Lakhasly

يهدف علم الاجتماع الى بناء نظريات ومعارف تساعد في دراسة وفهم وتفسير المجتمعات البشرية وما هي مكوناتها وعلاقاتها وكيفية تطورها. من ناحية أخرى، يمكن إعتباره علم يساعد على تفسير وفهم السلوك الإنساني، حيث تتشكل المجتمعات وتقوم بناءً على السلوكات البشرية الناتجة من سكان هذا المجتمع. الطبقات المجتمعية، الأفكار، المعتقدات الشخصية والدينية، والكثير من الأمور المهمة التي تؤثر على سلوك الأفراد في المجتمع بشكل خاص والسلوك العام للمجتمع ككل بشكل عام.

يتم اعتبار علم الإجتماع علم حديث إلا انه لم يظهر فجأة ولم يولد في لحظة بل له أسس عميقة جداً ممتدة امتداداً حضارياَ وتاريخياَ وجذور فكرية عميقة تصل إلى حضارات قديمة جداً إلا أنه كان يطلق عليه (علم العمران البشري). لم يتشكل علم الإجتماع بما يعرف ولم يذاع مسماه إلا على بإسهامات العالم أو الفيلسوف الفرنسي أوقست كونت مؤسس علم الإجتماع والذي اعتبره البعض الأب الروحي لعلم الإجتماع.

رغم تطور علم الإجتماع عبر العصور والتاريخ إلا أنه لا يزال من يصعب شرح وتعريف معنى دقيق ومباشر يتفق عليه جميع العالماء لعلم الإجتماع وذلك نتيجة لتعدد النظريات واختلاف علماء الإجتماع حول المحور الأساسي الذي يقوم عليه هذا العلم. عرف العالم الألماني ماكس فيبر علم الإجتماع بأنه علم يسعى إلى الفعل الإجتماعي وتفسيره للوصول إلى أسبابه ومساراته ونتائجه بينما لم يقم اوقست كونت بتحديد تعريفا محدداً، إلا أنه أكد ورسخ أهميته لدراسة جميع الظواهر التي تدرسها العلوم الأخرى التي سبقته. أوضح أوقست صعوبة تحديد الظواهر الإجتماعية بصورة دقيقة ومحددة بسبب تداخل العوامل المسببة لها. بشكلٍ عام، أعتبر أوقست أن هذه الظواهر الإنسانية أو البشرية هي موضوع وأساس علم جديد.

 
أوغست كونت

ولد فريزيدور ماري أوغست فرانسوا كزافييه كونت في 19 يناير 1798 في مونبلييه، في فرنسا. لقد ولد في ظل الثورة الفرنسية وأدى العلم والتكنولوجيا الحديثان إلى ولادة الثورة الصناعية. خلال هذا الوقت، شهد المجتمع الأوروبي صراعًا عنيفًا ومشاعر الاغتراب. نتيجة لذلك فقد تحطمت ثقة أوغست بالمعتقدات والمؤسسات الراسخة. التقى أوغست بالكونت بهنري دي سان سيمون في التاسعة عشرة من عمره، وهو منظر اجتماعي مهتم بالإصلاح الطوباوي ومؤسس مبكر للاشتراكية الأوروبية. تأثر كونت بشدة بسان سيمون، وأصبح سكرتيره ومعاونه. في عام 1824، انتهت الشراكة بسبب الخلاف حول تأليف كتابات الثنائي، لكن تأثير سان سيمون ظل قائمًا طوال حياة كونت. لقد رفض كونت الدين والملوكية، وركز بدلاً من ذلك على دراسة المجتمع، والتي أطلق عليها اسم "علم الاجتماع" وهو أول من أطلق هذا المصطلح ويعتبر مؤسس علم الاجتماع الحديث. كونت هو أول من حدد إطار عام لعلم الاجتماع وأطلق عليه (علم دراسة المجتمع) وأوضع بأنه علم معني بدراسة قوانين وأسباب الظواهر التي تحدث في المجتمع.

ترتبط نظرية كونت في السياسة ارتباطًا وثيقًا بنظريته الأوسع للمجتمع والتنمية البشرية. وأعرب عن اعتقاده بضرورة تنظيم المجتمع على أساس المبادئ العلمية لتجنب الصراعات وتحقيق الانسجام الاجتماعي. صنف كونت الفكر الإنساني إلى ثلاث مراحل: اللاهوتية/الدينية، والميتافيزيقية، والوضعية. في المرحلة الوضعية، يلعب علم الاجتماع دورا حاسما في فهم المجتمع ككل. وشدد كونت على أهمية إعطاء الأولوية لوحدة المجتمع والترابط بين الأنظمة السياسية والحضارة العامة. ولذلك أخضع السياسة للأخلاق.

 
النظرية الوضعية

الوضعية هي نظرية تركز على تفسير الأحداث من خلال عدسة الخبرة واستخدام مبادئ العلوم الطبيعية. ويسعى إلى فهم العالم بناءً على الأدلة التجريبية والملاحظات الموضوعية، بدلاً من الاعتماد على تفسيرات ميتافيزيقية أو تفسيرات مسبقة. يمكن إرجاع جذور الوضعية إلى أعمال أوغست كونت، الفيلسوف الفرنسي الذي وضع أساسها. ومنذ ذلك الحين، مرت الوضعية بمراحل مختلفة من التطور، مع مساهمات من العديد من المفكرين، مما أدى إلى تطورها وصقلها مع مرور الوقت.

ركائز أساسية لنظرية الوضعية
بنيت نظرية أوغست كونت الوضعية على عدة ركائز أساسية تشكل مبادئها الأساسية. ومن هذه الركائز الإيمان بأن المعرفة العلمية كلها يجب أن تكون مستمدة من أحداث حقيقية يمكن ملاحظتها، وأن تكون مبنية على النتائج الإيجابية للتجارب. ترفض الوضعية أي تفسيرات تنطوي على روحانية أو عالم خارق للطبيعة، وتركز بدلاً من ذلك على الأدلة التجريبية والتجارب الملموسة. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد النظرية على أهمية الرياضيات والمنطق باعتبارهما الأسس الأساسية التي تحكم عمل الواقع. ومن خلال الاعتماد على هذه الركائز، تسعى الوضعية إلى توفير فهم منهجي ومنطقي للعالم من حولنا.

خصائص النظرية الوضعية
عندما يتعلق الأمر بالخصائص التطورية، فإننا نتحدث عن السمات التي تتطور وتتغير على مدى أجيال عديدة. في سياق الوضعية، هناك بعض الجوانب الرئيسية التي تحدد نهجها في المعرفة. كما ذكرت، يعتبر العلم المصدر الأساسي والأكثر موثوقية للمعرفة. الأمر كله يتعلق بالتعلم من خلال التجربة المباشرة والملاحظة، وهي أفضل طريقة لفهم العالم من حولنا حقًا. تسير الفلسفة والعلم جنبًا إلى جنب، حيث يساهم كلاهما في فهمنا للحقيقة والمعرفة. والحديث عن الحقيقة، فهو بمثابة أداة قوية لتوسيع معرفتنا واكتساب رؤى أعمق. أما الآن، ومن حيث إنشاء أساس مشترك، فإن الوضعية تسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة بين مختلف العلوم وحتى الأديان. ومن خلال القيام بذلك، فهو يساعدنا على تفسير وفهم السلوك البشري بطريقة أكثر شمولاً وتحررًا. لذا، كما ترون، فإن هذه الخصائص التطورية للوضعية تشكل نهجنا في اكتساب المعرفة وفهم العالم.

 
المرحلة الوضعية وقانون المراحل الثلاثة

وضع أوغست كونت، مؤسس النظرية الوضعية، الأسس المبنية على قانون المراحل الثلاث. ووفقاً لهذا القانون فإن الفكر الإنساني يتقدم عبر ثلاث مراحل متتالية: الدينية، والميتافيزيقية، والإيجابية (العلمية). يعتقد كونت أن المرحلة الأولى، المرحلة الدينية، أساسية للعقل البشري، في حين أن المرحلة الأخيرة، المرحلة العلمية، تمثل الحالة الطبيعية للعقل. لقد نظر إلى المرحلة الميتافيزيقية على أنها مرحلة انتقالية بين المرحلتين الأولى والأخيرة.

1. المرحلة الأولى، يسعى الأفراد إلى فهم أسباب وتفسيرات الأحداث التي تحدث من حولهم، بما في ذلك العلاقة بين العالم الروحي والظواهر الطبيعية.


2. المرحلة الثانية، هناك تحول طفيف في النهج. تظل الأسئلة المطروحة كما هي، لكن الإجابات تنتقل من التفسيرات الروحية إلى التفسيرات المجردة.


3. المرحلة الثالثة، يتحول التركيز إلى فهم القوانين التي تحكم الأحداث بدلا من البحث عن أسبابها فقط. تتضمن هذه المرحلة أيضًا التحول من المنظور المطلق إلى المنظور النسبي، مع الاعتراف بأن الحقيقة الكاملة قد تكون بعيدة المنال ولكن يمكن الوصول إليها من خلال نهج تواصلي. هذه المرحلة الثالثة هي سمة خاصة للنظرية الوضعية.

يوفر قانون كونت المكون من ثلاث مراحل إطارًا لفهم تطور الفكر الإنساني وتطوره.