Lakhasly

الفرع الأول : التكيف القانوني لفكرة النائب الإنساني
وفقا لقواعد القانون المدني الأوروبي الخاص بالروبوتات الصادر في فبراير عام 2017، نجد أن البرلمان الأوروبي قد ابتكر ما يعرف بنظرية النائب الإنساني و ذلك من أجل فرض مسؤولية تشغيل الروبوت على مجموعة من الأشخاص حسب جسامة خطأهم في استغلاله أو تصنيعه و مدى عجزهم عن تفادي التصرفات السلبية المحتملة من الروبوت .
لقد اعتمد الاتحاد الأوروبي على مفهوم "النائب الإنساني" حتى يمكن للشخص من تحمل مسؤولية أفعال الروبوت الآلي نظرا لعدم إمكانية إقامة مسؤولية الروبوت عن الأضرار التي تحدثه بسببه ، فتقوم المسؤولية على النائب الإنساني الذي أطلق عليه الفقه الفرنسي مصطلح وهو الشخص الذي يعتبر مسؤولا عن تعويض كل مضرور تضرر بسبب تشغيل الروبوت على أساس الخطأ ، وبالتالي فإن واجب الاثبات سيقع على النائب الذي ربما يكون صانعا أو مشغلا أو حتى مالكا و مستعملا للروبوت .
لذلك فإن البرلمان الأوروبي قصد بمصطلح النائب الإنساني معنى آخر لا يطابق نظرية حارس الأشياء أو ذات العناية الخاصة ولا حتى الحيوان و خير دليل على ذلك أن البرلمان الأوروبي استعمل مصطلح النائب الإنساني الذي يختلف كليا عن مصطلح "حارس الشيء" بمعنى القانوني .
لقد نفي المشرع الأوروبي صفة الجماد و الأشياء عن الروبوت و الدليل على ذلك يظهر من خلال وصفه للإنسان المسؤول عن الروبوت بالنائب و ليس الحارس او الرقيب هذا من جهة. ومن جهة أخرى اعتبر الاتحاد الأوروبي أن عدم فرض المسؤولية على الروبوت لا تكمن في الروبوت في ذاته و انما تنصب في الإطار القانوني الحالي Current Legal Framework-Cadre Juridique Actual" "إن تكييف القانون الأوروبي نجه لم يمس بأهلية الروبوت بحيث استخدم فكرة النائب الإنساني التي لا تربطها أي رابطة بالشخصية القانونية للآلات الذكية و بالتالي نجده استعمل "النائب" بدلا من استعماله لمصطلح "الوصي" أو "القيم" لأن هذين الاخرين ،وكما هو معروف في القواعد العانة اما يكونا في حالة نقص الأهلية أو عدمها و بالتالي فإنه معترف بيهم أمام القانون ، ويتمتعون بحقوق و قد تقع عليهم واجبات ، بينما يكون الأمر مختلف بالنسبة للآلات الذكية ففكرة النائب ليس لها أي علاقة بالأهلية و الشخصية القانونية للآلات الذكية ، لأن لحد الآن لم يثبت القانون الأوروبي إشكالية أهلية الروبوت ، وهذا راجع لعدم كفاية الاطار التشريعي الحالي للتطبيق .
إن اللآلات الذكية حتى و إن كانت مسخرة لخدمة البشر ، إلا أنها ليست في مركز التابع القانوني وفقا للقانون الأوروبي ، فالنائب الإنساني و إن كان قد تم وصفه متبوعا يتحمل مسؤولية أخطأ تابعه ، أو "تمثيليه" ، فعلة فرض القانون الأوروبي للمسؤولية على النائب الإنساني تكمن في عدم إمكانية اقامتها على الآلات الذكية ذاتها .
إن علاقة التابع و المتبوع تختلف تماما عن علاقة الانسان بالآلات الذكية بحيث أن للمتبوع سلطة الرقابة على التابع و الاشراف عليه ، بينما لا تربط أي علاقة تبعية بين الانسان و الآلات الذكية حتى أن طبيعة المسؤولية مختلفة .بحيث نجد أن مسؤولية المتبوع على أعمال التابع توصف بأنها مسؤولية احتياطية
و يمكنه الرجوع على التابع بما قام بضمانة للغير .في حين أن المسؤولية عن اللآلات الذكية هي مسؤولية و مفروضة على النائب الإنساني لتعذر اقامتها على اللآلات الذكية في ظل الاطار القانوني الحالي .
كما أنه لا يمكن اعتبار العلاقة القائمة بين النائب الإنساني و الآلات الذكية ضمن حوالة الدين تنشأ عن التزام موجود يلتزم بموجبه المحال عليه بتوفير مبلغ التزام المعلن على المجبل ذو الأهلية . و بالتالي تتطلب موافقة الدائن ، أما فيما يخص النائب الإنساني فإنه لا ينشأفي ذمته التزام الا إذا قامت الآلة الذكية بالتسبب الضرر الذي يستطيع تعويض للغير المتضرر ، فالالتزام النائب الإنساني ينشأ مباشرة بتحقق المسؤولية ، كما أنه لا يمكن مقارنة مسؤولية النائب الإنساني بالكفالة لانعدام وجود اتفاق مسبق بين النائب الإنساني و بين الآلة الذكية .
و عليه فإن التكييف القانوني لفكرة النائب الإنساني فيما يخص مسؤولية فإنه لا يوجد أي تطبيق لها في الاطار القانوني التقليدي ،لان فكرة النائب الإنساني فكرة حديثة ابتكرها البرلمان الأوروبي و هذا ما يدل على عجز القواعد العامة التقليدية عن تكييفيها بدقة ، بينما نجد قواعد البرلمان الأوروبي قد مسؤولية النائب الإنساني عن الضرر التي تسببه الآلات الذكية بقوة القانون .
و بالتالي فإن النائب الانسان يكون مسؤولا عن تعويض المضرور عن أخطاء التشغيل بقوة القانون، وبهذا المفهوم فإنه يتحمل المسؤولية عن الأضرار سواء تكون مسؤولية مفروضة عليه بقوة القانون أو تكون بنظام المسؤولية الكاملة أو يتحمل المسؤولية القائمة على الاهمال أو الاخلال بواجب إدارة المخاطر ن أي تكون مسؤولية بصفة كاملة في حالة كان الضرر ناتجا عن عيب التصنيع أو في برمجة و تشغيل الآلة الذكية ، و من جهة أخرى قد يكون الضرر ناتجا من خلال اخلال النائب الإنساني كمثال عن ذلك اخلاله بواجب تقليلي المخاطر أو اهماله لسلطة الرقابة و الاشراف على الآلة الذكية4 .
لذلك فإن الهدف من فكرة النائب الإنساني هي محاولة الانتقال من نظام حراسة الأشياء أو مراقب الأشياء ذات الخطأ المفترض الى نظام النيابة.و بالتالي نقل المسؤولية من الروبوت المسبب للأضرار الى الانسان و الذي يكون مبنيا اما على أساس الخطأ و بين الاثبات في إدارة التصنيع أو التشغيل ،و اما على أساس الامتناع عن تجنب حادث خطر متوقع من الروبوت .وذلك لأن الآلة الذكية لم تعد شيئا قابلا للحراسة بالمعنى التقليدي الذي لا يفكر و ليست له شخصية قانونية في نظر القانون ،بل اعتبرها آلة ذكية مستقلة في التفكير . كما أن نظام النائب الإنساني مختلف تماما على فكرة النيابة القانونية ، فالمقصود بهذا الأخير أن النائب بقوة القانون يحل محل الأصيل دون أي اتفاق مسبق مع المناب ، فالغاية منه تمثبل المناب و ليس تحمل المسؤولية فقد يكون ناقص أو عديم الأهلية ، اما بالنسبة للنائب الإنساني فالمقصود به هو نيابته عن الروبوت بقوة القانون رغم علمه بعدم الاعتراف له قانونا بالشخصية القاننية ، فالغاية هنا تكمن في إمكانية تحمله عبئ المسؤولية عن الروبوت نتيجة الأضرار التي يتسبب فيها ، إن المشرع الأوروبي نجده يعتبر الروبوت بمثابة الشيء خاضع للدراسة ربما بفرض التمهيد لمنحه الشخصية القانونية ، كما أنه لم يعتبره ناقص أو معدوم الأهلية حتى يكون خاضعا للرقابة الإشراف البشري .
الفرع الثاني: التطبيق العملي لفكرة النائب الإنساني
إن عملية تحديد النائب الإنساني الذي يكون مسؤولا حتى تحمل عبئ المسؤولية عن الاضرار التي تتسبب فيها الآلات الذكية تختلف حسب طبيعة الضرر الواقع من جهة ، ومدى استقلاليتها و قدرتها على اتخاذ القرار و إمكانية السيطرة عليها من جهة أخرى فمثلا قد يتحمل المصنع عبئ المسؤولية عندما يكون العيب ناتج عن سوء التصنيع الذي قد أدى الى انفلات الآلة الذكية و قيامها بأفعال خارجة عن اطار استخدامها الطبيعي و فقدان السيطرة عليها .
مثال على ذلك كما لو حدث خلل في نظام السفينة ذاتية القيادة ، و تسبب بالضرر لسفينة أخرى ، أو نتيجة عدم قدرة أنظمتها المبرمجة على اتخاذ القرارات المناسبة خلال قيامها بالرحلة في مواجهة ظروف ملاحية صعبة في البحر.
كما قد يكون المشغل الذي يشغل الآلة الذكية بمثابة النائب الإنساني الذي يتحمل المسؤولية عن الخطأ و التعويض ، عن الضرر الناتج عن سوء فهمه و تعامله مع تعليمات و برمجيات الآلات الذكية ، فمثلا عن ذلك لوكان الضرر الذي تسبب فيه الآلة الذكية كان نتيجة اهمال المشغل للحسابات الالكترونية المبرمج عيها كمبيوتر السفينة ذاتية القيادة ، كما قد يكون النائب هو المالك نفسه الذي يستعمل الآلة الذكية لمصلحته الشخصية ، مع علمه بأن الآلة الذكية قد تؤدي الى ضرر بالغير ، ومع ذلك قام بتجاهل الأمر و أهمله .
تجدر الإشارة إلى أن المسؤولية عن الآلات الذكية تزداد كلما زادت استقلاليتها و قدرتها على اتخاذالقرارات ذاتيا دون الحاجة الى تدخل العامل البشري الذي يتحكم فيها، فعندما تصل الآلة الذكية الى أقصى درجات الاستقلال الذاتي ، تنتج عن أخطاءها مسؤولية صارمة و ليس مسؤولية ناتجة عن الإهمال في إدارة المخاطر ، و تأكيدا على ذلك نجد أن البرلمان الاوروربي قد اقترح الزامية التأمين على الآلات الذكية و ذلك بهدف نقل عبئ التعويض من النائب الإنساني الى شركة التأمين مهما كانت طبيعة أو سبب المسؤولية قيامها .