Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

تحاول هذه الدراسة أساساً الوقوف على مظاهر الثبات والتغير في العادات الاجتماعية المرتبطة بدورة الحياة لأهل قطر . واختيرت ( الخور ) في الشمال كي تجرى فيها دراسة انثروبولوجية مكثفة من أجل الوقوف على مظاهر الثبات والتغير بالنسبة للعادات الاجتماعية المرتبطة بثلاث مراحل هامة من دورة حياة الفرد وهي : الميلاد - الزواج – الموت . وفيما يلي عرض تحليلي لخطوات هذه الدراسة :
أولاً ) أهداف الدراسة ومنهجها :
وهذه القبيلة من القبائل الأصيلة الخاصة بقطر ، ولعل من أهم تلك التغيرات التي تشهدها مدينة الدوحة في السنوات العشر الأخيرة ارتفاع نسبة معدل الهجرة وتركز معظم المهاجرين بها ، بالإضافة إلى النهضة التعليمية التي تشهدها في السنوات الأخيرة وتركز معظم دور التعليم بمختلف مستوياتها في المدينة بما فيها جامعة قطر بكلياتها الخمس التي فتحت أبوابها للبنين والبنات على السواء . وقد دعت هذه التغيرات المتلاحقة إحدى الباحثات القطريات المرموقات كي تخصص رسالتها لدرجة الدكتوراه من أجل دراسة « ديناميات التحديث في المجتمع القطري) . والتي بدأت تأخذ بأسباب التحضر والتحديث يتعايش فيها القديم والحديث معاً
دراسة وصفية غير تفسيرية في المقام الأول ). وحيث أن الدراسات الوصفية هي تحليلية كذلك ، ومع أن هناك اتفاقاً على أن الإثنوجرافيا تهتم أساساً بالدراسات الوصفية ، ولا شك أن مثل هذه الدراسات لها أهميتها من الناحيتين النظرية والتطبيقية بالنسبة للمجتمع القطري . والتأثيرات التي تحدثها عمليات التغير في جوانب الثقافة اللامادية ( المعنوية ) ، خاصة وأنه لم تجري في هذا الصدد إلا دراسات قليلة للغاية تناولت جوانب محددة تتعلق ببعض العادات السائدة في المجتمع القطري عولجت من منظور الأغنية الشعبية أو الفن الشعبي. فالأمل يحدونا في أن نتائج مثل تلك الدراسات والبحوث يمكن أن تفيد منها الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية من أجل ترشيد العادات الاجتماعية ومظاهر السلوك العام في المجتمع ، والتمسك بالعادات التي تساعد على تحقيق التنمية والتقدم وتعميق وتدعيم أركانها ، لاسيما و أن تلك العادات الاجتماعية تمثل قوة مجتمعية - كما يقول عالم الاجتماع سمنر لا يمكن أن يستهان بها . ولا شك أن أخطر ما يهز بناء المجتمع هو أن يعاد تنظيمه ، لاسيما ابتداء من سبعينات هذا القرن حيث تزايد الدخل القومي من البترول تزايداً واضحاً أخذ يزداد عاماً بعد آخر ، وانعكست ثمار تلك الزيادة في تحسين مستويات الحياة المادية في جوانبها المختلفة . . . نقول لعل من أبرز تلك المعوقات أنماط السلوك الاجتماعي التي ظلت جامدة في الوقت الذي يجب فيه أن تتغير أو على الأقل أن تكون عالية المرونة لمقابلة مطالب الإصلاح. إن العلم الاجتماعي سواءً أكان انثروبولوجيا أو سوسيولوجيا ، هو أقدر العلوم الإنسانية التي تكشف لنا عن تلك المعوقات والمشكلات . علم الاجتماع يمكن أن يحقق نجاحاً كبيراً في الكشف عن تلك المعوقات خصوصاً إذا تبنى المنهج الأنثروبولوجي في الدراسة لأنه الأقرب إلى طبيعة المجتمعات النامية وظروفها . والمنهج الأنثروبولوجي منهج كلي تكاملي بالضرورة يحتفظ بالنظرة الكلية للحياة الاجتماعية . وهذا يعني أن « كل ما هو واقع في المجتمع يعتبر مرتبطاً بالآخر ارتباطاً عضوياً ، هو أيضاً متعدد الجوانب وكل محاولة لتفتيت الإنسان الفرد إلى أجزاء لا تفضي إلى أي معرفة حقيقية ، فالمجتمع كل والإنسان كل ، وهذا هو الذي فرض على المعرفة أن تكون كلية أيضاً . وبالتالي لا يستقيم فهمنا لعمل الثقافة إلا إذا فهمناها من الزاوية الكلية ، أما عن منهج الدراسة فقد قام الباحث منذ البداية يجمع كافة البيانات والمعلومات الجغرافية والتاريخية والاجتماعية عن منطقة الخور حيث تعيش قبيلة المهاندة ( حوالي ٨٠٪ سكان القبيلة ) ولذلك يطلق عليهم مهاندة الخور ، وذلك قبل النزول إلى الميدان من ورغم ضآلة تلك البيانات ، وعلى الملاحظة الجيدة من ناحية أخرى . الذين كانوا له حامين وراعين وأخذوا بيده إلى المنطقة ، حيث كانت لديهم القدرة على أن يصفوا للكاتب بدقة الوضع الذي كانت عليه العادات الاجتماعية في الماضي ) منذ ثلاثين عاماً ) أي قبل اكتشاف البترول ، وذلك فيما يتعلق بثلاث مراحل هامة من دورة الحياة وهي : مرحلة الميلاد ، والوفاة . كما قام الكاتب بنفسه بحضور بعض حفلات الميلاد واحتفالات الزواج ومراسيم وطقوس الوفاة ، و تسجيل وجمع كل العادات الاجتماعية الحالية المتعلقة بتلك المراحل حتى يمكن الوقوف على مظاهر التغير التي تكون قد طرأت عليها في الوقت الحاضر عنها في المجتمع القطري التقليدي قبل اكتشاف البترول و كان الكاتب حريصاً على أن يستقي من أخبارييه المحليين الدائمين وأيضاً من الإخباريين العرضيين دلالة ومعنى كل لفظ ومصطلح أو تعبير يجده غريباً عليه ، فالعلاقات الاجتماعية والعقائد والعمليات الفنية بل وكل شيء في حياة الأهالي الاجتماعية يُعبر عنه إما في شكل ألفاظ أو في شكل أفعال . حيث كان يعين أمامهم - دون أن ي ينبههم - بعض الكلمات أو التعبيرات مع تعمده أن يذكرها بطريقة خاطئة حتى يرى ما إذا كان الإخباري منتبهاً فيصححها له،
يقول مونتني وهو من الذين درسوا عادات البدائيين الأمريكيين : «لقد كان الرجل الذي معي بسيطاً أمينًا ، ولذا فقد كان ، لأن المجادلين وإن كانوا يلاحظون بمهارة ويلتقطون كثيراً من الأشياء ، إلا أنهم يصقلونها ويغلفونها تبعاً لوجهة النظر التي يرون بها الأشياء . لذا فنحن نحتاج لرجل صادق تماماً أو من البساطة بحيث لا تكون عنده ملكة التركيب •
بمعنى معرفة ما كان يحدث في الزمان الماضي وما يحدث حالياً مع التأكيد على تحديد تاريخ ظهور الصور الجديدة . أما بالنسبة للبعد المكاني ، فلا يخفى أنه من بين ما يتطلبه هذا البعد مراعاة تلك الاختلافات بين الوحدات المكانية داخل المنطقة موضع البحث والدراسة
والدراسة في مجموعها وصفية تستهدف أساساً تقرير خصائص ظاهرة ثقافية معنية ، وهي العادات الاجتماعية المتعلقة بدورة الحياة ، وذلك بجمع الحقائق وتفسيرها لاستخلاص دلالاتها . ويستند هذا الوصف على عدد من الأدوات المتكاملة التي تمثل جماع الخبرات الأنثروبولوجية والفلكلورية على امتداد تاريخ العلم مثل الملاحظة ( وبالدرجة الأولى الملاحظة غير المشاركة (حيث لم تمكنا الظروف من الإقامة بمنطقة البحث على مدى زمني طويل كما تستوجبه الملاحظة بالمشاركة التي تتطلب المشاركة الفعلية في كل أوجه الحياة الاجتماعية ، والاعتماد على الإخباريين أو المرشدين ، هذا علاوة على الصور الفوتوغرافية العادية والملونة التي تم التقاطها والتي تفي بمتطلبات التسجيل الأنثروبولوجي السليم . مستأنساً في تصميمها بالإطار الثقافي التخطيطي الذي أعده الأنثروبولوجيون المتخصصون في الدراسات الحقلية لدراسة الجماعات البسيطة مثل المجموعة الاستخبارية التي أعدها فو كارت ومارين Marin وهي نماذج من المجموعات العامة الشاملة للأسئلة المتعلقة بمختلف النظم التي يمكن أن يتجه إليها الباحث الأنثروبولوجي . وعلى وجه الخصوص عادات الميلاد والزواج والوفاة بعد أن تم حذف الأسئلة وتعديل بعضها بما يتلاءم مع ثقافة المجتمع القطري •
وقد نوهنا في السابق بأن الدراسة التي قمنا بها وصفية أساساً اعتمدت على ملاحظة السمات الثقافية والظواهر والنظم بصورة مباشرة في ضوء الدراسة المونوجرافية ( المفردة ) لمهاندة الخور والاعتماد على الإخباريين الأميين كبار السن أساساً ، كلها وما إليها تعتبر روافد خصبة ومصادر غنية تعكس العادات الاجتماعية والطرق الشعبية لدورة الحياة ، وهي كلها تدخل في مجال الوصف غير المباشر ويتضح من هذا أن منهج الوصف ذو شقين وأن جانباً واحداً من هذا الوصف ، وقد لا يموت أحد مثلاً حين يكون الباحث في الميدان ، فهنا لا تجدي الملاحظة المباشرة ، ويلجأ الباحث إلى الملاحظة غير المباشرة أي ملاحظة ظواهر أُخرى مرتبطة بها أو القيام بزيارة المدافن وملاحظة عدة أشياء جزئية ثم السؤال والاستقصاء الذي يعتمد على الذاكرة أكثر مما يعتمد على العين المجردة ، ذلك لأن الذي يتحرى الدقة بعينيه فقط لن يقدم إلا صورة ناقصة للحياة الاجتماعية. وأخيراً نشير إلى أن محاولة الوقوف على مظاهر الثبات والتغير في العادات الاجتماعية لدورة الحياة ، يعكس أهمية استخدام المقارنة التاريخية لمعرفة الوضع الذي كانت عليه تلك العادات في الماضي أو في المجتمع القطري التقليدي والمجتمع الحديث . وتفترض الدراسة الحالية في استخدامها للمقارنة التاريخية نقطة معينة يفترض أنه قد حدث عندها التغير ، وهي ما يطلق عليه نقطة الصفر . وهذه النقطة هي اكتشاف البترول منذ حوالي ثلاثين عاماً ثم تداوله تجارياً وتسويقه دولياً وعلى نطاق واسع وضخم بعد ذلك . وإن تفاوتت قوة تلك التأثيرات بطبيعة الحال من منطقة ثقافية إلى أخرى . ومعنى هذا أن المنهج التاريخي يمكن أن يصف لنا الظاهرة الاجتماعية وتحولها أو ما يطرأ عليها من تغير من نقطة ابتداء معينة إلى نقطة انتهاء محددة ، ويستتبع عدم الحاجة إلى تفسير الظاهرة الاجتماعية بالالتجاء إلى التاريخ الظني أو التأويل السيكلوجي
========
ثانياً ) الثبات والتغير في عادات دورة الحياة : رؤية شاملة
عاش أفراد المجتمع القطري فترة طويلة من حياتهم في ظل نظم وأوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية تقليدية ثابتة نسبياً ، ومجتمعات الخليج العربي التي تشكلت قبل اكتشاف البترول ، ولعل السبب في ذلك هو أن كل هذه الإمارات تتغذى على احتياطي بشري واحد هو قبائل شبه الجزيرة العربية. وهذا النمط من المجتمعات البدوية القبلية ذو تنظيم اجتماعي و نشاط اقتصادي وبناء للسلطة يختلف كل الاختلاف عن تلك التنظيمات الاجتماعية والنشاطات الاقتصادية وأبنية السلطة بين الجماعات التي تسكن المناطق الريفية أو الحضرية الصناعية والمجتمع البدوي القبلي تحكمه قيم ونظم وأنماط سلوكية معروفة ومحددة . ويكاد يكون هذا النظام هو النسق المشترك في البداوة العربية كلها. ومن خلال هذا احتفظ البدوي بوحدته الثقافية والحضارية . ولعل هذا هو السبب في أن ولاء البدوي لا ينصرف إلى المكان ، وإنما يتجه إلى الزمان . كما أن العصبية جزء لا يتجزأ من النظام الاجتماعي البدوي بفضل ما تتميز به من قوة حلقية واجتماعية قادرة على حماية كيانه القبلي. هذه العصبية هي التي تنظم سلوك الأفراد وتعمل على التضامن والانسجام وتلبي مطالب البدوي كلها ، كما يترتب عليها التزامات وأدوار اجتماعية يقوم بها الأفراد والجماعات لتدعيم هذا النسق . وتتجلى العصبية في مظاهر اجتماعية متعددة كعصبية الأقارب وذوي الأرحام ، وعصبية التضامن والتحالف القبلي ، وعصبية الجوار ، وعصبية العادات والتقاليد . .. الخ . وتتأثر عاداته وتتشكل وفقاً لها . فالزواج يقوم على أساس الرابطة الدموية أو العصبية ، وهذا يفسر مغالاة بعض القبائل والعشائر في حرصها على نقاوة عصبيتها فلا يمكن مثلاً للقبيلة الأصيلة أن تزوج بناتها للقبائل غير الأصيلة والعائلة هي نواة المجتمع ، فهو يتبوأ مكانه رفيعة ، وهي قوانين التعامل الاجتماعي بين أفراد المجتمع التقليدي خصوصاً في المجتمعات التي لا تشكل دولة بالمعنى المتعارف عليه سياسياً ، وليست من صنع الفرد ، حيث يمكن مشاهدة ذلك بسهولة في مظاهر العمران المختلفة : في المباني وفي اقتناء أحدث سلع الاستهلاك والترف على اختلاف أنواعها ، وظهور أنشطة اقتصادية جديدة لم تكن موجودة في المجتمع التقليدي ، واختفاء أنشطة تقليدية أخرى مثل الغوص على اللؤلؤ ، وقد أخذت التجارة الآن وضعاً جديداً في المجتمع القطري عامة يستند على أسس مغايرة وتنظيمات مختلفة عن تلك التي قامت عليها قديماً . كما أنشئت كثير من البنوك والمؤسسات المالية . كما كان على الوحدات القبلية والعرفية الانتظام في علاقات جديدة في النسق السياسي الحديث الذي يقوم على نظم الإدارة المحلية والتنظيمات الإدارية بالشرطة والقضاء ، كما أن طبيعة المشروعات الاقتصادية الحديثة التي ظهرت بعد اكتشاف النفط أدت إلى ظهور نظام جديد للتأمين يختلف تمام الاختلاف عن نظام التأمين الاجتماعي والاقتصادي التقليدي الذي كانت تمارسه العائلة والقبيلة ، مما أدى إلى تقلص وتلاشي الحاجة شيئاً فشيئاً إلى التمركز الإقليمي للوحدات القبلية والعرفية ، وظهور الصورة الحديثة للأسرة الزواجية أو الصغيرة Conjugal or Nuclear Family بعد أن كانت العائلة الممتدة Extended family هي نمط التنظيم العائلي السائد . والعمل الحر ولم تعد التنشئة الاجتماعية تنشئة صارمة أو متسلطة يمارس فيها الأب الدور الرئيسي باعتباره رمز السلطة المطلقة ( Authoritarian figure) بحيث يقوم بتحديد أنماط السلوك المرغوبة وغير المرغوبة للأفراد في نطاق الأسرة أو المجتمع ، ويفرض هذه الأنماط على الأبناء وأصبحت عملية التطبيع الاجتماعي أو التنشئة الاجتماعية أكثر مرونة ، وابتدأ يظهر ما يمكن أن يسمى بصراع الأجيال أو صراع بين القديم والجديد . وتغيرت النظرة إلى إلى المرأة إلى حد ما - حيث لم تعد فحسب أداة للاستمتاع في علاقة الزواج ، وذلك تحت تأثير التعليم الذي أعطاها ومازال سيعطيها دفعة أثر دفعة ستساعد على كسر كثير من القيود والأغلال الاجتماعية التي تحد من مشاركتها كعضو منتج فعال في الهيئة الاجتماعية باعتبارها تشكل نصف أفراد المجتمع . هذه الرؤية الشاملة - في نظر الكاتب - تعد ضرورية وهامة لفهم مظاهر ( التغير النسبي ) عادات دورة الحياة ، تلك العادات التي لا تنفصل عن بناء المجتمع الكلي . وثالثة ابتدأت تصيبها رياح التغيير . مجتمع يتعايش فيه القديم والجديد جنباً إلى جنبب ،


Original text

تحاول هذه الدراسة أساساً الوقوف على مظاهر الثبات والتغير في العادات الاجتماعية المرتبطة بدورة الحياة لأهل قطر . ولتحقيق هذا الهدف تم القيام بدراسة ميدانية مركزة ، واختيرت ( الخور ) في الشمال كي تجرى فيها دراسة انثروبولوجية مكثفة من أجل الوقوف على مظاهر الثبات والتغير بالنسبة للعادات الاجتماعية المرتبطة بثلاث مراحل هامة من دورة حياة الفرد وهي : الميلاد - الزواج – الموت .
وفيما يلي عرض تحليلي لخطوات هذه الدراسة :


( أولاً ) أهداف الدراسة ومنهجها :
تصف الدراسة الحالية وتحلل الملامح الاجتماعية الأساسية المميزة لدورة الحياة في قبيلة (المهاندة) بالخور ، شمال مدينة الدوحة عاصمة دولة قطر . وهذه القبيلة من القبائل الأصيلة الخاصة بقطر ، ولذلك تعكس عاداتها الاجتماعية الأساليب الجمعية الشعبية التي ظلت حصينة ضد التغير السريع ( بالمقارنة بمدينة الدوحة مثلاً ) . هذا إلى بعدها النسبي عن العاصمة التي يوجد بها عدد كبير من المهاجرين ، وتتأثر بثقافات فرعية متعددة باعتبارها ملتقى ثقافات ومعبر تجارات ومركز لقاءات واسترواح . ولذلك فإن الأساليب الشعبية السائدة في العاصمة لن تأتي في نقاوتها كما هي ، بل من الطبيعي أن تتأثر بعوامل ومتغيرات داخلية وخارجية متعددة . ولعل من أهم تلك التغيرات التي تشهدها مدينة الدوحة في السنوات العشر الأخيرة ارتفاع نسبة معدل الهجرة وتركز معظم المهاجرين بها ، وارتفاع مستوى معيشة سكانها خصوصاً بعد اكتشاف البترول وتسويقه ، بالإضافة إلى النهضة التعليمية التي تشهدها في السنوات الأخيرة وتركز معظم دور التعليم بمختلف مستوياتها في المدينة بما فيها جامعة قطر بكلياتها الخمس التي فتحت أبوابها للبنين والبنات على السواء . وقد دعت هذه التغيرات المتلاحقة إحدى الباحثات القطريات المرموقات كي تخصص رسالتها لدرجة الدكتوراه من أجل دراسة « ديناميات التحديث في المجتمع القطري) . ومن الطبيعي أن تنعكس هذه التغيرات وغيرها لتمارس تأثيرها على العادات الاجتماعية . وإن كان من المعروف أن المجتمعات النامية عموماً ، والتي بدأت تأخذ بأسباب التحضر والتحديث يتعايش فيها القديم والحديث معاً


والدراسة التي نحن بصددها دراسة اثنوجرافية في المقام الأول . ومن المعروف أن الإثنوجرافيا تعني أساساً بعمليات الوصف العلمي المنظم لثقافات الشعوب البسيطة بصفة خاصة . وقد تم تسجيل المادة الثقافية في هذه الدراسة – والتي تم جمعها من الميدان مستر شدين في ذلك بتعريف هوبل للإثنوجرافيا بأنها ذلك القسم من علم الأنثروبولوجيا الذي يختص بالتسجيل الوصفي للثقافات، ويعرف قاموس وينيك الإثنوجرافيا بأنها » دراسة الثقافات المختلفة . دراسة وصفية غير تفسيرية في المقام الأول ).
ومن المعتاد في الوقت الحاضر الإشارة إلى الدراسة الوصفية لطريقة معيشة شعب ما بأنها اثنوجرافية . وحيث أن الدراسات الوصفية هي تحليلية كذلك ، فإننا نجد أن مفهوم أي الدراسة الحقلية الوصفية المفردة ) لاسيما في بريطانيا أصبح يستعمل بمعنى واسع للدراسات المفصلة التي يقوم بها علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية حول طريقة معيشة شعب معين. ومع أن هناك اتفاقاً على أن الإثنوجرافيا تهتم أساساً بالدراسات الوصفية ، وأن الأنثروبولوجيا الاجتماعية تهتم بالتحليل البنائي ، إلا أننا نجد تداخلاً في الطرق والأدوات في كثير من الدراسات .
ولا شك أن مثل هذه الدراسات لها أهميتها من الناحيتين النظرية والتطبيقية بالنسبة للمجتمع القطري . فمن الناحية النظرية تفيد هذه الدراسات في التعرف على العادات السائدة ، والتأثيرات التي تحدثها عمليات التغير في جوانب الثقافة اللامادية ( المعنوية ) ، خاصة وأنه لم تجري في هذا الصدد إلا دراسات قليلة للغاية تناولت جوانب محددة تتعلق ببعض العادات السائدة في المجتمع القطري عولجت من منظور الأغنية الشعبية أو الفن الشعبي. أما من الناحية التطبيقية ، فالأمل يحدونا في أن نتائج مثل تلك الدراسات والبحوث يمكن أن تفيد منها الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية من أجل ترشيد العادات الاجتماعية ومظاهر السلوك العام في المجتمع ، وبحيث يمكن أن تقوم تلك المؤسسات بعملية توعية شاملة تدعو إلى تغيير العادات التي يمكن أن تكون ذات تأثير معوّق على خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتمسك بالعادات التي تساعد على تحقيق التنمية والتقدم وتعميق وتدعيم أركانها ، لاسيما و أن تلك العادات الاجتماعية تمثل قوة مجتمعية - كما يقول عالم الاجتماع سمنر لا يمكن أن يستهان بها . ولا شك أن أخطر ما يهز بناء المجتمع هو أن يعاد تنظيمه ، بينما تظل روابطه تعكس قيماً معوقة للتنمية والتقدم مثل قيم الفردية والأنانية والانعزالية والرجعية .
ولعل من أبرز المعوقات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع القطري في الوقت الحاضر ، بعد تلك النقلة البترولية التي قلبت حياته الاقتصادية والاجتماعية رأساً على عقب ، لاسيما ابتداء من سبعينات هذا القرن حيث تزايد الدخل القومي من البترول تزايداً واضحاً أخذ يزداد عاماً بعد آخر ، وانعكست ثمار تلك الزيادة في تحسين مستويات الحياة المادية في جوانبها المختلفة . . . نقول لعل من أبرز تلك المعوقات أنماط السلوك الاجتماعي التي ظلت جامدة في الوقت الذي يجب فيه أن تتغير أو على الأقل أن تكون عالية المرونة لمقابلة مطالب الإصلاح. ذلك إلى بقاء بعض الرواسب التقليدية ذات السيطرة على محصلة العرف وموجهات العلاقات الاجتماعية ، إلى جانب عدم بلوغ التغير في المجتمع جوهر القيم والمعايير.
إن العلم الاجتماعي سواءً أكان انثروبولوجيا أو سوسيولوجيا ، هو أقدر العلوم الإنسانية التي تكشف لنا عن تلك المعوقات والمشكلات . ويرى الكاتب أن . علم الاجتماع يمكن أن يحقق نجاحاً كبيراً في الكشف عن تلك المعوقات خصوصاً إذا تبنى المنهج الأنثروبولوجي في الدراسة لأنه الأقرب إلى طبيعة المجتمعات النامية وظروفها . والمنهج الأنثروبولوجي منهج كلي تكاملي بالضرورة يحتفظ بالنظرة الكلية للحياة الاجتماعية . وهذا يعني أن « كل ما هو واقع في المجتمع يعتبر مرتبطاً بالآخر ارتباطاً عضوياً ، وكل محاولة للتفتيت تعطينا زوايا غير منسجمة للحقيقة الاجتماعية . والإنسان الفرد الذي يعتبر الوحدة الإنسانية التي تحيا داخل مجتمع معين ، هو أيضاً متعدد الجوانب وكل محاولة لتفتيت الإنسان الفرد إلى أجزاء لا تفضي إلى أي معرفة حقيقية ، فالمجتمع كل والإنسان كل ، وهذا هو الذي فرض على المعرفة أن تكون كلية أيضاً . وبالتالي لا يستقيم فهمنا لعمل الثقافة إلا إذا فهمناها من الزاوية الكلية ، لأن ثقافة الإنسان لا يمكن أن تنقسم إلى مادي وغير مادي لأنهما يتبادلان التأثير والارتباط »


أما عن منهج الدراسة فقد قام الباحث منذ البداية يجمع كافة البيانات والمعلومات الجغرافية والتاريخية والاجتماعية عن منطقة الخور حيث تعيش قبيلة المهاندة ( حوالي ٨٠٪ سكان القبيلة ) ولذلك يطلق عليهم مهاندة الخور ، وذلك قبل النزول إلى الميدان من ورغم ضآلة تلك البيانات ، إلا أنها ساعدته كثيراً على استيعاب ما لقيه من ظواهر ووقائع من ناحية ، وعلى الملاحظة الجيدة من ناحية أخرى . كما قام بزيارتين استطلاعيتين إلى منطقة البحث من أجل الاحتكاك العملي المباشر مع المنطقة وأهلها ، ومن أجل الحصول على الخبرة اللازمة والضرورية للتعامل مع الناس ومع المادة التي سيجمعها ، وإخطار الناس بمهمته والغرض منها . وقد كان هذا داعياً - فيما بعد - لسهولة تقبله له بينهم وتقديم العون له ، ولاسيما وقد توفر له عدد من طلبته كمرشدين من أهل المنطقة نفسها ، الذين كانوا له حامين وراعين وأخذوا بيده إلى المنطقة ، وقدموه إلى أقاربهم وأصدقائهم ، وعرفوه بأكبر الناس سناً . وقد ظلت زيارات الكاتب إلى المنطقة قائمة منذ ديسمبر ۱۹۷۹ وحتى مايو ۱۹۸۱ .
وتمت الاستعانة بعدد من الإخباريين معظمهم من كبار السن فوق الستين عاماً ، حيث كانت لديهم القدرة على أن يصفوا للكاتب بدقة الوضع الذي كانت عليه العادات الاجتماعية في الماضي ) منذ ثلاثين عاماً ) أي قبل اكتشاف البترول ، وذلك فيما يتعلق بثلاث مراحل هامة من دورة الحياة وهي : مرحلة الميلاد ، والزواج ، والوفاة . كما قام الكاتب بنفسه بحضور بعض حفلات الميلاد واحتفالات الزواج ومراسيم وطقوس الوفاة ، و تسجيل وجمع كل العادات الاجتماعية الحالية المتعلقة بتلك المراحل حتى يمكن الوقوف على مظاهر التغير التي تكون قد طرأت عليها في الوقت الحاضر عنها في المجتمع القطري التقليدي قبل اكتشاف البترول و كان الكاتب حريصاً على أن يستقي من أخبارييه المحليين الدائمين وأيضاً من الإخباريين العرضيين دلالة ومعنى كل لفظ ومصطلح أو تعبير يجده غريباً عليه ، حتى يستطيع أن يعرف كيف يفكر مثلما يفكرون . ولا شك أنه حين يتعلم المرء لغة الأهالي Natives ولهجتهم فإنه يتعلم في نفس الوقت ثقافتهم ونسقهم الاجتماعي اللذين يتبلوران في مصطلحات اللغة المستخدمة وألفاظها . فالعلاقات الاجتماعية والعقائد والعمليات الفنية بل وكل شيء في حياة الأهالي الاجتماعية يُعبر عنه إما في شكل ألفاظ أو في شكل أفعال . وقد أفاد الكاتب من كل هذا في جمع مادة اجتماعية غنية خاصة بالأمثال الشعبية المتداولة والتي تلعب دوراً هاماً في عملية الضبط الاجتماعي . كما أفاده ذلك أيضاً في اختبار دقة مرشديه أو اخبارييه ، حيث كان يعين أمامهم - دون أن ي ينبههم - بعض الكلمات أو التعبيرات مع تعمده أن يذكرها بطريقة خاطئة حتى يرى ما إذا كان الإخباري منتبهاً فيصححها له، أم أن الأمور تتساوى في نظره کما وضع الكاتب الملاحظة التي أوردها إدوارد وستر مارك على لسان مونتني في كتابه المنهج في الأنثروبولوجيا الاجتماعية موضع التطبيق العملي .

يقول مونتني وهو من الذين درسوا عادات البدائيين الأمريكيين : «لقد كان الرجل الذي معي بسيطاً أمينًا ، ولذا فقد كان ، ولذا فقد كان من أنسب الناس لتقديم شواهد حقيقية ، لأن المجادلين وإن كانوا يلاحظون بمهارة ويلتقطون كثيراً من الأشياء ، إلا أنهم يصقلونها ويغلفونها تبعاً لوجهة النظر التي يرون بها الأشياء . لذا فنحن نحتاج لرجل صادق تماماً أو من البساطة بحيث لا تكون عنده ملكة التركيب •


ومن جهة أخرى تمت مراعاة طبيعة الأبعاد الزمنية والاجتماعية والمكانية لموضوع الدراسة . وبالنسبة للبعد الزمني تم تتبع التغير الذي طرأ على الظاهرة موضوع البحث ، بمعنى معرفة ما كان يحدث في الزمان الماضي وما يحدث حالياً مع التأكيد على تحديد تاريخ ظهور الصور الجديدة . وروعي فيما يختص بالبعد الاجتماعي الاختلافات الراجعة بصفة خاصة إلى السن والجنس والمهنة والطبقة الاجتماعية . أما بالنسبة للبعد المكاني ، فلا يخفى أنه من بين ما يتطلبه هذا البعد مراعاة تلك الاختلافات بين الوحدات المكانية داخل المنطقة موضع البحث والدراسة


والدراسة الإثنوجرافية الراهنة تم إجراؤها كما سبق القول على قبيلة المهاندة بالخور ، شمال مدينة الدوحة عاصمة دولة قطر . والدراسة في مجموعها وصفية تستهدف أساساً تقرير خصائص ظاهرة ثقافية معنية ، وهي العادات الاجتماعية المتعلقة بدورة الحياة ، وذلك بجمع الحقائق وتفسيرها لاستخلاص دلالاتها . وترتكز أساساً على منهج البحث الأنثروبولوجي في دراسة عادات دورة الحياة بما يستلزمه هذا المنهج من وصف علمي للظواهر موضع السؤال أو البحث . ويستند هذا الوصف على عدد من الأدوات المتكاملة التي تمثل جماع الخبرات الأنثروبولوجية والفلكلورية على امتداد تاريخ العلم مثل الملاحظة ( وبالدرجة الأولى الملاحظة غير المشاركة (حيث لم تمكنا الظروف من الإقامة بمنطقة البحث على مدى زمني طويل كما تستوجبه الملاحظة بالمشاركة التي تتطلب المشاركة الفعلية في كل أوجه الحياة الاجتماعية ، والمقابلة الشخصية ، والاعتماد على الإخباريين أو المرشدين ، ورسم الخرائط الجغرافية والبيانية الاجتماعية والتسجيل الصوتي . هذا علاوة على الصور الفوتوغرافية العادية والملونة التي تم التقاطها والتي تفي بمتطلبات التسجيل الأنثروبولوجي السليم .
وتم إتباع وسيلة علمية مقننة في الجمع عن طريق جدول البحث الاستقصائي أو الاستبيان الاستخباري. وصمم الكاتب في هذا الصدد استمارة للبحث ، مستأنساً في تصميمها بالإطار الثقافي التخطيطي الذي أعده الأنثروبولوجيون المتخصصون في الدراسات الحقلية لدراسة الجماعات البسيطة مثل المجموعة الاستخبارية التي أعدها فو كارت ومارين Marin وهي نماذج من المجموعات العامة الشاملة للأسئلة المتعلقة بمختلف النظم التي يمكن أن يتجه إليها الباحث الأنثروبولوجي . كما استعان الكاتب أيضاً بالدليل الذي وضع لجميع العناصر الثقافية المتعلقة بعادات دورة الحياة في الثقافة المصرية ، وعلى وجه الخصوص عادات الميلاد والزواج والوفاة بعد أن تم حذف الأسئلة وتعديل بعضها بما يتلاءم مع ثقافة المجتمع القطري •


وقد نوهنا في السابق بأن الدراسة التي قمنا بها وصفية أساساً اعتمدت على ملاحظة السمات الثقافية والظواهر والنظم بصورة مباشرة في ضوء الدراسة المونوجرافية ( المفردة ) لمهاندة الخور والاعتماد على الإخباريين الأميين كبار السن أساساً ، هذا إلى تطبيق استمارة البحث عن طريق المقابلة الشخصية والاحتكاك المباشر بالأهالي . وهذه الإجراءات المنهجية تدخل كلها في مجال الوصف المباشر ، في حين أن الدراسة اعتمدت أيضاً على طريقة الوصف غير المباشر حيث تم الرجوع إلى مصادر أخرى لمعرفة ما كانت عليه صورة العادات الاجتماعية والطرق الشعبية في الماضي ، كما اعتمدنا على بعض مشاهدات وملاحظات الغير من الباحثين والمسافرين . وهناك أيضاً الروايات المتوارثة والأحاديث المتناقلة والأساطير المتواترة, والقصص الشعبي والحكم والأمثال والأشعار والأغاني السائدة التي تتناقلها الأجيال شفاهة . كلها وما إليها تعتبر روافد خصبة ومصادر غنية تعكس العادات الاجتماعية والطرق الشعبية لدورة الحياة ، وهي كلها تدخل في مجال الوصف غير المباشر ويتضح من هذا أن منهج الوصف ذو شقين وأن جانباً واحداً من هذا الوصف ، ونعني الوصف المباشر عن طريق الملاحظة والمقابلة الشخصية لا يكفي لتسجيل حقائق كاملة عن الموضوع . لذلك نرى أن علماء الإثنوجرافيا يذكرون أن الطريقة المثلى هي جمع المادة عن ثقافة ما أو منطقة معينة بالملاحظة المباشرة وغير المباشرة وأن تكونا متكاملة . ذلك أن الباحث في تتبع العادات الاجتماعية قد يميل إلى ذكر العادات المتبعة في دفن الميت مثلاً وطريقة تذكره أو وداعه ، وقد لا يموت أحد مثلاً حين يكون الباحث في الميدان ، فهنا لا تجدي الملاحظة المباشرة ، ويلجأ الباحث إلى الملاحظة غير المباشرة أي ملاحظة ظواهر أُخرى مرتبطة بها أو القيام بزيارة المدافن وملاحظة عدة أشياء جزئية ثم السؤال والاستقصاء الذي يعتمد على الذاكرة أكثر مما يعتمد على العين المجردة ، ذلك لأن الذي يتحرى الدقة بعينيه فقط لن يقدم إلا صورة ناقصة للحياة الاجتماعية.


وأخيراً نشير إلى أن محاولة الوقوف على مظاهر الثبات والتغير في العادات الاجتماعية لدورة الحياة ، يعكس أهمية استخدام المقارنة التاريخية لمعرفة الوضع الذي كانت عليه تلك العادات في الماضي أو في المجتمع القطري التقليدي والمجتمع الحديث . وتفترض الدراسة الحالية في استخدامها للمقارنة التاريخية نقطة معينة يفترض أنه قد حدث عندها التغير ، وهي ما يطلق عليه نقطة الصفر . وهذه النقطة هي اكتشاف البترول منذ حوالي ثلاثين عاماً ثم تداوله تجارياً وتسويقه دولياً وعلى نطاق واسع وضخم بعد ذلك . وقد نتج عن هذا الوضع تغير إجتماعي وتأثيرات شاملة انعكست في بناء المجتمع القطري وفي نظمه المختلفة ، وإن تفاوتت قوة تلك التأثيرات بطبيعة الحال من منطقة ثقافية إلى أخرى . ومعنى هذا أن المنهج التاريخي يمكن أن يصف لنا الظاهرة الاجتماعية وتحولها أو ما يطرأ عليها من تغير من نقطة ابتداء معينة إلى نقطة انتهاء محددة ، وذلك من أجل الوقوف هذا على ما حدث للظاهرة الاجتماعية موضع التساؤل من تغير . ويستتبع عدم الحاجة إلى تفسير الظاهرة الاجتماعية بالالتجاء إلى التاريخ الظني أو التأويل السيكلوجي


========
( ثانياً ) الثبات والتغير في عادات دورة الحياة : رؤية شاملة
عاش أفراد المجتمع القطري فترة طويلة من حياتهم في ظل نظم وأوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية تقليدية ثابتة نسبياً ، وانعكست هذه النظم والأوضاع على قيم وعادات المجتمع. وقد جاء اكتشاف البترول منذ حوالي ثلاثين عاماً ثم استغلاله وتسويقه خارجياً ليعرض بناء المجتمع القطري بفضل عمليات التنمية والتحديث التي تجرى في كافة قطاعات و مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وانعكس أثر ذلك بدرجات متفاوتة في كافة أنحاء المجتمع القطري.


ومجتمعات الخليج العربي التي تشكلت قبل اكتشاف البترول ، بما فيها المجتمع القطري ، هي مجتمعات قبلية أساساً. ولعل السبب في ذلك هو أن كل هذه الإمارات تتغذى على احتياطي بشري واحد هو قبائل شبه الجزيرة العربية.
وهذا النمط من المجتمعات البدوية القبلية ذو تنظيم اجتماعي و نشاط اقتصادي وبناء للسلطة يختلف كل الاختلاف عن تلك التنظيمات الاجتماعية والنشاطات الاقتصادية وأبنية السلطة بين الجماعات التي تسكن المناطق الريفية أو الحضرية الصناعية والمجتمع البدوي القبلي تحكمه قيم ونظم وأنماط سلوكية معروفة ومحددة . فهو مجتمع يقوم على نوع من العلاقات والروابط الاجتماعية التي تدور حول الدم أو العرق أو ما يسمى العلائق والصلات الدموية » أو « العصبية » أو « النسق القرابي » أحياناً أخرى ، والعلاقات القائمة على أساس هذا النسق من السمات الرئيسية البارزة للمجتمع البدوي . ويكاد يكون هذا النظام هو النسق المشترك في البداوة العربية كلها. ومن خلال هذا احتفظ البدوي بوحدته الثقافية والحضارية . ولعل هذا هو السبب في أن ولاء البدوي لا ينصرف إلى المكان ، وإنما يتجه إلى الزمان . ومن هنا جاء تمسكه بالعادات والتقاليد والأنساب . والرابطة الأساسية التي تربط أفراد المجتمع هي الرابطة الدموية. كما أن العصبية جزء لا يتجزأ من النظام الاجتماعي البدوي بفضل ما تتميز به من قوة حلقية واجتماعية قادرة على حماية كيانه القبلي.


من هنا كان البدوي شديد الانصياع لمعايير جماعته ، ويتدعم هذا الاتجاه عن طريق التطبيع الاجتماعي الذي يشجع التمركز حول العائلة أو القبيلة ، بمعنى أن البدوي ليس له كيان بعيداً عن عشيرته أو قبيلته أي عصبيته . هذه العصبية هي التي تنظم سلوك الأفراد وتعمل على التضامن والانسجام وتلبي مطالب البدوي كلها ، وهي التي تحكم البناء الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية. كما يترتب عليها التزامات وأدوار اجتماعية يقوم بها الأفراد والجماعات لتدعيم هذا النسق . وتتجلى العصبية في مظاهر اجتماعية متعددة كعصبية الأقارب وذوي الأرحام ، وعصبية التضامن والتحالف القبلي ، وعصبية الولاء ، وعصبية الجوار ، وعصبية العادات والتقاليد . .. الخ .


كل هذه القيم والنظم والأوضاع تترك بصماتها واضحة جلية على ملامح المجتمع البدوي وثقافته ، وتتأثر عاداته وتتشكل وفقاً لها . فمثلاً تؤثر العصبية في المجتمع القطري عموماً في نظام الزواج وعاداته . فالزواج يقوم على أساس الرابطة الدموية أو العصبية ، وهو ما يعرف بالزواج الانضوائي أي الزواج من الداخل بين الأقارب وبني العمومة على زعم أن هذا يؤدي إلى تقوية الوحدة المورفولوجية للقبيلة أو العشيرة . وهذا يفسر مغالاة بعض القبائل والعشائر في حرصها على نقاوة عصبيتها فلا يمكن مثلاً للقبيلة الأصيلة أن تزوج بناتها للقبائل غير الأصيلة والعائلة هي نواة المجتمع ، فهي المسئولة عن تنشئة الأطفال وتلقينهم القيم والمعايير التي يعتز بها المجتمع القبلي ، وهي تعد الفرد الإعداد الاجتماعي السليم لمواجهة الحياة . والأب هو المحرك لكل المناشط الاقتصادية والاجتماعية داخل عائلته ، فهو يتبوأ مكانه رفيعة ، في حين أن مكانة المرأة ضعيفة ، لا رأي لها في زواج أو خلافه ، ولا يحق لها التصرف في أموال العائلة المنقولة وغير المنقولة ، أو التصرف في زواج الإبن أو البنت . وواجب النساء بصفة عامة هي طاعة الرجل وطاعة أوامر الزوج ووجوب تنفيذ جميع ما يطلبه كل هذه عادات اجتماعية تمثل لب الثقافة وجوهرها ، وهي قوانين التعامل الاجتماعي بين أفراد المجتمع التقليدي خصوصاً في المجتمعات التي لا تشكل دولة بالمعنى المتعارف عليه سياسياً ، وهي من صنع المجتمع وخلقه ، وليست من صنع الفرد ، وهي تكشف بجلاء عن شخصية المجتمع .
وقد حملت ثورة النفط معها أسباب التغير الاجتماعي والثقافي ، وهو أوضح ما يكون جوانب الثقافة المادية ، حيث يمكن مشاهدة ذلك بسهولة في مظاهر العمران المختلفة : في المباني وفي اقتناء أحدث سلع الاستهلاك والترف على اختلاف أنواعها ، وظهور أنشطة اقتصادية جديدة لم تكن موجودة في المجتمع التقليدي ، واختفاء أنشطة تقليدية أخرى مثل الغوص على اللؤلؤ ، والتجارة بمفهومها القديم . وقد أخذت التجارة الآن وضعاً جديداً في المجتمع القطري عامة يستند على أسس مغايرة وتنظيمات مختلفة عن تلك التي قامت عليها قديماً . هذا إلى زيادة عدد المؤسسات الاقتصادية وتدفق الهجرات التي يحتاجها سوق العمل والإنشاءات الحديثة التي فرضتها حتمية التطور إلى مجتمع حديث . كما ظهرت في سوق العمل الحاجة إلى التخصص وتقسيم العمل بالمعنى الفني الدقيق ، كما أنشئت كثير من البنوك والمؤسسات المالية . كل هذا استتبع تغيرات في السلطة السياسية والقضائية ارتبط بعملية تحديث الدولة ، إذ لم يعد العرف كافياً لتسوية المنازعات في المجتمع الحديث . كما كان على الوحدات القبلية والعرفية الانتظام في علاقات جديدة في النسق السياسي الحديث الذي يقوم على نظم الإدارة المحلية والتنظيمات الإدارية بالشرطة والقضاء ، مما أدى إلى انهيار بعض العلاقات السياسية التي تربط بين تلك الوحدات القبلية والعرفية ، فلم تعد الوحدات التي تمثل المرتبة الدنيا والتي تخضع لحماية الوحدات القبلية التي تمثل مرتبة أعلى في نسق الترتيب والتفاضل الاجتماعي القبلي التقليدي، في حاجة إلى مثل تلك الحماية.


كما أن طبيعة المشروعات الاقتصادية الحديثة التي ظهرت بعد اكتشاف النفط أدت إلى ظهور نظام جديد للتأمين يختلف تمام الاختلاف عن نظام التأمين الاجتماعي والاقتصادي التقليدي الذي كانت تمارسه العائلة والقبيلة ، مما أدى إلى تقلص وتلاشي الحاجة شيئاً فشيئاً إلى التمركز الإقليمي للوحدات القبلية والعرفية ، وظهور الصورة الحديثة للأسرة الزواجية أو الصغيرة Conjugal or Nuclear Family بعد أن كانت العائلة الممتدة Extended family هي نمط التنظيم العائلي السائد . وقد كان لهذا أثره النسبي في بداية تحرر أفراد الأسرة من السلطة بين أجيال الآباء والأجداد ، وتحرر الفرد من تلك الوصاية التي تتحكم فيه وفي سلوكه وحريته في اتخاذ القرار ، وكان هذا أوضح ظهوراً في الحضر أو في العاصمة الدوحة تحت تأثير التعليم والاختلاط بالأجانب.


وقد بدأ المجتمع القطري بصفة عامة يتقبل فكرة تعليم الفتاة ، واكتساب الفتى والفتاة لقيم جديدة مثل خروج المرأة للعمل خصوصاً في معن معينة مثل التدريس والتمريض والعمل الإداري والفني في الوزارات ، واستخدام وسائل المواصلات الحديثة ، والعمل الحر ولم تعد التنشئة الاجتماعية تنشئة صارمة أو متسلطة يمارس فيها الأب الدور الرئيسي باعتباره رمز السلطة المطلقة ( Authoritarian figure) بحيث يقوم بتحديد أنماط السلوك المرغوبة وغير المرغوبة للأفراد في نطاق الأسرة أو المجتمع ، ويفرض هذه الأنماط على الأبناء وأصبحت عملية التطبيع الاجتماعي أو التنشئة الاجتماعية أكثر مرونة ، وابتدأ يظهر ما يمكن أن يسمى بصراع الأجيال أو صراع بين القديم والجديد . وتغيرت النظرة إلى إلى المرأة إلى حد ما - حيث لم تعد فحسب أداة للاستمتاع في علاقة الزواج ، وذلك تحت تأثير التعليم الذي أعطاها ومازال سيعطيها دفعة أثر دفعة ستساعد على كسر كثير من القيود والأغلال الاجتماعية التي تحد من مشاركتها كعضو منتج فعال في الهيئة الاجتماعية باعتبارها تشكل نصف أفراد المجتمع .


هذه الرؤية الشاملة - في نظر الكاتب - تعد ضرورية وهامة لفهم مظاهر ( التغير النسبي ) عادات دورة الحياة ، تلك العادات التي لا تنفصل عن بناء المجتمع الكلي . وهناك عادات ثابتة ، وأُخرى تغيرت تماماً ، وثالثة ابتدأت تصيبها رياح التغيير . من هنا يمكن القول بأن المجتمع القطري، مثل غيره من المجتمعات العربية بصفة خاصة والنامية بصفة عامة ، مجتمع يتعايش فيه القديم والجديد جنباً إلى جنبب ، بمعنى أن كثيراً من النظم الاجتماعية وأنماط السلوك والقيم البدوية التقليدية ، مازالت تتعايش حتى اليوم في وجدان أفراد المجتمع وفي أنماط سلوكهم الفعلي جنباً إلى جنب مع التصورات والقيم الجديدة والأنماط المستحدثة . وهي ظاهرة مشتركة على أية حال تتقاسمها البلاد العربية سواء في آسيا أو أفريقيا بدرجات متفاوته بطبيعة الحال.
و مجتمع قبيلة المهاندة بالخور مجتمع يعكس أصالة الماضي وتراثه التليد . من هنا كان حرص الكاتب على دراسته ، حيث تمثل قبيلة المهاندة إحدى القبائل القطرية الأصيلة وما دمنا بصدد تحديد مظاهر الثبات والتغير في عادات دورة الحياة ، فسنقوم بعرض الخطوط العريضة لذلك موضحين في إيجاز صورة الممارسات التقليدية للعادات الاجتماعية لدورة الحياة جنباً إلى جنب مع ما حدث أو طرأ من تغير وذلك بالنسبة كما ذكرنا آنفا لعادات الميلاد والزواج والموت ولكن باديء ذي بدء يمكن أن نقرر أن العادات الاجتماعية المتعلقة بالموت لم تتعرض للتغير ، إلا في عناصر فرعية قليلة وسمات ثقافية جد محدودة . والسبب في ذلك يعود بطبيعة الحال إلى ارتباط هذه العادات في أغلب الأحوال بتعاليم الدين الإسلامي . ومعنى هذا أن العادات المرتبطة بالنظام الديني لم تتأثر إلى حد بعيد بالتغير البنائي الذي شمل النظام الاقتصادي والسياسي والتربوي ، حيث اعترت تلك النظم تغيرات واضحة . وإن تعرضت مرحلة ما قبل الموت ( الشيخوخة ) للتعديل لاسيما ما طرأ على المكانة الاجتماعية Social Status للشيخ أو كبير السن على النحو الذي سنذكره فيما بعد


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

ويبدو أن التوقع...

ويبدو أن التوقعات المختلفة للجنسين تنبع من المفهوم التقليدي القائل بأن الرجل هو من يعيل المرأة ويحمي...

رونيت، يبدو من ...

رونيت، يبدو من هذا البحث أنه وفقا للتوثيق في "القاموس العامي الشامل" (روزنتال، 2005) فإن الصور البار...

تدور أحداث هذه ...

تدور أحداث هذه القصّة فى بيت صغير، يعيش أهله مرارة الغربة، ومنهم فتاةٌ في السّادسة عشر من عمرها، وتد...

Ensuring access...

Ensuring access to healthcare for all promotes equality and equity within societies. It aims to brid...

بُرج خليفة المع...

بُرج خليفة المعروف باسم برج دبي قبل افتتاحه في عام 2010) ناطحة سحاب في إمارة دبي في دولة الإمارات ال...

تهادى ماثيو كثب...

تهادى ماثيو كثبيرت قائدا فرسه البنية على طول الأميال الثمانية المؤدية إلى بلدة برايت ريفر كان الطريق...

اعتقدت أنني سم...

اعتقدت أنني سمعت. تقيأت الماء المالح وسعلت إلى الخارج. ارتعد جسدي حتى تحطمت عضلاته. ألم كبير سحق صد...

أسباب الإرهاب و...

أسباب الإرهاب ودوافعه تختلف أسباب العمل الإرهابي ودوافعه باختلاف نوع العمل وممَّن صدر (فرد أو جماعة...

لمن يهمه الامر،...

لمن يهمه الامر، المريض المذكور اعلاه قد تعرض لحادث سير بتاريخ 11/06/2024 حيث انه قد تعرض لدّهس من ق...

يكونون الجهة بغ...

يكونون الجهة بغية تحقيق تنمية محلية مندمجة، إلا أن التحديات التي فرضتها العولمة و التنافسية و التي ت...

Inévitablement,...

Inévitablement, les crises financières et économiques provoquent des perturbations économiques qui p...

Polarity and si...

Polarity and size of particles The nature of the particles making up a gas also affects how ideally ...