لخّصلي

الحرب سجالاً بينه وبين سلطان بن حمود بن رشيد، حدثت فيها عدة معارك أهمها الطرفية عام ١٣٢٥هـ / ١٩٠٧م ، والأشعلي عام ۱۳۲۷ هـ / ١٩٠٨م التي ضعف بعدها مركز سلطان بن حمود، وقامت ضده ثورة في حائل تزعمها أخوه سعود بن حمود ، وقتل سلطانا وتولى الحكم بعده ، وعقد صلحاً مع ابن سعود. وهذا بالتالي أضعف من مركز محمد أبا الخيل في بريدة الذي حاصره عبدالعزيز آل سعود في قـصـر الإمارة، ووجد تعاونا من كثير من أهل المدينة، مما اضطر محمد أبا الخيل إلى طلب الأمان، فسلم ورحل بأسرته إلى العراق عام ١٣٢٦هـ / ١٩٠٨م
وتفرغ عبدالعزيز آل سعود بعد ذلك إلى معالجة حركة الهزازنة في الحريق حيث استطاع هزيمتهم في مــــعــــركــــة هناك عــــام ۱۳۲۸هـ / ١٩١٠م فعادوا إلى الطاعة من جديد . أما مسألة أسر أخيه سعد عند الشريف حسين ، فقد تم حلها سلمياً حينما وافق على طلب الشريف بإعلانه الاعتراف الاسمي بسيادة الدولة العثمانية ليتقرب بذلك الشريف حسين عند الباب العالي، وكان حديث عهد بشرافة مكة. وهكذا أطلق سراح سعد عام ١٣٢٨ هـ / ١٩١٠م

وفي تلك الفترة أيضاً سمح الأتراك في الأحساء لقافلة ابن سعـود بالامتيار. وبذلك استطاع عبد العزيز آل سعود الانتصار بالحرب حينا وبالسياسة حيناً آخر ، فعادت قوة ابن سعود هي المهيمنة في المنطقة كما كانت، ولهذا نجده في هذه الفترة ينجح في ضم منطقة الأحساء إلى حکمه عام ١٣٣١ هـ / ۱۹۱۳م كما سيأتي . وقبل الحديث عن ذلك نريد أن نكمل الحديث عن توحيد نجد كلها بالحديث عن ضم حائل . (جـ) انعام توحيد نجد ( ضم حائل ) : لم يدم الأمر طويلاً لسعود بن حمود في حائل ، فقد قامت ثورة ضده قضت عليه وتولى بعده ) سعود بن عبدالعزيز بن متعب ) ، ومن ورائه أخواله ( السبهان ) ، وعادت الحرب بين حائل وعبدالعزيز آل سعود من جديد، وقامت عدة معارك لعل من أهمها معركة ( جراب ) قرب الزلفي - في ربيع أول ١٣٣٣هـ / ١٩١٥م ، التي يراها بعض المؤرخين إحدى جوانب الحرب العالمية الأولى على اعتبار أن ابن رشيد كان مدعوماً من الدولة العثمانية حينذاك، وأن عبد العزيز آل سعود كان في هذه الفترة تحاول بريطانيا جذبه إليها، أو وقوفه على الحياد، وهو ما يبدو أنه تحقق لها حينما أرسلت في تلك الفترة مندوبها ( وليم شكسبير) إلى عبدالعزيز آل سعود من أجل هذا الغرض. وكان شكسبير في معسكر ابن سعود في موقعة جراب ولهذا قتل على يد رجال من شمر في المعركة المذكورة ، والتي لم تكن في صالح الطرفين معاً ولما انتهت الحرب العالمية الأولى بهزيمة الألمان، ومعهم الأتراك العثمانيون ضعف مركز آل رشيد في حائل كثيراً ، فكان ذلك في صالح ابن سعود. ولهذا عقد ( سعود بن رشيد ) صلحاً مع عبدالعزيز آل سعود عام ١٣٣٧ هـ / ۱۹۱۸م ، ولكن لم يلبث أن نقضه بتحريض من الشريف حسين . الذي كانت علاقته بابن سعود قد ساءت بعد هزيمته في موقعة تربة على يد جيش ابن سعود عام ١٣٣٧هـ - كما سيأتي - فتجدد القتال بين عبد العزيز آل سعود وابن رشيد ، ولكن كفة ابن سعود بدأت ترجح في تلك الفترة، وزاد من ذلك استمرار الصراع الأسري على الحكم بین آل رشيد في حائل ، حيث قتل سعود بن رشيد على يد ابن عمه عبدالله بن طلال بن نايف بن طلال بن عبدالله بن رشيد ، وقتل القاتل في نفس اليوم . فتولى الإمارة ( عبدالله بن متعب بن عبدالعزيز) عام ١٣٣٨هـ / ١٩١٩م، ودخل في حرب مع عبدالعزيز آل سعود الذي وصل بجيشه إلى حائل ،لمحاصرتها ولكن ثورة ضد عبد الله بن متعب تزعمها محمد بن طلال بن رشید ظهرت مما اضطر معها إلى أن يهرب من حائل ويلتجئ عند عبد العزيز آل سعود. فأعلن محمد بن طلال الحرب على الدولة السعودية، وكان عبد العزيز آل سعود قد أرسل عدة جيوش المحاصرة حائل، واستمر الحصار والحرب بين الطرفين قرابة شهرين حتى اضطر محمد بن طلال إلى التسليم بعد تأمين عبدالعزيز آل سعود له، وكان ذلك في ٢٩ صفر ١٣٤٠هـ / نوفبمر ۱۹۲۱م . وبهذا تم لابن سعود دخول حائل وضمها إلى حظيرة الدولة السعودية الحديثة لقد ترتب على سقوط حائل فى يد عبدالعزيز آل سعود نتائج مهمة كانت ولا ريب في صالحه وأهمها :-
۱) توحيد منطقة نجد بكاملها تحت سلطة سياسية واحدة، كما كانت عليه في الدولتين السعوديتين الأولى والثانية
٢) القضاء على إمارة آل رشيد في حائل بعد أن حكموا حائل قرابة تسعين عاماً، منذ تعيين عبدالله بن علي بن رشيد أميراً لحائل من قبل الإمام فيصل بن تركي عام ١٢٥١هـ / ١٨٣٥م ()، حتى سقوط حائل عام ١٣٤٠هـ / ١٩٢١م .
٣)دخول المناطق الشمالية من حائل وأهمها منطقة الجوف ووادي السرحان - والتي كانت تابعة لإمارة آل رشيد في حائل ، في طاعة ابن سعود ، وبذلك وصلت حدود سلطتـه شـمـالاً إلى قرب الحدود مع العراق
(٤) تفرغ عبدالعزيز آل سعود لمشاكله مع أمراء الحجاز وعسير والتي انتهت بضمهما إليه ، كما سيأتي
٥)أصبح يطلق على الإمام عبد العزيز آل سعود رسمياً «سلطان نجد وملحقاته» بدون منازع
٦) عامل السلطان عبدالعزيز آل سعود آل الرشيد معاملة حسنة ونقلهم إلى الرياض مكرمين ، وولى على حائل رجلاً من أهلها، هو إبراهيم السبهان )

٧. أصبحت منطقة نجد أكثر أمناً وخاصة القصيم المتاخمة لحائل، والتي كانت ذات أهمية عسكرية لتعرضها لهجمات ابن رشید قبل ذلك

(د) ضم الأحساء : : أما عن ضم عبدالعزيز آل سعود الأحساء إلى حكمه، فقد تم ذلك في عام ١٣٣١هـ / ۱۹۱۳م - كما أشرنا سابقاً وقد كانت الأحساء ضمن مناطق الدولتين السعوديتين الأولى والثانية ، وفي عام ١٢٨٨هـ/ ١٨٧١م استولى عليها الأتراك العثمانيون في فترة النزاع بين عبدالله وسعود ابني فيصل بن تركي - كما سبق وقد وجد عبدالعزيز آل سعود نفسه مدفوعاً لضم هذه المنطقة المهمة ليصل بإمارته إلى البحر من ناحية، ولأهميتها الاقتصادية له ، حيث إنها بلد زراعي والضعف حاميتها التركية، وكره كثير من الأهالي هناك للحكم التركي، وترحيبهم بعودة الحكم السعودي، بل مراسلتهم لابن سعود في ذلك . هذا بالإضافة إلى أن الأحساء أصبحت ملجأ للمعادين لابن سعود وخاصة من قبائل العجمان وآل مرة الذين كانوا يعتدون على قوافل ابن سعود المتجهة إلى الكويت، ثم يلجؤون إلى الأحساء . كما أن عبدالعزيز آل سعود رأى أن الأتراك كثيراً ما كانوا يجعلون من وجودهم في الأحساء سبيلاً لمحاصرته اقتصادياً ، ومنها لقافلة ابن سعود من الامتيار من الأحساء ، كما سبق ووجد عبد العزيز آل سعود أوائل عام ١٣٣١ هـ / ١٤١٣م أن الوقت مناسب للقيام بعملية ضم الأحساء فالدولة العثمانية حينذاك مشغولة بمشاكلها الأخرى بعد هزيمتها في حرب البلقان ١٣٣٠ هـ / ١٩١٢م كما أن هذه الفترة كانت قد شهدت عقد صلح بينه وبين سعود بن عبدالعزيز بن رشيد فهو مطمئن أكثر من ذي قبل للجبهة الشمالية من إمارته. وهكذا قرر البدء بعملية استرداد الأحساء، حيث خرج من الرياض بطريقة سرية تشبه حادثة استرداد الرياض، بستمائة من أتباعه متجهاً نحو الهفوف - قاعدة الأحساء - ووضع لذلك خطة حربية تقوم على التمويه على قبائل آل عجمان وبني مرة بأنه يريد غزو جهة الشمال، وكان يخشى من وقوفهم ضده في عملية ضم الأحساء لأنهم كانوا مستفيدين من وضع الأحساء بيد الأتراك، الذين كانوا يغضون الطرف عما تقوم به هذه القبائل من أعمال السلب والنهب وقطع الطريق على القوافل التجارية. وهكذا صرفهم ابن سعود بهذا التمويه من التواجد قرب الأماكن المهمة بالأحساء وبمجرد وصول ابن سعود بجنده إلى الهفوف وضع لذلك خطة لاقتحام سور ( الكوت ) تتلخص في تسلق بعض رجاله جوانب السور ليلة ٥ جمادى الأولى ١٣٣١ هـ / ١٣ أبريل ۱۹۱۳م ورميهم الحبال للباقين حتى يصبح العدد كافياً . فلما تكاثر الرجال داخل الكوت ، أعلنوا بصوت مرتفع دخول البلاد في حكم عبدالعزيز آل سعود ويبدو أن الحامية التركية قد فوجئت بذلك فضعفت مقاومتها واضطرت للتسليم في اليوم التالي. وهكذا سقطت الهفوف وبسقوطها سقطت بقية المنطقة، إذ أن عبد العزيز آل سعود كان قد أرسل سرية إلى (القطيف) استولت عليها وسلمت الحامية التركية فيها. ثم غادر الجنود الأتراك المنطقة إلى العراق عن طريق البحر من بعد تأمين ابن سعود لهم. وبذلك دخلت منطقة الأحساء في حظيرة الدولة السعودية الجديدة، وترتب على ذلك نتائج أهمها :
۱) استتب الأمن في الأحساء بعد أن كان مفقوداً أو شبه مفقود ، سواء لدى الحاضرة أم البادية ولما حاول العجمان التمرد، قضى عبدالعزيز آل سعود على تمردهم بحزم .
(٢) أرسلت الدولة العثمانية وفداً مفاوضاً إلى الإمام عبدالعزيز آل سعود واعترفت به متصرفاً للأحساء .
(۳) وصول عبدالعزيز آل سعود في حدود سلطته إلى إمارات الخليج ومياهه المهمة لدى بريطانيا، مما جعلها تهتم بابن سعود وتسعى إلى التقرب نحوه وانتهى ذلك بعقد معاهدة دارين أو القطيف بينهما عام ١٣٣٤ هـ / ١٩١٥م ، والتي لا تختلف كثيراً عن معاهداتها مع إمارات الخليج، ولهذا سعى عبد العزيز آل سعود إلى إلغائها بمعاهدة جدة عام ١٣٤٥هـ / ۱۹۲۷م -كما سيأتي
(٤) دعمت الأحساء مركز عبدالعزيز آل سعود العسكري والاقتصادي، فاستفاد منها في حروبه القادمة في حائل والحجاز وعسير، كما كان دعما له في مشروع إنشاء الهجر ٥) اصبحت امارة ال رشيد في حائل محاصرة من الشرق والجنوب من قبل ابن سعود مما أضعف مركزها العسكري بعد ذلك
(٦) سعي بعض الدول الكبرى إلى الاتصال بعبد العزيز آل سعود وإقامة علاقات واتصالات معه وخاصة بريطانيا وفرنسا والدولة العثمانية. فبدأت تظهر الدبلوماسية السعودية، وبدأ عبدالعزيز آل سعود يستعين ببعض مثقفى العرب لهذا الغرض وتعيينهم على وظيفة مستشارين سياسيين
(٧) إعادة نشر الدعوة السلفية في الأحساء، وتمكينها من التطبيق عملياً، حيث تم القضاء على ما في المجتمع من بدع وخرافات انتشرت في غياب الحكم السعودي عن المنطقة