Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

قال الملك للفيلسوف: قد سمعتُ المَثَل الذي ضربتَ، فاضرِب لي الآن إن رأيت مَثَلَ رجلٍ كثُر عدوُّه وحصروه من كل جانب، فالتمس المخرج بموالاة بعض العدوِّ ومصالحته، فأخبرني عن موضع الصلح وكيف يُلتَمس ذلك؟
وكثيرٌ من المودة يتحوَّل بُغضًا، وكثيرٌ من البُغضِ يتحول محبة ومودَّة عن حوادث العلل والأمور، وذُو الرأي والعقل يُهيئ لكل ما حدث من ذلك رأيًا، واليأس مما عند الصديق، إذا طمع منه في دفع مخوف، ويُعمِل الرأي في إحداث المواصلة والموادعة، ومَن أبصر الرأي في ذلك فأخذ فيه بالحزم ظفِر بحاجته، ومن أمثال ذلك مَثَلُ الجُرَذ والسِّنَّور اللذين اصطلحا حين كان ذلك الرأي لهما صوابًا، وكان في صلحهما صلاحهما جميعًا ونجاتهما من الورطة الشديدة، قال الملك: وكيف كان ذلك؟ قال الفيلسوف: زعموا أنه كان بأرض سَرَنديب شجرة من الدَّوح،١ وكان في أصلها جُحر لجُرَذ يُقال له فريدون، وجُحر لسِنَّور يُسمَّى رومي،٢ وكان الصيَّادون ربما اجتازوا بذلك المكان يلتمسون صيد الوحش، وأنَّ صيَّادًا مرَّ ونصب حباله ذات يوم فوقع فيها رومي، وخرج الجرذ يبتغي ما يأكل وهو مع ذلك حَذِر يلتفت وينظر، فلمَّا رأى السنَّوْر مقتنصًا في الحبال فرح، ثم التفت خلفه فأبصر ابن عِرس قد تبعه، فنظر فوقه فإذا بومة على شجرةٍ ترصُده، فخاف إن انصرف راجعًا أن يثب عليه ابن عِرس، وإن تقدَّم فالسنَّوْر أمامه، وشرور قد تظاهرت عليَّ، ولا مَفْزع لي إلَّا إلى عقلي وحيلتي، ولا يَذهبنَّ قلبي شَعاعًا؛ فإنَّ العاقل لا يتفرَّق عليه رأيه، ولا يعزُب عنه عقله على حال، وإنما عقول ذوي الرأي كالبحر الذي لا يُدرَك غَورُه، ولا يبلغ البلاء من ذي الرأي مجهودَ عقله فيُهلِكه، ولا الرخاء ينبغي له أن يبلغ منه مبلغًا يُبطره ويُسكِره ويُعمي عليه أمره.ثم قال: لا أرى حيلةً أمثَلَ من التماس صلح السنَّوْر؛ فإنَّ السنَّوْر قد نزل به بلاء، ولعلِّي أقدر على صلاحه، ولعلَّه يكون له ولي في ذلك نجاة، ثم دنا منه فقال: كيف حالك؟ فأجابه السنَّوْر: كالذي تهوى، ولكنِّي اليوم قد شاركتك في البلاء، فذلك الذي عطفني عليك، وستعرف مقالتي أنْ ليس فيها ريبٌ ولا مخادعةٌ، فإنه قد ترى مكان ابن عِرس كامنًا لي، وهما يخافانك ويهابانك، وثق به منِّي، فإنه ليس أحدٌ أبعدَ منَ الخير من اثنين منزلتُهما واحدة وصفتُهما مختلفة: أحدهما من لا يثق بأحد، والآخر من لا يثق به أحد، ولك عندي الوفاء بما جعلتُ لك من نفسي، فاقبَل منِّي واسترسِل إليَّ وعجِّل ذلك ولا تؤخِّر، فإنَّ العاقل لا يؤخِّر عمله، كالسفينة والركَّاب في البحر، فبالسفينة يخرج الركَّاب من البحر وبالركَّاب تخرج السفينة. وعرف أنه صادق، فقال للجرذ: أرى قولك شبيهًا بالحق والصدق، فأنا راغبٌ في هذا الصلح الذي أرجو لنفسي ولك فيه الخلاص، ثم أشكر لك ذلك ما بقيت وأجازيك به أحسن الجزاء. قال الجرذ: فإذا دنوتُ منك فليَرَ ابن عِرس والبومة ما يعرفان به صلحنا فينصرفان آيسينِ، وأُقبِل أنا على قرضِ الحبال؛ فلمَّا دنا الجرذ من السنَّوْر أخذه فالتزمه، فلمَّا رأت البومة وابنُ عِرس ذلك انصرفا خائبينِ، وأخذ الجرذ في قطع حبائل السنَّوْر فاستبطأه السنَّوْر وقال للجرذ: ما أراك جادًّا في قطع رباطي، فإن كنت — حين ظفرت بحاجتك — تبدَّلت عما كنتَ عليه وتوانيت في حاجتي فليس هذا للكريم بخلق؛ أن يتوانى في حاجة صاحبه إذا استمكن من حاجة نفسه، وأنت حقيقٌ أن تكافئني، ولا تذكرَ عداوةَ ما بيني وبينك؛ فإنَّ ما حدث بيننا حقيقٌ أن يُنسِيك ذلك، وإنَّ الكريم لا يكون إلَّا شكورًا غير حقود، تُنسيه الخَلَّةُ الواحدة من الإحسان الخِلال الكثيرة من الإساءة، وأعجَل العقوبة عقوبةُ الغدر واليمين الكاذبة، ومَن إذا تُضُرِّع إليه وسُئل العفو لم يعفُ ولم يصفَح. قال الجرذ: الأصدقاء صديقان: طائع ومضطرٌّ، وكلاهما يلتمس المنافع ويحترس من المضارِّ، فأمَّا الطائع منهما فيُستَرسل إليه ويوثَق به على كل حال، وحالاتٍ يُتَّقى فيها، فلا يزال العاقل يَرتهن منه بعض حاجته ببعض ما يُتقَى وما يُخاف، وليس عامَّة التواصل والتحاب بين الناس إلَّا التماس عاجلِ النفع، وأنا وافٍ لك بما جعلت على نفسي، ومحترسٌ من أن يصيبني منك مثلُ الذي ألجأني إلى صلحك؛ فإنَّ لكل عملٍ حينًا، وإن لم يكن في حينه فلا عاقبةَ له، وأنا قاطعٌ حبائلك لوقتها، غيرَ أنِّي تارك عُقدةً واحدةً أرتهنك بها، ففعل ذلك، وباتا يتحادثان حتى إذا أصبحا إذا هما بالصيَّاد قد أقبل من بعيد. فقطع حبائله، ولم يدنُ منهما الصياد حتى فرغ الجرذ، على سُوءِ ظنٍّ من السنَّوْر ودَهَش، ودخل الجرذ الجحر، فأخذ الصيَّاد حبائله مقطَّعة وانصرف خائبًا. وناداه السنَّوْر: أيها الصديق، ذا البلاء الحسن! ما يمنعك من الدنوِّ منِّي لأجزيك بأحسن ما أبليتني؟ هلمَّ إليَّ ولا تقطع إخائي، وأيس من منفعة الإخوان، وإنَّ يدك عندي اليدُ التي لا تُنسى، فلا تخافنَّ منِّي شيئًا، واعلم أنَّ ما قِبَلي لك مبذول، ثم حلف له واجتهد على تصديق ما قال، وهي أشدُّ ضرًّا من العداوة الظاهرة، ومَن لم يحترس منها وقع موقع مَن يركب ناب الفيل المغتلِم ثم يغلبه النعاس، وسُمِّي العدوُّ عدوًّا لما يخاف من ضرره؛ فإنَّ العاقل إذا رجا نَفْع العدوِّ أظهر له الصداقة، وإذا خاف ضَرَّ الصديق أظهر له العداوة، أوَلَا ترى أولاد البهائم تتبَع أمهاتها رجاء ألبانها، ويَهمي ساعة ويُمسِك أخرى، كذلك العاقل يتلوَّن مع متلوِّنات الأمور عن اختلاف أحوال الأصحاب، ويسترسل مرة ويحترس أخرى، وربما قَطَعَ المرءُ عن صديقه بعض ما كان يصله بفضله فلم يخَفْ شرَّه؛ لأنَّ أصل أمره لم يكن عداوة، فأمَّا من كان أصلُ أمره عداوة، وتحدث صداقته لحاجةٍ حملته على ذلك، فإنه إذا ذهب الأمر الذي أحدث ذلك صار إلى أصل أمره، فلا عدوَّ أضرُّ لي منك، وقد كان اضطرني وإياك أمرٌ أخرجنا إلى ما صرنا إليه من المصالحة، وقد ذهب الأمر الذي احتجتَ إليَّ واحتجتُ إليك فيه، وأخافُ أن يكون مع ذهابه عَود العداوة بيني وبينك، ولا للذليلِ في قربِ العدوِّ العزيزِ، ولا أرى الثقة بك، فإنِّي قد علمت أنَّ الضعيف هو أقرب إلى أن يَسلم من العدوِّ القويِّ إذا هو احترس منه ولم يغترر به، من القويِّ إذا اغتر بالضعيف واسترسل إليه، والعاقل يصانع عدوَّه إذا اضطُرَّ إليه فيظهرُ له وُدَّه ويريه من نفسه الاسترسال إليه إذا لم يجد من ذلك بدًّا، ويعجِّل الانصراف عنه إذا وجد إلى ذلك سبيلًا.واعلم أن صريع الاسترسال٣ لا يكاد يستقيل عثرته، ويثق بذلك من نفسه، ولا يثق لها بمثل ذلك من أحد، شيئًا، وأنا أوَدُّك من بعيد، ولا عليك أن تَجزيني بمثل ذلك إن رأيت،


Original text

قال الملك للفيلسوف: قد سمعتُ المَثَل الذي ضربتَ، فاضرِب لي الآن إن رأيت مَثَلَ رجلٍ كثُر عدوُّه وحصروه من كل جانب، فأشرف على الهَلَكة، فالتمس المخرج بموالاة بعض العدوِّ ومصالحته، فسلِم ممِّا يتخوَّف، ووفى لمن صالح منهم، فأخبرني عن موضع الصلح وكيف يُلتَمس ذلك؟


قال الفيلسوف: إنَّ العداوة والمودَّة والبغضاء ليس كلُّها تثبت وتدوم، وكثيرٌ من المودة يتحوَّل بُغضًا، وكثيرٌ من البُغضِ يتحول محبة ومودَّة عن حوادث العلل والأمور، وذُو الرأي والعقل يُهيئ لكل ما حدث من ذلك رأيًا، من الطمع فيما يحدث من ذلك قِبَل العدوِّ، واليأس مما عند الصديق، فلا يمنعنَّ ذا العقل عداوةٌ كانت في نفسه لعدوِّه من مقاربته والتماس ما عنده، إذا طمع منه في دفع مخوف، ويُعمِل الرأي في إحداث المواصلة والموادعة، ومَن أبصر الرأي في ذلك فأخذ فيه بالحزم ظفِر بحاجته، ومن أمثال ذلك مَثَلُ الجُرَذ والسِّنَّور اللذين اصطلحا حين كان ذلك الرأي لهما صوابًا، وكان في صلحهما صلاحهما جميعًا ونجاتهما من الورطة الشديدة، قال الملك: وكيف كان ذلك؟ قال الفيلسوف: زعموا أنه كان بأرض سَرَنديب شجرة من الدَّوح،١ وكان في أصلها جُحر لجُرَذ يُقال له فريدون، وجُحر لسِنَّور يُسمَّى رومي،٢ وكان الصيَّادون ربما اجتازوا بذلك المكان يلتمسون صيد الوحش، وأنَّ صيَّادًا مرَّ ونصب حباله ذات يوم فوقع فيها رومي، وخرج الجرذ يبتغي ما يأكل وهو مع ذلك حَذِر يلتفت وينظر، فلمَّا رأى السنَّوْر مقتنصًا في الحبال فرح، ثم التفت خلفه فأبصر ابن عِرس قد تبعه، فنظر فوقه فإذا بومة على شجرةٍ ترصُده، فخاف إن انصرف راجعًا أن يثب عليه ابن عِرس، وإن ذهب يمينًا أو شمالًا أخذته البومة، وإن تقدَّم فالسنَّوْر أمامه، فقال الجرذ: هذا بلاءٌ قد اكتنفني، وشرور قد تظاهرت عليَّ، ولا مَفْزع لي إلَّا إلى عقلي وحيلتي، فلا يكونَنَّ الدهَش من شأني، ولا يَذهبنَّ قلبي شَعاعًا؛ فإنَّ العاقل لا يتفرَّق عليه رأيه، ولا يعزُب عنه عقله على حال، وإنما عقول ذوي الرأي كالبحر الذي لا يُدرَك غَورُه، ولا يبلغ البلاء من ذي الرأي مجهودَ عقله فيُهلِكه، ولا الرخاء ينبغي له أن يبلغ منه مبلغًا يُبطره ويُسكِره ويُعمي عليه أمره.
ثم قال: لا أرى حيلةً أمثَلَ من التماس صلح السنَّوْر؛ فإنَّ السنَّوْر قد نزل به بلاء، ولعلِّي أقدر على صلاحه، ولعلَّه لو قد سمع منِّي ما أكلمه به من الكلام الصحيح الذي لا خداع فيه أن يفهم عنِّي ويطمع في معرفتي، ويسلَس بذلك لصلحي، ولعلَّه يكون له ولي في ذلك نجاة، ثم دنا منه فقال: كيف حالك؟ فأجابه السنَّوْر: كالذي تهوى، في الضنك والضيق! قال الجرذ: لا تكذيب لك، لعمري لقد كان يسرُّني ما ساءك، وأرى ما ضيق عليك لي سعة، ولكنِّي اليوم قد شاركتك في البلاء، فلا أرجو لنفسي خلاصًا إلَّا بالأمر الذي أرجو لك به الخلاص، فذلك الذي عطفني عليك، وستعرف مقالتي أنْ ليس فيها ريبٌ ولا مخادعةٌ، فإنه قد ترى مكان ابن عِرس كامنًا لي، والبومة تُريد اختطافي، وكلاهما لي ولك عدوٌّ، وهما يخافانك ويهابانك، فإن أنت جعلت لي أن تُؤمِّنني إن أنا دنوت منك فأنجو بذلك منهما؛ فإني مُخلِّصك مما أنت فيه، فاطمئِنَّ إلى ما ذكرتُ، وثق به منِّي، فإنه ليس أحدٌ أبعدَ منَ الخير من اثنين منزلتُهما واحدة وصفتُهما مختلفة: أحدهما من لا يثق بأحد، والآخر من لا يثق به أحد، ولك عندي الوفاء بما جعلتُ لك من نفسي، فاقبَل منِّي واسترسِل إليَّ وعجِّل ذلك ولا تؤخِّر، فإنَّ العاقل لا يؤخِّر عمله، ولتَطِبْ نفسك ببقائي كما طابت نفسي ببقائك؛ فإنَّ كل واحدٍ منَّا ينجو بصاحبه، كالسفينة والركَّاب في البحر، فبالسفينة يخرج الركَّاب من البحر وبالركَّاب تخرج السفينة.


فلمَّا سمع السنَّوْر مقالة الجرذ سُرَّ بها، وعرف أنه صادق، فقال للجرذ: أرى قولك شبيهًا بالحق والصدق، فأنا راغبٌ في هذا الصلح الذي أرجو لنفسي ولك فيه الخلاص، ثم أشكر لك ذلك ما بقيت وأجازيك به أحسن الجزاء. قال الجرذ: فإذا دنوتُ منك فليَرَ ابن عِرس والبومة ما يعرفان به صلحنا فينصرفان آيسينِ، وأُقبِل أنا على قرضِ الحبال؛ فلمَّا دنا الجرذ من السنَّوْر أخذه فالتزمه، فلمَّا رأت البومة وابنُ عِرس ذلك انصرفا خائبينِ، وأخذ الجرذ في قطع حبائل السنَّوْر فاستبطأه السنَّوْر وقال للجرذ: ما أراك جادًّا في قطع رباطي، فإن كنت — حين ظفرت بحاجتك — تبدَّلت عما كنتَ عليه وتوانيت في حاجتي فليس هذا للكريم بخلق؛ أن يتوانى في حاجة صاحبه إذا استمكن من حاجة نفسه، وقد كان لك في مودَّتي من عاجل المنفعة والاستنقاذ من الهلكة ما قد رأيتَ، وأنت حقيقٌ أن تكافئني، ولا تذكرَ عداوةَ ما بيني وبينك؛ فإنَّ ما حدث بيننا حقيقٌ أن يُنسِيك ذلك، وإنَّ الكريم لا يكون إلَّا شكورًا غير حقود، تُنسيه الخَلَّةُ الواحدة من الإحسان الخِلال الكثيرة من الإساءة، وأعجَل العقوبة عقوبةُ الغدر واليمين الكاذبة، ومَن إذا تُضُرِّع إليه وسُئل العفو لم يعفُ ولم يصفَح. قال الجرذ: الأصدقاء صديقان: طائع ومضطرٌّ، وكلاهما يلتمس المنافع ويحترس من المضارِّ، فأمَّا الطائع منهما فيُستَرسل إليه ويوثَق به على كل حال، وأمَّا المضطر فإنَّ له حالاتٍ يُستِرسل إليه فيها، وحالاتٍ يُتَّقى فيها، فلا يزال العاقل يَرتهن منه بعض حاجته ببعض ما يُتقَى وما يُخاف، وليس عامَّة التواصل والتحاب بين الناس إلَّا التماس عاجلِ النفع، وأنا وافٍ لك بما جعلت على نفسي، ومحترسٌ من أن يصيبني منك مثلُ الذي ألجأني إلى صلحك؛ فإنَّ لكل عملٍ حينًا، وإن لم يكن في حينه فلا عاقبةَ له، وأنا قاطعٌ حبائلك لوقتها، غيرَ أنِّي تارك عُقدةً واحدةً أرتهنك بها، فلا أقطعها إلَّا في الساعة التي أعرف أنك عنِّي فيها في شُغُل، ففعل ذلك، وباتا يتحادثان حتى إذا أصبحا إذا هما بالصيَّاد قد أقبل من بعيد. فقال الجرذ: الآن جاء موضع الجِدِّ في قطع بقية حبائلك، فقطع حبائله، ولم يدنُ منهما الصياد حتى فرغ الجرذ، على سُوءِ ظنٍّ من السنَّوْر ودَهَش، فلمَّا أفلت عدا إلى الشجرة فصعدها، ودخل الجرذ الجحر، فأخذ الصيَّاد حبائله مقطَّعة وانصرف خائبًا.


وخرج الجرذ بعد ذلك من جُحره فرأى السنَّوْر من بعيد، فكره أن يدنوَ منه، وناداه السنَّوْر: أيها الصديق، ذا البلاء الحسن! ما يمنعك من الدنوِّ منِّي لأجزيك بأحسن ما أبليتني؟ هلمَّ إليَّ ولا تقطع إخائي، فإنه مَن اتخذ صديقًا ثم أضاع ودَّ إخائه حُرِم ثمرة الإخاء، وأيس من منفعة الإخوان، وإنَّ يدك عندي اليدُ التي لا تُنسى، فأنت حقيقٌ أن تلتمسَ مكافأة ذلك منِّي ومن إخواني وأصدقائي، فلا تخافنَّ منِّي شيئًا، واعلم أنَّ ما قِبَلي لك مبذول، ثم حلف له واجتهد على تصديق ما قال، فأجابه الجرذ أنه رُبَّ عداوةٍ باطنةٍ ظاهرُها صداقة، وهي أشدُّ ضرًّا من العداوة الظاهرة، ومَن لم يحترس منها وقع موقع مَن يركب ناب الفيل المغتلِم ثم يغلبه النعاس، وإنما سُمِّي الصديقُ صديقًا لما يُرجى من نفعه، وسُمِّي العدوُّ عدوًّا لما يخاف من ضرره؛ فإنَّ العاقل إذا رجا نَفْع العدوِّ أظهر له الصداقة، وإذا خاف ضَرَّ الصديق أظهر له العداوة، أوَلَا ترى أولاد البهائم تتبَع أمهاتها رجاء ألبانها، فإذا انقطع ذلك انصرفت عنها؟ وكما أنَّ السحاب يلتئم ساعة ويتقطَّع أخرى، ويَهمي ساعة ويُمسِك أخرى، كذلك العاقل يتلوَّن مع متلوِّنات الأمور عن اختلاف أحوال الأصحاب، فينبسط مرة وينقبض أخرى، ويسترسل مرة ويحترس أخرى، وربما قَطَعَ المرءُ عن صديقه بعض ما كان يصله بفضله فلم يخَفْ شرَّه؛ لأنَّ أصل أمره لم يكن عداوة، فأمَّا من كان أصلُ أمره عداوة، وتحدث صداقته لحاجةٍ حملته على ذلك، فإنه إذا ذهب الأمر الذي أحدث ذلك صار إلى أصل أمره، كالماء الذي يسخن بالنار، فإذا رُفِع عنها عاد باردًا، فلا عدوَّ أضرُّ لي منك، وقد كان اضطرني وإياك أمرٌ أخرجنا إلى ما صرنا إليه من المصالحة، وقد ذهب الأمر الذي احتجتَ إليَّ واحتجتُ إليك فيه، وأخافُ أن يكون مع ذهابه عَود العداوة بيني وبينك، ولا خيرَ للضعيفِ في قربِ العدوِّ القويِّ، ولا للذليلِ في قربِ العدوِّ العزيزِ، ولا أعلمُ لك فيَّ حاجة إلَّا أن تريد أكلي، ولا أرى الثقة بك، فإنِّي قد علمت أنَّ الضعيف هو أقرب إلى أن يَسلم من العدوِّ القويِّ إذا هو احترس منه ولم يغترر به، من القويِّ إذا اغتر بالضعيف واسترسل إليه، والعاقل يصانع عدوَّه إذا اضطُرَّ إليه فيظهرُ له وُدَّه ويريه من نفسه الاسترسال إليه إذا لم يجد من ذلك بدًّا، ويعجِّل الانصراف عنه إذا وجد إلى ذلك سبيلًا.


واعلم أن صريع الاسترسال٣ لا يكاد يستقيل عثرته، والعاقل يفي لمن صالح بما جعل له، ويثق بذلك من نفسه، ولا يثق لها بمثل ذلك من أحد، ولا يؤثر على البعد من عدوِّه، ما استطاع، شيئًا، والبعد لك من الصيَّاد والبعد لي منك مِن أحزم الرأي، وأنا أوَدُّك من بعيد، ولا عليك أن تَجزيني بمثل ذلك إن رأيت، وإلَّا فلا سبيل إلى اجتماعنا أبدًا، والسلام.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

تعتبر وثيقة وقف...

تعتبر وثيقة وقف جامع الأميرين محمد وأحمد بإضميم (1) من أهم المصادر التي يمكن في قوتها دراسة تاريخ عم...

رف المساجد بانھ...

رف المساجد بانھا دار العبادة وتقام بھا الصلوات الخمس التي شرعھا وفرضھا الله عز وجل في كتابھ الكریم م...

The mobile plat...

The mobile platform infrastructure has also given birth to yet another e-commerce innovation: on-dem...

يتأثر تأثير الن...

يتأثر تأثير النمو الاقتصادي المستدام بشكل كبير بسلوك المستهلك وعادات الاستهلاك. كانت هناك تحولات في ...

للمملكة العربية...

للمملكة العربية السعودية مبادرات مختلفة لحل قضايا الدول العربية ومساعدة شعوبها، جاء ذلك من حرصها على...

سيد الرئيس، الس...

سيد الرئيس، السادة القضاة، توبع مؤازري من قبل هذه النيابة العامة من أجل جنحة الاتجار وترويج المخدرات...

Dear Selection ...

Dear Selection Committee, I am writing to express my strong interest in the European Solidarity Cor...

1.2.2. Le Psyll...

1.2.2. Le Psylle de l'olivier : (Homoptera : Psylidae) Le psylle apparaît sur la frondaison de l'...

وإنا لنرى -بإذن...

وإنا لنرى -بإذن الله تعالى- أن معركة "طوفان الأقصى" -رغم الجراح والدمار والدماء والآلام التي تعز على...

أواخر القرن الخ...

أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، عصر الكشوفات الجغرافية الكبرى شهد نشاطاً بارزاً ، مارسته الجماعات ا...

تعد المؤسسة الا...

تعد المؤسسة الاقتصادية المحرك الأساسي لأي نشاط اقتصادي كونها عرفت عدة أساليب حديثة في الطرق التسيير ...

During the oil ...

During the oil production, the decrease of formation pressure can result in an increase of effective...