Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

قال هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد إن مصر هبة النيل. ولعله كان يقصد بعبارة أدق أن تربة مصر هبة فيضان النيل؛ ذلك أن مصر بحياتها الزراعية وحضارتها المستقرة وتاريخها الذي لمس معالمه هيرودوت عندما زار أرضها وكتب عنها فصوله المعروفة، لم تكن مجرد هبة من هبات النهر أو هبات الطبيعة، وكل ما فعله النيل أنه مهد السبيل وأعد المكان فجاء المصريون واستغلوا ظروف بيئتهم استغلالًا، وأنشأوا حضارتهم في واديهم إنشاء، بل هذبوا النهر وتحكموا في جريانه أصبح نهرًا مصوبًا مقوما، ولا يجري في غير حدود مرسومة وكانت ظاهرة الفيضان بالذات أول ما اتجه المصريون إلى تهذيبه من تصرفات هذا النهر الذي أخرجته الطبيعة أول ما أخرجته جامحا في تدفقه، ثم جاء الإنسان فوجه انصراف مياهه وهذب اندفاع فيضانه، وحفر الترع والمصارف والقنوات، ورد النهر بذلك كله إلى شيء من الهدوء الموزون والاتزان المحكم، ثم أخرجه آخر الأمر نهرًا رشيدا في قوته، قد جمع إلى قوة التيار وتدفقه انتظام المجرى وضبطه، بل جمع إلى اندفاع الطبيعة وجموحها حكمة العقل البشري وصوابه. وهكذا جاءت حياة المصريين وحضارتهم على ضفاف هذا النهر العظيم نتيجة لتفاعل منتج بين سخاء الطبيعة وقوتها وبين دهاء الإنسان وحيلته. وبقي ازدهار الحضارة في مصر على مر العصور صورة صادقة لتوازن هذا التفاعل بين الإنسان والنيل: النيل يأتي جامحا في كل سنة، يسعى لأن يكسر جسوره ويطوف بجنباته، يغرق الأرض ويأتي على كل شيء في غير نظام، والإنسان يشفق على هذه الطبيعة الطاغية، ويقيم الجسور ويحفر القنوات، ويحاول دائما أن يرد إلى الطبيعة شيئًا من النظام، وأن يفيء على النهر شيئًا من الاتساق، حتى تمر الأزمة ويعود إلى الطبيعة والنهر هدوؤهما المعهود . ثم تتكرر القصة في كل عام . ومع هذا فظاهرة الفيضان ليست من البساطة بما قد نتصور، ولا بد لفهمها وإدراك آثارها الظاهرة والخفية من أن ندرس النهر في جملته. فنهر النيل يمتاز على غيره من أنهار العالم الكبرى بأمرين أساسيين، لم يزده الزمن إلا وضوحًا وتمييزا. وأول هذين الأمرين أن نهر النيل من أكبر أنهار العالم، فهو يزيد في الطول على ستة آلاف كيلو متر، وقد تضارعه أنهار قليلة كالمسسبي أو الأمزون، ولكن المهم أن النيل يقطع تلك المسافة كلها في اتجاه عام واحد من الجنوب إلى الشمال ويصل ما بين خط عرض ٣ خط الاستواء وخط عرض ۳۱ شماله، أي إنه يخترق أربعًا وثلاثين درجة جنوب من درجات العرض أو تزيد وليس بين أنهار العالم إطلاقا نهر يجمع بين مثل هذه العروض المتباعدة. وثاني هذين الأمرين اللذين يمتاز بهما النيل على غيره من الأنهار أنه على عظمته التاريخية، ورغم أنه كان مهدًا لحضارة هي أقدم الحضارات التاريخية، فإنه يعتبر حديثًا جدا من حيث تكوينه الجيولوجي، بل إنه ربما كان أحدث أنهار العالم الكبرى على الإطلاق. ومن المعروف أن النيل قبل أن يتخذ صورته الحالية كان موجودًا، ولكن على شكل ثلاث مجموعات نهرية تستقل كل منها عن المجموعتين الأخريين تمام الاستقلال. فأما المجموعة الأولى فتتمثل في النوبة ومصر، حيث كان النهر يجري معتمدًا على الأمطار المحلية التي تسيل بها الروافد من الصحاري المجاورة، ولا سيما الصحراء الشرقية وتلال البحر الأحمر. وفي هذه المرحلة حفر النيل مجراه في النوبة ومصر . وأما المجموعة الثانية فأنهار الحبشة وهذه يقال إنها كانت تنصرف إلى البحر الأحمر، ولم تكن مياهها ولا طميها لتنصرف إلى سهول السودان أو أرض مصر، حتى أذن الله فانتابت هضبة الحبشة اضطرابات أرضية أدت إلى ارتفاع حافتها الشرقية والجنوبية ارتفاعًا أدى إلى انحدار سطحها نحو الشمال الغربي، أي نحو أرض الجزيرة ووسط السودان وشماله. وكذلك الحال في منابع النيل الاستوائية، فقد كانت مستقلة قائمة بذاتها، حتى اهتزت الهضبة الاستوائية وتأثرت بنفس الحركات التي أثرت في هضبة الحبشة، فاندفعت مياه البحيرات الاستوائية نحو حوض الجبل والغزال، واستطاعت آخر الأمر أن تجري في النيل الأبيض وتتحد بمياه الحبشة وتصل إلى مصر. فالنيل إذن لم يكن نهرًا موحدا منذ البداءة، وإنما كانت منابعه الحبشية والاستوائية منفصلة عن أدانيه في النوبة ومصر. وهذه الحقيقة التي أجملناها إجمالاً قد جهد الجيولوجيون والجغرافيون في إثباتها سنين كثيرة، ولكنها صارت الآن مقبولة بصفة عامة لا يجادل فيها الباحثون إلا فيما
فإن حديث الفيضان وأثره في تاريخنا وحضارتنا وخطره في مستقبلنا حديث يمكن أن يتشعب ويطول، وأن يتعدى الباحثين إلى إثارة اهتمام المواطنين
جميعًا. ولقد استطاع أسلافنا الأقدمون، أصله
ضفاف النيل، ثم حولوه عن ووجهوه وجهة الخير ، والمنفعة بل الحق ، والجمال ولكن الطريف في هذا الجهد أن الإنسان استجاب للطبيعة كما استجابت الطبيعة للإنسان، فكما غلب الإنسان النهر فضبطه وهذبه وقومه وصوبه وأقام الجسور والحياض والحدود، يستهويه تارة، ويستهديه تارة أخرى،


Original text

قال هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد إن مصر هبة النيل. ولعله كان يقصد بعبارة أدق أن تربة مصر هبة فيضان النيل؛ ذلك أن مصر بحياتها الزراعية وحضارتها المستقرة وتاريخها الذي لمس معالمه هيرودوت عندما زار أرضها وكتب عنها فصوله المعروفة، لم تكن مجرد هبة من هبات النهر أو هبات الطبيعة، وكل ما فعله النيل أنه مهد السبيل وأعد المكان فجاء المصريون واستغلوا ظروف بيئتهم استغلالًا، وأنشأوا حضارتهم في واديهم إنشاء، بل هذبوا النهر وتحكموا في جريانه أصبح نهرًا مصوبًا مقوما، لا يفيض على غير هدى، ولا يجري في غير حدود مرسومة وكانت ظاهرة الفيضان بالذات أول ما اتجه المصريون إلى تهذيبه من تصرفات هذا النهر الذي أخرجته الطبيعة أول ما أخرجته جامحا في تدفقه، جارفًا في جريانه، ثم جاء الإنسان فوجه انصراف مياهه وهذب اندفاع فيضانه، فأقام له الجسور، وأعد له الحياض، وحفر الترع والمصارف والقنوات، ورد النهر بذلك كله إلى شيء من الهدوء الموزون والاتزان المحكم، ثم أخرجه آخر الأمر نهرًا رشيدا في قوته، سديدا في اندفاعه، قد جمع إلى قوة التيار وتدفقه انتظام المجرى وضبطه، بل جمع إلى اندفاع الطبيعة وجموحها حكمة العقل البشري وصوابه. وهكذا جاءت حياة المصريين وحضارتهم على ضفاف هذا النهر العظيم نتيجة لتفاعل منتج بين سخاء الطبيعة وقوتها وبين دهاء الإنسان وحيلته... وبقي ازدهار الحضارة في مصر على مر العصور صورة صادقة لتوازن هذا التفاعل بين الإنسان والنيل: النيل يأتي جامحا في كل سنة، يسعى لأن يكسر جسوره ويطوف بجنباته، يغرق الأرض ويأتي على كل شيء في غير نظام، والإنسان يشفق على هذه الطبيعة الطاغية، ولكنه لا ييأس من رحمتها الباقية، فهو يرسم خطته، ويقيم الجسور ويحفر القنوات، ويحاول دائما أن يرد إلى الطبيعة شيئًا من النظام، وأن يفيء على النهر شيئًا من الاتساق، حتى تمر الأزمة ويعود إلى الطبيعة والنهر هدوؤهما المعهود ... ثم تتكرر القصة في كل عام ...
ومع هذا فظاهرة الفيضان ليست من البساطة بما قد نتصور، ولا بد لفهمها وإدراك آثارها الظاهرة والخفية من أن ندرس النهر في جملته. فنهر النيل يمتاز على غيره من أنهار العالم الكبرى بأمرين أساسيين، أثر كل منهما في حياة سكانه تأثيرا بليغا، لم يزده الزمن إلا وضوحًا وتمييزا. وأول هذين الأمرين أن نهر النيل من أكبر أنهار العالم، فهو يزيد في الطول على ستة آلاف كيلو متر، وقد تضارعه أنهار قليلة كالمسسبي أو الأمزون، ولكن المهم أن النيل يقطع تلك المسافة كلها في اتجاه عام واحد من الجنوب إلى الشمال ويصل ما بين خط عرض ٣ خط الاستواء وخط عرض ۳۱ شماله، أي إنه يخترق أربعًا وثلاثين درجة جنوب من درجات العرض أو تزيد وليس بين أنهار العالم إطلاقا نهر يجمع بين مثل هذه العروض المتباعدة.. وثاني هذين الأمرين اللذين يمتاز بهما النيل على غيره من الأنهار أنه على عظمته التاريخية، ورغم أنه كان مهدًا لحضارة هي أقدم الحضارات التاريخية، فإنه يعتبر حديثًا جدا من حيث تكوينه الجيولوجي، بل إنه ربما كان أحدث أنهار العالم الكبرى على الإطلاق...
ومن المعروف أن النيل قبل أن يتخذ صورته الحالية كان موجودًا، ولكن على شكل ثلاث مجموعات نهرية تستقل كل منها عن المجموعتين الأخريين تمام الاستقلال. فأما المجموعة الأولى فتتمثل في النوبة ومصر، حيث كان النهر يجري معتمدًا على الأمطار المحلية التي تسيل بها الروافد من الصحاري المجاورة، ولا سيما الصحراء الشرقية وتلال البحر الأحمر. وفي هذه المرحلة حفر النيل مجراه في النوبة ومصر .. وأما المجموعة الثانية فأنهار الحبشة وهذه يقال إنها كانت تنصرف إلى البحر الأحمر، ولم تكن مياهها ولا طميها لتنصرف إلى سهول السودان أو أرض مصر، حتى أذن الله فانتابت هضبة الحبشة اضطرابات أرضية أدت إلى ارتفاع حافتها الشرقية والجنوبية ارتفاعًا أدى إلى انحدار سطحها نحو الشمال الغربي، فانصرفت مياهها في ذلك الاتجاه، أي نحو أرض الجزيرة ووسط السودان وشماله. وكذلك الحال في منابع النيل الاستوائية، فقد كانت مستقلة قائمة بذاتها، حتى اهتزت الهضبة الاستوائية وتأثرت بنفس الحركات التي أثرت في هضبة الحبشة، فاندفعت مياه البحيرات الاستوائية نحو حوض الجبل والغزال، واستطاعت آخر الأمر أن تجري في النيل الأبيض وتتحد بمياه الحبشة وتصل إلى مصر. وكان هذا إيذانًا بأن يتخذ النيل صورته الحالية. فالنيل إذن لم يكن نهرًا موحدا منذ البداءة، وإنما كانت منابعه الحبشية والاستوائية منفصلة عن أدانيه في النوبة ومصر. وهذه الحقيقة التي أجملناها إجمالاً قد جهد الجيولوجيون والجغرافيون في إثباتها سنين كثيرة، ولكنها صارت الآن مقبولة بصفة عامة لا يجادل فيها الباحثون إلا فيما
يمس التفاصيل.
وبعد، فإن حديث الفيضان وأثره في تاريخنا وحضارتنا وخطره في مستقبلنا حديث يمكن أن يتشعب ويطول، وأن يتعدى الباحثين إلى إثارة اهتمام المواطنين
جميعًا. فقصة هذا الفيضان جزء لا يتجزأ من قصة الحياة والمدنية في مصر. ولقد استطاع أسلافنا الأقدمون، الذين أنشأوا الحضارة والمدنية الزراعية المستقرة على
أصله
ضفاف النيل، أن يتنبهوا للخطر فغالبوه حتى غلبوه، ثم حولوه عن ووجهوه وجهة الخير ،والمنفعة بل الحق ،والجمال ولكن الطريف في هذا الجهد أن الإنسان استجاب للطبيعة كما استجابت الطبيعة للإنسان، فكما غلب الإنسان النهر فضبطه وهذبه وقومه وصوبه وأقام الجسور والحياض والحدود، فإنه عاد فاستجاب فيما بينه وبين نفسه لنوازع الطبيعة ودوافعها، فقدس النهر واحتفل بفيضانه وقدم القرابين لهذا الفيض الزاخر، يستهويه تارة، ويستهديه تارة أخرى، وشاءت حكمة الله بذلك أن تجعل من مصر كنانة الله في أرضه، وأن تخرج من أبناء النيل أعرق أمة عرفها التاريخ.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

البعض منها إلى ...

البعض منها إلى مجرد وصف الظاهرة وصفاً كمياً أو كيفياً دون دراسة الأسباب التي أدت إلى ظهور المشكلة أو...

مقدمة 1. La p...

مقدمة 1. La perception الإدارك 1.1. تعريف الإدارك 1.1. مارحل الإدارك 1.1. خصائص الإ...

وانتهت فترة اله...

وانتهت فترة الهدوء التي تلت هزيمة بولندا في التاسع من أبريل 1940 عندما قامت القوات الألمانية بغزو كل...

إيجاد العلاقة ب...

إيجاد العلاقة بين الظواهر المختلفة. إن هدف تنظيم المعلومات وتصنيفها هو مساعدة الباحث على الوصول إلى ...

مكّة المُكرَّمة...

مكّة المُكرَّمة مكّة المُكرَّمة، أو أمّ القُرى هي مدينة عربيّة إسلاميّة تُوجَد في المملكة العربيّة ا...

المطلب الثالث: ...

المطلب الثالث: توجيهات المحاسبة للحد من المخاطر المالية يحتاج برنامج إدارة المخاطر إلى المراجعة والت...

تاسست سنة 1998 ...

تاسست سنة 1998 جيث يتبع هذا المركز عدة نشاطات و مهام منها التحسيس ياهمية المتابعة و المرافق و المساه...

المبحث الأول : ...

المبحث الأول : ماهية المنهج الوصفي المطلب الأول : تعريف المنهج الوصفي هو وصف الباحث للظاهرة المراد د...

Lion has teeth,...

Lion has teeth, strong claws help him catch his prey. The weight of the lion weighs about two hundre...

التدخين هو عملي...

التدخين هو عملية استنشاق الدخان الناتج عن حرق التبغ أو منتجات التبغ. لذلك، يعد عدم التدخين خطوة مهمة...

هذا هو القمر ال...

هذا هو القمر الذهبي للقرن السادس يتم إغلاق الأكوام من الأخشاب من خلال أعمدة من الماء من الماء إلى ال...

C8 *"...

C8 *"...