Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (70%)

من الصعب بمكان أن يقدم الدارسون ، تحديدات جامعة مانعة ونهائية لــلأشياء والمفهومات التي يَبْغون تحديدها، لاعتبارات عديدة تحظى بغير قليل من المعقولية والمشروعية. ويقوم مصطلح "الحضارة" ، شاهداً قوياً على ما ذكرناه، ذلك بأن التعريفات المقدَّمة له متعددة ومتنوعة قديما وحديثاً معاً، ويرجع ذلك إلى أمرين رئيسيْن على الأقلّ؛ فأما أولهما فيمْثُل في أن دلالة هذا المصطلح عرفت تحولا واضحا على امتداد تاريخه الطــويل، وأما ثانيهما فيتجلى في اختلاف المعرِّفين أنفسهم وفي تفاوت فهمهم له وفي تباين مشاربهم ومنطلقاتهم النظرية. بعـــد حديثه المسْهَب في مقدمته عن فضل علم التاريخ، ووقــوفه على أغاليط بعض المؤرِّخين، دَلف التِّعْلامة عبد الرحمن بن خلدون الحَضْرمي(ت808هـ) ، إلى تفصيل القول في العمران والتمدُّن والتحضُّر. وذكر أن الاجتماع البشريَّ يُبْتدَأ فيه بالضروريات قبل الحاجيات والكماليات، وأن البدو يجْرون وراء تحصيل ما هو ضروري في حياتهم دون أن يتجاوزوه، على حين يسـعى الحضَر إلى ما فـوق الضـروري من الأشياء والمُتـطَلّـَبات، وأن أجيال البدوو الحضَر طبيعـــية وضرورية لقيام العمـــْران البشري. قال ابن خلدون: "أهل البدو هم المنتحِلون للمعاش الطبيعي من الفَـلْح والقيام على الأنعام، وهم مقتصرون على الضروري من الأقوات والملابس والمساكن وسائر الأحوال والعوائِد، ومقصِّرون عما فوق ذلك من حاجي أوكمالي يتخذون البيوت من الشَّعَر والوَبَر أوالشجر أومن الطين والحجـارة غير مُنَجَّدَة، وقد يـــأوون إلى الغِيـران والكهوف. وأما أقواتهم فيتناولون بها يسيراً بعلاج أوبغير علاج ألبتّة إلا ما مسّته النار. بذل علماء الغرب ومفكّروه جهداً واضحاً لبلورة مفهوم الحضارة، وبحث أصوله وغير ذلك من القضايا المتمحِّضَة له. فجاءت اجتهاداتُهم متنوعة؛ بحيث إنهم أثروا بآرائهم في الثقافات الأخرى، ووُجد دراسون كُثْرٌ يرددون طروحاتهم. وسنعرض ها هنا منظورات عدد من المثقفين الغربيين للحضارة، وليكن البدْء برأي وِلْ ديورانت في الموضوع. يقول: "الحضارة نظام اجتماعي يُعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي. وإنما تتألف الحضارة من عناصرَ أربعةٍ: الموارد الاقتصادية، وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذٍ لا تنفكّ الحوافز الطبيعية تسْتنْهضُه للمضيِّ في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها". إن ديورانت يجعل الحضارة نسَقاً مجتمعياً مؤسساً على مقوّمات رئيسة متشابكة ذات صلة بالاقتصاد والسياسة والأخلاق والعلوم والفنون، تنحو نحو غاية أساسية تمْثُل في مساعدة الإنسان على تنمية رصيده الثقافي وتقوية مُنْتَجِه المعرفي. ويرى أن الحد الفيصل بين الحضارة واللاّحضارة ذو علاقة بسيكولوجية الإنسان، إذ يعيش المجتمع طور الحضارة والتمدُّن لمّا ينْعم أفراده بالطمأنينة والاستقرار، فتنزع إراداتهم الحرة نحوالبناء والخلق والإسهام في ترقية الحياة البشرية كلها.وحدَّد ألبرت شفيتسر ،في كتابه "فلسفة الحضارة"، فقال إن "العناصر الجمالية والاتساع الرائع في معارفنا المادية وقُوَانا؛ وإنما يتوقف هذا الجوهرُ على الاستعدادات العقلية عند الأفراد والأمم القاطنة. إن الحضارة هي التقدم الروحي للأفراد والجماهير على السواءِ". وربط المؤرِّخ الألماني سبنجلر الحضارة بمفهومي الطبيعة والتاريخ؛ فعَدَّها ظاهرة ملازمة للطبيعة، وطوراً تاريخياً يمر به المجتمع الإنساني لمّا يجتاز مرحلة التأسيس والنشوء، ويعقبه في الدورة الحضارية للدول طور التدهور والسقوط. وكأننا بهذا العالم يردِّد هنا ما سبق أن ذكره ابن خلدون في القرن الثامن للهجرة.- الحضارة - الثقافة - المَدَنية: أيُّ علاقة بينها؟
تستعمل بعض الكتابات مصطلحي "الحضارة" و"الثقافة" بمعنىً واحـدٍ، وتجعل كتابات أخـرى مصطلحي "الحضارة" و"المدنية" مترادفيْن.حسبما رأينا، ظاهرة مركبة ملازمة للوجود البشري أنتجها الإنسان لخدمة الإنسان وإسْعاده،فعلاً،ولاسيما علماء الاجتماع، بالثقافة مجموع المكاسب العقلية والروحية والأدبية والفنية التي يكتسبها الفرد من محيطه البِيئي الذي يعيش فيه. وأوسعها انتشاراً، ذلك الذي قدَّمه لها إدوارد تيلور، الذي ذهب إلى أن "الثقافة هي ذلك الكُلُّ المعَقّد الذي ينطوي على المعــرفة والعقائد والفنّ والأخلاق والقانون والعُرْف وغير ذلك من القدرات والمقوّمات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عُضْواً في المجتمع." وقد علّق بعض الباحثين على هذا التعريف بالقول: "الثقافة هي كل شيء يتعلمه أفراد المجتمع ويشاركون فيه. إنها كل التراث الاجتماعي الذي يتلقاه الفرد من مجتمعه. وهذا التراث الاجتماعي يمكن أن ينقسم إلى ثقافة مادية وثقافة غير مادية. وعاداتهم السلوكية التي يتبعونها، أما الجانب المادي فيشمل كل ما صنعته يد الإنسان من أثاث وسيارات وأبْنية ونظم عمارة. وفي الحقيقة يشمل كل مادةٍ غيّـــَرها الإنسان واستعملها." ويبدو أن صاحب التعليق قد خلط بين مفهوم الحضارة ومفهوم الثقافة؛ ذلك بأن الأولَ تركيبٌ أوبنية معـقدة يَزدوج فيها المادي وغير المادي، على حين إن الثاني يتمحَّض لغير المادي أساساً! وليست الثقافة - كمفهوم- منصرفة إلى المقومات الوُجْدانية والعقلية التي يكتسبها الإنسان بحكم اجتماعيته فقطّ، لذا، ويقول د.حسن الأمراني في هذا المَساق: "إن الثقافة ما لم تتحول إلى فعل، أو تعمل على دفع الإنسان إلى الفعل، تفقد شرائط وجودها، وتصبح نوعاً من الترَف الفكري الذي يكبــــِل الطاقات ويعوّقها عن الانطلاق.أساساً، وإنْ شِئْت فقلْ: إن الفعل الثقافي، ككل فعل تغييري، وبناء العناصر المشْرقة التي تدفع بالإنسان إلى الحركة من أجل أن يسمو إلى مكانة التكريم الإلهي. ما دامت "كل أجناس البشر متحضِّرة، وما من شعبٍ إلا وله مستواه الحضاري"، بل وتختلف على مستوى أقطار الحضارة الواحدة. وعليه، ويقول ،أيضاً، د. مؤنس عن خصوصية الثقافة وارتباطها الوثيق بمحيطها: "الثقافة هي ثمرة كل نشاط إنساني محلي نابع عن البِــيئة ومعَبِّر عنها أومُواصِل لتقاليدها في هذا الميدان أوذاك. فالشعر الإنجليزي والموسيقى [الإنجليزية] كلها مظاهر ثقافية، وكذلك الحال بالنسبة للأدب العربي والموسيقى العربية وتراثها الأدبي في جملته واحد هوتراث الشعر العربي كله. وكلما كانت الظاهرة الحضارية أكثر التصاقاً بطبيعة البلد الذي قامت فيه فهي ثقافة. وفيما يخصّ المَدَنِيّة، فهي اصطلاح السوسيولوجيين، هي "تراث المعرفة التطبيقية التي ترمي إلى السمو بالإنسان والارتفاع به عن مستوى الاسْتِسلام لمُلابَسات الطبيعة، ومدى قدرةِ هذه الطاقة على التحكم في طبيعة الأشياء، وبذلك تشمل جميع الخيرات العلمية المتوارثة في مجالات الطبيعة والكيمياء والطبّ والفلك وسائر العلوم التطبيقية. فالمدنية - كالحضارة- عامة ومشتركة بين الحضارات؛ إذ إن كل أمة سجّلت إسْهامها في تطوير المعرفة التطبيقية والعلوم، وإنْ بدرجات متفاوتة طبعاً. هذا بخلاف الثقافة ال


Original text

من الصعب بمكان أن يقدم الدارسون ،في الإنسانيات بخاصة، تحديدات جامعة مانعة ونهائية لــلأشياء والمفهومات التي يَبْغون تحديدها، لاعتبارات عديدة تحظى بغير قليل من المعقولية والمشروعية. ويقوم مصطلح "الحضارة" ،مثلاً، شاهداً قوياً على ما ذكرناه، ذلك بأن التعريفات المقدَّمة له متعددة ومتنوعة قديما وحديثاً معاً، ويرجع ذلك إلى أمرين رئيسيْن على الأقلّ؛ فأما أولهما فيمْثُل في أن دلالة هذا المصطلح عرفت تحولا واضحا على امتداد تاريخه الطــويل، وأما ثانيهما فيتجلى في اختلاف المعرِّفين أنفسهم وفي تفاوت فهمهم له وفي تباين مشاربهم ومنطلقاتهم النظرية.
بعـــد حديثه المسْهَب في مقدمته عن فضل علم التاريخ، وتحقيقِه مذاهبَه، ووقــوفه على أغاليط بعض المؤرِّخين، دَلف التِّعْلامة عبد الرحمن بن خلدون الحَضْرمي(ت808هـ) ، في الكتاب الأول، إلى تفصيل القول في العمران والتمدُّن والتحضُّر. وذكر أن الاجتماع البشريَّ يُبْتدَأ فيه بالضروريات قبل الحاجيات والكماليات، وأن البدو يجْرون وراء تحصيل ما هو ضروري في حياتهم دون أن يتجاوزوه، على حين يسـعى الحضَر إلى ما فـوق الضـروري من الأشياء والمُتـطَلّـَبات، وأن أجيال البدوو الحضَر طبيعـــية وضرورية لقيام العمـــْران البشري. قال ابن خلدون: "أهل البدو هم المنتحِلون للمعاش الطبيعي من الفَـلْح والقيام على الأنعام، وهم مقتصرون على الضروري من الأقوات والملابس والمساكن وسائر الأحوال والعوائِد، ومقصِّرون عما فوق ذلك من حاجي أوكمالي يتخذون البيوت من الشَّعَر والوَبَر أوالشجر أومن الطين والحجـارة غير مُنَجَّدَة، إنما هو قصد الاستضْلال والكِنّ لا ما وراءه؛ وقد يـــأوون إلى الغِيـران والكهوف. وأما أقواتهم فيتناولون بها يسيراً بعلاج أوبغير علاج ألبتّة إلا ما مسّته النار."
بذل علماء الغرب ومفكّروه جهداً واضحاً لبلورة مفهوم الحضارة، وتحديد ماهيته، وبحث أصوله وغير ذلك من القضايا المتمحِّضَة له. فجاءت اجتهاداتُهم متنوعة؛ متشاكلة طوراً، ومتباينة أطوارا. وكانت لهم الريادة في هذا الصدَد، بحيث إنهم أثروا بآرائهم في الثقافات الأخرى، ووُجد دراسون كُثْرٌ يرددون طروحاتهم. وسنعرض ها هنا منظورات عدد من المثقفين الغربيين للحضارة، وليكن البدْء برأي وِلْ ديورانت في الموضوع. يقول: "الحضارة نظام اجتماعي يُعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي. وإنما تتألف الحضارة من عناصرَ أربعةٍ: الموارد الاقتصادية، والنّظُم السياسية، والتقاليد الخُلُقية، ومتابعة العلوم والفنون. وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذٍ لا تنفكّ الحوافز الطبيعية تسْتنْهضُه للمضيِّ في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها". إن ديورانت يجعل الحضارة نسَقاً مجتمعياً مؤسساً على مقوّمات رئيسة متشابكة ذات صلة بالاقتصاد والسياسة والأخلاق والعلوم والفنون، تنحو نحو غاية أساسية تمْثُل في مساعدة الإنسان على تنمية رصيده الثقافي وتقوية مُنْتَجِه المعرفي. ويرى أن الحد الفيصل بين الحضارة واللاّحضارة ذو علاقة بسيكولوجية الإنسان، إذ يعيش المجتمع طور الحضارة والتمدُّن لمّا ينْعم أفراده بالطمأنينة والاستقرار، فتنزع إراداتهم الحرة نحوالبناء والخلق والإسهام في ترقية الحياة البشرية كلها.
وحدَّد ألبرت شفيتسر ،في كتابه "فلسفة الحضارة"، الحضارة بجوهرها؛ فقال إن "العناصر الجمالية والاتساع الرائع في معارفنا المادية وقُوَانا؛ كل هذا لا يكوِّن جوهر الحضارة، وإنما يتوقف هذا الجوهرُ على الاستعدادات العقلية عند الأفراد والأمم القاطنة... إن الحضارة هي التقدم الروحي للأفراد والجماهير على السواءِ". وربط المؤرِّخ الألماني سبنجلر الحضارة بمفهومي الطبيعة والتاريخ؛ فعَدَّها ظاهرة ملازمة للطبيعة، وطوراً تاريخياً يمر به المجتمع الإنساني لمّا يجتاز مرحلة التأسيس والنشوء، ويعقبه في الدورة الحضارية للدول طور التدهور والسقوط. وكأننا بهذا العالم يردِّد هنا ما سبق أن ذكره ابن خلدون في القرن الثامن للهجرة.



  • الحضارة - الثقافة - المَدَنية: أيُّ علاقة بينها؟
    تستعمل بعض الكتابات مصطلحي "الحضارة" و"الثقافة" بمعنىً واحـدٍ، وتجعل كتابات أخـرى مصطلحي "الحضارة" و"المدنية" مترادفيْن. وعلة ذلك التداخلُ والترابط القائم بينها. وإذا كانت الحضارة ،حسبما رأينا، ظاهرة مركبة ملازمة للوجود البشري أنتجها الإنسان لخدمة الإنسان وإسْعاده، فيحق لنا التساؤل الآن: ما الثقافة؟ وما المدنية؟ وما العلاقة بينهما وبين الحضارة؟ أهي ،فعلاً، مترادفات أم إن بينها فروقاً وتمايُزاتٍ؟
    ويقصد العلماء ،ولاسيما علماء الاجتماع، بالثقافة مجموع المكاسب العقلية والروحية والأدبية والفنية التي يكتسبها الفرد من محيطه البِيئي الذي يعيش فيه. وأبرزُ تعريفات مفهوم الثقافة، وأوسعها انتشاراً، ذلك الذي قدَّمه لها إدوارد تيلور، الذي ذهب إلى أن "الثقافة هي ذلك الكُلُّ المعَقّد الذي ينطوي على المعــرفة والعقائد والفنّ والأخلاق والقانون والعُرْف وغير ذلك من القدرات والمقوّمات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عُضْواً في المجتمع." وقد علّق بعض الباحثين على هذا التعريف بالقول: "الثقافة هي كل شيء يتعلمه أفراد المجتمع ويشاركون فيه. إنها كل التراث الاجتماعي الذي يتلقاه الفرد من مجتمعه. وهذا التراث الاجتماعي يمكن أن ينقسم إلى ثقافة مادية وثقافة غير مادية. ويشمل الجانب غير المادي لغة القوم وأمثالهم ومعتقداتهم التي يحْملونها في عقولهم، وعاداتهم السلوكية التي يتبعونها، أما الجانب المادي فيشمل كل ما صنعته يد الإنسان من أثاث وسيارات وأبْنية ونظم عمارة... وفي الحقيقة يشمل كل مادةٍ غيّـــَرها الإنسان واستعملها." ويبدو أن صاحب التعليق قد خلط بين مفهوم الحضارة ومفهوم الثقافة؛ ذلك بأن الأولَ تركيبٌ أوبنية معـقدة يَزدوج فيها المادي وغير المادي، على حين إن الثاني يتمحَّض لغير المادي أساساً! وليست الثقافة - كمفهوم- منصرفة إلى المقومات الوُجْدانية والعقلية التي يكتسبها الإنسان بحكم اجتماعيته فقطّ، بل هي - أكثر من ذلك- ممارسة وسلوك وفعْل. لذا، قيل إن "الثقافة نظرية في السلوك أكثر من كونها نظرية في المعرفة". ويقول د.حسن الأمراني في هذا المَساق: "إن الثقافة ما لم تتحول إلى فعل، أو تعمل على دفع الإنسان إلى الفعل، تفقد شرائط وجودها، وتصبح نوعاً من الترَف الفكري الذي يكبــــِل الطاقات ويعوّقها عن الانطلاق. إن الفعل الثقافي ينبغي أن ينمّي في الإنسان ،أساساً، نوازع البناء. وإنْ شِئْت فقلْ: إن الفعل الثقافي، ككل فعل تغييري، ينبغي أن يشتمل على عنصري الهدْم والبناء: هدم العناصر المظلمة التي تشدّ الإنسان إلى الحضيض وتعوقه عن الانطلاق... وبناء العناصر المشْرقة التي تدفع بالإنسان إلى الحركة من أجل أن يسمو إلى مكانة التكريم الإلهي."
    وإذا كانت الحضارة ظاهرة إنسانية عامة؛ ما دامت "كل أجناس البشر متحضِّرة، وما من شعبٍ إلا وله مستواه الحضاري"، فإن الثقافة تختلف من حضارة إلى أخرى، بل وتختلف على مستوى أقطار الحضارة الواحدة. وعليه، فهي معيار الخصوصية والتفريق بين الحضارات والشعوب. إنها المحيط الذي يُكوَّن من جملةِ مقوماتٍ تعكس حضارة معينة، والذي يتحرك في نطاقه الإنسان المتحضِّر. ويقول ،أيضاً، د. مؤنس عن خصوصية الثقافة وارتباطها الوثيق بمحيطها: "الثقافة هي ثمرة كل نشاط إنساني محلي نابع عن البِــيئة ومعَبِّر عنها أومُواصِل لتقاليدها في هذا الميدان أوذاك. فالشعر الإنجليزي والموسيقى [الإنجليزية] كلها مظاهر ثقافية، لأنها تعبر عن الطبيعة الإنجليزية وطبيعة مُنْشِئيها. وكذلك الحال بالنسبة للأدب العربي والموسيقى العربية وتراثها الأدبي في جملته واحد هوتراث الشعر العربي كله... وكلما كانت الظاهرة الحضارية أكثر التصاقاً بطبيعة البلد الذي قامت فيه فهي ثقافة."
    وفيما يخصّ المَدَنِيّة، فهي اصطلاح السوسيولوجيين، هي "تراث المعرفة التطبيقية التي ترمي إلى السمو بالإنسان والارتفاع به عن مستوى الاسْتِسلام لمُلابَسات الطبيعة، فهي خلاصة ما تطورت إليه الطاقة الفعلية للإنسان، ومدى قدرةِ هذه الطاقة على التحكم في طبيعة الأشياء، وبذلك تشمل جميع الخيرات العلمية المتوارثة في مجالات الطبيعة والكيمياء والطبّ والفلك وسائر العلوم التطبيقية."
    وعلى هذا الأساس، فالمدنية - كالحضارة- عامة ومشتركة بين الحضارات؛ إذ إن كل أمة سجّلت إسْهامها في تطوير المعرفة التطبيقية والعلوم، وإنْ بدرجات متفاوتة طبعاً. هذا بخلاف الثقافة ال
    إن هذه التفْرقة بين مفاهيم الحضارة والثقافة والمدنية "لا تعني أنْ نتجاهل التأثير المتبادَل بين النشاط الروحي والنشاط المادي في الحياة، وبذلك يصير النشاط البشري وَحدة متكاملة ذات جانبين: روحي ومادي. فالروحي يمدّ المجتمع بأسباب اليقين النفسي ودوافع الاطمئْنان الروحي، والمادي يحدّ المجتمع بوسائل الاستعلاء على الطبيعة وتذليلها لإرادته ومَشيئته."


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

كما ان الحكومة ...

كما ان الحكومة العادلة هي حكومة تقوم على مبادئ ثابتة ، و عادلة ، و معايير محايدة ، يتحقق فيها الخير ...

The structure w...

The structure was officially dedicated in 80 CE by Titus in a ceremony that included 100 days of gam...

ملخص لشخصية مير...

ملخص لشخصية ميرسو 1. شخصية مورسو الحسية حساسة جدًا للطبيعة المحيطة به، وللتغيرات في الضوء، وللرسائل...

تم زيارة جزيرة ...

تم زيارة جزيرة صيره في خورفكان يوم الخميس موافق 25/04/2024 صباحاً ، واستناداً للمسوحات الأولية له...

التدريب البدني ...

التدريب البدني في المرتفعات: هل يمكن للتدريب البدني في المرتفعات من تحسين أداء الفرد في مسابقة لاحقة...

4  With these s...

4  With these significant threats, it has become more and more difficult to protect uncontacted peop...

مع أن النظرية ا...

مع أن النظرية الطبية الحديثة أصبحت تتجه نحو الوقاية، إلا أن الطب الوقائي بشكل عام كان أقل حظا من غير...

تقدم المدعى علي...

تقدم المدعى عليها بطلب التماس في الحكم الصادر عليها برقم طلب (٦١٦٠٢) يذكر فيه باستمرار القضية والفصل...

استنتاج الطرز ا...

استنتاج الطرز الجينية Inferring genotypes تستعمل مخططات السلالة لاستنتاج الطرز الجينية بملاحظة الطرز...

الطيور من اجمل ...

الطيور من اجمل مخلوقات الله على وجه الارض وأكثرها انتشارا في معظم مناطق العالم شمالا وجنوبا وشرقا وغ...

.1 Clients, Ser...

.1 Clients, Servers and Peers The most common categories of network software nowadays are clients ...

تتلخص وقائع هذه...

تتلخص وقائع هذه الدعوى بأنه تقـدم المدعي وكالة بصحيفة دعوى ضد المدعى عليها، ذكر فيها ما نصه: (الشركة...