Lakhasly

انشغل علماء النفس سابقا بالتشخيص و العلاج و الوقاية من الاضطرابات النفسية والعقلية بل تعدي الأمر ذلك حيث انشغلوا ايضا بالتدخل المبكر للشفاء أو بتعديل السلوك المنحرف، ونتيجة لهذا الانشغال تم اغفال الجانب الإيجابي والذي من شأنه تدعيم نقاط القوة لدي الفرد لمواجهة ضغوط الحياة، وفيما بعد ظهر علم النفس الايجابي لدراسة الجوانب الإيجابية ومساندة الفرد في المواقف العصيبة، ليس ذلك فقط بل يسعي هذا العلم لتحقيق نمو وازدهار الأفراد والمجموعات والمؤسسات، ويبحث عن طرق و مسالك ليساعد الفرد علي مقاومة الألم ومواجهة الأزمات في حياة (عادل كريم، 2014، 45) .
يعد الذكاء الروحي Spiritual Intelligence أحد المفاهيم الحديثة التي حظيت باهتمام الباحثين في المجال النفسي للبحوث خلال السنوات الأخيرة، ويري Emmons أن الروحانية تمثل مجموعة من قدرات و استعدادات تمكن الفرد من حل المشكلات، وتحقيق الأهداف في حياته اليومية، ويمكن القول أنه يكون لاهتمام الفرد بالأمور الروحية تأثير علي تفسيره لعالمه، كما أنه تساعده علي تحقيق النضج الحياتي و تعديل سلوكه اليومي، كما أن هناك بعض من العلماء اطلقوا علي هذا الذكاء اسم الذكاء الأسمي أو المطلق لأنه يعد مصدر توجيه للذكاءات الأخرى، ويعمل علي زيادة الوعي الإنساني بملكاته الروحية والمادية بشكل عميق (نشوي محمود وسعاد فرج، 2019، 12: 15) .
ويشير مصطلح الذكاء الروحي (SQ) في علم النفس إلى حالة الذكاء النهائي التي تأتي بعد معدل الذكاء والحاصل العاطفي (EQ). على حد تعبير Danah Zohar، ويستخدم الذكاء الروحى فى تطوير شوق الأفراد لأيجاد المعنى فى الحياة بل وتشكيل معنى ورؤية وقيمة خاصة بهم، كما أنه يسهل الحوار بين العقل والعاطفة وبين العقل والجسد، ويسمح بتحقيق الأندماج وتكوين علاقات بين الفرد والآخرين مما يسمح بتجاوز الفجوة بين الذات والآخر . (Roy, A. G., 2020, P.4 )
وكذلك يعتبر الذكاء الروحي أحد الدفاعات العقلية الهامة الذى يعمل على تقليل حدوث السلوك المنحرف بسبب التأثيرات البيئية، كما أنه يجعل الأفراد يتمتعون بالسلامة من الناحية الفكرية والعاطفية والروحية، ويمكنهم من التواصل الجيد مع أنفسهم ومع الآخرين، وهذا لأنه يجعل الأفراد يفهمون أكثر عن من هم، ويجعلهم أكثر ادراكًا عن معني كل شيء بخصوص أنفسهم والآخرين، ويتيح لهم هذا الفهم تشكيل شخصًا يتمتع بشخصية جيدة وموقف جيد يتجلي في الحياة اليومية ويتخطي ذلك ليكون ظاهرًا في الأسرة والمجتمع ككل، ويمكنهم من التعامل مع المشاكل العادية بل والخطرة؛ مثل: المعاناة (Nggermanto, 2007) ، كما يهدف الذكاء الروحي إلى بناء ذكاء الطلاب ومعرفتهم كمحاولة لتطوير القيم الروحية فى أنفسهم حيث أن نجاح الطلاب لا تقتصر على تحصيلهم الاكاديمى فقط، بل يمكن رؤية هذا النجاح من خلال القدرة على التحكم فى سلوكهم الاخلاقى فى البيئة المدرسية، ويمكن أن يتضح ذلك فى الحد من العدوانية وأعراضها مثلًا، كما أنه يُمكن الطلاب من مساعدة الآخرين حيث أن هذا لا يمثل فقط مظهر من مظاهر الذكاء الروحى بل هو شكل من أشكال العبادة التى تعمل على رفع الفرد درجة عند ربه، ويمكنهم من تفسير الحياة (Lisdayani, L., 2021, P. 125: 126) .
يري المهتمون بالمجال أن زيادة معرفة الأفراد بما يتعلق بالذكاء الروحي عبر مراحل حياتهم يسهم فى شعورهم بالسعادة والتمتع بصحة نفسية جيدة، ولن نكون مبالغين حين نقول أن الذكاء الروحي ما يتضمنه من روحانية مفقود لدي بعض الأفراد في الوقت الحالي، بما يعكسه من مُثل وقيم وأخلاقيات، مما ادي إلى انتشار المادية وسيادة المصلحة الشخصية للوصول إلي أهداف يرجوها الفرد لنفسه، وإن كان هذا يسبب ضررًا للآخرين، وهذا الأمر قد يكون ملموس من كل منا، والباحثة ضمن هؤلاء مما دفعها إلى البحث فى هذا الشأن الذى يواجه مجتمعنا والمجتمعات الآخري بشكل ساهم فى معاناة الكثير من أفراد المجتمع.
يعمل الذكاء الروحي على تطوير وتنمية والتسامي بالوعي لدى الأفراد وذلك عن طريق اتباع المصادر الدينية والحرص على اتباع الأوامر الدينية والابتعاد عن نواهيه وذلك فيما يخص العبادات والمعاملات؛ فالعبادات تخص علاقة الفرد بربه عز وجل بينما تختص المعاملات بعلاقة الفرد مع من حوله فى الكون الذى نعيش فيه ومن الطبيعي أن يأمرنا الشرع بعلاقات اجتماعية قائمة على العطف والاحترام وغير ذلك من القيم والاخلاقيات الحسنة فيما بينها، ولا يختص الذكاء الروحي بما هو ديني فقط بل يجب لكي نقول أن شخصًا ما ذكي روحيًا يجب عليه التمتع ببعض السمات كالمرونة لكي يتكيف مع ما حوله من ظروف، كذلك يمتلك وعي بذاته ويتخطي الأمر ذلك فى كونه يستطيع أن يدير ذلك الوعي ليعلو بنفسه، ولديه أيضا قدرة علي تحقيق أهدافه نتيجة لاختيارها بعناية لتتناسب مع الامكانيات المتوفرة لديه وتكون هذه الأهداف متوافقة بشكل كبير مع المصلحة العامة التي تنشد الصالح العام والخير للبشرية، كذلك لديه القدرة علي حل مشكلاته وذلك نابع من اتباع النماذج الدينية، وتوفر القدوة الحسنة في حياته، وامتلاكه لنظرة شمولية لمعالجة الأمور من حوله مما يقلل من تعرضه للمشكلات وأن وقع في مشكلة يومًا ما يتعلم منها ومن أخطاءه ولا يقع فيها مرة آخري.
بينما فيما يخص متغير السعادة فقد فرق سليجمان بين مفهوم السعادة اللحظية ومفهوم السعادة الحقيقية بحيث تمثل الاولي شعور لحظي بالسعادة يمكن أن يتأثر بسهولة ببعض الأشياء البسيطة التى من شأنها تشعر الإنسان بالرضا وهذا من شأنه أن يرفع معدل السعادة بشكل مؤقت، بينما تتكون الثانية من ست فضائل وهى: (الحكمة والمعرفة، الشجاعة، الحب والإنسانية، العدالة، ضبط النفس والاعتدال، الروحانية والتسامي)، ويتم تنفذها من خلال سلوكيات يقوم بها الفرد، ويمكن ملاحظتها وقياسها وتنميتها (عبد الكريم الحدادي، 2021، 306) .
كذلك قسم سيلجمان السعادة إلى ثلاث مراحل وذلك فى كتاب اسماه السعادة الحقيقية إلى: منظور اللذة: المختص باللذات والمتع وطيب العيش ورغد والحظ والقدرة على الاستهلاك، وتتمثل المرحلة الثانية فى منظور الحياة الطيبة: والخاصة بالاقتدار والتمسك بالفضائل وممارستها ورفعة حياة الفضائل (عمل الخير) والتى استخلص منها ست فضائل تم ذكرهم سابقًا عبر أحدي الدراسات، وآخر هذه المراحل منظور الحياة ذات المعنى: وهى حياة مليئة بالعطاء دون حدود وذات معنى وقصد لهذا العطاء، حيث يلتزم فيها الفرد بالقضايا الكبري أو السامية وذلك يتحقق بواسطة دافعية داخلية أصلية فى الفرد بحيث يكون ذلك بمثابة الهوية الذاتية له لأن هذا يمثل معنى الحياة ومررها نقلا عن (مصطفي حجازي، 2012، 291:292) .
وتعد الروحانية من أهم مقومات السعادة حيث أن الأفراد المتدينون يهتموا بالدعاء ويعملوا علي تطبيق قواعد الدين التي تحس علي التعاون و تقديم الخدمة والمساعدة والترابط بين الأفراد، ومن ثم فأن المعتقدات القوية توجه تصرفات الأفراد و تدعم التفكير الإيجابي لديهم و تساعد علي تحقيق الهدوء الجسماني و تعمل علي خفض التوتر و القلق (Wong, Rew& Slaikeu, 2006; Hagkney & Sanders, 2003; Wagener, Furrow, King, Leffert & Benson, 2003) نقلا عن (عادل كريم، 2014، 52) .
وبنظر إلي تقرير السعادة العالمي الصادر عام 2022 بواسطة الأمم المتحدة الذي يتم قياسه وفقًا لتحقيق الرفاهية بالنسبة للأفراد، وصدر هذا التقرير بعد فيروس COVID – 19، ويتم قياس درجة (السعادة والرفاهية الذاتية) وفقًا للمؤشرات الرئيسية للرفاهية، وهي: (تقييمات الحياة – العواطف (المشاعر) الإيجابية – العواطف (المشاعر) السلبية)، وجاءت مصر في المرتبة الـ 129 فى هذا التقرير (Helliwell, J. F., Layard, R., Sachs, J. D., De Neve, J. E., Aknin, L. B., & Wang, S. (Eds). (2022) . والتي تعد مرتبة متأخرة إلي حد ما مما وجب الاهتمام بمتغير السعادة، وكذلك معرفة القدرة التنبؤية للذكاء الروحي بالسعادة مما قد يتيح فيما بعد عمل دراسات شبة تجريبية تهدف إلي تنمية السعادة، وذلك بالاعتماد علي تنمية هذا الذكاء.
وتعد المرحلة الثانوية كما يقول البعض عنق الزجاجة الذي أذا خرج منها الفرد بأمان قد اجتاز مرحلة صعبة فى حياته وقد حقق جزء من طموحاته وذلك بجده واجتهاده في هذه المرحلة الانتقالية التى ينتقل فيها الفرد من مرحلة التعليم المدرسي إلى مرحلة التعليم الجامعى التي تعد تمهيدًا لما سوف يكون عليه الفرد فى المستقبل والواقع العملي، والطلاب في مرحلة التعليم الثانوي يتعرضون لكثير من الضغوطات فإلى جانب خوفهم من الفشل فقد يخاف الأباء أيضا مما يجعلهم مصدر ضغط علي الابناء مما قد يؤدي علي نتائج عكسية، والطلاب في مرحلة التعليم الثانوي يندرجون تحت ما يسمي بالمراهقة المتوسطة وهى مرحلة هامة في حياة الفرد يتعرض فيها لكثير من الضغوطات والتقلبات التى يمكن مواجهتها اذا كان لديه من الذكاء الروحي القدر المناسب حتى يكون أقرب إلى السواء والسعادة والبعد عن الوقوع فى دائرة الاضطرابات فيما بعد، لذلك أن امتلاك الطلاب للذكاء الروحي في هذه المرحلة سوف يساعد على أن يكونون بمأمن من التعرض لكثير من المشكلات التي تواجه هذه الفئة من المرحلة العمرية والتى تتسم ببعض التهور والتسرع وقلة الوعي والتقلب من حال لآخر والتمرد لاثبات الذات مما يجعلها أكثر عرضه للضيق والتوتر والأخطاء.
من هنا كان من الأهمية وجود هذه الدراسة، وهى: الذكاء الروحي كمنبئ بالسعادة لدي طالبات المرحلة الثانوية.
لذلك فأن الدراسة الحالية جاءت لتكشف عن العلاقة التنبؤية بين الذكاء الروحي و السعادة لدي طالبات المرحلة الثانوية، وكشف عن الفروق في هذه المتغيرات لدي طالبات الصف الثاني الثانوي، وذلك وفقًا للمستوي الاقتصادي والاجتماعي (مرتفع - منخفض) والتخصص (أدبي – علمي) .