لخّصلي

ظلت أبواب القصر موصدة وانخنا إبلنا وأنزلنا الأحمال من على ظهورها ، وخرج أعرابي بعد الظهر من باب خلفي و ناداه محمد ، وسأله هل الشيوخ ( جالسين ) وهو تعبير عربى بمعنى هل هم على استعداد لاستقبالنا فأجاب الأعرابي : كلا ليس بعد . وسأل الأعرابي وأين هذا الانجليزي فأشار محمد إلى . و نادى شخبوط رجلا من أتباعه دار علينا بالقهوة والتمر ثم سألنا عن رحلتنا ، ولما ذكرت له أنى زرت ضواحى ( اللوى ) في العام الماضى عقب هزاع على هذا بأنه سمع إشاعات عن مسيحى كان هناك ، و لكنه لم يصدق ذلك فليس من المعقول أن يأتى اوروبى ثم يذهب دون أن يراه الناس ، والبدو لا يعتمد كثيرا عليهم في مثل هذه الأحوال مما جعلنا نعتقد أن أنهم كانوا تتكلمون عن توماس الذي عبر الصحراء منذ ستة عشر عاما . وتسلقنا سلما متهالكا إلى غرفة خاوية ، قد فر شت بالسجاد استعدادا لاستضافتنا ، وعشنا عشرين يوما في ( أبى ظبي ) وهي مدينة صغيرة ، وكان الشيوخ يزوروننا كل يوم يتقدمهم ( شخبوط ) بشكله الجليل وعباءته السوداء واعتدنا طيلة اقامتنا في ( أبي ظبي ) أن نتجول في وحدث أن زارنا فيمن كان يزورنا رجل من آل رشيد يدعى ( بخيت الدهيمي ) وكنت قد سمعت عن شجاعته عند ما كنت على الساحل الجنوبي وعندما علم ( بخيت ( هذا أنني ذاهب الى ( البوريمي ) أعلن استعداده لمرافقتي ، وتدبرت الامر مع (شخبوط) وطلبت إليه أن يرسل (بخيتا) قبلنا، ليبلغ زايد بن سلطان أخا شخبوط في البوريمي أننا قادمون . كنت مشوقا لاختراق عمان وزيارة المواقع التي وصفها لي ( سطيون ) في العام الماضى، ستكون من البوريمي وكنت آمل ان يستطيع زايد مد يد المعونة إلى فأحقق أمنيتي أو على الأقل، وكان ذلك في اليوم الثاني من شهر ابريل ووصلنا البوريمى بعد أربعة أيام قطعنا فيها مائة ميل وهناك حادث طريف يلذ لى أن أقص قصته . فهو يبين ناحية هامة من جوانب النفس البدوية . وحدث أن داعب ابن غبيشه قدمى فرفسته بشكل غريزي بحت فأصابته الرفسة في جنبه فارتمى أرضا وأسرعت نحوه مضطربا ، فأجاب على وهنا أدركت ان البدوى يطلب حياة مقابل حياة سواء كان هناك قصد أو لم يكن ، وقد يقبل الفدية اذا هدأت ثائرته وكان القتل دون قصد . وشاهدت نحوا من ثلاثين اعرابيا جلوسا في الل شجرة شوكية أمام القصر ، وقال لنا دليلنا إن الشيخ جالس وقدم لنا خادم القهوة والتمر كما العادة وسألني زايد عن رحلتي واهتم كثيرا عندما علم باجتيازي لبلاد الدورو في العام الماضي. فأفهمته أنى ادعيت أنى تاجر سوري فقال ضاحكا : لو فعلت هذا معى لاكتشفت أمرك فى الحال . كان زايد ممثلا لشخبوط في البور بمي. ولكنه كان يحكم ستا من قراها بينما يحكم القريتين الأخيرتين سلطان مسقط . وكان لكل شيخ من شيوخ ساحل الهدنة فرقة من الاتباع المسلحين من رجال القبائل الا ان شخبوط وحده كان ذا سلطة ونفوذ بين القبائل كلها . وكانت شركة النفط العراقية قد وقعت اتفاقيات مع سلطان مسقط و شيوخ ساحل الهدنة ، وقد حاولت انجلترا اقناع القبائل بقبول هذه الاتفاقيات ، فلم يكن لزايد نفود جنوبي واحه البوريمي ونفوذ السلطات على هذه المنطقة كانت اسميا فحسب ولم يكن له ممثل قوى فى تلك البقعة ، وأصبح كل شيخ يحاول تأكيد استقلاله معتقدا أن بوسعه الحصول على شروط خاصة لنفسه برفضه وأكثر سكان عمان من ( العبادية ) وهم فريق من الخوارج الذين لانشقوا على المسلمين أيام الخليفة الرابع على بن أبي طالب . ففقد سلطان مسقط كل سلطة له في داخل البلاد ، ثم وقعت معاهدة ( السيب ) بين السلطان والشيوخ في عمان لا بين السلطان والإمام كما هو مفروض ) وكان هذا يتدخل الانجليز طبعاً ) . والإمام محمد بن عبد الله رجل محافظ يكن العداء الشديد للسلطان و للانجليز، غادرنا ( موبقع ) فى أول مايو ومعنا أربعة من أتباع زايد ، كانت البلاد جميلة تمر بها عدة مجار مائية تمتد من أسفل الجبال وتتهى بالصحراء مغطاة بأشجار الغاف والأقاصيا التي كانت خير طعام لإبلنا ولكن الطقس كان حاراً . جاكسون ( الضابط السياسي البريطاني في ساحل الهدنة ، وذهبت إلى (دبي) حيث نزلت ضيفاً على أدوارد هندرسون) الذي كنت معه في سوريا خلال التراب وهو موظف الآن بشركة نفط العراق ، وتعتبر مدينة ( دبى ) أكبر مدينة في هذه المنطقة وسكانها يصلون الى خمسة وعشرين الف نسمة . و خطرت بذهنى فكرة السفر الى البحرين وكان ذلك من السهل باستعمال الطائرة من الشارقة ولكنني فضلت استخدام القارب الذي قطع المسافة في أحد عشر يوما بدلا من أربعة كما جرت العادة ، وتراءت لى البحر بن أخيرا ،

ظلت أبواب القصر موصدة وانخنا إبلنا وأنزلنا الأحمال من على ظهورها ، ثم تمددنا لننام في ظل حائط القصر .

) وخرج أعرابي بعد الظهر من باب خلفي و ناداه محمد ، وسأله هل الشيوخ ( جالسين ) وهو تعبير عربى بمعنى هل هم على استعداد لاستقبالنا فأجاب الأعرابي : كلا ليس بعد . وطلب منه محمد أن يبلغ الشيوخ أن إنكليز يا قد وصل من حضر موت و أنه يبغى مقابلتهم، وسأل الأعرابي وأين هذا الانجليزي

فأشار محمد إلى .

و بعد هذا بنحو من نصف ساعة خرج علينا أعرابي شيخ وجه الينا أسئلة ثم قفل راجعا إلى القصر وعاد بعد قليل ليدعونا إلى الدخول وسار بنا الى حيث كان ( شخبوط ( حاكم ابي ظبي واخواه هزاع وخالد وقد نهض الجميع عند دخولنا فتبادلنا التحية وجلسنا . كان شخبوط رجلا ضئيل البنيان شاحب اللون ذا تقاطيع منتظمة ولحية سوداء قد شذبها في عناية وكمان مجاملا، لطيف المعشر ، متحفظا نوعا ، يتكلم في هدوء ويتحرك في حذر. و نادى شخبوط رجلا من أتباعه دار علينا بالقهوة والتمر ثم سألنا عن

رحلتنا ، ولما ذكرت له أنى زرت ضواحى ( اللوى ) في العام الماضى عقب هزاع على هذا بأنه سمع إشاعات عن مسيحى كان هناك ، و لكنه لم يصدق ذلك فليس من المعقول أن يأتى اوروبى ثم يذهب دون أن يراه الناس ، والبدو لا يعتمد كثيرا عليهم في مثل هذه الأحوال مما جعلنا نعتقد أن أنهم كانوا تتكلمون عن توماس الذي عبر الصحراء منذ ستة عشر عاما .

وانتهى حديثنا وسار بنا الشيوخ الى البيت الذي أعد لنزولنا وهو منزل كبير متهدم ، وتسلقنا سلما متهالكا إلى غرفة خاوية ، قد فر شت بالسجاد استعدادا

لاستضافتنا ، وأمر شخبوط خادمين من أتباعه كي يعنيا بنا .

وفي المساء وصل الخدم يحملون الطعام الوفير فأكلنا حتى شبعنا وجلسنا بعد الاكل وجلس الخدم بيننا دون كافة فالخادم في البيت العربي فرد من أفراد الأسرة وليست هناك طبقية كالمعروفة لدينا ، ونظرت إلى البساطة العادية التي تتسم بها الغرفة ، فبدت في نظري أفضل من أى أثاث فاخر .

وعشنا عشرين يوما في ( أبى ظبي ) وهي مدينة صغيرة ، يبلغ تعدادها التي نسمة ، وكان الشيوخ يزوروننا كل يوم يتقدمهم ( شخبوط ) بشكله الجليل وعباءته السوداء واعتدنا طيلة اقامتنا في ( أبي ظبي ) أن نتجول في

سوق المدينة أو على شاطيء البحر .

وحدث أن زارنا فيمن كان يزورنا رجل من آل رشيد يدعى ( بخيت الدهيمي ) وكنت قد سمعت عن شجاعته عند ما كنت على الساحل الجنوبي وعندما علم ( بخيت ( هذا أنني ذاهب الى ( البوريمي ) أعلن استعداده لمرافقتي ، وتدبرت الامر مع (شخبوط) وطلبت إليه أن يرسل (بخيتا) قبلنا، ليبلغ زايد بن سلطان أخا شخبوط في البوريمي أننا قادمون .

كنت مشوقا لاختراق عمان وزيارة المواقع التي وصفها لي ( سطيون ) في العام الماضى، واعتقدت أن فرصتى كى أذهب إلى هناك ، ستكون من البوريمي وكنت آمل ان يستطيع زايد مد يد المعونة إلى فأحقق أمنيتي أو على الأقل، أقوم بعمل بعض التحريات المفيدة عن عمان وأنا في البوريمي.

وغادرنا أبو ظبي ومعنا الدليل الذى زودنا به شخبوط . وكان ذلك في اليوم الثاني من شهر ابريل ووصلنا البوريمى بعد أربعة أيام قطعنا فيها مائة ميل

وهناك حادث طريف يلذ لى أن أقص قصته .. فهو يبين ناحية هامة من جوانب النفس البدوية .. فى مساء اليوم الذى سبق وصولنا واحة (البوريمي) كنت مستلقيا على الأرض فى نشوة أراقب ابن قبينه وهو يشوى بعض الفطر والبطاطا ، وحدث أن داعب ابن غبيشه قدمى فرفسته بشكل غريزي بحت فأصابته الرفسة في جنبه فارتمى أرضا وأسرعت نحوه مضطربا ، ولكن ابن قبينة بادرني قائلا إنه بخير واعتدل ابن غبيشه في جلسته وقال لى معاتبا لماذا تحاول قتل أخيك ؟ فاعتذرت اليه فضحك قائلا : إني لأعلم انك ما كنت تقصد ما فعلت و سألت ، ابن قبينة ماذا كان يفعل لو قتل ابن غبيشة حقا، فأجاب على

الفور : لو أن هذا حدث لقتلتك وحاولت الاعتراض قائلا : ولكن هذا أمر غير مقصود فأجاب : لن بغير ذلك من الأمر شيئا . وهنا أدركت ان البدوى يطلب حياة مقابل حياة سواء كان هناك قصد أو لم يكن ، وقد يقبل الفدية اذا هدأت ثائرته وكان القتل دون قصد .

وفي صباح اليوم التالى وصلنا ( مو يقع ( إحدى القرى الثماني الصغيرة في واحة ( البوريمي ) وكان بها قصر زايد ، وشاهدت نحوا من ثلاثين اعرابيا جلوسا في الل شجرة شوكية أمام القصر ، وقال لنا دليلنا إن الشيخ جالس

فاتجهنا نحوه وحبيت الجمع وتبادات الأخبار مع زايد وهو رحل تبدو عليه مخايل الفطنة يتميز عن رفاقه بعقاله الأسود وبالطريقة التي بلبس بها كوفيته منسدلة على كتفيه بدلا من أن تكون ملفوفة حول رأسه. وكان ذا شهرة كبيرة بين البدو يحبونه لبساطته ودمائة خلقه وقوته الجسمانية الخارقة .

وقدم لنا خادم القهوة والتمر كما العادة وسألني زايد عن رحلتي واهتم كثيرا عندما علم باجتيازي لبلاد الدورو في العام الماضي. وعجب كيف استطعت أن اجتاز بلادهم ، فأفهمته أنى ادعيت أنى تاجر سوري فقال ضاحكا : لو فعلت هذا معى لاكتشفت أمرك فى الحال .

كان زايد ممثلا لشخبوط في البور بمي. ولكنه كان يحكم ستا من قراها

بينما يحكم القريتين الأخيرتين سلطان مسقط .

وكان لكل شيخ من شيوخ ساحل الهدنة فرقة من الاتباع المسلحين من رجال القبائل الا ان شخبوط وحده كان ذا سلطة ونفوذ بين القبائل كلها .

وكانت شركة النفط العراقية قد وقعت اتفاقيات مع سلطان مسقط و شيوخ ساحل الهدنة ، تشمل الاراضي المحيطة بواحة البوريمي ، وقد حاولت انجلترا اقناع القبائل بقبول هذه الاتفاقيات ، ولكن ذلك لم يكن بالأمر السهل ، فلم يكن لزايد نفود جنوبي واحه البوريمي ونفوذ السلطات على هذه المنطقة كانت اسميا فحسب ولم يكن له ممثل قوى فى تلك البقعة ، وأصبح كل شيخ يحاول تأكيد استقلاله معتقدا أن بوسعه الحصول على شروط خاصة لنفسه برفضه

الاعتراف أى سلطة فوق سلطته ، لذلك بدت فرصة ذهابي إلى عمان صعبة بالنسبة الى .

وأكثر سكان عمان من ( العبادية ) وهم فريق من الخوارج الذين لانشقوا على المسلمين أيام الخليفة الرابع على بن أبي طالب . ومنهم سلطان مسقط الحالي الذي حكمت أسرته عمان منذ عام ١٧٤٤ ، ولكن سكان عمان كانوا دائماً ضد أسرة (أبو سعيد الحاكمة مما حدا بالقبائل الغفرية والحناوية إلى القيام بالثورة عام ۱۹۱۳ و انتخاب سالم بن راشد الخروصي إماما ، ففقد سلطان مسقط كل سلطة له في داخل البلاد ، وفى سنة ١٩٢٠ أغتيل الإمام فانتخب العمانيون محمد بن عبد الله الخليلي إماماً ، ثم وقعت معاهدة ( السيب ) بين السلطان والشيوخ في عمان لا بين السلطان والإمام كما هو مفروض ) وكان هذا يتدخل الانجليز طبعاً ) . وفى هذه المعاهدة تعهد السلطان بعدم التدخل فى شئون عمان الداخلية

والإمام محمد بن عبد الله رجل محافظ يكن العداء الشديد للسلطان و للانجليز، ولهذا السبب كانت رحلتي داخل الأراضي العمانية أمراً بالغ الخطورة .

غادرنا ( موبقع ) فى أول مايو ومعنا أربعة من أتباع زايد ، كانت البلاد جميلة تمر بها عدة مجار مائية تمتد من أسفل الجبال وتتهى بالصحراء مغطاة بأشجار الغاف والأقاصيا التي كانت خير طعام لإبلنا ولكن الطقس كان حاراً .

ووصلنا الى ( الشارقة ) في العاشر من شهر مايو واستضاقي ( نزيل

جاكسون ( الضابط السياسي البريطاني في ساحل الهدنة ، وودعت رفاقي في ( الشارقة ) مؤملا أن أراهم مرة ثانية بعد أربعة أشهر ، وذهبت إلى (دبي) حيث نزلت ضيفاً على أدوارد هندرسون) الذي كنت معه في سوريا خلال التراب وهو موظف الآن بشركة نفط العراق ، وتعتبر مدينة ( دبى ) أكبر مدينة في هذه المنطقة وسكانها يصلون الى خمسة وعشرين الف نسمة .

و خطرت بذهنى فكرة السفر الى البحرين وكان ذلك من السهل باستعمال الطائرة من الشارقة ولكنني فضلت استخدام القارب الذي قطع المسافة في أحد عشر يوما بدلا من أربعة كما جرت العادة ، ولعل السبب في ذلك ان القبطان كان نصف اعمى وقد قضى معظم وقته نائما على مؤخرة السفينة ومساعده الزنجي يصف له ما يراه فيمده بارشاداته .

وتراءت لى البحر بن أخيرا ، لقد أبحرت في قارب لأني أردت اختبار العرب كبحارة ، فقد كانوا يوما شعبا يميل إلى ركوب البحار، تبحر سفته حول سواحل الهدنة إلى جزر الهند الشرقية وربما إلى أماكن أقصى من تلك ، وكان ساحل الهدنة الذي خلفته وراثى يدعى ساحل القرصنة فكان مخو فائم كان ثمة سبب أعمق من كل هذا . جدا فى الى استخدام القوارب لا الآلات التي أصبحت تسيطر على عالمنا، لقد كرهت الآلات طيلة حياتي، ولا زالت افكاري تعود في إلى الوار. أيام أن كنت بالمدرسة وكنت أشعر بالاستياء اذا ما قرأت عن شخص طار فوق المحيط الأطلسي أو سافر عبر الصحراء في سيارة .

إلى لم أذهب إلى الصحراء العربية كي أجمع النبات أو أرسم مصورا . فهذه طارئة . لقد ذهبت الى هناك أنشد السلام وسط قوة الصحراء ومع كلها أمور.

زمالة سكان البادية .

ووصلنا البحرين في الثامن والعشرين من شهر مايو ..