لخّصلي

كانت وجهة الملك كورش الثاني بعد أن سيطر على بلاد الرافدين أن يسيطر على مصر، لذلك اعد خطة من أجل أن يصل إلى هدفه، ولكن قبل أن ينفذ خطته توفى كورش الثاني في 530 ق.م في أحد المعارك التي كانت يخضوها في ضد قبائل الماساجيتا في الشرق، وانتقل العرش إلى ابنه الملك قمبيز الثاني، وكان من اهم أهدافه هو تحقيق حلم والده أي السيطرة على الإمبراطورية المصرية، والوصول بالتوسع إلى أقصى الغرب ، لكن قبل هذا كان هناك يجب التعرف على الوضع السياسي لمصر قبل الغزو الإخميني.
توفى الملك بسماتيك الثاني في عام 588ق.م بسبب مرض اصابة به، فقد استمر حكمه ما يقارب ست سنوات الحافل بالإنجازات السياسية والعسكرية من شمال إلى الجنوب، استلم الحكم من بعده ابنه الذي كان مشكوك في أمره وهو واح- أب – رع(أبريس)، فهناك مصار تقول أنه ابن أخته و هناك مصادر تنص على أنه أخو الصغير، ولكنه هو من ورث العرش بعد بسماتيك على أساس أنه أبنه، وكان أول إنجازاته هي تجهيز جيش للسيطرة على صيدا، في أثناء ذهابه اشتبك مع أهالي مدينة صور، اشتبك خلالها بالأسطول الفينيقي الذي كان تابع إلى ملك بابل بنوخذ نصر. استمر حكم ابريس ستة عشر عام كان طول هذه الفترة بحرب دائما مع الفينيقيون بواسطة أسطولهم المدرب على يد القوى اليونانية، في هذه الفترة العلاقة البابلية المصري كانت متوترة، بعد أن لجأ اليهود تحديا ملكم صدقيا، إلى الفرعون المصري حتى يعينهم ويعطيهم الخيل و الجند لمحاربة بلاد بابل ، فاقم ابريس في مساعدتهم اليهود ومنحهم سكن خاص بهم على شكل مجموعات مستعمرة في مصر، أما السبب الثاني للتوتر العلاقات بين بابل ومصر، هو طمع الفراعنة ونهج من اجل السيطرة على ساحل سوريا القديم الذي يضم صيدا وفلسطين وصور الذي كان تحت الحكم البابلي في تلك الفترة.

في فترة 570-525 ق.م تمكن الدولة الأخمينية من أسقاط ميديا ووراثته للعرش، مما تسبب هذا دب الرعب والخوف في قلب القوى الموجودة في المنطقة، فسارع كل من الملك أحمس الثاني ملك مصر مع ملك مملكة ليديا (كرويسوس)، وملك بابل نابونيد، لعقد حلف لصد الخطر الاتي من الدول الأخمينية. وعندما توجه، كورش الثاني إلى ليديا للسيطرة عليها، انسحب ملك بابل من الحلف خشية من الدولة الأخمينية، وأرسلت مصر جيش صغير لمساعدة ليديا، لأنها كانت على علم أن مصر هي المحطة الثانية لذلك لم ترسل جيشها، تضعف من قوته.
تمكن الملك ابريس من بث الرعب و الخوف في قلب أهالي المدن الفينيقية لمدة لا تقل عن اثنا عشر عام، بسبب حملات البحرية والبرية المستمرة على صيدا، وقد تمكن من هزم القبرصيين و الفينيقيين في موقعة كبيرة ومؤثرة، و غنم منها بالكثير من الغنائم، ثم أرسل جيش إلى سرتي وبرقة، ولكن أثناء سيطرتهم لهذه المدن فقد الجيش المصري عدد كبير من جنوده مما تسبب فحقد الجنود على الملك ابريس، فقد ظنوا أن الملك أرسل إلى سرتي وبرقة حتى يتخلص منهم، فشعر ابريس بالخطر، فقام بأرسل قائدة أماسيس من أجل التفاوض مع جند و تهدات ولكن جرات الأمور عكس ذلك، فقد انضم لهم، و انتخبوا ملك لمصر، وقام في خلع ابريس، فلجأ أبريس إلى جنود المرتزقة اليونانيون الذي يبلغ عددهم ثلاثين ألف، وقعت واقعة بالقرب من بلدة ماريا وتمكن أماسيس من الانتصار على ابريس وأسره ثم إعدامه.
تسلم أماسيس (أحمس الثاني) الحكم، وأصبح الحكم في يد الأسرة السادسة والعشرين، وفي تلك الفترة كانت الوضع الداخلي متوتر فكانت علاقة الحكم بالشعب متوترة جدا، لذلك لم يستلم الحكم كما هي العادة، بالإضافة إلى أنه كان من عامة الشعب ولم يكن من عائلة ملكية، ولكن بفضل حنكته تمكن من إقناعهم بنفسه، وتمكن من إنجاز العديد من الإنجازات العسكرية والحضارية في هذه الفترة حكم بابل بنوخذ نصر الثاني بلاد بابل، وشهدت العلاقات البابلية المصرية تطور ملحوظ، وهذا بفضل السياسة الهدنة التي اتبعها أماسيس (احمس الثاني)، فقد تفرغ إلى للدفاع عن مصر، وإصلاح الأوضاع الداخلية المتأزمة بسبب الصراعات بين الكادرين و الإغريق؛ ويعود سبب هذا الصراعات هو تفضيل أبريس لهم في الجيش المصري على حساب المصريين، وكان سلام البلاد و أمنها لا يتحقق إلا بوجود هؤلاء الأجانب المرتزقة؛ لأن وضع أسيا الغربية كان سيء جدا اكثر من مصر، بالإضافة إلى أن القوة اليونانية، قد وصلت إلى ذروتها وليس من صالحهم إضعاف الجيش والدخول في معارك مع دويلات اليونانية، التي بدورها سوف تأثر على اقتصاد مصر، فوجد الحل مناسب هو استدعاء الحاميات اليونانية من على الحدود وحل محلهم المصريين، وأسكن الأجانب في أحياء مخصصه لهم في العاصمة القديمة ، عقد تحالفات مع الدول المجاورة مثل برقة، ودخل بعدة متحالفات مع الإغريق و الليبيين والبابليين من اجل صدر الهجوم الأخميني. توفى أحمس الثاني في 526ق.م وسلم ابنه الحكم والخطر الأخميني.
في نهاية حكم الفرعون المصري نيكاو الثاني وحكم الملك الكلداني نابوبلاصر، تمت سيطرتهما على بلاد الشام. قاد الفرعون المصري قواته في سوريا إلى تحالف مع الملك الآشوري آشور أوباليط الثاني، وأسس مقر إقامته بالقرب من مدينة حماة، وجعل نهر الفرات الحد الفاصل بين المصريين وأراضي آشور التي سيطر عليها البابليون والميديون، وفي معركة حاسمة جرت في كركميش، حيث اضطر الجيش المصري للانسحاب. نبوخذ نصر تبعهم وهزمهم مرة أخرى في حماة، وفيما بعد توفي نابوبلاصر وتولى الحكم في بابل نبوخذ نصر، الذي خاض معارك عدة في بلاد الشام وشمال الجزيرة العربية بين 604 و601 قبل الميلاد.
بعد وفاة نيكاو الثاني تولى الحكم بسماتيك الثاني وحكم مدينة صور الفنيقية إتو بعل الثالث. جاءت حملة نبوخذ نصر على القدس في 598 قبل الميلاد بسبب تحالفها مع المصريين ضده. استمر الصراع، وفي عام 587 قبل الميلاد، حصلت بابل على السيطرة على القدس وسبي أهلها، اضافة الى ان بابل كان لها مصلحة حيوية في المحافظة على السيطرة على المدن الفنيقية، وأظهرت المصادر التوراتية هجوم بابلي على مدينة صور واستيلائها عليها بعد حصار دام ثلاثة عشر عامًا. هناك إشارات إلى مشاركة خبراء عسكريين من المدن الفنيقية مثل صور وأرواد وجبيل في جيش نبوخذ نصر.
بعد وفاة الفرعون أبريس، خلفه على الحكم الفرعون أماسيس الثاني (570-526 قبل الميلاد)، ونشبت نزاعات داخلية في مصر أثارت اهتمام نبوخذ نصر الذي قام بالهجوم عليها. مع أدعاء نبوخذ نصر بالفوز في المعركة، إلا أن نتيجتها قد لم تحسم بشكل نهائي، ولكن بابل استمرت في التحكم ببلاد الشام، بعد وفاة نبوخذ نصر حكمت بابل عدة ملوك ضعفاء حتى وصول الملك نابونيد (539-555 قبل الميلاد)، الذي بدأ بإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي. قام بإعادة تنصيب بعل عزر، ملك صور، ونشط بابل مرة أخرى في بلاد الشام، وأعاد أيضًا نقل الأخشاب من لبنان إلى بابل. ونجح في استعادة سيطرته على حران في عام 552 قبل الميلاد بعد أن كانت تحت حكم الميديين منذ عام 610 قبل الميلاد.
العلاقة بين بابل ومصر تغيرت بعد ذلك، إذ شعرتا بالتهديد الفارسي الذي اقترب منهما. في عام 546 قبل الميلاد، عقدتا مصر وبابل معاهدة سلام بينهما. وفي منطقة جنوب بلاد الشام، دخل البابليون فلسطين في عام 604 قبل الميلاد وسيطروا على عسقلان الساحلية ودمروا بعض المدن الفلسطينية الأخرى. خلال هذه الفترة، استولى يهوياقيم على الحكم في يهوذا وأعلن ولاءه لبابل، لكنه انقلب على البابليين في ثورة لم يدم طويلاً.
في عام 599 قبل الميلاد، أرسل الملك البابلي حملة عسكرية إلى يهوذا، مما أدى إلى تحول الطرق التجارية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، شجعت بابل ممالك عمون ومؤاب وإدوم على مهاجمة يهوذا. ثم ثارت يهوذا مرة أخرى في عام 588 قبل الميلاد، واضطر نبوخذ نصر لحصار القدس وتدميرها فيما بعد، وسبى أهلها إلى بابل. في النهاية، في عام 582 قبل الميلاد، قاد نبوخذ نصر هجومًا آخر أدى إلى السيطرة على يهوذا ، كما ان نبوخذ نصر قاد حملة عسكرية نحو عمون ومؤاب، وسيطر على هذين الإقليمين في سنة 582 قبل الميلاد. ويمثل هذا الحدث بداية فترة السيطرة البابلية على جزء من أراضي الأردن، مما أدى إلى اقتراح بعض الباحثين بأن عمون ومؤاب أصبحتا جزءًا من مملكة بابل. لكن السيطرة البابلية على بلاد الشام انقضت بعد سقوط تلك المملكة على يد الفرس في العام تقريبًا 539 قبل الميلاد.
ملك بابل نابونيد قضى عدة سنوات في مدينة تيماء بشمال غربي الجزيرة العربية. لا تزال المعلومات حول نشاطاته في جنوب بلاد الشام وشمال غرب الجزيرة العربية محدودة، باستثناء ما ورد على مسلة السلع. نابونيد حاصر مدينة بصيرة حوالي عام 553 قبل الميلاد، كما انه لم يُفهم حتى الآن سبب انتقال نابونيد إلى تيماء في السنة السادسة من حكمه. يُعزى ذلك لوقوع تيماء على طريق البخور القادم من بلاد اليمن إلى جنوب بلاد الشام ومنها إلى بلاد الإغريق. غياب نابونيد لفترة طويلة عن بلاده أثر بشكل كبير في الأحداث في البلاد المجاورة، مما سمح للملك الفارسي قورش الثاني بتوسيع نفوذه وسيطرته على المناطق المحيطة. تعززت القوة العسكرية لفارس وزادت سيطرتها على النواحي الاقتصادية، الأمر الذي أهَّلها لاحتلال بابل والسيطرة عليها في عام 539 قبل الميلاد، فور دخول الفرس بابل سيطروا على منطقة شرق البحر المتوسط وبقوا هناك حتى وصول الغزو الإسكندري في حوالي عام 333 قبل الميلاد