Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (Using the clustering technique)

بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر ابن بطوطة في رحلته الى الهند عن امرأة يقال لها: السلطانة رضية ولاها أهل البلد الملك،
ولما أدركها الجوع وأجهدها الإعياء قصدت رجلا يحرث الأرض وطلبت منه ما تأكله فأعطاها خبزا وبعد الأكل غلها النوم فنامت في حقل ذلك الفلاح،
وبعد سنوات طويلة بُنيت قُبّة على قبرها ومع مرور الزمن صارت تلك القبة تزار ويتبرك بها الناس،
ويحدثنا التاريخ كيف أن عمرو بن لحي الخزاعي قد سافر إلى الشام فوجد أهلها يعبدون الأصنام،
فلما سألهم عنها قالوا: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا،
ويروي لنا القرآن الكريم كيف أن قوم نوح عليه السلام كانوا يصرون على عبادة ود وسواع ويغوث ويعوق،
وكانوا يتواصون بالتمسك بتلك العبادة وعدم اتباع ويذكر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء الخمسة كانوا رجالا صالحين،
وقليل من الناس من يُعْمِل عقله ويغوص في أصول تلك المعتقدات ليعرف حقيقتها ويعرف كيف تكونت وتطورت.
ثم بعد مدة من التجربة العمليّة والتّطور التاريخي أفرز مَنْظُومَة فكرية مبنية على تراكمات مسيرته العملية،
وقد اتفق شيعة من اهل العراق أن علي بن أبي طالب بالقَوْلِ بفكرة الحُكْمِ الوراثي في ذريته كما اتفقوا على القول بإمامة ابنيه الحسن والحسين من بعده،
هذه الدراسة تقدم تفسيرا لنشأة التيار الشيعي وتطوره من معارضة سياسية إلى فرقة دينية ذات منظومة فكرية شاملة وتبيّن أسباب ظهور المعتقدات الأساسية للشيعة الإثني عشرية باعتبارهم أهم الفرق الشيعية الموجودة،
أحدهما: مكانة هذا الكتاب في المذهب الشيعي الإثني عشري
وثانيهما: أنه تم تأليف هذا الكتاب بعد انقطاع سلسلة الإمامة بفترة قصيرة،
ولا يمكن اتهامهما بتزوير الحقائق التاريخية ضد الشيعة هما: تاريخ اليعقوبي لـ أحمد بن إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي (توفي في حدود سنة 296هـ)،
أما ما يتعلق بالمعلومات الخاصة بالفِرَق الشيعية فقد تم استخدام كتاب فرق الشيعة لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي،
وفيما يتعلق ببعض المصادر الشيعية نقلت عن الدكتور عبد الحميد خروب في رسالته رواية الحديث عند الشيعة الإمامية: دراسة وتحقيق،
المصادر الأساسية للحديث عند الشيعة هي:
2/ مَنْ لا يَحْضُرُهُ الفَقِيه للصدوق،
ولما كان النظام السياسي في ذلك الوقت خاضعا لأعراف النظام القبلي والنظام الوراثي،
فإنهم جعلوا الحكم وراثيا في ذرية الزعيم الرَّمْز الذي رَأَوْهُ أَوْلَى بالحكم،
وتتابع الأمر على ذلك في الممالك التي قامت في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
وكلّما طال أمَدُ الصراع ازداد التطور حتى وصلت الفكرة في النهاية إلى مرحلة تكوين مذاهب فكرية وعقدية متكاملة لمجموعة كبيرة من الفِرَق الشيعية تحمل كل إفرازات المراحل المختلفة للصراع.
لأن ذلك يعني إضعاف المذهب وتعريضه إلى انتقادات وهزات قد تهدم بُنْيَانَهُ من الأساس،
وإذا اكتشف صاحب البيت بعد اكتمال بُنْيَانِه أن بعضاً من حجارة أساس البيت غريب ودخيل،
ومحاولة إعطاء المشروعية لتلك الحجارة الغريبة الدخيلة،
2 بواكير النشأة السياسية
وبالضبط إلى الوقت الذي جمع فيه الله سبحانه وتعالى الخلق في عالم الغيب- على شكل ذُراتٍ وأشهدهم على ربوبيته سبحانه وتعالى،
ومن أجل إثبات ذلك عمدوا إلى تأويل آيات القرآن الكريم وبعض أحداث السيرة بما يؤيد ذلك،
ودعموا ذلك بنسج شبكة كبيرة من الأخبار حول تلك الأحداث وأسباب نزول القرآن الكريم) ومثل هذه المبالغات معهودة عند أصحاب الفرق الدينية من أجل إثبات المشروعية،
وكان لابد من رجل يخلفه ويتولّى إدارة شؤون الدولة الإسلامية،
وكان من الطبيعي أن تكون للصحابة آراء مختلفة فيمن يرونه أولى بتولّي الحكم بعد الرسول الله؛
وإنهم هم الذين أووا الرسول وأصحابه الفارين من اضطهاد المشركين في مكة وغيرها من البلاد،
ورشحوا للخلافة أبا بكر الصديق لقد كان مما اتَّصف به الأنصار - رضي الله عنهم صفاء النفوس،
وقد جعلتهم تلك الصفات النّبيلة يتخلون عن رأيهم في أحقيتهم بالخلافة بمجرد أن بيّن لهم أبو بكر أنّ مصلحة الأمة في تلك الظروف تقتضي وحدتها،
فإذا تم اختيار حاكم من قِبَل أغلبية المواطنين وَجَبَ على الكلّ العمل تحت سلطته والخضوع للقوانين العامة للدولة،
وأبو سفيان وعتبة بن أبي جهل كانا من أوائل الذين دعوا إلى ترشيح عليّ للخلافة وعارضوا اختيار أبي بكر الصديق لذلك ولكنهما غيّرا رأيهما فيما بعد.
ولم يكن للمجموعة التي كانت تفضل ترشيح علي بن أبي طالب للخلافة نشاط سياسي معروف في تأييد علي بن أبي طالب سوى أثناء اختيار الخليفة الأول؛
3. تبلور التيار السياسي للعلويين (انصار علي)
والفتنة التي حصلت بين علي وشيعته من جهة ومعاوية وشيعته من جهة أخرى،
وكان من الطبيعي بعد مقتله أن يُبايع أهل الكوفة وما جاوَرَها ابنه الحسن بن علي بالخلافة،
فضلاً مع عن أن ثقافة الحكم السائدة فيهم هي مبادئا لتواصل للنظام الوراثي.
فكيف لم يشفع هذا لأبي سفيان؟ ولماذا لم يَعُدَّه الشيعة من مؤسسي مذهبهم أو على الأقل واحداً من أفراد الفرقة؟،
وحفظ للأرواح التي تُزْهَق في صراع سياسي لم تكن تعلم نهايته حتى سَمُّوا ذلك العام بعام الجماعة ولكن مجموعة من شيعة علي رفضوا ذلك الصلح رفضاً شديدا،
بعد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة انتهى الصراع السياسي بانتصار ميداني للأمويين والاستيلاء على السلطة كاملة وخضوع العراق -بما فيه الكوفة- لسلطان الدولة الأموية،
طائفة شعروا بوَخْزِ الضمير بسبب خيانتهم للحسين وعدم الخروج للقتال معه؛
لأن عملهم ذلك كان في اعتقادهم رمز التّوبة من خيانة الحسين وتسليمه للقتل في معركة كربلاء.
طائفة اكتفت بتعيين إمام نظري يمثل رَمْزَ التَّواصل مع ويمثل السلطة الروحية لهم،
وهؤلاء هم الذين اختاروا زين العابدين علي بن الحسين ليكون الإمام الرمز لهم.
ورأوا أنّ الخيار الأفضل هو مواصلة الثورة ضدّ الأمويين في صفٌ مُنَظَّم مع رفع شعار الانتساب إلى واحد من ذريّة علي بن أبي طالب وهم الذين قاتلوا في صفّ المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي اختار محمد بن علي بن أبي طالب (المشهور باسم محمد بن الحنفية ليكون شعارالمشروعية لثورته وطموحه للحكم.
وفي حَجب الولاء الباطني عن السلطة القائمة وإعطائه لإمامهم النظري الذي يمثل رمز التواصل مع البيت العلوي،


Original text

بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر ابن بطوطة في رحلته الى الهند عن امرأة يقال لها: السلطانة رضية ولاها أهل البلد الملك، وبعد مدة اتهمت بارتكاب الفاحشة مع عَبْدِ لها، فخلعوها عن الملك وزوجوها من أحد أقاربها، ونصبوا أخاها ناصر الدين سلطانا عليهم. وقد غضبت السلطانة رضيّة من ذلك فقامت مع زوجها بجمع أهل الفساد في البلد وأعلنت الحرب على أخيها السلطان، ولكنها هزمت، وبعد انهزام جندها فرَّت بنفسها في متنكرة في ملابس رجالية. ولما أدركها الجوع وأجهدها الإعياء قصدت رجلا يحرث الأرض وطلبت منه ما تأكله فأعطاها خبزا وبعد الأكل غلها النوم فنامت في حقل ذلك الفلاح، ولما نظر إليها الحراث وهي نائمة رأى تحت ثيابها الرجالية ثياب نساء ثمينة، فقتلها ودفنها في أرضه ثم طرد فرسها. ولما أخذ الفلاح تلك الثياب إلى السوق لبيعها شك فيه أهل السوق وأخذوه إلى الحاكم، فأقر بقتلها ودلهم على مدفنها فاستخرجوها وغسلوها وكفنوها ودفنوها. وبعد سنوات طويلة بُنيت قُبّة على قبرها ومع مرور الزمن صارت تلك القبة تزار ويتبرك بها الناس، وبذلك تحوّل قبر المرأة الفاجرة التي جمعت حولها أهل الفساد لقتال أخيها إلى قبر ولي من الأولياء، يزوره الناس ويتبركون به ويسألونه الشفاعة لهم وقضاء حوائجهم!
ويحدثنا التاريخ كيف أن عمرو بن لحي الخزاعي قد سافر إلى الشام فوجد أهلها يعبدون الأصنام، فلما سألهم عنها قالوا: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا، فطلب منهم أن يعطوه صنما منها يأخذه معه إلى مكة؛ وكان العرب في مكة وما حولها يتبعون بقايا دين إبراهيم عليه السلام. ولا شك أكثيرمن الناس قد أنكروا عليه عبادة تلك الأصنام لما أحضرها، ولكن بمرور الوقت صار المنظر مألوفا، ومع تعاقب الأجيال ترسخت عبادة تلك الأصنام، وصاروا يعتقدون أنها آلهة مع الله تعالى تُقربهم إلى الله تعالى وتشفع لهم عنده، وبعد أن ترسّخ اعتقاد شفاعتها لهم أصبحت العبادة متوجهة إليها بدلا من لله تعالى. ويروي لنا القرآن الكريم كيف أن قوم نوح عليه السلام كانوا يصرون على عبادة ود وسواع ويغوث ويعوق، ونسرا، وكانوا يتواصون بالتمسك بتلك العبادة وعدم اتباع ويذكر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء الخمسة كانوا رجالا صالحين، فلما ماتوا نصب لهم قومهم تماثيل لتخليد ذكراهم احتراما وتقديرا لهم، وبعد مرور أجيال تحول ذلك التقدير والاحترام إلى عبادة، وأصبحوا آلهة تعبد من دون الله، وأصبحت الأجيال الجديدة لا تعلم أن تلك التماثيل إنما نصبت لتخليد ذكرى أولئك الرجال الصالحين، بل صاروا يعتقدون أنها آلهة فيتمسكون بعبادتها ويرفضون اتباع رسول الله؛ الذي يدعوهم إلى عبادة الله رب العالمين وحده لا شريك له. هذه أمثلة توضح لنا كيف يبدأ تشكل بعض المعتقدات عند الناس، وكيف تتطور تلك المعتقدات وتترسخ في نفوس الناس، وبعد أن تستقر تتلقاها الأجيال التالية بالتوارث والتسليم، وقليل من الناس من يُعْمِل عقله ويغوص في أصول تلك المعتقدات ليعرف حقيقتها ويعرف كيف تكونت وتطورت. وهذا حال التيار الشيعي الذي انبثقت معتقداته من ظروف سياسية واجتماعية، ثم بعد مدة من التجربة العمليّة والتّطور التاريخي أفرز مَنْظُومَة فكرية مبنية على تراكمات مسيرته العملية، وأصبحت تلك المنظومة الفكرية هي الإطار الفكري الموجه لحركته والمُفَسِرُ لتجربته العملية. بفِرَقِهِ المُخْتَلِفَة المُتَنَاحِرَة- لم ينطلق من فلسفة نظرية متكاملة، ولم يكن له في البداية إطار فكري واضح ومتكامل، بل انطلق حركة سياسية تقوم على تفضيل علي بن أبي طالب له على غيره من الصحابة والقول بأولويته لتولي الخلافة. ولما كانت فكْرة النِّظام الوراثي هي السائدة في أنظمة الحكم آنذاك، وكانت الأسرة العلوية هي أقْرَبُ الأُسَرِ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت أكثر المؤهلين للحصول على المشروعية الدينية، زيادة على ما كان يتمتع به علي بن أبي طالب له من صفات حميدة. وقد اتفق شيعة من اهل العراق أن علي بن أبي طالب بالقَوْلِ بفكرة الحُكْمِ الوراثي في ذريته كما اتفقوا على القول بإمامة ابنيه الحسن والحسين من بعده، ولكنهم بعد مقتل الحسين اختلفوا فيمن يكون أولى بالإمامة. ونظراً لعدم وجود إطار نظري مُسْبَق يوجَهُ مَسِيرَتَهُ ويوفّر المرجعيّة لأتباعه، فقد واجه هذا التيار تصدّعات وانقسامات متواصلة على مدى أكثر من قرنين من الزمن، وقامت كل فرقة بتطوير مبادئها السياسية والعقدية الخاصة بها. هذه الدراسة تقدم تفسيرا لنشأة التيار الشيعي وتطوره من معارضة سياسية إلى فرقة دينية ذات منظومة فكرية شاملة وتبيّن أسباب ظهور المعتقدات الأساسية للشيعة الإثني عشرية باعتبارهم أهم الفرق الشيعية الموجودة، وأكبرها، ونحن هنا لسنا بصدد سرد تفاصيل الأحداث التاريخية، كما لا تُعنى بعرض تفاصيل عقائد الفرق الشيعية، فذلك موجود في كتب الفرق. وقد اعتمدت فيها أساسا على أحد المصادر الأساسية للشيعة الإثني عشرية هو كتاب أصول الكافي للكليني (ت329هـ)، وقد تم اختيار هذا الكتاب لاعتبارين:
أحدهما: مكانة هذا الكتاب في المذهب الشيعي الإثني عشري
وثانيهما: أنه تم تأليف هذا الكتاب بعد انقطاع سلسلة الإمامة بفترة قصيرة،
وهي الفترة التي كانت فيها النظرية الشيعية الإثني عشرية في طور الاكتمال، وقد رصد الكتاب عددا ضخما من الاحداث التي رصدت نشأة الفكر الشيعي وتطوره، وبالتالي فهو من أفضل المصادر الأصلية التي يمكن الاعتماد عليها في دراسة تطور الفكر العقدي والسياسي الشيعي. أما فيما يخص الأحداث التاريخية فقد تم استخدام كتابين لمؤلفين من أنصار العلويين، ولهما ميول شيعية ظاهرة، ولا يمكن اتهامهما بتزوير الحقائق التاريخية ضد الشيعة هما: تاريخ اليعقوبي لـ أحمد بن إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي (توفي في حدود سنة 296هـ)، ومروج الذهب ومعادن الجوهر لن أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (ت 346هـ).
أما ما يتعلق بالمعلومات الخاصة بالفِرَق الشيعية فقد تم استخدام كتاب فرق الشيعة لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي، وهو من كبار رجال الشيعة الإثني عشرية في زمنه، والكتاب من أقدم المصادر الشيعية.
وفيما يتعلق ببعض المصادر الشيعية نقلت عن الدكتور عبد الحميد خروب في رسالته رواية الحديث عند الشيعة الإمامية: دراسة وتحقيق، وهي رسالة ماجستير غير مطبوعة.
.


المصادر الأساسية للحديث عند الشيعة هي:
1/ الكافي للكليني، 2/ مَنْ لا يَحْضُرُهُ الفَقِيه للصدوق، 3/ تهذيب الأحكام لأبي جعفر الطوسي، 4 /الاستبصار لأبي جعفر الطوسي.


النشأة السياسية



  1. ظاهرة التَّشيع: إن ظاهرة نشوء التيار الشيعي لا تَخْرُج عن الإطار العام لظهور وتطور المذاهب السياسيّة والفكريّة؛ فهو نتيجة تفاعلات اجتماعية وسياسية وثقافية عاشها المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول الله. وهي في أصلها حَرَكَةُ مجموعة من الناس اعتنقت مذهباً سياسياً في نُصْرَة علي بن أبي طالب له والقول بأولويتهبالخلافة.
    ولما كان النظام السياسي في ذلك الوقت خاضعا لأعراف النظام القبلي والنظام الوراثي، فإنهم جعلوا الحكم وراثيا في ذرية الزعيم الرَّمْز الذي رَأَوْهُ أَوْلَى بالحكم، كما جعل الأمويون الحكم وراثيا فهم، وجعله العباسيون وراثيا فيهم، وتتابع الأمر على ذلك في الممالك التي قامت في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
    وفي خضم الصراع الاجتماعي والسياسي الذي نشأ بين العشائر والقبائل تطورت فكرة القول بأولوية علي بن أبي طالب بالخلافة إلى فكرة الوصاية، وبدأت تأخذ طابعاً دينياً زيادة على طابعها السياسي، وكلّما طال أمَدُ الصراع ازداد التطور حتى وصلت الفكرة في النهاية إلى مرحلة تكوين مذاهب فكرية وعقدية متكاملة لمجموعة كبيرة من الفِرَق الشيعية تحمل كل إفرازات المراحل المختلفة للصراع. وقد أدّت الهزائم المتتالية التي مُنيَّ بها التيار الشيعي على مستوى الصراع على الحكم ضد الأمويين والعباسيين؛ إلى محاولة التعويض عن تلك الهزائم الميدانية ببعض الانتصارات النظرية سواء على المستوى السياسي بحضر الخلافة في علي بن أبي طالب وذريته وإبطال خلافة غيرهم، أو على المستوى الديني باستقلال الشيعة بمصادر خاصة بهم والطعن في مصادر أهل السنة والجماعة.
    وقد نتج عن السعي إلى تحقيق ذلك الانتصار النظري غلو ومبالغات كثيرة فرضتها ظروف الصراع الطويل، وساعد على ترسيخ تلك المبالغات وعدم تمحيصها الطابع السري الذي كان يتبعه التيار الشيعي في المعارضة السياسية، والتغطية على أفكار ومعتقدات أصحابه بمبدأ "التقية".
    وبعد استقرار المذهب يصبح من الصعب التراجع عن تلك المبالغات والأفكار الشاذة؛ لأن ذلك يعني إضعاف المذهب وتعريضه إلى انتقادات وهزات قد تهدم بُنْيَانَهُ من الأساس، خاصة أنّ أكثر ذلك الغلوّ والمبالغة متعلّق بحجر الأساس في البناء الشيعي؛ وهو مسألة الإمامة، وإذا اكتشف صاحب البيت بعد اكتمال بُنْيَانِه أن بعضاً من حجارة أساس البيت غريب ودخيل، فإنه من الصعب عليه أن يجازف بنزع تلك الحجارة؛ لأنّ في نَزْعها مُجَازَفَة بهدم البنيان كلّهِ، فلا يبقى أمامه سوى طريق التبرير والتغطية، ومحاولة إعطاء المشروعية لتلك الحجارة الغريبة الدخيلة، وجعلها جزءاً أصيلاً من البناء.
    2 بواكير النشأة السياسية
    يُرْجِع بعض الشيعة نشأة فرقتهم إلى ما قبل وجود البشرية على وجه الأرض، وبالضبط إلى الوقت الذي جمع فيه الله سبحانه وتعالى الخلق في عالم الغيب- على شكل ذُراتٍ وأشهدهم على ربوبيته سبحانه وتعالى، حيث أخذ في ذلك الوقت الميثاق على الشيعة بالولاية لعلي بن أبي طالب وذريته من بعده. روى الكليني بسنده عن بكير بن أعين قال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: إنّ الله قد اخذ الميشاق المقصود بذلك قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْفِيَمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا عَمِلِينَ﴾ الأعراف

    كما يُرْجِعُ بعضهم بداية نشأة مذهبهم إلى بداية الرسالة، وأن الرسول هو الذي وضع بذرة التشيع بنفسه، وهو الذي تعهدها بالرعاية والعناية حتى كبرت في حياته وأثمرت بعد وفاته. ومن أجل إثبات ذلك عمدوا إلى تأويل آيات القرآن الكريم وبعض أحداث السيرة بما يؤيد ذلك، ودعموا ذلك بنسج شبكة كبيرة من الأخبار حول تلك الأحداث وأسباب نزول القرآن الكريم) ومثل هذه المبالغات معهودة عند أصحاب الفرق الدينية من أجل إثبات المشروعية، وإبراز السَّبْق على الفِرق الدينية، المخالفة، ولذلك فهي تبقى في إطار المبالغات الخيالية ولا تحتاج إلى مناقشة علمية. أما النظرة الواقعية لنشأة التيار الشيعي فتكون وفق ما هو ثابت من الأحداث التاريخية.
    لقد ترك غياب الرسول الله فراغاً سياسيا وإداريا، وكان لابد من رجل يخلفه ويتولّى إدارة شؤون الدولة الإسلامية، وكان من الطبيعي أن تكون للصحابة آراء مختلفة فيمن يرونه أولى بتولّي الحكم بعد الرسول الله؛ فظهرت في ذلك ثلاثة توجهات أساسية: الأول: رأي غالب الأنصار، والثاني رأي أنصار علي بن أبي طالب. والثالث: رأي بعض وجهاء المهاجرين.
    لقد رأى الأنصار أولويتهم بالخلافة. ولم لا؟ فالأرض أرْضُهم، والبلد بلدهم، والمهاجرون ضيوف عندهم، والرياسة تكون عادة لصاحب البيت لا للضيف. وإنهم هم الذين أووا الرسول وأصحابه الفارين من اضطهاد المشركين في مكة وغيرها من البلاد، وهم الذين وَفَّرُوا أرضيّةً قيام الدولة الإسلامية وحموها بدمائهم وأموالهم؛ فمن المنطقي أن يكون لهم الحق في تولي قيادة تلك الدولة، وتسييرها نحو مستقبل زاهر يضمن التواصل مع مآثر مرحلة النبوة. ورأى بنو هاشم أحقيتهم بالخلافة؛ فهم أقارب الرسول الله وعشيرته، وهم أولى بوراثته في الحكم، وأرادوا مبايعة علي بن أبي طالب، وأيدهم في ذلك بعض الصحابة. وفي مقابل رأي الأنصار رأى بعض وجهاء المهاجرين أن الحكم ينبغي أن يكون في قريش؛ لأنها هي التي يمكن أن تحقق الاجتماع السياسي للقبائل العربية، ورشحوا للخلافة أبا بكر الصديق لقد كان مما اتَّصف به الأنصار - رضي الله عنهم صفاء النفوس، وإخلاص القلوب، والعطاء والإيثار، وقد جعلتهم تلك الصفات النّبيلة يتخلون عن رأيهم في أحقيتهم بالخلافة بمجرد أن بيّن لهم أبو بكر أنّ مصلحة الأمة في تلك الظروف تقتضي وحدتها، وأن وحدتها لا تتم إلا بأن يكون الخليفة من قريش كما أخبر عن ذلك الرسول. وبذلك تنازل الأنصار عن فكرة أولويتهم بالحكم، وقدموا مصلحة الأمة على مصلحتهم، وانتهت مشكلتهم، ولم يؤثر عنهم أنهم طالبوا بالحكم فيما بعد. كما أن علي بن أبي طالب لله والنفر الذين كانوا يرون أولويته للخلاقة تنازلوا عن رأيهم، وبايعوا أبا بكر الصديق له لما رأوا أنّ المسلمين قد بايعوه، فخضعوا لرأي الأغلبية وانضووا تحت لواء أبي بكر لخدمة الإسلام والمسلمين، ولم يجعلوا من ذلك قضيّة. وهذه هي طبيعة الحكم في الإسلام وفي النُّظُم الديمقراطية بصفة عامة؛ كلّ شخص له الحق في أن يرشّح ويقدّم من يراه أولى بالحكم ويدعو له ويناصره، فإذا تم اختيار حاكم من قِبَل أغلبية المواطنين وَجَبَ على الكلّ العمل تحت سلطته والخضوع للقوانين العامة للدولة، مع حقّهم في الاحتفاظ بآرائهم ومبرراتهم في اختيار شخص وتقديمه على الآخرين.
    لقد كان موقف أولئك الصحابة الذين أرادوا ترشيح علي بن أبي طالب للخلافة مجرد رأي سياسي، ولا يمكن أن يكون إيماناً منهم بفكرة الوصية لعلي بن أبي طالب وذريته، أو اعتقادا بأنّ نظام الحكم الإسلامي يجب أن يكون وراثياً في أقارب الرسول ، أو اعتقادا بأن أولوية علي بالخلافة هي مسألة دينية كما يصوّرها الشيعة والدليل على ذلك أنّ أغلب الذين رشحوا عليّاً للخلافة بعد وفاة الرسول ، قد غيروا ميولهم فيما بعد لما تغيّرت الظروف؛ ولو كان ترشيحهم لعلي بن أبي طالب في المرّة الأولى بناءً على حق إلهي له في الخلافة لما أجازوا لأنفسهم التراجع عن ذلك فيما بعد. فالزبير بن العوام كان من الذين رشحوا عليّاً للخلافة بعد وفاة الرسول الله ودعوا إلى ذلك، ولكنه بعد ذلك اختلف معه بعد مقتل عثمان بن عفان لله ولم يقف في صفه، وأبو سفيان وعتبة بن أبي جهل كانا من أوائل الذين دعوا إلى ترشيح عليّ للخلافة وعارضوا اختيار أبي بكر الصديق لذلك ولكنهما غيّرا رأيهما فيما بعد.
    ولم يكن للمجموعة التي كانت تفضل ترشيح علي بن أبي طالب للخلافة نشاط سياسي معروف في تأييد علي بن أبي طالب سوى أثناء اختيار الخليفة الأول؛ ولذلك فإنّ موقف تلك المجموعة من الصحابة لم لا يمكن عده نواة المذهب الشيعي؛ لأن بين مواقف وعقائد وأفكار أولئك الصحابة ومواقف وعقائد المذهب الشيعي يعتبر كبيرا جدا، ولكن يمكن أن يكون ذلك بذرة مذهب سياسي يرى تقديم علي بن أبي طالب بالخلافة.

  2. تبلور التيار السياسي للعلويين (انصار علي)
    بعد مبايعة علي بن أبي طالب الله بالخلافة، ونقله مقرّ الخلافة إلى الكوفة، والفتنة التي حصلت بين علي وشيعته من جهة ومعاوية وشيعته من جهة أخرى، تكوّن تيار سياسي يناصر خلافة علي بن أبي طالب. وكان من الطبيعي بعد مقتله أن يُبايع أهل الكوفة وما جاوَرَها ابنه الحسن بن علي بالخلافة، فهو يمثل رمزَ القيادة السابقة، فضلاً مع عن أن ثقافة الحكم السائدة فيهم هي مبادئا لتواصل للنظام الوراثي.
    من المفارقات أن يطعن الشيعة في إسلام أبي سفيان مع أنه كان من أكثر الناس حماساً لتنصيب علي بن أبي طالب للخلافة. فكيف لم يشفع هذا لأبي سفيان؟ ولماذا لم يَعُدَّه الشيعة من مؤسسي مذهبهم أو على الأقل واحداً من أفراد الفرقة؟، يبدو أنّ الصراع الذي وقع فيما بعد بين علي ومعاوية بن أبي سفيان قد طغى على هذا الموقف، فعَمَّمَ الشيعة نقمتهم على كل بني أمية.


ولما رأى الحسن بن علي عدم جدوى الحرب التي يخوضها ضد معاوية فضل حقن دماء المسلمين، وقرّر التوقف عن القتال والتَّنازل عن الخلافة. يقول المسعودي: "وقد كان أهل الكوفة انتهبوا سرادق الحسن ورَحْلَه، وطعنوا بالخنجر في جوفه، فلمّا تيقَّنَ ما نزل به انقاد إلى الصلح"وقد استبشر أغلب المسلمين بتلك الخطوة التي اتَّخذها الحسن ، ورحبوا بها لما فيها من حَقَّن لدماء المسلمين، وحفظ للأرواح التي تُزْهَق في صراع سياسي لم تكن تعلم نهايته حتى سَمُّوا ذلك العام بعام الجماعة ولكن مجموعة من شيعة علي رفضوا ذلك الصلح رفضاً شديدا، ووصلت بهم المعارضة إلى أن دبروا محاولة لاغتيال زعيمهم الجديد الحسن بن علي، وكان صاحب محاولة الاغتيال الجراح بن سنان الأسدي.
والملاحظ أنه إلى غاية هذا الوقت لم يكن شيعة على وابنه الحسن يختلفون عن غيرهم من المسلمين في المبادئ العقدية والفقهيّة، وكان الخلاف بينهم وبين غيرهم من المسلمين محصورا في الآراء السياسية.
بعد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة انتهى الصراع السياسي بانتصار ميداني للأمويين والاستيلاء على السلطة كاملة وخضوع العراق -بما فيه الكوفة- لسلطان الدولة الأموية، ولكن فريقاً من شيعة الحسن بن علي لم يسلّموا بهذه الهزيمة الميدانية، وبقوا يتحَيَّنون الفُرص للثورة عليهم وإسقاط حكمهم.
جاءت المحاولة الأولى بعد حوالي عشرين سنة، حيث كتبوا إلى الحسين بن علي يعلنون تأييدهم له ومبايعتهم إياه، ويطلبون منه الحضور إلى الكوفة لتنصيبه خليفة وإعلان الثورة على الأمويين تحت لوائه. ولما انتهى الأمر بالفشل ومقتل الحسين له انْقَسم شيعته من أهل الكوفة إلى طوائف:
طائفة شعروا بوَخْزِ الضمير بسبب خيانتهم للحسين وعدم الخروج للقتال معه؛ وقرروا أن يُعاقبوا أنفسهم بما عاقب به الله تعالى بني إسرائيل وهو: قتل أنفسهم، فخرجوا للقتال حتى قُتِلوا جمعياً، وهم الذين أُطلق عليهم اسم "حركة التوابين"؛ لأن عملهم ذلك كان في اعتقادهم رمز التّوبة من خيانة الحسين وتسليمه للقتل في معركة كربلاء.
طائفة اكتفت بتعيين إمام نظري يمثل رَمْزَ التَّواصل مع ويمثل السلطة الروحية لهم، ورأوا في ذلك كفاية لهم، وهؤلاء هم الذين اختاروا زين العابدين علي بن الحسين ليكون الإمام الرمز لهم.
وطائفة ثالثة لم تكن ترى جدوى من قتل النّفس للتكفير عن ذَنْبِ خيانة الحسين بن علي، ولا رأت فائدة في فكرة تعيين إمام نظريّ لا سلطة له في الواقع العملي، ورأوا أنّ الخيار الأفضل هو مواصلة الثورة ضدّ الأمويين في صفٌ مُنَظَّم مع رفع شعار الانتساب إلى واحد من ذريّة علي بن أبي طالب وهم الذين قاتلوا في صفّ المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي اختار محمد بن علي بن أبي طالب (المشهور باسم محمد بن الحنفية ليكون شعارالمشروعية لثورته وطموحه للحكم.
استمر الشيعة في خطّ عدم التسليم بالهزيمة، وفي حَجب الولاء الباطني عن السلطة القائمة وإعطائه لإمامهم النظري الذي يمثل رمز التواصل مع البيت العلوي، فذلك يمثل أضعف مراتب الثَّورة: الثَّورة بالقلب ماداموا لم يُفْلِحُوا في الثورة باليد. وكانت فكرة تعيين إمام نظري من ذرية علي بن أبي طالب هي القاسم المشترك بين عشرات الفرق الشيعية، وإن كانوا قد اختلفوا اختلافاً كبيراً فيمن يروه أولى بتلك الإمامة، النظرية كما اختلفت مواقفهم العسكرية من السلطتين الأموية والعباسية.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

توفر قاعدة التث...

توفر قاعدة التثليث التركيز والتوازن على لقطات المناظر الطبيعية، حيث يتم وضع الموضوع الرئيسي في الصور...

ما هي الأمانة ا...

ما هي الأمانة الأمانة هي أداء الحقوق والمحافظة عليها، وهي أحد أخلاق الإسلام وأساس من أسسه، وهي الفري...

What does Light...

What does Light Microscope mean? The light microscope is a device that uses lenses and visible light...

1-الولاء: - ...

1-الولاء: - يجب أن يتحلى ضباط الأمن بالولاء التام للشركة والعمل الجاد على المصلحة العامة لهذه ...

Hardness: Britt...

Hardness: Brittle steels are often harder than ductile steels, which can be advantageous in applicat...

هيّأ الله عز وج...

هيّأ الله عز وجل الكون للإنسان قبل خلقه، فخَلقَ السماوات والأرض وما فيهما من أجله، وخلقُ السموات وال...

Challenges 1. *...

Challenges 1. *Environmental Factors* - *Heat and Humidity:* Greenhouses often have high humidity a...

1. الذكاء الانف...

1. الذكاء الانفعالي له دور وسيط جزئي في تأثير الكمالية اللاتكيفية كمتغير مستقل على أثر ما بعد الصدمة...

المعرفة اليخت و...

المعرفة اليخت وصدم ولد سيف وهو لا يزال الفنية التربية الكنسية في سمرقند واسمه الحقيقي محمود بن معدود...

اتقدم اليكم بطل...

اتقدم اليكم بطلبي لتاجيل اختبار النصفي و ذالك لحدوث حالة وفاة لصديق عمري واخي واعلم انه يجب علي تاد...

مكانة المرأة في...

مكانة المرأة في بعضِ الحضارات القديمة والأديان الأخرى على مرِّ التاريخ، وتعاقُب الأمم والحضارات، ...

المقدمة منذ أن ...

المقدمة منذ أن ركب الإنسان البحر ، بدأ يكتشف الأهمية التي تتمتع بها البحار ، حيث إنها تشكل طرق لاتصا...