Lakhasly

تلقف النقاد فكرة الطبقات من رجال الحديث الشريف، ووجدت هذه الفكرة في األدب ميدانا
خصبا. والمالحظ أنها تركزت في مجال الشعر دون غيره من األنواع األدبية المختلفة. ووظفت
فكرة الطبقات في تصنيف الشعراء ضمن أسس ومعايير نقدية متفق عليها.
وكانت بداية فكرة الطبقات في األدب بداية القرن الثالث الهجري، حين أخذ النقد األدبي يستقل
بالبحث والتأليف، على يد نقاد من أمثال ابن سالم الجمحي )ت 231 ھ ( والجاحظ )ت 255
ھ( وابن قتيبة ) ت 276 ھ( وابن المعتز )ت 296 ھ(. فصنفت كتب تبحث في الشعراء
وأحوالهم وحياتهم ونوادرهم ومراتبهم.
واتخذ هذا التأليف اتجاهين: األول يعنى بالشعراء ومنازلهم وأحوالهم وما قيل فيهم، مع إيراد
شيء من نماذجهم الشعرية. أما الثاني فيعنى أصحابه بانتقاء النماذج الشعرية المتميزة، وهي
ما يعرف بالمختا ارت، مع إي ارد نبذة عن حياة الشاعر. وأصحاب هذا االتجاه يهتمون بانتقاء
طبقات الشعر الرفيعة، بينما يهتم أصحاب االتجاه األول بتخير طبقات الشعراء المبرزين في
كل فن.
وكانت بعض هذه الكتب تحمل عنوان "طبقات الشعراء" أو ما شابه هذا العنوان، ولكن كتبا
أخرى سارت على نفس النهج في المضمون والغاية، وحملت عناوين مختلفة مثل "الشعر
والشعراء" البن قتيبة، و"الورقة" لمحمد بن الجراح )ت 296 ھ(.
وتذكر كتب الفهارس مجموعة من المصنفات في طبقات الشعراء، منها:
ّ - ب في أخبار الشع ارء وطبقاتهم، لمحمد بن حبيب )ت
المذه 250 ھ(.

• طبقات الشعراء الجاهليين، وطبقات الشعراء اإلسالميين، البن سالم الجمحي.


• طبقات الشعراء، ألبي حسان الزيادي )ت 234 ھ(.


• طبقات الشعراء، لدعبل الخزاعي )ت 246 ھ(.
  واختلف النقاد في تحديد معايير انتماء الشاعر إلى هذه الطبقة أو تلك، فكان من تلك
  المعايير: المعيار الزمني، وعدد القصائد، وطولها، وتنوع األغراض وما إلى ذلك.
  وقد اعتمد ابن سالم في تحديد الطبقة معايير استمدها من اللغويين األوائل، ولكنه طور
  فكرة الطبقات وألبسها ثوبا جديدا. ولنبدأ بتفصيل الطبقات عنده، ثم ننتقل إلى تلك المعايير.
  قسم ابن سالم فحول الشعراء إلى الطبقات التالي ة:


• طبقات الشعراء الجاهليين: وهى عشر طبقات ، فى كل طبقة أربعة شعراء.


• طبقة أصحاب المراثي : وتضم ثالثة شعراء وشاعرة هي الخنساء، وهى المرأة الوحيدة
  الت ي أوردها ابن سالم ف ي طبقاته .
  موا على النحو


• طبقة شع ارء القرى العربية: وتنطو ي ِّ
  ّ
  على اثنين وعشرين شاع ار،ً قس
  التالي: شعراء المدينة خمسة، ثالثة من الخزرج واثنان من األوس . شعراء مكة تسعة.
  شعراء الطائف خمسة . شعراء البحرين ثالثة .


• طبقة شعراء اليهود: وتشمل ثمانية شعراء.


• طبقات الشعراء اإلسالميين: وهى عشرة، في كل طبقة أربعة شعراء.
  وانتهى بذلك إلى أواخر العصر األموي، ولم يلق باال إلى من نشأ بعدهم من شع ارء،
  حتى عصره.
  وقد حدد منهجه في اختيار الشعراء وتصنيفهم، يقول: »ففصلنا الشعراء من أهل الجاهلية
  واإلسالم، والمخضرمين الذين كانوا في الجاهلية وأدركوا اإلسالم، فنزلناهم منازلهم، واحتججنا
  لكل شاعر بما وجدنا له من حجة، وما قال فيه العلماء«. وهو يجعل من ظهور اإلسالم حدا
  فاصال بين عصرين، ولم يفرد للمخضرمين طبقة خاصة، بل وزعهم بين العصرين الجاهلي
  واإلسالمي، وذلك ألنهم ال يشكلون مرحلة مستقلة، بل هم نسيج هذين العصرين معا.
  وكان من أسس التمييز بين الشعراء مقياس الفحولة، فكل من ذكرهم في طبقاته شعراء
  فحول، يقول: »فاقتصرنا من الفحول المشهورين على أربعين شاعرا«. ويتبين أنه عزز مقياس
  الفحولة بمقياس آخر هو الشهرة. وأضاف إليه الكم، وتحدث عن هذا المعيار في الطبقة
  السابعة من فحول الجاهلية، يقول: »أربعة رهط محكمون مقّلون، وفي أشعارهم قلة، فذاك الذي
  أخرهم«.
  والفحولة عند ابن سالم مقتبسة من األصمعي، أخذ منه الفكرة ووسع حدودها، وأعاد
  صياغتها، فالفحولة عند ابن سالم تتفاوت.
  واعتمد أساسا آخر هو تقارب كل أصحاب طبقة في أشعارهم، يقول: »فألفنا من تشابه
  شعره منهم إلى نظرائه« . وهذه قاعدة هامة، وقد يكون التشابه في الموضوع، ولذلك جعل
  ا معا،
  ً
  أصحاب الم ارثي طبقة واحدة، ووضع ابن قيس الرقيات واألحوص وجميل بثينة ونصيب
  ألنهم يشتركون في الغزل، ومن ذلك جمعه بين الرجاز في فئة واحدة.
  -3قضية المفاضلة بين الشعر والنثر
  ظهرت هذه القضية في سياق المعارك الفلسفية التي حامت حول أمر التفاوت بين الشعر
  والخطابة، بعد ترجمة كتب أرسطو، وخاصة "فن الشعر" و"الخطابة".
  وقد أورد أبو حيان التوحيدي آ ارء المعاصرين له حول هذا الموضوع، فعرض أقوال من يفضلون
  النثر وحججهم، وآ ارء المنتصرين للشعر وحججهم أيضا، وذكر أن األكثرين يفضلون الشعر
  على النثر.
  اب:
  ّ
  من حجج أنصار النثر، وأغلبهم من الكت


• أن النثر أصل الكالم، والنظم فرعه، واألصل أشرف من الفرع.


• أن النثر متصل باإلعجاز، ألن القرآن الكريم نزل نثرا.


• أن الوحدة الموضوعية ظاهرة في النثر أكثر من ظهورها في الشعر.


• أن النثر ال يحمل صاحبه على الغلو والكذب، كما هو الحال في الشعر.
  ومن حجج أنصار الشعر، ومعظمهم من الشعراء:


• أن الشعر صناعة قائمة بذاتها، بينما النثر يستطيعه كل إنسان.


• أن الشعر يحتوي على الحكم والشواهد، والنثر االل نجد فيه ذلك.


• أن من فضل الشعر على النثر أن الشع ارء ينالون الجوائز من الممدوحين أكثر من
  الكتاب