خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
ولا معنى شريكه والمعاون له على أموره، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره. وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة، يكون إظهار المعنى. والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله عز وجل يمدحه، والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، قال أبو عثمان: وكان في الحق أن يكون هذا الباب في أول هذا الكتاب، وقالوا: البيان بصر والعي عمى، والعي من نتاج الجهل وقال سهل بن هارون: العقل رائد الروح، وقال صاحب المنطق: حد الإنسان: الحي الناطق المبين. وقال يونس بن حبيب: ليس لعيي مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء، ولو حك بيافوخه أعنان السماء. وقالوا: شعر الرجل قطعة من كلامه، وقال ابن التوأم: الروح عماد البدن، والبيان عماد العلم. ويكون وعيدا وتحذيرا. وبعد فهل تعدو الإشارة أن تكون ذات صورة معروفة، وقد قال الشاعر في دلالات الإشارة: أشارت بطرف العين خيفة أهلها … إشارة مذعور ولم تتكلم فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا … وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم وللقلب على القلب … دليل حين يلقاه وفي العين غنى للمر … ء أن تنطق أفواه ترى عينها عيني فتعرف وحيها … وتعرف عيني ما به الوحي يرجع وعين الفتى تبدي الذي في ضميره … وتعرف بالنجوى الحديث المعمسا والعين تنطق والأفواه صامته … حتى ترى من ضمير القلب تبيانا هذا ومبلغ الإشارة أبعد من مبلغ الصوت. والجوهر الذي يقوم به التقطيع، ولا تكون الحروف كلاما إلا بالتقطيع والتأليف. مع الذي يكون مع الإشارة من الدل والشكل «1» والتقتل والتثني «2» ، قد قلنا في الدلالة بالإشارة. فمما ذكر الله عز وجل في كتابه من فضيلة الخط والإنعام بمنافع الكتاب، قوله لنبيه عليه السلام: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. وأقسم به في كتابه المنزل، ولذلك قالوا: القلم أحد اللسانين. كما قالوا: قلة العيال أحد اليسارين. وقالوا: القلم أبقى أثرا، وقال عبد الرحمن بن كيسان: استعمال القلم أجدر أن يحض الذهن على تصحيح الكتاب، من استعمال اللسان على تصحيح الكلام. وقالوا: اللسان مقصور على القريب الحاضر، والكتاب يقرأ بكل مكان، وعظم قدر الانتفاع به قول الله عز وجل: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وقال جل وتقدس: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وقال جل وعز: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ ولولا معرفة العباد بمعنى الحساب في الدنيا لما فهموا عن الله عز وجل معنى الحساب في الآخرة. واختلال كل ما جعله الله عز وجل لنا قواما، وأما النصبة فهي الحال الناطقة بغير اللفظ، كل يؤدي عنك الحجة ويشهد لك بالربوبية موسومة بآثار قدرتك، فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما أنسها من وحشة الفكر، فهي على اعترافها لك، ومتى دل الشيء على معنى فقد أخبر عنه وإن كان صامتا، وقال عنترة بن شداد العبسي جعل نعيب الغراب خبرا للزاجر: حرق الجناح كأن لحيي رأسه … جلمان بالأخبار هش مولع وأنشدني أبو الرديني العكلي، يستخبر الريح إذا لم يسمع … بمثل مقراع الصفا الموقع يمدح سليمان بن عبد الملك: أقول لركب صادرين لقيتهم … قفا ذات أوشال ومولاك قارب «1» قفوا خبرونا عن سليمان إنني … لمعروفه من أهل ودان طالب «2» فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله … ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب وقال علي رحمه الله: «قيمة كل امرئ ما يحسن» . وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، صنع في القلوب صنيع الغيث في التربة الكريمة. ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، أصحبها الله من التوفيق ومنحها من التأييد، وقد قال عامر بن عبد قيس: «الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وقال علي بن الحسين بن علي رحمه الله: لو كان الناس يعرفون جملة الحال في فضل الاستبانة، وجملة الحال في صواب التبيين، ولوجدوا من برد اليقين ما يغنيهم عن المنازعة إلى كل حال سوى حالهم. ومفتون بالعجب ومعدول بالهوى عن باب التثبت، وقد جمع محمد بن علي بن الحسين صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين، وكان ابن عمير أغلاهم. عن العباس ابن محمد قال: قيل لعبد الله بن عباس: أنّى لك هذا العلم؟ قال: «قلب عقول، وقد رووا هذا الكلام عن دغفل بن حنظلة العلامة. والدليل على ذلك قول الحسن: إن أول من عرف بالبصرة ابن عباس، قال: قيل للحسن: يا أبا سعيد، إن قوما زعموا أنك تذم ابن عباس. ثم قال: إن ابن عباس كان من الإسلام بمكان، إن ابن عباس كان من القرآن بمكان، قالوا: وقال علي بن عبد الله بن عباس: من لم يجد مس الجهل في عقله، قالوا: وذكر محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، بلاغة بعض أهله فقال: إني لأكره أن يكون مقدار لسانه فاضلا على مقدار علمه، كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله. والمعنى الرفيع الكريم. لم تنق من أوضار كلامهم، وفي فساد البيان إلى أكثر من ترك التخير ومما يؤكد قول محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وذكر المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب رحمه الله فقال: «كان والله أفضل من أن يخدع، وقال محمد بن علي بن عبد الله بن عباس: «كفاك من علم الدين أن تعرف ما لا يسع جهله، وكان عبد الرحمن بن إسحاق القاضي يروي عن جده إبراهيم بن سلمة، قال: سمعت أبا مسلم يقول: سمعت الإمام إبراهيم بن محمد يقول: يكفي من حظ البلاغة أن لا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق،
باب البيان
[حد البيان]
قال بعض جهابذة الألفاظ ونقاد المعاني: المعاني القائمة في صدور الناس المتصورة في أذهانهم، والمتخلجة في نفوسهم، والمتصلة بخواطرهم، والحادثة عن فكرهم، مستورة خفية، وبعيدة وحشية، ومحجوبة مكنونة، وموجودة في معنى معدومة، لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه، ولا حاجة أخيه وخليطه، ولا معنى شريكه والمعاون له على أموره، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره. وإنما يحيي تلك المعاني ذكرهم لها، وأخبارهم عنها، واستعمالهم إياها. وهذه الخصال هي التي تقربها من الفهم، وتجليها للعقل، وتجعل الخفي منها ظاهرا، والغائب شاهدا، والبعيد قريبا. وهي التي تلخص الملتبس، وتحل المنعقد، وتجعل المهمل مقيدا، والمقيد مطلقا، والمجهول معروفا، والوحشي مجلوفا، والغفل موسوما، والموسوم معلوما.
وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة، وحسن الاختصار، ودقة المدخل، يكون إظهار المعنى. وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح، وكانت الإشارة أبين وأنور، كان أنفع وأنجع. والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله عز وجل يمدحه، ويدعو إليه ويحث عليه. بذلك نطق القرآن، وبذلك تفاخرت العرب، وتفاضلت أصناف العجم.
والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يغضي السامع إلى حقيقته، ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أي جنس كان الدليل، لأن مدار الأمر والغاية التي يجري القائل والسامع، إنما هو الفهم والأفهام، فبأي شيء بلغت الأفهام وأوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان في ذلك الموضع.
ثم اعلم- حفظك الله- أن حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ، لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممتدة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة.
[أدوات البيان الخمس]
وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء لا تنقص ولا تزيد: أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الحال التي تسمى نصبة. والنصبة هي الحال الدالة، التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات، ولكل واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها، وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، ثم عن حقائقها في التفسير، وعن أجناسها وأقدارها، وعن خاصها وعامها، وعن طبقاتها في السار والضار، وعما يكون منها لغوا بهرجا، وساقطا مطرحا.
قال أبو عثمان: وكان في الحق أن يكون هذا الباب في أول هذا الكتاب، ولكنا أخرّناه لبعض التدبير.
وقالوا: البيان بصر والعي عمى، كما أن العلم بصر والجهل عمى.
والبيان من نتاج العلم، والعي من نتاج الجهل
وقال سهل بن هارون: العقل رائد الروح، والعلم رائد العقل، والبيان ترجمان العلم.
وقال صاحب المنطق: حد الإنسان: الحي الناطق المبين.
وقالوا: حياة المروءة الصدق، وحياة الروح العفاف، وحياة الحلم العلم، وحياة العلم البيان.
وقال يونس بن حبيب: ليس لعيي مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء، ولو حك بيافوخه أعنان السماء.
وقالوا: شعر الرجل قطعة من كلامه، وظنه قطعة من علمه، واختياره قطعة من عقله.
وقال ابن التوأم: الروح عماد البدن، والعلم عماد الروح، والبيان عماد العلم.
قد قلنا في الدلالة باللفظ. فأما الإشارة فباليد، وبالرأس، وبالعين والحاجب والمنكب، إذا تباعد الشخصان، وبالثوب وبالسيف. وقد يتهدد رافع السيف والسوط، فيكون ذلك زاجرا، ومانعا رادعا، ويكون وعيدا وتحذيرا.
والإشارة واللفظ شريكان، ونعم العون هي له، ونعم الترجمان هي عنه. وما أكثر ما تنوب عن اللفظ، وما تغني عن الخط. وبعد فهل تعدو الإشارة أن تكون ذات صورة معروفة، وحلية موصوفة، على اختلافها في طبقاتها ودلالاتها. وفي الإشارة بالطرف والحاجب وغير ذلك من الجوارح، مرفق كبير ومعونة حاضرة، في أمور يسترها بعض الناس من بعض، ويخفونها من الجليس وغير الجليس. ولولا الإشارة لم يتفاهم الناس معنى خاص الخاص، ولجهلوا هذا الباب البتة. ولولا أن تفسير هذه الكلمة يدخل في باب صناعة الكلام لفسرتها لكم. وقد قال الشاعر في دلالات الإشارة:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها … إشارة مذعور ولم تتكلم
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا … وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم
وقال الآخر:
وللقلب على القلب … دليل حين يلقاه
وفي الناس من الناس … مقاييس وأشباه
وفي العين غنى للمر … ء أن تنطق أفواه
وقال الآخر في هذا المعنى:
ومعشر صيد ذوي تجلّه … ترى عليهم للندى أدلّه
وقال الآخر:
ترى عينها عيني فتعرف وحيها … وتعرف عيني ما به الوحي يرجع
وقال آخر:
وعين الفتى تبدي الذي في ضميره … وتعرف بالنجوى الحديث المعمسا
وقال الآخر:
العين تبدي الذي في نفس صاحبها … من المحبة أو بغض إذا كانا
والعين تنطق والأفواه صامته … حتى ترى من ضمير القلب تبيانا
هذا ومبلغ الإشارة أبعد من مبلغ الصوت. فهذا أيضا باب تتقدم فيه الإشارة الصوت.
والصوت هو آلة اللفظ، والجوهر الذي يقوم به التقطيع، وبه يوجد التأليف. ولن تكون حركات اللسان لفظا ولا كلاما موزونا ولا منثورا إلا بظهور الصوت، ولا تكون الحروف كلاما إلا بالتقطيع والتأليف. وحسن الإشارة باليد والرأس، من تمام حسن البيان باللسان، مع الذي يكون مع الإشارة من الدل والشكل «1» والتقتل والتثني «2» ، واستدعاء الشهوة، وغير ذلك من الأمور
قد قلنا في الدلالة بالإشارة. فأما الخط، فمما ذكر الله عز وجل في كتابه من فضيلة الخط والإنعام بمنافع الكتاب، قوله لنبيه عليه السلام: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ
. وأقسم به في كتابه المنزل، على نبيه المرسل، حيث قال: ن. وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ
، ولذلك قالوا: القلم أحد اللسانين. كما قالوا: قلة العيال أحد اليسارين.
وقالوا: القلم أبقى أثرا، واللسان أكثر هذرا.
وقال عبد الرحمن بن كيسان: استعمال القلم أجدر أن يحض الذهن على تصحيح الكتاب، من استعمال اللسان على تصحيح الكلام.
وقالوا: اللسان مقصور على القريب الحاضر، والقلم مطلق في الشاهد والغائب، وهو للغابر الحائن، مثله للقائم الراهن.
والكتاب يقرأ بكل مكان، ويدرس في كل زمان، واللسان لا يعدو سامعه، ولا يتجاوزه إلى غيره.
وأما القول في العقد، وهو الحساب دون اللفظ والخط، فالدليل على فضيلته، وعظم قدر الانتفاع به قول الله عز وجل: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
. وقال جل وتقدس: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ
. وقال جل وعز: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ
. وقال:
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ.
والحساب يشتمل على معان كثيرة ومنافع جليلة، ولولا معرفة العباد بمعنى الحساب في الدنيا لما فهموا عن الله عز وجل معنى الحساب في الآخرة. وفي عدم اللفظ وفساد الخط والجهل بالعقد فساد جل النعم، وفقدان جمهور المنافع، واختلال كل ما جعله الله عز وجل لنا قواما، ومصلحة ونظاما
وأما النصبة فهي الحال الناطقة بغير اللفظ، والمشيرة بغير اليد. وذلك ظاهر في خلق السموات والأرض، وفي كل صامت وناطق، وجامد ونام، ومقيم وظاعن، وزائد وناقص. فالدلالة التي في الموات الجامد، كالدلالة التي في الحيوان الناطق. فالصامت ناطق من جهة الدلالة، والعجماء معربة من جهة البرهان. ولذلك قال الأول:
«سل الأرض فقل: من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟
فإن لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا» .
وقال بعض الخطباء: «أشهد أن السموات والأرض آيات وآلات وشواهد قائمات، كل يؤدي عنك الحجة ويشهد لك بالربوبية موسومة بآثار قدرتك، ومعالم تدبيرك، التي تجليت بها لخلقك، فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما أنسها من وحشة الفكر، ورجم الظنون. فهي على اعترافها لك، وافتقارها إليك شاهدة بأنك لا تحيط بك الصفات ولا تحدك الأوهام، وإن حظ الفكر فيك، الاعتراف لك» .
وقال خطيب من الخطباء، حين قام على سرير الاسكندر وهو ميت:
«الاسكندر كان أمس أنطق منه اليوم، وهو اليوم أوعظ منه أمس» .
ومتى دل الشيء على معنى فقد أخبر عنه وإن كان صامتا، وأشار إليه وإن كان ساكتا. وهذا القول شائع في جميع اللغات، ومتفق عليه مع إفراط الاختلافات.
وقال عنترة بن شداد العبسي جعل نعيب الغراب خبرا للزاجر:
حرق الجناح كأن لحيي رأسه … جلمان بالأخبار هش مولع
الحرق: الأسود. شبه لحييه بالجلمين، لأن الغراب يخبر بالفرقة والغربة ويقطع كما يقطع الجلمان. وأنشدني أبو الرديني العكلي، في تنسم الذئب الريح واستنشائه واسترواحه:
يستخبر الريح إذا لم يسمع … بمثل مقراع الصفا الموقع
المقراع: الفأس التي يكسر بها الصخر. والموقع. المحدد. يقال وقعت الحديدة إذا حددتها. وقال آخر، وهو الراعي:
إن السماء وإن الريح شاهدة … والأرض تشهد والأيام والبلد
لقد جزيت بني بدر ببغيهم … يوم الهباءة يوما ما له قود
وقال نصيب في هذا المعنى، يمدح سليمان بن عبد الملك:
أقول لركب صادرين لقيتهم … قفا ذات أوشال ومولاك قارب «1»
قفوا خبرونا عن سليمان إنني … لمعروفه من أهل ودان طالب «2»
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله … ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
وهذا كثير جدا.
[أحسن الكلام]
وقال علي رحمه الله: «قيمة كل امرئ ما يحسن» . فلو لم نقف من هذا الكتاب إلا على هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية، ومجزئة مغنية، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية، وغير مقصرة عن الغاية. وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه، وكان الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة، وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه، وتقوى قائله. فإذا كان المعنى شريفا واللفظ بليغا، وكان صحيح الطبع، بعيدا من الاستكراه، ومنزها عن الاختلال مصونا عن التكلف، صنع في القلوب صنيع الغيث في التربة الكريمة. ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، ونفذت من قائلها على هذه الصفة، أصحبها الله من التوفيق ومنحها من التأييد، ما لا يمتنع معه من تعظيمها صدور الجبابرة، ولا يذهل عن فهمها معه عقول الجهلة
وقد قال عامر بن عبد قيس: «الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان» .
وقال الحسن رحمه الله، وسمع رجلا يعظ، فلم تقع موعظته بموضع من قلبه، ولم يرق عندها، فقال له: «يا هذا، إن بقلبك لشر أو بقلبي» .
وقال علي بن الحسين بن علي رحمه الله: لو كان الناس يعرفون جملة الحال في فضل الاستبانة، وجملة الحال في صواب التبيين، لأعربوا عن كل ما تخلج في صدورهم، ولوجدوا من برد اليقين ما يغنيهم عن المنازعة إلى كل حال سوى حالهم. وعلى أن درك ذلك كان لا يعدمهم في الأيام القليلة العدة، والفكرة القصيرة المدة، ولكنهم من بين مغمور بالجهل، ومفتون بالعجب ومعدول بالهوى عن باب التثبت، ومصروف بسوء العادة عن فضل التعلم.
وقد جمع محمد بن علي بن الحسين صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين، فقال: «صلاح شأن جميع التعايش والتعاشر، ملء مكيال ثلثاه فطنة، وثلثه تغافل» . فلم يجعل لغير الفطنة نصيبا من الخير، ولا حظا في الصلاح لأن الإنسان لا يتغافل إلا عن شيء قد فطن له وعرفه.
وذكر هذه الثلاثة الأخبار إبراهيم بن داحة، عن محمد بن عمير. وذكرها صالح بن علي الأفقم، عن محمد بن عمير. وهؤلاء جميعا من مشايخ الشيع، وكان ابن عمير أغلاهم.
وأخبرني إبراهيم بن السندي، عن علي بن صالح الحاجب، عن العباس ابن محمد قال: قيل لعبد الله بن عباس: أنّى لك هذا العلم؟ قال: «قلب عقول، ولسان سؤول» . وقد رووا هذا الكلام عن دغفل بن حنظلة العلامة.
وعبد الله أولى به منه. والدليل على ذلك قول الحسن: إن أول من عرف بالبصرة ابن عباس، صعد المنبر فقرأ سورة البقرة، ففسرها حرفا حرفا، وكان مثجا يسيل غربا.
المثج: السائل الكثير، وهو من الثجاج. والغرب، ها هنا: الدوام
هشام بن حسان وغيره، قال: قيل للحسن: يا أبا سعيد، إن قوما زعموا أنك تذم ابن عباس. قالوا: فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: إن ابن عباس كان من الإسلام بمكان، إن ابن عباس كان من القرآن بمكان، وكان والله له لسان سؤول، وقلب عقول، وكان والله مثجا يسيل غربا.
قالوا: وقال علي بن عبد الله بن عباس: من لم يجد مس الجهل في عقله، وذل المعصية في قلبه، ولم يستبن موضع الخلة في لسانه، عند كلال حده عن حد خصمه، فليس ممن ينزع عن ريبة، ولا يرغب عن حال معجزة، ولا يكترث لفصل ما بين حجة وشبهة.
قالوا: وذكر محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، بلاغة بعض أهله فقال: إني لأكره أن يكون مقدار لسانه فاضلا على مقدار علمه، كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله.
وهذا كلام شريف نافع، فاحفظوا لفظه وتدبروا معناه، ثم اعلموا أن المعنى الحقير الفاسد، والدني الساقط، يعشش في القلب ثم يبيض ثم يفرخ، فإذا ضرب بجرانه ومكن لعروقه، استفحل الفساد وبزل، وتمكن الجهل وقرح «1» ، فعند ذلك يقوى داؤه، ويمتنع دواؤه، لأن اللفظ الهجين الردي، والمستكره الغبي، أعلق باللسان، وآلف للسمع، وأشد التحاما بالقلب من اللفظ النبيه الشريف، والمعنى الرفيع الكريم. ولو جالست الجهال والنوكى، والسخفاء والحمقى، شهرا فقط، لم تنق من أوضار كلامهم، وخبال معانيهم، بمجالسة أهل البيان والعقل دهرا، لأن الفساد أسرع إلى الناس، وأشد التحاما بالطبائع. والإنسان بالتعلم والتكلف، وبطول الاختلاف إلى العلماء، ومدارسة كتب الحكماء، يجود لفظه ويحسن أدبه، وهو لا يحتاج في الجهل إلى أكثر من ترك التعلم، وفي فساد البيان إلى أكثر من ترك التخير
ومما يؤكد قول محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، قول بعض الحكماء حين قيل له: متى يكون الأدب شرا من عدمه؟ قال: إذا كثر الأدب، ونقصت القريحة.
وقد قال بعض الأولين: «من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه، كان حتفه في أغلب خصال الخير عليه» . وهذا كله قريب بعضه من بعض.
وذكر المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب رحمه الله فقال: «كان والله أفضل من أن يخدع، وأعقل من أن يخدع» .
وقال محمد بن علي بن عبد الله بن عباس: «كفاك من علم الدين أن تعرف ما لا يسع جهله، وكفاك من علم الأدب أن تروي الشاهد والمثل» .
وكان عبد الرحمن بن إسحاق القاضي يروي عن جده إبراهيم بن سلمة، قال: سمعت أبا مسلم يقول: سمعت الإمام إبراهيم بن محمد يقول: يكفي من حظ البلاغة أن لا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق، ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع.
قال أبو عثمان: أما أنا فأستحسن هذا القول جدا
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
هو أبو معاذ بشار بن برد بن يرجوخ ، ولد بالبصرة في أواخر . من طخارستان ممن سباهم المهلب القرن الأول ل...
عبر أداء الأحزاب الهندية والحزب الحاكم فى الإنتخابات الهندية العامه التى أجريت فى شهر مايو 2024م أنه...
ي عالم الأعمال المعاصر، يشكل الامتثال القانوني حجر الزاوية في تحقيق النجاح وضمان استدامة الأعمال، كم...
Everyone wants to look beautiful to help them feel good about themselves. This can lead to greater h...
Section Three: Corporate Social Responsibility and Ethical Issues I. Corporate Social Responsibil...
بعد أن أنتخب " لويس نابليون بونابرت الثالث " كرئيس للدولة من طرف الجمعية الوطنية الفرنسية في شهر ديس...
قبل أن تُبنى ناطحات السحاب، وقبل أن يُعرف الفولاذ، دار حوارٌ أبديٌّ بالحجر. طرفه الأول كان فيلسوفاً ...
أبرز الخلافات في التاريخ الإسلامي: الخلافة الراشدة (632–661م): أبو بكر، عمر، عثمان، علي رضي الله عنه...
Chaque demi-voilure est constituée d'un (ou de plusieurs) longerons attachés au fuselage au niveau d...
Magnetic Resonance Imaging (MRI) is a non-invasive medical imaging technique. It uses non-ionizing r...
في المعاينة العنقودية يتم اختيار مجموعات وليس أفراد حيث يتم الاختيار العشوائي مناطق أو مجموعات أو تج...
Enhancing ethical leadership within the organization requires a multifaceted approach. Leaders must ...