Lakhasly

الفصل الرابع
قيمة الأمانة العلمية
بداية لا بد من التنويه إلى أن الحديث عن الأمانة في هذا الفصل سوف يتم عبر مستويين: أولهما، الأمانة كما عرض لها الفكر الإسلامي عمومًا. وثانيهما، الأمانة العلمية التي سيتم التركيز عليها باعتبارها قيمة جامعية مهمة يجب تجسيدها في فضاءات الجامعة عمومًا، وبخاصة في سلوك الطلاب والطالبات. ولأن هذا الكتاب يسير وفق منهجية محددة في مناقشته للقيم الجامعية من خلال مكونات القيمة، فإن قيمة الأمانة ستتم مناقشتها من خلال مكوناتها المعرفية والوجدانية والسلوكية، وفيما يأتي توضيح لذلك.
أولًا: المكون المعرفي لقيمة الأمانة:
يشمل هذا المكون المعارف والمعلومات النظرية التي تتصل بقيمة الأمانة بشكل عام والأمانة العلمية بشكل خاص، وعن طريق هذا المكون يمكن تعليم هذه القيمة من حيث أهميتها وفوائدها وما تدل عليه من معاني مختلفة ومتعددة، وكذلك من دلالات تربوية. ومن هنا يجب تعليم الطلبة مجموعة من المعارف عن قيمة الأمانة، وذلك على النحو الآتي:
1- الأمانة في الفكر الإسلامي:
تُعدّ الأمانة من أهمّ القيم الإسلامية التي تناولتها آيات كثير في القرآن الكريم، وأحاديث نبوية شريفة. وقد أولاها علماء الأخلاق أهميّة كبيرة على مستوى بناء الذات والشخصيّة. وعلى العكس من ذلك "الخيانة" التي تًعدّ من الرذائل الأخلاقيّة في واقع الإنسان وسلوكه الاجتماعي.
كما تُعدّ الأمانة رأسمال المجتمع الإنساني، والسبب في شدّ أواصر المجتمع وتقوية الروابط بين أفراده، في حين أنّ الخيانة تُمزق العلاقات الاجتماعية جميعها، وتؤدّي إلى الفوضى والانهيار، ومن ثَمَّ تخريب الأُطر الإنسانيّة والحضارية في المجتمعات البشرية. فضلًا عن أن الأمانة من الصفات التي تربط الإنسان مع الله تعالى من جهة، وتربطه مع غيره من أفراد البشر من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة ترسم علاقته مع نفسه أيضًا ومع الطبيعة والبيئة كذلك.
ومن الآيات التي تتحدّث عن أهميّة الأمانة، ولزوم رعايتها في سلوك الإنسان الفردي والاجتماعي، نذكر قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ. وقوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ. مع التأكيد أن هذه الآيات الكريمة ما هي إلا أمثلة مختارة من كتاب الله سبحانه وتعالى يتضح من خلالها أهمية الأمانة التي تُعدّ ركنًا أساسيًا من أركان تحقيق العدالة والأمن والاستقرار في المجتمع.
أمّا ما ورد من الأحاديث الشريفة عن النبيّ ﷺ فإنّه يوضح الأهميّة البالغة لهذه القيمة، إذ وردت الأمانة مرة بوصفها علامة للإيمان، ومرة بوصفها سبب نيل الرزق والثروة والثقة وسلامة الدين والدنيا والغنى وعدم الفقر وأمثال ذلك، وفيما يأتي نختار من هذه الروايات الشريفة ما يتضمّن هذه المعاني والمفاهيم العميقة:
في حديث عن النبيّ ﷺ أنّه قال: "لا إِيمـانَ لِمَنْ لا أَمـانَةَ لَهُ". (اخرجه أبو داود في سننه (3/250 برقم 1387)، والترمذي في جامعه (7/447 برقم 639)

وهكذا نجد من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة كيف اتخذت قيمة الأمانة درجة عالية من الأهمية من بين التعليمات الإسلاميّة، وكذلك الصفة التي تقع في مقابل الأمانة، أي الخيانة، ومدى إضرارها بدين الإنسان وشخصيّته من موقع تخريب الإيمان، وأنّها تورث الشقاء والبعد عن الله تعالى.
2- مجالات قيمة الأمانة:
تدخل قيمة الأمانة في ممارسات الإنسان جميعها دون استثناء، وقد أورد الكثير ممن تناولوا هذه القيمة بالدراسة والبحث مجالات الأمانة نذكر منها: الأمانة في الودائع، والأمانة في الأعراض، والأمانة في العشرة الزوجية، والأمانة في الأولاد، والأمانة في المعاملات، والأمانة الوظيفية، والأمانة في المجالس، والأمانة في القضاء، والأمانة في أداء العمل وحفظ الأسرار، والأمانة العلمية وغير ذلك من المجالات. (الخطيب والأحمدي، 2017، 62)
وبالتدقيق في المجالات المذكورة نجد أن الأمانة قاسم مشترك بين المجالات جميعها، مما يعني أن الإنسان لا يرتقي إلا بها، ولا يكون مواطنًا صالحًا إلا بتجسيدها في وجدانه وسلوكه.

3- الآثار الإيجابية لقيمة الأمانة:
لا شك أن لقيمة الأمانة أثر كبير في تقوية النسيج الاجتماعي، وتعزيز الوحدة الوطنية في المجتمع، لأنّه لولا وجود الأمانة فإنّ المجتمع سيتحوّل إلى مكان لا يطاق ولا يُحتمل العيش فيه، وسوف يسود قانون الغاب، وبدلًا من أن تتكاتف القوى والطاقات على مستوى بناء المجتمع والتصدّي لتحدّيات الظروف القاهرة، فإنّ هذه القوى سوف تتحرّك في الجهة المقابلة لتعميق الأنانيّة والانقسام في المجتمع. ويوضح الجدول الآتي بعض الآثار الإيجابية للأمانة: المحبة و الصدق والامانه (العوا، 1989، 62)
جدول رقم (9)

يوضح الآثار الإيجابية لقيمة الأمانة
المحبة الصدق الهدوء والسكينة
تُعدّ الأمانة من أسباب كسب المحبّة وتعميق أواصر الصداقة بين الأفراد، في حين إنّ الخيانة تُعدّ عاملاً للكثير من الجرائم والحوادث السلبيّة وأشكال الخلل الاجتماعي. وإذا طالعنا وثائق المحاكم والسجون لرأينا أنّ الكثير من هذه الجرائم مردّه إلى الخيانة. تدعو الأمانة الإنسان إلى صدق الحديث، كما أنّ صدق الحديث يدعو الإنسان إلى الأمانة، لأنّ صدق الحديث نوع من الأمانة في القول، والأمانة نوع من الصدق في العمل، وعلى هذا الأساس فإنّ هاتين الصفتين ترتبطان بجذر مشترك وتُعبّران عن وجهين لعملة واحدة. عندما تسود الأمانة في المجتمع وفي العائلة، فإنّها تكون سببًا لمزيد من الهدوء والسكينة الفكريّة والروحيّة، لأنّ مجرّد احتمال الخيانة سيكون مدعاة للقلق والخوف عند الناس، بحيث يعيشون حالة من الارتباك في علاقاتهم مع الآخرين.
5- أسباب تضييع الأمانة:
المستقرئ للواقع العربي عمومًا يجد أن هناك الكثير من سلوكيات الشباب تتنافى مع قيمة الأمانة، ويعود ذلك إلى مجموعة من الأسباب أهمها: (الخطيب والأحمدي، 2017، 54-55)
 الجهل بماهية الأمانة ومعالمها وحقوقها، لأن الأصل في الأمانة أن الإنسان يدركها بالفطرة، إذ لا يحق لأحد أن يأخذ حقًا ليس له، بل إن كل الناس ملزمون برد الحقوق إلى أصحابها كما هي وبالطرق الشرعية الصحيحة.
 الغرائز غير الموجهة، وغلبة الأهواء والشهوات، وحبّ الدنيا، التي تدفع بعضهم إلى تغليبها استجابة لغريزة حب التملك، وحب الاستئثار بالأشياء والأموال.
 عدم التفكير الجدّي في نتائج وعواقب الخيانة، وآثارها السلبية على الحياة المادّيّة والمعنويّة للإنسان.
 ضعف الإيمان، وتراجع عقيدة التوحيد لله تعالى، وحاكميته المطلقة على جميع الأشياء، فضلًا عن تسلط حالة من الحرص والطمع على الإنسان، والخوف الدائم من الوقوع في الفقر.
6- الأمانة العلمية في فضاءات الجامعة:
لا شك أن الامانة العلمية في النقل من أهم اخلاقيات البحث العلمي، مما دفع الجامعات إلى سن القوانين الجامعية والمواثيق للحد من السرقات العلمية، وفرضت على الباحث الأكاديمي عند تعامله مع الدراسات السابقة أن يكون ذو صفات وضوابط علمية أخلاقية، وأن يتحلى بالأمانة العلمية في النقل من المصادر والمراجع، وكل الابحاث التي ساعدته ليقدم بحث أكاديمي يعود للباحث حصرًا وليس لشخص آخر.
ومن هنا يجب تعريف الباحثين الأكاديميين على الممارسات المخالفة للأمانة العلمية حتى لا يقعوا فيها أثناء إعدادهم لرسائلهم أو أبحاثهم العلمية، والغرض من ذلك هو الحفاظ على جودة ما ينتجه الباحث أو الدارس الأكاديمي من أبحاث علمية، وحتى لا يقع الباحث تحت طائلة القانون. ومن صور الممارسات المخالفة للأمانة العلمية يمكن أن نذكر:
 الانتحال والاستلال:
يُقصد بالانتحال في اللغة العربية الادعاء، أي أن تدعي أنك صاحب معرفة هي ليس لك بشكل مقصود أو غير مقصود. ومعنى الانتحال في الدراسات العلمية لا يختلف عن معناه في اللغة العربية، إذ نجد أن الانتحال في الابحاث العلمية هو استخدام غير معترف به لأفكار ونصوص وابداعات واختراعات الآخرين، أي ادعاء شخص ما أو باحث أكاديمي لما ليس له من أعمال أو أفكار أو نصوص علمية أو ابداعية، دون أن ينسبها الى أصحابها أو منتجيها بقصد أو دون قصد.
 السرقة الفكرية:
السرقة الفكرية عمل مُشين للباحث الأكاديمي فيما ينتجه من أبحاث علمية وأوراق بحثية جديدة، كما تُعدّ أحد الأخلاقيات السيئة الواجب الابتعاد عن أوحالها، وهي تعني تبني أفكار ونماذج فكرية وعقلية خاصة، وتضمينها بصورة واضحة أو خفية في الأعمال والرسائل الأكاديمية. مع ملحوظة أن مجالس الدراسات العليا في الجامعات العربية والأجنبية تُحرّم السرقات الفكرية، وعقوبتها لا تقل عن عقوبة الانتحال أو السرقات العلمية المنظمة.
من هنا يجب أن تعمل الجامعات والمؤسسات التربوية والتعليمية على تعريف الطلبة بالمخاطر التي تحدث لهم إذا ما سلكوا سلوكًا يتنافى مع الأمانة العلمية، ومن ثم حثهم على تجسيد قيمة الأمانة العلمية في دراستهم الجامعية.
7- الأمانة العلمية في الدراسة الجامعية:
تتطلب الدراسة الجامعية الآتي: (الخطيب والأحمدي، 2017، 66-67)
 الأمانة في الصبر على العلم والمعرفة، وعدم استعجال الحصول على النتائج، سواء أكانت شهادات، أم درجات، أم تقديرات ونحوها.
 الأمانة في تلقي العلم، وذلك بالابتعاد عن الأساليب والذرائع التي تضعف التحصيل العلمي كافة، أو تشوه التعلم، أو الأداء العلمي في الجامعة.
 الأمانة في تجويد العمل الأكاديمي في الدرس، والشرح، والامتحان، والتقويم، وفي الواجبات، وفي المحافظة على المرافق التعليمية كافة.
 الأمانة في عدم التأثير على المعلمين، أو من في حكمهم بأي صورة من الصور من أجل الحصول على منافع من أي نوع كان، ويندرج تحت ذلك الهدايا، والرشوة، أو تصوير مشاهد مفبركة وتناقلها على مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى صحيحة لأغراض الإثارة وتشويه المعلم أو المدرسة أو المدير أو المسؤولين داخلها أو خارجها.
 الأمانة في عدم سرقة الملخصات وأعمال الآخرين، أو الطلب من شخص آخر إعداد الواجبات، أو الأبحاث، أو الشراكة غير المشروعة في الأعمال والمنشورات والمعارض والمتطلبات الدراسية بأنواعها.
 الأمانة في عدم إعداد ملخصات ومختصرات من شأنها أن تُضيّع حسن الاستفادة من الكتب والمراجع، أو تحجر على فكر المتعلم عند حدودها، أو إعدادها بطريقة تظهر فيها أسئلة الامتحانات، أو إعدادها بغرض بيعها والتكسب منها.
 الأمانة في الالتزام والانضباط في حضور الدروس في أوقاتها المحددة، وعدم تصنع الأعذار، أو إيجاد المبررات لعدم الالتزام، وعدم السعي للحصول على دعم الأجهزة الإدارية والفنية من أجل إحقاق باطل.
 الأمانة في عدم الإساءة إلى المعلم بأي صورة من الصور، وبخاصة الاعتداء الجسدي والمعنوي، ويدخل في ذلك التشهير به بالسوء في فضاءات المجتمع المختلفة، أو عند المسؤولين، أو الكتابة عنه في وسائل التواصل الاجتماعي.
 الأمانة في نبذ كل السلوكيات التي تؤدي إلى إثارة الفتنة الطائفية، أو القبلية، أو الشعوبية أو الإقليمية، أو إثارة الفتن الدينية.
 الأمانة في عدم إصدار سلوكيات تتنافى مع الوطنية، وحب الوطن، وحب الناس، والعدل والمساواة بين الناس، أو رفع شعارات معادية، أو الترويج لضلالات معينة.
ثانيًا: المكون الوجداني لقيمة الأمانة:
يشمل هذا المكون الانفعالات والمشاعر والأحاسيس الداخلية التي لا تظهر في السلوك، وعن طريقه يميل الفرد إلى قيمة معينة. كما يتصل هذا المكون بتقدير القيمة والاعتزاز بها، فضلًا عن أنه يُشعر الفرد بالسعادة لاختيار القيمة، ويعلن الاستعداد للتمسك بالقيمة على الملأ.
ومن ثَمَّ فإن الحالة الوجدانية التي يجب أن يعيشها الشاب الجامعي تجاه قيمة الأمانة يجب أن تظهر فيها المشاعر والأحاسيس والعواطف والانفعالات الإيجابية، التي تُمكنه من إبعاد ضميره عن عثرات الشك والحيرة، والوقوع في مخاطر الخيانة. مع ملحوظة أن التربية الوجدانية تمثل إحدى الوسائل التي تُسهم في تعزيز قيمة الأمانة، وذلك بتعميق الإيمان بالله، وضبط الغرائز غير الموجهة، وخلق ميول إيجابية نحو تُمثل قيمة الأمانة بتجلياتها كافة.
ومن الجدير بالذكر أن تكوين الوجدان الأخلاقي تجاه قيمة الأمانة يمكن أن يتحقق من خلال خلق الاستعداد لدى الشباب للاهتمام والعناية بقيمة الأمانة، كأن نخلق لديهم الرغبة في التعامل مع ما يوكل إليهم من واجبات بأمانة، أو أن نكون لديهم الاستعداد والاهتمام بدروسهم.
كما أن تقوية الوجدان الأخلاقي لدى الطلبة يتطلب الانتقال بهم من الاهتمام بقيمة الأمانة إلى المشاركة الإيجابية والتفاعل مع الموقف التعليمي تفاعلاً يتضح من خلاله ميول الطلاب واهتماماتهم بالقيمة، فأهداف التعلم في هذا المستوى تؤكد على قبول الاستجابة، كالقيام ببعض الأنشطة الإثرائية لموضوع القيمة، ثم الرضى والقناعة بالاستجابة، كقراءة الطالب لقصة دينية تحمل في مضمونها جوانب مهمة عن قيمة الأمانة.
ومن آليات تقوية الوجدان الأخلاقي تجاه قيمة الأمانة بناء نظام داخلي متماسك لها يربط بعضها مع بعض، وعليه تتمثل نواتج التعلم هنا في تشكيل مفاهيم خاصة بقيمة الأمانة، مثل إدراك كل فرد لدوره في تنمية اتجاهات وعواطف إيجابية نحو قيمة الأمانة. (العوا، 1991، 80)
كما أن مستوى تشكيل الشخصية يمثل أعلى مستويات المجال الوجداني أو الانفعالي، إذ يتم الاهتمام هنا بتشكيل صفات الذات عند الفرد كوحدة متميزة عن غيره، يتضح هذا الاتجاه في سلوك المتعلم، ويكون من نتائج ذلك تكوين أسلوب مميز لحياته، ويمكن للمربي من خلاله التنبؤ بنوعية السلوك الذي يمكن أن يسلكه المتعلم. (الخطيب، 1408ه، 168).
ثالثًا: المكون السلوكي لقيمة الأمانة:
هذا الجانب هو الذي تظهر فيه القيمة على أرض الواقع، فالقيمة تترجم إلى سلوك ظاهري عن طريق التفاعل، ومن ثَمّ فإن قيمة الأمانة أسلوب حياة لأنها توجد في جميع مجالات الحياة كافة، وحيث وجد التصرف الإنساني: فالطالب في جامعته عليه أن يكون أمينًا في الالتزام والانضباط في حضور الدروس في أوقاتها المحددة، وعدم تصنع الأعذار، أو إيجاد المبررات لعدم الالتزام، وعدم السعي للحصول على دعم الأجهزة الإدارية والفنية من أجل إحقاق باطل.
وكذلك الباحث الأكاديمي عليه أن يكون أمينًا فيما ينقل أو يقتبس عن غيره من معلومات، وألا يمارس أية صورة من صور الممارسات المخالفة للأمانة العلمية. وهكذا نستطيع أن نعمم قيمة الأمانة على مجالات الحياة كافة، سواء في القضاء أو المعاملات أو البحث العلمي، أو العشرة الزوجية، أو الأمانة الوظيفية وغيرها، ومن ثم يجب أن يأتي السلوك تجاه هذه القيمة منسجمًا مع ما حلل الله، والابتعاد عما حرم ونهى عنه.
وهكذا نجد أن هذا المكون يتصل بممارسة القيمة أو السلوك الفعلي والأداء النفس حركي، ومن ثم يمكن أن يسلك الإنسان سلوكًا معتدلًا في المعاملة وتربية النفس على الأمانة من خلال مجموعة من الأنشطة الداعمة التي تُساعد الشباب الجامعي على السلوك الصحيح في المواقف المختلفة، نذكر منها: (الخطيب والأحمدي، 2017، 72)
 تحليل ودراسة مواقف حياتية ذات صلة بقيمة الأمانة العلمية، إيجابًا وسلبًا، وطرح أمثلة واقعية لسلوك أشخاص مارسوا سلوكًا مخالفًا للأمانة العلمية والعقوبات التي نالها على المستوى العلمي والاجتماعي.
 تدريب الذات المستمر على ممارسة قيمة الأمانة العلمية، وتعويد النفس عليها، وربطها بالمناشط العقلية والعاطفية.
 السعي لوضع صيغة لترجمة قيمة الأمانة العلمية إلى مؤشرات سلوكية تعكس دلالات تجسيد السلوك في مجالات الأمانة كافة، وفي مقدمتها الأمانة في ميدان الدراسة والبحث العلمي.

 امتلاك آليات التصحيح والتعديل للمسار عند حدوث إخفاقات في ممارسات قيمة الأمانة العلمية كالندم والاعتذار ونحوها (المحاسبة والتقويم المستمر).
 تعزيز الدافعية الداخلية والخارجية لممارسة قيمة الأمانة العلمية، تعزيز مبدأ الرقابة الذاتية في العمل بمقتضى قيمة الأمانة العلمية.

 تكرار السلوك وثباته في التطبيقات الإيجابية لقيمة الأمانة العلمية، أو في مجالات الأمانة الأخرى، كالأمانة الوظيفية أو الأمانة في المعاملات.
يتضح مما سبق أن تعميق روح الأمانة في سلوك أفراد المجتمع والوقاية من الخيانة لا يتسنّى إلّا في ظلّ آليات محددة منها التقوى، والإيمان، والالتزام الديني والأخلاقي، لأنّ أحد أهمّ جذور وأسباب عدم الأمانة هو ضعف الإيمان بقدرة الله تعالى على مراقبة سلوك البشر في السر والعلن. لذا فإنّ تقوية دعائم الإيمان في القلب، وتعميق حالة التوكّل والاعتماد على الله تعالى، والثقة بوعده، تُعدّ الركيزة والدعامة الأولى لتعزيز قيمة الأمانة في الجامعة والمجتمع.
من جهة أخرى من الأسباب والعوامل المهمّة في الوقاية من التورّط بسلوك يُنافي الأمانة، التفكّر في عواقبها السلبية في الدنيا والآخرة، وما يترتّب عليها من فضيحة وحرمان وزوال الثقة وماء الوجه أمام الخلق والخالق، ومن ثَمَّ الابتلاء بالفقر الذي كان يسعى بالأساس إلى الفرار منه. ومن المعلوم أنّ التأمل في هذه النتائج والعواقب السلبيّة لسلوك طريق الخيانة، سوف يضعف الدافع في الإنسان لارتكابها، ومن ثَمَّ الاتجاه نحو السلوك الصحيح الذي يعود بالخير العميم على الإنسان والمجتمع.