Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

عصر صغار الصحابة وكبار التابعين: من ولاية معاوية إلى أوائل القرن الثاني الهجري الحالة السياسية في هذا العهد: اجتمعت لمعاوية أقطار البلاد الإسلامية كلها، بعد أن صالحه الحسن بن علي رحمه الله، "الباقر" محمد بن علي بن الحسين: هو أبو جعفر "محمد بن زيد العابدين علي بن الحسين" بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، ووالد جعفر الصادق. سيدا، كبيرا؛ وإنما قيل له الباقر: لأنه تبقر في العلم: أي توسع، والتبقر: التوسع، وفيه يقول الشاعر: وخير من لبى على الأجيلوتوفي سنة ثلاث عشرة ومائة بـ "الحميمة"، فإن المناوأة لمعاوية والحكم الأموي ظلت قائمة، من الخوارج تارة، وهم الذين ينقمون على عثمان وعلى ومعاوية جميعا، وينكرون سياسة الملك الدنيوي، ومن الشيعة أخرى، وهم الذين يرون الخلافة حقا لعلي وأهل بيته خاصة. فإذا أضفنا إلى هذا أن سياسة حكم بني أمية واجهت في كثير من الفترات سخطا متزايدا، وخروجا على سلطانها في بعض الجهات، ولقد كان معاوية صاحب حنكة سياسية خففت من حدة الخصومة بينه وبين أعدائه؛ إلا أن بيعته ليزيد أثارت كثيرا من السخط لدى أهل الورع والتقوى، كما كان لواقعة كربلاء ومقتل الحسين رد فعل كذلك، وزاد الطين بلة استقلال عبد الله بن الزبير، واعتصامه بمكه، كي يستتب له الأمر واعتمد في جمع كلمة الناس عليه على رجل مستبد، يعشق إذلال النفوس بالقهر والعسف، ذلك هو الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أحمد. كثيرا من الثورات، وحاصر مكة، وانتهك حرمتها وقتل عبد الله بن الزبير سنة ثلاث وسبعين للهجرة. ولئن كان عهد الوليد بن عبد الملك من أزهى عصور بني أمية؛ حيث ازدهر بالفتوحات الإسلامية شرقا وغربا، فأساء للقواد الفاتحين، ثم أعقبه عمر بن عبد العزيز "التقي الزاهد" فحاول رد المظالم وإقامة العدل، واتجه بسياسة الحكم إلى إعادة سيرة الخلفاء الراشدين، ولكن الأمر ساء من بعده في عهد يزيد بن عبد الملك، ثم في عهد أخيه هشام، وبدأ الضعف يدب إلى أوصال الدولة الأموية، وقامت الدعوة السرية لبني العباس. ومن هذا العرض السريع وتتبع الأحداث التي وراءه أخذ كثير من الباحثين المؤرخين على بني أمية أمورا: أولا- أن نزعة الحكم في عهد الأمويين بدأت باتجاه عنصري يثير في النفس عوامل العصبية ونظام الملك، فعندما قرأ مروان بن الحكم عامل معاوية على المدينة كتاب معاوية لأخذ البيعة ليزيد في مسجد المدينة هاج القوم وماجوا، وقال عبد الرحمن بن أبي بكر: "ما الخيار أردتم لأمة محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية: كلما مات هرقل قام هرقل" وقام الحسن بن علي فأنكر ذلك، وفعل مثله عبد الله بن الزبير. ثانيا- أنها جنحت إلى سياسة الملك التي تهتم بتقوية نفوذها، واستقرار الأمر لها دون التزام لسيرة الخلفاء الراشدين اعتصاما بالدين ووقوفا عند حدوده. ثالثا- أنها عاملت بعض الصحابة وشيوخ التابعين بعنف وشدة كمعاملة الحجاج لسعيد بن جبير، وموقفه من عبد الله بن الزبير، رابعا- أن الحكم الأموي استباح أشياء من الأمور المشتبهات في الإسلام وغلب جانب الرأي فيما يجد من مسائل النزاع وأمور المعاملات:"أ" فاستلحق معاوية زيادا، وقبل زياد هذا الاستلحاق والله تعالى يقول: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ١. ويقول صلى الله عليه وسلم: "من ادعى لغير أبيه فليتبوأ مقعده من النار". رواه البخاري ومسلم. إلا أني سمعته يقول: قاتل الله فلانا، وقد تولى القاضي أبو بكر بن العربي الجواب عن هذه التهمة بما فيه الكفاية في كتابه "العواصم من القواصم" وبين أنه لا يعرف لزياد أب قبل دعوى معاوية على التحقيق، وله نسب بعبيد الثقفي بالحضانة، وقد استعمله عمر على بعض صدقات البصرة، وهو صحابي المولد، فهذا الكلام فيه مقال. وأما استلحق معاوية زيادا فلأنه سمع ذلك من أبيه، وقد اختلف العلماء فيما إذا استلحق الأخ أخا يقول: هو ابن أبي، وقال الشافعي في أحد القولين: يثبت النسب. وقد كان زياد مجهول الأب، ويسمى زياد ابن أبيه، ب- واستباح بنو أمية التي حرمها الله، والمدينة التي حرمها رسوله، حيث استباح يزيد بن معاوية المدينة وانتهبها ثلاثة، وثنى عبد الملك بن مروان. فأذن للحجاج في أن يستبيح مكة واستباحها الحجاج، ففعل فيها الأفاعيل، فقال أبو الدرداء: "من يعذرني من معاوية، أخبره عن رسول الله ويخبرني عن رأيه. لا أسكنك أرضا". رواه مالك في الموطأ، وأصله عند مسلم، وأن الذي نهى معاوية عبادة بن الصامت؛ وإنما رأى معاوية ذلك إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات، أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس فيما روى عنه أول الأمر. وينبغي الإشارة هنا إلى ما رواه أهل السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون الخلافة ثلاثين سنة، ثم تصير ملكا". وهو الحديث الذي استند إليه العلماء في تقرير خلاة الخلفاء الراشدين الأربعة؛ فقد كانت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان هذا الإصلاح مصداقا لما رواه البخاري وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للحسن: "إن ابني هذا سيد. وفي الحديث الذي رواه مسلم "ستكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون ملك وجبرية، ثم يكون ملك عضوض". وعهد بني أمية هو الذي يصدق فيه القول بأنه ملك ورحمة، وأولهم معاوية. ولا شك أن معاوية صحابي له فضل الصحبة التي وردت في الأحاديث الصحيحة، فلا يجوز لأحد أن ينال منه، وإن كان الصحابة ليسوا على درجة سواء في الفضل، وقد استعمله عمر رضي الله عنه على الشام بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان قبل أن يستعمله عثمان. واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة. فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول المولك، ولكنه سن سنة سيئة في حمل الناس على بيعة يزيد، أما يزيد بن معاوية فقد غلا فيه بعضهم فجعله إماما عادلا هاديا مهديا، وغلا آخرون في ذمه فاتهموه بالكفر والزندقة. ولا كان من الصحابة باتفاق العلماء، ولا كان كذلك كافرا ولا زنديقا؛ وإنما تولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين ورضا من بعضهم. وجرت في إمارته أمور عظيمة: أحدها: مقتل الحسين رضي الله عنه، حيث حاربه بجيوشه، وحين طلب الحسين منهم أن يجيء إلى يزيد أبوا إلا أن يقتلوه وأصر عبيد الله بن زياد على قتله؛ كما كان قتل عثمان رضي الله عنه قبله من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة. الأمر الثاني: استباحته للمدينة، وأخرجوا نوابه فبعث إليهم جيشا، وأمره إذا لم يطيعوه بعد ثلاث أن يدخلها بالسيف ويبيحها ثلاثا، فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثا يقتلون وينهبون، ثم أرسل جيشا إلى مكة المكرمة فحاصروها، وهذا من العدوان والظلم الذي فعل بأمره. واتخاذ القيان١ وقال فيه ابن كثير: "وكان فيه أيضا إقبال على الشهوات، وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات، واتخاذ القيان١ وقال فيه ابن كثير: "وكان فيه أيضا إقبال على الشهوات، وإماتتها في غالب الأوقات". أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي] مدخل] أشرنا من قبل إلى أن المسلمين قد انقسموا إلى أحزاب ثلاثة: الشيعة، والخوارج، والجماعة. وكانت أول مسألة اشتد فيها الخلاف بين المسلمين، وتشعبت فيها آراؤهم، ولكنه يمتد إلى بذرته الأولى منذ شعر المسلمون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرورة التفكير فيمن يخلفه، وفي هذه السقيفة رأي الأنصار أنهم أولى بالخلافة، ورأى المهاجرون أن تكون الخلافة فيهم. ولم يلبث الأمر حتى تمت البيعة لأبي بكر، ثم تكونت نواة رأي ثالث، وهو أن تكون الخلافة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي علي خاصة لقرابته، وسبقه، وجهاده وفضله، وعمله، لما كان عليه الخليفتان من عدل وإنصاف وبعد عن معاني العصبية؛ فلما كانت خلافة عثمان رضي الله عنه واستعان بالأمويين أثارت عصبيتهم تبرما يجنح إلى على، ولكن النزاع الذي تشب بينه وبين معاوية، ثم سيطرة معاوية أدى إلى الانقسام الثلاثي الذي ذكرناه آنفا. ولم يكن شر هذا الانقسام إلى: شيعة، وخوارج، بل نشأ شيء آخر ليس أقل من ذلك خطرا، وتفرقهم في الدين نفسه فجعل بعضهم يكفر بعضا، ويسيء الظن فيه، وقامت الحياة بينهم على السيف أحيانا في ثورات متلاحقة، مدخل] أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي] أشرنا من قبل إلى أن المسلمين قد انقسموا إلى أحزاب ثلاثة: الشيعة، والخوارج، والجماعة. وتشعبت فيها آراؤهم، وأدركهم أبو بكر وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وفي هذه السقيفة رأي الأنصار أنهم أولى بالخلافة، ورأى المهاجرون أن تكون الخلافة فيهم. ولم يلبث الأمر حتى تمت البيعة لأبي بكر، ثم تكونت نواة رأي ثالث، وهو أن تكون الخلافة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي علي خاصة لقرابته، وسبقه، أما رأي الأنصار فقد خمد بعد اقتناع وتسليم، وسكنت النظرية القائلة بأولوية على في عهد أبي بكر وعمر، فلما كانت خلافة عثمان رضي الله عنه واستعان بالأمويين أثارت عصبيتهم تبرما يجنح إلى على، ولكن النزاع الذي تشب بينه وبين معاوية، وانتهى بقصة التحكيم، ثم سيطرة معاوية أدى إلى الانقسام الثلاثي الذي ذكرناه آنفا. وجماعة، بل نشأ شيء آخر ليس أقل من ذلك خطرا، وهو اختلاف المسلمين في الرأي، وتفرقهم في الدين نفسه فجعل بعضهم يكفر بعضا، وقامت الحياة بينهم على السيف أحيانا في ثورات متلاحقة، قابلها[أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي] مدخل] أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي] أشرنا من قبل إلى أن المسلمين قد انقسموا إلى أحزاب ثلاثة: الشيعة، والجماعة. وأسرع الأنصار قبل دفنه إلى عقد اجتماع في سقيفة بني ساعدة، ليبتوا في الأمر، وأدركهم أبو بكر وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وفي هذه السقيفة رأي الأنصار أنهم أولى بالخلافة، ورأى المهاجرون أن تكون الخلافة فيهم. ولم يلبث الأمر حتى تمت البيعة لأبي بكر، ثم تكونت نواة رأي ثالث، وهو أن تكون الخلافة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وجهاده وفضله، وعمله، وسكنت النظرية القائلة بأولوية على في عهد أبي بكر وعمر، فلما كانت خلافة عثمان رضي الله عنه واستعان بالأمويين أثارت عصبيتهم تبرما يجنح إلى على، وبقتل عثمان ومبايعة علي رضي الله عنه تحققت نظرية القائلين بحق علي في الخلافة؛ ولكن النزاع الذي تشب بينه وبين معاوية، ولم يكن شر هذا الانقسام إلى: شيعة، وجماعة، قاصرا على الضرر المادي في حياتهم؛ بل نشأ شيء آخر ليس أقل من ذلك خطرا، وتفرقهم في الدين نفسه فجعل بعضهم يكفر بعضا، ويسيء الظن فيه، وقامت الحياة بينهم على السيف أحيانا في ثورات متلاحقة، قابلها[أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي] مدخل] أشرنا من قبل إلى أن المسلمين قد انقسموا إلى أحزاب ثلاثة: الشيعة، ولم يكن أصل الخلاف عليها وليد فتنة عثمان، ولكنه يمتد إلى بذرته الأولى منذ شعر المسلمون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرورة التفكير فيمن يخلفه، وأسرع الأنصار قبل دفنه إلى عقد اجتماع في سقيفة بني ساعدة، ليبتوا في الأمر، وأدركهم أبو بكر وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وفي هذه السقيفة رأي الأنصار أنهم أولى بالخلافة، ورأى المهاجرون أن تكون الخلافة فيهم. ولم يلبث الأمر حتى تمت البيعة لأبي بكر، وفي علي خاصة لقرابته، وسبقه، وعمله، وسكنت النظرية القائلة بأولوية على في عهد أبي بكر وعمر، لما كان عليه الخليفتان من عدل وإنصاف وبعد عن معاني العصبية؛ فلما كانت خلافة عثمان رضي الله عنه واستعان بالأمويين أثارت عصبيتهم تبرما يجنح إلى على، وبقتل عثمان ومبايعة علي رضي الله عنه تحققت نظرية القائلين بحق علي في الخلافة؛ ثم سيطرة معاوية أدى إلى الانقسام الثلاثي الذي ذكرناه آنفا. ولم يكن شر هذا الانقسام إلى: شيعة، وجماعة، قاصرا على الضرر المادي في حياتهم؛ بل نشأ شيء آخر ليس أقل من ذلك خطرا، وتفرقهم في الدين نفسه فجعل بعضهم يكفر بعضا، وقامت الحياة بينهم على السيف أحيانا في ثورات متلاحقة، قابلهاالأمويون بالعنف والاستبداد حتى أصبح منطق القوة أصلاً من أصول الحكم في بعض الفترات. وهكذا أصبح لدى كل فريق من الفرق الثلاث فقهه في الأصول والفروع، ويجد بنا الوقوف عند فرقتين، هما: الخوارج، على المسلمين وأثرت في الفقه الإسلامي أبلغ تأثير. ١- الخوارج: وتضحية في سبيل عقيدتها، كان أكثرهم من العرب الخلص الذين ألفوا الخشونة وشظف العيش، فتطرفوا في آرائهم المنحرفة، وجادلوا خصومهم بفصاحة بيان، ويرى الخوارج أن عليا أخطأ في التحكيم؛ لأنه يتضمن شك كل فريق من المحاربين أيهما المحق؟ وليس الأمر كذلك، فإنهم حاربوا وهم مؤمنون أن الحق في جانبهم، وقالوا: "لا حكم إلا الله" فسرت هذه الجملة إلى من يعتنق هذا الرأي، وأصبحت شعارا لهم. وقد طلبوا من على أن يحكم على نفسه بالخطأ . بل بالكفر لقبوله التحكيم، لأنه لم يشرك بالله شيئا منذ آمن، وكيف يرجع عن اتفاق أمضاه، فاستمروا على عنادهم ومضايقتهم له؛ فإذا خطب في المسجد قاطعوه بقولهم: "لا حكم إلا الله" ولما يئسوا من رجوعه إلى رأيهم اجتمعوا في منزل أحدهم وخطب خطيبهم يقول: أما بعد. وإن من١ وضر؛ فإنه من يمن ويضر في هذه الدنيا، فإن ثوابه يوم القيام رضوان الله عز وجل والخلود في جناته، فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال، أو إلى بعض هذه المدائن منكرين هذه البدع المضلة. ثم خرجوا إلى قرية قريبة من الكوفة تسمى "حروراء" وسموا حينئذ "بالحرورية" نسبة إلى هذه القرية، لأنهم يقولون: "لا حكم إلا الله". وأمروا عليهم رجلا اسمه عبد الله بن وهب الراسبي. فلأنهم خرجوا على وصحبه، وقد حاربهم على رضي الله عنه وهزمهم، وكادوا له حتى دبروا مؤامرة قتله، فقتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجي. وظل الخوارج شوكة في جنب الدولة الأموية يهددونها ويحاربونها في جرأة وشجاعة، ويجدر بنا الإشارة إلى أنهم كانوا قسمين: أحدهما: بالعراق وما حوله، وكان أهم مركز لهم "البطائح" بالقرب من البصرة، وقد استولوا على كرمان وبلاد فارس، وهؤلاء هم الذين حاربهم المهلب بن أبي صفرة، ثانيهما: بجزيرة العرب، وقد استولوا على اليمامة، وحضرموت، والطائف، ومن أشهر أمرائهم أبو طالوت، ونجدة بن عامر. واستمرت حروب الخوارج طوال عهد الدولة الأموية، آراؤهم] ومن أشهر آراء الخوارج ما يأتي: وبكفر معاوية، وأبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص ويطعنون في أصحاب الجمل: طلحة، والزبير، وعائشة. جـ- ويرون أن الخلافة يجب أن تكون باختيار حر من المسلمين، ولا يشترط أن يكون الخليفة قرشيا، خلافة لنظرية الشيغة القائلة بانحصار الخلافة في بيت النبي، ولكثير من أهل السنة القائلين بأن الخلافة في قريش، وإذا تم اختيار الخليفة صار رئيسا للمسلمين، ولا يصح أن يتنازل أو يحكم، ويجب أن يخضع خضوعا تاما لأمر الله، فإن لم يقبل وجب قتله. ب- رأيهم في الإيمان والعمل: كالصلاة، والصوم، والعدل، أو الاعتقاد مع الإقرار باللسان. أو يرتكب الكبائر يكون كافرا. فقالوا بتكفير أهل الذنوب، بل اعتبروا الخطأ في الرأي ذنبا، ولذا كفروا عليا رضي الله عنه بالتحكيم، واستدلوا على ذلك بظواهر. ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، وغير ذلك من النصوص. لا يراد بها الكفر الذي يخرج من الملة، ولا نفي حقيقة الإيمان، إنما يراد بها نفي كماله. وقد اختلف الخوارج على أنفسهم، وأصبحوا فرقا شتى، لكل فرقة آراؤها، ولكنهم يشتركون إجمالا في النظريتين السابقتين: نظرية الخلافة، ومنهم من كان يرى أنه لا حاجة بالأمة إلى إمام وعلى الناس أن يعملوا بكتاب الله من أنفسهم، أنه لما سمعهم يقولون: لا حكم إلا لله، قال: "كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: "لا إمرة إلا لله"، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمع فيها الكافر، ويبلغ الله منها الأجل، ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، حتى يستريح بر ويستراح من فاجر". ويذهبون إلى أنه لا حاجة إلى الإمام، وذكر بعض الباحثين أن فرق الخوارج بلغت نحو العشرين، كل فرقة تخالف الأخرى في بعض تعاليمها، ١- الأزارقة: أتباع نافع بن الأزرق من بني حنيفة، واستباح قتل النساء والأطفال وأهل الذمة، قطري بن الفجاءة المازني التميمي الذي قاتله المهلب بن أبي صفرة قتالا مريرا حتى هزمه بأرض فارس. ٢- النجدات: أتباع نجدة بن عامر، من بني حنيفة كذلك، فهذا واجب على الجميع، والثاني: ما سوى ذلك -فالناس معذورون فيه إلى أن تقوم عليهم الحجة في الحلام والحرام. بايعه خوارج اليمامة سنة ٦٦ هـ وغزا بهم البحرين وعمان واليمن والطائف؛ لكنه لم يبسط نفوذه إلا في البحرين. خالف النجدات عامة الخوارج، أي أن يظهر الخارجي أنه جماعي حقنا لدمه، وأهل الذمة. ٣- الإباضية: أتباع عبد الله بن إباض التميمي، وكانوا أقل غلوا في الحكم على مخالفيهم، ونزعتهم أميل إلى المسالمة، فهم أبعد الخوارج عن الشطط، لا كفار في الاعتقاد، ولذا بقي لهم فقه جيد، ٤- الصفرية: أتباع زياد بن الأصفر، وهم لا يختلفون كثيرا في تعاليمهم عن الأزارقة وإن كانوا أقل تطرفا منهم، فلا يكفرون بالذنوب كلها، إنما يكفرون بالذنوب التي فيها حد، ولا يحكون بقتل أطفال مخالفيهم، ولايرون كفرهم وتخليدهم في النار خلافا للأزارقة، وقد انتشروا في الموصل وأرض الجزيرة. وأكثر الذين اعتنقوا مبدأ الخوارج كانوا عربا بدوا، انضم إليهم قليل من الموالي. ومن أخص صفات الخوارج تشددهم في العبادة وإخلاصهم لعقيدتهم وشجاعتهم النادرة، وعروبتهم الخالصة، وأدبهم الرفيع شعرا ونثرا. فقه الخوارج: ١- لقد كان من آثار اهتمام الخوارج بالناحية العملية وتشددهم في سلوك المسلم أنهم ترفعوا في مقاييسهم الفقهية بأمور العبادات؛ فاعتبروا المعاني الأخلاقية والروحية بإزاء العمل البدني؛ ففي طهارة البدن للصلاة مثلا، وعلى هذا جعلوا من مبطلات الوضوء: الوشاية، والعدواة، والبغضاء بين الناس، والقول الفاحش، أي أنهم راعوا مع الطهارة البدنية، الطهارة المعنوية. واعتبر القرآن وحده المصدر الحقيقي، محتجين بأن القرآن يبطلها. ورجم الأئمة بعده، والله تعالى يقول في الإماء: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} ١، والرجم إتلاف للنفس لا يتبعض؛ فكيف يكون على الإماء نصفه؟ والمحصنات ذوات الأزواج وفي هذا دليل على أن المحصنة حدها الجلد، وهو الذي ورد في القرآن لقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ٢. ب- وقالوا: رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا وصية لوارث"، والله يقول: "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إنترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين١ والولدان وارثان على كل حال لا يحجبهما أحد عن الميراث؛ فهذه الرواية في الوصية خلاف كتاب الله عز وجل. جـ وقالوا: رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها"، والأخت بالرضاع، وكل رضاع سوى الأم والأخت فيما أحله الله تعالى. د- وقالوا: إنكم ترون أن حد القذف يثبت على على من يقذف المحصنين من الرجال ونحن نقول: إن حد القذف لا يثبت إلا على من يقذف محصنة بالزنا؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ٤ فذكر رمي المحصنات ولم يذكر رمي المحصنين. وقد ذكر ابن قتيبة هذه المسائل وغيرها نقلا عن الخوارج في كتابه "تأويل مختلف الحديث"٥ ورد عليها، ولهذه النزعة أثر عند بعض الناس في عصرنا الحاضر الذين يرون الاكتفاء بالقرآن وحده. بدأت نواة التشيع لدى هؤلاء الذين يرون أن الخلافة ميراث أدبي وأولى الناس بإرث النبي صلى الله عليه وسلم من قرابته، وأولى قرابته العباس عمه وعلى ابن عمه، كما ذكرنا من العباس لسبقه وعلمه وجهاده وزواجه من فاطمة، ولم يرد عن طريق صحيح ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عين عليا للخلافة ونص عليه. ويروي البخاري عن ابن عباس "أن عليا رضي الله عنه خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه؛ فقال الناس: يا أبا الحسن . كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتوفي من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا نسأله فيمن هذا الأمر، فإن كان فينا علمناه، فقال على رضي الله عنه: أما والله لئن سألناه فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وأبو سفيان، والمقداد بن الأسود. والزبير، وعمار بن ياسر، وقال فيها ابن خلدون في مقدمته حكاية عنهم: "إن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة، ويتعين القائم بتعيينهم بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام، ويكون معصوما من الكبائر والصغائر، وإن عليا رضي الله عنه هو الذي عينه صلوات الله عليه، بنصوص ينقلونها ويؤولونها على مقتضى مذهبهم، بل أكثرها موضوع، أو مطعون في طريقه، أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة"١ وأكثرهم خصائص، ومناقب، وأنه معصوم، وكذلك من بعده من الأئمة، وخالد في النار مع الكفار والمنافقين وليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا النبوة. ٢- وأدت إلى الغلو في حب على حتى ألهوه، فمنهم من قال كما ذكر الشهرستاني: "حل في على جزء إلهي، واتحد بجسده فيه، وبه كان يعلم الغيب؛ إذ أخبر عن الملاحم، وبه كان يحارب الكفار، وله النصرة، والظفر، وبه قلع باب خيبر، وعن هذا قال: والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية، وفكرة الرجعة التي تطورت عند الشيعة إلى العقيدة باختفاء الأئمة وأن الإمام المختفي سيعود، ويملأ الأرض عدلا، ومنها نبعت فكرة المهدي المنتظر. ولعل من أكبر العوامل التي ساعدت على هذه الفكرة، أن أكثر شيعة علىكانوا في العراق، من عناصر مختلفة وفي العراق، ومنها ما فيه الزعم بعقيدة الحلول. أما المسلمون العرب فهم أبعد الناس عن هذا الزعم، وتلك المذاهب، وقد عرفوا عقيدة الفطرة في الإسلام القائمة على وحدانية الله وتنزهه، أهمها: الزيدية، ١- فالزيدية: هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ويجيزون إمامة المفضول مع وجود الأفضل، ولذا قالوا بصحة إمامة أبي بكر وعمر، وله في الفقه كتاب "المجموع". ٢- والإمامية: وهم الذين قالوا بأن محمدا صلى الله عليه وسلم نص على خلافة على، وقد اغتصبها أبو بكر وعمر، ويختلفون اختلافا كثيرا في الأئمة وتسلسلهم لاختلاف فرقهم، ويقولون بعودة إمام منتظر، ومن أشهر فرقهم، الإسماعيلية، والإثنا عشرية، ولكل فرقة مذهبها الذي يختلف عن غيرها، وقد كان للتشيع أثره في الفقه الإسلامي. فإن الشيعة لا يعتدون في الأخذ إلا من علمائهم، ولا يفسرون النصوص إلا وفق مبادئهم، ولا يأخذون بالإجماع؛ ولا يقولون بالقياس لأنه رأي، والدين لا يؤخذ بالرأين وإنما يؤخذ عن الله ورسوله وأئمتهم المعصومين، أ- فقد قالوا بإمامة على وخلافته نصًا ووصاية وأنها لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، بل هي ركن الدين الذي لا يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم إهماله وإغفاله، وتفويضه إلى العامة، والظلم، والخطأ، والنسيان. ويرى الإسماعيلية أن التوحيد نفي الصفات عن الله؛ لأنك إذا أثبت الصفات فلا توحيد، وأن أولياءهم وأوتوا علم الباطن، وأن الشعائر الدينية لا تلزم إلا العامة، ب- وهو يقولون بجواز نكاح المتعة إلى يوم القيامة، وإنه لم ينسخ، مستدلين بظاهر قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ١، والمراد بالاستمتاع: التمتع الكامل بالدخول بالزوجة من نكاح مشروع، والمراد بالأجور: ما يجب للزوجة من المهر كاملا إذا استمتع بها الزوج، وتسمية المهر أجرا لا تدل على أنه أجر المتعة؛ فقد سمى المهر أجرا في غير هذا الموضع، فتكون من قبيل التفسير للآية وليس بحجة. وما روى عنابن عباس من إباحته؛


Original text

عصر صغار الصحابة وكبار التابعين:


من ولاية معاوية إلى أوائل القرن الثاني الهجري


الحالة السياسية في هذا العهد:


اجتمعت لمعاوية أقطار البلاد الإسلامية كلها، بعد أن صالحه الحسن بن علي رحمه الله، ولقب بأمير المؤمنين في العام الحادي والأربعين، وسمي هذا العام بـ "عام الجماعة".
"الباقر" محمد بن علي بن الحسين:


هو أبو جعفر "محمد بن زيد العابدين علي بن الحسين" بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، الملقب بـ "الباقر".


ولد بالمدينة سنة سبع وخمسين للهجرة، وكان عمره يوم قتل جده الحسين رضي الله عنه ثلاث سنوات.


وهو أحد الأئمة الاثنا عشر من اعتقاد الإمامية، ووالد جعفر الصادق. وكان عالما، سيدا، كبيرا؛ وإنما قيل له الباقر: لأنه تبقر في العلم: أي توسع، والتبقر: التوسع، وفيه يقول الشاعر:


يا باقر العلم لأهل التقى ... وخير من لبى على الأجيلوتوفي سنة ثلاث عشرة ومائة بـ "الحميمة"، "بلد من أرض السراة في أطراف الشام" ونقل إلى المدينة ودفن بالبقيع.


ولا يعنى هذا الاجتماع استقرار الأمر وهدوء الحال من كل وجه، فإن المناوأة لمعاوية والحكم الأموي ظلت قائمة، من الخوارج تارة، وهم الذين ينقمون على عثمان وعلى ومعاوية جميعا، وينكرون سياسة الملك الدنيوي، ومن الشيعة أخرى، وهم الذين يرون الخلافة حقا لعلي وأهل بيته خاصة.


فإذا أضفنا إلى هذا أن سياسة حكم بني أمية واجهت في كثير من الفترات سخطا متزايدا، وخروجا على سلطانها في بعض الجهات، أدركنا العقبات التي اعترضت الولاة في هذا العهد.


ولقد كان معاوية صاحب حنكة سياسية خففت من حدة الخصومة بينه وبين أعدائه؛ إلا أن بيعته ليزيد أثارت كثيرا من السخط لدى أهل الورع والتقوى، كما كان لواقعة كربلاء ومقتل الحسين رد فعل كذلك، وزاد الطين بلة استقلال عبد الله بن الزبير، واعتصامه بمكه، مما جعل الأمر أشد تأزما وحرجا.


فلما جاء عبد الملك بن مروان أخذ في كتب هذه النزعات بقوة وحزم، كي يستتب له الأمر واعتمد في جمع كلمة الناس عليه على رجل مستبد، يعشق إذلال النفوس بالقهر والعسف، ذلك هو الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أحمد.


كثيرا من الثورات، وحاصر مكة، وانتهك حرمتها وقتل عبد الله بن الزبير سنة ثلاث وسبعين للهجرة.


ولئن كان عهد الوليد بن عبد الملك من أزهى عصور بني أمية؛ حيث ازدهر بالفتوحات الإسلامية شرقا وغربا، فقد جاء بعده أخوه سليمان؛ فأساء للقواد الفاتحين، ثم أعقبه عمر بن عبد العزيز "التقي الزاهد" فحاول رد المظالم وإقامة العدل، واتجه بسياسة الحكم إلى إعادة سيرة الخلفاء الراشدين، ولكن الأمر ساء من بعده في عهد يزيد بن عبد الملك، ثم في عهد أخيه هشام، وبدأ الضعف يدب إلى أوصال الدولة الأموية، وقامت الدعوة السرية لبني العباس.


ومن هذا العرض السريع وتتبع الأحداث التي وراءه أخذ كثير من الباحثين المؤرخين على بني أمية أمورا:


أولا- أن نزعة الحكم في عهد الأمويين بدأت باتجاه عنصري يثير في النفس عوامل العصبية ونظام الملك، فعندما قرأ مروان بن الحكم عامل معاوية على المدينة كتاب معاوية لأخذ البيعة ليزيد في مسجد المدينة هاج القوم وماجوا، وقال عبد الرحمن بن أبي بكر: "ما الخيار أردتم لأمة محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية: كلما مات هرقل قام هرقل" وقام الحسن بن علي فأنكر ذلك، وفعل مثله عبد الله بن الزبير.


ثانيا- أنها جنحت إلى سياسة الملك التي تهتم بتقوية نفوذها، واستقرار الأمر لها دون التزام لسيرة الخلفاء الراشدين اعتصاما بالدين ووقوفا عند حدوده.


ثالثا- أنها عاملت بعض الصحابة وشيوخ التابعين بعنف وشدة كمعاملة الحجاج لسعيد بن جبير، وموقفه من عبد الله بن الزبير، ومعاملة أمير المدينة هشام ابن إسماعيل لسعيد بن المسيب.


رابعا- أن الحكم الأموي استباح أشياء من الأمور المشتبهات في الإسلام وغلب جانب الرأي فيما يجد من مسائل النزاع وأمور المعاملات:"أ" فاستلحق معاوية زيادا، ورغب به عن أبيه عبيد الرومي، وقبل زياد هذا الاستلحاق والله تعالى يقول: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ١.


ويقول صلى الله عليه وسلم: "من ادعى لغير أبيه فليتبوأ مقعده من النار". رواه البخاري ومسلم.


وروى عن ابن حرملة قال: ما سمعت سعيد بن المسيب سب أحدا من الأئمة قط، إلا أني سمعته يقول: قاتل الله فلانا، كان أول من غير قضاء رسول الله وقد قال: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" يعنى بذلك استلحاق معاوية لزياد بن أبيه.


وقد تولى القاضي أبو بكر بن العربي الجواب عن هذه التهمة بما فيه الكفاية في كتابه "العواصم من القواصم" وبين أنه لا يعرف لزياد أب قبل دعوى معاوية على التحقيق، وله نسب بعبيد الثقفي بالحضانة، وقد استعمله عمر على بعض صدقات البصرة، وهو صحابي المولد، وما قيل من أن أبا سفيان اعترف به وأنه أتى أمه سمية في الجاهلية فأتت به ولم تكن سمية لأبي سفيان وإنما كانت للحارث بن كلدة طبيب العرب وهبها إليه كسرى، فهذا الكلام فيه مقال. وأما استلحق معاوية زيادا فلأنه سمع ذلك من أبيه، وقد اختلف العلماء فيما إذا استلحق الأخ أخا يقول: هو ابن أبي، ولم يكن له منازع فقال مالك: يرث ولا يثبت النسب، وقال الشافعي في أحد القولين: يثبت النسب. وقد كان زياد مجهول الأب، ويسمى زياد ابن أبيه، فالمسألة إذن اجتهاد من معاوية.


ب- واستباح بنو أمية التي حرمها الله، والمدينة التي حرمها رسوله، حيث استباح يزيد بن معاوية المدينة وانتهبها ثلاثة، وثنى عبد الملك بن مروان.


فأذن للحجاج في أن يستبيح مكة واستباحها الحجاج، ففعل فيها الأفاعيل، كل ذلك لتخضع البلاد المقدسة لبني أبي سفيان ولبني مروان من بعدهم.


وشبهة ذلك عنده في استباحة الحرم أن الحرم لا يجير عاصيا كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ج- وغلب جانب الرأي في المعاملات، روى عطاء بن يسار أن معاوية باع مرة سفاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل ذلك" فقال معاوية: ما أرى بهذا بأسا، فقال أبو الدرداء: "من يعذرني من معاوية، أخبره عن رسول الله ويخبرني عن رأيه.. لا أسكنك أرضا". رواه مالك في الموطأ، والنسائي في السنن، وأصله عند مسلم، وأن الذي نهى معاوية عبادة بن الصامت؛ وإنما رأى معاوية ذلك إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات، أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس فيما روى عنه أول الأمر.


وينبغي الإشارة هنا إلى ما رواه أهل السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون الخلافة ثلاثين سنة، ثم تصير ملكا". وهو الحديث الذي استند إليه العلماء في تقرير خلاة الخلفاء الراشدين الأربعة؛ فقد كانت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وعلى رأس ثلاثين سنة بعد ذلك كان إصلاح الحسن بن على بين فئتين من المؤمنين بنزوله عن الأمر لمعاوية سنة إحدى وأربعين في شهر جمادي الأولى، وسمي "عام الجماعة" لإجماع الناس على معاوية وهو أول الملوك.


وكان هذا الإصلاح مصداقا لما رواه البخاري وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للحسن: "إن ابني هذا سيد. وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين".


وفي الحديث الذي رواه مسلم "ستكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم يكون ملك وجبرية، ثم يكون ملك عضوض". وعهد بني أمية هو الذي يصدق فيه القول بأنه ملك ورحمة، وأولهم معاوية.
ولا شك أن معاوية صحابي له فضل الصحبة التي وردت في الأحاديث الصحيحة، بل كان من كتاب الوحي، فلا يجوز لأحد أن ينال منه، وإن كان الصحابة ليسوا على درجة سواء في الفضل، وقد استعمله عمر رضي الله عنه على الشام بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان قبل أن يستعمله عثمان.


واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة. فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول المولك، كان ملكه ملكا ورحمة كما جاء في الحديث.


ولكنه سن سنة سيئة في حمل الناس على بيعة يزيد، وجرى على ذلك أمر بني أمية في القهر والغلبة إذا استثنينا عمر بن عبد العزيز.


أما يزيد بن معاوية فقد غلا فيه بعضهم فجعله إماما عادلا هاديا مهديا، وغلا آخرون في ذمه فاتهموه بالكفر والزندقة.


والحق أن يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان من الصحابة باتفاق العلماء، ولا كان من المشهورين بالدين والصلاح، ولا كان كذلك كافرا ولا زنديقا؛ وإنما تولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين ورضا من بعضهم. وجرت في إمارته أمور عظيمة:


أحدها: مقتل الحسين رضي الله عنه، حيث حاربه بجيوشه، وحين طلب الحسين منهم أن يجيء إلى يزيد أبوا إلا أن يقتلوه وأصر عبيد الله بن زياد على قتله؛ فكان قتله، كما كان قتل عثمان رضي الله عنه قبله من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة.


الأمر الثاني: استباحته للمدينة، فإن أهل المدينة نقضوا بيعته، وأخرجوا نوابه فبعث إليهم جيشا، وأمره إذا لم يطيعوه بعد ثلاث أن يدخلها بالسيف ويبيحها ثلاثا، فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثا يقتلون وينهبون، وينتهكون الأعراض، وأوقعوا بأهل المدينة في الحرة، ثم أرسل جيشا إلى مكة المكرمة فحاصروها، وهذا من العدوان والظلم الذي فعل بأمره.


الأمر الثالث: أنه لم يكن محمود السيرة من كل وجه، فقد ذكرت بعضالروايات عنه أشتهر بالمعازف وشرب الخمر، واتخاذ القيان١ وقال فيه ابن كثير: "وكان فيه أيضا إقبال على الشهوات، وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات، وإماتتها في غالب الأوقات".
الروايات عنه أشتهر بالمعازف وشرب الخمر، واتخاذ القيان١ وقال فيه ابن كثير: "وكان فيه أيضا إقبال على الشهوات، وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات، وإماتتها في غالب الأوقات".
[أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي]


[مدخل]


...


[أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي]


أشرنا من قبل إلى أن المسلمين قد انقسموا إلى أحزاب ثلاثة: الشيعة، والخوارج، والجماعة. وكانت أول مسألة اشتد فيها الخلاف بين المسلمين، وتشعبت فيها آراؤهم، ولم يكن أصل الخلاف عليها وليد فتنة عثمان، ولكنه يمتد إلى بذرته الأولى منذ شعر المسلمون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرورة التفكير فيمن يخلفه، وأسرع الأنصار قبل دفنه إلى عقد اجتماع في سقيفة بني ساعدة، ليبتوا في الأمر، وأدركهم أبو بكر وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وفي هذه السقيفة رأي الأنصار أنهم أولى بالخلافة، ورأى المهاجرون أن تكون الخلافة فيهم. ولم يلبث الأمر حتى تمت البيعة لأبي بكر، ثم تكونت نواة رأي ثالث، وهو أن تكون الخلافة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي علي خاصة لقرابته، وسبقه، وجهاده وفضله، وعمله، أما رأي الأنصار فقد خمد بعد اقتناع وتسليم، وسكنت النظرية القائلة بأولوية على في عهد أبي بكر وعمر، لما كان عليه الخليفتان من عدل وإنصاف وبعد عن معاني العصبية؛ فلما كانت خلافة عثمان رضي الله عنه واستعان بالأمويين أثارت عصبيتهم تبرما يجنح إلى على، وبقتل عثمان ومبايعة علي رضي الله عنه تحققت نظرية القائلين بحق علي في الخلافة؛ ولكن النزاع الذي تشب بينه وبين معاوية، وانتهى بقصة التحكيم، ثم سيطرة معاوية أدى إلى الانقسام الثلاثي الذي ذكرناه آنفا.


ولم يكن شر هذا الانقسام إلى: شيعة، وخوارج، وجماعة، قاصرا على الضرر المادي في حياتهم؛ بل نشأ شيء آخر ليس أقل من ذلك خطرا، وهو اختلاف المسلمين في الرأي، وتفرقهم في الدين نفسه فجعل بعضهم يكفر بعضا، ويسيء الظن فيه، وقامت الحياة بينهم على السيف أحيانا في ثورات متلاحقة، قابلها[أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي]


[مدخل]


...


[أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي]


أشرنا من قبل إلى أن المسلمين قد انقسموا إلى أحزاب ثلاثة: الشيعة، والخوارج، والجماعة. وكانت أول مسألة اشتد فيها الخلاف بين المسلمين، وتشعبت فيها آراؤهم، ولم يكن أصل الخلاف عليها وليد فتنة عثمان، ولكنه يمتد إلى بذرته الأولى منذ شعر المسلمون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرورة التفكير فيمن يخلفه، وأسرع الأنصار قبل دفنه إلى عقد اجتماع في سقيفة بني ساعدة، ليبتوا في الأمر، وأدركهم أبو بكر وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وفي هذه السقيفة رأي الأنصار أنهم أولى بالخلافة، ورأى المهاجرون أن تكون الخلافة فيهم. ولم يلبث الأمر حتى تمت البيعة لأبي بكر، ثم تكونت نواة رأي ثالث، وهو أن تكون الخلافة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي علي خاصة لقرابته، وسبقه، وجهاده وفضله، وعمله، أما رأي الأنصار فقد خمد بعد اقتناع وتسليم، وسكنت النظرية القائلة بأولوية على في عهد أبي بكر وعمر، لما كان عليه الخليفتان من عدل وإنصاف وبعد عن معاني العصبية؛ فلما كانت خلافة عثمان رضي الله عنه واستعان بالأمويين أثارت عصبيتهم تبرما يجنح إلى على، وبقتل عثمان ومبايعة علي رضي الله عنه تحققت نظرية القائلين بحق علي في الخلافة؛ ولكن النزاع الذي تشب بينه وبين معاوية، وانتهى بقصة التحكيم، ثم سيطرة معاوية أدى إلى الانقسام الثلاثي الذي ذكرناه آنفا.


ولم يكن شر هذا الانقسام إلى: شيعة، وخوارج، وجماعة، قاصرا على الضرر المادي في حياتهم؛ بل نشأ شيء آخر ليس أقل من ذلك خطرا، وهو اختلاف المسلمين في الرأي، وتفرقهم في الدين نفسه فجعل بعضهم يكفر بعضا، ويسيء الظن فيه، وقامت الحياة بينهم على السيف أحيانا في ثورات متلاحقة، قابلها[أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي]


[مدخل]


...


[أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي]


أشرنا من قبل إلى أن المسلمين قد انقسموا إلى أحزاب ثلاثة: الشيعة، والخوارج، والجماعة. وكانت أول مسألة اشتد فيها الخلاف بين المسلمين، وتشعبت فيها آراؤهم، ولم يكن أصل الخلاف عليها وليد فتنة عثمان، ولكنه يمتد إلى بذرته الأولى منذ شعر المسلمون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرورة التفكير فيمن يخلفه، وأسرع الأنصار قبل دفنه إلى عقد اجتماع في سقيفة بني ساعدة، ليبتوا في الأمر، وأدركهم أبو بكر وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وفي هذه السقيفة رأي الأنصار أنهم أولى بالخلافة، ورأى المهاجرون أن تكون الخلافة فيهم. ولم يلبث الأمر حتى تمت البيعة لأبي بكر، ثم تكونت نواة رأي ثالث، وهو أن تكون الخلافة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي علي خاصة لقرابته، وسبقه، وجهاده وفضله، وعمله، أما رأي الأنصار فقد خمد بعد اقتناع وتسليم، وسكنت النظرية القائلة بأولوية على في عهد أبي بكر وعمر، لما كان عليه الخليفتان من عدل وإنصاف وبعد عن معاني العصبية؛ فلما كانت خلافة عثمان رضي الله عنه واستعان بالأمويين أثارت عصبيتهم تبرما يجنح إلى على، وبقتل عثمان ومبايعة علي رضي الله عنه تحققت نظرية القائلين بحق علي في الخلافة؛ ولكن النزاع الذي تشب بينه وبين معاوية، وانتهى بقصة التحكيم، ثم سيطرة معاوية أدى إلى الانقسام الثلاثي الذي ذكرناه آنفا.


ولم يكن شر هذا الانقسام إلى: شيعة، وخوارج، وجماعة، قاصرا على الضرر المادي في حياتهم؛ بل نشأ شيء آخر ليس أقل من ذلك خطرا، وهو اختلاف المسلمين في الرأي، وتفرقهم في الدين نفسه فجعل بعضهم يكفر بعضا، ويسيء الظن فيه، وقامت الحياة بينهم على السيف أحيانا في ثورات متلاحقة، قابلها[أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي]


[مدخل]


...


[أثر الخلافات السياسية في الفقه الإسلامي]


أشرنا من قبل إلى أن المسلمين قد انقسموا إلى أحزاب ثلاثة: الشيعة، والخوارج، والجماعة. وكانت أول مسألة اشتد فيها الخلاف بين المسلمين، وتشعبت فيها آراؤهم، ولم يكن أصل الخلاف عليها وليد فتنة عثمان، ولكنه يمتد إلى بذرته الأولى منذ شعر المسلمون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرورة التفكير فيمن يخلفه، وأسرع الأنصار قبل دفنه إلى عقد اجتماع في سقيفة بني ساعدة، ليبتوا في الأمر، وأدركهم أبو بكر وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وفي هذه السقيفة رأي الأنصار أنهم أولى بالخلافة، ورأى المهاجرون أن تكون الخلافة فيهم. ولم يلبث الأمر حتى تمت البيعة لأبي بكر، ثم تكونت نواة رأي ثالث، وهو أن تكون الخلافة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي علي خاصة لقرابته، وسبقه، وجهاده وفضله، وعمله، أما رأي الأنصار فقد خمد بعد اقتناع وتسليم، وسكنت النظرية القائلة بأولوية على في عهد أبي بكر وعمر، لما كان عليه الخليفتان من عدل وإنصاف وبعد عن معاني العصبية؛ فلما كانت خلافة عثمان رضي الله عنه واستعان بالأمويين أثارت عصبيتهم تبرما يجنح إلى على، وبقتل عثمان ومبايعة علي رضي الله عنه تحققت نظرية القائلين بحق علي في الخلافة؛ ولكن النزاع الذي تشب بينه وبين معاوية، وانتهى بقصة التحكيم، ثم سيطرة معاوية أدى إلى الانقسام الثلاثي الذي ذكرناه آنفا.


ولم يكن شر هذا الانقسام إلى: شيعة، وخوارج، وجماعة، قاصرا على الضرر المادي في حياتهم؛ بل نشأ شيء آخر ليس أقل من ذلك خطرا، وهو اختلاف المسلمين في الرأي، وتفرقهم في الدين نفسه فجعل بعضهم يكفر بعضا، ويسيء الظن فيه، وقامت الحياة بينهم على السيف أحيانا في ثورات متلاحقة، قابلهاالأمويون بالعنف والاستبداد حتى أصبح منطق القوة أصلاً من أصول الحكم في بعض الفترات.


وهكذا أصبح لدى كل فريق من الفرق الثلاث فقهه في الأصول والفروع، ويجد بنا الوقوف عند فرقتين، هما: الخوارج، والشيعة لما لهما من آراء أفسدت الحياة العقلية. على المسلمين وأثرت في الفقه الإسلامي أبلغ تأثير.
١- الخوارج:


الخوارج من أشد الفرق الإسلامية دفاعا عن مذهبها وحماسا لآرائها، وغلوا في عبادتها، وتضحية في سبيل عقيدتها، أخلصوا لباطلهم إخلاصًا معدوم النظير، كان أكثرهم من العرب الخلص الذين ألفوا الخشونة وشظف العيش، فتطرفوا في آرائهم المنحرفة، وجادلوا خصومهم بفصاحة بيان، وطلاقة لسان، وأخذوهم بعنف وقسوة.


ويرى الخوارج أن عليا أخطأ في التحكيم؛ لأنه يتضمن شك كل فريق من المحاربين أيهما المحق؟ وليس الأمر كذلك، فإنهم حاربوا وهم مؤمنون أن الحق في جانبهم، وقالوا: "لا حكم إلا الله" فسرت هذه الجملة إلى من يعتنق هذا الرأي، وأصبحت شعارا لهم.


وقد طلبوا من على أن يحكم على نفسه بالخطأ ... بل بالكفر لقبوله التحكيم، ويرجع عما أبرم مع معاوية من شروط، فأبى على ذلك؛ لأنه لم يشرك بالله شيئا منذ آمن، وكيف يرجع عن اتفاق أمضاه، فاستمروا على عنادهم ومضايقتهم له؛ فإذا خطب في المسجد قاطعوه بقولهم: "لا حكم إلا الله" ولما يئسوا من رجوعه إلى رأيهم اجتمعوا في منزل أحدهم وخطب خطيبهم يقول:


أما بعد.... فإنه ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن وينيبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا آثر عندهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول الحق، وإن من١ وضر؛ فإنه من يمن ويضر في هذه الدنيا، فإن ثوابه يوم القيام رضوان الله عز وجل والخلود في جناته، فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال، أو إلى بعض هذه المدائن منكرين هذه البدع المضلة.
ثم خرجوا إلى قرية قريبة من الكوفة تسمى "حروراء" وسموا حينئذ "بالحرورية" نسبة إلى هذه القرية، كما سموا "بالمحكمة"؛ لأنهم يقولون: "لا حكم إلا الله". وأمروا عليهم رجلا اسمه عبد الله بن وهب الراسبي.


أما تسميتهم بالخوارج؛ فلأنهم خرجوا على وصحبه، وقد يجعل بعضهم هذا الاشتقاق من الخروج في سبيل الله أخذا من قوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ١، وسموا كذلك "الشراة" أي الذين باعوا أنفسهم لله، من قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّه} ٢. وقد حاربهم على رضي الله عنه وهزمهم، وقتل منهم كثيرا في وقعة "النهروان" فأمعنوا في عدائه، وكادوا له حتى دبروا مؤامرة قتله، فقتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجي.


وظل الخوارج شوكة في جنب الدولة الأموية يهددونها ويحاربونها في جرأة وشجاعة، وكبدوها خسائر فادحة في معارك متواصلة، ويجدر بنا الإشارة إلى أنهم كانوا قسمين:


أحدهما: بالعراق وما حوله، وكان أهم مركز لهم "البطائح" بالقرب من البصرة، وقد استولوا على كرمان وبلاد فارس، وهددوا البصرة، وهؤلاء هم الذين حاربهم المهلب بن أبي صفرة، واشتهر من رجالهم نافع بن الأزرق، وقطرى بن الفجاءة.


ثانيهما: بجزيرة العرب، وقد استولوا على اليمامة، وحضرموت، والطائف، ومن أشهر أمرائهم أبو طالوت، ونجدة بن عامر.


واستمرت حروب الخوارج طوال عهد الدولة الأموية، ثم ضعف شأنهم في عهد الدولة العباسية.
[آراؤهم]


ومن أشهر آراء الخوارج ما يأتي:


أ- رأيهم في الخلافة:


أ- يقول الخوارج بصحة خلافة أبي بكر وعمر، لصحة انتخابهما، وبصحة خلافة عثمان في صدرها الأول؛ فلما حاد عن سيرة أبي بكر وعمر وجب عزل عزله، وبصحة خلافة على إلى أن قبل التحكيم.


ب- ويقولون بكفر على لما قبل التحكيم، وبكفر معاوية، وأبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص ويطعنون في أصحاب الجمل: طلحة، والزبير، وعائشة.


جـ- ويرون أن الخلافة يجب أن تكون باختيار حر من المسلمين، ولا يشترط أن يكون الخليفة قرشيا، خلافة لنظرية الشيغة القائلة بانحصار الخلافة في بيت النبي، ولكثير من أهل السنة القائلين بأن الخلافة في قريش، وإذا تم اختيار الخليفة صار رئيسا للمسلمين، ولا يصح أن يتنازل أو يحكم، ويجب أن يخضع خضوعا تاما لأمر الله، وإلا وجب عزله؛ فإن لم يقبل وجب قتله.


ب- رأيهم في الإيمان والعمل:


أ- يرى الخوارج أن العمل بأوامر الدين كلها جزء من الإيمان، كالصلاة، والصوم، والزكاة، والصدق، والعدل، وليس الإيمان الاعتقاد وحده، أو الاعتقاد مع الإقرار باللسان.


ب- وإذا كان العمل بأوامر الدين جزء من الإيمان -وهو كذلك عند أهل السنة والجماعة- فإنهم يرون أن من لم يعمل بأوامر الدين، أو يرتكب الكبائر يكون كافرا.


فقالوا بتكفير أهل الذنوب، ولم يفرقوا بين ذنب وذنب، بل اعتبروا الخطأ في الرأي ذنبا، ولذا كفروا عليا رضي الله عنه بالتحكيم، واستدلوا على ذلك بظواهر.


كثير من النصوص: منها قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين} ١ وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ٢ وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، وفي الصحيحين كذلك: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"، وغير ذلك من النصوص.


وهذه النصوص عند أهل السنة والجماعة، لا يراد بها الكفر الذي يخرج من الملة، ولا نفي حقيقة الإيمان، إنما يراد بها نفي كماله.


وقد اختلف الخوارج على أنفسهم، وأصبحوا فرقا شتى، لكل فرقة آراؤها، ولكنهم يشتركون إجمالا في النظريتين السابقتين: نظرية الخلافة، ونظرية الإيمان والعمل.


ومنهم من كان يرى أنه لا حاجة بالأمة إلى إمام وعلى الناس أن يعملوا بكتاب الله من أنفسهم، ولهذا روي عن علي رضي الله عنه.. أنه لما سمعهم يقولون: لا حكم إلا لله، قال: "كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: "لا إمرة إلا لله"، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمع فيها الكافر، ويبلغ الله منها الأجل، ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوى، حتى يستريح بر ويستراح من فاجر".


وقد قال ابن أبي الحديد: إن الخوارج كانوا في بدء أمرهم يقولون ذلك، ويذهبون إلى أنه لا حاجة إلى الإمام، ثم رجعوا عن ذلك لما أمروا عليهم عبد الله ابن وهب الراسبي.


أشهر فرقهم:


وذكر بعض الباحثين أن فرق الخوارج بلغت نحو العشرين، كل فرقة تخالف الأخرى في بعض تعاليمها، ومن أشهر فرقهم:


١- الأزارقة: أتباع نافع بن الأزرق من بني حنيفة، وكان من أكبر فقهائهم، وقد كفر جمع المسلمين من عداهم، واستباح قتل النساء والأطفال وأهل الذمة، وحرم التقية؛ لأن الله يقول: {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} ١ واستحل الغدر بمن خالفه، وأشهر من تولي إمارة الأزارقة بعد نافع، قطري بن الفجاءة المازني التميمي الذي قاتله المهلب بن أبي صفرة قتالا مريرا حتى هزمه بأرض فارس.


٢- النجدات: أتباع نجدة بن عامر، من بني حنيفة كذلك، ويرى أن الدين أمران: أحدهما: معرفة الله ومعرفة رسوله وتحريم دماء المسلمين وتحريم غصب أموالهم والإقرار بما جاء من عند الله جملة، فهذا واجب على الجميع، والجهل به لا يعذر فيه.


والثاني: ما سوى ذلك -فالناس معذورون فيه إلى أن تقوم عليهم الحجة في الحلام والحرام.


بايعه خوارج اليمامة سنة ٦٦ هـ وغزا بهم البحرين وعمان واليمن والطائف؛ لكنه لم يبسط نفوذه إلا في البحرين.


خالف النجدات عامة الخوارج، فقالوا بالتقية، أي أن يظهر الخارجي أنه جماعي حقنا لدمه، ولا يستحلون قتل الأطفال، وأهل الذمة.


٣- الإباضية: أتباع عبد الله بن إباض التميمي، وكانوا أقل غلوا في الحكم على مخالفيهم، ونزعتهم أميل إلى المسالمة، فهم أبعد الخوارج عن الشطط، يرون أن مخالفيهم كفار نعمة، لا كفار في الاعتقاد، فتجوز شهادتهم، ومناكحتهم، والتوارث معهم، ولذا بقي لهم فقه جيد، ولهم أتباع في ساحل عمان وزنجبار.


٤- الصفرية: أتباع زياد بن الأصفر، وهم لا يختلفون كثيرا في تعاليمهم عن الأزارقة وإن كانوا أقل تطرفا منهم، وأشهد من غيرهم، فلا يكفرون بالذنوب كلها، إنما يكفرون بالذنوب التي فيها حد، ولا يحكون بقتل أطفال مخالفيهم، ولايرون كفرهم وتخليدهم في النار خلافا للأزارقة، وقد انتشروا في الموصل وأرض الجزيرة.


وأكثر الذين اعتنقوا مبدأ الخوارج كانوا عربا بدوا، انضم إليهم قليل من الموالي.


ومن أخص صفات الخوارج تشددهم في العبادة وإخلاصهم لعقيدتهم وشجاعتهم النادرة، وعروبتهم الخالصة، وأدبهم الرفيع شعرا ونثرا.


فقه الخوارج:


١- لقد كان من آثار اهتمام الخوارج بالناحية العملية وتشددهم في سلوك المسلم أنهم ترفعوا في مقاييسهم الفقهية بأمور العبادات؛ فاعتبروا المعاني الأخلاقية والروحية بإزاء العمل البدني؛ ففي طهارة البدن للصلاة مثلا، يرون أن الطهارة إنما تكون بطهارة اللسان من الكذب والقول الباطل، الذي يوقع الناس في الأذى، وعلى هذا جعلوا من مبطلات الوضوء: الوشاية، والعدواة، والبغضاء بين الناس، والقول الفاحش، أي أنهم راعوا مع الطهارة البدنية، الطهارة المعنوية.


٢- ومن فرق الخوارج من غلا في أخذ الأحكام من مصادر الشريعة، واعتبر القرآن وحده المصدر الحقيقي، ولم يعترف بغيره، وقد نجم عن هذا مخالفتهم لإجماع المسلمين في بعض المسائل، محتجين بأن القرآن يبطلها.


أ- قالوا: رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم، ورجم الأئمة بعده، والله تعالى يقول في الإماء: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} ١، والرجم إتلاف للنفس لا يتبعض؛ فكيف يكون على الإماء نصفه؟ والمحصنات ذوات الأزواج وفي هذا دليل على أن المحصنة حدها الجلد، وهو الذي ورد في القرآن لقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ٢.


ب- وقالوا: رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا وصية لوارث"، والله يقول: "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إنترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين١ والولدان وارثان على كل حال لا يحجبهما أحد عن الميراث؛ فهذه الرواية في الوصية خلاف كتاب الله عز وجل.


جـ وقالوا: رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها"، وأنه قال: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" والله عز وجل يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} ٢ إلى آخر الآية:..... ولم يذكر الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، ولم يحرم من الرضاع إلا الأم المرضعة، والأخت بالرضاع، ثم قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} ٣ فدخلت المرأة على عمتها وخالتها، وكل رضاع سوى الأم والأخت فيما أحله الله تعالى.


د- وقالوا: إنكم ترون أن حد القذف يثبت على على من يقذف المحصنين من الرجال ونحن نقول: إن حد القذف لا يثبت إلا على من يقذف محصنة بالزنا؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ٤ فذكر رمي المحصنات ولم يذكر رمي المحصنين.


وقد ذكر ابن قتيبة هذه المسائل وغيرها نقلا عن الخوارج في كتابه "تأويل مختلف الحديث"٥ ورد عليها، ولهذه النزعة أثر عند بعض الناس في عصرنا الحاضر الذين يرون الاكتفاء بالقرآن وحده.


[الشيعة]


[مدخل]


...


٢- الشيعة:


بدأت نواة التشيع لدى هؤلاء الذين يرون أن الخلافة ميراث أدبي وأولى


الناس بإرث النبي صلى الله عليه وسلم من قرابته، أولاهم بالإرث الأدبي، أي الخلافة، وأولى قرابته العباس عمه وعلى ابن عمه، وعلى أولى، كما ذكرنا من العباس لسبقه وعلمه وجهاده وزواجه من فاطمة، ولم يرد عن طريق صحيح ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عين عليا للخلافة ونص عليه.


ويروي البخاري عن ابن عباس "أن عليا رضي الله عنه خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه؛ فقال الناس: يا أبا الحسن ... كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا، فأخذ بيده العباس رضي الله عنه وقال: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتوفي من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا نسأله فيمن هذا الأمر، فإن كان فينا علمناه، وإن كان في غيرنا كلمناه، فأوصى بنا، فقال على رضي الله عنه: أما والله لئن سألناه فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها".


ومع أن عليا بايع أبا بكر رضي الله عنه، ثم بايع عمر وعثمان من بعد فإن النظرة إلى على ومكانته كانت تشير إلى أنه جدير بالخلافة وأنه أحق بها. وقد تأخرت بيعته لأبي بكر ستة أشهر إلى أن توفيت زوجه فاطمة التي كانت ترى أن أبا بكر منعها ميراث أبيها، كما تأخر نفر من الصحابة كانوا يرون أحقية على بالخلافة، ذكر منهم: العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان، والمقداد بن الأسود. والزبير، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبو ذر؛ ولكنهم جميعا بايعوا بعد ذلك.


هذه هي الفكرة التي تطورت وقيل في أصحابها شيعة علي، وأصبحت ذات نظريات خاصة في الإمامة، ولكن شيئا من هذه النظريات لم يوجد في عهد الخلاة الراشدة؛ وإنما وجد ذلك في دعاوي الشيعة الكثيرة بعد على رضي الله عنه في الإمامة وغيرها، وقال فيها ابن خلدون في مقدمته حكاية عنهم: "إن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة، ويتعين القائم بتعيينهم بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام، ولا يجوز لنبي إغفاله ولا تفويضه إلى الأمة، بليجب عليه تعيين الإمام لهم، ويكون معصوما من الكبائر والصغائر، وإن عليا رضي الله عنه هو الذي عينه صلوات الله عليه، بنصوص ينقلونها ويؤولونها على مقتضى مذهبهم، لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقلة الشريعة؛ بل أكثرها موضوع، أو مطعون في طريقه، أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة"١


وقد أدت هذه الفكرة لدى الشيعة إلى أمور:


١- أدت إلى القول بأن عليا أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلاهم منزلة في الجنة، وأكثرهم خصائص، ومزايا، ومناقب، وأنه معصوم، وكذلك من بعده من الأئمة، وكل من عاداه أو حاربه أو أبغضه فإنه عدو لله، وخالد في النار مع الكفار والمنافقين وليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا النبوة.


٢- وأدت إلى الغلو في حب على حتى ألهوه، فمنهم من قال كما ذكر الشهرستاني:


"حل في على جزء إلهي، واتحد بجسده فيه، وبه كان يعلم الغيب؛ إذ أخبر عن الملاحم، وصح الخبر، وبه كان يحارب الكفار، وله النصرة، والظفر، وبه قلع باب خيبر، وعن هذا قال: والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية، ولا بحركة غذائية، ولكن قلعته بقوة ملكوتية، قالوا: وربما يظهر على في بعض الأزمان"٢.


وقد تضمن هذا النص فكرة الحلول التي وجدت عند النصارى أيضا، وفكرة الرجعة التي تطورت عند الشيعة إلى العقيدة باختفاء الأئمة وأن الإمام المختفي سيعود، ويملأ الأرض عدلا، ومنها نبعت فكرة المهدي المنتظر.


ولعل من أكبر العوامل التي ساعدت على هذه الفكرة، أن أكثر شيعة علىكانوا في العراق، من عناصر مختلفة وفي العراق، من قديم مذاهب مختلفة عربية، ومنها ما فيه الزعم بعقيدة الحلول.


أما المسلمون العرب فهم أبعد الناس عن هذا الزعم، وتلك المذاهب، وقد عرفوا عقيدة الفطرة في الإسلام القائمة على وحدانية الله وتنزهه، وقد قال الله في القرآن على لسان رسوله: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ١، فكيف بغيره من الناس؟


وللشيعة فرق شتى، أهمها: الزيدية، والإمامية:


١- فالزيدية: هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومذهبهم أعدل مذاهب الشيعة وأقربها إلى السنة، فهم لا يرون الإمامة بالنص، ولا يذهبون مذهب الغلاة في الحلول، ويجيزون إمامة المفضول مع وجود الأفضل، ولذا قالوا بصحة إمامة أبي بكر وعمر، ولا يزال سوادهم الأعظم في اليمن حتى الآن، والإمام زيد إمام فقيه، وله في الفقه كتاب "المجموع".


٢- والإمامية: وهم الذين قالوا بأن محمدا صلى الله عليه وسلم نص على خلافة على، وقد اغتصبها أبو بكر وعمر، وجعلوا الاعتراف بالإمام جزءا من الإيمان، ويختلفون اختلافا كثيرا في الأئمة وتسلسلهم لاختلاف فرقهم، ويقولون بعودة إمام منتظر، ومن أشهر فرقهم، الإسماعيلية، والإثنا عشرية، ولكل فرقة مذهبها الذي يختلف عن غيرها، وقد كان للتشيع أثره في الفقه الإسلامي.


فإن الشيعة لا يعتدون في الأخذ إلا من علمائهم، ولا يفسرون النصوص إلا وفق مبادئهم، ولا يأخذون بالإجماع؛ حيث لا اعتبار لأقوال غيرهم، ولا يقولون بالقياس لأنه رأي، والدين لا يؤخذ بالرأين وإنما يؤخذ عن الله ورسوله وأئمتهم المعصومين، وقد نشأ من ثمار ذلك مخالفتهم لأهل السنة والجماعة في كثير من الأصول والفروع.


أ- فقد قالوا بإمامة على وخلافته نصًا ووصاية وأنها لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده، وليست الإمامة قصية مصلحة، تناط باختيار العامة؛ بل هي ركن الدين الذي لا يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم إهماله وإغفاله، وتفويضه إلى العامة، وقالوا بوجوب عصمة الإمام عن المعصية، والظلم، والخطأ، والنسيان.


ويرى الإسماعيلية أن التوحيد نفي الصفات عن الله؛ لأنك إذا أثبت الصفات فلا توحيد، وأن القرآن له ظاهر وباطن، وأن أولياءهم وأوتوا علم الباطن، وأن الشعائر الدينية لا تلزم إلا العامة، أما الخاصة فغير مطالبين بها.


ب- وهو يقولون بجواز نكاح المتعة إلى يوم القيامة، وإنه لم ينسخ، مستدلين بظاهر قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ١، والجمهور على أن الآية في النكاح الشرعي المعهود، والمراد بالاستمتاع: التمتع الكامل بالدخول بالزوجة من نكاح مشروع، والمراد بالأجور: ما يجب للزوجة من المهر كاملا إذا استمتع بها الزوج، وتسمية المهر أجرا لا تدل على أنه أجر المتعة؛ فقد سمى المهر أجرا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ} ٢ وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} ٣ أي مهورهن. وأما قراءة ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وسعيد بن جبير "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى" فليست بقرآن عند مشترطي التواتر ولا سنة لأجل روايتها قرآنا، فتكون من قبيل التفسير للآية وليس بحجة.


ونكاح المتعة كان جائزا في صدر الإسلام رخصة لحالة الغربة في السفر، ثم نسخ عام الفتح، وأجمع الصحابة على ذلك، وما روى عنابن عباس من إباحته؛ فقد روي عنه أنه رجع عنه.


جـ- ولا يجيزون أن يتزوج المسلم بالكتابية الظاهر قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر} ١ والآية محمولة عند الجمهور على غير الكتابيات لقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ٢.


د- ويخالفون في مسائل كثيرة بالميراث؛ فلا يورثون النساء إلا من المال المنقول، دون الأرض أو العقار، ويجعلون المال كله للقريب ذي الفرض، ويمنعون العاصب مما زاد عن الفرض؛ ففي بنت وأخ مثلا، يجعلون المال كله للبنت ويحرمون الأخ، ويقدمون ابن العم الشقيق على العم لأب، وهذا مبني على عقيدتهم في الخلافة، وإن عليا وذريته مقدمون على العباس وذريته، فعلى ابن عم شقيق والعباس عم لأب. وفاطمة وأولادها مقدمون على غيرهم من العصبات، ويرون أن الأنبياء يورثون.


هـ- ويقولون إن الطلاق لا يقع إلا أمام شاهدين، لقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} ٣ وقال جمهور الفقهاء: إن الطلاق يقع من غير حاجة إلى إشهاد فحضور الشهود شرط في صحة الزواج، وليس شرطا في إنهائه، ولم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته لاشتراط الشهود لوقوع الطلاق، فتصح الفرقة وإن لم يقع الإشهاد عليها ويشهد بعد ذلك، وإنما أمر الله بالإشهاد على الإمساك أو الفرقة احتياطا من التجاحد وذلك على سبيل الاستحباب. لأن كلا منهما حق للزوج؛ فجاز بغير إشهاد إذ لا يحتاج فيه إلى رضا غيره.


وإذا كان الخوارج قد غلبت عليهم الصراحة لطبيعتهم البدوية، فحاربوابني أمية جهارا، فإن الشيعة قد لجأ أكثرهم إلى العمل سرا، ويعرف هذا بالتقية، أي: المداراة، بأن يتظاهر الشخص بعقيدة أو عمل لا يعتقد بصحته، محافظا على نفسه، أو عرضه، أو ماله؛ بل قال بعضهم: يجب إظهار الكفر لأدني مخافة أو طمع، وإنه لا إيمان لمن لا تقية له.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

يهدف إلى دراسة ...

يهدف إلى دراسة الأديان كظاهرة اجتماعية وثقافية وتاريخية، دون الانحياز إلى أي دين أو تبني وجهة نظر مع...

‏تعريف الرعاية ...

‏تعريف الرعاية التلطيفية‏ ‏وفقا للمجلس الوطني للصحة والرفاهية ، يتم تعريف الرعاية التلطيفية على النح...

Risky Settings ...

Risky Settings Risky settings found in the Kiteworks Admin Console are identified by this alert symb...

الممهلات في الت...

الممهلات في التشريع الجزائري: بين التنظيم القانوني وفوضى الواقع يخضع وضع الممهلات (مخففات السرعة) عل...

Lakhasly. (2024...

Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...

‏ Management Te...

‏ Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...

تسجيل مدخلات ال...

تسجيل مدخلات الزراعة العضوية (اسمدة عضوية ومخصبات حيوية ومبيدات عضوية (حشرية-امراض-حشائش) ومبيدات حي...

My overall expe...

My overall experience was good, but I felt like they discharged me too quickly. One night wasn't eno...

- لموافقة المست...

- لموافقة المستنيرة*: سيتم الحصول على موافقة مستنيرة من جميع المشاركين قبل بدء البحث. - *السرية*: سي...

تعزيز الصورة ال...

تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا عالميًا في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر...

وصف الرئيس الأم...

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بأنها "مأساوية"، متعه...

Mears (2014) A ...

Mears (2014) A system of justice that could both punish and rehabilitate juvenile criminals was the ...