Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

وتقدم طلحة بن أبي طلحة حامل لواء المشركين فصاح: من يبارز، فقال له علي (عليه السلام): هل لك في مبارزتي قال: فبرزا بين الصفين، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس تحت الراية وعليه درعان ومغفرة وبيضة، وفي رواية: تحت راية الأنصار. فالتقيا فضربه علي (عليه السلام) على رأسه فمضى السيف حتى فلق هامته وانتهى إلى لحيته، فوقع كالثور يخور بدمه وانصرف عنه علي (عليه السلام). فقيل له: هلا دففت عليه! فقال: لما صرع استقبلني بعورته وسألني الرحم. ولما قتل طلحة تقدم أخوه عثمان بن أبي طلحة وحمل اللواء وأنشد يقول:
إن على رب اللواء حقا *** أن يخضب الصعداء أويقدا
فتقدم باللواء والنسوة خلفه يحرضن ويضربن بالدفوف وينشدن:
ضربا بني عبد الدار *** ضربا حماة الأديار
ضربا يصل بالثأر
فحمل عليه، حمزة بن عبد المطلب فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مئزره فبدا سحره ورجع فقال حمزة: أنا ابن ساقي الحجيج. وحمل اللواء بعدهما أخوهما أبو سعيد ابن أبي طلحة، فحمل عليه علي (عليه السلام) فقتله. ثم حمل لواء المشركين مسافح بن أبي طلحة، فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح فقتله، فحمل إلى أمه سلافة بنت سعد بن الشهيد وهي مع النساء. ثم حمل اللواء أخوه كلاب بن طلحة فقتله الزبير بن العوام. فجعلوا يضربون وجوههم، أخو طلحة الأول، فقتل. ثم مسافح، وكلهم من بني عبد الدار قتلهم علي (عليه السلام) واحدا بعد الآخر. فقتل. ثم حمل الراية غلام لبني عبد الدار اسمه صوئب فقتله علي (عليه السلام). وتعاقب حملة اللواء من بني عبد الدار حتى قتل تسعة من أبرز أبطال المشركين. ولما قتل أصحاب الألوية وحملتها، انكشف المشركون منهزمين لا يلوون على شيء حتى سقط اللواء وهزموا، ووقع الصنم الكبير الذي حملوه معهم يتيمنون به من فوق الجمل الذي كان يحمله، وجاء في شرح النهج للواقدي، وغيره أنه قال: إن النصر الذي تهيأ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين يوم أحد، وظل النصر بجانبهم حتى عصوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنافسوا على الغنائم.وإضافة إلى ذلك، إن كثيرا من الصحابة الذين حضروا أحد كانوا يقولون: والله لقد كنا ننظر إلى هند وصواحبها منهزمات، ما دون أخذهن وأسرهن شيء لمن أرادهن. ولكن لا مرد لقضاء الله، فلقد أصيب المسلمون من قبل الرماة الذين وضعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ورائه ليحموا ظهورهم بنبالهم إذا هوجموا من الجهة التي في ظهرهم، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في منتهى الحكمة والمهارة في قيادته حين أمر تلك الحامية المؤلفة من خمسين رجلا أن لا تغادر مكانها حتى ولو انهزم المسلمون وقتلوا، ولكنهم لما انهزم المشركون وتبعهم المسلمون حتى أجلوهم عن معسكرهم وأخذوا يستولون على ما فيه من الغنائم، قال بعضهم لبعض: لم تقيمون هنا وقد هزم الله المشركين وهؤلاء إخوانكم يستولون على معسكرهم فادخلوا معسكر المشركين مع إخوانكم. فقال لهم جماعة: ألم تعلموا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لنا: احموا ظهورنا وإن رأيتمونا غنمنا أو قتلنا، فلا تبرحوا مكانكم. وقد أذل الله المشركين وهزمهم. ولم يبق معه سوى نفر قليل لا يتجاوزون العشرة، والحارث بن أنس ينادي فيهم: يا قوم اذكروا عهد نبيكم وأطيعوا أميركم، فلم يلتفت إليه أحد، وانكشف ظهر المسلمين للمشركين، وفي ذلك نزلت هذه الآية الشريفة. {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152] (3)، هذا والمشركون منهزمون شر هزيمة، وقد دب الرعب في قلوبهم وتركوا معسكرهم، ومنهم خالد بن الوليد قد ولى بخيله هاربا، ونظر إلى الجبل الذي كان حريصا على أن يجد منه منفذا ليهاجم المسلمين من ورائهم. نظر إليه في تلك الحالة وقريش قد انهزمت وتركت أمتعتها وكل ما معها غنيمة للمسلمين، وأدرك أن الحامية التي كانت عليها قد تفرقت وما بقي منها لا يغني شيئا، فرجع بخيله إلى تلك الحامية من خلفها وتبعه عكرمة في جماعته، واصطدم بها فرموه بالنبال حتى نفد ما معهم من النبل، فسلوا سيوفهم وأقبلوا على تلك الخيل يضربون وجوهها، دافعوا حتى النفس الأخير - جزاهم الله خيرا -. الذي قام به عبد الله بن جبير ومن معه من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، نظر المنهزمون من المشركين إلى خيلهم فوجدوها رجعت الكرة لتهاجم المسلمين من ورائهم، وعلموا أنها قد وجدت منفذا للهجوم المعاكس على المسلمين وهم منصرفون إلى الغنائم والسلب، وقد ألهتهم تلك الغنائم حتى عن التفكير بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعادوا من حيث ذهبوا. ثم حملوا على المسلمين من خلفهم، ولما رأت قريش المنهزمة عودة رجالها للحرب،فما أحس المسلمون إلا والعدو قد تغلغل في أوساطهم وأصبحوا مندهشين حيارى يتعرضون لضرب السيوف وطعن الرماح أينما اتجهوا، واشتد الأمر عليهم حتى ضرب بعضهم بعضا وهم يحسبون أنهم يضربون أعدائهم. ولما شاهد المسلمون ذلك انهزم بعضهم أو معظمهم، وفي مقدمتهم حامل اللواء مصعب بن عمير حتى أثخن بالجراح وقتل وسقط اللواء، ودفع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللواء إلى علي (عليه السلام) وتفرق عنه أكثر أصحابه، وحمل المشركون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريدون قتله، ولكن عليا(عليه السلام)، وجالدوا المشركين وكافحوا كفاحا مستميتا ولم يشهد له التاريخ مثيلا، هذا ورسول الله ثابت في مكانه يرميهم بقوسه، ويطعن كل من دنا منه برمحه حتى نفدت نبله وانقطع وتر قوسه، وأصابته بعض الجراحات، وأغمي عليه. ولما أفاق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من غشيته وفتح عينيه قال لعلي (عليه السلام): ما فعل الناس قال له: لقد نقضوا عهدك وولوا الدبر، وفيما هو يخاطبه ويقص عليه أخبار المنهزمين، وإذا بكتيبة من المشركين اتجهت نحو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا علي اكفني هؤلاء، فانقض عليهم علي (عليه السلام) كالصقر فانهزموا بين يديه، وفيما هو يطاردهم وإذا بكتيبة أخرى قد اتجهت نحو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكادت تبلغ منه غايتها ولولا أن عليا سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثانية يقول: يا علي اكفني هؤلاء، فانقض عليهم ومزقهم: وعادوا إليه من ناحية أخرى فكر عليهم علي(عليه السلام) وفرقهم عنه. وأتى ابن قميئة الحارثي أحد بني الحارث بن عبد مناة، فرمى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحجر أصاب وجهه الشريف فكسر أنفه ورباعيته وشق شفته، ودخلت حلقتان من المغرز في جبهته فسال الدم على وجهه، فأخذ يمسحه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم، وهو مع ذلك يدعوهم إلى الله. فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: يا محمد إن هذه المواساة لقد عجبت منها الملائكة، فقال: وما يمنعه من ذلك وهو مني وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما. وسمع ذلك اليوم في السماء مناد لا يرى شخصه ينادي:
لا سيف إلا ذو الفقار، فسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما بعد عن ذلك فقال: هذا جبرئيل (4).وكان حمزة بن عبد المطلب في وسط القوم لا يدنو منه أحد إلا بعجه بسيفه وهم يفرون من بين يديه. وجاء في رواية الطبري: أنه قد تفرق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه من المهاجرين والأنصار، كما فر عثمان بن عفان حتى انتهى إلى مكان بعيد عن المعركة، وعمر بن الخطاب، وأضاف إلى ذلك الطبري بسنده عن محمد بن إسحاق بصراحة، عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع: أن أنس بن النضر قال لعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار، فقال: وما تصنعون بالحياة من بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم تركهم، واستقبل القوم فقاتل حتى قتل. فقال الجالسون على الصخرة ممن فروا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتجأوا إليها، وفيهم عمر بن الخطاب، كما هو مفاد الرواية، وأبو بكر كما جاء في (حياة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لهيكل) حيث عده من الفارين الذين التجأوا إلى الصخرة، فقال بعضهم: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن سلول فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان، يا قوم إن محمدا قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، إلي عباد الله، وهم يصعدون ولا يلوون على شيء، والنبل يأتي إليه من كل ناحية وصوب. وفيهم: أبو بكر، وعمر، وطلحة وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم وغيرهم. أما عثمان فقد انهزم من أول وهلة واستمر في هزيمته ثلاثة أيام، ولم يعد إلى المدينة إلا بعد عودة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولما رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: لقد ذهبت بها عريضة يا عثمان. فإنهم كانوا يعبدون الله على حرف ، فإن أصابهم خير اطمأنوا به، وإن أصابتهم فتنة انقلبوا. وأبا بكر ومن معهما، ولم يحدث بأن أحدا منهما ولا ممن كان معهما أنكر على القائل مقالته، صارت تحمل كتائب المشركين على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقول: يا علي اكفني هذه، فيحمل عليهم، ويقتل فيهم. وهكذا. فيها بنو سفيان بن عويف الأربعة، فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم): اكفني هذه الكتيبة، فيحمل عليها، ثم تجتمع عليه هكذا مرارا، حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة، وأكمل تمام العشرة منها ممن لا يعرف بأسمائهم. فقال جبرئيل (عليه السلام): يا محمد، إن هذه لمواساة، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى، ثم سمع مناد من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي فسئل عنه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا جبرئيل.مقتل حمزة سيد الشهداء:
ولم يكن أحد من المسلمين ليشفي غليلهما غير محمد، أو علي، أو حمزة، وهم: عتبة وشيبة والوليد وغيرهم، يدعى وحشيا، وكان مملوكا لجبير بن مطعهم، فجاءته هند وأغرته بالمال على أن يغتال أحد الثلاثة، كما شجعه على ذلك سيده جبير بن مطعم، وأما حمزة فإني أطمع أن أصيبه، لأنه إذا غضب لم يعد يبصر ما بين يديه. وروى الطبري في تاريخه: أن وحشيا كمن لحمزة خلف صخرة كبيرة وقال: والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه هدا، وإذا بسباع بن عبد العزى قد تقدم نحوه، فقال له حمزة: هلم إلي، وكنت أعددت حربتي وهو لا يراني فهززتها حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه فوقعت في إليته حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي ولكنه غلب ووقع على الأرض، فأمهلته حتى إذا مات جئت إليه وأخذت حربتي وتنحيت ولم يكن لي بغيره حاجة. ولما علمت هند بقتله لم يسعها ذلك، فانطلقت هي والنسوة اللواتي معها يمثلن بالقتلى من المسلمين، ويقطعن الأيدي والأرجل، ولكن لم تستطع أن تبتلعها فلفضتها من فمها. وفي رواية الواقدي: قالت له: أرني مصرعه، وأنفه وأذنيه، ثم جعلت ذلك مسكتين، ومعضدين، واستخرجت قطعة من كبده فلاكتها ولفظتها. وجاء أبو سفيان بن حرب إلى جثمان حمزة (عليه السلام) وهو بتلك الحالة فلم يكتف بما فعلته زوجته هند بل طعنه في شدقه برأس رمحه وهو يقول: عقق، ذق عقق، وقال الواقدي: إن عائشة خرجت من المدينة تتطلع الأخبار ومعها نسوة من المدينة، وابنها خلاد بن عمرو، وأخوها عبد الله بن عمرو بن حزام، أبو جابر بن عبد الله الأنصاري، فقالت لها عائشة: فما وراءك؟ قالت هند: أما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو بخير وكل مصيبة بعده جلل، واتخذ الله من المؤمنين شهداء. وابني. فبينما هي تسوق بعيرها وإذا به يبرك بهم، فلما زجرته وقف فوجهته إلى المدينة فعاد وبرك، فرجعت به إلى أحد فأسرع وكأنه لم يحمل شيئا، فرجعت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان لا يزال في أحد وأخبرته بما جرى، فقال: إنه لمأمور، هل قال زوجك عندما خرج شيئا؟ قالت: نعم إنه لما خرج إلى أحد استقبل القبلة ثم قال: اللهم لا تردني إلى أهلي، فاستجاب الله دعاءه، ثم دفنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده في الموقع مع الشهداء. وقال الواقدي: إن النساء اللواتي شهدن أحدا: نسيبة بنت كعب أم عمارة بن غزية، وكانت قد شهدت زوجها غزية وابنها عمارة بن عمارة بن غزية وولدها أيضا عبد الله بن زيد،وقال الواقدي: وكان حمزة بن سعيد يحدث عن جدته - وكانت قد شهدت أحدا لتسقي الماء - فقال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لمقام نسيبة بنت كعب أم عمارة اليوم خير من مقام فلان وفلان. وكان يراها تقاتل يومئذ أشد القتال، وجعلت أعلوه هو والفرس بالحجارة، والنبي ينظر ويبتسم، فنظر إلى جرح بأمي على عاتقها، بارك الله فيكم من أهل بيت، لمقام أمك خير من مقام فلان، وفلان، ومقام ربيبك (ويعني زوج أمه) خير من مقام فلان. من الواضح أن النبي سمى أولئك بأسمائهم صراحة ولم يكنهم، ولكن لمقام أولئك الصحابة الرفيع عند بعض المسلمين وفرض السياسة الزمنية اكتفى أهل السير والمؤرخون بالتلميح، والعاقل تكفيه الإشارة،ومن وقائع المعركة كما جاء في كتب السير: أن حنظلة بن أبي عامر كان قد تزوج من جميلة بنت عبد الله ابن أبي سلول، فلما صلى الصبح غدا يريد رسول الله فلزمته جميلة فعاد إليها ونام معها، وخرج إلى أحد مسرعا ولم يغتسل من جنابته، وقبل خروجه أشهدت عليه أربعة من النسوة أنه قد دخل بها، فقيل لها بعد ذلك: لم أشهدت عليه قالت: رأيت في الطيف كأن السماء قد انفرجت فدخل بها، ثم أطبقت عليه، فعلمت أنه سيقتل، وحملت منه بعبد الله بن حنظلة، والتحق حنظلة، برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يسوي الصفوف. فلما انكشف المشركون اعترض حنظلة لأبي سفيان ابن حرب، وحنظلة يحاول أن يذبحه بسيفه، فنظر إليه الأسود بن شعوب، ففر يعدو على رجليه فلحق ببعض القرشيين فأردفه وراءه على فرسه. وروي: أن أبا عامر الفاسق والد حنظلة - وكان مع المشركين - مر على ولده حنظلة وهو مقتول إلى جانب حمزة بن عبد المطلب، وعبد الله بن جحش، والله لقد كنت برا بالوالد، شريف الخلق في حياتك، ثم نادى، يا معشر قريش، حنظلة لا يمثل به وإن كان خالفني وخالفكم. فمثل المشركون بالقتلى وتركوه. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن، وفي صحائف من ذهب، فكان يسمى بغسيل الملائكة.خلاصة المعركة:
ومن المشركين ثمانية وعشرون من أبطال قريش وأصحاب ألويتهم، فقد نصت السير أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قتل أكثر من اثني عشر من أبطالهم، وقتل معظم أصحاب الألوية. وإليك بعض أسماء شهداء أحد وهم: 1- حمزة بن عبد المطلب. 2- مصعب بن عمير. 3- عبد الله بن جحش.


Original text

وتقدم طلحة بن أبي طلحة حامل لواء المشركين فصاح: من يبارز، فقال له علي (عليه السلام): هل لك في مبارزتي قال: فبرزا بين الصفين، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس تحت الراية وعليه درعان ومغفرة وبيضة، وفي رواية: تحت راية الأنصار. فالتقيا فضربه علي (عليه السلام) على رأسه فمضى السيف حتى فلق هامته وانتهى إلى لحيته، فوقع كالثور يخور بدمه وانصرف عنه علي (عليه السلام). فقيل له: هلا دففت عليه! فقال: لما صرع استقبلني بعورته وسألني الرحم. ولما قتل طلحة تقدم أخوه عثمان بن أبي طلحة وحمل اللواء وأنشد يقول:


إن على رب اللواء حقا *** أن يخضب الصعداء أويقدا


فتقدم باللواء والنسوة خلفه يحرضن ويضربن بالدفوف وينشدن:


ضربا بني عبد الدار *** ضربا حماة الأديار


           ضربا يصل بالثأر

فحمل عليه، حمزة بن عبد المطلب فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مئزره فبدا سحره ورجع فقال حمزة: أنا ابن ساقي الحجيج. وحمل اللواء بعدهما أخوهما أبو سعيد ابن أبي طلحة، فحمل عليه علي (عليه السلام) فقتله. ثم حمل لواء المشركين مسافح بن أبي طلحة، فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح فقتله، فحمل إلى أمه سلافة بنت سعد بن الشهيد وهي مع النساء. ثم حمل اللواء أخوه كلاب بن طلحة فقتله الزبير بن العوام. ثم أخذ اللواء أخوه الجلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيدة. ثم شد أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على كتائب المشركين، فجعلوا يضربون وجوههم، حتى انتقضت صفوفهم. ثم حمل اللواء عثمان بن أبي طلحة، أخو طلحة الأول، فقتل. ثم أبو سعيد ابن أبي طحلة أخوهما، فقتل. ثم مسافح، وكلهم من بني عبد الدار قتلهم علي (عليه السلام) واحدا بعد الآخر. ثم شريح بن قانط، فقتل. ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب(عليه السلام). ثم حمل الراية غلام لبني عبد الدار اسمه صوئب فقتله علي (عليه السلام). وتعاقب حملة اللواء من بني عبد الدار حتى قتل تسعة من أبرز أبطال المشركين. ولما قتل أصحاب الألوية وحملتها، انكشف المشركون منهزمين لا يلوون على شيء حتى سقط اللواء وهزموا، وأحيط بنسائهم، ووقع الصنم الكبير الذي حملوه معهم يتيمنون به من فوق الجمل الذي كان يحمله، ومن خلال الهودج الذي كان يحويه (2)، وجاء في شرح النهج للواقدي، وغيره أنه قال: إن النصر الذي تهيأ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين يوم أحد، بمشيئة الله لم يتهيأ له في موطن قط، وظل النصر بجانبهم حتى عصوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنافسوا على الغنائم.


وإضافة إلى ذلك، إن كثيرا من الصحابة الذين حضروا أحد كانوا يقولون: والله لقد كنا ننظر إلى هند وصواحبها منهزمات، ما دون أخذهن وأسرهن شيء لمن أرادهن. ولكن لا مرد لقضاء الله، فلقد أصيب المسلمون من قبل الرماة الذين وضعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ورائه ليحموا ظهورهم بنبالهم إذا هوجموا من الجهة التي في ظهرهم، ولقد حاول خالد بن الوليد أكثر من مرة أن يهاجم من تلك الجبهة - فتحة الجبل - فلم يستطع. وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في منتهى الحكمة والمهارة في قيادته حين أمر تلك الحامية المؤلفة من خمسين رجلا أن لا تغادر مكانها حتى ولو انهزم المسلمون وقتلوا، ولكنهم لما انهزم المشركون وتبعهم المسلمون حتى أجلوهم عن معسكرهم وأخذوا يستولون على ما فيه من الغنائم، قال بعضهم لبعض: لم تقيمون هنا وقد هزم الله المشركين وهؤلاء إخوانكم يستولون على معسكرهم فادخلوا معسكر المشركين مع إخوانكم. فقال لهم جماعة: ألم تعلموا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لنا: احموا ظهورنا وإن رأيتمونا غنمنا أو قتلنا، فلا تبرحوا مكانكم. فقالوا: لم يرد رسول الله ذلك، وقد أذل الله المشركين وهزمهم. فلما اختلفوا خطبهم أميرهم عبد الله بن جبير وأمرهم بطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعصوه وانطلقوا نحو المعسكر يتسابقون إلى الغنيمة، ولم يبق معه سوى نفر قليل لا يتجاوزون العشرة، والحارث بن أنس ينادي فيهم: يا قوم اذكروا عهد نبيكم وأطيعوا أميركم، فلم يلتفت إليه أحد، وانكشف ظهر المسلمين للمشركين، وفي ذلك نزلت هذه الآية الشريفة. {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152] (3)، هذا والمشركون منهزمون شر هزيمة، وقد دب الرعب في قلوبهم وتركوا معسكرهم، ومنهم خالد بن الوليد قد ولى بخيله هاربا، ونظر إلى الجبل الذي كان حريصا على أن يجد منه منفذا ليهاجم المسلمين من ورائهم. نظر إليه في تلك الحالة وقريش قد انهزمت وتركت أمتعتها وكل ما معها غنيمة للمسلمين، وأدرك أن الحامية التي كانت عليها قد تفرقت وما بقي منها لا يغني شيئا، فرجع بخيله إلى تلك الحامية من خلفها وتبعه عكرمة في جماعته، واصطدم بها فرموه بالنبال حتى نفد ما معهم من النبل، فسلوا سيوفهم وأقبلوا على تلك الخيل يضربون وجوهها، دافعوا حتى النفس الأخير - جزاهم الله خيرا -. وخلال تلك الفترة من الكفاح البطولي المرير، الذي قام به عبد الله بن جبير ومن معه من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، نظر المنهزمون من المشركين إلى خيلهم فوجدوها رجعت الكرة لتهاجم المسلمين من ورائهم، وعلموا أنها قد وجدت منفذا للهجوم المعاكس على المسلمين وهم منصرفون إلى الغنائم والسلب، وقد ألهتهم تلك الغنائم حتى عن التفكير بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعادوا من حيث ذهبوا. ثم حملوا على المسلمين من خلفهم، ولما رأت قريش المنهزمة عودة رجالها للحرب، ورفعت الحارثية لواءهم الذي كان ملقى على الأرض فعادوا إلى الحرب من جديد.


فما أحس المسلمون إلا والعدو قد تغلغل في أوساطهم وأصبحوا مندهشين حيارى يتعرضون لضرب السيوف وطعن الرماح أينما اتجهوا، واشتد الأمر عليهم حتى ضرب بعضهم بعضا وهم يحسبون أنهم يضربون أعدائهم. ولما شاهد المسلمون ذلك انهزم بعضهم أو معظمهم، ولم يبق مع علي بن أبي طالب(عليه السلام) إلا جماعة مستميتون أحاطوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدفعون عنه السهام والنبال والسيوف، ويجالدون بين يديه، وفي مقدمتهم حامل اللواء مصعب بن عمير حتى أثخن بالجراح وقتل وسقط اللواء، ودفع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللواء إلى علي (عليه السلام) وتفرق عنه أكثر أصحابه، وحمل المشركون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريدون قتله، ولكن عليا(عليه السلام)، وأبا دجانة، وسهل بن حنيف ونفرا غيرهم أبلوا بلاء حسنا، وجالدوا المشركين وكافحوا كفاحا مستميتا ولم يشهد له التاريخ مثيلا، هذا ورسول الله ثابت في مكانه يرميهم بقوسه، ويطعن كل من دنا منه برمحه حتى نفدت نبله وانقطع وتر قوسه، وأصابته بعض الجراحات، وأغمي عليه. ولما أفاق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من غشيته وفتح عينيه قال لعلي (عليه السلام): ما فعل الناس قال له: لقد نقضوا عهدك وولوا الدبر، وفيما هو يخاطبه ويقص عليه أخبار المنهزمين، وإذا بكتيبة من المشركين اتجهت نحو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا علي اكفني هؤلاء، فانقض عليهم علي (عليه السلام) كالصقر فانهزموا بين يديه، وفيما هو يطاردهم وإذا بكتيبة أخرى قد اتجهت نحو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكادت تبلغ منه غايتها ولولا أن عليا سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثانية يقول: يا علي اكفني هؤلاء، فانقض عليهم ومزقهم: وعادوا إليه من ناحية أخرى فكر عليهم علي(عليه السلام) وفرقهم عنه. وأتى ابن قميئة الحارثي أحد بني الحارث بن عبد مناة، فرمى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحجر أصاب وجهه الشريف فكسر أنفه ورباعيته وشق شفته، ودخلت حلقتان من المغرز في جبهته فسال الدم على وجهه، فأخذ يمسحه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم، وهو مع ذلك يدعوهم إلى الله. وتجمعوا عليه مرارا وعلي (عليه السلام) يصدهم عنه حتى قتل عشرة أبطال من بني سفيان بن عوف، فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: يا محمد إن هذه المواساة لقد عجبت منها الملائكة، فقال: وما يمنعه من ذلك وهو مني وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما. وسمع ذلك اليوم في السماء مناد لا يرى شخصه ينادي:


لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، فسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما بعد عن ذلك فقال: هذا جبرئيل (4).


وكان حمزة بن عبد المطلب في وسط القوم لا يدنو منه أحد إلا بعجه بسيفه وهم يفرون من بين يديه. وجاء في رواية الطبري: أنه قد تفرق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه من المهاجرين والأنصار، كما فر عثمان بن عفان حتى انتهى إلى مكان بعيد عن المعركة، وكان ممن تفرق وانهزم عنه أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأضاف إلى ذلك الطبري بسنده عن محمد بن إسحاق بصراحة، عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع: أن أنس بن النضر قال لعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا ما بأيديهم وجلسوا ناحية: ما يجلسكم هنا؟ قالوا: قتل محمد رسول الله، فقال: وما تصنعون بالحياة من بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم تركهم، واستقبل القوم فقاتل حتى قتل. ومضى الطبري يقول في ص 20 الجزء الثالث من تاريخه: أنه قد فشا في الناس أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قتل، فقال الجالسون على الصخرة ممن فروا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتجأوا إليها، وفيهم عمر بن الخطاب، كما هو مفاد الرواية، وأبو بكر كما جاء في (حياة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لهيكل) حيث عده من الفارين الذين التجأوا إلى الصخرة، فقال بعضهم: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن سلول فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان، يا قوم إن محمدا قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، فقال لهم أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاءوا به، ثم شد بسيفه على المشركين وقاتل قتالا شديدا حتى قتل بعد أن أصيب بسبعين ضربة، ولولا أن أخته عرفته لم يعرفه أحد من المسلمين. نعم... لقد هزم المسلمون، مما جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعوهم في أخراهم: إلي عباد الله، إلي عباد الله، إلي يا فلان ، إلي يا فلان، وهم يصعدون ولا يلوون على شيء، ولا يعرج عليه أحد، والنبل يأتي إليه من كل ناحية وصوب. واستمروا في الهزيمة حتى الجبل، وفيهم: أبو بكر، وعمر، وطلحة وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم وغيرهم... أما عثمان فقد انهزم من أول وهلة واستمر في هزيمته ثلاثة أيام، ومعه اثنان من الأنصار، ولم يعد إلى المدينة إلا بعد عودة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولما رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: لقد ذهبت بها عريضة يا عثمان.


هذه هي عقيدة وإيمان هؤلاء الذين يدعون أنهم كبار الصحابة الملازمون طيلة هذه السنين له، فإنهم كانوا يعبدون الله على حرف ، فإن أصابهم خير اطمأنوا به، وإن أصابتهم فتنة انقلبوا. وهم مصداق هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] (5). ومقتضى هاتين الروايتين: أن عمر بن الخطاب، وأبا بكر ومن معهما، كانوا على الصخرة مع من تمنى شفاعة عبد الله بن أبي سلول عند أبي سفيان، ولم يحدث بأن أحدا منهما ولا ممن كان معهما أنكر على القائل مقالته، إذا استثنينا أنس بن النضر الذي أنكرها واعتذر إلى الله منها كما سبق ذكره، ونزل وجاهد واستشهد. ويقول النص التاريخي، والقائل أبو رافع: كان الذي قتل أصحاب الألوية علي (عليه السلام). وحين انهزم الناس، صارت تحمل كتائب المشركين على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقول: يا علي اكفني هذه، فيحمل عليهم، فيفرقهم، ويقتل فيهم... وهكذا... حتى قصدته كتيبة من بني كنانة، فيها بنو سفيان بن عويف الأربعة، فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم): اكفني هذه الكتيبة، فيحمل عليها، وإنها لتقارب خمسين فارسا وعلي (عليه السلام) راجلا، فما زال يضربها بالسيف حتى تتفرق عنه. ثم تجتمع عليه هكذا مرارا، حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة، وأكمل تمام العشرة منها ممن لا يعرف بأسمائهم... فقال جبرئيل (عليه السلام): يا محمد، إن هذه لمواساة، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ما يمنعه وهو مني، وأنا منه! فقال جبرئيل: وأنا منكما، ثم سمع مناد من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي فسئل عنه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا جبرئيل.


مقتل حمزة سيد الشهداء:


بعد معركة بدر لم يكن أبو سفيان وزوجته هند يفكران في غير الثأر من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يكن أحد من المسلمين ليشفي غليلهما غير محمد، أو علي، أو حمزة، لأنهم الذين قتلوا شيوخ قريش يوم بدر، وهم: عتبة وشيبة والوليد وغيرهم، فوقع اختيارهما على غلام حبشي فتاك، يدعى وحشيا، وكان مملوكا لجبير بن مطعهم، فجاءته هند وأغرته بالمال على أن يغتال أحد الثلاثة، كما شجعه على ذلك سيده جبير بن مطعم، لأخذ الثأر لأخيه. فقال: أما محمد فلا حيلة لي به لأن أصحابه يحيطون به دائما، وأما علي إذا قاتل كان أحذر من أي شيء، وأما حمزة فإني أطمع أن أصيبه، لأنه إذا غضب لم يعد يبصر ما بين يديه. وروى الطبري في تاريخه: أن وحشيا كمن لحمزة خلف صخرة كبيرة وقال: والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه هدا، وإذا بسباع بن عبد العزى قد تقدم نحوه، فقال له حمزة: هلم إلي، فضربه حمزة بسيفه، فقتله، وكنت أعددت حربتي وهو لا يراني فهززتها حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه فوقعت في إليته حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي ولكنه غلب ووقع على الأرض، فأمهلته حتى إذا مات جئت إليه وأخذت حربتي وتنحيت ولم يكن لي بغيره حاجة. ولما علمت هند بقتله لم يسعها ذلك، فانطلقت هي والنسوة اللواتي معها يمثلن بالقتلى من المسلمين، يجدعن الآذان والأنوف، ويقطعن الأيدي والأرجل، وجعلت هند لنفسها ولمن معها آذان الرجل وأنوفهم قلائد وأقراطا، ثم جاءت إلى جسد حمزة فبقرت بطنه، وجذبت كبده وقطعت منه قطعة ووضعتها في فمها وجعلت تلوكها بأسنانها، ولكن لم تستطع أن تبتلعها فلفضتها من فمها. وفي رواية الواقدي: قالت له: أرني مصرعه، فأراها مكانه، فشقت بطنه وقطعت مذاكيره، وأنفه وأذنيه، ثم جعلت ذلك مسكتين، ومعضدين، واستخرجت قطعة من كبده فلاكتها ولفظتها. وجاء أبو سفيان بن حرب إلى جثمان حمزة (عليه السلام) وهو بتلك الحالة فلم يكتف بما فعلته زوجته هند بل طعنه في شدقه برأس رمحه وهو يقول: عقق، ذق عقق، يوم بيوم بدر. وقال الواقدي: إن عائشة خرجت من المدينة تتطلع الأخبار ومعها نسوة من المدينة، فالتقت بهند بنت عمرو ابن حزام تسوق بعيرا لها عليه جثة زوجها عمرو بن الجموح، وابنها خلاد بن عمرو، وأخوها عبد الله بن عمرو بن حزام، أبو جابر بن عبد الله الأنصاري، فقالت لها عائشة: فما وراءك؟ قالت هند: أما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو بخير وكل مصيبة بعده جلل، واتخذ الله من المؤمنين شهداء. فقالت لها عائشة: ومن هؤلاء؟ قالت: أخي وزوجي، وابني. قالت: وأين تذهبين بهم؟ قالت: إلى المدينة لأدفنهم فيها. فبينما هي تسوق بعيرها وإذا به يبرك بهم، فلما زجرته وقف فوجهته إلى المدينة فعاد وبرك، فرجعت به إلى أحد فأسرع وكأنه لم يحمل شيئا، فرجعت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان لا يزال في أحد وأخبرته بما جرى، فقال: إنه لمأمور، هل قال زوجك عندما خرج شيئا؟ قالت: نعم إنه لما خرج إلى أحد استقبل القبلة ثم قال: اللهم لا تردني إلى أهلي، فاستجاب الله دعاءه، ثم دفنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده في الموقع مع الشهداء. وقال الواقدي: إن النساء اللواتي شهدن أحدا: نسيبة بنت كعب أم عمارة بن غزية، وكانت قد شهدت زوجها غزية وابنها عمارة بن عمارة بن غزية وولدها أيضا عبد الله بن زيد، وقد خرجت ومعها شن لها في أول النهار تريد أن تسقي الجرحى، فقاتلت يومئذ وأبلت بلاء حسنا وجرحت اثني عشر جرحا بين طعن برمح وضربة بسيف.


وقال الواقدي: وكان حمزة بن سعيد يحدث عن جدته - وكانت قد شهدت أحدا لتسقي الماء - فقال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لمقام نسيبة بنت كعب أم عمارة اليوم خير من مقام فلان وفلان. وكان يراها تقاتل يومئذ أشد القتال، وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا. ومن أمثال هذه النماذج المستبسلة الرائعة كثير بين الرجال والنساء. وفي رواية: أن عمارة قال: لقد رميت رجلا بحجر وهو على فرسه فأصاب الحجر عين الفرس فاضطرب حتى وقع هو وصاحبه، وجعلت أعلوه هو والفرس بالحجارة، والنبي ينظر ويبتسم، فنظر إلى جرح بأمي على عاتقها، فقال: أمك أمك أعصب جرحها، بارك الله فيكم من أهل بيت، لمقام أمك خير من مقام فلان، وفلان، ومقام ربيبك (ويعني زوج أمه) خير من مقام فلان. من الواضح أن النبي سمى أولئك بأسمائهم صراحة ولم يكنهم، ولكن لمقام أولئك الصحابة الرفيع عند بعض المسلمين وفرض السياسة الزمنية اكتفى أهل السير والمؤرخون بالتلميح، والعاقل تكفيه الإشارة، فرب تلميح أبلغ من التصريح.


حنظلة غسيل الملائكة :


ومن وقائع المعركة كما جاء في كتب السير: أن حنظلة بن أبي عامر كان قد تزوج من جميلة بنت عبد الله ابن أبي سلول، فأدخلت عليه في الليلة التي كانت في صبيحتها أحد وقد استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبيت عندها فأذن له، فلما صلى الصبح غدا يريد رسول الله فلزمته جميلة فعاد إليها ونام معها، وخرج إلى أحد مسرعا ولم يغتسل من جنابته، وقبل خروجه أشهدت عليه أربعة من النسوة أنه قد دخل بها، فقيل لها بعد ذلك: لم أشهدت عليه قالت: رأيت في الطيف كأن السماء قد انفرجت فدخل بها، ثم أطبقت عليه، فعلمت أنه سيقتل، وحملت منه بعبد الله بن حنظلة، والتحق حنظلة، برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يسوي الصفوف. فلما انكشف المشركون اعترض حنظلة لأبي سفيان ابن حرب، فضرب عرقوب فرسه فقطعه ووقع أبو سفيان إلى الأرض يصيح: يا معشر قريش أنا أبو سفيان بن حرب، وحنظلة يحاول أن يذبحه بسيفه، فنظر إليه الأسود بن شعوب، فأسرع إلى حنظلة وحمل عليه وطعنه بالرمح، فمشى إليه حنظلة وضربه ثانية برمحه فقتله، ووجد أبو سفيان أن لديه مجالا للفرار، ففر يعدو على رجليه فلحق ببعض القرشيين فأردفه وراءه على فرسه. وروي: أن أبا عامر الفاسق والد حنظلة - وكان مع المشركين - مر على ولده حنظلة وهو مقتول إلى جانب حمزة بن عبد المطلب، وعبد الله بن جحش، فقال: لقد كنت أحذرك هذا الرجل - يعني بذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - قبل هذا المصرع، والله لقد كنت برا بالوالد، شريف الخلق في حياتك، ثم نادى، يا معشر قريش، حنظلة لا يمثل به وإن كان خالفني وخالفكم. فمثل المشركون بالقتلى وتركوه. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن، وفي صحائف من ذهب، فكان يسمى بغسيل الملائكة.


خلاصة المعركة:


وقد استشهد من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنان وسبعون، ومن المشركين ثمانية وعشرون من أبطال قريش وأصحاب ألويتهم، فقد نصت السير أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قتل أكثر من اثني عشر من أبطالهم، وقتل معظم أصحاب الألوية. وإليك بعض أسماء شهداء أحد وهم: 1- حمزة بن عبد المطلب. 2- مصعب بن عمير. 3- عبد الله بن جحش. 4- عقيل بن أمية. 5- شماس بن عثمان. 6- أنس بن النضر. 7- حنظلة بن عامر. 8- عمرو بن الجموح. 9- أخو عمرو لأمه. 10- ثابت بن قيس. 11- عبد الله بن عمرو بن حزام، والد جابر بن عبد الله الأنصاري .


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

هناك واحد متاح ...

هناك واحد متاح لك ، لم تجده لأنه في عام 1986 ، أرسل الكشف المروع موجات صدمة من خلال قسم مكافحة التجس...

 موضوع المُلتق...

 موضوع المُلتقى: الرُؤية التربوية في أعلام الجزائر – قراءات واستشراف / هجين – حضوري- عن بُعد  الم...

لقد عانت الجزائ...

لقد عانت الجزائر بان الثورة التحريرية كبرت حيث عاش مئات الالاف من ابنائها كاللاجئين ببلدان اخرى بعده...

La femme est le...

La femme est le fondement de la société et un partenaire essentiel dans sa construction et son dével...

Nous avons vu p...

Nous avons vu plus haut que l'eau a pour propriété de détruire les solides ioniques et de disperser ...

والعملية الت ها...

والعملية الت ها الهتمامها : ً موضوعا - الفرد المجتمع . ي ف ً باعتباره عضوا - المجتمع من أفراد . ً ...

لمبحث الأول: ما...

لمبحث الأول: ماهية التنظيم  المطلب الأول: مفهوم التنظيم ــ أ ـ تعريف التنظيم: يمثل التنظيم الوظيفة ...

أكد وزير الإعلا...

أكد وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني، أن اليمن يواجه واحدة من أخطر المراحل في تاريخه الح...

تُعتبر الدولة ا...

تُعتبر الدولة الحديثة في أوروبا نتاجًا للتحولات الاجتماعية والاقتصادية منذ القرن الخامس عشر، مترابطة...

الحمد لله رب ال...

الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا تبارك وتعالى ويرضى اللهم لك الحمد لا ن...

نظام صدع شرق أف...

نظام صدع شرق أفريقيا أو الوادي المتصدع في شرق أفريقيا، عبارة عن حدود تفصل صفائح متباينة متطورة في شر...

انهي صالح غداءه...

انهي صالح غداءه و لم يترك في الصحن غير زيتونة و هم بالنهوض و إذا بالزيتونة لب با صالح - لماذا لم تأك...