Online English Summarizer tool, free and accurate!
ما لبثت مرحلة النمو الحضاري أن بدأت الفعل بعد استكمال وراحت تنسج معطياتها في جل الحلقات ومن ثقافات محلية نبطية وسريانية ولكنها ما كانت تكتفي بالاستعارة أو تقف عند حدود النقل الشيء الذي يكدس ولا يبني، وإنما بذلت جهداً تركيبياً مبدعاً لإعادة صياغة التراث المنقول بما ينجسم والثوابت والتصورات التي رسمها وأكّدها والفعل الحضاري في مرحلة النمو يتدفق - كالمياه المتفجرة - عبر لكنها - بطبيعة الحال - متداخلة متشابكة، العلاقات التأثيرية في هذا الجانب أو ذاك. ويمكن تحديد هذه الاتجاهات بدوائر أو قطاعات كبيرة ثلاثة تتضمن كل منها حشوداً من الفروع أولاً: دائرة النشاط المعرفي والثقافي وهو الذي يتضمن الجانب العقدي فضلاً عن الجوانب الفكرية والروحية ويلعب دوره الحاسم في منحها سماتها المتفردة ثانياً: دائرة النشاط الاقتصادي والتقني والعمراني، الجانب المادي للحضارة ويصطلح عليه أحياناً بالمدنية. ثالثاً: دائرة النشاط الإداري والتنظيمي وهو الذي يتضمن الجانب الفني ويتحرك من خلال النظم والمؤسسات السياسية والإدارية التي تقوم بمهمة الإشراف والتخطيط والتنسيق بين المعطيات كافة، بين العاملين ضمن حلقات الحضارة الواحدة. وقد تدفقت الحضارة الإسلامية عبر هذه القنوات الكبيرة الثلاث وراحت تنمو وتتشكل وتزداد غنى بمرور الوقت، التي صنعت هذه الحضارة وأمدتها بعناصر الحركة والديمومة، هذه القنوات وتشكلها وتصوغها. ولكن المجرى العام كان (إسلاميا)، ومنذ اللحظات الأولى قدرت الحضارة الإسلامية الوليدة على أن تجابه التحديات المبكرة وتستجيب لها وتطويها عبر القنوات الثلاث، وبمرور الوقت شهدت المؤسسات الإسلامية التي غرست بذورها الأولى في عصري الرسول صلّى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم) نمواً متزايداً في المجالات كافة، لكي ما تلبث أن تبلغ محنياتها ولا نستطيع - مرة أخرى - أن نفصل بين هذه المعطيات وبين الأمة أي بين خصائص هذه المعطيات وبين قيم ومبادئ واهتمامات وتصورات الجماعات المسلمة التي صنعتها فكراً وعلماً وفناً وأدباً واقتصاداً كما أنه ليس بمقدورنا أن نعلق خصائص هذه الحضارة السلطة، وإن كانت تمارس دورها البارز في تكوين المنجزات الحضارية ومنحها بعض خصائصها ومكوناتها، إلا أن هذه المنجزات تبقى - في الأعم الأغلب - أكبر من السلطة، والتوجيه، وتتسع منداحة باستمرار لكي تكون في نهاية الأمر موازية لحجم الجماهير الأوسع والأقدر على مواصلة الإنجاز، إيماناً والتزاماً. النشاط المعرفي والثقافي باعتبارها انعكاساً للفكر والحياة والروح الإسلامية. اللونية أو تلك. لنأخذ مثلاً العلوم الإنسانية والآداب والفنون التي تشكل مساحة فماذا نجد؟ إطار إسلامي. أو ذاك. الفيلسوف والمنطقي وعالم الكلام وهو يجاهد لكي يحقق الوفاق بين معطيات الأقدمين وبين تصوّره الإسلامي. الإسلام وقيمه. ومضامينه. الدين الجديد وتصوراته، يحدث وأن يشذ هذا المؤرخ أو الجغرافي أو الفيلسوف أو الأديب أو ولمن يؤخذ بها أو يقاس عليها. والمجال لا يتسع - في هذا الفصل - لاستعراض تفاصيل وجزئيات قصيرة عند بعض جوانب هذه المعطيات، للمعرفة والثقافة الإسلاميتين ونضع أيدينا على الجوهر الذي يكمن خلف ( أ. الإنسانية وهو الأرجح). والخبرات والإبداعات، وصنفت آلاف الكتب، وخرجت عشرات الألوف من العصور. كما علمهم ومن خلال نظرة سريعة على كتب (التراجم) التي تغص بها مكتبتنا التاريخية، يتبين لنا بالأرقام والأسماء الواضحة المحددة الحشد الكبير من المعنيين بالمعرفة في حقولها كافة. كتب التراجم فيما لم تشهد له مثيلاً أمة من الأمم في التاريخ القديم والوسيط. وهذا يحمل - ولا ريب - دلالته الإحصائية الواضحة على حجم التيار المعرفي الذي شقّه المسلمون عبر التاريخ، وعلى تدفق واتساع مجراه. المصنفات في سائر مناحي العلوم والآداب والفنون التي كتبها أجدادنا المسلمون، يتبين لنا بالدليل المشهود كيف أنهم كانوا يربطون تأليفهم ومنجزاتهم الإسلامية بنظرتهم للعالم، وتصوّرهم المتدين للكون والحياة وينتهون منه حتى وهم ينشطون في حقول الطبيعة والهندسة والحساب وينشدون. يحرّم أصنافاً من الفنون قد تقود الإنسان ثانية إلى الخطأ أو الإذلال، قد يتسرب منه الازدواج، إن الانفصام النكد بين ثقافة المسلم وبين أصولها الدينية تقليد دخيل أرغمت عليه أجيالنا الحديثة والمعاصرة إرغاما. جرّعته رعباً ورهبة كما ومن ومن خلال المسار الثقافي العام وأحياناً المادية، وتحقق له بعد جهد طويل لم يكلل بالنجاح الكامل لحسن الحظ، إحداث الإيماني الذي تحركت من خلاله مواكب الآباء والأجداد عبر ثلاثة عشر قرنا بقدر معجز من التوحد، وكلام. وعلوم اللغة والنحو والأدب (بأنواعه كافة)، والكيمياء، للحياة البشرية؟ وما الذي بنته، وأناشيد، وما الذي أنشأته من مراكز التربية والتعليم ومؤسساتهما؟ وما الذي كانت تمارسه في أروقتهما من نظم ومناهج وأساليب؟ إلا بالرجوع إلى ما تركته لنا القرون من بقايا ثروة ضخمة من الكشوف وقد نجدها في عمارة لم تندرس بعد، كما قد نجدها في المنقولات التي وصلتنا عبر تقلبات التاريخ. وقد نجد حصراً لها أقرب إلى والذي لم يصلنا منه سوى الكسور والأعشار. ولنتذكر - على سبيل المثال لا الحصر - ما شهدته الساحة الأندلسية، "فإنه لم تمض أعوام قلائل على سقوط غرناطة ( 1492 م) حتى ارتكبت العربية من سكان غرناطة، وتنظيمها أكداساً في ميدان باب الرملة، ومنها كثير من المصاحف البديعة الزخرف وآلاف مؤلفة من كتب الآداب والعلوم. وهبت لجامعة الكالا وهلك في تلك المحنة معظم تراث الأندلس الفكري. المؤرخون في تقدير عدد المخطوطات العربية التي ذهبت فريسة هذه ولكن (كوندي) قدرها لأن المكتبة الأموية الشهيرة لم تزد - طبقاً لأصح الروايات - على ستمائة ألف مجلد، ولكنها كانت وهي عاصمة الإسلام في الأندلس تحتوي انفس الآثار العربية الأندلسية. الأسكوريال - قريبا من مدريد - في أوائل القرن السابع عشر نحو عشرة آلاف مجلد، في قصر الأسكوريال زهاء نصف قرن، نوعها في إسبانيا ولكن محنة جديدة أصابت هذه البقية الباقية من تراث ففي سنة 1671 شبت النار في الأسكوريال والتهمت معظم ولم ينقذ منه أكثر من ألفين هي التي تثوي اليوم في ( أقبية الأسكوريال" ( 3 فعله الصليبيون في الشام وفلسطين من تدمير وإحراق مئات الآلاف من الكتب، وحمل بعضها إلى شتى الأقطار،
ما لبثت مرحلة النمو الحضاري أن بدأت الفعل بعد استكمال
مقومات النشوء وحماية مطالبه، وراحت تنسج معطياتها في جل الحلقات
الحضارية المادية والروحية، الفكرية والسلوكية، التنظيمية والمعرفية.. مستعيرة
العديد من المفردات والخبرات من هنا وهناك، من حضارات يونانية
وفارسية وبيزنطية وهندية وهلينية، ومن ثقافات محلية نبطية وسريانية
وقبطية وغيرها، ولكنها ما كانت تكتفي بالاستعارة أو تقف عند حدود
النقل الشيء الذي يكدس ولا يبني، وإنما بذلت جهداً تركيبياً مبدعاً لإعادة
صياغة التراث المنقول بما ينجسم والثوابت والتصورات التي رسمها وأكّدها
الدين الجديد.
والفعل الحضاري في مرحلة النمو يتدفق - كالمياه المتفجرة - عبر
اتجاهات عديدة، لكنها - بطبيعة الحال - متداخلة متشابكة، تتبادل
العلاقات التأثيرية في هذا الجانب أو ذاك. ويمكن تحديد هذه الاتجاهات
بدوائر أو قطاعات كبيرة ثلاثة تتضمن كل منها حشوداً من الفروع
والجزئيات والتفاصيل. وهذه الدوائر هي:
أولاً: دائرة النشاط المعرفي والثقافي وهو الذي يتضمن الجانب العقدي
(وفي الحالة الإسلامية يصاغ بالعقيدة)، فضلاً عن الجوانب الفكرية والروحية
والجمالية للحضارة، ويلعب دوره الحاسم في منحها سماتها المتفردة
وشخصيتها المستقلة.
ثانياً: دائرة النشاط الاقتصادي والتقني والعمراني، وهو الذي يتضمن
الجانب المادي للحضارة ويصطلح عليه أحياناً بالمدنية.
ثالثاً: دائرة النشاط الإداري والتنظيمي وهو الذي يتضمن الجانب
الفني ويتحرك من خلال النظم والمؤسسات السياسية والإدارية التي تقوم
بمهمة الإشراف والتخطيط والتنسيق بين المعطيات كافة، وتحديد العلاقات
بين العاملين ضمن حلقات الحضارة الواحدة.
وقد تدفقت الحضارة الإسلامية عبر هذه القنوات الكبيرة الثلاث
وراحت تنمو وتتشكل وتزداد غنى بمرور الوقت، وكانت العقيدة الإسلامية
التي صنعت هذه الحضارة وأمدتها بعناصر الحركة والديمومة، تصبغ معطيات
هذه القنوات وتشكلها وتصوغها. وقد يحدث أن تند هذه الجزئية أو تلك
عن هذا المنطوق، لسبب أو آخر، ولكن المجرى العام كان (إسلاميا)، رغم
أن التمثل الإسلامي قد يكون ناقصاً أو خاطئاً، أو غير منسجم مع
أطروحات الإسلام نفسه.
ومنذ اللحظات الأولى قدرت الحضارة الإسلامية الوليدة على أن تجابه
التحديات المبكرة وتستجيب لها وتطويها عبر القنوات الثلاث، فتزداد بذلك
غنى وأصالة واتساعاً. وبمرور الوقت شهدت المؤسسات الإسلامية التي غرست
بذورها الأولى في عصري الرسول صلّى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين
(رضي الله عنهم) نمواً متزايداً في المجالات كافة، وأخذت المعطيات الحضارية
تتصاعد وفق معدلات إنجاز زمني سريع، لكي ما تلبث أن تبلغ محنياتها
المتقدمة بعد قرنين أو ثلاثة.
ولا نستطيع - مرة أخرى - أن نفصل بين هذه المعطيات وبين الأمة
التي صاغتها، أي بين خصائص هذه المعطيات وبين قيم ومبادئ واهتمامات
وتصورات الجماعات المسلمة التي صنعتها فكراً وعلماً وفناً وأدباً واقتصاداً
وإدارة وعمراناً، كما أنه ليس بمقدورنا أن نعلق خصائص هذه الحضارة
على موقف (السلطة) في التزامها أو عدمه، لقيم الإسلام وأهدافه، لأن
السلطة، وإن كانت تمارس دورها البارز في تكوين المنجزات الحضارية
ومنحها بعض خصائصها ومكوناتها، إلا أن هذه المنجزات تبقى - في الأعم
الأغلب - أكبر من السلطة، ومن محاولاتها ونظمها وقدرتها على الضبط
والتوجيه، وتتسع منداحة باستمرار لكي تكون في نهاية الأمر موازية لحجم
الجماهير الأوسع والأقدر على مواصلة الإنجاز، والأكثر - في معظم الأحيان -
إيماناً والتزاماً. إن الحضارات الكبيرة تميل في الغالب لأن تكون تعبيراً عن
معطيات أمة بكاملها.
وتبدو الخصائص الإسلامية للحضارة زمن نموها أكثر ما تبدو في دائرة
النشاط المعرفي والثقافي باعتبارها انعكاساً للفكر والحياة والروح الإسلامية.
وحيثما تلفتنا عبر معطيات هذه الدائرة وجدنا صبغة إسلامية بهذه الدرجة
اللونية أو تلك.
لنأخذ مثلاً العلوم الإنسانية والآداب والفنون التي تشكل مساحة
واسعة في دائرة الثقافة، فماذا نجد؟
المؤرخ وهو يبني (معرفته) على أسس إسلامية، ويقدم معطياته في
إطار إسلامي.
الجغرافي وهو يضرب في الأرض ملقياً رؤيته على الظواهر والخبرات
والأشياء من منظور إسلامي، بغض النظر عن الأخطاء الذاتية والموضوعية
التي يقع فيها هذا المؤرخ أو الجغرافي، أو ذاك.
الفيلسوف والمنطقي وعالم الكلام وهو يجاهد لكي يحقق الوفاق بين
معطيات الأقدمين وبين تصوّره الإسلامي.
المربي وهو يسعى إلى صياغة وتوجيه السلوك الفردي وفق مطالب
الإسلام وقيمه.
الأديب وهو يستمد من بحر العقيدة الجديدة الكثير من أغراضه
ومضامينه..
الفنان وهو يبني أو يرسم أو يشكل ما لا يمثل ارتطاماً بمطالب
الدين الجديد وتصوراته، وما يغني هذه المطالب بالمزيد من القدرات.
يحدث وأن يشذ هذا المؤرخ أو الجغرافي أو الفيلسوف أو الأديب أو
الفنان، لكنها استثناءات للقاعدة الأوسع والأعرض، ولمن يؤخذ بها أو يقاس
عليها.
والمجال لا يتسع - في هذا الفصل - لاستعراض تفاصيل وجزئيات
المعطيات المعرفية والثقافية لحضارة الإسلام، فلقد كتب في ذلك الكثير
وصنفت المؤلفات المزدحمة في كل فرع من فروعها. ولكننا نريد، بعد وقفة
قصيرة عند بعض جوانب هذه المعطيات، أن نستخلص الملامح الأساسية
للمعرفة والثقافة الإسلاميتين ونضع أيدينا على الجوهر الذي يكمن خلف
المظاهر والأشكال المتغيرة.
عموماً فإن النشاط المعرفي والثقافي يتمحور في اتجاهات أربعة هي:
. ( أ. العلوم بحقولها الأربعة: الشرعية والإنسانية والصرفة والتطبيقية ( 1
ب. الفنون (وقد تلحق بها الآداب أو تدرج ضمن حقل العلوم
الإنسانية وهو الأرجح).
ج. التربية والتعليم.
د. العادات والتقاليد والميول والأذواق في سياقاتها الاجتماعية.
ولقد نفذت المعرفة والثقافة الإسلاميتين تغطية شاملة لهذه المحاور
بفروعها وتفاصيلها ومنحنياتها وجزئياتها كافة، فقدمت حشوداً من الكشوف
والخبرات والإبداعات، وصنفت آلاف الكتب، وبنت وأنشأت المئات من المراكز
والمعاهد والمدارس والجامعات والمؤسسات، وخرجت عشرات الألوف من
الأساتذة والباحثين، واحتضنت مئات الألوف من الطلبة والدارسين عبر
العصور.
وكان الشعار والدافع إسلامياً في معظم مساحاته: طلب العلم من
المهد إلى اللحد والتحرك من أجله في مشارق الأرض ومغاربها، كما علمهم
كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم.
ومن خلال نظرة سريعة على كتب (التراجم) التي تغص بها مكتبتنا
التاريخية، يتبين لنا بالأرقام والأسماء الواضحة المحددة الحشد الكبير من
المعنيين بالمعرفة في حقولها كافة.. مئات الآلاف من الأسماء التي تتضمنها
كتب التراجم فيما لم تشهد له مثيلاً أمة من الأمم في التاريخ القديم
والوسيط. وهذا يحمل - ولا ريب - دلالته الإحصائية الواضحة على حجم
التيار المعرفي الذي شقّه المسلمون عبر التاريخ، وعلى تدفق واتساع مجراه.
ومن خلال نظرة سريعة - كذلك - على (مقدمات) الألوف من
المصنفات في سائر مناحي العلوم والآداب والفنون التي كتبها أجدادنا
المسلمون، يتبين لنا بالدليل المشهود كيف أنهم كانوا يربطون تأليفهم
ومنجزاتهم الإسلامية بنظرتهم للعالم، وتصوّرهم المتدين للكون والحياة
والظواهر والأشياء.. كيف أنهم كانوا يبدأون عملهم باسم الله، وينتهون منه
بحمد الله، حتى وهم ينشطون في حقول الطبيعة والهندسة والحساب
والجبر والكيمياء.. حتى وهم يتدارسون الفلسفة والهيئة وعلوم الأقدمين..
حتى وهم يبنون، ويرسمون، ويزخرفون، وينشدون. فإنهم إذ وجدوا الإسلام
يحرّم أصنافاً من الفنون قد تقود الإنسان ثانية إلى الخطأ أو الإذلال، سعوا
إلى تصعيد طاقاتهم الفنية باتجاهات أخرى فتفننوا في بناء المساجد البديعة
والمدن الجميلة، والزخارف الباهرة، والخطوط المدهشة.. وما سمحوا لأنفسهم
أن يغضبوا الله ورسوله، أو أن يحدثوا في نفوسهم وقناعاتهم الدينية شرخاً
قد يتسرب منه الازدواج، والفساد..
إن الانفصام النكد بين ثقافة المسلم وبين أصولها الدينية تقليد دخيل
أرغمت عليه أجيالنا الحديثة والمعاصرة إرغاما.. جرّعته رعباً ورهبة كما
يجرع المريض دواء مرا. فمن خلال (المدرسة) و(الجامعة) و(المنهج)، ومن
خلال التربية والتوجيه الإعلامي والفكري، ومن خلال المسار الثقافي العام
للقيادات السياسية الحديثة، تمكّن الغرب من فرض رؤيته العلمانية، وأحياناً
المادية، على مساحات واسعة من علومنا وآدابنا وفنوننا وأنشطتنا التربوية،
وتحقق له بعد جهد طويل لم يكلل بالنجاح الكامل لحسن الحظ، إحداث
هذا الفصام المشؤوم بين العلم والدين، بين الثقافة بعامة وبين إطارها
الإيماني الذي تحركت من خلاله مواكب الآباء والأجداد عبر ثلاثة عشر قرنا
أو يزيد، دونما أي إحساس بالثنائية أو الازدواج، بل على العكس، بقدر
معجز من التوحد، وقدرة فذة على الإنجاز.
ما الذي قدمته الثقافة الإسلامية - عبر التاريخ - في دائرة العلوم
الإنسانية والصرفة والتطبيقية؟
ما الذي أنجزته في حقول العلوم الإسلامية، من تفسير وحديث وفقه
وكلام.. إلى آخره.. وعلوم اللغة والنحو والأدب (بأنواعه كافة)، والتاريخ
والجغرافيا والفلسفة والمنطق؟ ما الذي كشفت عنه في حقول الطب
والصيدلة، والفلك، والهندسة، والرياضيات والنبات، والحيوان، والكيمياء،
والطبيعة؟ وما الذي نفذته في حقول العلوم التطبيقية (التقنية) المتمخضة
عن كشوفات العلوم الصرفة من أجل المزيد من الضمانات والتيسيرات
للحياة البشرية؟ وما الذي بنته، وشكّلته، وزخرفته من مدن وعمارات
ومساجد ومؤسسات ودور ومتنزهات؟ وما الذي كتبته من قصائد وأزجال
وأناشيد، وما الذي أنشأته من مراكز التربية والتعليم ومؤسساتهما؟ وما الذي
كانت تمارسه في أروقتهما من نظم ومناهج وأساليب؟
أسئلة مزدحمة لا تكون الإجابة عليها دقيقة وشاملة في الوقت نفسه
إلا بالرجوع إلى ما تركته لنا القرون من بقايا ثروة ضخمة من الكشوف
والمصنفات والآثار، وقد نجدها في عمارة لم تندرس بعد، كما قد نجدها في
المنقولات التي وصلتنا عبر تقلبات التاريخ. وقد نجد حصراً لها أقرب إلى
الواقع العجيب من خلال بعض كتب الفهارس ( 2) التي وصلتنا وحدثتنا عما
تم إنجازه في الحقول المختلفة بما يدعو للدهشة والإعجاب، والذي لم يصلنا
منه سوى الكسور والأعشار.
ولنتذكر - على سبيل المثال لا الحصر - ما شهدته الساحة الأندلسية،
"فإنه لم تمض أعوام قلائل على سقوط غرناطة ( 1492 م) حتى ارتكبت
إسبانيا النصرانية جريمتها الشائنة بتدمير تراث التفكير الإسلامي ففي سنة
1499 أمر الكردينال خمنيس، مطران طليطلة، بجمع جميع الكتب والآثار
العربية من سكان غرناطة، وأرباضها، وتنظيمها أكداساً في ميدان باب الرملة،
أعظم ساحات المدينة، ومنها كثير من المصاحف البديعة الزخرف وآلاف
مؤلفة من كتب الآداب والعلوم. واحتفل بإحراقها (بعمل من أعمال الإيمان)
ولم يستثن منها سوى ثلاثمائة من كتب الطب، وهبت لجامعة الكالا
(القلعة). وهلك في تلك المحنة معظم تراث الأندلس الفكري. وقد اختلف
المؤرخون في تقدير عدد المخطوطات العربية التي ذهبت فريسة هذه
الجريمة الشائنة، فقدرها بعضهم بأكثر من مليون، ولكن (كوندي) قدرها
بثمانين ألفاً، وتقديره أرجح وأقرب إلى المعقول، لأن المكتبة الأموية الشهيرة
في قرطبة، لم تزد - طبقاً لأصح الروايات - على ستمائة ألف مجلد، وقد
بددت هذه المجموعة الكبيرة أيام ثورات البربر، ولم يجمع في غرناطة
مجموعة بهذه الضخامة.. ولكنها كانت وهي عاصمة الإسلام في الأندلس
تحتوي انفس الآثار العربية الأندلسية.. ولقد بلغت المجموعة العربية في
الأسكوريال - قريبا من مدريد - في أوائل القرن السابع عشر نحو عشرة
آلاف مجلد، ولبثت هذه الآلاف العشرة من المخطوطات الأندلسية والمغربية
في قصر الأسكوريال زهاء نصف قرن، وكانت أغنى وأنفس مجموعة من
نوعها في إسبانيا ولكن محنة جديدة أصابت هذه البقية الباقية من تراث
الأندلس الفكري. ففي سنة 1671 شبت النار في الأسكوريال والتهمت معظم
هذا الكنز الفريد، ولم ينقذ منه أكثر من ألفين هي التي تثوي اليوم في
. ( أقبية الأسكوريال" ( 3
ولنتذكر كذلك ما فعله المغول في بغداد عاصمة الخلافة العباسية وما
فعله الصليبيون في الشام وفلسطين من تدمير وإحراق مئات الآلاف من
الكتب، وما شهدته مكتبة القاهرة في إحدى الفتن الداخلية أيام المماليك
حيث نهبها الثائرون ومزقوا كتبها واستخدموا جلودها نعالا لهم، والقي عدد
منها في النيل، وحمل بعضها إلى شتى الأقطار، وما بقي منها سفت عليه
الرياح وتراكمت فوقه الرمال، فتحول إلى تلال عرفت باسم تلال الكتب…
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
ad يترقب المقيمون في دول مجلس التعاون الخليجي بدء تفعيل التأشيرة الخليجية الموحدة بعد مرور أكثر من ع...
Bullying is a repeated aggressive behavior that involves an imbalance of power between the bully and...
فاللغة العربية ليست فقط لغة المسلمين، ووسيلة لتحقيق غاية أخرى وهي تعديل سلوك التلاميذ اللغوي من خلال...
1-تعتبر أسرة محمد آل علي الإبداع والإبتكار هي أول نقطة في الإنطلاق إلى التحسين في شتى المجالات حيث ق...
يعتبر فول الصويا من المحاصيل الغذائية والصناعية الهامة على المستوى العالمي نظراً لاحتواء بذوره على ن...
Traffic Padding: inserting some bogus data into the traffic to thwart the adversary’s attempt to use...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اليوم ذهب إلى دورة القرآن وتعلمت القرآن ثم عدت إلى منزلي ومكتبي قلي...
يجمع نظام التكاليف بجوار المحاسبة على الفعليات،التوفيق في ظروف حدوثها وأسبابها ومدى الكفاءة في التنف...
نطاق البحث يركز هذا البحث على تحليل الأطر القانونية والمؤسساتية لعدالة الأحداث، مع دراسة النماذج الد...
نفيد بموجب هذا الملخص أنه بتاريخ 30/03/1433هـ، انتقل إلى رحمة الله تعالى المواطن/ صالح أحمد الفقيه، ...
العدل والمساواة بين الطفل واخواته : الشرح اكدت السنه النبويه المطهرة علي ضروره العدل والمساواة بين...
آملين تحقيق تطلعاتهم التي يمكن تلخيصها بما يلي: -جإعادة مجدهم الغابر، وإحياء سلطانهم الفارسي المندثر...