لخّصلي

تث??ل القيادة املوثوقة أحد املجاالت البحثية الجديد يف القيادة. وتركز القيادة املوثوقة
ع??ى كون القيادة أصيلة وحقيقية. وكام يش??ر عنوان هذا املدخ??ل، القيادة املوثوقة هي
القي??ادة الجديرة بالثق??ة. ومقارنة بنظريات القيادة التي متت مناقش??تها يف هذا الكتاب،
تعد القيادة املوثوقة يف مرحلة التشكل والتطوير. ولذلك ينبغي النظر إىل القيادة املوثوقة
بصورة مبدئية: فمن املحتمل أن يطرأ عليها تغير يف املستقبل وفقاً للبحوث الجديدة التي
ستنرش يف هذا املجال.
منذ س??نوات قريبة أصبح هن??اك حاجة كبرة يف املجتمع للقي??ادة املوثوقة، فقد أوجد
الدم??ار الذي حدث يف 9/11، وفضائ??ح الرشكات )مثل وورلدكم وإن??رون(، وانهيار النظام
البنيك، خوفاً وعدم ثقة. الناس يتأملون بقلق وعدم أمان ملا يجري من حولهم، فهم يبحثون
ع??ن قادة يثقون به??م. طلب الناس لقيادة ميكن الوثوق فيها جعل توقيت الدراس??ات يف
مجال القيادة املوثوقة مناس??باً ومفيداً. وباإلضافة إىل الطلب الشعبي يف السنوات األخرة،
فق??د كانت القيادة املوثوقة محل اهتامم الباحثني فقد ب??رزت يف البحوث التي أجريت يف
مج??ال القيادة التحويلية، ولكن مل تتم صياغتها بش??كل متكام??ل ),Bass & steidlmeier
.)1999, Bass,1990 Howell & Avolio, 1993, Burns, 1978
وباإلضافة إىل ذلك، فقد طور املامرس??ون مداخل متعددة للقيادة املوثوقة لكن ذلك مل
يكن مبنياً عى أدلة موضوعية، مام أوجد حاجة إىل مزيد من البحث والتحليل. ويف محاولة
الكتشاف القيادة املوثوقة، قام الباحثون وما يزالون يبذلون مزيداً ٍ من الجهود لتحديد إطار
ٍ واضح لها.
تعريف القيادة الموثوقة:
تب??دو القيادة املوثوقة من الوهلة األوىل س??هلة التعري??ف لكنها يف حقيقة األمر عملية
الفصل الحادي عرش
296 القيادة اإلدارية النظرية والتطبيق
ٌ معق??دة، م??ن الصعب تحديد خصائصها؛ ولذلك ال يوجد لها تعري??ف ٌ واحد ٌ مقبول لها من
قب??ل الباحثني، وإمنا هناك تعريفات متعددة، كل واحد ميثل وجهة نظر مختلفة ويركز عى
أبع??اد مختلف??ة )Chan,2005(. أحد هذه االتجاهات يركز عى الجانب الش??خيص للقائد
وما يتعلق ب??ه، حيث يهتم باملعرفة الذاتية للقائد، واالنضباط الش??خيص، والرؤية الذاتية.
ي??رى Shamir و )Elam )2005 يف وصف البعد الش??خيص للقائد أن القيادة املوثوقة هي
القي??ادة األصلية التي تقود من خالل قناعات ذاتية غر تقليدية. ومتركز وجهة النظر هذه
عى الخربات الحياتية للقائد واملعاين لهذه الخربات وأنها هامة لتطور القائد الجدير بالثقة.
وتركز وجهة النظر الثانية يف تعريف القيادة املوثوقة عى العملية الشخصية، حيث تنظر
إىل القيادة املوثوقة عى أنها عالقة يتم بناءها من قبل القادة والتابعني معاً )Eagly,2005(.
وبذل??ك فه??ي ال تنتج عن جه??ود القائد وحده ولك??ن أيضاً من ردود فع??ل التابعني. إنها
عملي??ة تبادلية حيث يؤثر القائد يف التابعني ويؤثر التابعون يف القائد. أخراً، ميكن تعريف
القيادة املوثوقة من املنظور التطويري وذلك وفقاً لألعامل التي قام بها كل من ),Gardner
Avolio & Gardner, 2005, Avolio, Walnmbwa, 2005, Avolio & walnmbwa,
2008, Perersont & wernising, Gradner(. وتتفوق وجهة النظر هذه عى غرها من
األطروح??ات فيام يتعلق بالقي??ادة املوثوقة؛ ألنها ال تنظر إىل القيادة املوثوقة عى أنها يشء
ميكن تنميته لدى القائد وليس??ت س??امت ثابتة. ولذلك تم إفراد الصفحات التالية ملناقشة
وجه??ة النظر ه??ذه. القيادة املوثوقة تتطور لدى اإلنس??ان عرب الزم??ن. وميكن أن تنفجر
بسبب أحداث حياتية كربى مثل األمراض القاسية أو مهام عمل جديدة.
لقد طرح )Walumbwa etal )2008 تصوراً للمدخل التطوري للقيادة املوثوقة عى أنها
قدرات سيكولوجية إيجابية لدى القائد ومبادئ أخالقية قوية. وقد رأوا أن القيادة املوثوقة
تتك??ون م??ن أربعة عنارص متاميزة لكنه??ا متصلة ببعضها البعض، ه??ي: 1- الوعي الذايت،
2- التصور األخالقي الداخيل، 3- التوازن، 4- الش??فافية يف العالقات )Avolio, walumbwa
weber, 2009 & ً (. ويط??ور الق??ادة الذي??ن يتمتعون باملوثوقية يف حياته??م كال من هذه
السلوكيات.
القيادة الجديرة بالثقة
القيادة اإلدارية النظرية والتطبيق 297
مداخل القيادة الموثوقة:
ميكن تصنيف القيادة املوثوقة مجالني: )1( املدخل التطبيقي الذي ظهر من خالل أمثلة
لح??االت حياتية حقيقية وأدبيات التدري??ب والتطوير، )2( املدخل النظري الذي يقوم عى
أس??اس اس??تنتاجات البحوث االجتامعية. وكال املدخالن يقدم رؤى مهمة حيال العمليات
املعقدة للقيادة املوثوقة.
المدخل التطبيقي :
هناك العديد من الكتب والربامج املنترشة اليوم يف موضوع القيادة املوثوقة، ألن الناس
لديهم الرغبة يف التعرف عى أس??س هذا النوع م??ن القيادة. وعى وجه أدق، يريد الناس
أن يعرفوا الخطوات التي من خاللها ميكن أن تصبح قائداً موثوقاً به. يف هذا الجزء س??وف
نناق??ش مدخلني عمليني للقيادة املوثوقة. األول هو مدخ??ل روبرت تري )1993(، والثاين
ه??و مدخل جورج للقيادة املوثوقة )2003(. ويعد كل واحد من هذين املدخلني فريداً يف
تطبيق القيادة املوثوقة.
مدخ??ل روبرت تري للقي??ادة املوثوقة. يع??د مدخل تري للقي??ادة املوثوقة عملياً يف
ً طبيعته، حيث يستخدم دليال إرشادياً )مرشد( لتطبيق القيادة. يركز مدخل تري عى أفعال
القائد أو الفريق القيادي أو املنظمة يف وضع محدد. واألس??اس األخالقي الذي يقوم عليه
هذا املدخل هو أن القائد يسعى ألن يعمل األشياء الصحيحة. ويعد التصور الكيل للمدخل
املرشد لهذه األفعال.
يقول تري إنه يف أي وضع من األوضاع يكون هناك حاجة لتدخل القيادة يجب اإلجابة
عن س??ؤالني أساس??يني. السؤال األول: ماذا يحدث يف حقيقة األمر؟ والسؤال الثاين: ماذا
س??تفعل حيال ما يحدث؟ القيادة املوثوقة تركز عى اإلجابة عن هذين الس??ؤالني بش??كل
صحيح. ويتضمن ذلك املعرفة، واتخاذ موقف حيال ما تراه »صحيحاً« يف قرارة نفس??ك، أو
يف املنظمة، أو يف العامل. والتحدي بالنسبة للقادة هو التمييز بني األفعال التي تجلب الثقة
واألفعال التي ال تجلب الثقة. وإذا كان القادة ال يعرفون حقيقة ما يجري فإن أفعالهم لن
تكون مناسبة وميكن أن يكون لها عواقب وخيمة.
الفصل الحادي عرش
298 القيادة اإلدارية النظرية والتطبيق
وقد طور تري عجلة الفعل املوثوق )منوذج 1-11( للمس??اعدة يف تشخيص املشكالت
يف املنظ??امت والتعام??ل معها. وتتكون العملية من س??تة عن??ارص: يف األعى »املعنى« و
»الرس??الة« و »الس??لطة«، وباتجاه حركة الساعة إىل األس??فل هناك »البناء« و »املوارد« و
»الغاية من الوجود«، ويف املنتصف هناك »اإلش??باع«، وميث??ل نهاية العملية. ولإلجابة عن
األس??ئلة التي طرحها تري ينبغي القيام بخطوتني: )1( تحديد املش??كلة عى العجلة و )2(
اختيار الفعل االسرتاتيجي املناسب للتعامل مع املشكلة.
)1-11( منوذج
عجلة الفعل املوثوق
املوارد
الناس، رأس املال،
املعلومات، األدوات،
الوقت
البناء
النظم، السياسات،
اإلجراءات
الغاية من الوجود
التاريخ والهوية
السلطة
الطاقة، الحوافز، األخالق،
التحكم
املعنى
القيم املوجهة، املبادئ،
األخالق
الرسالة
الرسالة األهداف والرغبات
املعنى
الغاية من الوجود
البناء
املوارد
السلطة
يعد »تحديد املش??كلة« أوىل الخطوات، ويتم ذلك من خ??الل تقييم املوظفني ومعرفة
ً مشكالتهم التنظيمية. وبناء عى التقييم يستطيع القادة من خالل العجلة تحديد املشكلة
الحقيقية يف املنظمة. وعى س??بيل املثال، إذا طرح املوظفون تعليقات مثل: »نش??عر بأننا
ضائعني« أو » ال أحد يهتم هنا«، فإن تعليقاتهم ميكن ربطها مبش??كلة يف رس??الة املنظمة.
وإذا قال املوظفون أشياء مثل: »علينا ضغوط كبرة« أو »ال ميكننا إنجاز ما يتم طلبه منا«،
القيادة الجديرة بالثقة
القيادة اإلدارية النظرية والتطبيق 299
فإن املشكلة ميكن تحديدها عى العجلة »باملوارد«. وبالرغم من أن هناك عدداً غر معلوم
م??ن القضايا لدى كل مجموع??ة أو منظمة، إال أن الفعل املوثوق م??ن خالل العجلة يقدم
أسلوباً أو منهجاً ّ ميكن القادة من تصنيف مختلف املشكالت التي يعاين منها املوظفون وفقاً
للمجاالت الستة الرئيسية.
الخط??وة الثانية هي اختي??ار رد الفعل املناس??ب حيال القضية أو املش??كلة من خالل
اس??تخدام العجلة أيضاً. ولكن اس??تخدام العجلة يف هذه املرحلة مع العملية يعد إرشادياً
للتوصية. ومن خالل اإلجراء الذي ينبغي اتخاذه بعد تحديد املشكلة، تستخدم العجلة من
ً قبل القادة الستكش??اف البدائل لحل املش??كالت واختيار املناسب منها بناء عى املعلومات
الت??ي ت??م جمعها. وعى س??بيل املث??ال، إذا كان املوظفون يعانون مش??كالت لها عالقة يف
بالس??لطة وغم??وض يف األدوار، عى القادة الرتكيز عى رس??الة املنظم??ة وأهدافها ورغبات
املوظفني ذوي العالقة. كذلك، إذا كان املوظفون يضعون عالمات استفهام حيال »املعزى«
م??ن برنام??ج معني فعى القادة الرتكيز عى »الغاية من الوج??ود«، ألنهم قد يكونون قلقني
بش??أن تاريخ وهوية الربنامج. إن عجلة الفعل املوثوق تستخدم للتعرف عى ردود األفعال
املهمة حيال املش??كلة واختيار األنسب لحلها. والقادة الذين يتمتعون باملوثوقية يحاولون
التصدي للمشكالت الحقيقية ووفق أفضل األساليب املمكنة.
ولتوضيح استخدام العجلة نرسد قصة عن مشكلة يف برنامج كرة السلة بإحدى املدارس
الثانوية. بدأت املشكلة عندما متت املطالبة بالتحقيق مع املدرب واتهامه باستخدام املوارد
املالية بش??كل غر مناس??ب، واملحس??وبية )اختيار املدرب البنه ليكون عض??واً يف الفريق(،
ومخالفة سياسة املدرسة )سمح لسيدة ذات صلة به لتوصيل الالعبني بعد التامرين(. وقد
تم نرشه هذه املش??كلة يف الصفحة األوىل يف الصحيفة املحلية وبرامج التواصل االجتامعي،
وتفاعل مع املوضوع أولياء أمور الطالب، والالعبني السابقني، وأفراد املجتمع.
ولتحلي??ل مش??كلة كرة الس??لة، ينبغ??ي للقائد أن يس??أل: ماذا ج??رى بالضبط يف هذا
املوضوع؟ قد يش??ر التحليل األويل إىل أن املشكلة يف »البناء« )النظام( أي سياسة املدرسة.
رأى املعنيون أن املدرب خالف سياس??ات املدرسة، وطالبوا باتخاذ موقف حيال ذلك، بينام
يرى املدرب أن قراراته س??ليمة ومس??ؤولة. وباس??تخدام العجلة كمرش??د رجح القائد بأن
الفصل الحادي عرش
300 القيادة اإلدارية النظرية والتطبيق
املشكلة ترتكز يف »السلطة«. من الذي كان لديه السلطة التخاذ قرارات فيام يتعلق باملوارد
املالي??ة، واختيار الفريق، وتوصيل الالعبني؟ باس??تخدام العجلة يجب عى القائد أن يحلل
دور اس??تخدام الس??لطة يف هذه القضية. وألن هذه األسئلة مل يتم طرحها والتصدي لها، مل
يتم حل الرصاع بشكل فاعل لهذه املشكلة.
وباختص??ار، متثل العجلة أداة تش??خيصية من خالل النظر وذلك ملس??اعدة القادة عى
تحديد املش??كالت. يحدد القادة والتابعون املش??كلة عى العجلة، وبعد ذلك يحددون رد
الفعل اإلس??رتاتيجي املناسب حيال القضايا محل االهتامم. ويساعد مدخل تري األفراد أن
ينظروا إىل األش??ياء بشكل مختلف وأكرث وضوحاً. يحث هذا املدخل القادة عى أن يكونوا
محل ثقة، وصادقني مع أنفسهم، ومنظامتهم، والعامل بأرسه، وأن يكون األساس ألفعالهم ما
ً يحدث فعال يف أرض الواقع.
مدخل بيل جورج للقيادة الموثوقة:
بينام تركز عجلة تري عى املشكالت، يركز مدخل القيادة املوثوقة الذي تم تطويره من
قب??ل ج??ورج )George )2008(; George & Sims,2007( عى خصائص القادة املوثوقني.
يصف جورج، بأسلوب عميل، الخصال املهمة للقائد املوثوق، وكيف ميكن لألفراد أن يطوروا
هذه الخصال إن كان لديهم الرغبة يف أن يكونوا قادة موثوقني.
ً وجد ج??ورج، بناء عى خربات??ه كرئيس تنفيذي، ومن خالل مقابالت ش??خصية معمقة
لعينة متنوعة تتكون من )125( قائداً ناجحاً، أن القادة الذين يتمتعون بالثقة لديهم رغبة
ً قوية يف خدمة اآلخرين ويعرفون أنفس??هم ويشعرون بالحرية ألن يقودوا بناء عى قيمهم.
ويتمتع بشكل أسايس القادة املوثوقون بخمس خصائص أساسية هي: )1( يعرفون غاياتهم،
)2( لديهم قيم قوية تجاه األش??ياء الصحيحة التي يقومون بعملها، )3( يبنون عالقات ثقة
م??ع اآلخرين، )4( لديهم انضباط ذايت ويترصفون وفق قيمهم، )5( متحمس??ون لرس??التهم
)يترصفون بقلوبهم( )منوذج 2-11(.
يوضح منوذج )2-11( األبعاد الخمسة للقيادة املوثوقة التي تم تحديدها من قبل جورج
)الغاي??ة والقيم والعالق??ات واالنضباط الذايت والقلب(. كذلك يوض??ح النموذج الخصائص
القيادة الجديرة بالثقة
القيادة اإلدارية النظرية والتطبيق 301
ذات العالق??ة التي يحتاج األف??راد إىل تطويرها ليك يصبحوا قادة موثوقني، وهي: العاطفة،
السلوك، االرتباط، االتساق، التعاطف.
وقد وجد جورج من خالل املقابالت الش??خصية الت??ي أجراها أن القادة الذي يتمتعون
بثقة اآلخرين لديهم ش??عور مرتفع تجاه الغايات التي يس??عون إىل تحقيقها. فهم يعرفون
م??ا يريدون وإىل أين يتجهون، وهم محفزون من الداخ??ل لتحقيق أهدافهم. وهم كذلك
متحمسون، ولديهم اهتامم ذايت كبر مبا يقومون به، ويعتنون كثراً بأعاملهم.
)2-11( منوذج
خصائص القيادة املوثوقة
وم??ن األمثلة الجي??دة للقائد املوثوق ت??ري فوكس الذي قطعت س??اقه إلصابته مبرض
الرسطان، وش??في منه. حاول فوكس أن يقطع كندا برجل صناعية - من املحيط األطلنطي
الفصل الحادي عرش
302 القيادة اإلدارية النظرية والتطبيق
إىل املحيط الباس??فييك - لجمع تربعات ألبحاث الرسطان والتوعية باملرض. وبالرغم من أن
فوكس تويف قبل أن يكمل رحلته إال أن شجاعته وشعوره أثر عى املاليني من الناس. وتعمل
اليوم مؤسس??ة تري فوكس بقوة، وقد جمعت أكرث من )400( مليون دوالر كندي ألبحاث
الرسط??ان. ومن خالل األبع??اد والخصائص يف النموذج )2-11( يتضح أن تري فوكس أظهر
بوضوح الغاية والهدف يف قيادته.
الق??ادة الجديرون بالثقة يفهمون قيمه??م، ويتعاملون مع اآلخرين وفق??اً لهذه القيم.
هؤالء القادة يعرفون بدقه من هم، وإىل أين متجهون، واليشء الصحيح الذي ينبغي عليهم
فعله. وعندما يجدون أنفس??هم يف مواقف صعبة، ال يساومون عى قيمهم وإمنا يوظفونها
لتعزيز مواقفهم.
ومن األمثلة عى القادة الذين يتمتعون بقيم قوية نيلس??ون مانديال الحائز عى جائزة
نوبل. مانديال رجل يتمتع بقيم أخالقية عالية، وضمر حي. عندما كان يحارب العنرصية يف
جنوب أفريقيا مل يساوم عى العدالة واملساواة للجميع. وعندما كان يف السجن وعرض عليه
أن يت??م إطالق رساحه مقابل التنازل عن أفكاره رفض ذلك وفضل البقاء يف الس??جن مقابل
تغير موقفه. لقد كان مانديال يعرف من هو وما هي قيمه. وعكست قيادته هذه القيم.
الخصل??ة الثالثة للقيادة املوثوقة لدى جورج هي العالق??ات القوية. فإن القادة الذين
يتمتع??ون بالثقة يك??ون لديهم القدرة ع??ى االنفتاح ع??ى اآلخرين، وتكوي??ن العالقات،
واالستعداد، ومش??اركة اآلخرين خرباتهم واالستامع إليهم. ومن خالل االنفتاح املتبادل بني
القادة والتابعني ينمو اإلحساس بالثقة والتقارب. يقول جورج إن الناس اليوم لديهم الرغبة
يف أن يكون الوصول إىل القادة يسراً وأن يكون قادتهم منفتحني معهم، فهم يطالبون القادة
بأن يزيلوا الحدود بينهم وأن يكونوا واضحني مقابل أن يبادلوهم الوالء وااللتزام واإلخالص.
وكام متت مناقش??ته يف الفصل الثامن )نظرية التبادل بني القائد والعضو( تتسم العالقة
الفاعل??ة بني القائد والعضو باتص??ال متميز يظهر كل طرف منهام درج??ة عالية من الثقة،
واالح??رتام، وااللتزام تجاه بعضهام البع??ض. القادة والتابعون تربطهام عالقة مثمرة تتجاوز
العالقة التقليدية املعروفة لدى الناس. وينتج عن ذلك عالقة قوية بني القائد والتابع وفهم
أعمق وإنتاجية أفضل.
القيادة الجديرة بالثقة
القيادة اإلدارية النظرية والتطبيق 303
االنضب??اط الذايت أحد أبعاد القيادة املوثوقة. وهي الخصل??ة التي تجعل القائد يحقق
أهداف??ه. ميكن االنضب??اط الذايت القادة من الرتكيز وحس??م األمور. عندم??ا يحدد القادة
األهداف ويضعون معاير التميز فإن االنضباط الذايت لديهم يس??اعدهم عى تحقيق هذه
األه??داف ويجعل كل واحد خاضعاً للمحاس??بة. إضافة إىل ذلك، يعط??ي االنضباط الذايت
القادة محل الثقة املجال لتأدية أعاملهم وفقاً لقيمهم.
وكام هو الحال بالنس??بة لعدايئ املس??افات الطويلة، فإن الق??ادة الذين يتمتعون بثقة
اآلخرين، ولديهم االنضباط الذايت، تكون لديهم القدرة للرتكيز عى أهدافهم، واالستامع إىل
بوصالته??م الداخلي??ة، والتحرك إىل األمام، حتى يف الظروف الصعب??ة. ويف أوقات الضغوط
الش??ديدة يعط??ي االنضباط ال??ذايت هؤالء القادة الق??درة عى التحكم بأنفس??هم والهدوء
وااللتزام. وألنه ميكن التنبؤ بسلوكيات القادة املنضبطني، فإنه ميكن لآلخرين توقع أفعالهم
والتواص??ل معهم بس??هولة. وعندما يك??ون املوجه للقائد ذاته، وملتزم??اً، فإن ذلك يعطي
اآلخرين الشعور باألمان.
أخ??راً، يعط??ي مدخل جورج أهمي??ة » للتعاطف« و »الضمر« ع??ى أنهام من خصال
القيادة املوثوقة. يعني التعاطف أن تكون حساس??اً تجاه ظروف ومش??كالت اآلخرين، وأن
تكون منفتحاً لهم، ومستعداً ملساعدتهم. يقول جورج عندما يطور القادة خصلة التعاطف
فإنه??م يتعلمون القيادة املوثوقة. وميكن للقادة تعل??م التعاطف من خالل معرفة قصص
حياة اآلخرين واملساهمة يف خدمة املجتمع والتواصل مع الجامعات األثنية والعرقية األخرى
والسفر إىل البلدان النامية. هذه األنشطة ترفع حساسية القائد تجاه الثقافات األخرى.
وباختص??ار، يربز مدخل جورج للقيادة املوثوقة خمس خصال مهمة يتصف فيها القادة
الذي??ن يتمتعون بالثقة، وهي مجتمعة توضح ما يحتاجه الناس ليك يكس??بوا ثقة اآلخرين.
والقيادة املوثوقة عملية تتطور خالل حياة الفرد، وتتأثر بظروف حياة الفرد نفسه.
المدخل النظري:
م??ا زال بناء نظرية يف القيادة املوثوقة يف املراحل األوىل. وهناك جهود كبرة يف أدبيات
العلوم االجتامعية تدفع يف هذا االتجاه. يف هذا الجزء، سوف يتم تحديد العنارص األساسية
للقيادة املوثوقة، ورشح عالقتها بعضها مع بعض.
الفصل الحادي عرش
304 القيادة اإلدارية النظرية والتطبيق
خلفي??ة املدخل النظري: بالرغ??م من أن اهتامم الناس مبوض??وع القيادة املوثوقة منذ
الق??دم، إال أن األبحاث يف هذا املجال تعد حديثة، حيث نرش أول بحث يف موضوع القيادة
املوثوق??ة عام 2003 م. وق??د كان أول اهتامم علمي مبوضوع القي??ادة املوثوقة من خالل
ندوة عن القيادة عقدت يف جامعة نرباس??كا برعاي??ة معهد غالوب للقيادة. وقد صدر عن
ه??ذه الندوة مجموعتان من املطبوع??ات: )1( عدد خاص من مجلة القيادة Leadership
Quarterly يف صي??ف ع??ام 2005 م، و)2( دراس??ة يف القيادة واإلدارة بعن??وان: »القيادة
املوثوق??ة: التأث??ر والتط??ور والجذور«، نرشت يف ع??ام 2005 م. وقبل ه??ذه الندوة نرش
ً عن القيادة املوثوقة وتطورها أس??هم يف تحريك
Luthans و Avolio ع??ام 2003 م مق??اال
االهتامم البحثي يف هذا املوضوع.
ازداد االهت??امم يف موض??وع القيادة املوثوقة يف الوقت الذي كان يس??ود فيه الش??عور
بعدم االستقرار االجتامعي يف الواليات املتحدة األمريكية. فقد خلق هجوم 2001/11/9م،
وانتش??ار الفساد يف الرشكات، واملشكالت االقتصادية، شعوراً بعدم الثقة والقلق لدى الناس
فيام يتعلق بالقيادة. لقد أوجد انتش??ار القيادة غر األخالقية وغر الفاعلة يف نطاق واس??ع
حاجة لقيادة إنسانية بناءه تخدم املصلحة العامة )Fry & Whittington, 2005; Luthans
.)& Avolio, 2003
إضافة إىل ذلك، فقد شعر الباحثون بالحاجة إىل توسيع دائرة البحوث التي قام بها Bass
)1990( و 1999( Steidlmeier( في??ام يتعلق مبفهوم القيادة التحويلية املوثوقة. لقد كان
هن??اك حاجة إىل تعريف القيادة املوثوقة إجرائياً وبناء إطار نظري يوضحها. وقد اس??تفاد
الباحثون من أدبيات القيادة والس??لوك التنظيمي واألخالق لتطوير نظرية القيادة املوثوقة
.)cooper, scandura, & schriesheim, 2005; Gardner et al,2005(
كان التحدي الكبر الذي واجه الباحثني يف تطوير نظرية القيادة املوثوقة تعريف املفهوم
وتحديد عنارصه. وكام متت اإلشارة سابقاً، فقد تم تعريف القيادة املوثوقة بطرق مختلفة،
وكل تعري??ف يرك??ز عى جوانب معينة من العملية. ويف ه??ذا الفصل تم اختيار التعريف
الذي تم طرحه يف مقال حديث من قبل )Walumbwa et al )2008.، حيث عرف القيادة
املوثوقة بأنها » منط لس??لوك قيادي يعزز القدرات السيكولوجية اإليجابية واملناخ األخالقي
القيادة الجديرة بالثقة
القيادة اإلدارية النظرية والتطبيق 305
اإليجايب، لتنمية الوعي الذايت واستيعاب الجوانب األخالقية، والتوازن يف معالجة املعلومات،
والشفافية يف العالقات فيام يتعلق بعمل القادة مع التابعني، وتسهيل التطور الذايت اإليجايب
)P.94(. وبالرغ??م من أن هذا التعريف يعد معقداً، إال أنه يغطي النقص املعارص للباحثني
فيام يتعلق بظاهرة القيادة املوثوقة وأسلوب عملها.
وت??م تطوير مناذج مختلفة لرشح عمليات القيادة املوثوق??ة يف األدبيات البحثية. طور
)Gardner et al )2005. منوذج??اً يرك??ز عى القيادة املوثوق??ة من منظور عمليات تطوير
القائ??د وتطور الوع??ي الذايت واالنضباط ل??دى التابعني. كام طور كل م??ن )Ilies, )2005
Morgeson, and Nahrgang منوذج??اً متعدد العنارص يوضح تأثر املوثوقية عى س??عادة
ورسور القائ??د والتابع??ني. وباملقارن??ة، ص??اغ )Luthans)2003 و Avolio أمنوذجاً يرشح
القي??ادة املوثوق??ة كعملية تطورية. يف هذا الفصل، س??وف نطرح منوذجاً أساس??ياً للقيادة
املوثوقة مستمد من األدبيات البحثية، ويركز عى عنارصها الرئيسة. سوف يركز نقاشنا عى
القيادة املوثوقة كعملية.
عن??ارص القيادة املوثوقة: يف محاولة لتوس??يع دائرة فهمنا للقي??ادة املوثوقة، قام وليام
وزم??الؤه )2008( بإج??راء مراجعة ش??املة، لألدبيات وأجروا مقابالت م??ع مجموعات من
الخرباء لتحديد العنارص التي تشكل القيادة املوثوقة وتطوير مقياس لها يتمتع باملصداقية.
وق??د حدد البحث الذي قاموا به أربع??ة عنارص هي: الوعي الذايت، ووجود مفهوم أخالقي
داخيل، وتوازن يف املعالجة للمعلومات، وعالقات ش??فافة )األمنوذج 3-11(. هذه العنارص
األربعة مجتمعة متثل القاعدة )األساس( لنظرية القيادة املوثوقة.
يش??ر »الوعي الذايت« إىل بصرة القائد، وهي ليس??ت غاية بح??د ذاتها وإمنا عملية من
خاللها يفهم األش??خاص أنفس??هم، وجوانب قوتهم، وجوانب ضعفهم، والتأثر الذي ميلكون
ع??ى اآلخرين. ويش??تمل »الوعي الذايت« ع??ى مراجعة القائد لقيمه األساس??ية، وهويته،
ومش??اعره، ومحفزات??ه، وأهدافه. أي أن يعرف القائد ذاته بش??كل عمي??ق. وباإلضافة إىل
ذلك، فإن الوعي الذايت لدى القائد يشتمل عى فهم وإدراك مشاعره والثقة فيها ),Aernis
2003(. وعندما يفهم القادة أنفس??هم ويكون لديهم ش??عور مبن هم والقيم التي يؤمنون
به??ا، يصب??ح لديهم قاعدة صلبة لقراراته??م وأفعاله??م )Gardner et al., 2005(. ويكون
القادة الذين لديهم وعي ذايت قوي محل ثقة الناس.
الفصل الحادي عرش
306 القيادة اإلدارية النظرية والتطبيق
ويش??ر »املفه??وم األخالقي الداخيل« إىل وج??ود قيود ذاتية لدى القائد مس??تمدة من
معاير أخالقية داخلية لديه، وقيم توجه س??لوكه وال تس??مح لتأثر الضغوط الخارجية عليه
)مثل الضغوط االجتامعية وجامعة العمل واألقرباء واألصدقاء(. إنها قيود ذاتية ألن الناس
لديهم التحكم يف املدى الذي يسمحون لآلخرين يف التأثر فيهم. وينظر اآلخرون إىل القادة
الذين لديهم مفهوم أخالقي داخيل بأنهم جديرون بثقتهم، ألن أفعالهم منسجمة مع القيم
واملعتقدات التي يظهرون.
وميثل »التوازان يف معالجة املعلومات« أحد القيود الذاتية عى س??لوك القائد. ويعني
ذلك قدرة القائد عى تحليل املعلومات بشكل موضوعي، وفهم وجهات نظر اآلخرين قبل
اتخاذ القرارات. كام يعني التوازن عدم املحس??وبية وع??دم التحيز يف التعامل مع القضايا.
ويعني التوازن يف املعالجة اس??تخالص وجهات نظر اآلخرين املعارضني وتحليلها قبل اتخاذ
ُ الق??رارات. وي ٌ نظر إىل الق??ادة املتوازنني يف تحلي??ل املعلومات بأنهم موط??ن للثقة؛ ألنهم
منفتحون يف توجهاتهم وموضوعيون يف تعاملهم مع وجهات نظر اآلخرين.
تعني » العالقات الش??فافة« االنفتاح والصدق يف تقديم القائد لنفس??ه لآلخرين. ويعد
ذلك تقييداً ذاتياً؛ ألن القائد يتحكم يف ش??فافيته مع اآلخرين. وتحدث العالقات الش??فافة
عندما يطرح القائد قيمه، وشعوره، وحوافزه، ورغباته، لآلخرين )Kernis, 2003(. وتشتمل
الشفافية عى إيضاح الجوانب اإليجابية والجوانب السلبية لديه لآلخرين. وتعني باختصار
الشفافية أن تتواصل بشكل مفتوح وتعكس حقيقة نفسك يف عالقاتك مع اآلخرين.
وتتكون القيادة املوثوقة بش??كل أس??ايس من العوامل األربعة الس??ابقة )الوعي الذايت
ومفهوم أخالقي داخيل وتوازن يف املعالجة وعالقات شفافة( ومتثل القاعدة األساسية لها.