المدينة الزاهرة.وقد كان السر الذي توصلوا الى اكتشافه يتمثل في أن مدينة العين قبل اكتشاف النفط بامارة أبوظبي قد كانت حاضرة لصناعة رئيسية تعمل على انتاج معدن من أثمن وأنفس المعادن التي عرفها الانسان في ذلك العصر - ألا وهو "النحاس".
ويعمل هذا الكتيب على تتبع قصة التاريخ الرائع لصناعة تعدين النحاس في العين بعد أن ظلت هذه القصة دون رواية حتى الآن. وتبدأ الرواية بسرد البدايات المتواضعة لهذه الصناعة قبل خمسة آلاف سنة ثم تواصل سيرها عبر مختلف الأزمان مروراً بالعصرين البرونزي والحديدي عندما أخذت أساليب التعدين تصبح بالتدريج أكثر تطوراً وارتقاء. وتصل قصة تعدين النحاس الى ذروتها مع وصول الاسلام الى المنطقة حين جرى احياء تلك الصناعة وبعثها من جديد بعد ألف سنة من الركود الذي ران عليها كما تم رفع مستواها لتصبح صناعة مجدية ومربحة للغاية.ان نشوء العين كمركز لانتاج النحاس قبل خمسة آلاف سنة واندثارها قبل ألف سنة قد أصبح الآن جزءاً لا يتجزأ من تاريخها ولا يقل في أهميته عن المكانة المرموقة التي أصبحت تفخر بها هذه المدينة كجزء من احدى أكبر الدول المنتجة للنفط في القرن العشرين
واذا كانت العين اليوم تبدو كظاهرة حديثة، فان العين بالأمس قد كانت بالفعل ظاهرة فائقة الروعة أيضاً
البدايات الأولىفي غمرة الزحام والنشاط للحياة اليومية المعاصرة في أبوظبي من الصعب على المرء أن يتصور نشوء وازدهار مجتمعات متكاملة كانت تعيش وتعمل في العين على بعد 160 كيلومتراً فقط في مجال تعدين واستخراج النحاس من الطبقات الأرضية الغنية بخامات ذلك المعدن في الأماكن المحيطة بمنازلهم.
وقد تم التوصل إلى الدلائل الأولى على وجود عمال النحاس وعائلاتهم في الماضي من خلال أعمال التنقيب عن الآثار في أضرحة المقابر القديمة عند سفوح جبل حفيت بمدينة العين. كما تم اكتشاف المئات من هذه القبور في الطرف الشمالي من جبل حفيت وعلى امتداد التلال القائمة على سفوحه الشرقية.وقد تم حتى الآن استكشاف أكثر من سبعين ضريحاً يستدل منها علماء
تشتمل على المعدنية .والى جان بقايا لبي تمكن الت
ومما لا وكان اس النحاس وعمان الجيوعلماء الآثار من متحف العين أثناء تنقيبهم بأحد الأضرحة عند سفح جبل حفيت بالعين.
الآثار على حقيقة وجود شعب يعيش هناك حتى قبل نشوء العديد من حضارات العالم الرئيسية. ومن خلال تحديد تاريخ الأواني الفخارية والنحاسية المكتشفة في تلك الأضرحة واستخدام الأساليب الدقيقة لتحديد عمر ذرات الكربون في عينات الفحم التي تم العثور عليها هناك. تمكن علماء الآثار من تقدير عمر تلك الأضرحة بما ينوف على خمسة آلاف سنة. وقد تم العثور على قطع صغيرة مما يعتقد أنه كأس أو سوار نحاس وبعد اجراء الفحوص والتحاليل الدقيقة عليها، تبين أنها
تشتمل على خليط من النحاس والزرنيخ مما يماثل سبائك الأغراض المعدنية من تلك الحقبة التي تم العثور عليها في بلدان أخرى.والى جانب الأضرحة المكتشفة، عثر علماء الآثار مؤخراً على ما يعتقد أنه بقايا لبيت من تلك الفترة مما أعطى العلماء بعداً إضافياً لتصور كيفية تمكن الناس القدامى من انتاج النحاس بكميات مجدية.
ومما لا شك فيه أن النحاس قد كان معدناً نادراً وثميناً في تلك الأيام وكان استخراجه - ولا يزال - يعتمد على توفر الخامات الغنية بمعدن النحاس. وقد اتجه عمال التعدين الى سلاسل الجبال الممتدة بين العين وعمان لاستخراج النحاس الذي كانوا يحتاجون اليه في صناعتهم من الجيوب الغنية بخامات ذلك المعدن في تلك المنطقة.اكتشاف ما يعتقد علماء الآثار بأنه بقايا لبيت قديم مما مكن العلماء من اعادة تشكيل نمط الحياة الذي كان سائداً في العين قبل 5000 سنة.
ولم تكن أعمال التعدين الشاقة لتثني من عزائم أولئك العمال. فقد اعتمدوا في معاشهم على التعدين وكانت الأسر بكامل أفرادها ترتبط بالتعدين وتعمل جاهدة لتامين النجاح في تلك المهمة، وكان الآباء والابناء يحفرون بايديهم بحثاً عن خامات النحاس داخل مناجم مكشوفة على شكل خنادق عند سفوح الجبال. كما كانوا يستخدمون قطعاً كبيرة من الحجارة الصلاة لتكسير واجهة الصخر بها بحثا عن العروق الغنية بالنحاس الخام. ومع ذلك فان كثيراً من جهودهم كانت تضيع سدى وتذهب أدراج الرياح حيث كان يجري طرح الكثير من الصخور المقتلعة من المحجر نظراً لقلة تركيزات النحاس اللازمة ولم لكن الخامات التي تحتوي على معدن النحاس بنسبة أقل من ثلاثين بالمئة تستحق العناء لصهرها.منجم مفتوح على شكل خندق.ومن أجل انتاج النحاس، فانه يتعين تسخين خامات النحاس المكسرة الى مستوى 1200 درجة مئوية مما يعد عملاً صعباً وغير عادي في تلك الايام قبل ظهور المصاهر الحديثة. ومن أجل صهر مجرد كيلوغرام واحد من خامات النحاس، فان الأمر كان يتطلب استخدام زهاء خمسة عشر كيلوغراماً من الفحم.
ولذلك فان استخراج النحاس كان يتوقف على عاملين أولهما وفرة الخامات الغنية بمعدن النحاس وثانيهما وجود مصدر غني بالاخشاب الصنع الفحم المستخدم في أعمال الصهر. وربما كان الحصول على مصدر ثابت للأخشاب لصنع الفحم المستخدم في الصهر يمثل مشكلة أصعب من عملية الحصول على خامات النحاس نفسها.الأواني الفخارية المصنوعة في بلاد ما بين النهرين والمكتشفة في أضرحة جبل حفيت بالعين.
ونظراً لعدم العثور على مستوطنات قديمة يعود تاريخها إلى تلك الحقبة، فقد استنتج علماء الآثار أن الناس في تلك الفترة لابد وأن كانوا من القبائل الرحل التي كانت تتنقل هنا وهناك طلباً للأخشاب المأخوذة من شجر السنط أو اللبان العربي المألوفة بالمنطقة لصنع الفحم اللازم الأعمال صهر النحاس.وربما كانت المياه تمثل مشكلة أخرى ومن المحتمل أيضاً أن أولئك الناس الرحل كانوا يحضرون موتاهم لدفنهم عند سفوح جبل حفيت كتقليد اجتماعي أو ديني. ولكن من الواضح لدينا الآن أن أولئك الناس كانوا يحرصون على ايداع عدد من الأواني الفخارية المستوردة والأدوات النحاسية المصنوعة محليا الى جانب موتاهم عند دفنهم في تلك المقابر.
ومع أن علماء الآثار لم يتوصلوا حتى الآن الى اكتشاف أي دليل مباشر على حقيقة القيام بصهر خامات النحاس بمنطقة جبل حفيت، فان المكتشفات من هذه الأدوات النحاسية التي أمكن العثور عليها في القبور هناك تدل دلالة قاطعة على أن أؤلئك الناس قد كانت تتوفر لديهم المعرفة الفنية لصهر النحاس إبان تلك الفترة قبل خمسة آلاف سنة.وكان الفرن البدائي الذي استخدموه في أعمال الصهر عبارة عن حفرة مشكلة في باطن الأرض ومبطنة بخليط من الفخار والرمل. وكان يجري نفخ الهواء من كير مصنوع من جلود الحيوانات عبر أنابيب من الفخار ليصل إلى أسفل الموقد ويعمل على رفع درجة حرارة الفحم. وعند تفاعل النحاس الخام مع غاز ثاني أكسيد الكربون، فانه يتولد عن ذلك مادة النحاس المصهورة. ويستدل عمال الصهر من لون الغازات المتصاعدة من النار فيما اذا كانت درجة الحرارة والجو في مستويات وأوضاع ملائمة لاتمام عملية الصهر.
وكانت عمليات الصهر شاقة ومضنية كما كانت كل عملية تستغرق قرابة 6 أو 7 ساعات. وعند اتمام العملية، فان الفرن يترك كي يبرد ثم يصار بعد ذلك الى رفع كتل النحاس الخام المتشكلة في قعر الموقد.ومع أن مهام التعدين عن الخامات المعدنية الغنية بالنحاس وبقية أعمال الصهر اللازمة للحصول على النحاس نفسه كانت تتطلب جهودا
صهر النحاس باستخدام أكبار من الجلود.
مضنية وتستغرق أوقات مطولة، الا أنها كانت تستحق كل ذلك العناء والجهود المبذولة في سبيلها.وكان يجري تصدير النحاس الى عدة أماكن تجارية على سواحل الخليج عن طريق جزيرة أم النار القائمة على بعد عدة كيلو مترات فقط من جزيرة أبوظبي والتي يعتقد علماء الآثار بأنها قد كانت ميناء رائجا و مزدهرا قبل زهاء 4500 سنة.
وكان التجار يفدون إلى هنا من بلاد ما بين النهرين دجلة والفرات - اليوم لشراء النحاس القيم وبيع ما يجلبونه معهم من أدوات فخارية وحلي، وقد تم العثور في القبور القائمة عند سفوح جبل حفيت على عينات من تلك الأدوات والحلي المصنوعة في بلاد ما بين النهرين وكانت السهول الخصبة المحاطة بنهري دجلة والفرات تمثل السوق الرئيسية الصادرات النحاس من العين وذلك لأن بلاد ما بين النهرين على الرغم من تقدمها في الحضارة آنذاك فانها قد كانت بحاجة الى استيراد كميات من المعادن والحجارة والأخشاب. وقد مكنت سوق النحاس هذه عمال التعدين وعائلاتهم في الجبال المحيطة بالعين من الاستمتاع بالحياة وان كانت تلك المهنة قاسية عليهم بعض الشيء.وحيث أن انتاج النحاس كان يتم بمعدلات قليلة نسبيا، فانه يبدو من غير المرجح أن معامل صهر النحاس لم تؤدي الى تدمير الغابات المحيطة من جراء امداد تلك المصاهر بالوقود اللازم لها.
آثار نحاسية من أضرحة جبل حفيت بالعين.
العصر البرونزيكانت الحقبة الأثرية التالية التي أصبحت فيها منطقة العين مركزا هاما الصناعة النحاس قبل فترة 4000 سنة تقريبا.
ويستدل من الحفريات الأثرية التي أجريت مؤخراً بمنطقة الهيلي في العين بما لا يدع مجالا للشك على حقيقة صهر وسكب النحاس في المنطقة. فقد تم العثور على شظايا من قوالب وبواتق كانت تستخدم في عملية السكب بالاضافة الى نفايات معدنية وبقايا من جدران موقد مما يدل دلالة قاطعة على وجود مشغل قديم للنحاس هناك بثلاثة مصاهر على الأقل.مشهد المشغل نحاس قديم في حدائق الهيلي بالعين.
ويمكن الربط جغرافيا بين منقطة التعدين هذه وبين المواقع الاثرية في النحاس في العين. حدائق الهيلي مما يشكل الدلالة المباشرة الأولى على القيام باعمال سكبوقد عثر أحد المزارعين بمحض الصدفة على قبر قديم بمنطقة القطارة في العين أثناء قيامة بتسوية مزرعته بجرافة. ويعد هذا الاكتشاف بمثابة تقدم هائل وكان العلماء والمؤرخون يتطلعون اليه بفارغ الصبر.
وبعد أشهر من أعمال التنقيب الدقيقة هناك، تمكن أخصائيو الآثار بمتحف العين من العثور على عدد وفير من الخناجر والسيوف المصنوعة من النحاس الخالص أو المخلوط مع معادن أخرى.وكان ذلك بمثابة تحقيق حلم كبير لعلماء الآثار. وقد بلغت تلك المكتشفات في مجملها أكثر من 40 قطعة من أقدم وأنفس النماذج من السيوف والخناجر البرونزية التي أمكن العثور عليها حتى الآن في كافة أرجاء المعمورة. وقد ثبت علمياً أن تاريخ هذه المكتشفات الرئيسية يعود الى نحو أربعة آلاف سنة كما تبين من تحليل مكونات تلك الأسلحة وجود تركيزات من "النيكل" في السبائك النحاسية للحصول على "البرونز" مما يمثل قفزة نوعية كبيرة في تلك الصناعة.
ونظراً لعدم وجود مصادر محلية للحصول على خامات التنك في هذا الجزء من شبة الجزيرة العربية، فانه يبدو أن من المرجح الحصول على معدن التنك من المناجم البعيدة القائمة فيما يعرف اليوم بايران. وقد تم العثور في المواقع الأثرية لبلاد ما بين النهرين على نماذج مماثلة لأنواع الخناجر والسيوف المكتشفة في منطقة العين.وبالمقارنة فان وجود تركيزات قليلة من النيكل في السبائك البرونزية يستدل منه على القيام بصهر النحاس من الخامات كما أن النحاسين
الضريح المكتشف في القطارة بالعين.
سيوف وحراب وخناجر مكتشفة في ضريح القطارة.القدامى في العين قد استخدموا نفس السبائك المعدنية والأساليب الفنية المعروفة قديما لانتاج أسلحة تضاهي في جودتها أفضل ما تم العثور عليه من تلك الأسلحة القديمة في أي مكان آخر بالعالم.
وفيما يلي بعض نتائج التحاليل العلمية لنماذج من الأدوات المكتشفة(ج. ف. ميركيل)
نصل خنجر رقم (1)نحاس قصدير زنك زرنيخ رصاص حديد نيكل أنتيمون فضة المجموع 83,2 4,99 0 ,89 ,19, ,14 ,8 ,04 ,005 90,255
نصل خنجر رقم (2)
نحاس قصدير زنك زرنيخ رصاص حديد نيكل أنتيمون فضة المجموع 88,3 .87 ,01 ,76 ,051 ,28 1,18 ,03 ,085 91,566
ومن شان الاستمرار في أعمال التنقيب والاستكشاف عن الآثار في منطقة حديقة الهيلي أن تمدنا بالمزيد من المعلومات والمعرفة عن أحوال أولئك الناس الذين صنعوا هذه الأسلحة الرائعة وأشادوا من الآخر والطين القلاع والحصون الضخمة التي عملت على حماية الواحة ابان العصر البرونزي الوسيط قبل نحو أربعة آلاف سنة.
العصر الحديدي نظر الطبيعة الأبحاث الأثرية، فان من غير الممكن في الغالب العادة تركيب السلسلة المتواصلة من التطورات التاريخية المتعاقبة في اية منطقة بائدة، وعلى سبيل المثال، فاننا لا نملك سوى نوافذ صغيرة لوجهات النظر بشأن الآثار المكتشفة في العين وبعد مكتشفات الأضرحة التي أمكن العثور عليها في حديقة الهيلي، فان ثمة فجوة أخرى قد قلت ملحوظة في السجل الأثري لتلك المنطقة.
ويرجع الفضل في سد تلك الثغرة الى اكتشاف قرية يعود تاريخها إلى العصر الحديدي" في موقع لا يبعد سوى أقل من كيلومترين من حدائق الهيلي مما أمد علماء الآثار في متحف العين بالحلقة المفقودة من التسلسل الزمني وأكد النظرية القائلة بأن أعمال تعدين وصهر النحاس قد استمرت في الرواج والازدهار في المنطقة طوال فترة العصر الحديدي بعدمرور ألفي سنة على بداية مزاولتها في أطراف جبل حفيت.
قرية من العصر الحديدي - يرجع الفضل في اكتشافها إلى علماء الآثار بمتحف العين
وقد اكتشف علماء الآثار هذه القرية عام 1976 وبدأوا في تشكيل صورة عن الطريقة التي كان يعيش فيها أهل المنطقة قبل ٣٠٠٠ سنة. وكانت مهنة الزراعة وحرفة التعدين عن النحاس تشكلان بالنسبة لسكان تلك القرية أهم مصدرين رئيسين للثروة كما كانتا مرتبطتين بنظام الأفلاج للري الذي يعتمد على جر المياه الجوفية من الينابيع في الجبال الى مناطق السهول الغنية بالأتربة الصالحة للزراعة.ان عدم العثور على ما يشير الى وجود أسوار دفاعية لحماية القرية المكتشفة يدل على شيوع فترة من السلام والطمانينة النسبية مما يشجع بدوره على ازدهار التجارة ونمو الاقتصاد.
وعلى الرغم من تسمية تلك الحقبة بالعصر الحديدي، فان السكان المحليين لم يكن لهم كبير صلة بانتاج الحديد. وينطبق ذلك على أغلب مناطق الخليج حيث ظلت الأدوات والسبائك النحاسية تشكل الغالبية العظمى من المكتشفات الأثرية التي يعود تاريخها إلى تلك الحقبة.صهر النحاس باستخدام الأكبار المنتفخة
وقد تم العثور على كتلتين من النحاس الخام تزنان معاً أكثر من كيلو غرام ونصف ومن المعتقد أن انتاج النحاس قد ازدادت مستوياته بفضل استخدام أفران أكبر وأكبار أكثر فاعلية. وكانت الأفران تشاد من الرمل والفخار بقطر ٤٠ سنتيمترا تقريبا فوق سطح الأرض.ومن المرجح أن قدامى النخاسين قد استخدموا الأكبار المنتفخة التي تعد أكثر الأكبار فاعلية مما كان يعرف منها في تلك الفترة. وقد جرى استخدام تلك الأكيار بصورة مزدوجة وكانت تدار بالأقدام لزيادة ضغط الهواء داخل المصهر. وكانت النتيجة عند برود الفرن بعد الانتهاء من عملية الصهر لمدة ست ساعات تتمثل في الحصول على سبيكة من النحاس الخام أكبر بكثير من تلك السبائك التي كان النحاسون في مصهر جبل حفيت يأملون في الحصول عليها.
وعلى النقيض من أسلافهم، فقد تعلم النحاسون في " العصر الحديدي " كيفية تنقية نحاسهم الخام بواسطة النار. وكان ذلك يتطلب اعادة صهر السبائك النحاسية لحرق الشوائب العالقة فيها مثل أكسيد الحديد. وكانت المحصلة لذلك انتاج نحاس بنوعية أفضل لصنع مواد أكثر جودة مع أن من المرجح أنه لم تتم تنقية سوى كميات قليلة من النحاس الخام المستخرج من تلك القرية في حين أن أغلب الكميات المنتجة كانت تأخذ طريقها عبر الممرات التجارية القديمة انطلاقا من ميناء «أم النار» الى بلاد ما بين النهرين أو الى الأسواق المستجدة فيما بعد في بلاد الهند عند نشوء الامبراطورية الآشورية.وكانت تنقية النحاس عملية صعبة وشاقة كما هو الحال في عملية صهر خاماته الأولية. وكان على النحاس الذي يعمل في مجال التنقية ابقاء فرنه على مستوى 1200 درجة مئوية لمدة ساعتين على الأقل قبل التأكد من ضمان النجاح في عملية صب النحاس المصهور في القوالب الفخارية.
ولكن مواهب عمال القرية لم تتوقف عند ذلك الحد. فقد تبين لعلماء الآثار الذين يدرسون منطقة الهيلي أن أهل القرية المذكورة قد تمكنوا أيضا من صناعة "البرونز" الذي يناسب صناعة الأدوات والأسلحة نظراً لكونه أشد صلابة وأقوى من النحاس.وكانت صناعة البرونز تجرى بتحريك النحاس المصهور بعصا خضراء لازالة الغازات الذائبة في المعدن المصهور مما يعمل على تقليل احتمال
تشكل الفقاقيع الهوائية في المنتجات النهائية. كما كان يضاف إلى النحاس أثناء التحريك ما نسبته خمسة الى عشرة بالمئة من معدن التنك" المستورد قبل أن يصار الى صب النحاس المصهور في القوالب الفخارية المخصصة لذلك الغرض.ومع ازدياد الانتاج من النحاس، كان الطلب على الفحم يزداد أيضاً. وربما كانت صناعة النحاس في تلك الفترة منظمة بتوزيع العمال على فئات بمهام محدودة حيث كانت احدى الفئات تقوم بانتاج الفحم وفئة أخرى تتولى مهام التعدين في حين كان هناك عدد محدود من المختصين الذين يتولون مهام صهر النحاس وسكبه. وكانت مهنتا الزراعة المحلية والرعي تكملان صورة الحياة السائدة في تلك الأيام.
وقد ظلت صناعة النحاس رائجة ومزدهرة في العين لمدة خمسمائة عام ولكنها توقفت بعد ذلك بصورة مفاجئة. ولابد أن شيئاً مريعاً قد حصل مما أدى الى هجر القرية ابان العصر الحديدي وكساد تلك الصناعة.ولكن الذي حصل بالضبط لايزال لغزا محيراً للعلماء والمؤرخين. وربما كان السبب في ذلك راجعاً الى خلل واضطراب في نظام الري بالأفلاج الذي كان قائما هناك أو الى تغير في الأنماط التجارية مع احتمال الافراط في الانتاج الزائد من النحاس مما أدى الى وضع ضغط هائل على الامدادات المحلية من الأخشاب وربما كان النقص في مواد الوقود عاملاً حاسماً في التدهور الاقتصادي الذي شهدته المنطقة آنذاك. وثمة نظرية أخرى تعزو أسباب ذلك التدهور الاقتصادي الى احتمال تأثر صناعة النحاس بالحروب العديدة التي دارت رحاها بين اليونان والفرس والآشوريين في تلك الحقبة.
ومهما يكن السبب الحقيقي لذلك، فان من المؤكد أن قصة النحاس قد أخذت تخبو وراء حجب التاريخ حتى بدت وكانها توارت في غياهب الزمن. ولكن اذا ظن بعض المؤرخين أن صناعة النحاس كانت قد انقرضت واندثرت الى الأبد، فانهم بلا شك مخطئون في ذلك الظن.تنقية النحاس بالنار تتطلب ابقاء حرارة المصهر بصورة ثابتة على مستوى 1200 درجة مئوية لمدة ساعتين.
العصر الاسلاميمع وصول الاسلام الى المنطقة قبل 1360 عاماً، برزت هناك روح جديدة من حب المغامرة والمبادرة في شتى المجالات. وقد أدى ذلك إلى بعث صناعة النحاس من جديد بعد فترة طويلة من الركود الذي ران عليها وأعيد تنظيم تلك الصناعة بتقنيات ومواهب ودوافع تجارية جديدة لتلبية الاحتياجات المتزايدة للأسواق المتنامية بسرعة في المنطقة الشاسعة الممتدة بين نهر الفرات في الشمال وحتى وادي نهر الاندوز» في جنوب آسيا.
وقد اكتشف علماء الآثار صنوفاً عديدة من المواقد الاسلامية المشادة على سفوح التلال هناك مما يدل على حصول ثورة صناعية كبرى عمت سائر أرجاء المنطقة. وقد عثر علماء التنقيب على ۷۰ فرناً في موقع واحد فقط بالاضافة الى كميات وفيرة من خبث المعادن مما يعد بمثابة المخلفات الصناعية الناجمة عن عملية الصهر. وقد منح هذا الاكتشاف علماء الآثار الفرصة لاعادة تشكيل الأحداث المتسلسلة في تلك الثورة الصناعية التي عمت سائر أرجاء المنطقة وعملت على تحويل بلدة العين وصياغة تشكيلها منذ زمن بعيد.في هذا الموقع لوحده، عثر علماء الآثار على أكثر من سبعين مصهراً اسلامياً.
اعادة تشكيل مصهر اسلامي في الموقع الأصلي باشادة مواقد حديثة فوق الأساسات القديمة.وقد تم في تلك الأفران استخدام أكيار يدوية كبيرة مزدوجة مما عمل على زيادة تدفق الهواء ورفع معدلات الاحتراق ودرجات الحرارة في المواقد بصورة كبيرة. وكان انتاج النحاس يجري هناك على نطاق واسع كما أن امكانية التقاط النحاس وخبث المعادن بصورة متوالية من خلال الفتحة الصغيرة المثقوبة في أسفل الموقد، قد مكنت من استمرار عملية الصهر نفسها ليلاً ونهاراً دون توقف.
ولكن هذا المعدل العالي من الانتاج كان له ثمنه الباهظ أيضاً. فقد اعتمد عمال التعدين المسلمون، شأنهم في ذلك شأن من سبقهم على الامدادات الضخمة من الأخشاب المتوفرة لصناعة الفحم وربما كانوا يستهلكون أكثر من الطاقة الممكنة للمنطقة خاصة وأن الأفران الجديدة الكبيرة كانت تستهلك الفحم بدرجة هائلة. ومن المقدر أن كل فرن من تلك الأفران الكبيرة كان يستهلك زهاء ثلاثين كيلو غراماً من الفحم النباتي مقابل كل كيلو غرام واحد يتم صهره من النحاس الخام. ومن المرجح أن الطلب على الأخشاب المحلية كان كبيراً جداً لدرجة أن الأخشاب اللازمة لابد وأن جرى استيرادها من الخارج للمحافظة على معدلات الانتاج العالية.وكانت مسألة توفر النحاس في هذه الفترة أخف وطأة وأقل حدة من مشكلة توفر الوقود على الرغم من أن العروق المكشوفة كانت قد استنزفت خلال فترة الأربعة آلاف سنة السابقة لدرجة أن عمال التعدين المسلمين كان عليهم أن يتوغلوا أكثر من ذي قبل في منحدرات التلال للكشف عن مكامن جديدة.
وعلى الرغم من صعوبة وخطورة التعدين، فقد سارت تلك المهنة قدماً وازدادت قوة وازدهاراً مع مرور الزمن.وقد بدا في وقت من الأوقات أن تلك الصناعة سوف تستمر الى ما لا نهاية.
الانحدار والاندثاريبدو أن من المفارقات الغريبة ومن سخرية الأقدار العجيبة أن السر في قصة نجاح وازدهار صناعة النحاس في العين كان هو نفس السبب الكامن وراء انهيار تلك الصناعة واندثارها عندما نضب معين النحاس الخام من المنطقة.
لقد جرى تعدين واستغلال الطبقات الغنية بخامات النحاس بصورة زائدة ودون هوادة على مدى أربعة آلاف سنة وراح عمال التعدين يجوبون مختلف سفوح التلال لحفر المناجم واستكشاف عروق جديدة من النحاس الخام. وتبدو المنطقة اليوم حافلة بالشواهد والآثار الباقية من المناجم والحفريات البائدة التي تدل على نشوء وازدهار صناعة كثيرة المتطلبات والاحتياجاتوفي النهاية، كانت النتيجة لذلك محتومة. فقد استنزفت الطبقات الحاوية للنحاس الى درجة النضوب من ذلك المعدن وتوقفت بعدها أعمال التعدين وتحولت على أثرها المستوطنات والقرى إلى أماكن أخرى وأخذت المنطقة في الانزلاق مع تدهور الاقتصاد وأقول نجم الازدهار فيها.
لقد عاش عمال المناجم في العين أيامهم المجيدة وفي الأخير شاءت الأقدار أن تصل تلك الصناعة الى نهايتها وأن تندتر تلك التجارة الزاهرة التي راجت لفترات طويلة مع بلاد ما بين النهرين واقليم وادي نهر الاندوز جنوب آسيا وعملت على جلب ثروات طائلة على مدى قرون عديدة الى المنطقة الممتدة بين العين في دولة الإمارات العربية المتحدة وصحار فيسلطنة عمان
لقد اندثرت صناعة وتجارة النحاس واختفت من حياة الناس في منطقة العين في هذه الأيام، ولكن ذكراها ستظل عطرة مائلة في الأذهان كما ستبقى قصتها خالدة في بطون التاريخ والسجلات على مر العهود والأزمانجلب خامات النحاس من منجم اسلامي ويظهر في الداخل مشهد المنجم نموذجي
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
نفذت القوات الأوكرانية هجوماً واسع النطاق باستخدام نحو 40 طائرة مسيرة، تم إسقاط 35 منها، على جمهورية...
The only comment is that the time of the doctor's availability is up to 430, 5 o'clock only However...
The only comment is that the time of the doctor's availability is up to 430, 5 o'clock only However...
They are serving a very dry steamed chicken breast and not tasty and the fish the should provide th...
A loop of wire that forms a circuit crosses a magnetic field. When the wire is stationary or moved p...
تعد مهارة التواصل من المهارات المهمة التي يعتمد عليها الإنسان، سواء على الصعيد المهني او الشخصي. كما...
The doctor is very brilliant . She told us how to control the sugar , gave advices to my son and tol...
تعتبر وفيات الأطفال واعتلال صحتهم من القضايا الصحية العاجلة التي تتطلب فهمًا عميقًا للعوامل المتعددة...
القطاع الزراعي يعتبر القطاع الزراعي بشقيه الحيواني و النباتي من أهم القطاعات في السودان حيث يضم 80...
يبدو أن نهاية حقبة نتنياهو قد اقتربت فعلا هذه المرة. إدارة ترامب تعتقد أن الضربات الأخيرة على إيران ...
تؤثر الألعاب الإلكترونية بشكل سلبي على المراهقين، خاصة في حال استخدامها بشكل مفرط أو عند اختيار ألعا...
إقليم تيغراي الإثيوبي. هذه التوترات تأتي على خلفية تباين أهداف الدولتين خلال الحرب في تيغراي، حيث سع...