لخّصلي

حكاية جلناز وبدر باسم
كَلِفْتُ بِهَا وَقَدْ تَمَّتْ بِحُسْنٍ وَكَمَّلَهَا السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَلَا طَالَتْ وَلَا قَصُرَتْ وَلَكِنْ رَوَادِفُهَا يَضِيقُ بِهَا الْإِزَارُ
فَلَا طُولٌ يُعَابُ وَلَا اقْتِصَارُ وَلَكِنْ وَجْهُهَا أَبَدًا نَهَارُ
فتعجب الملك من رؤيتها وحُسنها وجمالها وقدها واعتدالها، وأمر حجابه أن ينقلوا إليها جميع ما تحتاج إليه، فأدخلوا الجارية في مقصورة، الكلام المباح. وقدها واعتدالها، فسبح الله الخالق جلَّتْ قدرته. ثم إنه أمر بإحضار الموائد من أفخر الطعام، وفيها من سائر الألوان، فأكل الملك وصار يلقمها حتى شبعت وهي لم تتكلم بكلمة واحدة، وغنَّيْنَ حتى طرب كلُّ مَن في المجلس، وأبقاها التجار بكرًا على حالها؟ ثم إنه مال إليها بالكلية ولم يلتفت إلى غيرها، وأسأل الله تعالى من فضله أن يلين قلبك لي فتكلميني، وقد كبر سني، فبالله عليك إن كنت تحبينني أن تردّي علي الجواب. ولكن لا أعلم هل الجنين ذكر أم أنثى ؟ ولولا أني حملت منك ما كلَّمْتُك كلمةً واحدة. والثاني: إخبارك بالحمل مني. وجلس عندها وحضنها، وضمها إلى صدره، واعلم أني مسكينة غريبة مكسورة الخاطر فارقت أمي وأهلي. فقال لها: أما قولك مسكينة فليس لهذا الكلام محل، فإن جميع ملكي ومتاعي وما أنا فيه في خدمتك، فلما سمع كلامها شكرها وقبلها بين عينيها، وقال لها: والله يا سيدتي ونور عيني إني لا أقدر على فراقك ساعة واحدة، ولا بد من حضور أهلي لأجل أن يباشروني؛ لأن نساء البر لا يعرفن طريقة ولادة بنات البحر، وفعلت معي الجميل والإحسان، فإني مطيع لك في جميع ما تفعلينه. كأنه البدر في تمامه بجبين أزهر وخد أحمر، ثم إن الملك رأى الشاب والعجوز والجواري يمشين على وجه الماء حتى قدموا على الجارية، كيف تتركينا أربع سنين ولم نعلم المكان الذي أنت فيه؟ والله إنها ضاقت علينا الدنيا من شدة فراقك، فصار متحيرا شديد الخوف من فراقها. ورجل عاقل كريم، وقد أحسن إليَّ وصنع معي كل خير، ألف ليلة وليلة (الجزء الخامس)
لي مدة مقامي عنده، وقالت: إن الله تعالى لم يقطع بي وعوضني خيرًا، وتتحققين أنك أعز الناس جميعًا عندنا، فإننا لا نريد إلا راحتك على كل حال. وازداد فيها حبا ودخل حبها في صميم قلبه، وعلم منها أنها تحبه كما
ولا حضر عندنا ولا أكل معنا حتى يكون بيننا وبينه خبز وملح وامتنعوا كلهم من الأكل واغتاظوا عليها، وعملت معي كل جميل، فيريدون أن ينظروك
فلما كانت الليلة ٧٤٢
واتفقوا جميعًا على هذا الاسم، فأنا أحب ولدي أكثر منك، وفي هذه الساعة يأتيك بولدك سالما إن شاء الله تعالى. فلم يكن غير ساعة إلا والبحر قد اختبط واضطرب، وطلع منه خال الصغير، إنا كلناه بكحل نعرفه، ونعرف جيدها ورديئها وجميع طرقها ومواضعها، وشكرك علينا قد وجب؛ ثم إن صالحًا أخا جلناز قام وقبل الأرض بين يدي الملك زوج أخته، فقال له: ما تريد يا صالح ؟ فقال صالح: يا ملك الزمان، ولكن كيف نعمل ونحن قد ربينا في البحر، وبعد كل قليل من الأيام نزوركم. عن العين. إلى أن صار عمره خمسة عشر عامًا، وتعلَّمَ اللعب بالرمح وتعلَّم الفروسية، ولم يبق أحد من أولاد أهل المدينة من الرجال والنساء إلا وله حديث بمحاسن ذلك
وكان لطيف الكلام محضر خير لا يتكلم إلا بما فيه المصلحة للناس. فصار كل واحد من الأمراء وأرباب الدولة يحمل الغاشية ساعة،
والقمر الزاهر. ثم إن أرباب الدولة والأكابر دخلوا على الملك بدر باسم وقالوا له: يا ملك، فلما خرج من الحمام لبس بدلة فاخرة منسوجة من الذهب مرصعة بالجواهر والياقوت، وفروسيته وعقله وأدبه، فيتعب
وقد قال الشاعر:
ولو أني أصرف جميع ما تملكه يدي عليها، وإن خطرت يغار غصن البان، عذبة المراشف لينة المعاطف. فلما سمع بدر باسم كلامهما، وفهم ما قالاه من أوله إلى آخره في وصف البنت التي ذكرها صالح، فلما كانت الليلة ٧٤٥
أن الملك بدر باسم لما سمع كلام خاله صالح وأمه جلناز في وصف بنت الملك السمندل، فإن أنعم بإجابتها حمدنا الله تعالى، فأكل الملك بدر باسم وأمه وخاله حتى اكتفوا، فامتثل كلامه، ألف ليلة وليلة (الجزء الخامس)
ثم شكا وأن وبكي، وعشقتها على السماع حين سمعت ما قلتم من الكلام، لأني أخاف إن أخذتك وسرت من غير إذنها أن تغضب علي ويكون الحق معها؛ فلما سمع بدر باسم كلام خاله صالح قال له: اعلم يا خالي أني متى رجعت إلى أمي وشاورتها في ذلك لم تمكني من ذلك، وقال له: اجعل هذا في إصبعك تأمن من الغرق ومن غيره، فلما كانت الليلة ٧٤٦
قالت بلغني أيها الملك السعيد، وانزعجت واغتمت وقالت له: يا ولدي، بخيل بابنته جوهرة على خطابها، بل ردهم وقال لهم: ما أنتم أكفاء لها في الحُسن ولا في الجمال ولا في غيرهما. فيردنا كما ردَّ غيرنا، وأن أباه كان ملك العجم بأسرهم وهو الآن ملكهم، وأكثر أجنادًا وأعوانًا، وأمره بالجلوس فجلس، قالت بلغني أيها الملك السعيد، وقال له: القصد من الملك أن يتفضل علي، وإن كنتُ عاجزا عن قضائها فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ولم أكن مجنونا حتى أخاطب الملك في شيء لا يقدر عليه، فأما حاجتي التي جئتُ في طلبها، اعلم أني قد أتيتك خاطبًا راغبا في الدرة اليتيمة، فلما سمع الملك كلامه، وقال: يا صالح، كنت أحسبك رجلاً عاقلاً وشابا فاضلا لا تسعى إلا بسداد، حتى إنك تخطب بنات الملوك أصحاب البلدان والأقاليم ؟ وهل بلغ من قدرك أنك انتهيت إلى هذه الدرجة العالية ؟ وهل نقص عقلك إلى هذه الغاية حتى تواجهني بهذا الكلام ؟ فقال صالح: أصلح الله الملك، وإن كنتَ اليوم ملكنا، وأنت تعرف سطوته، فلما سمع الملك كلام صالح، فمن هو أنت؟ ومن هي أختك ؟ ومن هو ابنها؟ ومن هو أبوه ؟ حتى تقول لي هذا الكلام وتخاطبني بهذا الخطاب، فهل أنتم بالنسبة إلينا إلا كلاب ؟ ثم صاح على غلمانه، وقال: يا غلمان، فأخذوا السيوف وجرَّدوها، فلما وصل إلى باب القصر رأى أولاد عمه وقرابته وعشيرته وغلمانه، وكانوا أكثر من ألف فارس غارقين في الحديد، فلما سمعوا كلامه علموا أن الملك أحمق شديد السطوة، ولما اقتتلت هاتان الطائفتان فر بعض غلمان الملك السمندل هاربين، وأراد الراحة بانطراحه ولا يعلم أن كل مطلوب لم يسترح، وقعت عينه في عين جوهرة، فقال: سبحان خالق هذه الصورة البديعة، ثم إنه صار متفكرا في أمرها وقال في نفسه : أقوم أمسكها وأسألها عن حالها، لأن صالحًا وجنده تقاتلوا مع أبي وقتلوا جنده وأسروه هو وبعض جنده، ثم إن الملكة ألف ليلة وليلة (الجزء الخامس)
جوهرة قالت للملك بدر باسم وأنا ما أتيت إلى هذا المكان إلا هاربة خوفًا من القتل، ولم
قالت بلغني أيها الملك السعيد، وظن أنها عشقته، وتفلت في وجهه، فما تم كلامها حتى انقلب الملك بدر باسم إلى صورة طائر أحسن ما يكون من الطيور، وصار ينظر إلى جوهرة، فهذه الفتنة كلها من تحت رأسه، فأخذته الجارية وأوصلته إلى الجزيرة وأرادت الرجوع من عنده، ألف ليلة وليلة (الجزء الخامس)
قد وضعته في الجزيرة المعطشة. وأما ما كان من أمر صالح خال الملك بدر باسم، فلما سمع صالح كلام أمه حزن على ابن أخته وقال: يا أمي، ووقعت الحرب بينهم وبين الملك السمندل فنصر الله أخاك عليه، فكأنه خاف على نفسه فهرب من عندنا بغير اختيارنا ، ولا تنسوا ولدي ولا تتهاونوا في أمره، هذا ما كان من أمرها، وما رأيت طيرًا مثله في حُسنه ولا في شكله. فأخذه الملك، فلما كانت الليلة ٧٥١
وإنما هو رجل مثلك، وهو الملك بدر باسم ابن الملك شهرمان وأمه جلناز البحرية، قال لها: وكيف صار إلى هذا الشكل ؟ قالت له : إنه قد سحرته الملكة جوهرة بنت الملك السمندل. فلم يَرْضَ أبوها بذلك، وكانت هذه الملكة زوجته أسحر أهل زمانها. فأمره الملك أن يدخل الخزانة. ثم إنه قبل يدي الملك ودعا له بالبقاء، لأنها لا تدري ما جرى لي، فوقعت تلك الصخرة على المركب، لكنها عالية الأركان مليحة البنيان، فقام الشيخ وجاء له بشيء من الطعام، ونظر إلى الشيخ وقال له: يا سيدي، أن الشيخ البقال لما حكى للملك بدر باسم، فقال له يا ولدي، وإذا علمت أنه ابن أخي لا تتعرض له ولا تسوءني فيه ولا تشوش خاطري به فأقام الملك بدر باسم عند الشيخ
مدة أشهر في أكل وشرب، ألف ليلة وليلة (الجزء الخامس)
وفي وسطهم المناطق المرصعة بالجواهر، وقد جاءوا على دكان الشيخ وسلموا عليه ثم مضوا، وجاء بعدهم ألف جارية كأنهن الأقمار، وعليهن أنواع الملابس من الحرير الأطلس مطرزة بطرازات الذهب مرصعة بأنواع الجواهر، فلما رأته الملكة لاب حارت في حُسنه وجماله واندهشت وصارت ولهانة به، قال: احلفي لي. فحلفت أنها لا تؤذيه ولا تسحره، ثم ترجل الأمراء والخدام وأكابر الدولة، ودخلت الملكة والخدام والجواري في القصر، رأى قصرًا لم يَرَ مثله قط، وتلك الطيور من سائر الأشكال والألوان، فأكلا حتى اكتفيا وغسلا أيديهما، ألف ليلة وليلة (الجزء الخامس)
فلما سكرت الملكة لاب قامت من موضعها، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. والملك بدر باسم صحبتها، وأمرت بإحضار الطعام فأكلا وغسلا أيديهم، فلم يجد الملكة لاب بجانبه، فقال في نفسه : لعلها ذهبت إلى البستان فمضى إلى البستان فرأى فيه نهرًا جاريًا، وفوقها طيور مختلفة الألوان، وتسحر نفسها طيرة ليجامعها، الغيرة واغتاظ على الملكة لاب من أجل الطير الأسود. فلم يكلمها كلمة واحدة، الصباح فسكتت عن الكلام المباح. ولكن ما عليك بأس منها ما دمت أراعيك أنا فلا تَخَفْ فإني رجل مسلم واسمي عبد الله، فإنها في هذه الليلة تسعى
وتجيبني إلى قولي ؟ فقال لها وهو في حالة السكر : نعم يا سيدتي. ألف ليلة وليلة (الجزء الخامس)
وكلما اشتقت إليه أسحر نفسي طيرة وأروح إليه لينط علي، وليس لغيظي
فلما سمع الشيخ كلامه ضحك، وإذا لم تأكل منه، فلما علمت أنه أكل
فلم يتغير، فلما رأته على حاله لم يتغير، قامت له وقبلته بين عينيه، فما نظرت نفسها إلا وهي في تلك الحالة، وقال بدر باسم في نفسه: من أين لهذه العجوز تحصيل ألف دينار. إن هذه البلد ما يكذب فيها أحد، فعلم الملك بدر باسم أن هذه العجوز أمها وقد تمَّتِ الحيلة عليه، فلما جلست على كرسي الملكة التفتت إلى الملك بدر باسم، قد وصلت إلى هذا المكان ونلت ما تمنيت، وقالت له: اخرج من هذه الصورة التي أنت فيها إلى صورة طير قبيح المنظر أقبح ما يكون من الطيور. ألف ليلة وليلة (الجزء الخامس)
وقالت للجارية: أين ابني؟ فأخذت الجارية القفص وأتَتْ به بين يديها، وقالت له: اخرج من هذه الصورة إلى الصورة التي كنت عليها. فبكى بكاء شديدًا، ثم إن جلناز أرسلت خلف الشيخ عبد الله وشكرته على فعله الجميل مع ابنها ، ودخل بها، فقالوا : سمعا وطاعة. ثم إنهم ودعوا الشيخ عبد الله وساروا إلى مدينتهم، مدينتهم بالبشائر والفرح، وزينوا المدينة ثلاثة أيام لشدة فرحهم بملكهم بدر باسم وفرحوا فرحا شديدًا. ولكن اصبر حتى نسأل على من يصلح لك من بنات الملوك. ثم إن كل واحدة منهن نهضت ومضت تفتش في البلاد، فإنه ليس يرضيني إلا جوهرة بنت الملك السمندل؛ فلما جاء باسم أعلمته بمجيء السمندل، فدخل عليه، فلما رآه الملك السمندل مُقبلا قام له وسلَّمَ عليه ورحب به.