Lakhasly

مــع اتســاع نطــاق اســتخدامات التكنولوجيــا فــي الحيــاة اليوميــة، أضحــى الواقــع
االفتراضـي أحـد المياديـن التـي تتسـع بكفـاءة للعديـد مـن الظواهـر اإلنسـانية، سـواء
كانـت سـلبية أو إيجابيـة. ومـن بيـن تلك الظواهـر التي تفشـت خالل السـنوات األخيرة
عبــر اإلنترنــت، ظاهــرة التنمــر اإللكترونــي، التــي تمثــل واحــدة مــن أشــد المشــكالت
االجتماعيــة واألخالقيــة قســوة، نتيجــة لتأثيراتهــا الســلبية علــى كافــة المســتويات
ً النفســية واالجتماعيــة، واالقتصاديــة أيضــا. تتعــرض هــذه الورقــة إلشــكالية التنمــر
اإللكترونــي وجوانبهــا المتعــددة، مــع تســليط الضــوء علــى إحــدى الحــاالت التــي
شـهدها المجتمـع السـعودي خـال اآلونـة األخيـرة، والتـي أظهـرت اهتمـام الدولـة
والمجتمــع علــى حــد الســواء بمواجهــة المشــكالت االجتماعيــة الناجمــة عــن ســوء
اســتخدام التكنولوجيــا.
ً أولا: تعريف التنمر اإللكتروني
بدايــة تجــدر اإلشــارة إلــى أن التنمــر ظاهــرة قديمــة وموجــودة فــي كافــة المجتمعــات منــذ زمــن
ً بعيـدة، بـل إنهـا موجـودة فـي المجتمعـات الناميـة، والمتقدمـة أيضـا. والتنمـر هـو إيقـاع األذى علـى
فـرد أو أكثـر بدنيً ـا أو نفسـيً ا أو عاطفيً ـا أو لفظيً ـا. كمـا يتضمـن التهديـد بـاألذى البدنـي، أو الجسـمي، أو
االبتـزاز، أو االعتـداء، ويعكـس اضطرابً ـا غيـر اجتماعـي فـي سـلوك الفـرد؛ حيـث يوصـف بكونـه مزيجً ـا
مـن السـلوك العدوانـي، وغيـر االجتماعـي يتميـز بالديمومـة واالسـتمرارية .
َّ أمـا بالنسـبة للتنمـر اإللكترونـي، فقـد تزامـن مـع انتشـار اسـتخدامات التكنولوجيـة فـي الحيـاة اليوميـة
لألفــراد. ويُقصــد بــه اســتخدام األجهــزة الرقميــة أو الهواتــف المحمولــة، أو الرســائل الفوريــة، أو
البريــد اإللكترونــي، أو غــرف الدردشــة، أو مواقــع الشــبكات االجتماعيــة وغيرهــا، لمضايقــة شــخص
ً مـا أو تهديـده أو إخافتـه . ويعنـي أيضـا مضايقـات وتحرشـات عـن بُعـد باسـتخدام وسـائل االتصـال
اإللكترونـي مـن طـرف )متنمـر( يقصـد بهـا إيجـاد جـو نفسـي لـدى الضحيـة يتسـم بالتهديـد والقلـق
. وبالتالــي، فالتنمــر اإللكترونــي عبــارة عــن ســلوك ســلبي عدائــي علــى شــبكة اإلنترنــت، ويقــوم
علــى اســتخدام الشــبكة إليــذاء األفــراد، مــن خــال نشــر معلومــات تســيء ألحــد المســتخدمين، أو
مضايقتــه بتصرفــات عدوانيــة علــى الشــبكة تتعمــد إهانتــه وإحراجــه.
التنمر اإللكتروني.. قراءة يف األسباب والحلول
يوليو 2020
ً ثانيا: العوامل املؤثرة يف التنمر اإللكتروني
وللتنمر طرق متعددة وهي على النحو التالي :
1 - رسائل إلكترونية تحتوي على مضمون مليء بالكراهية.
2 - إطالق إشاعات وأكاذيب بحق الشخص المتنمر عليه.
-3 استخدام صور ومقاطع فيديو للشخص بدون إذنه ونشرها دون علمه.
4 - السخرية وبث رسائل عنصرية ومؤلمة بوسائل التواصل االجتماعي، أو الرسائل الخاصة وغيرها.
5 - التهديد بنشر صور ومقاطع ومحادثات يخترق المتنمر من خاللها خصوصية المتنمر عليه.
6 - التهديـد بنشـر شـيء خـاص مـن شـأنه تدميـر حيـاة اآلخريـن إذا لـم يقـم الشـخص المهـدد باالسـتجابة
لبعـض الطلبـات.
7 - انتحال الشخصيات في وسائل التواصل االجتماعي.
8 - إرسال صور ورسائل مؤذية وغير مرغوبة تتسبب في إيذاء مشاعر الشخص المتلقي.
9 - إبداء الموافقة واالستحسان ودعم التعليقات السلبية أو المنشورات الكاذبة .
والمالحـظ علـى تلـك الصـور، وغيرهـا أنهـا تنطـوي علـى حالـة نفسـية سـلبية تجـاه الشـخص المتنمـر عليـه،
مـا يدفـع المتنمـر للتعامـل معـه بعـدم رحمـة، وتجاهـل البعـد اإلنسـاني فـي المقـام األول.
ثانيا: العوامل املؤثرة يف التنمر اإللكتروني
وللتنمر طرق متعددة وهي على النحو التالي :
1 - رسائل إلكترونية تحتوي على مضمون مليء بالكراهية.
2 - إطالق إشاعات وأكاذيب بحق الشخص المتنمر عليه.
-3 استخدام صور ومقاطع فيديو للشخص بدون إذنه ونشرها دون علمه.
4 - السخرية وبث رسائل عنصرية ومؤلمة بوسائل التواصل االجتماعي، أو الرسائل الخاصة وغيرها.
5 - التهديد بنشر صور ومقاطع ومحادثات يخترق المتنمر من خاللها خصوصية المتنمر عليه.
6 - التهديـد بنشـر شـيء خـاص مـن شـأنه تدميـر حيـاة اآلخريـن إذا لـم يقـم الشـخص المهـدد باالسـتجابة
لبعـض الطلبـات.
7 - انتحال الشخصيات في وسائل التواصل االجتماعي.
8 - إرسال صور ورسائل مؤذية وغير مرغوبة تتسبب في إيذاء مشاعر الشخص المتلقي.
9 - إبداء الموافقة واالستحسان ودعم التعليقات السلبية أو المنشورات الكاذبة .
والمالحـظ علـى تلـك الصـور، وغيرهـا أنهـا تنطـوي علـى حالـة نفسـية سـلبية تجـاه الشـخص المتنمـر عليـه،
مـا يدفـع المتنمـر للتعامـل معـه بعـدم رحمـة، وتجاهـل البعـد اإلنسـاني فـي المقـام األول.
يتأثــر التنمــر اإللكترونــي بعــدد مــن العوامــل التــي تســهم فــي تشــكيل ســلوك األفــراد المتعامليــن مــع
األجهــزة اإللكترونيــة. وتتنــوع تلــك العوامــل بيــن مــا يتصــل منهــا بالبيئــة المحيطــة باألفــراد وســماتهم
الشــخصية، ومــا يتصــل باألجهــزة اإللكترونيــة التــي أصبــح انتشــارها وســهولة اســتخدامها عامــ ًا دافعً ــا
للجـوء األفـراد لظواهـر مثـل التنمـر مـن خاللهـا، وذلـك تأثـرً ا بغيـاب الرقابـة األخالقيـة واالجتماعيـة علـى
اسـتخدامات اإلنترنـت بمواقعـه وتطبيقاتـه المختلفـة. لكـن هـذه العوامـل ترتبـط فـي المقـام األول بالبيئة
المحيطــة نتيجــة للتأثيــر القومــي لتلــك البيئــة علــى تشــكيل الســمات الشــخصية والنفســية واالجتماعيــة
لألفـراد خـال قنـوات التنشـئة االجتماعيـة، وهـو مـا يمكـن اإلشـارة إليـه مـن خـال مـا يلـي:
-1 العوامل األسرية
تقـف العوامـل األسـرية فـي مقدمـة المؤثـرات التـي تسـهم فـي تشـكيل الثقافـة العامـة لألفـراد، إذ تؤثـر
فـي ممارسـاتهم وسـلوكياتهم تجـاه البيئـة المحيطـة، وهـو مـا يتصـل بشـدة بظاهـرة التنمـر، سـواء كان
الفـرد جانيً ـا أم مجنيً ـا عليـه. فاألطفـال والمراهقـون الذيـن يعيشـون فـي سـياقات منزليـة تتسـم بالعنـف
ً والصــراع، ويتــم معاملتهــم علــى نحــو ســئ يــزداد احتمــال تعرضهــم للتنمــر. وأيضــا حيــاة المراهقيــن مــع
والديـن يعانـون مـن اضطرابـات علـى أي مسـتوى، قـد يـؤدي إلـى تعرضهـم للتنمـر . كمـا تشـير العديـد مـن
الدراسـات، فـإن غالبيـة ضحايـا التنمـر إنمـا هـم ضحايـا منزلهـم قبـل كل شـيء، إذ ينحـدرون مـن أسـر تعانـي
صعوبــات فــي العالقــة بيــن األب واألبنــاء، باإلضافــة إلــى صعوبــات اجتماعيــة وماليــة، وغالبً ــا مــا ينحــدر
التالميـذ المتنمـرون مـن عائـات تفتقـر إلـى الـدفء والحنـان والنظـام فـي المنـزل، وتعانـي مـن صعوبـة
ً فــي مشــاركة أحاسيســهم مــع اآلخريــن. كمــا أنهــم غيــر مقربيــن مــن بعضهــم بعضــا، باإلضافــة إلــى أن
التنمر اإللكتروني.. قراءة يف األسباب والحلول
يوليو 2020
أوليـاء أمـور الطـاب المتنمريـن نـادرً ا مـا يضبطـون أوالدهـم أو يراقبونهـم، ويمارسـون أسـاليب قاسـية
وعقابيـة لضبـط أبنائهـم . وتسـهم التنشـئة األسـرية فـي زيـادة نسـب العنـف والتنمـر بيـن أفـراد المجتمـع،
وبخاصـة طـاب فـي المـدارس؛ إذ يرتبـط ذلـك بطـرق التربيـة مثـل عـدم االتفـاق علـى أسـلوب معيـن فـي
الثـواب والعقـاب بيـن الوالديـن؛ ممـا يـؤدي إلـى االختـاف علـى القوانيـن فـي المنـزل، وهـو مـا يسـهم فـي
زيـادة نسـبة التنمـر فيمـا بينهـم . ومـع ظهـور التكنولوجيـا علـى نطـاق واسـع فـي المجتمـع، تفاعلـت مـع
تلـك اإلشـكاليات المرتبطـة بأنمـاط التربيـة، فأصبـح اللجـوء للعالـم االفتراضـي متنفسً ـا للتعبيـر عـن الكبـت
الداخلـي وتفريـغ الطاقـات السـلبية المتراكمـة الناجمـة عـن المشـكالت العائليـة.
-2 املناخ املدرسي
يمثـل المنـاخ المدرسـي أحـد الفضـاءات التـي تؤثـر فـي التنشـئة االجتماعيـة لألفـراد فـي المراحـل األولـى من
حياتهـم. فالمدرسـة خـال تلـك المرحلـة تمثـل أهـم روافـد تشـكيل شـخصية األفـراد. والمنـاخ المدرسـي
يشــير إلــى كافــة المعتقــدات غيــر المكتوبــة والقيــم واالتجاهــات واألطــر الثقافيــة، التــي تحكــم أســس
التفاعـات بيـن الطـاب وبعضهـم البعـض مـن ناحيـة، وبينهـم وبيـن المدرسـة والمعلميـن واإلدارة مـن
ناحيـة أخـرى .
ويمثـل واقـع المنـاخ المدرسـي أحـد العوامـل التـي أسـهمت، أخيـرً ا، فـي دعـم عـدد مـن الظواهـر السـلبية
مثـل التنمـر اإللكترونـي، إذ وصـل العنـف فـي المـدارس إلـى مسـتويات غيـر مسـبوقة، بـل إنـه وصـل حـد
االعتـداء اللفظـي والجسـدي علـى المدرسـين مـن طـرف الطـاب وأوليـاء أمورهـم؛ وهـو مـا يعكـس مـا
وصلـت إليـه أنمـاط العالقـات االجتماعيـة، إذ تالشـى الكثيـر مـن حـدود االحتـرام بيـن الطالـب ومعلمـه؛ مـا
أدى إلـى تراجـع هيبـة المعلميـن وتأثيرهـم علـى الطـاب، وهـذا مـا شـجع بعضهـم علـى التسـلط والتنمـر
علـى البعـض اآلخـر. إلـى جانـب ذلـك، قـد يـؤدي التدريـس بالطـرق التقليديـة التـي تعتمـد مركزيـة المـدرس
كمصـدر وحيـد للمعرفـة وامتالكـه السـلطة المطلقـة داخـل الفصـل، إلـى دفعـه العتمـاد العنـف واإلقصاء
كمنهــج لحــل المشــكالت داخــل الفصــل، ممــا يخلــق بيئــة مناســبة لنمــو ظاهــرة التنمــر. هــذا، باإلضافــة
إلــى غيــاب األنشــطة الموازيــة داخــل المــدارس، واختــزال الحيــاة المدرســية فــي األنشــطة الرســمية التــي
تمــارس داخــل الفصــل فــي إطــار تنزيــل البرامــج الدراســية. وقــد انعكــس ذلــك - بطبيعــة الحــال - علــى
انتقــال الســلوكيات الســلبية مــن العالــم الواقعــي إلــى العالــم االفتراضــي مــع انتشــار اســتخدام أجهــزة

االتصـال الحديثـة، وتعميـم اسـتخداماتها بيـن البرامـج الدراسـية
3 جماعة األقران
تلعــب جماعــات األقــران أدوارً ا مهمــة
وعميقــة فــي تشــكيل ســلوكيات
الفــرد الــذي يتعامــل معهــا ويتأثــر بهــا،
ويصطبــغ بطباعهــا بمــرور الوقــت. كمــا
يؤثــر التفاعــل بيــن جماعــات األقــران فــي
أنمــاط العالقــات فيمــا بينهــم، فالفــرد
قــد يتعــرض للتنمــر مــن خــال أنمــاط
العنـف والسـلوك الالجتماعـي. كمـا تنتقـل
تلــك التفاعــات إلــى الواقــع االفتراضــي،
فيصبــح أعضاؤهــا متفرجيــن علــى التنمــر
اإللكترونــي. وتــؤدي جماعــة الرفــاق أدوارً ا
عديــدة فــي إثــارة الســلوك التنمــري.
-4 اإلعالم والثورة التقنية
أســهمت الثــورة التقنيــة فــي مجــال اإلعــام فــي تعزيــز انتشــار التنمــر اإللكترونــي مــن خــال األلعــاب
اإللكترونـي التـي تعتمـد علـى مفاهيـم، مثـل: القـوة الخارقـة وسـحق الخصـوم، واسـتخدام كافـة األسـاليب
لتحقيـق أعلـى النقـاط واالنتصـارات دون أي هـدف تربـوي. لذلـك نجـد المراهقيـن المدمنيـن علـى هـذا النوع
مــن األلعــاب، يعتبــرون الحيــاة اليوميــة، بمــا فيهــا الحيــاة المدرســية، امتــدادً ا لهــذه األلعــاب، فيمارســون
حياتهــم فــي مدارســهم أو بيــن معارفهــم والمحيطيــن بهــم بنفــس الكيفيــة. كمــا يمكــن اإلشــارة إلــى
انتشـار أفـام العنـف بجانـب األلعـاب اإللكترونيـة ومـا تعرضـه مـن أفـام سـواء كانـت موجهـة للكبـار أو
الصغـار، إذ تتزايـد مشـاهد العنـف والقتـل الهمجـي واالسـتهانة بالنفـس البشـرية بشـكل كبيـر فـي اآلونـة
األخيـرة.
-5 األسباب املجتمعية
تعـود األسـباب المجتمعيـة المسـؤولة عـن انتشـار التنمـر فـي المجتمـع إلـى غيـاب الوعـي بخطـورة انتشـار
العنــف داخــل المــدارس بــكل أشــكاله وصــوره، وضعــف المشــاركة المجتمعيــة فــي التصــدي لظاهــرة
العنـف، باإلضافـة إلـى عـدم القـدرة علـى الحـد مـن التسـرب داخـل المـدارس، مـع تراجـع دور األسـرة فـي
القيــام بدورهــا فــي توعيــة وتوجيــه األطفــال، وكذلــك دورهــا فــي تعديــل ســلوك الطفــل ومواجهــة
ً أشـكال العنـف، وأيضـا غيـاب الوعـي بأسـاليب التنشـئة السـليمة وضعـف ثقافـة حقـوق اإلنسـان، وسـوء
األحـوال االقتصاديـة واالجتماعيـة لألسـرة التـي تدفـع الطفـل والمراهـق للعنـف، مـع التسـويق اإلعالمـي
لثقافـة العنـف فـي بعـض البرامـج واألفـام وألعـاب الكمبيوتـر .
تتعـدد التأثيـرات الناتجـة مـن التنمـر اإللكترونـي، إال أنهـا تتركـز علـى الجانـب النفسـي فـي المقـام
األول، إذ يـؤدي التنمـر عبـر اإلنترنـت إلـى جعـل الضحايا عرضـة للعديد مـن المخاطر النفسـية التي
يصـاب بهـا كل مـن الجانـي والضحيـة، والتـي تتصـل فـي كلتـا الحالتيـن بكونهمـا عرضـة لمخاطـر
القلـق واالكتئـاب وغيرهمـا مـن االضطرابـات المرتبطـة باإلجهـاد . فالضحيـة، أي الشـخص الـذي
يتعــرض للتنمــر، أكثــر عرضــة للشــعور باالكتئــاب، والخــوف مــن اســتخدام وســائل التواصــل
االجتماعــي، وقلــة الثقــة بالنفــس وعــدم الثقــة باآلخريــن. ويشــعر الضحيــة باإلحبــاط بالعزلــة،
وقـد يصـل إلـى المرحلـة التـي يرغـب فيهـا بممارسـة التنمـر علـى مـن هـم أضعـف منـه. وكثيـرً ا
مــا يســبب التنمــر فــي انتحــار الضحيــة، فقــد يصــل الشــخص المتنمــر عليــه إلــى مرحلــة يظــن
فيهــا أن إنهــاء حياتــه هــو الســبيل الوحيــد للخــا ِّ ص مــن التنمــر اإللكترونــي، إذ سُ ــجلت الكثيــر
مــن الحــاالت التــي قــام فيهــا أشــخاص متنمــرون عليهــم باالنتحــار. وخاصــة بعــد أن تعيــش
ًـا وتخـاف مـن المواجهـة، حيـث تصـاب بالعزلـة
الضحايـا حـاالت نفسـية صعبـة جـدً ا، وال تجـد معين
ومشــاعر الخجــل واإلحســاس المتدنــي مــن احتــرام الــذات، وعــدم الثقــة فــي النفــس، بجانــب
تغيـرات ملحوظـة فـي عـادات األكل واالضطرابـات فـي النـوم وعـدد مـن الشـكاوى الجسـدية .
بجانـب ذلـك، هنـاك العديـد مـن اآلثـار التـي يتعـرض لهـا عائـات األشـخاص المتنمريـن عليهـم،
فيصــاب أهــل الضحيــة بضعــف تــدارك هــذه المواقــف، وإصــاح األوضــاع نتيجــة إلحساســهم
بالعزلــة واالنشــغال بظــروف أبنائهــم، واإلحســاس بالحــزن عليهــم.
َّ أمــا بالنســبة لألشــخاص الذيــن يرتكبــون التنمــر )المتنمريــن(، فإنهــم ليســوا بعيديــن عــن
التأثيــرات الســلبية للتنمــر، فهــم يتعرضــون لإلصابــة باالكتئــاب، كمــا أنهــم أكبــر فئــة معرضــة
لالنتحــار بيــن الشــباب. وعلــى المــدى الطويــل، فإنهــم عرضــة للتحــول إلــى شــخصيات معاديــة
للمجتمــع، والقلــق المزمــن، وزيــادة احتمــال إدمانهــم للمخــدرات والخــروج عــن القانــون،
َّ وانخفــاض تحصيلهــم الدراســي وإنجازهــم المهنــي . أمــا علــى المــدى البعيــد، فــإن المتنمريــن
يكونــون عرضــة لإلســاءة للــزوج أو لألطفــال، أو أشــكال مختلفــة مــن الســلوكيات المعاديــة
للمجتمــع .
بالنظــر إلــى التنمــر اإللكترونــي كظاهــرة مرتبطــة
بالسـلوك البشـري، فـإن طـرق مواجهتهـا تتصـل
بكافــة األطــراف والوســائل المســتخدمة فــي
عمليــة التنشــئة االجتماعيــة، التــي تمــت اإلشــارة
إليهــا بيــن العوامــل التــي تؤثــر فــي الســلوك
التنمــري ســلبً ا أو إيجابً ــا، والتــي تضمنــت المنــاخ
المدرســي والعائلــي وجماعــة الرفــاق، وكذلــك
المؤسسـات الدينيـة ووسـائل اإلعـام. فاألسـرة
ُّ تعــد أولــى المؤسســات المعنيــة بمواجهــة
ظاهــرة التنمــر اإللكترونــي، إذ ينبغــي أن يكــون
ٍ ٍ عــال مــن الوعــي بالســلوك
اآلبــاء علــى قــدر
التنمــري الــذي يمارســه أبناؤهــم وأن يبينــوا اآلثــار
السـلبية المترتبـة عليـه حتـى يمكـن تجنيـب أبنائهم
تداعيــات تلــك الســلوكيات. وهــذا مــا يرتبــط ببنــاء عالقــات أســرية متعاونــة ومتحابــة بعيــدة عــن العنــف
األســري وممارســة الســلوك التنمــري، والعمــل علــى تجنيــب المراهــق مشــاهدة العنــف داخــل األســرة.
لذلـك، علـى األسـرة العمـل علـى إبعـاد المراهـق عـن مشـاهدة العـروض والمشـاهد التلفزيونيـة وأفـام
العنــف والتنمــر .
لـذا، يُنصـح بتوطيـد العالقـة بيـن اآلبـاء واألبنـاء، وتعزيـز سُ ـبل التواصـل اليومـي بينهـم، وتجنـب ضربهـم،
مـع مدحهـم وتعزيـز ثقتهـم بأنفسـهم منـذ الصغـر، باإلضافـة إلـى أهميـة تدريبهـم علـى سُ ـبل التصـدي
للمضايقــات اللفظيــة لحمايــة أنفســهم مــن الضــرر، وذلــك مــن خــال تعلــم األطفــال حمايــة كلمــات
المـرور الخاصـة بهـم، وتفاصيـل الحسـابات علـى اإلنترنـت، والتحفـظ علـى الصور الخاصـة بهم حتـى ال يمكن
اسـتغاللها مـن جانـب المتنمريـن، واالنتبـاه جيـدً ا قبـل نشـر أي موضـوع خـاص يتعلـق بهـم قـد يسـتخدم
ّ ضدهــم مــع ضــرورة المحافظــة علــى خصوصيــة معلوماتهــم الشــخصية عــن الغربــاء. كمــا يُفضــل عــدم
التعبيـر عـن العواطـف الحقيقيـة علـى مواقـع التواصـل االجتماعـي بـأي حـال مـن األحـوال .
ُّ وتعــد ً المدرســة أيضــا إحــدى الوســائط المنــوط بهــا القيــام بعــدد مــن األدوار الضروريــة لترســيخ القيــم
َ َّ ــم،
اإليجابيــة بيــن الطــاب، وغــرس مبــدأ التســامح والصداقــة للحــد مــن التنمــر فــي المجتمــع. ومــن ث
تعمـل المدرسـة علـى إشـراك الطلبـة ضحايـا التنمـر فـي األنشـطة االجتماعيـة التـي تناسـب اهتماماتهـم
لزيــادة ثقتهــم بأنفســهم ومــن تقديــر الــذات لديهــم، وزيــادة المراقبــة واإلشــراف مــن قبــل المعلميــن
تجـاه الطلبـة فـي المدرسـة، وخصوصً ـا األماكـن التـي يمكـن أن تشـهد حـاالت التنمـر. وعلـى ذلـك، يمكـن
ً للمدرســة تفعيــل الــدور التربــوي لمجالــس اآلبــاء واألمهــات دعم ً ــا وتوثيقــا لألهميــة التربويــة لربــطبالبيـت والمجتمـع، ودراسـة حـاالت السـلوك التنمـري واحتـواء هـذه الحـاالت، وعقـد لقـاءات مـع المعلميـن
وأوليــاء األمــور حــول الطــرق واألســاليب الواجــب اتباعهــا مــع الطلبــة المتنمريــن والتركيــز علــى التعزيــز
اإليجابــي، وعقــد الــدورات التدريبيــة للمعلميــن والمعلمــات، وعقــد النــدوات واالجتمــاع مــع أوليــاء األمــور
بصفـة دوريـة للتعريـف بمـدى خطـورة هـذه الظاهـرة .
كمـا أن المؤسسـة الدينيـة لهـا دور ال يقـل أهمية عن بقية مؤسسـات التنشـئة االجتماعية،
إذ تعمــل علــى تعزيــز البنــاء الدينــي والقيمــي عنــد الطلبــة، وتنميــة الــوازع الدينــي والروحــي
للطلبـة المتنمريـن، والتركيـز علـى األضـرار المترتبـة علـى السـلوك التنمـري ومسـاوئه لـدى
الطلبــة والمجتمــع، وعقــد نــدوات دينيــة عامــة تبيــن موقــف اإلســام مــن التنمــر علــى
اآلخر.
بجانــب ذلــك، ينبغــي اإلشــارة إلــى دور وســائل اإلعــام فــي الحــد مــن الســلوك التنمــري
مـن خـال التقليـل مـن برامـج العنـف عبـر أجهـزة الرقابـة والمتابعـة، وإبـراز الجانـب اإليجابـي
واإلنســاني فــي بنــاء العالقــات، وتقديــم برامــج توعويــة مــن خــال التربوييــن والمختصيــن
عــن الســلوك التنمــري ومخاطــره، وزيــادة الوعــي المجتمعــي مــن خــال وســائل اإلعــام
بمشــكلة التنمــر اإللكترونــي وطــرق مواجهتــه، فضــ ًا عــن المراقبــة المســتمرة لألفــام
والمســرحيات والمسلســات والوســائل التكنولوجيــة األخــرى