Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

إن العلاقة بين الخيال والواقع لا تُطبق الآن فقط، بحيث أصبحنا لا نعرف ما الواقع وما الخيال في عالم الصور المحاكية والمحاكاة الزائفة، لقد حطمت ما بعد الحداثة اليقين الحداثي في أصالة الصور كمتغير موثوق به أو أصيل أو منفرد. إن صور ما بعد الحداثة تعبر عن طريقة صناعتها بشكل خاص، وتعرض لصيغتها غير الأصلية والمؤقتة، تعرض لسطحها الخاص المؤقت العابر. هل نلاحظ ما يحدث الآن في القنوات الفضائية العربية المخصصة لعرض الأغاني الحديثة المسماة ( الفيديو كليب وكيف يحدث إنتاج شبه يومي للأغاني الجديدة؟ هل نلاحظ هذا الاستبدال المستمر للمطربين؟ هل نلاحظ البروز لبعضهم أحيانا، بحيث يصلون إلى مرتبة النجوم، ثم السقوط المدوي لهم ما دامت شرائطهم أصبحت لا تباع كما كانت تباع في الماضي؟ إنهم قد تحولوا بدورهم إلى سلع تباع وتشترى ويجري احتكارها لسنوات تطول أو تقصر، ولم تعد القيمة المعطاة لأي مطرب قيمة فنية؛ بل قيمة تجارية يعلو معها وينخفض ويهمل حسب مبيعات شرائطه. لقد أصبحت أسماؤهم كثيرة مثل أسماء الزيوت والصابون وماركات الشاي والفوط الصحية، بحيث أصبح من الصعب أحيانا تذكر أسماء كثير من هؤلاء المطربين. إنهم يظهرون فنشاهدهم ونتابعهم ويختفون فلا نتذكرهم، وقد تصبح أغنية معينة هي الأفضل والأكثر طلبا ومبيعا بسبب الإلحاح اليومي في عرضها، وتكرار الملاحقة للمشاهدين والمستمعين بها، ثم تظهر أغنية أخرى للمطرب نفسه أو لغيره فنجد أننا سرعان ما ننسى الأغنية الأولى، بل قد يبدو ظهورها الآن مزعجا ومنفرا وداعيا إلى تغيير قناة المشاهدة. إن التكرار والإلحاح آلية من آليات ثقافة الصورة عموما، ومن بين آليات التكرار والإلحاح في البلاد العربية تكرار الألحان الغربية بمطربين ومطربات عرب من دون الإشارة حتى إلى المصدر الذي تنقل الأغنية منه. إن كثيرا مما تقدمه القنوات الفضائية العربية الغنائية أشبه بالمحاكاة السطحية لقنوات عالمية، والكثير مما يقدم يعتمد على الإبهار البصري على رغم فجاجة الكلمات وسطحيتها في أحيان كثيرة، فالمهم هو الإبهار بالألوان والإضاءة والتصوير والإغواء بالتلميحات أو التصريحات الجنسية في الحركة والكلمة، وإبراز بعض مكونات الجسد الأنثوي على نحو خاص. لم تعد هذه الأغاني ترتبط بمنطقة الكلمة والعقل أو المشاعر، بل بمناطق الإغواء والشبق والتحريض الجنسي، ومن هنا كان هذا الإبراز الدائم والكشف الدائم لمناطق خاصة من الجسد، وكذلك التنغيم المستمر للصوت الأنثوي فيما يشبه النداء الجنسي المستمر. إن الجسد يستخدم الآن بكثرة في بيع الفن كما يستخدم الفن في بيع الجسد. لقد رفض وارهول فكرة النظر إلى الفن بوصفه إبداعا أصيلا ومتفردا في الزمان والمكان، ومهد الطريق للقول إن رسالة ما بعد الحداثة تكمن في أن الصورة قد أصبحت الآن سلعة تنتج آليا، وجزءا من منظومة السلع والاتصالات الكلية، حيث يمكن التقاط الأساليب المدركة والمنقولة عولميا في أي مكان، كما أنه يمكنها أن تتحرك حرة أيضا من قارة إلى أخرى. لقد أصبح الفنانون الآن واعين - على نحو ما - بالطفرات الثورية التي حدثت في الوعي بسبب الثورة في مجال الصور والتصوير، التي تمثلت باكتشاف التصوير الفوتوغرافي، والفيلم الملفوف الأخذ مجموعة من الصور الساكنة، وذلك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم الإرسال الأول للأصوات من خلال الراديو والصور المتحركة نحو عام ۱۹۰۰ ، ثم التوسع والامتداد الكبير للتليفزيون في أوروبا وأمريكا منذ الأربعينيات، ثم ظهور التليفزيونات المتعددة القنوات والفضائيات في ثمانينيات القرن العشرين التي جعلت نحو نصف مليار وخمسمائة مليون إنسان على الأقل عبر العالم قادرين على مشاهدة مباريات كأس العالم في كرة القدم عام ۱۹۸٦ ، بمن فيهم بعض القبائل الهندية المعزولة عن العالم في أدغال البرازيل (۲)، في حين شاهد دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة في أثينا عام ۲۰۰٤ نحو أربعة مليارات شخص كما قالت وسائل الإعلان. لقد أدى ابتكار الصور التكنولوجية إلى تحول بارز من عصر الإنتاج إلى عصر النسخ، لقد وصلنا إلى عصر أصبح الاحتمال فيه موجها نحو السطح وليس العمق، نحو الصورة وليس المعنى نحو العابر وليس المقيم، لقد فقدنا في عصر الاستهلاك هذا - كما قال بودريار وكما قال جيمسون أيضا رغم حماسته ما بعد الحداثية - الاهتمام بأعماق الذات أو النفس البشرية؛ لأننا أصبحنا نهتم فقط بالموضوعات الظاهرية السطحية اللامعة المظهر البراقة السطح وفقدنا العمق الذي كان يجري البحث عنه دوما، لأن ما يوجد أمامنا الآن ويجري امتلاكه واستهلاكه أصبح كافيا ومرضيا، وفقدنا الإحساس باللحظة التاريخية بالثبات واليقين بسبب التغير والتنوع والإبدال والاستبدال للقيم والثوابت والأفكار، وفقدنا الإحساس بالتعبير الإنساني عن كل ما هو أصيل فأصبح موضعا للشك ومجالا للاستنكار. لم يعد أمام فنان ما بعد الحداثة أن يزعم أنه يعبر عن أي شيء لأنه لم يعد يستطيع أن يزعم أنه يمتلك أي شيء. فمثلما كان وارهول يقول عندما أنظر إلى مرآة، فماذا ترى هذه المرأة؟ هكذا تكون ظاهرة الانعكاس بين المرايا وإنتاج السطوح للسطوح، إننا لا نعيش فقط في عصر الصورة، بل في عصر الصورة التي تنتج صورا، الصورة التي تصبح نسخة الصورة التي تتولد منها صور لا حصر لها ولا معنى لها أيضا إنه عصر الثورة والذبذبة والتكرار والنسخ، عصر وصفه أحد الكتاب بأنه عصر يمكن حصره بأنه يشمل الموسيقى العشوائية، والقصائد المنتجة بالكمبيوتر، والنحت السائل أو المتبخر الذي يصنع من الجليد أو الشمع، والميديا المدمرة لنفسها بنفسها، والمشاهدة الشبيهة بجلسات تعاطي المخدرات والعقاقير المخدرة، اللوحات الخالية من الرسوم ومن المعنى ومن الأحداث، عصر البوب والبصريات والنفايات الفن المكاني والفن المفهومي، عصر فن الأرض أو البيئة، عصر تتولد فيه وتتكاثر وتخترقه أنواع جديدة من الأساليب المضادة للفن التي تتولد منها أساليب أكثر جدة وأكثر تصادما مع الفن أيضا . وتشترك كل هذه الحركات في واقع خاص هو تقويض أركان كل ما كانت تقول به أو تدعيه الحداثة العالية بأفكارها الخاصة حول المؤلف المتحكم في عمله، لقد سعى أصحاب هذه الحركات جاهدين من أجل التقليل كثيرا من شأن ما يسمى بالخيال الإنساني، وكذلك ما كان يقال عن غاية الفن وأهدافه. إن الفنان ما بعد الحداثي يرقص فوق قبر الفنان الحداثي المثالي كما قال كيرني (٢). تستبعد ثقافة ما بعد الحداثة كل ما يقال حول الإبداعات الأصلية، وتؤكد جدارة الحضور الكلي للصور التي تدمر نفسها بنفسها، والتي يحاكي بعضها بعضا في ذلك اللعب والتفاعل المستمر الذي لا يتوقف للمرايا وبالمرايا، ولكن من خلال لعبة عنيفة للأخذ بالثأر . لم تعد الصور تمثيلات للواقع الخارجي أو الأعلى، ففكرة الواقع نفسها أصبح يعاد النظر إليها، ويُكشف الغطاء أو القناع عنها بوصفها إيهاما أو خداعا أو ظلا. لقد عدنا مرة أخرى إلى كهف أفلاطون. لم تعد مرآة ما بعد الحداثة تعكس عالم الطبيعة الداخلي؛ أو عالم الذات الداخلي بل أصبحت تعكس ذاتها تعكس لعبها الخاص فيما يشبه لعبة المرايا بنفسها، مرآة داخل مرآة داخل مرآة، مثلما تقوم كاميرا جودار بالتصوير الكاميرا تصور كاميرا، أو مثلما يعد إنتاج مشهد الرقص التليفزيوني في فيلم «جينجر وفريد » Ginger and fred الفيليني على سطح المرأة في إستوديو التسجيل وعلى الملايين من شاشات التليفزيون. إن صور ما بعد الحداثة هي محاكاة من دون أصل محدد ومن دون هدف محدد كما قال كثيرون ثقافة الميديا والاستعراض لقد أصبح الاستعراض خلال السنوات الأخيرة أحد المبادئ المنظمة للاقتصاد والسياسة والمجتمع والحياة اليومية. وينشر الاقتصاد القائم على أساس الإنترنت العروض، بوصفها وسيلة للتشجيع والإنتاج والتوزيع وبيع السلع. وتتدفق العروض بغزارة عبر ثقافة الميديا المتقنة تكنولوجيا لجذب انتباه المشاهدين، ولزيادة سلطة الميديا ومنافعها، وتتخلل أشكال الترفيه المتنوعة برامج الأخبار والمعلومات، كما أن الصحافة أصبحت صحافة المعلومات المكثفة الكثيرة الصور القليلة الكلمات (التابلويد)، وهذه صحافة منتشرة بدرجة كبيرة الآن. وقد أصبحت الوسائط المتعددة المالتي ميديا الجديدة، التي توالف بين الإذاعة والراديو والسينما والأخبار التليفزيونية وبرامج التسلية، والمجال الواسع الانتشار الخاص بثقافة الفضاء، أصبحت أعمالا لافتة للانتباه بدرجة كبيرة خاصة بالثقافة التكنولوجية، مما عمل على إنشاء مواقع كثيرة واسعة الانتشار على الأرض وفي الفضاء للمعلومات والتسلية، كما عمل في الوقت نفسه على تكثيف شكل العرض الخاص بثقافة الميديا . كذلك يجري تشكيل الحياة السياسية والاجتماعية على نحو متزايد من خلال عروض الميديا فالصراعات السياسية والاجتماعية تعرض على شاشات ثقافة الميديا على نحو متزايد، بحيث تعرض مشاهد مثل قضايا ، وعمليات التفجيرات المسماة إرهابية، وعمليات مهاجمة الطائرات للمدنيين، والفضائح الجنسية للمشاهير من النجوم والسياسيين وكذلك العنف المتفجر في حياة الإنسان اليوم. إن ثقافة الميديا لا تشغل الوقت، لكنها أيضا تقدم مادة متزايدة للتخيل والأحلام وصياغة الأفكار والسلوك والشخصيات. كانت العروض موجودة منذ القدم، حيث كان لدى الإغريق ألعابهم الأولمبية وكذلك احتفالاتهم الشعرية والمسرحية، وحروبهم العنيفة الدموية. وكان لدى الرومان ساحات عروضهم وطقوسهم السرية واحتفالاتهم المعريدة، وكانت لديهم معاركهم السياسية والعسكرية واحتفالاتهم الكبيرة بانتصارات القياصرة على أعدائهم الساحات التي كان يلقى فيها بالعبيد للأسود بينما تهتف الجماهير جزلة مهتاجة مبتهجة هاتفة للإمبراطور وانتصاراته. كذلك كانت هناك تلك الاحتفالات الخاصة الموجودة في القرون الوسطى، التي منها أعياد الحمقى وعيد الحمار وغيرها (٤) . وفي كتابه «الأمير نصح ميكيافيلي أميره الحديث بأهمية التوظيف الإبداعي للعروض من أجل الضبط السياسي والاجتماعي، كذلك يستخدم حكام اليوم العروض الجيدة التنظيم والتصميم كجزء من طقوس الحكم، وتأكيد الاستقرار في عهودهم. فإن فكرة العرض والاستعراض والمشهد العام لها جذورها القديمة في الحروب والسياسة والدين والرياضة، ولكن مع نمو تكنولوجيا المعلومات والوسائط المتعددة الجديدة، أصبحت العروض التكنولوجية technospectacles كما يقول دوجلاس كيلنر - من العوامل الحاسمة في تشكيل الثقافات والمجتمعات الحديثة، على الأقل في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، كما أن عروض الميديا قد أصبحت من الملامح المحددة والمميزة للعولمة. يبني كيلنر تصوراته التي عرضها في كتابه «ميديا الاستعراض أو ميديا العرض والمشهد (2003) Media Spectacle على أساس الأفكار التي قدمها ديبور في كتابه «مجتمع الاستعراض»، والقائلة إن الاستعراض يوحد ويفسر تشكيلة كبيرة من الظواهر. وقد استمر مفهوم ديبور الذي ظهر خلال ستينيات القرن العشرين يدور وينتشر عبر الإنترنت، وعبر مواقع أكاديمية وثقافية فرعية عديدة حتى اليوم. إنه مفهوم يصف مجتمع الميديا ومجتمع الاستهلاك المنظم حول الإنتاج والاستهلاك للصور والسلع والأحداث المعروضة.


Original text

إن العلاقة بين الخيال والواقع لا تُطبق الآن فقط، بل تدمر أيضا، بحيث أصبحنا لا نعرف ما الواقع وما الخيال في عالم الصور المحاكية والمحاكاة الزائفة، إذا استخدمنا مصطلحات بودريار. لقد حطمت ما بعد الحداثة اليقين الحداثي في أصالة الصور كمتغير موثوق به أو أصيل أو منفرد. إن صور ما بعد الحداثة تعبر عن طريقة صناعتها بشكل خاص، وتعرض لصيغتها غير الأصلية والمؤقتة، تعرض لسطحها الخاص المؤقت العابر. هل نلاحظ ما يحدث الآن في القنوات الفضائية العربية المخصصة لعرض الأغاني الحديثة المسماة ( الفيديو كليب وكيف يحدث إنتاج شبه يومي للأغاني الجديدة؟ هل نلاحظ هذا الاستبدال المستمر للمطربين؟ هل نلاحظ البروز لبعضهم أحيانا، بحيث يصلون إلى مرتبة النجوم، ثم السقوط المدوي لهم ما دامت شرائطهم أصبحت لا تباع كما كانت تباع في الماضي؟ إنهم قد تحولوا بدورهم إلى سلع تباع وتشترى ويجري احتكارها لسنوات تطول أو تقصر، ولم تعد القيمة المعطاة لأي مطرب قيمة فنية؛ بل قيمة تجارية يعلو معها وينخفض ويهمل حسب مبيعات شرائطه. لقد أصبحت أسماؤهم كثيرة مثل أسماء الزيوت والصابون وماركات الشاي والفوط الصحية، بحيث أصبح من الصعب أحيانا تذكر أسماء كثير من هؤلاء المطربين. إنهم يظهرون فنشاهدهم ونتابعهم ويختفون فلا نتذكرهم، وقد تصبح أغنية معينة هي الأفضل والأكثر طلبا ومبيعا بسبب الإلحاح اليومي في عرضها، وتكرار الملاحقة للمشاهدين والمستمعين بها، ثم تظهر أغنية أخرى للمطرب نفسه أو لغيره فنجد أننا سرعان ما ننسى الأغنية الأولى، بل قد يبدو ظهورها الآن مزعجا ومنفرا وداعيا إلى تغيير قناة المشاهدة. إن التكرار والإلحاح آلية من آليات ثقافة الصورة عموما، ومن بين آليات التكرار والإلحاح في البلاد العربية تكرار الألحان الغربية بمطربين ومطربات عرب من دون الإشارة حتى إلى المصدر الذي تنقل الأغنية منه. إن كثيرا مما تقدمه القنوات الفضائية العربية الغنائية أشبه بالمحاكاة السطحية لقنوات عالمية، مثل تليفزيون الموسيقى MTV، والكثير مما يقدم يعتمد على الإبهار البصري على رغم فجاجة الكلمات وسطحيتها في أحيان كثيرة، فالمهم هو الإبهار بالألوان والإضاءة والتصوير والإغواء بالتلميحات أو التصريحات الجنسية في الحركة والكلمة، وإبراز بعض مكونات الجسد الأنثوي على نحو خاص. لم تعد هذه الأغاني ترتبط بمنطقة الكلمة والعقل أو المشاعر، بل بمناطق الإغواء والشبق والتحريض الجنسي، ومن هنا كان هذا الإبراز الدائم والكشف الدائم لمناطق خاصة من الجسد، وكذلك التنغيم المستمر للصوت الأنثوي فيما يشبه النداء الجنسي المستمر. إن الجسد يستخدم الآن بكثرة في بيع الفن كما يستخدم الفن في بيع الجسد. لقد رفض وارهول فكرة النظر إلى الفن بوصفه إبداعا أصيلا ومتفردا في الزمان والمكان، ومهد الطريق للقول إن رسالة ما بعد الحداثة تكمن في أن الصورة قد أصبحت الآن سلعة تنتج آليا، وجزءا من منظومة السلع والاتصالات الكلية، حيث يمكن التقاط الأساليب المدركة والمنقولة عولميا في أي مكان، وفي اللحظة نفسها، كما أنه يمكنها أن تتحرك حرة أيضا من قارة إلى أخرى. لقد أصبح الفنانون الآن واعين - على نحو ما - بالطفرات الثورية التي حدثت في الوعي بسبب الثورة في مجال الصور والتصوير، التي تمثلت باكتشاف التصوير الفوتوغرافي، والطباعة الرقمية، والفيلم الملفوف الأخذ مجموعة من الصور الساكنة، والتليفون والفوتوغراف، وذلك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم الإرسال الأول للأصوات من خلال الراديو والصور المتحركة نحو عام ۱۹۰۰ ، ثم التوسع والامتداد الكبير للتليفزيون في أوروبا وأمريكا منذ الأربعينيات، ثم ظهور التليفزيونات المتعددة القنوات والفضائيات في ثمانينيات القرن العشرين التي جعلت نحو نصف مليار وخمسمائة مليون إنسان على الأقل عبر العالم قادرين على مشاهدة مباريات كأس العالم في كرة القدم عام ۱۹۸٦ ، بمن فيهم بعض القبائل الهندية المعزولة عن العالم في أدغال البرازيل (۲)، في حين شاهد دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة في أثينا عام ۲۰۰٤ نحو أربعة مليارات شخص كما قالت وسائل الإعلان. لقد أدى ابتكار الصور التكنولوجية إلى تحول بارز من عصر الإنتاج إلى عصر النسخ، لقد وصلنا إلى عصر أصبح الاحتمال فيه موجها نحو السطح وليس العمق، نحو المظهر وليس الجوهر، نحو الصورة وليس المعنى نحو العابر وليس المقيم، نحو الموضع وليس الذات. لقد فقدنا في عصر الاستهلاك هذا - كما قال بودريار وكما قال جيمسون أيضا رغم حماسته ما بعد الحداثية - الاهتمام بأعماق الذات أو النفس البشرية؛ لأننا أصبحنا نهتم فقط بالموضوعات الظاهرية السطحية اللامعة المظهر البراقة السطح وفقدنا العمق الذي كان يجري البحث عنه دوما، والسعي إليه باستمرار؛ لأن ما يوجد أمامنا الآن ويجري امتلاكه واستهلاكه أصبح كافيا ومرضيا، وفقدنا الإحساس باللحظة التاريخية بالثبات واليقين بسبب التغير والتنوع والإبدال والاستبدال للقيم والثوابت والأفكار، وفقدنا الإحساس بالتعبير الإنساني عن كل ما هو أصيل فأصبح موضعا للشك ومجالا للاستنكار. لم يعد أمام فنان ما بعد الحداثة أن يزعم أنه يعبر عن أي شيء لأنه لم يعد يستطيع أن يزعم أنه يمتلك أي شيء. فمثلما كان وارهول يقول عندما أنظر إلى مرآة، لا أرى شيئا ويسميني الناس مرآة، فماذا ترى هذه المرأة؟ هكذا تكون ظاهرة الانعكاس بين المرايا وإنتاج السطوح للسطوح، والمظاهر للمظاهر، والصور للصور، من بين معالم عصرنا . إننا لا نعيش فقط في عصر الصورة، بل في عصر الصورة التي تنتج صورا، الصورة التي تصبح نسخة الصورة التي تتولد منها صور لا حصر لها ولا معنى لها أيضا إنه عصر الثورة والذبذبة والتكرار والنسخ، عصر وصفه أحد الكتاب بأنه عصر يمكن حصره بأنه يشمل الموسيقى العشوائية، والشعر العياني (الكونكريت)، والقصائد المنتجة بالكمبيوتر، والرقص الإلكتروني، ومسرح الهواة، والنحت السائل أو المتبخر الذي يصنع من الجليد أو الشمع، والميديا المدمرة لنفسها بنفسها، والطبيعية المعلبة، والمشاهدة الشبيهة بجلسات تعاطي المخدرات والعقاقير المخدرة، اللوحات الخالية من الرسوم ومن المعنى ومن الأحداث، عصر البوب والبصريات والنفايات الفن المكاني والفن المفهومي، عصر فن الأرض أو البيئة، عصر تتولد فيه وتتكاثر وتخترقه أنواع جديدة من الأساليب المضادة للفن التي تتولد منها أساليب أكثر جدة وأكثر تصادما مع الفن أيضا . وتشترك كل هذه الحركات في واقع خاص هو تقويض أركان كل ما كانت تقول به أو تدعيه الحداثة العالية بأفكارها الخاصة حول المؤلف المتحكم في عمله، ونظام السرد، والمقولات الميتافيزيقية. لقد سعى أصحاب هذه الحركات جاهدين من أجل التقليل كثيرا من شأن ما يسمى بالخيال الإنساني، وكذلك ما كان يقال عن غاية الفن وأهدافه. إن الفنان ما بعد الحداثي يرقص فوق قبر الفنان الحداثي المثالي كما قال كيرني (٢). تستبعد ثقافة ما بعد الحداثة كل ما يقال حول الإبداعات الأصلية، وتؤكد جدارة الحضور الكلي للصور التي تدمر نفسها بنفسها، والتي يحاكي بعضها بعضا في ذلك اللعب والتفاعل المستمر الذي لا يتوقف للمرايا وبالمرايا، لقد عادت المحاكاة كما يبدو، ولكن من خلال لعبة عنيفة للأخذ بالثأر . لم تعد الصور تمثيلات للواقع الخارجي أو الأعلى، ففكرة الواقع نفسها أصبح يعاد النظر إليها، ويُكشف الغطاء أو القناع عنها بوصفها إيهاما أو خداعا أو ظلا. لقد عدنا مرة أخرى إلى كهف أفلاطون. لم تعد مرآة ما بعد الحداثة تعكس عالم الطبيعة الداخلي؛ أو عالم الذات الداخلي بل أصبحت تعكس ذاتها تعكس لعبها الخاص فيما يشبه لعبة المرايا بنفسها، مرآة داخل مرآة داخل مرآة، مثلما تقوم كاميرا جودار بالتصوير الكاميرا تصور كاميرا، أو مثلما يعد إنتاج مشهد الرقص التليفزيوني في فيلم «جينجر وفريد » Ginger and fred الفيليني على سطح المرأة في إستوديو التسجيل وعلى الملايين من شاشات التليفزيون. إن صور ما بعد الحداثة هي محاكاة من دون أصل محدد ومن دون هدف محدد كما قال كثيرون ثقافة الميديا والاستعراض لقد أصبح الاستعراض خلال السنوات الأخيرة أحد المبادئ المنظمة للاقتصاد والسياسة والمجتمع والحياة اليومية. وينشر الاقتصاد القائم على أساس الإنترنت العروض، بوصفها وسيلة للتشجيع والإنتاج والتوزيع وبيع السلع. وتتدفق العروض بغزارة عبر ثقافة الميديا المتقنة تكنولوجيا لجذب انتباه المشاهدين، ولزيادة سلطة الميديا ومنافعها، وتتخلل أشكال الترفيه المتنوعة برامج الأخبار والمعلومات، كما أن الصحافة أصبحت صحافة المعلومات المكثفة الكثيرة الصور القليلة الكلمات (التابلويد)، وهذه صحافة منتشرة بدرجة كبيرة الآن. وقد أصبحت الوسائط المتعددة المالتي ميديا الجديدة، التي توالف بين الإذاعة والراديو والسينما والأخبار التليفزيونية وبرامج التسلية، والمجال الواسع الانتشار الخاص بثقافة الفضاء، أصبحت أعمالا لافتة للانتباه بدرجة كبيرة خاصة بالثقافة التكنولوجية، مما عمل على إنشاء مواقع كثيرة واسعة الانتشار على الأرض وفي الفضاء للمعلومات والتسلية، كما عمل في الوقت نفسه على تكثيف شكل العرض الخاص بثقافة الميديا . كذلك يجري تشكيل الحياة السياسية والاجتماعية على نحو متزايد من خلال عروض الميديا فالصراعات السياسية والاجتماعية تعرض على شاشات ثقافة الميديا على نحو متزايد، بحيث تعرض مشاهد مثل قضايا ، إذ القتل الحساسة، وعمليات التفجيرات المسماة إرهابية، وعمليات مهاجمة الطائرات للمدنيين، والفضائح الجنسية للمشاهير من النجوم والسياسيين وكذلك العنف المتفجر في حياة الإنسان اليوم. إن ثقافة الميديا لا تشغل الوقت، وتستنفد الطاقة فحسب، لكنها أيضا تقدم مادة متزايدة للتخيل والأحلام وصياغة الأفكار والسلوك والشخصيات. كانت العروض موجودة منذ القدم، حيث كان لدى الإغريق ألعابهم الأولمبية وكذلك احتفالاتهم الشعرية والمسرحية، مسابقاتهم الخطابية العامة، وحروبهم العنيفة الدموية. وكان لدى الرومان ساحات عروضهم وطقوسهم السرية واحتفالاتهم المعريدة، وكانت لديهم معاركهم السياسية والعسكرية واحتفالاتهم الكبيرة بانتصارات القياصرة على أعدائهم الساحات التي كان يلقى فيها بالعبيد للأسود بينما تهتف الجماهير جزلة مهتاجة مبتهجة هاتفة للإمبراطور وانتصاراته. كذلك كانت هناك تلك الاحتفالات الخاصة الموجودة في القرون الوسطى، التي منها أعياد الحمقى وعيد الحمار وغيرها (٤) . وفي كتابه «الأمير نصح ميكيافيلي أميره الحديث بأهمية التوظيف الإبداعي للعروض من أجل الضبط السياسي والاجتماعي، كذلك يستخدم حكام اليوم العروض الجيدة التنظيم والتصميم كجزء من طقوس الحكم، وإبراز السلطة، وتأكيد الاستقرار في عهودهم. هكذا، فإن فكرة العرض والاستعراض والمشهد العام لها جذورها القديمة في الحروب والسياسة والدين والرياضة، ولكن مع نمو تكنولوجيا المعلومات والوسائط المتعددة الجديدة، أصبحت العروض التكنولوجية technospectacles كما يقول دوجلاس كيلنر - من العوامل الحاسمة في تشكيل الثقافات والمجتمعات الحديثة، على الأقل في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، كما أن عروض الميديا قد أصبحت من الملامح المحددة والمميزة للعولمة. يبني كيلنر تصوراته التي عرضها في كتابه «ميديا الاستعراض أو ميديا العرض والمشهد (2003) Media Spectacle على أساس الأفكار التي قدمها ديبور في كتابه «مجتمع الاستعراض»، والقائلة إن الاستعراض يوحد ويفسر تشكيلة كبيرة من الظواهر. وقد استمر مفهوم ديبور الذي ظهر خلال ستينيات القرن العشرين يدور وينتشر عبر الإنترنت، وعبر مواقع أكاديمية وثقافية فرعية عديدة حتى اليوم. إنه مفهوم يصف مجتمع الميديا ومجتمع الاستهلاك المنظم حول الإنتاج والاستهلاك للصور والسلع والأحداث المعروضة.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

ضمت موخرا شركة ...

ضمت موخرا شركة صناعة تقنية الأنابيب البلاستيكية " تكنو " الى معرض "Big 5" بإثيوبيا والذي انعقد في ا...

تعد دائرة شؤون ...

تعد دائرة شؤون البلديات في إمارة الشارقة الجهة الحكومية المحلية المعنية بتقديم الدعم والتطوير والإشر...

يعد الهندام نوع...

يعد الهندام نوع من السلوك الاجتماعي ، وجزء من الحياة الاجتماعية و العملية للأشخاص وكذلك المؤسسات، وح...

I am passionate...

I am passionately and ambitiously looking forward to working in the field of environmental studies, ...

ظهرت موازنة الب...

ظهرت موازنة البرامج والأداء مع بداية القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية واتجهت نحو التركيز ...

Contributed to ...

Contributed to achieving the goals of the center and the department through: - Implementing the task...

Stroke is a cli...

Stroke is a clinically defined syndrome of acute, focal neurological deficit attributed to vascular ...

تُعتبر الجريمة ...

تُعتبر الجريمة ظاهرة اجتماعية قديمة لا تقتصر على فئة عمرية محددة. فقد ثبت أن الأطفال قادرون على ارتك...

في ختام هذه الد...

في ختام هذه الدراسة بشقيها النظري والتطبيقي والتي من خلالها حاولنا فيها الاجابة عن الإشكالية المطروح...

شاهد الاقتصاد ا...

شاهد الاقتصاد العالمي خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين العديد من التطورات التي أحدثت نقلة في الم...

عرف الفقهاء الت...

عرف الفقهاء التجارة بأنها هي المرابحة عن طريق المضاربة ، وتداول الثروات ، فلا يتوقف التاجر عن إبرام ...

الكمون من البها...

الكمون من البهارات والمواد الرئيسية في كثير من المطابخ العالمية، وخصوصا المطابخ الشرقية مثل المطابخ ...