لخّصلي

شهرزاد في ... ليلتها الثانية بعد الألف إستعد شهريار لليلته تلك كما لم يستعد لليلة من قبلها. منذ صباحه، وهو يحلم بالليلة التي يعتبرها عرسه كما لم تماثلها ليلية أخرى من ليالي أعراسه، التي لا يذكرها عدا ، كما لا يذكر ليالي أيامه منذ شب. هو رجل قرة عينه في النساء. أمر شهريار بأن تعد غرفة فراشه إعداد غرفة في ميعة الشباب فينمق فراشها الوثير بأجمل ما يحل به القصر من فرش حريرية مذهبة وأغطية أمر باستيرادها من كل بلاد تصنع الأغطية الناعمة المصممة بريش النعام وصوف الخرفان وحرير الهند وذهب بلاد الغال تزين بأجمل ملابسه الفاخرة، وضع عمامته على رأسه في شكل التاج المذهب الذي يتوج رأسه في قاعة العرش. معأأأعطى أوامره المطاعة بأن تضاء كل جوانب الغرفة بالشموع، أن تضخ فرشها وجدرانها بمياه الورد والزهر وأن تعلق على مُنَمْنَماتها أرتال العنبر والمسك، ويعبق جوها ببخور أطيب عود وأجمل حبات الصنوبر وأعشاب الحبق. أصدر أوامره بأن تنصب الموائد بكل ما يبرع طباخو القصر في طبخه وينصب صيوان الشراب وتدعى الفتيات الجميلات البارعات الأصوات المتقنات لعزف العود والناي والطبل والطار ليغنين أجمل ما برعت فيه أصواتهن ويرقصن أجمل رقصاتهن. منذ صباح ذاك اليوم، وشهريار يفكر - اليوم ليلتك يا شهرزاد.... قبل ألف ليلة وليلة كان يعتبر شهر زاد في عداد ضحايا البنات بعد أن يشبعن شبقه. وكانت أولاهم التي عدت لياليها بألف وواحدة معه، مغامرة بحياتها، وهي تقص عليه عجيب الأحداث وروائع المغامرات، وتقف به متشوقا المباح.كان يحسب ليلته الثانية بعد الألف ليلة عرسه، وقد إتخذ قراره بعد الليالي الطوال. كانت شهرزاد فيما تمتعه بقصصها العذبة، وجسمها الطري اللون، تستجيب لشبقه وهيجانه. ليلته تلك كان يحتفل فيها بزواجه من شهرزاد بعد أن أبعدت عنه الحزن والسأم بقصصها وغرائب مقولاتها . دخل غرفة نومه. إهتاجت نفسه لجمال شهرزاد وطيب فضائها وسبائك ذهبها ولمعان حيطانها بضياء الشموع المتعاكسة. إرتجت أبهاء الغرفة بصيحة فارعة صدرت من أشداقه ترتعش تحت لحيته الطويلة المهذبة وشارباه اللتان تضللان شفتين مغمورتين بالشهوة والاشتياق - شهرزاد... إينك يا شهرزاد ..؟ إيتوني بشهرزاد ما كاد يلفظ كلمة شهرزاد حتى كانت تطل من الباب في روعة زينتها وبهاء ثيابها وعلى شفتيها اللمياوين إبتسامة ساحرة. كانت كعادتها كل ليلة، تستخرج من أعماقه السوداء إبتسامة، ما كانت تزور شفتيه إلا مع شهرزاد، تتحول إلى ضحكة عارمة كلما أغريت في حديثها وأمتعت بقصصها.أنا طوع أمركم يا مولاي خادمتكم بين قدميكم مملوكتكم طوع أوامركم .... تقدمت شهرزاد نحو فراش شهريار، وقد إحتواه كأسد ينتظر فريسته، حتى إذا إقتربت برأسها المطأطأ وقامتها السامقة راكعة خاضعة. - نعمت ليلتك يا شهرزاد مكانك الليلة ليس بين قدمي ولكنه هنا بين ذراعي وعلى فراشي. - كل أوامركم منفذة يا مولاي ولي رجاء أجراً التي تطمع في جميل رضاكم. فأقترحه على مولاي. ولعلكم يا مولاي تمنون على خادمتكم نطق شهريار وشوقه يغالب رجاءها : - لو لم تكوني شهر زاد ... لو لم يكن حديثك في الليالي السالفة جعل منك الفتاة المدللة لدي لكان رجاؤك يستجاب له بسيف يفصل رأسك عن جسدك ... ولكنك شهرزاد. - نعم عفوكم وغفرانكم يا مولاي. وما ألفت من مولاي غير العفو والغفران. عمري من فيض كرمكم وسماحة9 نفسكم. مدينة لكم، يا مولاي، بكل حياتي. وسأدين بما أستقبل سعادتي تحت ظل جناحكم يا مولاي... - تكثرين من الكلام يا شهرزاد. أما آن لك أن تبوحي بسر رجائك؟ وأنت تعرفين مصيرك إذا لم أقبله. - مولاي علمني الصفح والعطاء، عطاء حياة بكاملها هي التي أنا مدينة لكم بها. - أنا ، يا عزيزتي شهرزاد ، في إنتظار رجائك. السياف دائما في الباب، أيتها الفاتنة. - أنا مؤمنة بأن مولاي سيصرفه إذا سمع رجائي. رأسي بين يدي مولاي، لا يعانقه حد سيف ولا صرعة سياف... ضحك شهريار لرقة كلام شهرزاد وذكاء عينيها ونظراتها تصاحب حديثها وقد سحره مرة أخرى كما لم يسحره في الليالي السالفات. - إسمعي يا شهرزاد ... لك كل ما تريدين من رجاء. فليس في قصري غير واحدة إسمها شهرزاد....10 وزلزلت أرجاء الغرفة بصيحة من صيحاته عبد الكريم غلاب - يا حارس... إصرف السياف من بابي فليس لي حاجة إليه هذه الليلة. وابتسامة فاتنة تجلل شفتيها . إنكبت شهرزاد على قدمي شهريار تطبع قبلاتها. - والآن إلى الرجاء.... قال شهريار في لهجة راضية، وأصابعه تداعب خدي شهرزاد عيناه تلتهمان عينيها الضاحكتين. - رجائي، يا مولاي، أن تسمحوا لي بليلة أخرى أكمل أحكيه منعما بالاستماع إلى خادمته. فيها عقد قصصي وأحاديثي، سيكون مولاي مبتهجا بما - مرة أخرى... ألم يكفك ما قصصته من روائع الحكايات في ألف ليلة وليلة، في ظني أنه لم يعد لك ما تقولين. وإلا كنت ثرثارة كسائر النساء، وما أحب أن تكوني ثرثارة كالأخريات، يا جميلة قصر12عبد الكريم غلاي تساءل شهريار، لم يعتد أن يقاطع شهرزاد، ولكن النشوة والفرحة بمظهر الفتنة التي بدت عليه شهرزاد أطلقت لسانه لسؤالها ومجاذبتها الحديث. كانوا فرسانا مغاوير يا مولاي عرفوا بالشجاعة والنجدة وخوض غمار الحروب لفتح الأمصار حتى أنهم غزو الهند في عصر ما ودافعوا عن حوزة البلاد إلى الموت في سبيلها خلفهم رجال شم الأنوف مهابو الجانب مرموقين بين الأقوام الكبار دانوا بالإسلام واحتفظوا بالهوية والقومية. درسوا القرآن واحتفظوا بلغتهم. جاوروا الإمبراطوريات وحاورتهم أعاظم الدول. كان هؤلاء وأولئك يحذرونهم ويهابونهم. لم تكن حياتهم رغدا كلها، ولكنهم لم يعرفوا بؤس الحياة. لم يعرفوا ذل الفقر ولا ترف الغنى وبطر المعيشة. يستمدون بطولتهم من سكنى الجبال الوعرة، والحذر الدائم من وحوش الحيوان والإنسان. يعظمون ملوكهم ورجال الدين فيهم ما استقاموا، ويغيرون الرجل والدولة كلما زاغ الشيطان بالحاكم أو رجل الدين. رجال الدين لهم الحظوة عند جموعهم وعند ملوكهم. لهم سلطة إذا لم تصل على الدولة، فهي تراقب الرأس والقاعدة بسلطتهم الدينية، يتحكمون في بعض أجهزة المجتمع أأ
ينشئون المدارس ودور العلم والعبادة. وطلبة العلم والعباد يكونون جيشا غير مسلح يتحكمون به في الجموع ويراقبون سلطة الدولة يمارسون عليها التوجيه والنقد الجارح أحيانا، ولا يخافون سطوة سلطان ولا غضب إمبراطور. بقوتهم هذه يختصون بحظ مهم من أموال الضرائب وحق الله في أموال الأغنياء. ينفقون بذلك على التعليم وخانات العبادة، يواسون الفقراء حتى لا يذل الفقر أحدا من سكان بلادهم ولا تلتجئ إمرأة إلى كسب قوتها من حرام العمل. وما بعد يا شهرزاد؟ - لهذا، يا مولاي أصبح رجال الحوزة يحكمون دون رئيس إلا رؤساء الحوزة، ويقيمون علاقات إحترام وتقدير مع سلطة الدولة. كل منهما يخشى الآخر ويحذروه في نطاق الاحترام فإذا إنعدم شرط الاحترام ذهب الحاكم وبقيت الحوزة وحجج الإسلام وجماعة العلماء، وجاء وقت ولي فيه أمر الدولة ملك شاب يدعونه هناك «شاه» وهو لقب بقي في ركبه وحاشيته، فلم يجر على ألسنة الناس في