لخّصلي

في الحضارة الإسلامية، كانت المرأة تحظى بدور مهم ومرموق في المجتمع. كانت لها حقوق اجتماعية وقانونية متطورة للعصور التي عاشت فيها. على الرغم من التباين في التطبيقات من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر، إلا أنها كانت تتمتع بحقوق مثل الحق في التعليم والميراث والملكية الفردية والمشاركة في الحياة الاقتصادية. كما كان للمرأة دور مهم في الحياة السياسية والاجتماعية، حيث شهدنا حضورها في الاستشارات السياسية والمشاركة في القرارات المجتمعية.كما كانت لها حقوق في العمل والمشاركة في الاقتصاد، سواء كان ذلك في الزراعة أو الصناعة أو التجارة. على الرغم من أنها قد تعرضت في بعض الأحيان للتحديات والقيود، إلا أن الحضارة الإسلامية اعتبرت المرأة شريكًا مساويًا في بناء المجتمع وتحقيق التقدم .

2.الأهداف
عندما نتحدث عن المرأة في الإسلام وفي الحضارة الإسلامية، نسعى إلى تحقيق عدة أهداف مهمة. أولاً، نسعى إلى تسليط الضوء على الدور الذي لعبته المرأة في تطور الحضارة الإسلامية، وعلى مساهمتها الفعّالة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما نهدف إلى إلقاء الضوء على الحقوق التي كانت للمرأة في الإسلام، والتي شملت الحق في التعليم، والميراث، والمشاركة في القرارات السياسية.
ثانياً، نسعى إلى محو الصور النمطية والأفكار الخاطئة حول دور المرأة في الحضارة الإسلامية، وتوضيح أنها كانت شريكاً متساوياً في بناء المجتمع وتحقيق التقدم. وبالتالي، نسعى إلى تعزيز فهم أعمق وأكثر توازناً للتاريخ والثقافة الإسلامية، وتقدير دور المرأة فيها كعنصر حيوي ومؤثر.

2. الارتباط بالمقرر والارتباط بالسعاده
في مشروعنا حول دور المرأة في الحضارة الإسلامية، يتضح الارتباط المقرّر بين تسليط الضوء على مساهمات المرأة وحقوقها في هذه الحضارة وبين تحقيق مفهوم أعمق وأكثر توازناً للتاريخ والثقافة الإسلامية. بالتركيز على دور المرأة في مجالات العلم والثقافة والاقتصاد والسياسة في الحضارة الإسلامية، نسعى لتعزيز الفهم الشامل لتأثيرها الإيجابي والمتعدد الأوجه على تطور الحضارة وتشكيلها.
ومن خلال تعزيز هذا الفهم وإزالة الصور النمطية والأفكار الخاطئة حول دور المرأة في الحضارة الإسلامية، نسعى إلى بناء مجتمع أكثر توازناً واحترامًا للمساواة والحقوق. فالتأكيد على دور المرأة كشريك متساوٍ في بناء المجتمع وتحقيق التقدم يسهم في تعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة.
وبالتالي، يرتبط مشروعنا بالسعادة من خلال تحقيق العدالة والمساواة والاحترام لجميع أفراد المجتمع، بما في ذلك النساء فالمجتمعات التي تقدر وتُشجع على مشاركة المرأة بكامل إمكانياتها تكون أكثر سعادة وازدهارًا، حيث يشعر أفرادها بالتقبل والتقدير والتمكين.
لا شك ان كان للمرأة حظا وفيرا من الاجلال والكرامة في المجتمع الاسلامي , وتاريخ الحضارات الاسلامية يشهد على ذلك , لكن خصوصا في الحضارة الاندلسية , فقد اشتهر المجتمع الاندلسي بعلم وثقافة وعلو مكانة نساءه , فكن نساء العرب والشرق يغرن مما لدى نساء الاندلس من حريات وصلاحيات لم تحظى بها النساء من قبلهن, ويهدف هذا البحث لتسليط الضوء على جزء بسيط من كرامات المرأة الاندلسية في عصرها في شتى مجالات ونواحي المجتمع.
اولا : الجانب الديني
جرت العادة في المجتمع الاندلسي ان تعلق المرأة الحافظة لكتاب الله قنديلا امام باب بيتها للاستدلال بحفظها وجلب الشرف والفخر لاهل بيتها , ويذكر ان كان في قرطبة مايقارب ال 60,000 حافظة للقرأن. وقد امتلأت مجلدات كتب التاريخ باسماء فقيهات اندلسيات برعن في تعلم ونقل الشريعة والعلوم الاسلامية , مثل "فاطمة بنت يحيى بن يوسف المغامي" , التي قال عنها المؤرخ الاندلسي "ابن عميرة الضبي" انها "كانت خيرة فاضلة عالمة فقيهة ورعة"(1) , و"خديجة بنت جعفر التميمي" التي كانت تروي عن زوجها -والذي كان فقيها لقرطبة- قراءة بخط يدها عن ما سمعته منه(2). اما في رواية الاحاديث والسنة , ف تعد "عابدة المدنية" من اشهر الامثلة , فقد قيل عنها "انها تروي اكثر من عشرة الاف حديث"(3) , و "خديجة الشنتجيالي" و "فاطمة بنت محمد اللخمي" و "حبيبة الاندلسية" وغيرهن.
ثانيا : الجانب الدبلوماسي و السياسي :
وقد اشتهرت المرأة الاندلسية بقوة شخصيتها ودهائها , فكان لها حضور قوي في بلاط الامراء ومجالس الحكم , ولعل من اشهر النماذج التي سطرها المؤرخون هي "طروب" جارية الامير "عبدالرحمن الاوسط". كان الامير مولعا بطروب , فاستغلت طروب حبه لها لاغوائه لاختيار ابنها ليكون خليفته في الحكم , حتى ان وصلت الى تهديده. ولما بلغها العلم انه قد اختار ابنا اخر من بانائه , ماكان منها الا ان خطتت لاغتياله وابنه مع احد اتباعه المتحكمين في شوؤن القصر , فذهبت ضرة لها تدعى "فجر" بالوشاية للملك بمخططها , فباءت بالفشل. ولم تنسى صفحات الراوين "عجب" التي قادت دفة الحكم بمكانتها العالية وعلمها الغريز في عصر "الحكم الربضي" , وكانت سببا في ابعاد القاضي محمد بن زياد عن الحكم. والاكثر اهمية "صبح البشكنسية" التي كان لها الكلمة العلية في تعيين الوزراء في الدولة الاموية في عصر "الحكم المستنصر" , وكان دائم الاخذ برأيها ومشورتها (4) , وكذلك "اليخونا" زوجة "عبدالعزيز ابن موسى" , و "در" البشكنسية , وغيرهن الكثيرات.
ثالثا : الجانب العلمي والفني :
نالت المرأة الاندلسية من التعليم والثقافة في جميع المجالات ما ناله الرجال , بل اكثر في بعض الاحيان , فقد ذكر عن ابن حزم الاندلسي انه قال "فمن النساء كالطبيبة والحجّامة والسرّافة والدلّالة والماشطة والنائحة والمغنية والكاهنة والمعلِّمة والمستخفّة والصُّنّاع في الغزل والنسيج"(5) و كتب ايضا "ولقد شاهدتُ النساء وعلمتُ من أسرارهنّ ما لا يكاد يعلمه غيري، لأنّي ربيت في جحورهنّ ونشأت في أيديهنّ… وهنّ علمنني القرآن وروينني كثيرًا من الأشعار ودرّبنني في الخط" , ومن الامثلة الكثير ك"الولادة بنت المستكفي" , الملقبة ب"شاعرة قرطبة والاندلس" و "لبنى بنت عبدالمولى الاندلسية" التي كانت كاتبة الخليفة "الحكم الثاني" في زمن لم تشتهر النساء بالكتابة فيه , فكانت تنسخ مجلدات مكتبة الخليفة بخط يدها , وقال عنها ابن بشكوال "لبنى كاتبة الخليفة الحكم بن عبد الرحمن، كانت حاذقةً بالكتابة، نحوية، شاعرة، بصيرة بالحساب، وعلمها في الرياضيات واسعٌ وعظيم، مشاركة في العلم، وكانت عروضية رائعة الخط، لم يكن في القصر أنبل منها"(6) , كما ذكر عن الزهراوي انه كان يعلم النساء مبادئ الخياطة والجراحة. واشتهرت نساء الاندلس ببراعتهن ونبوغهن في الفنون والاشعار , ومن الشاعرات الاندلسيات التي لمعت اسمائهن "الجارية الجعفاء" , "حسانة التميمية" , "قمر الاشبيلية" , و "عائشة بنت احمد القرطبية".
رابعا : الجانب الاجتماعي
كانت المرأة الاندلسية تتمتع بحرية مطلقة وحقوق لم تحظى بها النساء من قبلها شرقا او غربا , ولعل ذلك يعود الى احتكاك المجتمع الاندلسي بالمجتمع الامازيغي , الذي يقدس المرأة ويكن لها احتراما شديدا , كما يقوم على نظام مجتمعي اسري امومي , فترى لمحات من الثقافة الامازيغية في بعض العادات في المجتمع الاندلسي , مثل كنية الرجل بأسم امه , وهو ما لم يعتد عليه المجتمع العربي , مثل عبدالله بن عائشة و ابن القرشية وعبدالله بن صرة(7) . ولعل من اشهر ماعرف عن الاندلس وابقاه من تراث هي الموشحات الاندلسية , ويجدر بالذكر ان كانت المرأة العامل الاساسي في ظهور وانتشار ذلك النوع من الموسيقى , بل وكانت الموسيقى والغناء بشكل عام جزءا لا يتجزء من ثقافة وحياة المجتمع الاندلسي النسائي , فقد انتشرت الاكاديميات الموسيقية في ارجاء قرطبة , وكن نساء الاندلس المسلمات ينجذبن لها , فقد روى ابن الكناني قائلا : " شهدت يوماً مجلس " مسيحية إسبانية " وهي بنت شاتجة ملك البشكنس، زوج الطاغية شانجة بن غربية، وترددوا عليه في الفتنة عام (۱۱۳۲م) وكان في المجلس عدة فتيات مسلمات من اللآتي وهبهن له سليمان بن الحكم، أيام إمارته بقرطبة، فأومئت بنت شاتجة إلى جارية منهن، فأخذت العود، وغنت فأحسنت