لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

ومن المرتكزات الأساسية للسياسة الشرعية : ما سميته من قبل : ( فقه الموازنات ) وقد تحدثت عنه في بعض كتبي ، ولاسيما في عصرنا الذي تختلط فيه الأمور بعضها ببعض، بحيث يعسر أن نجد خيراً خالصاً ، بل يمتزج كل منهما بالآخر ، امتزاج الملح بالماء . وأحوج أنواع الفقه إلى ( الموازنات ) هو : فقه السياسة الشرعية ، فكثيراً ما يجد ولى الأمر نفسه أمام أمرين أحلاهما مر ، فماذا يفعل أمام هذا التعارض ؟ وماذا يقدم ؟ وماذا يؤخر ؟ وعلى أي أساس يقوم التقديم والترجيح ؟ هل يرجح بلا مرجح أو يرجح بمعيار غير متفق عليه أو بمعيار متفق عليه ؟ فما هو هذا المعيار ؟ . حتى أوصل الحافظ السيوطي المرجحات في كتابه
تدريب الراوى ) إلى أكثر من مائة مرجح ، وقال : ولم مرجحات أخرى لا
وبعض هذه المرجحات مختلف فيه . المجتمعات
مسي أن يكون فيه تبصرة وذكرى . اما و فقه الموازنات ، فنعنی به جملة أمور :
1 ) الموازنة بين المصالح بعضها وبعض ، ومن حيث عمقها وتأثيرها ، وأيها ينبغى أن يُسقط ويُلقى. وأيها يجب تأخيره أو إسقاطه. إذا تعارضنا ، بحيث تعرف متى تقدم
ومتى تغتفر المفسدة من أجل المصلحة . إن المصالح إذا تعارضت قولت المصلحة الدنيا في سبيل المصلحة العليا ، وضحى بالمصلحة الخاصة من أجل المصلحة العامة ، ويعوض صاحب المصلحة الخاصة عما ضاع من مصالحه، وأهملت المصلحة الشكلية لتحقيق المصلحة الجوهرية ، أو الموهومة . يُغلب المصالح الحقيقية والأساسية
أو رضا بالدون، باسمك اللهم ، وان يمحى وصف الرسالة من عقد الصلح ، وأهون الضررين . وأن الضرر لا يزال بضرر مثله أو أكبر منه ، ويتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام . .
أو المنافع والمضار ، وتغتفر المفسدة المؤقتة لجلب المصلحة الدائمة أو الطويلة المدى . وتقبل المفسدة وإن كبرت إذا كانت إزالتها تؤدى إلى ما هو أكبر منها . وفي الحالات العادية : يُقدم درء المفسدة على جلب المصلحة . بل المهم كل المهم أن نمارسه
يرجع إلى هذه الموازنات . هل يُقبل التحالف مع قوى غير إسلامية ؟ . هل تقبل مصالحة أو مهادنة مع حكومات غير ملتزمة بالإسلام ؟ . هل تمكن المشاركة في حكم ليس إسلامياً خالصاً ؟ وفى ظل دستور فيه ثغرات أو مواد لا نرضى عنها تمام الرضا ؟ . علمانية - لإسقاط نظام طاغوتی قاجر ؟ . الربوي ؟؟ . ونفرغها من كل عنصر مسلم ملتزم ؟ . ومدنيه ، الموازنات والترجيح. الحد في الموازنة بين المصالح قوله تعالى على لسان هارون لاخيه موسي عليهما السلام : و يبتوم لا تأخذ بلحيتى وَلَا بِرَأْسِي ، إِنِّى خَشِيتُ أَنْ تَقُولُ فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) ( عه : ١٩٠. حتى يعود موسى
ويتفاهما على كيفية علاج المشكلة . وفي الموازنة بين المفاسد والأضرار نجد قوله تعالى على لسان الخضر في تعليل خرق السفينة : ( أما السفينة فكانت المساكين يَعْمَلُونَ في البَحْرِ فاردت أن أعيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مُلِكَ يَاحُدُ كُل سَفِينَةٍ غصبا ) ( الكهف :٤٧٩ . فلان تبقى السفينة لأصحابها وبها خرق أهون من أن تضيع كلها ، فحفظ البعض أولى من تضييع الكل . 20
ومن أبلغ ما جاء في الموازنات قوله تعالى : و يسألُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قتال فيه ، وَصَدَّ عَنْ سَبيل الله وكفر به والمسجد الحرام
والعنة اكبر من القتل ) ( البقرة : ٠٤٢١٧ فقد أقربان القتال في الشهر الحرام كبير، ولكن المقاومة ما هو أكبر منه . نقرأ قوله تعالى عتابا للمسلمين عقب غزوة بدر : و ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يُلحن في الأرض ، واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) : الانفال (٤١٧ ٠ وفي الموازنة بين المصالح والمفاسد نقرأ قوله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع لِلنَّاسِ وَالمُهُمَا اكبر من نفعهما لم
وكلا الفريقين غير مسلم ، ولهذا حزن المسلمون لانتصار الفرس ، ونزل القرآن ببشر المؤمنين بانتصار قريب للروم - يقول تعالى : و قلبت الروم . وهم من بعد غلبهم سيغلبون . من
ولكن ممارسته صعب ، لقد لقى العلامة المودودي وجماعته الإسلامية عنا كثيراً حينما رأى - في ضوء فقه الموازنات - أن انتخاب ( فاطمة جناح ، أقل ضرراً من انتخاب و أدب
خان ) . فشلت الغارة عليهم بحديث : و لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة :
وهل يفلح قوم ولوا أمرهم طاغية متجبراً ؟؟ لن يفلحوا . والفقه هنا ينظر : أى الشرين أهون ، فيرتكب الأدنى في سبيل دفع الاعلى . وقبولهم بعض المناصب الرسمية في عهده ، الإسلامية . وحزب الرفاء في تركيا ورئيسه الدكتور نجم الدين أربكان : انكر عليهم بعض المتشددين من الإسلاميين لقبولهم المشاركة في حكومة يحكمها دستور علمانی . من جواز الاشتراك في حكم غير إسلامي (۱) ، وجواز التحالف مع قوى غير إسلامية . والفساد . ورابع المرتكزات في فقه السياسة الشرعية المنشودة ، هو : فقه الأولويات . لا تبخسه ولا نشتط في تقويمه، ، وعظموا الشيء الهين ، وهونوا الشيء العظيم. ولا ريب أن هذا خلل منكر ، يترتب عليه تضييع أمور ذات بال في حياة الأمة ، حتى يبقى كل عمل في مرتبته الشرعية ، ولا يعلو عليها . وربما استغرب بعض الاخوة هذا العنوان ، حتى قال بعضهم يوما : كل أحكام الشرع أولويات ، أما الأحكام نفسها فهي متفاوتة، والاعمال التي تقع عليها الاحكام متفاوتة في مرتبتها ، وليست
سواء . الذينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا في سبيل الله بأموالهم وانقسم درجة عند الله ، وما نصت عليه الأحاديث الصحيحة ، وأدناها : إماطة الأذى من الطريق، والحياء شعبة من الإيمان، وتجعل الأعلى أدنى ، والأدنى أعلى . ولا غرو أن وجدنا في السنة اسئلة كثيرة للصحابة عن أفضل الأعمال ، وذلك ليقينهم بأن الاعمال تتفاضل وتتفاوت درجاتها . والقرآن الكريم يقدم الرابطة الدينية على كل الروابط الأخرى ، ويجعل حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فوق كل العواطف والولاءات والعلاقات الأخرى ، التي يحرص عليها الناس في العادة ، فتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأبى الله بأمره ، العربية : ٠٢١
ومن هنا تكون السياسة الشرعية الموفقة هي التي تقدم الأهم علي المهم ، والمهم على غير المهم ، فتقدم الأصول على الفروع ، الهامشيات . ولا غرو أن تقدم العقائد على الأعمال ، لأن العقيدة هي أساس العمل ، وإيمان صحيح ، ولذا قال تعالى : هو مثل الذين كفروا بربهم ، اعْمَالُهُمْ كَرَمَادِ اشْتَدَّتْ به الريح في يوم عاصف، وقال تعالى : ( والذين كفروا اعمال گستراب بقيعة يُحْسَبُهُ الطمانُ مَاءً حتى إذا جاءَه لم يجدة النور : ١٣٩ ٠
الفرقان : ٢٣) ٠
وبكمالاته التي لا تتناهى ، ويجزاكه في الآخرة على ما قدمه الإنسان في الدنيا ، من خير أو شر ، وحمايتها ، ورد الشبهات عنها ، وتهيئة المناخ الصحي لنموها وترعرعها وإبدائها أكلها كل حين بإذن
ربها . الجانب المعرفي قبل الجانب العملي :
فالفكر يسبق المادة ، خلافا لمقولة
والعلم يشعر الإيمان ويسبقه ، كما يقول تعالى : ( وليعلم الدين أوتُوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به ، فالإيمان عندنا - تحن المسلمين - لا ينافي العقل ، بل الدين عندنا علم، والعلم عندنا دين . لم يقل عندنا كما قيل في اديان أخرى : اعتقد وأنت أعمى ! أو أغمض عينيك ثم اتبعنى ابل نادى القرآن المخالفين من أصحاب العقائد والدعاوى الدينية المختلفة : هو قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُم إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )
البقرة : ١١٦ ، العمل : ١٤ -
وقال علماؤنا : العقل أساس النقل، لأن النبوة إنما ثبتت بأدلة العقل ، وكذلك قال المحققون من علمائنا : إن إيمان المقلد مشكوك فيه ، ولا يقبل ما لم يعتمد على نوع من الدليل وإن كان إجماليا ، وربك فكبر، وَثِيَابكَ فطهر، والرجز فاهجره ولا تمتن تستكثره وكريك فاصبر ١٤ الدار ١١-٠١٢
وتقديم ( الاجتهاد ) على (التقليد ) . من إقامة الصلاة، وصوم رمضان، والحضري والبدوى، أو استخف بحرمتها واستهزأ بها ، كان عمر بن عبد العزيز يبعث إلى ولاته يقول لهم : إن أهم أموركم
فمن ضيعها كان لما سواها أشد تضييعاً ! . الأحكام القطعية :
وحل البيع وحرمة الربا في الأموال ، ووجوب الحدود الشرعية من القطع والجلد وغيرها على من ارتكب جرائمها بشرائطها ، مركية للأنفس، من شأنها أن تسمو بالإنسان، وتميزه عن الحيوان ، وهي الغاية أو الثمرة من وراء إقامة العبادات التي أمر الله تعالى بها، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، رعاية المصالح برتبها الثلاث :
لابد للسياسة الشرعية المنشودة : أن تعرف مراتبها ، وتفاوتها فيما بينها ، فتقدم المصالح الضرورية على المصالح الحاجية وتقدم الحاجية على
التحسينية . إذ الدين هو غاية الكون ، وروح الحياة ، وجوهر الوجود ، وسر الإنسان
ناهيك ببذل ماله وما يملك نصرة للدين، والنفاق والمنافقين . أعنى : الحياة ، التي أعلى الدين من شأنها ، ومن أحياها فكانما أحيا الناس جميعًا ) ( الله : ١٣٠ ٠ وقد صان الإسلام حق الحياة ، حتى
للجنين في بطن أمه ، والاعتداء على النفس أخف من الاعتداء على الأطراف والأعضاء . ومن ثم كانت مسؤولية الدولة المسلمة مسؤولية جسيمة عن حماية حياة الناس وأرواحهم ، ولا عجب ان اشتدت شريعة الإسلام في إيجاب القصاص من هؤلاء ، حتى يكونوا عبرة لغيرهم كتب عليكم القصاص في القتلى ) ( البقرة : ١٣٠ لي ولكم في القصاص
بل شرع الإسلام أشد العقوبات للجماعات المسلحة التي ترهب الناس في الطرقات وتسفك دماءهم، فاعتبرهم محاربين الله ورسوله ، ساعين في الأرض فسادا ، ذلك لهم حرى فى الدنيا ولهم . ويلحق بحماية الحياة : حماية صحة الناس وأبدانهم ، حتى لا تسحقهم الأمراض ، وحتى يمكنهم أن يؤدوا أعباءهم الدينية والدنيوية ، والوقاية خير من
العلاج . ثم يأتي بعد ذلك المحافظة على العقل ، وأول درجات المحافظة عليه: أن تغذیه بالمعارف الموثقة ، وخصوصا في فترة الطفولة والصبا والمراهقة . والعقل في الإسلام هو مناط التكليف ، وكل
فهو جريمة كبيرة تستحق العقوبة . أو تحضير الأرواح أو الاتصال بالجن ، وكلها جنايات على العقل الإنسانى يجب ان تحارب ، وأن يزجر مقترفوها بالعقاب
المرادع . وفواحش الجرائم، وترفض اتباع الفن والهوى، والجهل منكرا . وأوجب على الآباء والأمهات رعاية الاولاد ، وأمر المجتمع برعاية ( الينامي )
الذين مات آباؤهم ، كما نبه على ذلك الشيخ رشيد رضا . وفي كتب الفقه الإسلامي : باب خاص للقيط وأحكامه . ولهذا عرفت في الفقه أحكام ( المولود ( وأحكام ( الرضاع ( وكذلك ( النفقات ) وخصوصا إذا حدث
الفصال بين الأبوين . حفظ المال :
وبعد ذلك تأتي المحافظة على ( المال ) فهو عصب الحياة ، كما قال القرآن عن الأموال و التي جعل الله لكم قياما ) ( النساء ) أي هي قوام العيش . وكذلك تنميته بما يحل لا بما يحرم ، وتبين ما يجب فيه من حقوق وتكاليف ، ونظمت أحكام الشرع ما يتعلق بالعمليات الاقتصادية : الإنتاج
والاستهلاك والتداول والتوزيع . وفي كل من هذه أولويات يجب أن تراعي ، والناس في حاجة إلى القوت اليومي
الضروري . ولا يجوز أن تقيم صناعات للزينة وادوات ( المكياج ) ونحوها ، ونحن عالة على غيرنا في السلاح والتصنيع الثقيل عامة . ولا يجوز في التوزيع أن تستأثر الفئات القوية بخلاصة الدخل القومي ، وتأخذ الفئات الضعيفة الفئات، فقد خص القرآن في توزيع الفيء البنامي
وعلل ذلك بقوله : و كي لا يكون دولة بَيْنَ الاغنياء
فرائض العين وفرائض الكفاية :
ومن المعلوم : أن الفرائض تنقسم إلى فرائض عينية ، تجب على كل أحد بشروطها ، وإلى فرائض كفائية ، تجب على مجموع المجتمع أو الأمة ، قال : و ارجع ففيهما فجاهد . فقال له آخر : و جئت أبايعك على الجهاد، وتركت ابوي يبكيان ؛ قال :
و ارجع فاضحكهما ، .
وبر الوالدين فرض عين ، فلا ينبغي أن نضحى بفرض العين من أجل فرض كفاية . بخلاف ما إذا دهم العدو بلداً ، ففرض عين على أهله أن يقاوموه ويجاهدوا لطرده وإخراجه، والجهاد فرض عين ، وفروض الكفاية المتعلقة بحق الأمة تتفاوت فيما بينها من حيث أهميتها و ضروريتها ، فلابد أن توضع في دائرة الأولويات قبل
غيرها . فهذا من فروض الكفاية التي إذا قدمت أو ضعفت، وأصبحت فريسة لأعدائها ، ولم تستطع الدفاع عن نفسها وحرماتها . وقد قال علماؤنا : فرض الكفاية الذي لم يقم به عدد يكفي من الناس ، أو
وهذا ما جعل الإمام الغزالي يعيب على أهل زمانه : أنه يوجد في البلدة الواحدة خمسون واحدا ، يشتغلون بالفقه، إنما يعتمد الناس على أطباء من أهل الذمة. التوافل بعد الفرائض :
وبعد الفرائض ، تأتى النوافل ، ولا يجوز في ميزان الشرع تقديم النوافل على الفرائض، كما نرى في حياة الأفراد من يحج الناقلة ، أو يعتمر تطوعا ، وقضاء الدين فريضة مؤكدة ، حتى جاء في الصحيح : يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ) رواه مسلم . ولا يجوز للدولة في ميدان السياسة الشرعية : أن ترتكب ما يرتكبه هؤلاء الأفراد ، ومن الكلمات الماثورة لسلفنا : من شغله الفرض عن النقل فهو معذور ، ومن شغله النقل عن الغرض فهو مغرور . الأولويات في جانب المنهيات :
لا يجوز للدولة المسلمة أن تنشئ مصانع لعمل الزينة والمكياج ، في حين تغفل إنشاء مصانع إنتاج السلاح. لا يجوز لها أن تستوره الكماليات والشعب محتاج إلى الضروريات ، لا يجوز لها أن تزرع فواكه المترقين ، والناس لا تحمد القمح والذرة . وإن كانت كلها يجب أن تكون في دائرة الممنوع . والتكذيب لرسله . ثم يعبد معه إلها أو آلهة أخرى، كما كان يفعل مشركو العرب . يليه الكفر بالرسل الذين بعثهم الله تعالى ليعلموا الخلق ، ويضعوا لهم موازين العدل، فمن الناس من آمنوا بالله
وكذبوا المرسلين . فكل ما يغير هويتها أو يمسخها ويسيء إليها - كما يفعل التغريب والغزو الفكري في عصرنا - فالواجب مقاومته والوقوف في سبيله . ومن ذلك : كل ما ينشر عقائد ومفاهيم وتقاليد الجاهلية الأولى ، يجب مطاردته، حتى تظل الأمة. مسلمة ، والجماعة المؤمنين هو ومن يقول الله ورسوله . والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون 1 الاعدة :٠١٠٩
الكبائر بعد الكفر :
تأني محاربة الكبائر والموبقات ، والموبقات هي المهلكات فهي تهلك الفرد والجماعة ، تهلكهم ماديا وتهلكهم معنويا . وهذه الكبائر والموبقات : خطر علي الضروريات الخمس أو الست كلها . فالشرك - ومثله الردة - : خطر على الدين والعقيدة ، وكذلك السحر . والقتل : خطر على النفس والحياة ، ومنه : الانتحار . وشر منه : الشذوذ الجنسى . وأكل الربا وأكل مال اليتيم : خطر على المال . وقذف المحصنات الغافلات : خطر على العرض . وعقوق الوالدين: خطر على كيان الأسرة . والتولى يوم الزحف : خطر على الأمة كلها . الحياة الفرد أو الأسرة
أو الجماعة . فإن ترتيب الصغائر بعد الكبائر . فلا ينبغي أن تركز كل همنا أو أكبر همنا في محاربة الصغائر ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان
إلى رمضان : مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر (1) . التي لا يسلم منها بشر ، واقحمهم ، وقال لهم : لو علم أحد من أهل المدينة بقدومكم لوعظت بكم ، ولا يعنى هذا أن تترك صغائر المحرمات تستشري في المجتمعات ، كما أن الكبائر تجر إلى الكفر ، فإن هذه الكبيرة لا تتحقق إلا بجملة من الصغائر قبلها ، التي تؤدى فى النهاية إلى وقوع الكبيرة
الفاحشة
وهذا ما قاله الشاعر قديما :
فلام فكلام ، فلقاء : فالحزم إذن هو : مقاومة صغائر المحرمات ، حتى لا تجر إلى كبائرها كما قيل : إن الألف أمر إلى الياء . ولكن لا يسوع أن نذيب الفوارق بين الرئيتين ، الكبائر، فهذا خلط عظيم وضلال بين . الشبهات بعد الصغائر : وبعد الصغائر تأتى الشبهات وهى مرتبة بين الحلال البين ، وينبغي للمؤمن الحريص على دينه : أن يتقى الشبهات ، وتعاملها كما تعامل المحرمات المقطوع بها ، لظروف معيشته ، أو لقربه من الكفار ، أو لحدوث عهده
بالإسلام ، في حين لم تفرغ من الأمور المتفق عليها ، وذلك مثل أمور الغناء والموسيقى والتصوير والنقاب ، وإطالة اللحى ، وتقصير الثياب ، وسيظلون يختلفون ، فهذه الأشياء ليست لها الأولوية ، وهذا ما يجب أن يفهمه الدعاة المتحمسون ، من أجل هذه الأمور الخلافية، مثل شعب البوسنة والهرسك وألبانيا ، ومجاله واسع ، وينبغى باستمرار أن تقدم الجوهر على الشكل، والكيف على الكم ،


النص الأصلي

فقه الموازنات
ومن المرتكزات الأساسية للسياسة الشرعية : ما سميته من قبل : ( فقه الموازنات ) وقد تحدثت عنه في بعض كتبي ، وخصوصاً ( أولويات الحركة
الإسلامية ) .
وهو فقه تشتد حاجة الناس إليه في حياتهم ، ولاسيما في عصرنا الذي تختلط فيه الأمور بعضها ببعض، وتتشابك المصالح والمفاسد ، والخيرات والشرور ، بحيث يعسر أن نجد خيراً خالصاً ، أو شراً خالصاً ، بل يمتزج كل منهما بالآخر ، امتزاج الملح بالماء .
وأحوج أنواع الفقه إلى ( الموازنات ) هو : فقه السياسة الشرعية ، فكثيراً ما يجد ولى الأمر نفسه أمام أمرين أحلاهما مر ، وكثيراً ما تتعارض أمامه المصالح بعضها مع بعض ، أو المفاسد بعضها مع بعض ، أو المصالح والمفاسد بعضها مع بعض ، فماذا يفعل أمام هذا التعارض ؟ وماذا يقدم ؟ وماذا يؤخر ؟ وعلى أي أساس يقوم التقديم والترجيح ؟ هل يرجح بلا مرجح أو يرجح بمعيار غير متفق عليه أو بمعيار متفق عليه ؟ فما هو هذا المعيار ؟ .
إن علماء ( أصول الفقه ( بحثوا هذه القضية عند تعارض الأدلة بعضها مع بعض ، في باب سموه ) التعارض والترجيح ) أو ( التعادل
والترجيح ) (1) . وكذلك بحثه علماء السنة في علم ( أصول الحديث ) في تعارض


الأحاديث بعضها مع بعض ، حتى أوصل الحافظ السيوطي المرجحات في كتابه
) تدريب الراوى ) إلى أكثر من مائة مرجح ، وقال : ولم مرجحات أخرى لا
تنحصر ومدارها على غلبة الظن (۱) . وبعض هذه المرجحات مختلف فيه .
ولكننا هنا تعنى بالموازنات : ما هو أوسع من الأدلة والصق بالحياة وواقع
المجتمعات
ولا بأس أن نقتبس هنا بعض ما كتبناه في ( أولويات الحركة الإسلامية )
مسي أن يكون فيه تبصرة وذكرى .
أضواء على فقه الموازنات :
اما و فقه الموازنات ، فنعنی به جملة أمور :
( 1 ) الموازنة بين المصالح بعضها وبعض ، من حيث حجمها وسعتها ، ومن حيث عمقها وتأثيرها ، ومن حيث بقاؤها ودوامها ومن حيث تيقنها أو توهمها .. وأيها ينبغي أن يُقدم ويُعتبر ، وأيها ينبغى أن يُسقط ويُلقى. (ب) الموازنة بين المفاسد بعضها وبعض من تلك الحيثيات التي ذكرناها
في شأن المصالح ، وأيها يجب تقديمه ، وأيها يجب تأخيره أو إسقاطه. (جـ) الموازنة بين المصالح والمفاسد، إذا تعارضنا ، بحيث تعرف متى تقدم
دره المفسدة على جلب المصلحة ، ومتى تغتفر المفسدة من أجل المصلحة . إن المصالح إذا تعارضت قولت المصلحة الدنيا في سبيل المصلحة العليا ، وضحى بالمصلحة الخاصة من أجل المصلحة العامة ، ويعوض صاحب المصلحة الخاصة عما ضاع من مصالحه، أو ما نزل به من ضرر ، والغيت المصلحة الطارئة لتحصيل المصلحة الدائمة أو الطويلة المدى ، وأهملت المصلحة الشكلية لتحقيق المصلحة الجوهرية ، وغلبت المصلحة المتيقنة على المظنونة
أو الموهومة .


وفي صلح الحديبية رأينا النبي ، يُغلب المصالح الحقيقية والأساسية
والمستقبلية على بعض الاعتبارات التي يتمسك بها بعض الناس ، فقبل من الشروط ما قد يظن لأول وهلة أن فيه إجحافًا بالجماعة المسلمة ، أو رضا بالدون، ورضى أن تحذف البسملة المعهودة، ويُكتب بدلها ، باسمك اللهم ، وان يمحى وصف الرسالة من عقد الصلح ، ويكتفى باسم محمد بن عبد الله .. والأمثلة كثيرة ، والمجال ذو سعة .
وإذا تعارضت المفاسد والمضار ، ولم يكن بد من بعضها ، فمن المقرر أن يرتكب أخف المفسدتين ، وأهون الضررين .
هكذا قرر الفقهاء : ان الضرر يزال بقدر الإمكان ، وأن الضرر لا يزال بضرر مثله أو أكبر منه ، وأنه يتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى ، ويتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام .
ولهذا أمثلة وتطبيقات كثيرة ذكرتها كتب و القواعد الفقهية :
اود الأشباه والنظائر ، .
ونحن نقول هنا : إذا تعارضت المصالح والمفاسد ، أو المنافع والمضار ، فالمقرر أن ينظر إلى حجم كل من المصلحة والمفسدة، وأثرها ومداها . فتغتفر المفسدة اليسيرة لجلب المصلحة الكبيرة .
عملها .
وتغتفر المفسدة المؤقتة لجلب المصلحة الدائمة أو الطويلة المدى . وتقبل المفسدة وإن كبرت إذا كانت إزالتها تؤدى إلى ما هو أكبر منها .
وفي الحالات العادية : يُقدم درء المفسدة على جلب المصلحة . وليس المهم أن تُسلم بهذا الفقه نظريا .. بل المهم كل المهم أن نمارسه
فكثير من أسباب الخلاف بين العلماء والدعاة في عصرنا ، وكذلك بين
الفصائل العاملة للإسلام ، يرجع إلى هذه الموازنات .


هل يُقبل التحالف مع قوى غير إسلامية ؟ .
هل تقبل مصالحة أو مهادنة مع حكومات غير ملتزمة بالإسلام ؟ . هل تمكن المشاركة في حكم ليس إسلامياً خالصاً ؟ وفى ظل دستور فيه ثغرات أو مواد لا نرضى عنها تمام الرضا ؟ . - هل تمكن المشاركة في ظل دستور علماني خالص كما في تركيا ؟ . هل تدخل في جبهة معارضة مكونة من بعض الأحزاب - ومنها أحزاب
علمانية - لإسقاط نظام طاغوتی قاجر ؟ .
هل تقيم مؤسسات اقتصادية إسلامية مع سيطرة الاقتصاد الوضعى
الربوي ؟؟ . - هل تجيز للعناصر المسلمة المتدينة أن تعمل في البنوك والمؤسسات الربوية والإعلامية وغيرها أو ندعها للمتحللين والمتغربين وأمثالهم ، ونفرغها من كل عنصر مسلم ملتزم ؟ .
. أدلة من القرآن على فقه الموازنات :
والمتدبر القرآن الكريم مكيه ، ومدنيه ، يجد فيه أدلة كثيرة علي فقه
الموازنات والترجيح. الحد في الموازنة بين المصالح قوله تعالى على لسان هارون لاخيه موسي عليهما السلام : و يبتوم لا تأخذ بلحيتى وَلَا بِرَأْسِي ، إِنِّى خَشِيتُ أَنْ تَقُولُ فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) ( عه : ١٩٠. فقدم وحدة الجماعة على أن اعتبار آخر ، بصفة مؤقتة ، حتى يعود موسى
ويتفاهما على كيفية علاج المشكلة .
وفي الموازنة بين المفاسد والأضرار نجد قوله تعالى على لسان الخضر في تعليل خرق السفينة : ( أما السفينة فكانت المساكين يَعْمَلُونَ في البَحْرِ فاردت أن أعيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مُلِكَ يَاحُدُ كُل سَفِينَةٍ غصبا ) ( الكهف :٤٧٩ .
فلان تبقى السفينة لأصحابها وبها خرق أهون من أن تضيع كلها ، فحفظ البعض أولى من تضييع الكل .
20


ومن أبلغ ما جاء في الموازنات قوله تعالى : و يسألُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قتال فيه ، قُلْ قتال فيه كبيرٌ ، وَصَدَّ عَنْ سَبيل الله وكفر به والمسجد الحرام
وإخراج أهله منه اكبر عند الله ، والعنة اكبر من القتل ) ( البقرة : ٠٤٢١٧ فقد أقربان القتال في الشهر الحرام كبير، ولكن المقاومة ما هو أكبر منه . وفي الموازنة بين المصالح المعنوية والمادية، نقرأ قوله تعالى عتابا للمسلمين عقب غزوة بدر : و ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يُلحن في الأرض ،
تريدون عرض الدُّنْيَا وَاللهُ يُريدُ الآخرة ، واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) : الانفال (٤١٧ ٠ وفي الموازنة بين المصالح والمفاسد نقرأ قوله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع لِلنَّاسِ وَالمُهُمَا اكبر من نفعهما لم
( البقرة : ٠٢١٩
وفي الموازنة بين الجماعات والقوى غير المسلمة بعضها وبعض ، نقرأ أوائل
سورة الروم ، وفيها انتصار للروم على الفرس، وكلا الفريقين غير مسلم ، ولكن لان الروم نصاري أهل كتاب ، فهم أقرب إلى المسلمين من المجوس عباد النار ، ولهذا حزن المسلمون لانتصار الفرس ، وفرح المشركون ، ونزل القرآن ببشر المؤمنين بانتصار قريب للروم - يقول تعالى : و قلبت الروم . في أدنى الأرض ، وهم من بعد غلبهم سيغلبون .. سنين ، الله الأمرُ مِن قَبْلُ وَمِن بعد ، ويوميد يفرح المؤمنون . يَشَاءُ ، وهو العزيز الرحيم ) (الروم : ٢-٠ ) .
صعوبة الممارسة في الحياة العملية :
من
إن تقرير المبدأ سهل، ولكن ممارسته صعب ، لان فقه الموازنات يصعب على العوام وأمثالهم من القادرين على التشويش لأدنى سبب .
لقد لقى العلامة المودودي وجماعته الإسلامية عنا كثيراً حينما رأى - في ضوء فقه الموازنات - أن انتخاب ( فاطمة جناح ، أقل ضرراً من انتخاب و أدب
خان ) .
فشلت الغارة عليهم بحديث : و لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة :
2


وهل يفلح قوم ولوا أمرهم طاغية متجبراً ؟؟ لن يفلحوا . والفقه هنا ينظر : أى الشرين أهون ، أو أى المفسدتين أخف ، فيرتكب الأدنى في سبيل دفع الاعلى .
والدكتور حسن الترابي وإخوانه في السودان لقوا هجوماً من بعض الإسلاميين لقرارهم دخول الاتحاد الاشتراكي في عهد النميري ، وقبولهم بعض المناصب الرسمية في عهده ، حتى قبل إعلانه تطبيق أحكام الشريعة
الإسلامية .
وحزب الرفاء في تركيا ورئيسه الدكتور نجم الدين أربكان : انكر عليهم بعض المتشددين من الإسلاميين لقبولهم المشاركة في حكومة يحكمها دستور علمانی ... وانا لا انتصر هذا الموقف هؤلاء ولا أولئك ، ولكنى انتصر للمبدا : مبدأ
) فقه الموازنات ) الذي على أساسه يقوم بنيان ( السياسة الشرعية ) . وفي مواقف الرسول الكريم الله ومواقف أصحابه وخلفائه الراشدين رضى الله عنهم ، وفي أدلة الشرع الفسيح ، ما يؤيد هذا كله ، من جواز الاشتراك في حكم غير إسلامي (۱) ، وجواز التحالف مع قوى غير إسلامية .
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية :
وتشيخ الإسلام ابن تيمية كلام قوي في جواز تولى بعض الولايات في دولة ظالمة ، إذا كان المتولى سيعمل على تخفيف بعض الظلم ، أو تقليل حجم الشر
والفساد . وله في موطن آخر فصل جامع في تعارض الحسنات أو السيئات ، أو هما جميعاً ، ولم يمكن التفريق بينهما ، بل الممكن إما فعلهما جميعاً وإما تركهما جميعاً ، يمكن الرجوع إليهما في ختام كتابنا ( أولويات الحركة الإسلامية ) .


المرتكز الرابع
فقه الأولويات
ورابع المرتكزات في فقه السياسة الشرعية المنشودة ، هو : فقه الأولويات . وهو مرتبط بفقه الموازنات، فكثيرا ما تؤدى الموازنات إلى أولويات .
وتعنى بفقه الأولويات : أن تعطى كل عمل قيمته أو ( سعره ) في ميزان الشرع ، لا تبخسه ولا نشتط في تقويمه، وبهذا تقدم ما حقه أن يقدم ، وتؤخر ما حقه أن يؤخر ، فإن من أكبر ما أخذ على المسلمين في عصور التخلف والانحطاط : أنهم كبروا الأمور الصغيرة ، وصفروا الأمور الكبيرة ، ، وعظموا الشيء الهين ، وهونوا الشيء العظيم.
ولا ريب أن هذا خلل منكر ، يترتب عليه تضييع أمور ذات بال في حياة الأمة ، على حين تأخذ أمور أخرى تافهة أكثر من حجمها .
والواجب على الأمة : المحافظة على ( النسب ) التي جعلها الشرع بين التكاليف والأعمال بعضها وبعض، حتى يبقى كل عمل في مرتبته الشرعية ، لا ينزل عنها ، ولا يعلو عليها .
ولهذا كنت سميت هذا الفقه في بعض كتبى ( فقه مراتب الأعمال ) ثم رأيت العنوان الأنسب له ( فقه الأولويات ) وهو الذي شاع بعد ذلك على الألسنة والاقلام .
وربما استغرب بعض الاخوة هذا العنوان ، حتى قال بعضهم يوما : كل أحكام الشرع أولويات ، وليس بعضها بأولي من بعض .
قلت له : هذا صحيح من ناحية احترامها وقبولها ، فلا يجوز أن تقبل بعضا ونرد بعضا آخر ، أو تأخذ منها ما تهواه وما يحلو لنا ، وندع ما لا تهواه .


أما الأحكام نفسها فهي متفاوتة، فالفرض غير المندوب ، والحرام غير المكروه ، والاعمال التي تقع عليها الاحكام متفاوتة في مرتبتها ، وليست
سواء .
وهذا ما نص عليه القرآن بعبارة صريحة حين قال : واجْعَلْتُم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كَمَن آمن بالله واليوم الآخر وَجَاهَدَ في سبيل الله ، لا يسترون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين ، الذينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا في سبيل الله بأموالهم وانقسم درجة عند الله ، وأوليك هم الفائزون )
وما نصت عليه الأحاديث الصحيحة ، مثل قوله الله :: الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة ، أعلاها : لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى من الطريق، والحياء شعبة من الإيمان، متفق عليه.
فجعل من هذه الشعب أعلى وأدنى ، وبين الأعلى والأدنى وسط ، فلا يجوز أن تقلب الوضع، وتجعل الأعلى أدنى ، والأدنى أعلى . ولا غرو أن وجدنا في السنة اسئلة كثيرة للصحابة عن أفضل الأعمال ، وذلك ليقينهم بأن الاعمال تتفاضل وتتفاوت درجاتها .
تقديم الرابطة الدينية على غيرها :
والقرآن الكريم يقدم الرابطة الدينية على كل الروابط الأخرى ، ويجعل حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فوق كل العواطف والولاءات والعلاقات الأخرى ، التي يحرص عليها الناس في العادة ، يقول تعالى : هو كل إن كان آبَاؤُكُمْ وَابْنَاؤُكُم وإخوانكم وازواحكم وعشيرتكُم وَأَمْوَالُ افترقتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهاد في بیله ، فتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأبى الله بأمره ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِى القَوْمُ الْفَاسِقِينَ )
فهذه أولوية يجب أن تراعي .
تقديم الأصول على الفروع :
( العربية : ٠٢١
ومن هنا تكون السياسة الشرعية الموفقة هي التي تقدم الأهم علي المهم ، والمهم على غير المهم ، وتراعي ( التسعير الشرعى ( للأعمال ، فتقدم الأغلى


والأعلى في ميزان الشرع . فتقدم الأصول على الفروع ، والاساسيات على
الهامشيات . العقيدة أولا :
ولا غرو أن تقدم العقائد على الأعمال ، لأن العقيدة هي أساس العمل ، ولا يقبل عند الله عمل لم يؤسس على عقيدة سليمة ، وإيمان صحيح ، ولذا قال تعالى : هو مثل الذين كفروا بربهم ، اعْمَالُهُمْ كَرَمَادِ اشْتَدَّتْ به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كس
وقال تعالى : ( والذين كفروا اعمال گستراب بقيعة يُحْسَبُهُ الطمانُ مَاءً حتى إذا جاءَه لم يجدة النور : ١٣٩ ٠
وقال سبحانه : ( وقدمنا إلى ما عملوا مِنْ عَمَلِ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً منثوراً )
( الفرقان : ٢٣) ٠
ومن أجل هذا تعمل السياسة الشرعية ... أول ما تعمل على غرس الإيمان الصحيح بالله تعالي ، وبكمالاته التي لا تتناهى ، ويجزاكه في الآخرة على ما قدمه الإنسان في الدنيا ، من خير أو شر ، والإيمان برسالاته ، وما أنزل من كتب ومن بعث من رسل ، لهداية خلقه و رُسُلاً مبشرين ومندرين إفلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) (النساء : ٠٤١٦٠
كما تعمل على تثبيت هذه العقيدة، وحمايتها ، ورد الشبهات عنها ، وتهيئة المناخ الصحي لنموها وترعرعها وإبدائها أكلها كل حين بإذن
ربها .
الجانب المعرفي قبل الجانب العملي :
ومعنى هذا : أن ( الجانب المعرفى ( الذى يبني الإيمان علي النظر في آيات الله في الانفس وفي الآفاق، ويستفيد من مقررات العلوم الطبيعية والرياضية ، الإنشاء الإيمان الراسخ: له أولوية على غيره . فالفكر يسبق المادة ، خلافا لمقولة
الماركسيين .
والعلم يشعر الإيمان ويسبقه ، كما يقول تعالى : ( وليعلم الدين أوتُوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به ، فتخبت له قلوبهم ) ( الفج : 1) فالعلم يترتب عليه الإيمان، والإيمان يترتب عليه الإخبات .


فالإيمان عندنا - تحن المسلمين - لا ينافي العقل ، والدين عندنا لا يعارض العلم ، بل الدين عندنا علم، والعلم عندنا دين .
لم يقل عندنا كما قيل في اديان أخرى : اعتقد وأنت أعمى ! أو أغمض عينيك ثم اتبعنى ابل نادى القرآن المخالفين من أصحاب العقائد والدعاوى الدينية المختلفة : هو قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُم إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )
البقرة : ١١٦ ، العمل : ١٤ -
وقال علماؤنا : العقل أساس النقل، لأن النبوة إنما ثبتت بأدلة العقل ، فلو زال العقل لا تهدمت النبوة ، ولم يبق عندنا نقل أو وحى تعتمد عليه . وكذلك قال المحققون من علمائنا : إن إيمان المقلد مشكوك فيه ، ولا يقبل ما لم يعتمد على نوع من الدليل وإن كان إجماليا ، وغير مرتب ترتيبا علمها ، بل يعبر عنه بأى عبارة ممكنة .
ولذلك وجدنا أول ما نزل من الوحي الإلهي في القرآن : هو المرأ باسم ربك الذي خلق ) ( العلق : ( ) والقراءة باب العلم ، ثم نزل بعد ذلك العمل في قوله تعالى : ( يَا أَيُّها المدثره ثم فالدر. وربك فكبر، وَثِيَابكَ فطهر، والرجز فاهجره ولا تمتن تستكثره وكريك فاصبر ١٤ الدار ١١-٠١٢
ولهذا ذكرنا في كتابنا ( فقه الأولويات ) تقديم ( العلم) على (العمل) . وتقديم ( الفهم ) على ( الحفظ ) ، وتقديم ( الاجتهاد ) على (التقليد ) . فهذه أولويات يجب أن تراعي في التخطيط ، وفي التنفيذ .
الفرائض الركنية :
وبعد غرس العقيدة وتثبيتها ، تأتي الفرائض الدينية الركنية ، من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان، وحج البيت ، وهي الدعائم العملية التي بني عليها الإسلام، وحث عليها القرآن والسنة ، وأجمعت على فرضيتها وركنيتها كل طوائف الأمة ، وغدت من ( المعلوم من الدين بالضرورة ) يعرفها الخاص والعام، والحضري والبدوى، والقاري، والأمي ، فمن أنكر واحدة منها ،


أو استخف بحرمتها واستهزأ بها ، فقد مرق من الإسلام ، كما يمرق السهم من
الرمية .
كان عمر بن عبد العزيز يبعث إلى ولاته يقول لهم : إن أهم أموركم
عندي الصلاة، فمن ضيعها كان لما سواها أشد تضييعاً ! .
الأحكام القطعية :
وبعد ذلك تأتي ( الأحكام القطعية ) التى انعقد عليها إجماع الأمة : في الزواج والطلاق والمواريث وأحكام الأسرة ، وحل البيع وحرمة الربا في الأموال ، ووجوب القصاص أو الدية والكفارة في الدماء، ووجوب الحدود الشرعية من القطع والجلد وغيرها على من ارتكب جرائمها بشرائطها ، وثبت عليه بضوابطها ، إلى غير ذلك من الأحكام المالية والإدارية والدستورية والجنائية والدولية .
القيم الأخلاقية :
ولا ننسى هنا : ما جاء به الإسلام من فضائل وقيم أخلاقية ، ملائمة للفطر ، مركية للأنفس، من شأنها أن تسمو بالإنسان، وتميزه عن الحيوان ، الذى لا يعرف إلا نداء الغريزة، وهي الغاية أو الثمرة من وراء إقامة العبادات التي أمر الله تعالى بها، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والزكاة تظهرهم وتزكيهم بها ، والصيام لعلهم يتقون، ولهذا أثنى الله تعالى على رسوله الكريم فقال : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) (سورة ان (1) وقال رسوله : و إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ... رعاية المصالح برتبها الثلاث :
:
وفي ( المصالح ) التي جاءت شريعة الإسلام لإقامتها وتوطيدها والمحافظة عليها ، لابد للسياسة الشرعية المنشودة : أن تعرف مراتبها ، وتفاوتها فيما بينها ، فتقدم المصالح الضرورية على المصالح الحاجية وتقدم الحاجية على
التحسينية .


حفظ الدين قبل حفظ النفس :
وحتى المصالح الضرورية هي متفاوتة فيما بينها ، فتقدم المصلحة المتعلقة يحفظ الدين على المصلحة المتعلقة بحفظ النفس ، إذ الدين هو غاية الكون ،
وروح الحياة ، وجوهر الوجود ، وسر الإنسان
وصاحب الدين يقدم نفسه فداء لدينه ، وقد يضحي بوطنه من أجل دينه، ناهيك ببذل ماله وما يملك نصرة للدين، ولذا الحد من أول أهداف السياسة الشرعية : إشاعة الإيمان ومقاومة الردة والمرتدين ، والنفاق والمنافقين .
حفظ النفس :
ثم يأتي بعد ذلك : ما يتعلق بحفظ النفس، أعنى : الحياة ، التي أعلى الدين من شأنها ، وحرم أشد التحريم العدوان عليها ، وقرر من قديم : هو انه من
قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ، ومن أحياها فكانما أحيا الناس جميعًا ) ( الله : ١٣٠ ٠ وقد صان الإسلام حق الحياة ، حتى
للجنين في بطن أمه ، ولو جاء من طريق الحرام، كما في قصة الغامدية المشهورة. والاعتداء على النفس أخف من الاعتداء على الأطراف والأعضاء .
ومن ثم كانت مسؤولية الدولة المسلمة مسؤولية جسيمة عن حماية حياة الناس وأرواحهم ، حتى لا يعتدى عليها المعندون ، ولا عجب ان اشتدت شريعة الإسلام في إيجاب القصاص من هؤلاء ، حتى يكونوا عبرة لغيرهم كتب عليكم القصاص في القتلى ) ( البقرة : ١٣٠ لي ولكم في القصاص
بل شرع الإسلام أشد العقوبات للجماعات المسلحة التي ترهب الناس في الطرقات وتسفك دماءهم، وتأخذ أموالهم ، فاعتبرهم محاربين الله ورسوله ، ساعين في الأرض فسادا ، فقال عز وجل : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ ورسوله ويسعون في الأَرْضِ فَسَاءًا أن يُقتلوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقطعَ أَيْدِيهِمْ وارجلهم من خلاف او ينفوا من الأرض ، ذلك لهم حرى فى الدنيا ولهم . الآخرة عذاب عظيم . إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا ان


ويلحق بحماية الحياة : حماية صحة الناس وأبدانهم ، حتى لا تسحقهم الأمراض ، وحتى يمكنهم أن يؤدوا أعباءهم الدينية والدنيوية ، والوقاية خير من
العلاج .
المحافظة على العقل :
ثم يأتي بعد ذلك المحافظة على العقل ، وأول درجات المحافظة عليه: أن تغذیه بالمعارف الموثقة ، وتبعد عنه الأباطيل المضللة ، وأن تكون أمناء في توعيته وتثقيفه ، وخصوصا في فترة الطفولة والصبا والمراهقة . كما جاء في الحديث : كل مولود بولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو محسانه ، متفق عليه ..
إن الإنسان إنما يتميز بعقله، والعقل في الإسلام هو مناط التكليف ، وكل
ما يغيب العقل من مسكر أو مخدر ، فهو جريمة كبيرة تستحق العقوبة . وهناك مخدرات عقلية أخرى تغيب وفى الناس بحقيقة الكون والحياة والإنسان ، يقوم بها أناس يروجون الباطل تحت عناوين مختلفة من الكهانة أو العرافة أو السحر ، أو تحضير الأرواح أو الاتصال بالجن ، أو نحوها ، وكلها جنايات على العقل الإنسانى يجب ان تحارب ، وأن يزجر مقترفوها بالعقاب
المرادع . وكل عمل يغيب العقل بالثقافة المسمومة - باسم الدين أو الدنيا يعد من كبائر الإثم ، وفواحش الجرائم، لهذا كان من أعظم ما جاء به الإسلام ، وحث عليه القرآن : تكوين العقلية العلمية ، التي تؤمن بالنظر والتفكر ، وتتبنى الحق والبرهان ، وترفض اتباع الفن والهوى، والتقليد الأعمى للآباء أو الكبراء ، وتعتبر طلب العلم فريضة ، والجهل منكرا .
حفظ النسل :
وبعد ذلك تأتي المحافظة على ( النسل ( أى على الأجيال الناشئة ، حتى يستمر بقاء هذا النوع، ولهذا شرع الله الزواج تحقيقا لهذا الهدف وغيره ، وأوجب على الآباء والأمهات رعاية الاولاد ، وأمر المجتمع برعاية ( الينامي )


الذين مات آباؤهم ، حتى لا ينساهم المجتمع أو يغفل عنهم ، حين ينشغل كل
امری، بنفسه وباولاده . بل أوجب الإسلام أن يعنى بـ ( اللقيط ) ولعله يدخل في معنى ( ابن السبيل ( الذى أكد القرآن العناية به، كما نبه على ذلك الشيخ رشيد رضا . وفي كتب الفقه الإسلامي : باب خاص للقيط وأحكامه .
إن عناية الإسلام بالطفولة عناية بالغة، ولهذا عرفت في الفقه أحكام ( المولود ( وأحكام ( الرضاع ( وكذلك ( النفقات ) وخصوصا إذا حدث
الفصال بين الأبوين .
حفظ المال :
وبعد ذلك تأتي المحافظة على ( المال ) فهو عصب الحياة ، كما قال القرآن عن الأموال و التي جعل الله لكم قياما ) ( النساء ) أي هي قوام العيش . وقد جاءت أحكام الشرع تنظم اكتساب المال وتملكه من طرقه المشروعة ، وكذلك تنميته بما يحل لا بما يحرم ، وتبين ما يجب فيه من حقوق وتكاليف ،
وهو ما يميز الملكية في الإسلام عن الملكية في النظام الرأسمالي . ونظمت أحكام الشرع ما يتعلق بالعمليات الاقتصادية : الإنتاج
والاستهلاك والتداول والتوزيع . وفي كل من هذه أولويات يجب أن تراعي ، فلا يقبل أن تنتج فواكه معينة لا يستخدمها إلا الاثرياء والمترقون، والناس في حاجة إلى القوت اليومي
الضروري . ولا يجوز أن تقيم صناعات للزينة وادوات ( المكياج ) ونحوها ، ونحن عالة على غيرنا في السلاح والتصنيع الثقيل عامة .
ولا يجوز في التوزيع أن تستأثر الفئات القوية بخلاصة الدخل القومي ، وتأخذ الفئات الضعيفة الفئات، فقد خص القرآن في توزيع الفيء البنامي
والمساكين وابن السبيل ، وعلل ذلك بقوله : و كي لا يكون دولة بَيْنَ الاغنياء


فرائض العين وفرائض الكفاية :
ومن المعلوم : أن الفرائض تنقسم إلى فرائض عينية ، تجب على كل أحد بشروطها ، وإلى فرائض كفائية ، تجب على مجموع المجتمع أو الأمة ، بالتضامن فيما بينها، والفرائض العينية مقدمة على الكفائية من غير شك ، ولهذا حينما جاء رجل إلى النبي الله يريد الجهاد، ساله : ( الأحد أبويك حي ؟ ، قال : بل كلاهما ، قال : و ارجع ففيهما فجاهد ..
فقال له آخر : و جئت أبايعك على الجهاد، وتركت ابوي يبكيان ؛ قال :
و ارجع فاضحكهما ، كما ابكيتهما ، .
وما ذلك إلا لأن الجهاد كان فرض كفاية، وبر الوالدين فرض عين ، فلا ينبغي أن نضحى بفرض العين من أجل فرض كفاية .
بخلاف ما إذا دهم العدو بلداً ، ففرض عين على أهله أن يقاوموه ويجاهدوا لطرده وإخراجه، بكل ما استطاعوا ، ولو منع أحدهم أبوه أو أمه لم يطعهما، لأن برهما فرض عين ، والجهاد فرض عين ، وفرض العين المتعلق بحق الجماعة والأمة، مقدم على فرض العين المتعلق بحق الأفراد .
وفروض الكفاية المتعلقة بحق الأمة تتفاوت فيما بينها من حيث أهميتها و ضروريتها ، فبعض هذه الفروض تمس كيان الأمة، وقد يهدد عدمها أو ضعف أدائها مصير الأمة ، ويعرضها للخطر، فلابد أن توضع في دائرة الأولويات قبل
غيرها .
وذلك مثل تقدم الأمة في العلم والتكنولوجيا ، فهذا من فروض الكفاية التي إذا قدمت أو ضعفت، تعرضت الأمة للخطر، وأصبحت فريسة لأعدائها ، ولم تستطع الدفاع عن نفسها وحرماتها .
وقد قال علماؤنا : فرض الكفاية الذي لم يقم به عدد يكفي من الناس ، أو
لم يقم به احد قط : مقدم على فرض الكفاية الذي قام به جم غفير ، وربما أصبح فيه فائض منهم .


وهذا ما جعل الإمام الغزالي يعيب على أهل زمانه : أنه يوجد في البلدة الواحدة خمسون واحدا ، يشتغلون بالفقه، على حين لا يوجد طبيب مسلم واحد. إنما يعتمد الناس على أطباء من أهل الذمة. على أن هناك احكاما شرعية تتعلق بالطب يحسن أن يقوم بها المسلم .
التوافل بعد الفرائض :
وبعد الفرائض ، تأتى النوافل ، ولا يجوز في ميزان الشرع تقديم النوافل على الفرائض، كما نرى في حياة الأفراد من يحج الناقلة ، أو يعتمر تطوعا ، وهو مدين ولا يسارع بقضاء دينه، وقضاء الدين فريضة مؤكدة ، حتى جاء في الصحيح : يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ) رواه مسلم .
ولا يجوز للدولة في ميدان السياسة الشرعية : أن ترتكب ما يرتكبه هؤلاء الأفراد ، فتقدم نواقل الأمور على فرائضها ، فمن القواعد المقررة : أن الله لا يقبل الناقلة حتى تؤدى الفريضة .
ومن الكلمات الماثورة لسلفنا : من شغله الفرض عن النقل فهو معذور ،
ومن شغله النقل عن الغرض فهو مغرور . الأولويات في جانب المنهيات :
لا يجوز للدولة المسلمة أن تنشئ مصانع لعمل الزينة والمكياج ، في حين تغفل إنشاء مصانع إنتاج السلاح. لا يجوز لها أن تستوره الكماليات والشعب محتاج إلى الضروريات ، لا يجوز لها أن تزرع فواكه المترقين ، والناس لا تحمد القمح والذرة . ومثل ذلك : التفاوت في جانب المنهيات، إذ أجدها تتفاوت تفاوتا كبيرا ، والواجب تقديم مقاومة الأهم على اللهم منها ، وإن كانت كلها يجب أن تكون في دائرة الممنوع .
وأعظم المنهيات هو الكفر والشرك بالله تعالى ، والتكذيب لرسله . وأعظم الكفر هو : كفر الإتحاد والحمود بوجود الله عز وجل ، يليه الشرك بالله تعالى ، وهو أن يعترف بوجود الله تعالى ، ويخلقه السموات والأرض ، ثم يعبد معه إلها أو آلهة أخرى، كما كان يفعل مشركو العرب .


يليه الكفر بالرسل الذين بعثهم الله تعالى ليعلموا الخلق ، ويهدوهم إلى صراط الله المستقيم، ويضعوا لهم موازين العدل، فمن الناس من آمنوا بالله
وكذبوا المرسلين .
يليه الإيمان ببعض الرسل دون بعض ، أو الإيمان ببعض ما جاء به الرسول دون بعض ، كما قال الله لبنى إسرائيل التُؤْمِنُونَ ببعض الكتاب وتكفُرُونَ ببعض ) البقرة : ٤٨٠ . ويجب على الدولة المسلمة في سياستها الشرعية أن تكافح الكفر بكل انواعه، حفاظا على هوية الأمة ، وإبقاء على تميزها بالإيمان ، فكل ما يغير هويتها أو يمسخها ويسيء إليها - كما يفعل التغريب والغزو الفكري في عصرنا - فالواجب مقاومته والوقوف في سبيله ..
ومن ذلك : كل ما ينشر عقائد ومفاهيم وتقاليد الجاهلية الأولى ، أو الجاهلية الأخيرة، يجب مطاردته، وتظهير الأمة من آثاره ، حتى تظل الأمة. مسلمة ، ولاؤها لله تعالى ولرسوله . والجماعة المؤمنين هو ومن يقول الله ورسوله . والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون 1 الاعدة :٠١٠٩
الكبائر بعد الكفر :
وبعد محاربة الكفر والشرك وكل ما يخترق الهوية ، تأني محاربة الكبائر والموبقات ، كما سماها النبي (١) ، والموبقات هي المهلكات فهي تهلك الفرد والجماعة ، تهلكهم في الدنيا والآخرة ، تهلكهم ماديا وتهلكهم معنويا . وهذه الكبائر والموبقات : خطر علي الضروريات الخمس أو الست كلها . فالشرك - ومثله الردة - : خطر على الدين والعقيدة ، وكذلك السحر .
والقتل : خطر على النفس والحياة ، ومنه : الانتحار . و شرب الخمر : خطر على العقل ، ومثل الخمر : المخدرات. والزني : خطر على النسل ، وشر منه : الشذوذ الجنسى .


وأكل الربا وأكل مال اليتيم : خطر على المال . وقذف المحصنات الغافلات : خطر على العرض .
. وعقوق الوالدين: خطر على كيان الأسرة . والتولى يوم الزحف : خطر على الأمة كلها .
وهكذا كل الكبائر فيها تهديد مباشر أو غير مباشر، الحياة الفرد أو الأسرة
أو الجماعة . الصغائر بعد الكبائر :
وإذا كان ترتيب الكبائر بعد الشرك ، فإن ترتيب الصغائر بعد الكبائر . فلا ينبغي أن تركز كل همنا أو أكبر همنا في محاربة الصغائر ، والكبائر قائمة على قدم وساق .
ولا ينبغى كذلك أن تعطى الصغائر أكبر من حجمها ، وقد قال الحق تعالى : ( إن تجنبوا كبائر ما تُنهون عنه تكفر عنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ولد علكم
وقال رسوله :: الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان
إلى رمضان : مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر (1) . وقد زجر عمر رضي الله عنه جماعة من متشددي المتدينين المحافظين في مصر جاؤوا إلى المدينة يشكون واليهم عمرو بن العاص ، في أمور من الهنات والهفوات ، التي لا يسلم منها بشر ، وقد ناقشهم في ذلك مناقشة مفصلة ، واقحمهم ، وقال لهم : لو علم أحد من أهل المدينة بقدومكم لوعظت بكم ، اى تعاقبتكم وجعلت منكم عظة وعبرة .
ولا يعنى هذا أن تترك صغائر المحرمات تستشري في المجتمعات ، فإن
الصغائر تجر إلى الكبائر، كما أن الكبائر تجر إلى الكفر ، والعياذ بالله . فإذا كان الزني كبيرة ، فإن هذه الكبيرة لا تتحقق إلا بجملة من الصغائر قبلها ، من النظر بشهوة، والخضوع بالقول واللباس المتبرج ، والخلوة المحظورة ،


وغير ذلك من الإغراءات المختلفة، التي تؤدى فى النهاية إلى وقوع الكبيرة
الفاحشة
وهذا ما قاله الشاعر قديما :
كل الحوادث ميداها من النظر ومعظم الدار من مستصغر الشرر وما قاله شوقي حديثا :
نظرة ، فابتسامة ، فلام فكلام ، فموعد ، فلقاء : فالحزم إذن هو : مقاومة صغائر المحرمات ، حتى لا تجر إلى كبائرها كما قيل : إن الألف أمر إلى الياء . ولكن لا يسوع أن نذيب الفوارق بين الرئيتين ، وتجعل الصغائر في مرتبة
وصف
الكبائر، فهذا خلط عظيم وضلال بين . وينبغي أن تتسامح مع أهل الصغائر ما لا تتسامح مع أهل الكبائر ، فقد الله تعالى المحسنين من عباده بقوله : هو الدين يَجْتَنِبُونَ كَبائر الالم والفواحش إلا اللهم ، إِنَّ رَبَّكَ واسع المغفرة ) ( القسم : ٠٢٣٢ وفي سورة أخرى قال : والذين يحبون كبائر الالم والفواحش وإذا ما غضبوا هُم يَغْفِرُونَ ) ( الدوري : ٠٤٣٧
الشبهات بعد الصغائر : وبعد الصغائر تأتى الشبهات وهى مرتبة بين الحلال البين ، والحرام البين ،
لا يعلمهن كثير من الناس. وينبغي للمؤمن الحريص على دينه : أن يتقى الشبهات ، استبراء لدينه وعرضه ، وبعدا عن مظنة الحرام، والاقتراب من مراتعه ، فإن من رعى حول
الحمى يوشك أن يقع فيه ، كما صح في الحديث .
ولكن لا يجوز أن تخرج الشبهات عن مرتبتها ، وتعاملها كما تعامل المحرمات المقطوع بها ، وتجعل الناس أمامها سواء ، مع أن من الناس من قد يتسامح معه في ذلك ، لظروف معيشته ، أو لقربه من الكفار ، أو لحدوث عهده
بالإسلام ، أو بالتوبة ، أو لعموم البلوى بهذا الأمر، وغير ذلك من الخلفات
المعتبرة .


ولهذا لا يحسن بالدولة المسلمة في سياستها الشرعية : أن تشغل الناس بأمور الشبهات والأمور المختلف عليها ، في حين لم تفرغ من الأمور المتفق عليها ،
والتي لا يخالف أحد في تحربها .
وذلك مثل أمور الغناء والموسيقى والتصوير والنقاب ، وإطالة اللحى ، وتقصير الثياب ، ونحو ذلك مما اختلف العلماء فيه قديما وحديثا ، وسيظلون يختلفون ، فهذه الأشياء ليست لها الأولوية ، بل الأولوية للأمور القطعية الإجماعية، التي لا خلاف عليها .
وهذا ما يجب أن يفهمه الدعاة المتحمسون ، الذين يشعلون النار في كل مكان حلوا فيه ، من أجل هذه الأمور الخلافية، حتى مع الشعوب التي كانت معزولة عن الإسلام عشرات السنين ، مثل شعب البوسنة والهرسك وألبانيا ،
الذي يفتقر إلى معرفة الف باء الإسلام، قبل أن تشغله بأمر اللحية والنقاب ! هذه نماذج لفقه الأولويات وهو فقه رحب ، ومجاله واسع ، وينبغى باستمرار أن تقدم الجوهر على الشكل، والكيف على الكم ، والكبير على الصغير، والضروري على الحاجي، والحاجي على التحسيني ، والقطعي على الظني ، والدائم على الطاريء، والواقع على المفترض ، والمتفق عليه على المختلف فيه .
وانصح بالرجوع إلى كتابي ( فقه الأولويات ) ففيه ما يدير الطريق للباحث
في هذه الموضوع الخطير .


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

يعتبر الإداري ا...

يعتبر الإداري المبدع شخصا مخالفا في تصرفاته للنحو التقليدي من الناس الذي يكرهون التغيير ويفضلون الا...

Now begin the p...

Now begin the process of turning the requirements into functional models • Models are logical; i.e.,...

السؤال الأول/ ع...

السؤال الأول/ عرف حق الملكٌة؟ وما عناصره؟ ونطاقه؟ وتناول خصابصه فً الشرٌعة والنظام؟ وأذكر أهم القٌود...

Communication l...

Communication languages ​​are considered one of the oldest means of communication in human history a...

يقدر عدد مرضى ا...

يقدر عدد مرضى السرطان بـ 10,000 مريض في غزة، "تم منح حوالي 3,800 اسم إذناً لمغادرة غزة لتلقي العلاج...

بعض المخطوطات خ...

بعض المخطوطات خالية من العنوان، إما لفقد الورقة الأولى منها، (فيحتاج المحقق هنا إلى إعمال فكره، كأن ...

البراغماتية وال...

البراغماتية والروح العلمية الجديدة 5"إن عمل باشلار هو من البداية إلى النهاية التماس حتى يتمكن الإحسا...

‎لم تغير السمكة...

‎لم تغير السمكة خط سيرها ولا اتجاهها ابدا طوال تلك الليلة وأمسى الطقس باردا غياب الشمس فاخذ الكيس ال...

A fear of water...

A fear of water, like any phobia, can be challenging, but there are effective ways to address it. Se...

1. Increase Mar...

1. Increase Market Share: Capture a larger portion of the soft drink market in Egypt by growing sale...

10 Mysterious D...

10 Mysterious Disappearances That Remain Unsolved: Vanished The world is filled with captivating mys...

بيان الطريق في ...

بيان الطريق في رياضة الصبيان في أول نشوئهم ووجه تأديبهم وتحسين أخلاقهم : اعلم أن الطريق في رياضة ال...