Lakhasly

إن المشروع الصهيوني الأول الرامي إلى أخذ الأرض بواسطة اليد العاملة اليهودية الزراعية سرعان ما تطور خلال الانتداب إلى اقتصاد يهودي صناعي في المدن وما ينطوي عليه ذلك من وجود يد عاملة صناعية. وقد أسهمت الحكومة الاستعمارية البريطانية في فلسطين في خلق اليد العاملة اليهودية حصراً وحمايتها
ومعاونتها عن طريق إعانة البطالة كما كانت قد أسهمت في تطوير اقتصاد يهودي : حصري ومؤسسات يهودية حصرية وكذلك في تكوين أساسي لليهود يقوم على تملكهم للأراضي. غير أن البريطانيين لم يتبعوا السياسة عينها تجاه القوى العاملة العربية في البلاد، بالإضافة إلى ذلك سهل البريطانيون قيام نظام مزدوج للأجور يكون فيه أجر العامل اليهودي أعلى من أخر العامل العربي في القطاعين الخاص والعام (۷۳) : وكان هذا التمييز في سياسة الأجور ضاراً باليد العاملة الفلسطينية من حيث مستوى الأجر وظروف العمل، ما أدى إلى بطانة في صفوف الفلسطينيين وإلى تراكم الديون في ذممهم فضلاً عن تفاقم التذمر بينهم. كانت هذه العوامل من الأمور المهمة التي. أثارت اضطرابات ۱۹۲۹ و (١٩٣٦ - ١٩٣٩) و (١٩٤٧ - ١٩٤٨.
كانت سياسة التنمية الاقتصادية في عهد الاستعمار البريطاني تقوم على ثلاثة أسس أولها سياسة مالية محافظة طبقته في جميع المستعمرات وكان على الشعوب المستعمرة أن تدفع بموجبها نفقات الأمن الداخلي والخارجي والإدارة العامة مهما كانت إيراداتها ضئيلة والأساس الثاني يقوم على نظرية في التنمية تخص المدخلات اليهودية في فلسطين، القطر المتخلف، الفقير الموارد، ومن شأن هذه النظرية أن تؤدي إلى ارتفاع هيكلي بمستوى الاقتصاد بأسره. إن هذه الفكرة كانت مبنية على ضرورة استيراد رأس المال اليهودي والمهارات إلى البلاد. غير أن هذه النظرة كانت متناقضة مع سياسة المنظمات الصهيونية التي تشجع أصحاب العمل اليهود على تشغيل العمال اليهود ذوي الأجر العالي عوضاً من العمال العرب ذوي الأجر المنخفض، الأمر الذي يؤدي إلى الإضرار بالنمر العام للاقتصاد الفلسطيني في قطاعاته كافة.
وبموجب الأساس الثالث كانت بريطانيا تنظم الهجرة اليهودية إلى فلسطين رفق القدرة الاستيعابية للبلد (7) كان هذا المفهوم قد أعيد تعريفه في بداية عهد الانتداب ليعني القدرة الاستيعابية للاقتصاد اليهودي وحدة غير أن حكومة الانتداب لم تلتزم بهذه السياسة فأخذت تساند مطامح الصهاينة بشأن العمالة وذلك بالسماح لمزيد من الهجرة اليهودية خلال سنوات الازدهار، وبتفضيل العمال اليهود .. في المشاريع العامة، وبتقديم معونة البطالة لهم خلال أيام الأزمات الاقتصادية. كما أن حكومة الانتداب لم تبادر إلى معالجة قضايا العمالة، ولم تحاول حل المنازعات بين العمال وإدارات المشاريع في القطاع اليهودي. وكانت النتيجة صدور قوانين تمييزية وليست وافية بالغرض. وذلك استجابة للضغط المنظم من الصهاينة أو الضغط الواقع كالاضرابات وسوء الأحوال الاجتماعية - الاقتصادية. لقد ترك حل تلك المنازعات للمنظمات الصهيونية نفسها.
كانت الوسيلة الأساسية التي نجح الصهاينة من خلالها بإنشاء قوة عاملة يهودية منفصلة عن غيرها وذات امتيازات هي الهستدروت (Histadrut) () ، أي الاتحاد العام للعمال اليهود الذي تأسس في عام ١٩٢٠. لم يكن الهستدروت كغيره من الاتحادات، فقد كانت يملك تعاونية إنشائية تدعى Solel Boneh» وتعاونيات استهلاكية وتسويقية، وبنك هابو عالیم (Bank Hapoelim)، وشركات تأمين ودور للنشر وغيرها. كان أغلبية العمال اليهود تنتمي إلى الهستدروت، وقد أصبح الاتحاد أكبر مستخدم للعمال بعد تأسيس إسرائيل. كان هذا التنظيم، على خلاف العمال الفلسطينيين غير المنظمين يمارس ضغطاً كبيراً على الهيئة التنفيذية الصهيونية وعلى حكومة الانتداب في فلسطين، فاستطاع الهستدروت. أن يحصل على امتيازات متعددة من الحكومة المذكورة.