Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (5%)

ارتَقَى بَعْدَ ذَلِكَ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ وَأَنَابَ، وَحُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ لاَ يَعْنِي اتِّكَالاً وَسَلْبِيَّةً، وَجَعَلَ الإِنَابَةَ سَبَبَ الهِدَايَةِ فَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ((قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ))(3)، وَلِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ بِاتِّبَاعِ مَنْ أَنَابَ، وَيَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ))(10). المُعْـتَرِفَ بِفَضْـلِهِ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- قِصَّةَ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ الذِينِ آوَاهُمُ المَبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ،
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ،


Original text

الإِنَابَةُ مَنْزِلَةٌ تَتْبَعُ مَنْزِلَةَ التَّوبَةِ، فَمَنْ نَدِمَ عَلَى الذَّنْبِ وَتَابَ؛ ارتَقَى بَعْدَ ذَلِكَ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ وَأَنَابَ، فَالتَّوبَةُ وَالإِنَابَةُ مَنْزِلَتَانِ رَفِيعَتانِ، وَحِصْنَانِ مَنِيعَانِ، يَستَطِيعُ المُؤمِنُ بِهِمَا رَدَّ كَيْدِ الشَّيْطَانِ، فَالمُؤْمِنُ بِهِمَا فِي حِمَايَةٍ، وَحِصْنٍ وَوِقَايَةٍ، مَهَّدَ اللهُ بِهِمَا لِلْعَاصِي سَبِيلَ الخَلاَصِ، مَا دَام مُصْطَحِبًا مَعَهُ العَزْمَ وَالإِخْلاَصَ، فَقَدْ يَأْتِي الشَّيْطَانُ لِلْعَاصِي مِنْ بَابِ التَّيئيسِ وَالتَّقْنِيطِ، فَيُوَسْوِسُ لَهُ أَنْ ذَنْبَهُ بَلَغَ مِنَ الخَطَرِ بِحَيْثُ أَصبَحَتِ التَّوبَةُ عَلَيْهِ مَحْظُورَةً، فَتَتَلَقَّاهُ الرَّحْمَةُ الإِلَهِيَّةُ بِهَذِهِ الآيَةِ القُرآنِيَّةِ ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))(1)، إِنَّ التَّوبَةَ الصَّادِقَةَ النَّصُوحَ بَابٌ رَحْبٌ مَفْتُوحٌ، فَلْيَلِجْهُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ أَمَانٍ، وَثِقَةٍ وَاطمِئْنَانٍ، مُصطَحِبًا مَعَهُ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ))، وَحُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ لاَ يَعْنِي اتِّكَالاً وَسَلْبِيَّةً، بَلْ يَعْـنِي عَمَلاً وَإِيجَابِيَّةً، فَالمُؤْمِنُ مُطَالَبٌ بِأَنْ يَجْـتَهِدَ فِي العِبَادَاتِ، وَيتَّسِمَ دَائِمًا بِحُسْنِ الأَخْلاَقِ وَأَطْيَبِ الصِّـفَاتِ، مُوقِنًا بِأَنَّ اللهَ يَقْبَلُ مِنْهُ الطَّاعَاتِ، وَيَغْفِرُ لَهُ الذُّنُوبَ وَالسَّيِّئاتِ، وَالمُؤْمِنُ لاَ بُدَّ أَنْ يُحَلِّقَ فِي مَسِيرِهِ إِلَى لِقَاءِ رَبِّهِ بِجَناحَيْنِ هُمَا الخَوْفُ وَالرَّجَاءُ، أَمَّا أَنْ يُحَلِّقَ بِجَنَاحِ حُسْنِ الظَّنِّ وَالرَّجَاءِ مِنْ غَيْرِ جَنَاحِ الخَوْفِ وَالخَشْيَةِ؛ فَهُوَ بِهَذَا الجَنَاحِ الوَحِيدِ لاَ يَصِلُ إِلَى مُبتَغَاهُ، وَلاَ يُدْرِكُ هَدَفَهُ وَمَرْمَاهُ، فَحُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ مَطْلَبٌ حَتْمِيٌّ وَأَمْرٌ ضَرُورِيٌّ، غَيْرَ أَنَّهُ يَحتَاجُ إِلَى عَقِيدَةٍ مَكِينَةٍ، وَعِبَادَةٍ حَسنَةٍ مُستَقِيمَةٍ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((حُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ تَعَالَى مِنْ حُسْنِ العِبَادَةِ))، إِنَّهُ مَا مِنْ شَكٍّ فِي أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ مَعَ الخَوْفِ وَالخَشْيَةِ أَمْرَانِ يُفْضِيَانِ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوانِهِ، وَمَثُوبَتِهِ وَغُفْرَانِهِ، بِهِمَا يَصِلُ المُقَرَّبُونَ إِلَى كُلِّ مَقَامٍ مَحْمُودٍ، وَيقْتَحِمُونَ بِهِمَا كُلَّ عَقَبِةٍ كَؤُودٍ، وَالذِينَ يَستَسْـلِمُونَ لِلْخَوْفِ دُونَ أَنْ تَهُبَّ عَلَيْهِمْ نَسَمَاتُ الرَّجَاءِ يَجْـنَحُونَ بَعِيدًا عَنِ المَرفَأِ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ، وَيشُطُّونَ عَنِ المَنْهَجِ السَّوِيِّ وَهُمْ لاَ يَعلَمُونَ، وَبَابُ رَحمَةِ اللهِ بَابٌ وَاسِعٌ لاَ يَحِقُّ لأَحَدٍ أَنْ يُضَيِّـقَهُ أَو يُوصِدَهُ أَمَامَ مَنْ طَلَبَهُ وَقَصَدَهُ، سَمِعَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ مَرَّةٍ رَجُلاً حَدِيثَ عَهْدٍ بِالإِسلاَمِ يَدْعُو رَبَّهُ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ارحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنا أَحَدًا، فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((لَقَدْ حَجَّرْتَ -أَي ضَيَّـقْتَ- وَاسِعًا))، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعالَى يُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا سَأَلَهُ شَيئًا أَنْ يُوَسِّعَ فِي السُّؤَالِ، وَأَنْ يُعْظِمَ الرَّغْبَةَ دُونَمَا خَوْفٍ أَو رَهْبَةٍ، فَاللهُ عَزَّ وجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسأَلَ مِنْ فَضْـلِهِ، وَفَضْـلُ اللهِ وَاسِعٌ لاَ تَحُدُّهُ حُدُودٌ، وَلاَ تَحُولُ دُونَهُ مَوَانِعُ وَسُدودٌ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَأَعْظِمُوا الرَّغْبَةَ وَاسأَلُوا الفِردَوْسَ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيءٌ)).
أَيُّها المُسلِمُونَ :
الإِنَابَةُ إِلَى اللهِ تَعنِي الرُّجُوعَ إِلَيْهِ بِالتَّوبَةِ وَإِخْلاَصِ العَمَلِ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا فَقَالَ: ((وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ))(2)، وَجَعَلَ الإِنَابَةَ سَبَبَ الهِدَايَةِ فَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ((قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ))(3)، وَمَنْ أَنَابَ إِلَى اللهِ وَضَحَ سَبِيلُهُ وَقَوِيَتْ حُجَّتُهُ، وَلِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ بِاتِّبَاعِ مَنْ أَنَابَ، لأَنَّ المُنِيبَ إِلَى اللهِ عَلَى نُورٍ، فَمَنْ سَارَ عَلَى طَرِيقِهِ سَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَأَمِنَ يَوْمَ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ))(4)، وَيأْمُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَزُفَّ البُشْرَى إِلَى الذِينَ أَنَابُوا إِلَى اللهِ، وَتَخَلَّوا عَنْ كُلِّ شَيءٍ سِوَاهُ، وَتَحَلَّوا بِعبَادَتِهِ وَتَقْوَاهُ، فَقَالَ تَبَارَكَ وتَعَالَى: ((وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى))(5)، إِنَّ البُشْرَى مَخْصُوصَةٌ بِهَؤُلاءِ المُنِيبِينَ إِلَى اللهِ، وَهِيَ فِي الدُّنْيَا عَطِرَةُ الثَّنَاءِ، وَفِي الآخِرَةِ وَافِرَةُ الخَيْرِ زَاخِرَةُ العَطَاءِ، وَهَـلْ هُنَاكَ خَيْرٌ أَعظَمُ وَعَطاءٌ أَكْرَمُ مِنَ الجَنَّةِ تُقَرَّبُ إِلَيْهِمْ فَيَدْخُلُونَها، وَتَدْنُو مِنْهُمْ فَيَلِجُونَها؟ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ))(6)، وَلِعُلُوِّ مَقَامِ الإِنَابَةِ وسُمُوِّ مَنْزِلَتِها وَصَفَ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ المُرسَلِينَ، فَقَالَ فِي شَأْنِ خَلِيلِهِ إِبرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ))(7)، كَمَا أََثْنَى بِهَا عَلَى نَبِيِّ اللهِ دَاودَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- فقال: ((وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ، فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ))(8)، وَأَخبَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعالَى أَنَّ آيَاتِهِ المَنْثُورَةَ وَدَلاَئلَ قُدْرَتِهِ المَنْظُورَةَ إِنَّما يَتَبَصَّـرُ بِهَا وَيَتَذَكَّرُ أَهْلُ الإِنَابَةِ، فَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ((أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ، وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ))(9)، وَيَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ))(10).
أَيُّها المُؤمِنونَ :
الإِنَابَةُ إِنَابَتَانِ: إِنَابَةُ رُبُوبِيَّةٍ، وَإِنَابَةُ مَحَبَّةٍ وَعُبُودِيَّةٍ، فَالنَّاسُ -جَمِيعًا مُؤمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، بَرُّهُمْ وَفَاجِرُهُمْ- مُنِيبُونَ إِلَى اللهِ، فَهُمْ إِذَا مَسَّهُمْ ضُرٌّ عَادُوا إِلَيْهِ مُسْرِعِينَ، وَرَجَعُوا إِلَيْهِ خَاضِعِينَ ضَارِعِينَ، بَيْدَ أَنَّ الكَافِرَ وَالفَاجِرَ مِنْهُمْ يَعُودُ- بَعْدَ أَنْ تَدَارَكَتْهُ رَحْمَةُ اللهِ، فَأَزَالَتْ عَنْهُ ضُرَّهُ، وَكَشَفَتْ عَنْهُ كَرْبَهُ- يَعُودُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرٍ وَجُحُودٍ، وَإِعْرَاضٍ وَصُدودٍ، وَفِي هؤَلاءِ وَأَمثَالِهِمْ يَقُولُ اللهُ تَعَالِى: ((وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ))(11)، فَإِنَابَةُ هَذَا إِنَابَةُ مَصْـلَحَةٍ وَحَاجَةٍ، فَإِنْ قُضِيَتْ مَصْـلَحَتُهُ وَأُنْجِزَتْ حَاجَتُهُ عَادَ أَدْرَاجَهُ، لَكِنَّ المُؤْمِنَ بِرَبِّهِ، المُعْـتَرِفَ بِفَضْـلِهِ، المُقِرَّ بِعَدْلِهِ، يُنِيبُ إِلَى رَبِّهِ إِنَابَةَ مَحَبَّةٍ وَعُبُودِيَّةٍ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ إِنَابَتُهُ قَبِلَ اللهُ عَوْدَتَهُ، وَبَارَكَ تَوْبَتَهُ، فَالمُنِيبُ إِلَى اللهِ حَقًّا هُوَ المُسْـرِعُ إِلَى مَرْضَاتِهِ، الرَّاجِعُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أَوقَاتِهِ.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ مَنْ أَنَابَ إِلَى اللهِ وَرَجَعَ إِلَيْهِ مَحَبَّةً وَعُبُودِيَّةً؛ تَلَقَّتْهُ الرَّحْمَةُ الإِلَهِيَّةُ بِغُفْرَانِ ذُنُوبِهِ، وَإِزَالَةِ هُمُومِهِ وَكُرُوبِهِ، وَإِنَارَةِ سُبُلِهِ وَدُرُوبِهِ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
*** *** ***
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
لَيْسَ غَرِيبًا أَنْ يُخْطِئَ الإِنْسَانُ، فَكُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَلَكِنَّ المَحْـذُورَ فِي ذَلِكَ هُوَ التَّسوِيفُ فِي التَّوبَةِ وَالإِبطَاءُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا، وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا))(12)، كَمَا جَاءَ فِي الخَبَرِ وَرَوائِعِ الأَثَرِ: ((اِحْـذَرُوا التَّسوِيفَ؛ فَإِنَّ المَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً))، إِنَّ لِلإِنَابَةِ إِلَى اللهِ ثَمَراتٍ دُنْيَوِيَّةً، عِلاَوَةً عَلَى مَا لَها مِنْ ثَمَراتٍ أُخْرَوِيَّةٍ، فَالمُنِيبُ إِلَى اللهِ الرَّاجِعُ إِلَيْهِ بِالإِقْلاَعِ عَنْ الذَّنْبِ وَالتَّوبَةِ مِنْهُ يُنَجِّيهِ اللهُ مِنْ كُلِّ الشَّدَائِدِ وَإِنْ عَظُمَتْ، ويُنَفِّسُ لَهُ كُلَّ الكُرُوبِ وَإِنْ تَرَاكَمَتْ، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- قِصَّةَ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ الذِينِ آوَاهُمُ المَبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعمَالِكُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَوَسَّلِ ببِرِّ وَالِدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَسَّلَ بِتَرْكِ المَعْصِيَةِ وَالبُعْدِ عَنْها وَالتَّوبَةِ مِنْهَا بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا، فَانفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْـشُونَ. إِنَّ المُنِيبَ إِلَى اللهِ قَوِيُّ التَّبَصُّرِ، سَرِيعُ التَّذَكُّرِ، لأَنَّ التَّذَكُّرَ قَرِينُ الإِنَابَةِ، وَلِذَلِكَ فَهُوَ لاَ يَدَعُ الذُّنُوبَ وَالخَطَايَا تَتَسَرَّبُ إِلَيْهِ وَتتَرَاكَمُ عَلَيْهِ، وَتَضْرِبُ حَولَهُ الحِصَارَ، بَلْ يُسَارِعُ فَورًا إِلَى تَصحِيحِ الخَطَأِ وَالعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الذُّنُوبِ وَعَدَمِ الإِصرَارِ، فَالذُّنُوبُ إِذَا تَراكَمَتْ عَلَى القَلْبِ وَتَتَابَعَتْ عَلَيْهِ بِاستِمْرارٍ، دُونَ إِنَابَةٍ وَرُجُوعٍ إِلَى اللهِ وَمُلاَزَمَةٍ لِلنَّدَمِ وَالاستِغْفَارِ، يُخْشَى مِنْهَا عَلَى هَذَا القَلْبِ أَنْ يَعلُوَهُ الرَّانُ، وَحِينَها يَبُوءُ صَاحِبُهُ بِالخَيْبَةِ وَالخُسْرَانِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَودَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاستَغْفَرَ صُـقِلَ مِنْهَا، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حتَّى يَغْـلَفَ بِِهَا قَلْبُهُ، فَذَلِكَ هُوَ الرَّانُ الذِي ذَكَرَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: ((كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ))(13)، إِنَّ الإِنَابَةَ إِلَى اللهِ بِالتَّوبَةِ الصَّادِقَةِ تَدْفَعُ عَنِ الإِنْسَانِ أَخْطَارًا مُحْـدِقَةً، وَتُنْجِيهِ مِنْ كَوَارِثَ مُحقَّقَةٍ، وتُزْجِي إِلَيْهِ فَوَائِدَ جَمَّةً وَمَكَاسِبَ مُهِمَّةً، لاَ تَقْتَصِرُ عَلَى مَحْوِ السَّيئَاتِ، بَلْ تَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِحَالَةِ السَّيئاتِ إِلَى حَسَناتٍ، يَذْكُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْضًا مِنَ الذُّنُوبِ ثُمَّ يَقُولُ: ((وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا))(14).
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ مَنْ رَزَقَهُ اللهُ الإِنَابَةَ عَاشَ سَعِيدًا، وَمَاتَ حَمِيدًا، وَأَصلَحَ اللهُ أَمْرَهُ، وَبَارَكَ لَهُ فِي عُمرِهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الأَثَرِ: ((مِنْ سَعَادَةِ المَرءِ أَنْ يَطُولَ عُمرُهُ وَيَرزُقَهُ اللهُ الإِنَابَةَ)).
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (15).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

في الليل الموحش...

في الليل الموحش العتم كانوا يتمترسون خلف الأكياس الرملية على الشاطئ، أيديهم ممسكة بالبنادق العتيقة (...

### Brief Overv...

### Brief Overview of Personal Status Law Personal Status Law governs matters related to family and...

A shoemaker by ...

A shoemaker by no fault of his own became so poor that at last he had nothing left but enough leathe...

الدخل سنتعلم ف...

الدخل سنتعلم في هذا القسم عن الدخل Income ، وهو كيفية جني المال الذي نحتاج المال الذي يتلقاه أو يج...

الفكر المتطرّف ...

الفكر المتطرّف اختزالي وقاصر بطبعه، فهو توجه أُحادي يستعصي عليه فهم غير ما اعتاده، وعبارات تتكرر على...

مرة ، أخرى غاصت...

مرة ، أخرى غاصت أسماك التونه ، و التونه هو الاسم الذي يطلقه الصيادون على الأسماك جميعها من ذلك النوع...

نظام الربا يعتب...

نظام الربا يعتبر الربا من الأنظمة المالية التي عرفتها الجزيرة العربية قبل الإسلام، وكانت صورة الربا ...

كانت أزمة الصوا...

كانت أزمة الصواريخ الكوبية حدثًا مهمًا. لا يقدم التاريخ أي مثيل لتلك الأيام الثلاثة عشر من أكتوبر 19...

لتطور الجامعي ف...

لتطور الجامعي في الوسائل والمقاربات التعليمية تُعَدّ الوسائل والمقاربات البيداغوجية المعتمدة في عملي...

الرؤية والمستقب...

الرؤية والمستقبل ان الهدف النهائي لكل رؤية يضعها أي قائد هو خدمة شعبه لذا فإن الاعتماد في صياغة محا...

اللجان الدائمة ...

اللجان الدائمة للوثائق صدر الأمر السامي رقم 372/م تاريخ 1417/08/27 هـ بالموافقة على تشكيل اللجنة ال...

تأسست مجموعة ال...

تأسست مجموعة الريادة المصرية كمجموعة شركات استثمارية رائدة في التطوير العقاري والمقاوالت والتوريدات...