Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (94%)

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليم والبحث العلمي كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم الحقوق بحث بعنوان تُعدّ العدالة الانتقالية إحدى أهم المقاربات القانونية والسياسية التي طوّرها المجتمع الدولي لمعالجة الإرث الثقيل لانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، سواء خلال النزاعات المسلحة، أو فترات الحكم الاستبدادي، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر، والإصلاح المؤسسي، مع التركيز على تحقيق المصالحة الوطنية وضمان عدم تكرار الانتهاكات. وتحقيق الإنصاف للضحايا. تكتسي هذه الإشكالية أهمية بالغة، لا سيما في الدول التي عاشت فترات من العنف السياسي أو الحرب الأهلية، حيث يبقى التحدي الأساسي متمثلًا في كيفية تحقيق التوازن بين المساءلة عن الجرائم المرتكبة وبين السعي نحو الاستقرار السياسي والاجتماعي. ويزداد هذا التحدي تعقيدًا حينما يتم تبني قوانين للعفو العام دون مساءلة، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى احترام الدولة لالتزاماتها بموجب الاتفاقيات الدولية. فالحق في معرفة الحقيقة، كلها حقوق أصيلة كرّستها نصوص قانونية دولية، من أبرزها المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تُجرّم التعذيب، والمادة 24 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، خاصة بعد "العشرية السوداء" التي عرفتها في التسعينيات، وما خلفته من مآسي إنسانية شملت القتل خارج القانون، الإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي. فمع إصدار "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" عام 2006، حاولت الدولة وضع حدٍّ للنزاع عبر منح عفو عام عن الفاعلين في تلك المرحلة، دون إقرار آليات فعالة للمساءلة أو ضمانات لكشف الحقيقة، إلى التساؤل حول مدى مطابقة هذه المصالحة للمعايير الدولية للعدالة الانتقالية. إن اختيار الحالة الجزائرية كمثال لا ينبع فقط من خصوصية السياق التاريخي والسياسي، إن الهدف من دراسة هذا الموضوع هو تحليل الإطار المفاهيمي والقانوني للعدالة الانتقالية، وتبيان كيف يمكن لهذه الآلية أن توفّق بين مطالب الضحايا وضرورات إعادة بناء الدولة، كما تهدف هذه الدراسة إلى تقييم مدى احترام التشريعات الوطنية، مثل ميثاق السلم والمصالحة، وإلى أي مدى يمكن اعتبارها متوافقة مع مبدأ حماية حقوق الإنسان، سواء من خلال التعويض، أو وضع آليات تمنع تكرار الانتهاكات مستقبلاً. فمن جهة، تفرض التجربة الجزائرية ذاتها نقاشًا علميًا حول فعالية المصالحة كأداة لتحقيق العدالة، خاصة مع تزايد مطالب الضحايا بالحقيقة والإنصاف، ومن جهة أخرى، فإن تصاعد الاهتمام الدولي بمسارات العدالة الانتقالية في مناطق مختلفة من العالم يجعل من الضروري دراسة هذه النماذج في ضوء المعايير القانونية المقارنة. وانطلاقًا من ذلك، تطرح هذه الدراسة الإشكالية التالية: إلى أي مدى استطاعت آليات العدالة الانتقالية في الجزائر أن تحقق توازنًا بين مطلب المصالحة الوطنية وضمان حقوق الإنسان وفقًا للمعايير الدولية؟ وللإجابة عن هذا السؤال، اعتمدت الدراسة منهجًا تحليليًا قانونيًا، يقوم على تحليل النصوص الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، ودراسة التشريعات الوطنية المقارنة، مع التركيز على التجربة الجزائرية كنموذج تطبيقي، وذلك بهدف فهم حدود التلاقي أو التناقض بين القانون الوطني والالتزامات الدولية في سياق العدالة الانتقالية. خطة الدراسة: مقدمة المبحث الأول: المظالم والحقوق في إطار العدالة الانتقالية المطلب الأول: المظالم والانتهاكات في مراحل التحول الفرع الأول: أنواع الانتهاكات المرتبطة بالعدالة الانتقالية الفرع الثاني: حقوق الضحايا في العدالة الانتقالية المطلب الثاني: المعايير الدولية لحماية حقوق الانسان أثناء فترات العدالة الانتقالية الفرع الأول: الاطار القانوني الدولي لحقوق الانسان. المطلب الثاني: المسؤولية القانونية في سياق المصالحة- بين الإفلات من العقاب وحق الضحايا- الفرع الثاني: الحق في الحقيقة وجبر الضرر – مسؤولية قانونية وأخلاقية- خاتمة المبحث الأول: المظالم والحقوق في إطار العدالة الانتقالية: تُشكِّل العدالة الانتقالية منظومةً من الآليات القضائية وغير القضائية التي تُطبَّق في المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة أو الأنظمة الاستبدادية، بهدف معالجة إرث انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة. وبرامج جبر الضرر، والإصلاحات المؤسسية. في هذا الإطار، لذا، سيتناول هذا المبحث دراسة مختلف المظالم التي ارتُكبت، مع تسليط الضوء على التجربة الجزائرية كنموذج تطبيقي لهذه القضايا. المطلب الأول: المظالم والانتهاكات في مراحل التحول: غالبًا ما تترافق المراحل الانتقالية في الدول التي تمر بتحولات سياسية واجتماعية مع انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، تشمل الاختفاء القسري، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والإعدام خارج نطاق القضاء. وتُعرقل جهود المصالحة وإعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة. الفرع الاول: انواع الانتهاكات المرتبطة بالعدالة الانتقالية: اولا: الاختفاء القسري: تُعرِّف المادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (2006) هذا الفعل بأنه "القبض على شخص أو احتجازه أو اختطافه من قِبل الدولة أو جهات تعمل بموافقتها، مع رفض الاعتراف بذلك أو إخفاء مصيره، مما يجعله خارج نطاق الحماية القانونية". يُعدّ الاختفاء القسري من أشد الانتهاكات خطورة، بل يخلّف أثراً نفسياً واجتماعياً عميقاً على عائلاتهم التي تعيش في حالة دائمة من القلق والحرمان من معرفة مصير أحبائهم. مما يستوجب عدم تقادم هذه الجرائم وخضوع مرتكبيها للمحاسبة الدولية. وعلى سبيل المثال من خلال العشرية السوداء (1991-2002)، وثّقت منظمات حقوقية وطنية ودولية أكثر من 18, 000 حالة اختفاء قسري، حيث تم احتجاز آلاف الأشخاص من قِبل قوات الأمن دون تقديم أي معلومات عن أماكن احتجازهم أو مصيرهم. ورغم إنشاء لجنة المصالحة الوطنية كإطار لحل هذا الملف، إلا أن غياب تحقيقات شفافة وآليات قانونية فعالة حال دون الوصول إلى الحقيقة والعدالة. مع انتقادات متزايدة بشأن سياسة الإفلات من العقاب التي اعتمدتها السلطات. الاعتقال التعسفي هو احتجاز الأفراد دون إجراءات قانونية سليمة أو محاكمة عادلة، وهو ما يتعارض مع المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تضمن الحق في الحرية الشخصية وعدم التوقيف التعسفي. أما التعذيب، فيُعرّف وفق المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب (1984) بأنه "أي فعل يُلحِق ألمًا أو معاناةً شديدة، جسدية أو نفسية، يُمارس عمدًا على شخص للحصول على معلومات أو معاقبته أو إرهابه". وكمثال حول هذه الاعتقالات وغيرها نجد من خلال النزاع المسلح في الجزائر، حيث تم احتجاز الأفراد في مراكز سرية دون محاكمة، وتعرّض كثيرون للتعذيب لانتزاع اعترافات تحت الإكراه. شملت الأساليب المستخدمة الصعق الكهربائي، والانتهاكات الجسدية والنفسية. ورغم أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية (2006) منح عفوًا عامًا عن كثير من هذه الجرائم، إلا أن منظمات حقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، انتقدت هذا القانون باعتباره تكريسًا لثقافة الإفلات من العقاب، إذ منع الضحايا من تقديم شكاوى قانونية ضد مرتكبي هذه الانتهاكات. يُعرَّف القتل خارج نطاق القضاء بأنه إعدام الأفراد دون محاكمة عادلة من قِبل قوات الأمن أو المجموعات المسلحة، سواء كان ذلك في عمليات انتقامية أو كوسيلة لإخماد المعارضة. يُعتبر هذا الانتهاك اعتداءً مباشراً على الحق في الحياة المنصوص عليه في المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. في أوج العشرية السوداء، كانت الجزائر مسرحًا لعمليات قتل خارج نطاق القانون، حيث تم تنفيذ عمليات إعدام ميداني بحق الآلاف من المدنيين، سواءً على يد الجماعات المسلحة أو عبر تدخلات الأجهزة الأمنية، دون أي محاكمات أو تحقيقات. العديد من الضحايا دُفنوا في مقابر جماعية دون تحديد هوياتهم، مما جعل من المستحيل على عائلاتهم المطالبة بحقوقهم. إلا أن غياب المحاكمات الفعلية واستمرار سرية المعلومات حول مصير كثير من الضحايا يُعدُّ انتهاكًا مستمرًا لحقهم في العدالة. تُشكِّل هذه الانتهاكات الثلاثة تحديًا أساسيًا للعدالة الانتقالية، حيث أن تحقيق المصالحة دون معالجة هذه الجرائم بشكل عادل ومنصف يُهدد بترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب. إن التجربة الجزائرية، رغم الجهود المبذولة، لا تزال نموذجًا يُبرز إشكالية التوفيق بين الاستقرار السياسي وإنصاف الضحايا، ما يُوجب تبني إصلاحات قانونية حقيقية لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل. الفرع الثاني: حقوق الضحايا في العدالة الانتقالية: تعد العدالة الانتقالية إطارًا يهدف إلى تحقيق الإنصاف للضحايا وتعزيز المصالحة الوطنية بعد فترات النزاعات أو الأنظمة القمعية، إذ تسعى إلى معالجة إرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وتقديم التعويض المناسب للضحايا، وتتجسد حقوق الضحايا في العدالة الانتقالية من خلال ثلاثة محاور رئيسية: الحق في معرفة الحقيقة، الحق في جبر الضرر، والحق في العدالة وعدم الإفلات من العقاب. أولا: الحق في معرفة الحقيقة: يُعد الحق في معرفة الحقيقة من الحقوق الجوهرية التي تُعزز الإنصاف والمصالحة، إذ يُمكِّن الضحايا وعائلاتهم من فهم ما جرى، ويُساهم في استعادة الثقة بين المجتمع والدولة. وقد أكدت المادة 24 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (2006) على أن "لكل ضحية وأفراد أسرته الحق في معرفة الحقيقة بشأن ملابسات الاختفاء القسري وتطورات التحقيق في القضية". وعليه فلجان الحقيقة والمصالحة تُعد من أبرز الآليات المعتمدة دوليًا لتحقيق هذا الحق، وتقديم تقارير توثق الانتهاكات. مثال ذلك لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا التي لعبت دورًا محوريًا في توثيق انتهاكات نظام الفصل العنصري وتقديم توصيات لتعويض الضحايا ومحاسبة المسؤولين. في الجزائر، لا تزال قضية المختفين قسريًا خلال العشرية السوداء قضية عالقة، ورغم تشكيل اللجنة الوطنية للمفقودين، إلا أن تقاريرها ظلت غير شفافة، ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإن غياب الشفافية حول هذه القضية يشكل انتهاكًا صارخًا لحق الضحايا في معرفة الحقيقة. ثانيا: الحق في جبر الضرر: وينقسم هذا الحق إلى تعويضات مالية، وتأهيل صحي ونفسي، وضمانات بعدم التكرار. أكدت المادة 14 من اتفاقية مناهضة التعذيب (1984) أن "لكل ضحية تعرضت للتعذيب الحق في الحصول على تعويض منصف وكافٍ، يشمل إعادة التأهيل بأفضل صورة ممكنة". جبر الضرر لا يقتصر فقط على التعويضات المالية، بل يشمل أيضًا الاعتراف الرسمي بمعاناة الضحايا، مثل إصلاح المؤسسات الأمنية وإدراج دروس عن انتهاكات الماضي في المناهج التعليمية. في الجزائر، تم إدراج بعض تدابير جبر الضرر ضمن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية (2006)، ومساعدات اجتماعية للناجين من الاعتقال والتعذيب. غير أن هذا الإجراء لم يكن كافيًا، إذ انتقدته المنظمات الحقوقية بسبب غياب آليات مستقلة وشفافة لتحديد التعويضات، وعدم توفير برامج فعالة لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للضحايا. ثالثا: الحق في العدالة وعدم الإفلات من العقاب: يُعتبر عدم الإفلات من العقاب من المبادئ الأساسية لضمان العدالة الانتقالية، حيث يتطلب محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل تشيلي والأرجنتين، كانت قوانين العفو بمثابة عقبة أمام تحقيق العدالة، حيث أدت إلى تقييد محاكمات المسؤولين عن الجرائم الجسيمة. غير أن الضغوط الدولية والمحلية أدت لاحقًا إلى إلغاء هذه القوانين وإعادة فتح قضايا انتهاكات حقوق الإنسان. أدى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية إلى منح عفو عام للعديد من مرتكبي الجرائم خلال العشرية السوداء، بما في ذلك عناصر في الأجهزة الأمنية وجماعات مسلحة متورطة في انتهاكات جسيمة. ورغم أن الهدف المعلن كان تحقيق الاستقرار الوطني، إلا أن هذا الإجراء أثار جدلًا واسعًا، حيث رأى الحقوقيون أنه كَرَّسَ ثقافة الإفلات من العقاب ورفض الاعتراف بحق الضحايا في العدالة. إن حقوق الضحايا في العدالة الانتقالية تُعد حجر الأساس في أي عملية مصالحة وطنية حقيقية، وجبر الضرر، وإنهاء الإفلات من العقاب. في الحالة الجزائرية، لا تزال هذه الحقوق موضع جدل، حيث تواجه الدولة تحديًا كبيرًا في تحقيق التوازن بين المصالحة الوطنية والاعتراف بمعاناة الضحايا وضمان المساءلة الفعالة للمسؤولين عن الانتهاكات. وخلال هذه المراحل، تزداد حاجة الدول إلى إطار قانوني دولي يُنظّم عملية التحوّل الديمقراطي، ويضمن ألا تتم المصالحة على حساب الحقيقة أو المحاسبة. وتُشكّل المعايير الدولية لحقوق الإنسان مرجعية حيوية في هذا الإطار، يتمثل في الدور الذي تلعبه المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في مراقبة وتنفيذ هذه المعايير فقد تم تطوير هذا القانون استنادًا إلى تجارب إنسانية مؤلمة، والأنظمة التسلطية، والمذابح الجماعية، ليصبح مجموعة من الالتزامات التي تتجاوز إرادة الدولة الداخلية وتُلزمها بمراعاة الكرامة الإنسانية حتى في أحلك الظروف. أولا: العهدان الدوليان لحقوق الإنسان (1966): يُشكّل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR) الإطار الأوسع لحماية الحقوق الأساسية. وحظر التعذيب، وعدم الاعتقال التعسفي، وحرية التعبير، والحق في محاكمة عادلة، وهي كلها حقوق تُنتهك عادةً خلال النزاعات أو في ظل الأنظمة الاستبدادية. وتُلزم هذه المعاهدات الدول، حتى خلال الطوارئ، بعدم المساس بالحقوق غير القابلة للتقييد. في سياق العدالة الانتقالية، تُمثّل هذه المبادئ الأساس القانوني للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وللدفع نحو مراجعة القوانين الوطنية التي تعرقل الوصول إلى الحقيقة أو تحصّن مرتكبي الجرائم. تضع هذه الاتفاقية التزامات صريحة على الدول لتجريم التعذيب، والتحقيق في كل الحالات المبلّغ عنها، ومقاضاة الجناة أو تسليمهم. وتُعتبر أداة حاسمة في مجال العدالة الانتقالية، لأنها لا تعترف بأي ظرف استثنائي يبرّر التعذيب، ثالثا: الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (2006) هذه الاتفاقية من أحدث النصوص التي تُنظّم مسألة أساسية في العدالة الانتقالية: الحق في معرفة الحقيقة. فهي لا تقتصر فقط على حظر الإخفاء القسري، بل تُقر بحق أقارب الضحايا في معرفة مصير أحبّائهم، وتُلزم الدول بفتح تحقيقات جادة ومستقلة. كما تنص على عدم اعتبار أوضاع الطوارئ ذريعة لعدم تنفيذ الالتزامات. انطلاقًا من هذه المرجعية، وهو ما ينطبق على حالة آلاف المختفين في الجزائر خلال العشرية السوداء. رابعا: المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والتعويض (2005): أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لتُحدّد واجبات الدولة في توفير سُبل الانتصاف للضحايا، الترضية، وضمانات عدم التكرار. الفرع الثاني: دور المنظمات الدولية في ضمان العدالة الانتقالية: لا تقتصر حماية حقوق الإنسان في فترات التحول السياسي على الالتزامات القانونية، خاصة في الدول التي تعاني من هشاشة مؤسساتية أو انغلاق سياسي. أولا: مجلس حقوق الإنسان وهيئات الأمم المتحدة: يُؤدي مجلس حقوق الإنسان دورًا محوريًا من خلال تقارير المقررين الخاصين، وآلية الاستعراض الدوري الشامل، ولجانه الخاصة بالاختفاء القسري والتعذيب وحقوق الإنسان. وقد أصدر المجلس عدة قرارات تُشجّع الدول الخارجة من النزاع على اعتماد آليات شاملة للعدالة الانتقالية، تراعي مبدأ عدم التمييز بين الضحايا، وتحترم المعايير الدولية. تعمل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان على تقديم الدعم الفني للدول، من خلال مساعدتها في إنشاء لجان الحقيقة، وتدريب القضاة، ومراجعة التشريعات الوطنية بما يتوافق مع المعايير الدولية. ثانيا: دور المنظمات غير الحكومية: أثبتت المنظمات غير الحكومية، مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، وضمان أن تبقى في دائرة الضوء الدولي. وتُعد تقارير هذه المنظمات مرجعًا للباحثين والضحايا وصنّاع القرار، خصوصًا عندما تكون الحكومات غير متعاونة. كما أن هذه المنظمات غالبًا ما تُمثّل صوت الضحايا في المحافل الدولية، وفي تقديم الأدلة إلى المحاكم الجنائية الدولية. لكن في حالات مثل الجزائر، يُواجه عمل هذه المنظمات تحديات كبيرة بفعل القيود القانونية، ورفض فتح ملفات الماضي، وهو ما يحول دون بناء عدالة انتقالية حقيقية. وتحقيق شكل من أشكال التهدئة السياسية، غير أن المصالحة، بوصفها أداةً لتحقيق التعايش السلمي، كثيرًا ما تصطدم بإكراهات العدالة، وتُثير تساؤلات حول مدى احترامها لحقوق الضحايا، وقدرتها على إرساء دولة القانون. وفي السياق الجزائري، إذ تم تبنيه كآلية لتجاوز ماضي العنف الدموي، دون المرور بمحاسبة قضائية للمتورطين. هذا التوجه أفرز مفارقات قانونية وأخلاقية، خصوصًا فيما يتعلق بمسألة الإفلات من العقاب، وحقوق الضحايا، ومن هذا المنطلق، من خلال تحليل الإطار المفاهيمي للمصالحة، وتحديات تطبيقها في ضوء حقوق الإنسان، ثم دراسة المسؤولية القانونية الناجمة عن إقرار العفو دون محاسبة. المطلب الأول: المصالحة الوطنية بين الضرورة والتحديات تُطرح المصالحة الوطنية في السياق الانتقالي باعتبارها خيارًا سياسيًا وقانونيًا يهدف إلى تجاوز مرحلة الصراع، وتحقيق السلام الداخلي، غير أن نجاح هذا الخيار يتوقف على مدى توافقه مع معايير العدالة والإنصاف، وضماناته القانونية لحماية حقوق الضحايا وعدم تكرار الانتهاكات. الفرع الأول: مفهوم المصالحة الوطنية وأهدافها: وجبر الضرر، بهدف ترميم العلاقات بين الدولة والمواطنين، وضمان عدم تكرار العنف. " وقد أكدت وثائق دولية عديدة هذا المفهوم، لا سيما "مبادئ الأمم المتحدة بشأن المصالحة والعدالة الانتقالية"، التي شددت على ضرورة إشراك الضحايا واحترام حقوق الإنسان كأساس لأي مشروع مصالحة. وتتمثل أهداف المصالحة الوطنية في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، أما في النموذج الجزائري، فقد جاءت المصالحة كخيار استراتيجي بعد عقد من العنف المسلح، وتعويضات للضحايا. غير أن غياب المساءلة، وتقييد النقاش العام حول تلك الفترة، أثار جدلاً حول ما إذا كانت المصالحة قد تحققت فعلاً وفق مبادئ العدالة الانتقالية، أم أنها كانت مجرد تسوية سياسية لتثبيت الاستقرار دون معالجة حقيقية لجذور الأزمة. الفرع الثاني: تحديات المصالحة الوطنية في ظل حقوق الإنسان: من أبرز التحديات التي تواجه المصالحة الوطنية هي تحقيق التوازن بين متطلبات العدالة واستحقاقات السلام، إذ أن منح العفو العام – وإن كان يهدف إلى طي صفحة الماضي – قد يُفضي إلى تجاهل حقوق الضحايا، في الحالة الجزائرية، تبرز هذه الإشكالية بوضوح، حيث نص ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على عدم ملاحقة من لم يرتكبوا جرائم قتل أو اغتصاب، وعدم الكشف عن الحقيقة، الأمر الذي دفع بالعديد من منظمات حقوق الإنسان إلى انتقاد القانون، واعتباره يتعارض مع المبادئ الدولية للعدالة. وقد أورد تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان للأمم المتحدة ملاحظات صريحة بشأن التجربة الجزائرية، مؤكدًا أن "منع التحقيق في الجرائم، ورفض الاعتراف بحق الضحايا في معرفة الحقيقة، يشكلان انتهاكًا صريحًا للالتزامات الدولية. " كما أشار التقرير إلى أن "تجريم النقاش حول مرحلة العشرية السوداء يُعتبر قيدًا على حرية التعبير، ويمنع النقاش المجتمعي الضروري لبناء مصالحة حقيقية. كل هذه التحديات تُبرز أن المصالحة، لكي تكون ذات معنى قانوني وإنساني، لا يمكن أن تتم على حساب حقوق الضحايا، بل يجب أن تقوم على أسس الشفافية، والمساءلة، والإصلاح المؤسسي. وتمكين المجتمع من تجاوز الانقسامات، فإنها كثيرًا ما تجد نفسها أمام مطالب متزايدة من الضحايا والفاعلين الحقوقيين بضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة. الفرع الأول: إشكالية الإفلات من العقاب في قوانين المصالحة: من أبرز مظاهر الجدل القانوني في مسار المصالحة الجزائرية ما يتعلق بالإفلات من العقاب. فقد نص ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على عدم متابعة الأشخاص الذين لم يتورطوا في الجرائم الخطيرة، أدى إلى تبرئة العديد من المتورطين في انتهاكات جسيمة دون محاكمة عادلة. ويُعدّ هذا الإفلات من العقاب مساسًا بمبدأ أساسي في القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما ورد في اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. أو الإخفاء القسري، أو التعذيب. وفي السياق الجزائري، بل امتدت لتشمل مواقف لضحايا مباشرون رفضوا تسوية الملفات دون الكشف عن الحقيقة أو تحديد المسؤوليات، ويُضعف ثقة المواطنين في منظومة العدالة. الفرع الثاني: الحق في الحقيقة وجبر الضرر – مسؤولية قانونية وأخلاقية: في مقابل مسألة الإفلات من العقاب، يبرز الحق في الحقيقة كأحد المطالب الأساسية للضحايا والمنظمات الحقوقية. يُمثلان جزءًا لا يتجزأ من العدالة الانتقالية، ويسهمان في رد الاعتبار للضحايا، وضمان عدم تكرار ما جرى. وقد أكدت العديد من الوثائق الدولية، لاسيما "مبادئ الأمم المتحدة بشأن حماية حقوق الإنسان في مواجهة الإفلات من العقاب"، أن الدول ملزمة قانونًا وأخلاقيًا بكشف الحقيقة وتوفير وسائل جبر الضرر للضحايا. وفي هذا الإطار، يبرز جانب آخر من المسؤولية القانونية، يتعلق بجبر الضرر، والذي لا ينبغي أن يقتصر على التعويضات المالية فحسب، بل يجب أن يشمل ضمانات عدم التكرار، وإصلاح المؤسسات المتورطة في الانتهاكات، وبناء ذاكرة جماعية تحصّن المجتمع من الانزلاق مجددًا نحو العنف. لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال احترام قواعد العدالة الانتقالية، وموازنة دقيقة بين مقتضيات الاستقرار ومتطلبات المحاسبة، بما يضمن إنصاف الضحايا، وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان. خاتمة: تُعدّ العدالة الانتقالية مسارًا قانونيًا وسياسيًا بالغ الأهمية لتحقيق الإنصاف والمصالحة بعد فترات الانتهاكات الجسيمة، غير أن نجاحها يظل مرهونًا بمدى التزام الدول بمبادئ حقوق الإنسان وآليات المساءلة الفعالة. ومن النتائج التي توصلنا اليها من خلال دراستنا: العدالة الانتقالية تمثل وسيلة لتحقيق التوازن بين كشف الحقيقة وبناء السلم المجتمعي. احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان شرط أساسي لشرعية أي عملية مصالحة. اعتماد مقاربة شاملة تتضمن المساءلة، جبر الضرر، وكشف الحقيقة. إشراك الضحايا في كل مراحل العملية الانتقالية بوصفهم فاعلين أساسيين. الاستثمار في برامج التثقيف الحقوقي لضمان عدم تكرار الانتهاكات مستقبلاً. قائمة المصادر والمراجع: المعتمدة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/177 بتاريخ 20 ديسمبر 2006، ودخلت حيز النفاذ في 23 ديسمبر 2010. 2. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، اعتمد في 17 يوليو 1998، ودخل حيز التنفيذ في 1 يوليو 2002، منشور في: الأمم المتحدة، 183/9. اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2200A (د-21) المؤرخ في 16 ديسمبر 1966، منشور في: الأمم المتحدة، ودخلت حيز التنفيذ في 26 يونيو 1987، معاهدات حقوق الإنسان. 5. الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، 6. الأمر رقم 06-01 المؤرخ 27 فبراير سنة 2006، الصادر بتاريخ 28 فبراير 2006. ثانياً: التقارير الدولية: hrw. org/ar، mae. dz. ثالثاً: الكتب: نصر الدين بوسماحة، 2013. بن عطاء الله بن علية، "تدابير العفو كآلية للعدالة الانتقالية"، المجلد 5، "حق الضحايا في التعويض في سياق العدالة الانتقالية"، 2018. عبد الرحمان خلفي، بجاية، جامعة عباس لغرور، خنشلة، إيريك سوتاش، العدد 780، 2008. العدد 6، https://www.


Original text

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة التعليم والبحث العلمي
جامعة عمار ثليجي
كلية الحقوق والعلوم السياسية
قسم الحقوق
تخصص قانون دولي
مقياس
بحث بعنوان


اعداد الطالب:
-علالي بوبكر.


الموسم دراسي 2024/2025
مقدمة:
تُعدّ العدالة الانتقالية إحدى أهم المقاربات القانونية والسياسية التي طوّرها المجتمع الدولي لمعالجة الإرث الثقيل لانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، سواء خلال النزاعات المسلحة، أو فترات الحكم الاستبدادي، أو حالات الانقسام السياسي العنيف. وقد برز هذا المفهوم في العقود الأخيرة كوسيلة للانتقال من مرحلة الانتهاك إلى مرحلة احترام الحقوق، من خلال آليات تشمل المساءلة القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر، والإصلاح المؤسسي، مع التركيز على تحقيق المصالحة الوطنية وضمان عدم تكرار الانتهاكات. ولا يمكن فهم العدالة الانتقالية دون ربطها بشكل وثيق بمبادئ حقوق الإنسان، التي تشكّل مرجعًا قانونيًا وأخلاقيًا لتحديد المظالم، وضمان الحقوق، وتحقيق الإنصاف للضحايا.


تكتسي هذه الإشكالية أهمية بالغة، لا سيما في الدول التي عاشت فترات من العنف السياسي أو الحرب الأهلية، حيث يبقى التحدي الأساسي متمثلًا في كيفية تحقيق التوازن بين المساءلة عن الجرائم المرتكبة وبين السعي نحو الاستقرار السياسي والاجتماعي. ويزداد هذا التحدي تعقيدًا حينما يتم تبني قوانين للعفو العام دون مساءلة، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى احترام الدولة لالتزاماتها بموجب الاتفاقيات الدولية. فالحق في معرفة الحقيقة، والحق في جبر الضرر، ومبدأ عدم الإفلات من العقاب، كلها حقوق أصيلة كرّستها نصوص قانونية دولية، من أبرزها المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تُجرّم التعذيب، والمادة 24 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، التي تلزم الدول بكشف مصير المختفين وتعويض أسرهم.


وقد شهدت الجزائر تجربة معقدة في هذا السياق، خاصة بعد "العشرية السوداء" التي عرفتها في التسعينيات، وما خلفته من مآسي إنسانية شملت القتل خارج القانون، الإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي. فمع إصدار "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" عام 2006، حاولت الدولة وضع حدٍّ للنزاع عبر منح عفو عام عن الفاعلين في تلك المرحلة، دون إقرار آليات فعالة للمساءلة أو ضمانات لكشف الحقيقة، وهو ما دفع منظمات حقوقية، محلية ودولية، إلى التساؤل حول مدى مطابقة هذه المصالحة للمعايير الدولية للعدالة الانتقالية. إن اختيار الحالة الجزائرية كمثال لا ينبع فقط من خصوصية السياق التاريخي والسياسي، بل أيضًا من كونها تُجسد نموذجًا عربيًا مهمًا للتفاعل بين مطلب العدالة ومتطلبات الاستقرار.


إن الهدف من دراسة هذا الموضوع هو تحليل الإطار المفاهيمي والقانوني للعدالة الانتقالية، وتبيان كيف يمكن لهذه الآلية أن توفّق بين مطالب الضحايا وضرورات إعادة بناء الدولة، دون الوقوع في فخّ الإفلات من العقاب أو التسويات السياسية التي قد تُفرغ العدالة من مضمونها. كما تهدف هذه الدراسة إلى تقييم مدى احترام التشريعات الوطنية، مثل ميثاق السلم والمصالحة، للمواثيق الدولية، وإلى أي مدى يمكن اعتبارها متوافقة مع مبدأ حماية حقوق الإنسان، سواء من خلال التعويض، أو محاسبة المسؤولين، أو وضع آليات تمنع تكرار الانتهاكات مستقبلاً.


ويعود اختيار هذا الموضوع إلى أسباب ذاتية وموضوعية؛ فمن جهة، تفرض التجربة الجزائرية ذاتها نقاشًا علميًا حول فعالية المصالحة كأداة لتحقيق العدالة، خاصة مع تزايد مطالب الضحايا بالحقيقة والإنصاف، ومن جهة أخرى، فإن تصاعد الاهتمام الدولي بمسارات العدالة الانتقالية في مناطق مختلفة من العالم يجعل من الضروري دراسة هذه النماذج في ضوء المعايير القانونية المقارنة. كما أن التحولات السياسية التي تعرفها بعض الدول العربية تُعيد إلى الواجهة الأسئلة نفسها حول كيفية إدارة الماضي وبناء مستقبل مؤسساتي قائم على احترام الحقوق.


وانطلاقًا من ذلك، تطرح هذه الدراسة الإشكالية التالية: إلى أي مدى استطاعت آليات العدالة الانتقالية في الجزائر أن تحقق توازنًا بين مطلب المصالحة الوطنية وضمان حقوق الإنسان وفقًا للمعايير الدولية؟
وللإجابة عن هذا السؤال، اعتمدت الدراسة منهجًا تحليليًا قانونيًا، يقوم على تحليل النصوص الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، ودراسة التشريعات الوطنية المقارنة، مع التركيز على التجربة الجزائرية كنموذج تطبيقي، وذلك بهدف فهم حدود التلاقي أو التناقض بين القانون الوطني والالتزامات الدولية في سياق العدالة الانتقالية.


خطة الدراسة:
مقدمة
المبحث الأول: المظالم والحقوق في إطار العدالة الانتقالية
المطلب الأول: المظالم والانتهاكات في مراحل التحول
الفرع الأول: أنواع الانتهاكات المرتبطة بالعدالة الانتقالية
الفرع الثاني: حقوق الضحايا في العدالة الانتقالية
المطلب الثاني: المعايير الدولية لحماية حقوق الانسان أثناء فترات العدالة الانتقالية
الفرع الأول: الاطار القانوني الدولي لحقوق الانسان.
الفرع الثاني: دور المنظمات الدولية في ضمان العدالة الانتقالية
المبحث الثاني: المصالحة والمسؤولية القانونية -بين العدالة والإنصاف-
المطلب الأول: المصالحة الوطنية بين الضرورة والتحديات
الفرع الأول: مفهوم المصالحة الوطنية وأهدافها
الفرع الثاني: تحديات المصالحة الوطنية في ظل حقوق الانسان
المطلب الثاني: المسؤولية القانونية في سياق المصالحة- بين الإفلات من العقاب وحق الضحايا-
الفرع الأول: إشكالية الإفلات من العقاب في قوانين المصالحة
الفرع الثاني: الحق في الحقيقة وجبر الضرر – مسؤولية قانونية وأخلاقية-
خاتمة
المبحث الأول: المظالم والحقوق في إطار العدالة الانتقالية:
تُشكِّل العدالة الانتقالية منظومةً من الآليات القضائية وغير القضائية التي تُطبَّق في المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة أو الأنظمة الاستبدادية، بهدف معالجة إرث انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة. تهدف هذه المنظومة إلى تحقيق التوازن بين الإنصاف والمصالحة، وتعزيز سيادة القانون، من خلال المحاكمات الجنائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر، والإصلاحات المؤسسية.
في هذا الإطار، يُعتبر تحليل طبيعة الانتهاكات التي شهدتها فترات التحولات السياسية والاجتماعية أمرًا جوهريًا لفهم متطلبات تحقيق العدالة والإنصاف. لذا، سيتناول هذا المبحث دراسة مختلف المظالم التي ارتُكبت، وحقوق الضحايا ضمن مسارات العدالة الانتقالية، مع تسليط الضوء على التجربة الجزائرية كنموذج تطبيقي لهذه القضايا.
المطلب الأول: المظالم والانتهاكات في مراحل التحول:
غالبًا ما تترافق المراحل الانتقالية في الدول التي تمر بتحولات سياسية واجتماعية مع انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، تشمل الاختفاء القسري، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والإعدام خارج نطاق القضاء. تؤثر هذه الممارسات بشكلٍ عميق على الأفراد والمجتمعات، وتُعرقل جهود المصالحة وإعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة.
الفرع الاول: انواع الانتهاكات المرتبطة بالعدالة الانتقالية:
اولا: الاختفاء القسري:
تُعرِّف المادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (2006) هذا الفعل بأنه "القبض على شخص أو احتجازه أو اختطافه من قِبل الدولة أو جهات تعمل بموافقتها، مع رفض الاعتراف بذلك أو إخفاء مصيره، مما يجعله خارج نطاق الحماية القانونية".
يُعدّ الاختفاء القسري من أشد الانتهاكات خطورة، إذ لا يمس فقط الضحايا أنفسهم، بل يخلّف أثراً نفسياً واجتماعياً عميقاً على عائلاتهم التي تعيش في حالة دائمة من القلق والحرمان من معرفة مصير أحبائهم.
كما يُصنَّف هذا الانتهاك ضمن الجرائم ضد الإنسانية وفقًا للمادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مما يستوجب عدم تقادم هذه الجرائم وخضوع مرتكبيها للمحاسبة الدولية.
وعلى سبيل المثال من خلال العشرية السوداء (1991-2002)، وثّقت منظمات حقوقية وطنية ودولية أكثر من 18,000 حالة اختفاء قسري، حيث تم احتجاز آلاف الأشخاص من قِبل قوات الأمن دون تقديم أي معلومات عن أماكن احتجازهم أو مصيرهم. ورغم إنشاء لجنة المصالحة الوطنية كإطار لحل هذا الملف، إلا أن غياب تحقيقات شفافة وآليات قانونية فعالة حال دون الوصول إلى الحقيقة والعدالة. جمعية عائلات المفقودين في الجزائر لا تزال تطالب بالكشف عن مصير المختفين، مع انتقادات متزايدة بشأن سياسة الإفلات من العقاب التي اعتمدتها السلطات.
ثانيا: الاعتقالات التعسفية والتعذيب:
الاعتقال التعسفي هو احتجاز الأفراد دون إجراءات قانونية سليمة أو محاكمة عادلة، وهو ما يتعارض مع المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تضمن الحق في الحرية الشخصية وعدم التوقيف التعسفي.
أما التعذيب، فيُعرّف وفق المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب (1984) بأنه "أي فعل يُلحِق ألمًا أو معاناةً شديدة، جسدية أو نفسية، يُمارس عمدًا على شخص للحصول على معلومات أو معاقبته أو إرهابه".
وكمثال حول هذه الاعتقالات وغيرها نجد من خلال النزاع المسلح في الجزائر، أنه قد سُجِّلت آلاف حالات الاعتقال التعسفي، حيث تم احتجاز الأفراد في مراكز سرية دون محاكمة، وتعرّض كثيرون للتعذيب لانتزاع اعترافات تحت الإكراه. شملت الأساليب المستخدمة الصعق الكهربائي، العزل الانفرادي لفترات طويلة، والانتهاكات الجسدية والنفسية.
ورغم أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية (2006) منح عفوًا عامًا عن كثير من هذه الجرائم، إلا أن منظمات حقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، انتقدت هذا القانون باعتباره تكريسًا لثقافة الإفلات من العقاب، إذ منع الضحايا من تقديم شكاوى قانونية ضد مرتكبي هذه الانتهاكات.
ثالثا: القتل خارج نطاق القانون:
يُعرَّف القتل خارج نطاق القضاء بأنه إعدام الأفراد دون محاكمة عادلة من قِبل قوات الأمن أو المجموعات المسلحة، سواء كان ذلك في عمليات انتقامية أو كوسيلة لإخماد المعارضة. يُعتبر هذا الانتهاك اعتداءً مباشراً على الحق في الحياة المنصوص عليه في المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
في أوج العشرية السوداء، كانت الجزائر مسرحًا لعمليات قتل خارج نطاق القانون، حيث تم تنفيذ عمليات إعدام ميداني بحق الآلاف من المدنيين، سواءً على يد الجماعات المسلحة أو عبر تدخلات الأجهزة الأمنية، دون أي محاكمات أو تحقيقات. العديد من الضحايا دُفنوا في مقابر جماعية دون تحديد هوياتهم، مما جعل من المستحيل على عائلاتهم المطالبة بحقوقهم.
ورغم محاولات الدولة إغلاق هذا الملف من خلال قانون المصالحة، إلا أن غياب المحاكمات الفعلية واستمرار سرية المعلومات حول مصير كثير من الضحايا يُعدُّ انتهاكًا مستمرًا لحقهم في العدالة.
تُشكِّل هذه الانتهاكات الثلاثة تحديًا أساسيًا للعدالة الانتقالية، حيث أن تحقيق المصالحة دون معالجة هذه الجرائم بشكل عادل ومنصف يُهدد بترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب. إن التجربة الجزائرية، رغم الجهود المبذولة، لا تزال نموذجًا يُبرز إشكالية التوفيق بين الاستقرار السياسي وإنصاف الضحايا، ما يُوجب تبني إصلاحات قانونية حقيقية لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل.
الفرع الثاني: حقوق الضحايا في العدالة الانتقالية:
تعد العدالة الانتقالية إطارًا يهدف إلى تحقيق الإنصاف للضحايا وتعزيز المصالحة الوطنية بعد فترات النزاعات أو الأنظمة القمعية، إذ تسعى إلى معالجة إرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ومن بين الأهداف الأساسية لهذا النموذج تحقيق الاعتراف بالجرائم المرتكبة، وتقديم التعويض المناسب للضحايا، ومحاسبة المسؤولين لمنع تكرار هذه الانتهاكات.
وتتجسد حقوق الضحايا في العدالة الانتقالية من خلال ثلاثة محاور رئيسية: الحق في معرفة الحقيقة، الحق في جبر الضرر، والحق في العدالة وعدم الإفلات من العقاب. كل هذه الحقوق مترابطة ومكفولة بموجب الاتفاقيات الدولية التي تُلزم الدول باتخاذ إجراءات لضمان عدم تعرض الضحايا للإقصاء أو التهميش في مسارات العدالة الانتقالية.


أولا: الحق في معرفة الحقيقة:
يُعد الحق في معرفة الحقيقة من الحقوق الجوهرية التي تُعزز الإنصاف والمصالحة، إذ يُمكِّن الضحايا وعائلاتهم من فهم ما جرى، ويُساهم في استعادة الثقة بين المجتمع والدولة. وقد أكدت المادة 24 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (2006) على أن "لكل ضحية وأفراد أسرته الحق في معرفة الحقيقة بشأن ملابسات الاختفاء القسري وتطورات التحقيق في القضية".
وعليه فلجان الحقيقة والمصالحة تُعد من أبرز الآليات المعتمدة دوليًا لتحقيق هذا الحق، حيث تقوم بجمع الأدلة، والاستماع إلى شهادات الضحايا، وتقديم تقارير توثق الانتهاكات. مثال ذلك لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا التي لعبت دورًا محوريًا في توثيق انتهاكات نظام الفصل العنصري وتقديم توصيات لتعويض الضحايا ومحاسبة المسؤولين.
في الجزائر، لا تزال قضية المختفين قسريًا خلال العشرية السوداء قضية عالقة، حيث لم تُنشئ الدولة لجنة مستقلة للحقيقة على غرار تجارب دول أخرى. ورغم تشكيل اللجنة الوطنية للمفقودين، إلا أن تقاريرها ظلت غير شفافة، ولم تُقدَّم معلومات واضحة للعائلات التي تطالب منذ عقود بالكشف عن مصير ذويها. ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإن غياب الشفافية حول هذه القضية يشكل انتهاكًا صارخًا لحق الضحايا في معرفة الحقيقة.


ثانيا: الحق في جبر الضرر:
يُشير جبر الضرر إلى تعويض الضحايا عما لحق بهم من أضرار مادية أو نفسية نتيجة الانتهاكات التي تعرضوا لها. وينقسم هذا الحق إلى تعويضات مالية، وتأهيل صحي ونفسي، وضمانات بعدم التكرار.
أكدت المادة 14 من اتفاقية مناهضة التعذيب (1984) أن "لكل ضحية تعرضت للتعذيب الحق في الحصول على تعويض منصف وكافٍ، يشمل إعادة التأهيل بأفضل صورة ممكنة".
جبر الضرر لا يقتصر فقط على التعويضات المالية، بل يشمل أيضًا الاعتراف الرسمي بمعاناة الضحايا، وإجراءات إعادة التأهيل الصحي والنفسي، إضافة إلى تدابير تضمن عدم تكرار هذه الانتهاكات، مثل إصلاح المؤسسات الأمنية وإدراج دروس عن انتهاكات الماضي في المناهج التعليمية.
في الجزائر، تم إدراج بعض تدابير جبر الضرر ضمن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية (2006)، حيث تم تقديم تعويضات مالية لعائلات المختفين، ومساعدات اجتماعية للناجين من الاعتقال والتعذيب. غير أن هذا الإجراء لم يكن كافيًا، إذ انتقدته المنظمات الحقوقية بسبب غياب آليات مستقلة وشفافة لتحديد التعويضات، وعدم توفير برامج فعالة لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للضحايا.


ثالثا: الحق في العدالة وعدم الإفلات من العقاب:
يُعتبر عدم الإفلات من العقاب من المبادئ الأساسية لضمان العدالة الانتقالية، حيث يتطلب محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وعدم تقديم العفو عن الجرائم التي تصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية.
المادة 24 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري أكدت على أن "الدول الأطراف ملزمة بضمان محاسبة المسؤولين عن جرائم الاختفاء القسري وعدم منحهم أي شكل من أشكال الحصانة القانونية التي تعيق تحقيق العدالة".
في العديد من الدول، مثل تشيلي والأرجنتين، كانت قوانين العفو بمثابة عقبة أمام تحقيق العدالة، حيث أدت إلى تقييد محاكمات المسؤولين عن الجرائم الجسيمة. غير أن الضغوط الدولية والمحلية أدت لاحقًا إلى إلغاء هذه القوانين وإعادة فتح قضايا انتهاكات حقوق الإنسان.
في الجزائر، أدى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية إلى منح عفو عام للعديد من مرتكبي الجرائم خلال العشرية السوداء، بما في ذلك عناصر في الأجهزة الأمنية وجماعات مسلحة متورطة في انتهاكات جسيمة. ورغم أن الهدف المعلن كان تحقيق الاستقرار الوطني، إلا أن هذا الإجراء أثار جدلًا واسعًا، حيث رأى الحقوقيون أنه كَرَّسَ ثقافة الإفلات من العقاب ورفض الاعتراف بحق الضحايا في العدالة.
إن حقوق الضحايا في العدالة الانتقالية تُعد حجر الأساس في أي عملية مصالحة وطنية حقيقية، حيث لا يمكن تحقيق استقرار دائم دون ضمان معرفة الحقيقة، وجبر الضرر، وإنهاء الإفلات من العقاب. في الحالة الجزائرية، لا تزال هذه الحقوق موضع جدل، حيث تواجه الدولة تحديًا كبيرًا في تحقيق التوازن بين المصالحة الوطنية والاعتراف بمعاناة الضحايا وضمان المساءلة الفعالة للمسؤولين عن الانتهاكات.
المطلب الثاني: المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان أثناء فترات العدالة الانتقالية:
تُعدّ فترات العدالة الانتقالية من أكثر المراحل حساسية في حياة الدول الخارجة من نزاعات مسلّحة أو أنظمة قمعية. وخلال هذه المراحل، تزداد حاجة الدول إلى إطار قانوني دولي يُنظّم عملية التحوّل الديمقراطي، ويضمن ألا تتم المصالحة على حساب الحقيقة أو المحاسبة. وتُشكّل المعايير الدولية لحقوق الإنسان مرجعية حيوية في هذا الإطار، لأنها توفّر آليات متفق عليها دوليًا لحماية حقوق الضحايا وضمان عدم الإفلات من العقاب
ويمكن تقسيم هذه المعايير إلى شقّين متكاملين: الأول قانوني، يتعلّق بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تفرض التزامات مباشرة على الدول؛ والثاني مؤسسي، يتمثل في الدور الذي تلعبه المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في مراقبة وتنفيذ هذه المعايير
الفرع الأول: الإطار القانوني الدولي لحقوق الإنسان:
يُعتبر القانون الدولي لحقوق الإنسان المرجع الأهم للدول في مراحل العدالة الانتقالية. فقد تم تطوير هذا القانون استنادًا إلى تجارب إنسانية مؤلمة، أبرزها الحروب العالمية، والأنظمة التسلطية، والمذابح الجماعية، ليصبح مجموعة من الالتزامات التي تتجاوز إرادة الدولة الداخلية وتُلزمها بمراعاة الكرامة الإنسانية حتى في أحلك الظروف.


أولا: العهدان الدوليان لحقوق الإنسان (1966):
يُشكّل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR) الإطار الأوسع لحماية الحقوق الأساسية. فالعهد الأول يُقرّ بحق الحياة، وحظر التعذيب، وعدم الاعتقال التعسفي، وحرية التعبير، والحق في محاكمة عادلة، وهي كلها حقوق تُنتهك عادةً خلال النزاعات أو في ظل الأنظمة الاستبدادية. وتُلزم هذه المعاهدات الدول، حتى خلال الطوارئ، بعدم المساس بالحقوق غير القابلة للتقييد.
في سياق العدالة الانتقالية، تُمثّل هذه المبادئ الأساس القانوني للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وللدفع نحو مراجعة القوانين الوطنية التي تعرقل الوصول إلى الحقيقة أو تحصّن مرتكبي الجرائم.
ثانيا: اتفاقية مناهضة التعذيب (1984):
تضع هذه الاتفاقية التزامات صريحة على الدول لتجريم التعذيب، والتحقيق في كل الحالات المبلّغ عنها، ومقاضاة الجناة أو تسليمهم. وتُعتبر أداة حاسمة في مجال العدالة الانتقالية، لأنها لا تعترف بأي ظرف استثنائي يبرّر التعذيب، ما يعني أن الحصانات السياسية أو القوانين الوطنية التي تعفي المرتكبين تُعدّ باطلة من منظور القانون الدولي.
وفي الدول التي اعتمدت قوانين العفو الشامل – كما هو الحال في الجزائر – تُطرح إشكالية مدى مطابقة هذه القوانين لالتزامات الدولة الدولية، خصوصًا إذا كانت تمنع الملاحقات في قضايا تعذيب مثبتة.
ثالثا: الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (2006)
هذه الاتفاقية من أحدث النصوص التي تُنظّم مسألة أساسية في العدالة الانتقالية: الحق في معرفة الحقيقة. فهي لا تقتصر فقط على حظر الإخفاء القسري، بل تُقر بحق أقارب الضحايا في معرفة مصير أحبّائهم، وتُلزم الدول بفتح تحقيقات جادة ومستقلة. كما تنص على عدم اعتبار أوضاع الطوارئ ذريعة لعدم تنفيذ الالتزامات.
انطلاقًا من هذه المرجعية، يُصبح تجاهل مطالب الكشف عن المختفين جريمة مستمرة لا تسقط بالتقادم، وهو ما ينطبق على حالة آلاف المختفين في الجزائر خلال العشرية السوداء.
رابعا: المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والتعويض (2005):
أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لتُحدّد واجبات الدولة في توفير سُبل الانتصاف للضحايا، بما يشمل التعويض المادي، التأهيل، الترضية، وضمانات عدم التكرار. وهذه المبادئ تُعدّ مرجعًا عمليًا للدول لتصميم سياساتها الانتقالية بما يراعي حقوق الضحايا.


الفرع الثاني: دور المنظمات الدولية في ضمان العدالة الانتقالية:
لا تقتصر حماية حقوق الإنسان في فترات التحول السياسي على الالتزامات القانونية، بل تحتاج إلى مؤسسات دولية تُراقب وتُفعّل هذه الالتزامات، خاصة في الدول التي تعاني من هشاشة مؤسساتية أو انغلاق سياسي.
أولا: مجلس حقوق الإنسان وهيئات الأمم المتحدة:
يُؤدي مجلس حقوق الإنسان دورًا محوريًا من خلال تقارير المقررين الخاصين، وآلية الاستعراض الدوري الشامل، ولجانه الخاصة بالاختفاء القسري والتعذيب وحقوق الإنسان. وقد أصدر المجلس عدة قرارات تُشجّع الدول الخارجة من النزاع على اعتماد آليات شاملة للعدالة الانتقالية، تراعي مبدأ عدم التمييز بين الضحايا، وتحترم المعايير الدولية.
من جهة أخرى، تعمل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان على تقديم الدعم الفني للدول، من خلال مساعدتها في إنشاء لجان الحقيقة، وتدريب القضاة، ومراجعة التشريعات الوطنية بما يتوافق مع المعايير الدولية.
ثانيا: دور المنظمات غير الحكومية:
أثبتت المنظمات غير الحكومية، مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، فاعليتها الكبيرة في توثيق الانتهاكات، وضمان أن تبقى في دائرة الضوء الدولي. وتُعد تقارير هذه المنظمات مرجعًا للباحثين والضحايا وصنّاع القرار، خصوصًا عندما تكون الحكومات غير متعاونة.
كما أن هذه المنظمات غالبًا ما تُمثّل صوت الضحايا في المحافل الدولية، وتُساعد في رفع الشكاوى أمام هيئات الأمم المتحدة، وفي تقديم الأدلة إلى المحاكم الجنائية الدولية.
لكن في حالات مثل الجزائر، يُواجه عمل هذه المنظمات تحديات كبيرة بفعل القيود القانونية، ورفض فتح ملفات الماضي، وهو ما يحول دون بناء عدالة انتقالية حقيقية.


المبحث الثاني: المصالحة والمسؤولية القانونية – بين العدالة والإنصاف:
لقد مثّلت المصالحة الوطنية أحد المداخل الأساسية التي اعتمدت عليها الدول الخارجة من أزمات سياسية أو نزاعات مسلحة لاستعادة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وتحقيق شكل من أشكال التهدئة السياسية، دون الانجرار إلى موجات انتقام أو فوضى قانونية. غير أن المصالحة، بوصفها أداةً لتحقيق التعايش السلمي، كثيرًا ما تصطدم بإكراهات العدالة، وتُثير تساؤلات حول مدى احترامها لحقوق الضحايا، وقدرتها على إرساء دولة القانون.
وفي السياق الجزائري، تُعد تجربة "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" محطة محورية في معالجة تركة العشرية السوداء، إذ تم تبنيه كآلية لتجاوز ماضي العنف الدموي، دون المرور بمحاسبة قضائية للمتورطين. هذا التوجه أفرز مفارقات قانونية وأخلاقية، خصوصًا فيما يتعلق بمسألة الإفلات من العقاب، وحقوق الضحايا، والحق في الحقيقة، مما جعل التجربة الجزائرية موضوعًا لانتقادات حقوقية متعددة.
ومن هذا المنطلق، يتناول هذا المبحث أبعاد المصالحة الوطنية بين مقتضيات العدالة ومتطلبات الإنصاف، من خلال تحليل الإطار المفاهيمي للمصالحة، وتحديات تطبيقها في ضوء حقوق الإنسان، ثم دراسة المسؤولية القانونية الناجمة عن إقرار العفو دون محاسبة.
المطلب الأول: المصالحة الوطنية بين الضرورة والتحديات
تُطرح المصالحة الوطنية في السياق الانتقالي باعتبارها خيارًا سياسيًا وقانونيًا يهدف إلى تجاوز مرحلة الصراع، وتحقيق السلام الداخلي، وإعادة بناء الثقة بين مؤسسات الدولة والمجتمع. غير أن نجاح هذا الخيار يتوقف على مدى توافقه مع معايير العدالة والإنصاف، وضماناته القانونية لحماية حقوق الضحايا وعدم تكرار الانتهاكات.


الفرع الأول: مفهوم المصالحة الوطنية وأهدافها:
تُعرّف المصالحة الوطنية قانونًا بأنها "مسار شامل يتضمن الاعتراف بالانتهاكات، وتحقيق العدالة، وجبر الضرر، بهدف ترميم العلاقات بين الدولة والمواطنين، وضمان عدم تكرار العنف." وقد أكدت وثائق دولية عديدة هذا المفهوم، لا سيما "مبادئ الأمم المتحدة بشأن المصالحة والعدالة الانتقالية"، التي شددت على ضرورة إشراك الضحايا واحترام حقوق الإنسان كأساس لأي مشروع مصالحة.
وتتمثل أهداف المصالحة الوطنية في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتجاوز ماضي الانقسامات والنزاعات، وبناء دولة قائمة على الثقة المتبادلة. أما في النموذج الجزائري، فقد جاءت المصالحة كخيار استراتيجي بعد عقد من العنف المسلح، وارتكزت على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي أقره الاستفتاء الشعبي سنة 2005، وتضمن إجراءات للعفو عن المسلحين الذين سلّموا أنفسهم، وتعويضات للضحايا.
غير أن غياب المساءلة، وتقييد النقاش العام حول تلك الفترة، أثار جدلاً حول ما إذا كانت المصالحة قد تحققت فعلاً وفق مبادئ العدالة الانتقالية، أم أنها كانت مجرد تسوية سياسية لتثبيت الاستقرار دون معالجة حقيقية لجذور الأزمة.
الفرع الثاني: تحديات المصالحة الوطنية في ظل حقوق الإنسان:
من أبرز التحديات التي تواجه المصالحة الوطنية هي تحقيق التوازن بين متطلبات العدالة واستحقاقات السلام، إذ أن منح العفو العام – وإن كان يهدف إلى طي صفحة الماضي – قد يُفضي إلى تجاهل حقوق الضحايا، ويُكرّس مبدأ الإفلات من العقاب.
في الحالة الجزائرية، تبرز هذه الإشكالية بوضوح، حيث نص ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على عدم ملاحقة من لم يرتكبوا جرائم قتل أو اغتصاب، إلا أن التطبيق العملي للميثاق لم يخلُ من ثغرات، تمثلت في غياب التحقيقات، وعدم الكشف عن الحقيقة، الأمر الذي دفع بالعديد من منظمات حقوق الإنسان إلى انتقاد القانون، واعتباره يتعارض مع المبادئ الدولية للعدالة.
وقد أورد تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان للأمم المتحدة ملاحظات صريحة بشأن التجربة الجزائرية، مؤكدًا أن "منع التحقيق في الجرائم، ورفض الاعتراف بحق الضحايا في معرفة الحقيقة، يشكلان انتهاكًا صريحًا للالتزامات الدولية." كما أشار التقرير إلى أن "تجريم النقاش حول مرحلة العشرية السوداء يُعتبر قيدًا على حرية التعبير، ويمنع النقاش المجتمعي الضروري لبناء مصالحة حقيقية."
كل هذه التحديات تُبرز أن المصالحة، لكي تكون ذات معنى قانوني وإنساني، لا يمكن أن تتم على حساب حقوق الضحايا، بل يجب أن تقوم على أسس الشفافية، والمساءلة، والإصلاح المؤسسي.
المطلب الثاني: المسؤولية القانونية في سياق المصالحة – بين الإفلات من العقاب وحق الضحايا:
تشكل المسؤولية القانونية في فترات ما بعد النزاع أحد أعقد الإشكاليات التي تواجه الدول التي تعتمد على مسار المصالحة كوسيلة لتحقيق الاستقرار. فبينما تسعى الحكومات إلى طي صفحة الماضي، وتمكين المجتمع من تجاوز الانقسامات، فإنها كثيرًا ما تجد نفسها أمام مطالب متزايدة من الضحايا والفاعلين الحقوقيين بضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة.
الفرع الأول: إشكالية الإفلات من العقاب في قوانين المصالحة:
من أبرز مظاهر الجدل القانوني في مسار المصالحة الجزائرية ما يتعلق بالإفلات من العقاب. فقد نص ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على عدم متابعة الأشخاص الذين لم يتورطوا في الجرائم الخطيرة، وهو ما خلق هامشًا واسعًا من الغموض القانوني، أدى إلى تبرئة العديد من المتورطين في انتهاكات جسيمة دون محاكمة عادلة.
ويُعدّ هذا الإفلات من العقاب مساسًا بمبدأ أساسي في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو مبدأ "عدم السقوط بالتقادم" للجرائم ضد الإنسانية، كما ورد في اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. إذ تؤكد هذه المرجعيات الدولية أن تحقيق السلام لا ينبغي أن يتم على حساب العدالة، وأن العفو الشامل لا يُمكن أن يُطبّق على مرتكبي الجرائم الخطيرة مثل القتل خارج القانون، أو الإخفاء القسري، أو التعذيب.
وفي السياق الجزائري، لم تقتصر الانتقادات على الهيئات الحقوقية الدولية فقط، بل امتدت لتشمل مواقف لضحايا مباشرون رفضوا تسوية الملفات دون الكشف عن الحقيقة أو تحديد المسؤوليات، معتبرين أن غياب المحاسبة يُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب، ويُضعف ثقة المواطنين في منظومة العدالة.


الفرع الثاني: الحق في الحقيقة وجبر الضرر – مسؤولية قانونية وأخلاقية:
في مقابل مسألة الإفلات من العقاب، يبرز الحق في الحقيقة كأحد المطالب الأساسية للضحايا والمنظمات الحقوقية. فالاعتراف الرسمي بالانتهاكات، وتوثيق ما حدث، يُمثلان جزءًا لا يتجزأ من العدالة الانتقالية، ويسهمان في رد الاعتبار للضحايا، وضمان عدم تكرار ما جرى.
وقد أكدت العديد من الوثائق الدولية، لاسيما "مبادئ الأمم المتحدة بشأن حماية حقوق الإنسان في مواجهة الإفلات من العقاب"، أن الدول ملزمة قانونًا وأخلاقيًا بكشف الحقيقة وتوفير وسائل جبر الضرر للضحايا.
وفي هذا الإطار، يبرز جانب آخر من المسؤولية القانونية، يتعلق بجبر الضرر، والذي لا ينبغي أن يقتصر على التعويضات المالية فحسب، بل يجب أن يشمل ضمانات عدم التكرار، وإصلاح المؤسسات المتورطة في الانتهاكات، وبناء ذاكرة جماعية تحصّن المجتمع من الانزلاق مجددًا نحو العنف.
كل ما سبق يُظهر أن المصالحة، كي تكون حقيقية ومستدامة، لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال احترام قواعد العدالة الانتقالية، وموازنة دقيقة بين مقتضيات الاستقرار ومتطلبات المحاسبة، بما يضمن إنصاف الضحايا، وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان.


خاتمة:
تُعدّ العدالة الانتقالية مسارًا قانونيًا وسياسيًا بالغ الأهمية لتحقيق الإنصاف والمصالحة بعد فترات الانتهاكات الجسيمة، غير أن نجاحها يظل مرهونًا بمدى التزام الدول بمبادئ حقوق الإنسان وآليات المساءلة الفعالة.
ومن النتائج التي توصلنا اليها من خلال دراستنا:
العدالة الانتقالية تمثل وسيلة لتحقيق التوازن بين كشف الحقيقة وبناء السلم المجتمعي.
غياب المساءلة يفرغ مفهوم العدالة الانتقالية من مضمونه ويكرّس الإفلات من العقاب.
احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان شرط أساسي لشرعية أي عملية مصالحة.
الاقتصار على العفو دون كشف الحقيقة أو جبر الضرر يُنتج مصالحة شكلية لا مستدامة.
آليات العدالة الانتقالية تتطلب دعمًا مؤسساتيًا وقانونيًا لتحقيق أهدافها كاملة.
وعليه نرى تقديم المقترحات الاتية:
اعتماد مقاربة شاملة تتضمن المساءلة، جبر الضرر، وكشف الحقيقة.
تعزيز استقلالية المؤسسات المعنية بالعدالة الانتقالية لضمان نزاهة عملها.
ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات والمعايير الدولية ذات الصلة.
إشراك الضحايا في كل مراحل العملية الانتقالية بوصفهم فاعلين أساسيين.
الاستثمار في برامج التثقيف الحقوقي لضمان عدم تكرار الانتهاكات مستقبلاً.


قائمة المصادر والمراجع:
أولاً: القوانين والاتفاقيات الدولية



  1. المادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، المعتمدة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/177 بتاريخ 20 ديسمبر 2006، ودخلت حيز النفاذ في 23 ديسمبر 2010.

  2. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، اعتمد في 17 يوليو 1998، ودخل حيز التنفيذ في 1 يوليو 2002، منشور في: الأمم المتحدة، الوثيقة A/CONF.183/9.

  3. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2200A (د-21) المؤرخ في 16 ديسمبر 1966، ودخل حيز التنفيذ في 23 مارس 1976، منشور في: الأمم المتحدة، معاهدات حقوق الإنسان.

  4. اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، اعتمدت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 39/46 بتاريخ 10 ديسمبر 1984، ودخلت حيز التنفيذ في 26 يونيو 1987، منشورة في: الأمم المتحدة، معاهدات حقوق الإنسان.

  5. الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، المعتمدة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/177 بتاريخ 20 ديسمبر 2006، ودخلت حيز التنفيذ في 23 ديسمبر 2010.

  6. الأمر رقم 06-01 المؤرخ 27 فبراير سنة 2006، والمتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، عدد 11، الصادر بتاريخ 28 فبراير 2006.
    ثانياً: التقارير الدولية:
    تقرير هيومن رايتس ووتش: "الجزائر: بعد 10 سنوات... لا عدالة للمختفين"، منشور بتاريخ 27 فبراير 2015، متاح على: https://www.hrw.org/ar، تم الاطلاع عليه بتاريخ 25/03/2025، الساعة 1:45.
    رسالة منظمة مراقبة حقوق الإنسان لرئيس الجمهورية الجزائرية، منشورة على الموقع: www.mae.dz.
    المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ملاحظات بشأن سياسة المصالحة الوطنية في الجزائر، الأمم المتحدة، جنيف، 2008.
    ثالثاً: الكتب:
    عز الدين أحمد جلال، الإرهاب والعنف السياسي، دار الحرية، 1986.
    رابعاً: المقالات العلمية:
    نصر الدين بوسماحة، "الممارسة الوطنية للعدالة الانتقالية"، مجلة القانون السلطة والمجتمع، جامعة وهران، العدد 2، 2013.
    بن عطاء الله بن علية، "تدابير العفو كآلية للعدالة الانتقالية"، المجلة الجزائرية للحقوق والعلوم السياسية، المجلد 5، العدد 1، 2020.
    بن عطا الله بن علية، فيصل انسيغة، "حق الضحايا في التعويض في سياق العدالة الانتقالية"، مجلة العلوم القانونية والسياسية، المجلد 11، العدد 1، 2020.
    الطاهر سعود، "المصالحة الوطنية في الجزائر: التجربة والمكاسب"، مجلة سياسات عربية، العدد 34، 2018.
    عبد الرحمان خلفي، "مدى مسؤولية الدولة عن تعويض ضحايا الجريمة (الأساس والنطاق)، دراسة في فقه التشريع المقارن"، مجلة الشريعة والقانون، كلية الحقوق، جامعة عبد الرحمان ميرة، بجاية، الجزائر، العدد 211.
    محمد عبابسة، "ظاهرة الإفلات من العقاب في مسارات العدالة الانتقالية"، مجلة الحقوق والعلوم السياسية، جامعة عباس لغرور، خنشلة، الجزائر، المجلد 11، العدد 2، 2024.
    إيريك سوتاش، "العدالة الانتقالية والعقوبات"، المجلة الدولية للصليب الأحمر، المجلد 90، العدد 780، 2008.
    فيوليت داغر، "حقوق الإنسان والمصالحة الوطنية"، المجلة السودانية لثقافة حقوق الإنسان وقضايا التعدد الثقافي، العدد 6، 2007.
    خامساً: المواقع الإلكترونية:
    https://www.ohchr.org/ar/special-procedures/wg-disappearances/about-enforced-disappearance، تم الاطلاع عليه بتاريخ 23/03/2025، الساعة 3:41.
    https://ar.m.wikipedia.org/wiki/العشرية_السوداء_في_الجزائر، تم الاطلاع عليه بتاريخ 27/03/2025، الساعة 16:39.
    https://www.ohchr.org/ar/treaty-bodies/ced/background-international-convention-protection-all-persons-enforced-disappearance، تم الاطلاع عليه بتاريخ 30/03/2025، الساعة 14:05.
    https://www.un.org/ar/، تم الاطلاع عليه بتاريخ 30/03/2025.


سادساً: المذكرات والأطروحات:
عبد النور منصوري، المصالحة الوطنية في الجزائر من منظور الأمن الإنساني، مذكرة ماجستير، جامعة الحاج لخضر، باتنة.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

محمد علي سياسيه...

محمد علي سياسيه توسيع حدود مصر وتكوين امبراطوريه عظيمه القضاء علي المماليك الذين فروا من مصر الي الس...

أولا - التصنيف ...

أولا - التصنيف المعجمي. ثانيا - الوظائف المعجمية. (۱/۲) أثر المجاز والأدب في تطوير التصنيف المعجمي...

تاريخ الطباعة ا...

تاريخ الطباعة الغائرة Intaglio الطباعة الغائرة ظهرت في القرن الخامس عشر في أوروبا علي يد الحرفيين ال...

مرحلة التقييم: ...

مرحلة التقييم: يقصد بعمليةالتقييم مقارنةالبدائل املحددةفياملرحلة السابقة باألهداف املسطرة واملخطط ل...

يتيح انتشار الت...

يتيح انتشار التجارة الإلكترونية على المستوى القومي خلق بيئة ومناخ ملائم لظهور قطاعات متخصصة في تقنية...

مقدمة عمدت الدو...

مقدمة عمدت الدول، باختالف نظمها السياسية واإلقتصادية، بعد النصف الثاني من القرن العشرين إلى إعالن عن...

تعد المؤسسات ال...

تعد المؤسسات الصحية حسب التشريع الذي ينظمها مؤسسات ذات طابع إداري تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلا...

تقديم إشكالي شه...

تقديم إشكالي شهد اقتصاد العالم الإسلامي في القرنين 15 و16م تطورات بفعل تحول الطرق التجارية إلى المحي...

تعتبر المدرسة ا...

تعتبر المدرسة الوسيلة التي صنعها المجتمع من أجل مساعدة الطفل المتعلم في تنمية شخصيته و إندماجه في ال...

class 1 definit...

class 1 definition of RP Transcribed by TurboScribe.ai. Go Unlimited to remove this message. Bismi...

المقدمة في قلب...

المقدمة في قلب العدم، حيث يسبح الفكر البشري في بحر من الأسئلة اللامتناهية، يبدأ العقل رحلته المتواص...

السلام عليكم، م...

السلام عليكم، معكم الدكتورة ليلى الخياط من جامعة الكويت، اليوم راح نتكلم عن تأثير استخدام تكنولوجيا ...