لخّصلي

نحو اطارا منهجيا للنقد المعماري والعمراني

أن صياغة الإطار المنهجي المقترح تتبلور من إجابة ثلاث تساؤلات جوهرية

1 - من يصلح لممارسة النقد المعماري؟

2 - ما هي الكيفية أو المنهجية التي من خلالها ينقذ العمل المعماري؟

3 - أين المجالات التي يمارس بها النقد المعماري؟

المعماري ناقداً للعمارة

أن القضية الأولى في صياغة المنهج النقدي المقترح هي الرغبة في معرفة من هو الممارس الامثل

للنشاط النقدي في مجال العمارة والعمران، خاصة أن أدوات العمارة بصفة عامة والتعامل مع

العمارة بصيغة نقدية بصفة خاصة أصبحت في أيدي مجموعة متناقضة من التخصصات من خارج

المجال المعماري. يأتي في مقدمة هؤلاء المؤرخين الفنيين والاجتماعيين وعلماء النفس وعلماء

الآثار والصحفيين وعلاقة المعماري مع هذه التخصصات هي علاقة وثيقة ومثمرة، إلا عندما يبدأ

هؤلاء في التعامل على أساس أنهم نقاد يجب ان تطاع آرائهم بالكامل، وهي ظاهرة شديدة التناقض

وحالة يصعب تخيلها في مجالات الممارسة الأخرى. فالناقد أو المؤرخ الفني الذي تعود أن يدرك

العمل الفني إدراكاً بصرياً فقط يتعامل مع السطح ثنائي الأبعاد كبؤرة اهتمام، وبالتالي فهو متمرن

وخبير في تحليل الخواص الشكلية للأعمال الفنية والتطور الحادث بها على مر الحقبات الثقافية

المختلفة. وفي مجال ابداعي اخر مثل النحت، فإن الناقد الفني لا يعنى بشيء داخل العمل ولا يجده

جدير بتفسيره وتحليله حتى القوى العاملة على تماسك هذا الشكل، كما أنه غير مطالب بمتابعة

العمليات المصاحبة لإنتاج قطعة من البرونز أو تمثال من الفخار. وبالتالي فإن الناقد الفني عندما

يتعامل مع العمارة فإنه يتعامل معها بنفس المنهجية التي تعود عليها في متابعة للأعمال الفنية. أي أنه

يقيم تجربة معمارية رباعية الأبعاد بنفس المنهج والوسائل التي يقيم بها تجربة فنية ثنائية الأبعاد، مما

يجعل نتائج نقده وتقييمه بعيدة عن الدور الحقيقي للناقد على الجانب الآخر فإننا نجد علماء الاجتماع

النقد المعماري ودوره في تطوير العمران المعاصر

دراسة تحليلية

وعلماء النفس على الرغم من مساهماتهم المتميزة في نظريات العمارة 138 إلا أن جهدهم النقدي ينصب على تقديم تفسيرات لدور الحواس في إدراكنا للفراغ المعماري وكذلك فهم النتائج السلوكية

للمعالجات المختلفة للفراغات المعمارية.

والفارق الجوهري للدعوة بان يمارس النقد المعماري والعمراني انسان تلقى ولو جزءا من الاعداد المهني للمعماري، أن ناقد العمارة يجب أن يتفهم كيف تتم العمليات التصميمية التي من شأنها إخراج العمل المعماري وتحويله من فكرة في ذهن المعماري أو العميل إلى عمل مجسد في الفراغ. وأن يرتكز إلى القاعدة المعرفية التي تجعله قادراً على تفسير طبيعة ومشاكل العمل التصميمي وإن كان غير مطالب بحل تلك المشاكل، لأن العمارة كما عرفها "لوكوربوزييه" هي عملية خلق متميز ومتفردة يقوم بها المعماري معتمداً على مهاراته وعواطفه وروحه في التعبير عن رؤية فنية معينة وهي تظهر وتعبر عن نفسها من خلال ."Architecture is pure creation of the mind" توظيف الأشكال والتكوينات وتنظيم الفراغات رغبة في الوصول إلى الجمال. إذن المعماري هو أصلح من ينقد العمارة ويؤرخ لها وينظر لها لأنه يدرك العمارة بكل أبعادها ويتفهم العمليات التي من خلالها يخرج العمل المعماري إلى أرض الواقع، ويعي أهمية دورها في تغيير البيئة من حولنا كما أنه يعتمد على تحليل حقيقي يهتم فيه بأداء المبنى بنفس القدر الذي يهتم فيه بمظهره.

مقومات الإطار المنهجي المقترح

أولا : العمق والسياق التاريخي يوجد الناقد للقضية المعمارية او العمرانية التي يواجهها عمقاً تاريخياً يسمح له بالتعرف على جذور المشكلة وأسباب تولدها والسياق التاريخي الذي نبعت من خلاله اذن يتم تحديد إطارا تاريخيا للدراسة النقدية، ويتم هذا التحديد تبعاً للتحولات التي تحدث في مسار العمارة نتيجة أحداث هامة تصيغ هذه التحولات مثل الثورات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو تغير المفاهيم الثقافية والفكرية، أو صدور كتب مرجعية متميزة تحدث تحولا جذريا في مسار الحركة المعمارية. وبالتالي

138 من علماء النفس والاجتماع المتميزين في مجال العمارة Edward. T. Hall - Robert Gutman - James Gibson.

الحالة المصرية والعربية

يصبح من الضروري للناقد عند تناوله للقضايا النقدية تأصيل تلك القضايا تاريخياً واستكشاف جذورها وأسباب تولدها وبيان التطور في تكوينها وعلاقة هذا التكوين بالحادث في الحقبة أو الفترة الزمنية التي تولدت فيها هذه القضايا من أحداث في الجانب السياسي أو الاجتماعي أو تغيرات اقتصادية. وكذلك بيان تأثير تغير القيم والمفاهيم الجمالية السائدة وتغير الإيديولوجيات والعقائد الفكرية. ويستعين الناقد بمختلف أدوات التوثيق والتسجيل وبالمواد اللازمة من خرائط ووثائق وكتب وصور فوتوغرافية موثقة وغيرها لتدعيم هذا البعد التاريخي.