لخّصلي

ترجمة أدبية طويلة، يكتبها المرء لنفسه، لا ليؤرخ لحياته، وإنما ليخفف عن نفسه العبء
الذي يجده بنقل تجربته إلى الناس، "ودعوم إلى المشاركة فيها، فهي متنف َّس طل ْق للفنان، يقـص فيها قصة حياة جديرة بأن تستعاد وتقرأ، وتوضح موقف الفرد من اتمع، كما تمنحـه الفرصـة لإبراز مقدرة فنية قصصية إلى حد كبير، وتريحه نفسيا؛ لأا تستند إلى الاعتراف")2(. ومن أمثلتها في الأدب العربي الحديث "الأيام"، لطه حسين، و"حياتي"، لأحمد أمين، و"إبـراهيم الكاتـب"، لإبراهيم المازني، و"أنا"، و"حياة قلم"، للعقاد، وقد ألم َّ بجوانب منها بعض القدامى، وإن لم يفـرد لها أكثرهم كتبا مستقلة، كما فعل الإمام الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال"، وابـن حـزم في "طوق الحمامة"، وابن الجوزي في "لفتة الكبد"، وأبو شامة المقدسي في "كتاب الروضتين في أخبار الدولتين"، إلخ. وممن أفرد لها كتابا أسامة بن منقذ، وسمى كتابه "الاعتبار"، وابن خلدون، وسمـى كتابه "التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا"، وداعي الدولة الفاطمية، المؤيد في الدين هبـة االله الشيرازي، وسماه "السيرة المؤيدية"، وأبو الربيع سليمان الحوات الشفشاوي، وسماه "ثمرة أنسي
193
)1( لسان العرب، )س ي ر(، والمعجم الوسيط، )س ي ر(. )2( فن السيرة، 99 وما بعدها.
في التعريف بنفسي". وهذا النوع من السيرة هو الذي نرى أن يسمى السيرة الذاتية؛ لأنه عمل أدبي منصب على
الحديث عن الذات، بطريقة لا تخلو من الذاتية، ولا يعنى من الجانب التاريخي إلا بما كـان منـه عنصرا في التجربة التي يكتب عنها.
والسيرة العملية ضرب من ضروب الكتابة الوظيفية، أما السيرة الذاتية، فضرب من ضروب القص، يدخل في الكتابة الإبداعية. وما نعنى بدراسته هاهنا هو السيرة العملية، لا السيرة الأدبية.
والسيرة العملية نبذة يكتبها المرء عن نفسه من أجل أن يقدمها إلى جهة، يرجو عندها
عملا، أو إذنا بحضور مؤتمر، أو ندوة، أو عضوية جمعية أو مؤسسة أكاديمية، أو نشر بعض أعماله العلمية، وإلى الجهات التي تريد أن تحك ِّمه في الأعمال العلمية التي يشترط للتحكيم فيها أن يكون للمحكم من الأعمال العلمية والخبرة الأكاديمية ما يجعله أهلا للتحكيم. وقد يكتبها المرء من أجل التعريف بنفسه، فتحفظ في ملفه، ليطلع عليها من يريد أن يقف على جانب من سـيرته العلميـة والعملية. فالسيرة العملية - إذن - صورة لمسيرة المرء وإنجازاته وتجاربه، يمكن أن تستدل ا الجهة التي تقدم إليها على تاريخه العملي، وما له من خبرات ومواهب، لتنظر: هل هـي في حاجـة إلى شيء من ذلك، أو ليست في حاجة إليه، وبناء على ذلك توظفه أو تعتذر إليه. كما أن المؤسسات الأكاديمية حين تطلع عليها تتبين أمر صاحبها، أهو المرء، تستعين به، أم أن له اهتماما غير الـذي تريد. هذا إلى أن اطلاعها على السيرة يمكنها من الموازنة، فالمفاضلة بين مـن يتقـدمون لتـولي وظائفها، أو من تعرض عليها أسماؤهم للاستعانة م في بعض أعمالها. وعلى الموازنة يبنى اصطفاء
أمثل المتقدمين لما تريد. ولما كانت غاية السيرة العملية التعريف والتوظيف كانت في غنى عن تفاصـيل حيـاة
كاتبها، وآرائه، وانتمائه الفكري والسياسي، إن كان له شيء من ذلك، وكل ِّ ما ليست له صـلة مباشرة بالعمل الذي يتقدم إليه.
وينبغي أن تقتصر على إيراد ما يهم الجهة التي ستقدم لها، من غـير مبالغـة في منجـزات
الكاتب، ولا تفريط في ذكر ما ينبغي أن يذكر، وأن تلتزم الصدق والدقة في كل ما تـورد؛ لأن الجهة التي تقدم لها ستقوم بالتحري عن صحة ما فيها، فإن تبين أن فيها مـا لا يصـح، أو فيهـا مبالغة، كان لذلك أثر سلبي في نفوس من تقدم لهم؛ لأم يعدونه من الكذب والخداع. وبعيد أن
توظف شركة، أو مؤسسة من لا تثق بصدقه واستقامته ونزاهته.