Lakhasly

إذا كان اسم ليبيا استعمل في النصوص القديمة كمصطلح جغرافي واثني جامع للدلالة على شمال أفريقيا ومجمل الشعوب التي تقطنها، وهو مصطلح شاع في النصوص القديمة قبل القرن الثالث قبل الميلاد، فإن لفظ "موريسيا" حسب المصادر الإغريقية و "موريطانيا" في تعبير المصادر اللاتينية فقد جاء متأخر عنه، في حين يعني لفظ "موري " سكان هذه المنطقة ، استعمل لفظ موريطانيا بعد القرن الثالث قبل الميلاد للدلالة على الجزء الغربي من شمال افريقيا الممتد من الحيط الأطلسي غربا إلى مهر ملوية شرقا، وهو الاسم الذي ميز هذا الجزء من ليبيا القديمة من الناحية الجغرافية والثقافية والإثنية، غير أن تاريخ نشأة هذه المملكة "موريطانيا" لا زال يكتنفه غموض شديد، وما ستقدمه حولها ليس الواقع التاريخي

لها وإنما ما توصلت إليه الأبحاث الأثرية والتاريخية.

يجمع الباحثون على أن المنطقة عرفت وجود قبائل كانت تخضع لسيادة "قادة" يتمتعون بسلطة عليا قبيل أو إبان وصول الفينيقيين إلى غرب المتوسط، لكن ليست هناك قرائن تثبت أو تنفي بما لا يدع مجالا للشك قيام كيانات سياسية في هذه

المرحلة، والتي امتدت حسب الأستاذ محمد القبلي من القرن الثامن إلى منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وتميزت باتصال السكان الأصليين بالفينيقيين لكن هذا الاتصال يظل غامضا حيث وردت إشارات في الرحلة المنسوبة إلى "سولاكس" على أن الفنييقين أقاموا مراكز تجارية بالمنطقة ما بين القرن السادس ق.م على الأقل وأواخر القرن الحادي عشر قم على الأكثر، وعلى رأسها تنكيس (طنجة) وليكسوس (قرب العرائش) وشالة (سلا) ثم موكادور (الصويرة)، غير

أن هذا التاريخ لم تؤكده لحد الآن الأبحاث الأثرية.

أما في المرحلة الممتدة من منتصف القرن السادس إلى نهاية القرن الرابع ق.م، التي توافق سقوط الفينيقيين في المشرق هجوم على (صور) وتصاعد دور القرطاجيين في شمال افريقيا، فقد شهدت بروز جماعات حضرية بالمنطقة المورية منفتحة على الثقافة المتوسطية، وهي المرحلة شهدت فيها المنطقة المورية توسع الاستقرار واستغلال الأرض وتأسست منشآت سوسيو اقتصادية، وتعزز التواصل الاقتصادي والثقافي بين ضفتي المتوسط ضمن ما يسمى اليوم بدائرة المضيق، وفيها إشارات على وجود سلطة سياسية ومنها ما أفاده جوستينوس الذي تحدث عن ملك موري مجهول الاسم استعان به

جاتون عندما حاول الاستيلاء على قرطاجة

وتعتبر المرحلة الممتدة من القرن الثالث ق.م إلى سنة 33 ق م التاريخ الثابت لنشأة مملكة موريطانيا، حيث يشير المؤرخ اللاتيني تيتوس ليفيوس باقتضاب إلى وجود ملك يتزعم الموريين يسمى "باكا" وأنه كان حليفا الملك النوميدي "ماسينيسا" بعد أن وضع تحت تصرفه كتيبة للحراسة من أربعة آلاف موري، في سياق الحروب البونيقية الثانية (218-202 ق.م). غير أن المعلومات انقطعت عند هذا الحد ولم تحظى بغيرها، إلا أنها كانت كافية للتدليل على وجود مملكة قائمة وذات جيش نظامي، لأنه إذا لم يكن كذلك لما استطاع أن يوفر للملك النوميدي حراسة بهذا العدد، بل وذات مداخيل قارة تمكنها من تغطية نفقات هذا الجيش، وهذا ما يفرض وجود ساكنة مستقرة تؤدي ضرائب من خلال أنشطتها الاقتصادية

تأتي المصادر بعد صمت دام لقرن تقريبا على ذكر ملك موري آخر هو يوكوس / بوخوس في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد (81-118) ق.م)، حيث يشير سالستيوس في خضم حديثه عن حرب يوغرطة ملك نوميدي) ضد روما، والتي شارك فيها الجيش الموريطاني إلى جانب يوغرطة، لكنه سرعان ما انقلب عليه ضمن خدعة حصل بموجبها الملك بوخوس على جزء من نوميديا (الغربي) وذلك سنة 105 ق.م، ثم تمر فترة طويلة وتكشف المصادر مرة أخرى في منتصف القرن الأول ق.م عن أن مملكة موريطانيا أصبحت مقسمة بين مملكتين بوعود في موريطانيا الغربية ويوخوس الثاني في موريطانيا الشرقية. قبل أن يضم بوخوس الثاني القسم الغربي سنة 38 ق.م بعد هزيمة أنطوان وحليفه بوعود أمام أكتافيوس وحليفه بوخوس الثاني، وهكذا تم توحيد الموريطانيتين على يد بوخوس الثاني سنة 40 ق.م، باستثناء مدينة تنكيس التي أصبحت مدينة

مستقلة تابعة لروما.

وتبقى المرحلة الممتدة من 33 ق.م و 40 م آخر مرحلة في عمر هذه المملكة، فبعد وفاة بوكوس الأصغر سنة 33 ق.م لم يترك ورينا للعرش، فدخلت المملكة فترة "العرش الشاعر"، ويسود صعت المصادر إلى غاية سنة 25 ق.م حيث يتم إعادة النظام الملكي لموريطانيا تحت حكم يوما الثاني ومن بعده ابنه بطليموس (23) ق.م) الذي اغتالته روما سنة 40 م لتعلن موريطانيا

مقاطعة تابعة لها، قبل أن تقسمها مرة أخرى إلى قسمين موريطانيا الطنجية في الغرب وموريطانيا القيصرية في الشرق.