لخّصلي

لقاء مع سي الطيب الوطني ( محمد بوضياف ) .في أواخر 1949 كنت أناضل في صفوف الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية ، وأنشط على مستوى هياكل المنظمة الخاصة تحت قيادة مسؤول الناحية محمود بوضياف وأصله من باتنة، وأثناء لقاء عادي في مقهى شعبي بالقصبة، قدم
لي مناضلا يدعى سي الطيب . كنا نتحدث عن أمور بسيطة، وقلت له بأنني أمارس حرفة الخياطة وأنني تحصلت على شهادة من دار الخياطة الدولية ( دارو » Daroux . حدثته عن التمييز الذي كانت تمارسه الغرفة التجارية في حق الجزائريين الذين تقدموا لهذه المسابقة بالذات وعن السلوك العنصري الذي اتصف به المترشحون الآخرون من ذوي الأصل الفرنسي اتجاههم،هذا اللقاء الأول مع سي الطيب، واسمه الحقيقي محمد بوضياف، كان فاتحة عهد صداقة بيننا دامت أكثر من أربعين سنة، تخللها كثير من التقارب والمخاوف
والافتراقات والآمال .قطعنا معاً طيلة مسيرتنا النضالية شوطاً كبيراً، إلى أن جاء ذلك اليوم التعس - التاسع والعشرين جوان 1992 على الساعة الحادية عشرة والنصف، وكنا ساعتها مجتمعين في دورة للمجلس الوطني الاستشاري الذي يرأسه رضا مالك ،الرئيس بوضياف اغتيل في عنابة ) .هل كان منزعجاً إلى درجة أنه نسي أن يرفع الجلسة ؟ يومها لم يعرف رضا مالك كيف يتصرف برزانة الرجل السياسي . غادرت القاعة، وتبعني محمد الشريف عباس و طرودي الهاشمي وعدد من الأعضاء الآخرين. كنت في حالة أخرى،السير نائماً رجعت إلى البيت راجلا .على الساعة الواحدة و 13 دقيقة، وعندما رأيت على شاشة التلفزيون الوجه العبوس للصحافي وهو يعلن عن وفاة سي الطيب، تحققت جازما أن رمز الثورة اغتيل. ولم أعد أسمع شيئاً، سبقت دموعي رغبتي في البكاء، وصار حلقي متشنجا وشعرت بفتور همتي . ولم أعد أدري إن كان علي أن استمع إلى الأخبار أم أعلن نبأ الاغتيال
لزوجتي وأولادي . لقد صرت عاجزاً عن التعليق على هذا الخطب الجلل. عندما تعرفت على محمد بوضياف، كان حينها قد حوّل من قسنطينة إلى العاصمة. وغادر هيئة الأركان الجهوية لشرق الجزائر التي ينوبه في قيادتها العربي بن مهيدي ويساعده ثلاثة عناصر أخرى ستبرز مستقبلاً، وهم ديدوش مراد وغراس
عبد الرحمان والعمودي عبد القادر .وانضم إلى هيئة الأركان العامة للمنظمة الخاصة تنفيذاً لقرار من قيادة الحزب ( حزب الشعب / الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية)، وتم ذلك عقب وقوع حدثين هامين : الأزمة البربرية وإقصاء لمين دباغين الذي كان عضواً في القيادة فيما يخص هذين الحدثين،

لقاء مع سي الطيب الوطني ( محمد بوضياف ) .

في أواخر 1949 كنت أناضل في صفوف الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية ، وأنشط على مستوى هياكل المنظمة الخاصة تحت قيادة مسؤول الناحية محمود بوضياف وأصله من باتنة، وأثناء لقاء عادي في مقهى شعبي بالقصبة، قدم

لي مناضلا يدعى سي الطيب . كان الرجل متدثراً في قشابية داكنة طويل القامة، نحيل الجسم، عيناه تبرقان .

يتكلم كثيراً وبصوت صاف. يكبرني سنا بحوالي عشر سنوات . كان إنساناً ظريفاً لسانه مهذباً. كنا نتحدث عن أمور بسيطة، وقلت له بأنني أمارس حرفة الخياطة وأنني تحصلت على شهادة من دار الخياطة الدولية ( دارو » Daroux . حدثته عن التمييز الذي كانت تمارسه الغرفة التجارية في حق الجزائريين الذين تقدموا لهذه المسابقة بالذات وعن السلوك العنصري الذي اتصف به المترشحون الآخرون من ذوي الأصل الفرنسي اتجاههم، فحدق في وتمتم لي مبتسماً : لا تنس أنهم في بلاد

احتلوها » .

هذا اللقاء الأول مع سي الطيب، واسمه الحقيقي محمد بوضياف، كان فاتحة عهد صداقة بيننا دامت أكثر من أربعين سنة، تخللها كثير من التقارب والمخاوف

والافتراقات والآمال .

قطعنا معاً طيلة مسيرتنا النضالية شوطاً كبيراً، إلى أن جاء ذلك اليوم التعس - التاسع والعشرين جوان 1992 على الساعة الحادية عشرة والنصف، وكنا ساعتها مجتمعين في دورة للمجلس الوطني الاستشاري الذي يرأسه رضا مالك ، عندما طلب هذا الأخير على خط الهاتف وعاد بعد لحظات ليعلن المجلس منذهل الخبر المشؤوم :

الرئيس بوضياف اغتيل في عنابة ) . فعرفت أنني فقدت صديقا وشقيقا .

هل كان منزعجاً إلى درجة أنه نسي أن يرفع الجلسة ؟ يومها لم يعرف رضا مالك كيف يتصرف برزانة الرجل السياسي . غادرت القاعة، وتبعني محمد الشريف عباس و طرودي الهاشمي وعدد من الأعضاء الآخرين. كنت في حالة أخرى، وكمن تعود

السير نائماً رجعت إلى البيت راجلا .
على الساعة الواحدة و 13 دقيقة، وعندما رأيت على شاشة التلفزيون الوجه العبوس للصحافي وهو يعلن عن وفاة سي الطيب، تحققت جازما أن رمز الثورة اغتيل. ولم أعد أسمع شيئاً، سبقت دموعي رغبتي في البكاء، وصار حلقي متشنجا وشعرت بفتور همتي . ولم أعد أدري إن كان علي أن استمع إلى الأخبار أم أعلن نبأ الاغتيال

لزوجتي وأولادي . لقد صرت عاجزاً عن التعليق على هذا الخطب الجلل. عندما تعرفت على محمد بوضياف، كان حينها قد حوّل من قسنطينة إلى العاصمة. وغادر هيئة الأركان الجهوية لشرق الجزائر التي ينوبه في قيادتها العربي بن مهيدي ويساعده ثلاثة عناصر أخرى ستبرز مستقبلاً، وهم ديدوش مراد وغراس

عبد الرحمان والعمودي عبد القادر .

وانضم إلى هيئة الأركان العامة للمنظمة الخاصة تنفيذاً لقرار من قيادة الحزب ( حزب الشعب / الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية)، وتم ذلك عقب وقوع حدثين هامين : الأزمة البربرية وإقصاء لمين دباغين الذي كان عضواً في القيادة فيما يخص هذين الحدثين، قام بعض المسؤولين السامين في هيئات الحزب بعقد تجمعات على مستويات ضيقة قصد تبرير الإجراءات والقرارات المتخذة وإعلان التوجيهات المقررة في القمة المتمثلة في إقصاء عدد من مسؤولي منطقة القبائل، مثل عمر أو صديق وواعلي بناي وعمر ولد حمودة والصادق هجرس ورشيد علي

يحي ومناضلين آخرين معروفين .

وعلمنا بعدها بنبأ إبعاد حسين آيت أحمد الذي طلب منه أن يتخلى عن مهمته على رأس المنظمة الخاصة لصالح أحمد بن بلة، وقد شكلت هذه الإجراءات كلها

حدثا بارزا في حياة الحزب .

وكان قرار إقصاء لمين دباغين من رئاسة الحزب على نفس القدر من الأهمية، وقد

سلم له القرار بعد أن دخل في صراع مع مصالي الحاج .

ستصبح علاقاتي بسي الطيب الوطني ) كان واحداً من الأسماء المستعارة لمحمد بوضياف ) أكثر عمقاً وأكثر جدية منذ اعتقالي في شهر ديسمبر 1949 على يد شرطة الاستخبارات العامة للعاصمة. رحت ضحية وشاية أحد جواسيس مصالح