لخّصلي

يف سنة 1971 نشرت صحيفتا واشنطن بوست ونيويورك تايمز "أوراق
ّبها العسكري دانييل إلسبيرغ، وأظهرت كذب
البنتاغون" التي سر
الحكومة األمريكية حول الوضع الحقيقيّ للحرب يف فيتنام. تضمّنت
ّف
ُصن
ّة وأسماء ضباط سريين للمخابرات وأسرارًا ت
الوثائق خُ ططًا عسكري
يف باب "األمن القومي" وهذا يستدعي عدم نشرها، لكن املصلحة
ّة الخداع التي تعرض لها أخضعا
العامة وضرورة إبالغ الجمهور بكمي
املعايير األخالقية للنقاش فأفضى ذلك إلى اتخاذ قرار النشر بناء ىلع
قاعدة: املوازنة بين املصلحة العامة واملصلحة الخاصة.
بعد ذلك انتصرت الصحافة ىلع مفهوم األمن القومي يف ردهات
ّل صمّ ام أمان
املحاكم، بيد أن النقاش األخالقي السابق للنشر شك
للممارسة الصحفية. فالصحفيون يدركون - أكثر من أي أحد آخر خاصة
املشرعين والقضاة - الحقائقَ والقيودَ وااللتزاماتِ التي ينبغي أن تؤطِّ ر
مهنتهم، ولذلك يجب أن يكونوا قادرين ىلع تقييم املمارسات املهنية
وتحديد الضروري منها واملقبول واملبرر، واللجوء إلى الطعن يف تلك
التي تتعارض مع املبادئ األساسية وحدودها.
إن إبقاء نقاش األخالقيات داخل الحقل الصحفي، وإقرار آليات التنظيم
الذاتي للصحفيين )مجالس الصحافة، هيئات مهنية... إلخ( ووضع
ّل
مواثيق أخالقية تحدد بوضوح القواعد التي ال ينبغي تجاوزها، يشك
ضمانات لحماية الصحافة من تدخل السلطتين القضائية والتنفيذية
ّان قوانين قد
اللتين أصبحتا - بمبرر الحد من انتهاك األخالقيات - تسن
تصادر حرية الصحافة.
الجامع يف أخالقيات الصحافة
10
ثمّة تصور يكاد يكون خاطئا لدى بعض الصحفيين بأن سَ نَّ أخالقياتٍ
للصحافة يمكن أن يلقي ىلع كاهل املهنة مزيدا من األعباء فوق أعباء
ّق حرية
النصوص القانونية املؤطرة للصحافة والنشر، وهذا قد يضي
العمل املهني. والحقيقة أنّ الهدف األسمى لهذه املبادئ األخالقية
هو: تجويد العمل الصحايف واحترام قواعد املهنة وأعرافها.
من الواضح أن تطوّر ممارسة مهنة الصحافة جعل الفروق ضئيلة جدا
بين ما ينبغي وما ال ينبغي نشره؛ معنى ذلك أن اتخاذ القرار التحريري
أصبح صعبا جدا، ويمكن أن يتأسس ىلع االجتهاد والتأويل والرؤى
املختلفة للعاملين يف غرف األخبار. وبالتالي ال بد من البحث عن الحد
األدنى من املعايير األخالقية.
"الجامع يف أخالقيات الصحافة" هو ثمرة تعاون وشراكة بين معهد
ّي حاجاتٍ
الجزيرة لإلعالم واملجلس الوطني للصحافة باملغرب، جاء ليلب
ملحةً لدى الصحفيين فيما يخص التمسك بأخالقيات الصحافة.
َّز بأمثلة عملية ومواقف يواجهها الصحفيون
قيمة هذا الكتاب أنه معز
ّل انتهاكا
بشكل يومي دون قدرتهم ىلع الحسم فيها وتحديد ما يمث
لألخالقيات وما يخدم املصلحة العامة.
سيجد الصحفيون واملواطنون الصحفيون بين دفّتي هذا الكتاب تأصيال
نظريا وأمثلة عن املمارسات الفضلى حول قيم االستقاللية والصدق
واإلنصاف والتوازن واملوضوعية وقيم أخرى يمكن أن تساعد يف فهم
أعمق ملفهوم األخالقيات، واألهم من ذلك إعمال الحس النقدي التخاذ
القرار األخالقي الصحيح.
معهد الجزيرة لإلعالم – املجلس الوطني للصحافة
الجامع يف أخالقيات الصحافة
11
تقديم املؤلف
ّشِ طين
يهدف هذا املؤلَّف إلى تزويد الصحفيين أوال، ثم بعد ذلك كل الن
يف مجال تناول الكلمة )باملفهوم العريض كتابة وصوتا وصورة( يف
الفضاء العام - أي كل السّ اعين من موقع أو آخر إلى التفاعل املجتمعي
والتأثير ىلع الرأي العام - بثقافة أخالقيات الصحافة والنشر، وأوجه
ممارستها عمَِليا.
وقد عُنونَ املؤلَّف بـ ”الجامع يف أخالقيات الصحافة“ ىلع اعتبار أن
ُنْشِ ئين
2، وامل
ّقين ىلع مواد الصحافة الرقمية
ِّنين، وجمهور املعل
املدو
ّشطين ىلع
لصفحات خاصة بهم ىلع املنصات الرقمية التفاعلية، والن
شبكات التواصل االجتماعي، وغيرهم من مستعملي التكنولوجيات
الجديدة لإلعالم واالتصال - التي أتاحت فرصا تعبيرية جماعية غير
ّلون فئة مستهدفة ثانية لهذا
مسبوقة يف تاريخ اإلنسانية - يمث
املرجع، إلى جانب الفئة األولى من ممارسي الصحافة كمهنة قائمة
بذاتها، تحظى باملشروعية القانونية من طرف الدول، وكذا االعتراف
املعنوي من طرف املواطنين.
ّر تحديدا إعداد هذا الكتاب، هو أن الخزانة العربية يف أمسّ
وما يبر
ّل مرجعا-
الحاجة اليوم ملؤلَّف يجمع أخالقيات الصحافة والنشر، ويشك
دليال يف هذا الباب، ويعالج أكثر ما يمكن من القضايا األخالقية املرتبطة
ِئا - بحسّ عملي ومنهجية
ّبا ومستقر
ّفا ومرت
ِعا ومصن
باملوضوع، مستجْ م
ْن - البنودَ األخالقية املرتبطة باملوضوع، واملبثوثة هنا وهنالك
جديدي
داخل املواثيق والنصوص ومدوَّنات السلوك األخالقية.
2 يف املغــرب تعبيــر ”الصحافــة اإللكترونيــة“ عــوض الرقميــة هــو الســائد، كمــا هــو الحــال يف فرنســا،
لذلــك ســنجد يف هــذا املؤلــف استشــهادات مــن حقلــي األخالقيــات والقانــون يوظَّ ــف فيهــا لفــظ
”إلكترونــي“ وهــو نفــس مــا تعنيــه كلمــة ”رقمــي“.
الجامع يف أخالقيات الصحافة
12
وفضال عن األدبيات األخالقية الصادرة عن املؤسسات اإلعالمية عبر
العالم، ومرجعيات آداب مهنة الصحافة ذات الصبغة الوطنية أو الدولية
َجْ ِلية جوانب أخرى من
ِرت يف هذا املؤلَّف، فهو ينَْزع إلى ت
ْم
التي استُث
األخالقيات تم إغفالها يف املصادر أعاله، إذ أضحت أخالقيات الصحافة
والنشر متشعِّبة اليوم وبحاجة للتخصص واإلشباع.
وال بد من اإلشارة إلى أن هناك عددا من اإلصدارات حول أخالقيات
ّعة بين إعالن املبادئ العامة
الصحافة، لكنها تظل يف أعمّها متوز
رق يف التنظير والوصايا الفضفاضة
ُغْ ِ
ِزاء الضيق والتصور امل
واالجْ ت
ْن؛
ُبعدها عن اإلدراك والتطبيق املباشِ َري
والجدلية املطبوعة بأكاديمية ت
ِج يف هذا املؤلف إال ما تصوّرنا أنه سيخدم
ُدْ ر
واستنادا إلى ذلك لم ن
أخالقيات الصحافة بشكل إجرائي، وأبعدنا - انسجاما مع هذا الهدف -
ّر الذي ال
ُسْ قِط هذا املرجع يف اإلطناب غير املبر
كلَّ تنظير يمكنه أن ي
يتوافق والغاية املسطّ رة له كدليل مرجعي تطبيقي، كما أننا تجاوزنا
ْح تاريخي أو فلسفي جدليّ يمكنه أن يثقل كاهل النص املقترح
كل طر
ىلع الصحفيين.
وسيالحظ القارئ من خالل قائمة املراجع املثبتة يف آخر الكتاب
أنه تم العمل بشكل رئيس ىلع املواثيق والنصوص األخالقية ذات
ّل عُ صارة ما يمكن للصحفي أن
الصبغة املحلية أو الدولية؛ لكونها تشك
َسُ ق ببليوغرافيا عامة؛ ألنها متاحة ىلع اإلنترنت، بل
يشتغل به. ولم ن
اقتصرنا ىلع ”املراجع املعتمدة“ إلى جانب خبرة املؤلِّف يف التكوين
واالستشارة والنشر يف مجال أخالقيات الصحافة.
َجَ بَ التنبيه هنا إلى أن املواثيق األخالقية الخاصة
وتوخيا للحياد و
باملؤسسات اإلعالمية الواردة يف هذا الدليل ال تعني أي إقرار من جانبنا
ّق يف الواقع كما هي مسطّ رة حبرا ىلع ورق، بل لقيمتها
ىلع أنها تطب
َلَّف عن تثمين أي أداء أخالقي
كنصوص أخالقية. ولذلك يبتعد هذا املؤ
الجامع يف أخالقيات الصحافة
13
للمؤسسات التي تم استثمار مواثيقها األخالقية فيه، أو االنحياز إلى
األداء األخالقي أو ضده ألي منبر صحفي وطني أو دولي تم االستئناس
بأدبياته األخالقية كمادة خامّ لهذا الكتاب.
كل األماني أن يكون هذا املؤلَّف مرجعا مفيدا للصحفيين وكل ناشر يف
ّل
ّز ثقافتهم األخالقية بقدر ما يشك
الفضاء العام، فردا أو مؤسسة، يعز
أداة استرشاد يف ممارستهم الخطابية اليومية.
د. عبد الوهاب الرامي
باحث يف اإلعالم واالتصال
خبير يف تطوير املهارات الصحفية
الجامع يف أخالقيات الصحافة
14
مقدمة
أخالقيات الصحافة أو آداب مهنة الصحافة هي مجموعة القواعد
العملية ذات القوة املعنوية، التي تقتضيها املمارسة الصحفيةُ لتؤدي
رسالتها دون إلحاق أي ضرر بالفرد واملجتمع واإلنسانية يف شموليتها،
3
وتتمثل الغاية الجوهرية لهذه األخالقيات يف خدمة املصلحة العامة
بشفافية ومسؤولية واستقاللية وديمقراطية.
4 عموما.
وهي تجسد عمليا املسؤولية االجتماعية للصحافة، واإلعالم
وفضال عن هذا فاألخالقيات جزء ال يتجزأ من شرف املهنة.
ُسَ طَّ ُر األخالقيات من طرف الصحفيين أنفسهم؛ ألنهم أعلم من غيرهم
وت
بدقائق مهنتهم، ضمانا لالستقاللية والحرية، وتجنبا لخدمة أجندات
خارج املهام املجتمعية املنوطة بهم.
هذا، مع التذكير بأن أخالقيات الصحافة ليست شأنا يهمُّ الصحفيين
فقط، بل هي - ىلع غرار قوانين الصحافة - تعني كافة املواطنين
باعتبارها مرجعية لتنظيم العالقة بين الصحافة وجمهورها. ولذلك،
يظل احترام أخالقيات الصحافة من أهم املداخل لتعزيز مصداقية
الصحافة لدى املواطنين، وتكريسها كسلطة رابعة.
3 يف ســياق الحديــث عــن املصلحــة العامــة، يتجلــى مفهــوم ”الخدمــة العموميــة“، كرديــف لــه ارتبــاطٌ
وثيــق بأخالقيــات الصحافــة.

ُعنــى مــادة هــذا املؤلَّــف أساســا بأخالقيــات الصحافــة، لكــن يتــم أحيانــا توســيع مداهــا ليشــمل اإلعــام
4 ت
باعتبــاره مفهومــا أوســع مــن الصحافــة. ولذلــك يوجــد يف هــذا املتــن تواتــر كبيــر الصطــاح ”مؤسســة
صحفيــة“ عــوض ”مؤسســة إعالميــة“. وباملقابــل تــم الحفــاظ ىلع ”وســيلة إعالميــة“ أو ”وســائل
اإلعــام“ لشــيوع املصطلحيــن.
الجامع يف أخالقيات الصحافة
15
واحترام آداب املهنة من طرف الجسم الصحفي كفيل - يف نهاية
املطاف - بخلق التماسك االجتماعي الذي هو نتيجة لرعاية املصلحة
العامة من كل مكوّنات املجتمع؛ مواطنين ومؤسسات ودولة.
وإن كان هناك إجماع ىلع ضرورة األخذ بأخالقيات الصحافة، فإن
ممارستها تشكو من عدة ثغرات، خاصة يف بلدان العالم الثالث.
واملالحظ يف هذا الصدد أن هناك:
َع

1. كثيرا من املؤسسات الصحفية تشتغل يف محيط غير مُشْ ب
   بالنزاهة واألخالقيات، بموازاة مع ضعف الديمقراطية وتداعي أركانها
   )املجال السياسي، االقتصاد، العدالة...(.


2. عديدا من املؤسسات الصحفية تعيش هشاشة ىلع مستوى
   نموذجها االقتصادي؛ مما يخلف عَ وَزًا ىلع مستوى مداخيلها يفرض
   ِّيا لألجور التي يتقاضاها الصحفيون، وهو ما يؤثر ىلع
   بدوره تدَن
   املناعة األخالقية لدى هؤالء. وهناك كثير من املؤسسات الصحفية
   5 اقتصادية-ثقافية حقيقية، فال
   التي ال تنتظم يف شكل مقاولة
   يوجد بها نظام صارم ملراقبة جودة املنتج الصحفي، مفتوح ىلع
   ُدِ ّر فقط
   6 لتشجيع الصحفيين ىلع العمل الشريف، ال امل
   خلق مساطر
   لعائدات تجارية.


3. تصورا مرتبكا للمهنة ودورها كسلطة معنوية ملراقبة املجتمع
   ٌ منهم الصحافةَ رافعةً ألهداف أخرى غير
   ومساءلته؛ إذ يعتبر جزء
   وظيفة اإلخبار )وهي الوظيفة األساسية(؛ كالحصول ىلع حظوة
   5 املقاولة يف لغة أهل املغرب: املؤسسة الحرة.
   6 يف املشرق العربيّ املصطلح الدارج هو )إجراءات( بدل )مساطر(.
   الجامع يف أخالقيات الصحافة
   16
   اجتماعية لدى الرأي العام املحلي أو الوطني، أو لدى السلطات، أو
   كأداة ضغط وربما ابتزاز يتم تسخيرها خارج الربح املشروع لخدمة
   أطراف أو مصالح ذاتية أو غيرية.
   ُّل أخالقيات املهنة كجزء أساس من املهنية، وتقاعسا


4. عدَ مَ تمث
   من املسؤولين يف ربط مَنْح بطاقة الصحافة - التي تخوّل للصحفيين
   االعتراف القانوني بهم - بنقاء ذمتهم األخالقية؛ ويعني هذا أن
   كثيرا من الصحفيين الذين يخرقون علنا وبشكل مكثف ومكشوف
   أخالقياتِ املهنة يحصلون رسميا ىلع بطاقة الصحفي املهني.


5. بونا شاسعا بين املمارسة الصحفية وأدبيات أخالقيات املهنة.
   ّ الصحفيون أنفسهم بالخروقات املتواصلة التي يمليها حينا
   ويقر
   الجهلُ بالقواعد، وحينا آخر اإلكراهات املهنية للمؤسسة الصحفية؛
   مثل عدم توفرها ىلع الضمانات املادية الكفيلة بتمكين الصحفي
   من العيش الكريم، وتجنيبه السقوط يف املتاجرة الالمشروعة
   باملهنة.


6. عدمَ معرفة كافية بأخالقيات الصحافة، خاصة ىلع املستوى
   العملي التطبيقي؛ فينتج عن ذلك فجوةٌ تعسّ ر إخضاع مضامين بنود
   ّلونها
   ّة، فيظلّ الصحفيون يتمث
   أخالقيات املهنة إلى إجراءات عملي
   مبادئَ عامةً فضفاضة، وهو ما ينزع عنها قوتها العملية التي تساهم
   بشكل بارز يف جودة املحتوى. بل إن كثيرا من رؤساء التحرير يظلون
   ّب ىلع هذه األخالقيات، تصوّرا وتطبيقا.
   بحاجة للتدر
   وتظل صناعة القرار األخالقي غير صارمة داخل هيئات التحرير، وال
   تخضع ملساطر محددة. وال أدلّ ىلع ذلك من عدم وجود مواثيق
   ِمة داخل كثير من املؤسسات الصحفية، خاصة يف
   أخالقية مُلز
   مجال اإلعالم الرقمي الذي سهَّ ل الولوج مليدان الصحافة، وغياب
   الجامع يف أخالقيات الصحافة
   17
   مجالس الصحافة أو مؤسسات نظيرة لها ذات أثر حقيقيّ ىلع
   صعيد املراقبة األخالقية يف كثير من البلدان.


7. ضعفًا يف الزجر املادي واملعنوي يف مجال أخالقيات الصحافة،
   سواء من طرف القضاء أو الهيئات املعنية باألخالقيات )مجلس
   الصحافة، رئاسة التحرير، انتقاد الزمالء...(.
   كما أن املنافسة التجارية غير النزيهة، والتسابق املحموم بين وسائل
   اإلعالم الجتذاب الجمهور بكافة الوسائل واملضامين املمكنة، يساهمان
   يف تيسير خرق العديد من املؤسسات اإلعالمية وصحفييها هذه
   األخالقيات.
   وباعتبار الصحافة سلطة رابعة، فإن األخالقيات املرتبطة بها تستدعي
   كثيرا من اليقظة والحيطة والحذر واالحتراس يف التعامل معها؛
   ّي غير
   فالصحفي غير املتمسك بأخالقيات املهنة هو تماما كاملرب
   ِ ظانا أنه يحسن
   ّش ْ ء
   امللمّ بأصول التربية، والذي يمكنه أن يسيء للن
   إليه.
   الجامع يف أخالقيات الصحافة
   18
   ملاذا أضحت الحاجة مُلِحَّ ة اليوم
   ألخالقيات الصحافة؟
   َدَ ة
   ُسْ ن
   ّب واملتداخل بفعل العوملة امل
   يف عالم اليوم املتشعّ ب واملرك
   بالتكنولوجيات الجديدة لإلعالم واالتصال، أصبحت الصحافة ىلع املحكّ
   بفعل املنافسة الشرسة التي تعيشها الخطابات والتعبيرات الالمتناهية
   الدائرة ىلع املنصات الرقمية. وبما أن التكنولوجيات الجديدة لإلعالم
   واالتصال - خاصة اإلنترنت وشبكات التواصل االجتماعي - قد أنتجت نوعا
   ّرت الكلمة التي ظلت محتكرة تاريخيا
   من ”الديمقراطية الخطابية“، وحر
   ىلع الحكام والفقهاء والعلماء واألدباء، لتضعها رهن مشيئة مَن كانوا
   يسمّ ون ”األغلبية الصامتة“، فإن الحاجة ألخالقيات تؤطر إنتاج الخطابات -
   املتالقحة أحيانا واملتصادمة يف الغالب - والتي من املفترض أن تؤسس
   لنقاش عام ناجع، باتت ملحّ ة اليوم. ويظل للصحافة دور كبير يف تأطير
   األخالقيات الخطابية عامة، سواء داخل حقلها، أو داخل الحقول الخطابية
   املجاورة؛ مثل شبكات التواصل االجتماعي.
   من هنا ال بد من االنتباه ألمرين:
   ّصين بها لخدمة


8. يجب أن يتم تحصين الصحافة من الدخالء واملترب
   مصالحهم الخاصة أو الفئوية، والذين ال يصلون إلى مبتغاهم إال عن طريق
   إفساد أخالقيات املهنة.
   ّن محاسبة الصحافة ليس مهنيا فقط، بل أخالقيا كذلك، بناء


9. يتعي
   ٌ
   ّا - ضمير املواطن ومرآة الديمقراطية وطائر
   َدَهِي
   ىلع أن الصحافة هي - ب
   ّر أحدهما سقط.
   جناحاه املهنية واألخالقيات، إن تضر
   الجامع يف أخالقيات الصحافة
   19
   أخالقيات الصحافة
   واملصداقية/الصِّ دْ قية
   مصداقية املؤسسات اإلعالمية وسيلة وليست غاية؛ بمعنى أنه يمكن من
   خالل الثقة القائمة بين وسائل اإلعالم )صحفيين ومؤسسات( والجمهور،
   ُعتبر كسب ثقة الجمهور أمرا بالغ األهمية
   ربط عالقة متبادلة إيجابية؛ إذ ي
   من أجل خلق رأي عام مطّ لع ومتابع، له القدرة ىلع املشاركة املتنورة
   يف املجتمع.
   ِتاجٌ اللتحام املهنية واألخالقيات.
   واملصداقية هي - باختزال - ن
   بنود أخالقيات الصحافة:
   معيارية لالستئناس أم إلزامية؟
   يف إطار التعاقد حول مواثيق أخالقيات الصحافة، تصبح بنود هذه
   ّن من تكريس األخالقيات
   األخيرة إلزامية للفاعل الصحفي، وهو ما يمك
   كقوة تنظيمية زاجرة معنويا. وقد سطر ميثاق آداب وأخالقيات مجموعة
   لوموند هذا األمر بالتأكيد ىلع أنه ”ستكون له )امليثاق( قوة إلزامية لدى
   األطراف )الشركات الصحفية أو جمعيات الصحفيين يف مختلف اإلصدارات،
   7، ومديرو اإلصدارات وهيئات التحرير(،
   املساهمون، ومديرو مجموعة لوموند
   وسيتم تضمينه يف األنظمة األساسية لشركات مجموعة لوموند. ويف
   هــي لومونــد ومجموعــة .La charte d’éthique et de déontologie du groupe Le Monde, 2010 7
   التــي تصــدر الصحيفــة الفرنســية ذات الشــهرة العامليــة ”لومونــد“ وتعنــي يف العربيــة: ”العالَــم“.
   الجامع يف أخالقيات الصحافة
   20
   ِسم أو فرع من فروع املجموعة، فإنّ
   حال تغيير املسؤولين عن أي ق
   َض بنفس الكيفية ىلع إداراتها الجديدة ىلع مستوى هيئات
   ُفر
   امليثاق ي
   التحرير واملنشورات“.
   8 ىلع إلزامية بنوده
   وينص ”ميثاق أخالقيات مهنة الصحافة“ املغربي
   للصحفيين، بالتنصيص يف ديباجته ىلع أن ”هذا امليثاق األخالقي
   هو تجسيد للممارسات الفُ ضْ لى التي يقوم عليها شرف املهنة، ولذلك
   يخضع الصحفيون واملؤسسات الصحفية لألحكام واملبادئ الواردة فيه،
   ّع إلى وثيقة قانونية ملزمة لتكريس قواعد السلوك
   بعدما ارتقى به املشر
   املهني، يف إطار االحتكام إلى قضاء الزمالء، ووفق ما هو منصوص عليه
   يف قانون املجلس الوطني للصحافة ويف النظام الداخلي للمجلس“.
   وتقضي املادة 13 من نفس امليثاق بإلزامية نشر قراراته التأديبية من
   طرف الصحف املعنية بها. ”إذا أصدر املجلس الوطني للصحافة عقوبة
   تأديبية يف حق صحفي أو صحيفة وقرر نشرها، فإن ىلع وسيلة اإلعالم
   ًّا“.
   املعنية أن تنشرها إلزامي
   8 الصادر عن املجلس الوطني للصحافة باملغرب سنة 2019.
   الجامع يف أخالقيات الصحافة
   21
   الفصل األول
   أخالقيات الصحافة:
   ٌ أساسية
   ِّ دات
   حد
   ُ
   م
   I- املبادئ، املعايير، التطبيق
   II- الفرق بين األخالق واألخالقيات
   III- تشعب أخالقيات الصحافة
   IV- مرجعيات أخالقيات الصحافة
   V- أخالقيات الصحافة يف ظل الثورة الرقمية
   الجامع يف أخالقيات الصحافة
   22
   I- املبادئ، املعايير، التطبيق:
   مراعاةً ألخالقيات املهنة، ال بد للصحفي املهني والقائمين ىلع
   ّل السليم لهذه األخالقيات ىلع مستوى املبادئ
   وسائل اإلعالم من التمث
   العامة )1(، واملعايير املعتمدة التي غالبا ما يتم تسطيرها يف بنود
   ّنات سلوك )2(، ثم الحاالت
   داخل مواثيق آداب املهنة وأخالقياتها ومدو
   التطبيقية لهذه األخالقيات )3(.
   إن املبادئ التي تستند إليها أخالقيات الصحافة كانت - يف الواقع -
   ُال إنسانية
   قائمة قبل ظهور الصحافة نفسها، وستظل كذلك بوصفها مُث
   سامية، تستلهمها الجماعات والدول يف سياساتها وقوانينها كأساس
   للعدالة االجتماعية، كذا األفراد يف سلوكياتهم الشخصية التوّاقة
   للسمو واملساواة واإلنصاف.
   واملبادئ األخالقية ثابتة وال يمكن تغييرها دون خرقها. أما املعايير
   فهي تجسيد للمبادئ وتكييف لها استجابة ملتطلبات مهنة الصحافة
   وإكراهاتها. وهي جسر واصل بين املبادئ وتطبيقاتها العملية.
   والتطبيق هو تنزيل عملي يخضع للقرار األخالقي، وقد يكون موضوع
   سِ جال أخالقي، خاصة يف الحاالت التي يحدث فيها صراع بين املبادئ
   كحرية التعبير واحترام الحياة الخاصة مثال.
   وتستدعي ثقافة أخالقيات الصحافة املعرفة الجيدة بثالثي ”املبادئ-
   ُّجا من فلسفة أخالقيات املهنة إلى
   املعايير-التطبيق“ ألنها تشكل تدر
   ّل - يف حد ذاتها - جزءا بارزًا من املهنية.
   تطبيقاتها العملية التي تشك
   الجامع يف أخالقيات الصحافة
   23
   هَ َرمِية أخالقيات الصحافة:
   من املبادئ إلى التطبيق
   املبادئ
   املعايير
   التطبيق
   II- الفرق بين األخالق واألخالقيات
   deontology( 9( مصطلحان متمايزان،
   األخالق )morals( واألخالقيات
   وإن كانا يتفقان يف جزء من فلسفتهما.
   فاألخالق مرتبطة بسلوك اإلنسان عامة، وهي التزام ذاتي بتصرفات
   ْف املجتمعات حميدة كاحترام الكبير
   ُعتبر يف عُ ر
   ال تسيء للغير، ت
   مثال، وعدم إفشاء السر، وااللتزام بآداب الزيارة أو املائدة أو املعايدة،
   وااللتزام بفرائض الدين يف املجتمعات املتدينة، وعدم التدخل يف
   شؤون الغير، واملساواة والرحمة واإليثار والعدل، إلى آخره من املبادئ
   التي يلتزم بها الفرد بينه بين نفسه ليكون منسجما مع التصورات
   املجتمعية املرتبطة بمبادئ عليا مثل الخير والهداية والصالح.
   9 هنــاك مــن يجيــز مصطلــح ”األخالقيــات“ كمقابــل للفظيــن: ethics وdeontology. كمــا أن هنــاك مــن
   ُترجــم أحيانــا األخالقيــات بكلمــة ”آداب“؛ مثــل آداب
   يعتبــره مرادفــا ملفهــوم ethical deontology. وت
   املائــدة الــواردة يف املــوروث العربــي اإلســامي )وكثيــر منهــا ورد يف الســنة اإلســامية: كل ممــا يليــك، ال
   تدخــل البيــوت مــن غيــر اســتئذان، ال تتكلــم وفمــك مملــوء بالطعــام، ابتــدئ األكل بذكــر اســم اهلل واحمــده
   عنــد االنتهــاء...(، أو قائمــة الســلوكيات الحســنة يف ثقافــة البرجوازيــة الفرنســية ىلع ســبيل املثــال.
   الجامع يف أخالقيات الصحافة
   24
   وتلتقي األخالق واألخالقيات يف املبادئ اإلنسانية الفُ ضْ لى10. فإذا نظرنا

• مثال - إلى الشعار الرسمي للجمهورية الفرنسية وهايتي ”حرية، مساواة،
  أخوة“ )Liberté, Egalité, Fraternité( وهي مبادئ سمحة وعادلة،
  ُشكل قاعدة يف نفس اآلن لألخالق واألخالقيات.
  فإننا نالحظ أنها ت
  ومن األخالق الحميدة يف كل الثقافات هناك الصدق واألمانة. وهما
  ُكْ سِ بان الفرد الثقة والتقدير. وهاتان الخصلتان املحمودتان أخالقا
  ي
  ّالن قاعدة ألخالقيات الصحافة. ومن منظور ديني


• نفسهما - تشك
  ّزة للرسل واألنبياء، وإذا اعتبرنا
  فإننا غالبا ما نجدهما من الصفات املمي
  الصحفي رسوال للحقيقة - ويجب أن يكون كذلك - فعليه أن يبتعد
  عن كل أنواع الزيف لدى كافة مكوّنات املجتمع ومنها أيضا الصحافة،
  َأ بنفسه عن النفاق الصحفي،
  ْب
  َر
  بل عليه أن يحارب ألجل ذلك، وأن ي
  بما فيه املحسوبية والزبونية واملجامالت؛ ففي ما يرتبط بالصدق
  ّي شرط البحث عن الحقيقة ونشرها إذا
  مثال، ال يمكن للصحفي أن يلب
  لم يكن صادقا، كما عليه من باب األمانة أن يحفظ الحياة الشخصية
  وأعراض األفراد وحميميتهم، إال إذا كان هناك مبرر أخالقي كاف يجيز
  خرق هذه القاعدة.
  وغالبا ما تكون لألخالق داخل املجتمع مرجعية فلسفية أو دينية، أما
  أخالقيات الصحافة - وهو مفهوم حديث نسبيا 11 - فلها أساسٌ وضْ عي
  مهني تبتغي من خالله وسائل اإلعالم تحقيق املصلحة العامة.
  ّل منظومة األخالقيات عامة حقوقَ اإلنسان وقواعد الديمقراطية
  وتتمث
  َكة لعالَــم متــأزم“، يذكــر د. رشــورت كيدر يف دراســته القيمَ اإلنســانية املشــتركة
  َــم مشــتر
  ِي
  10 يف كتابــه ”ق
  يف العالــم، والتــي تعــد نــواة قيميــة ال تختلــف إال قليــا مــن بلــد آلخــر، وهــي كاآلتــي: الحــب، الحقيقــة،
  الحريــة، الحيــاة، التماســك، التســامح، العدالــة، املســؤولية.
  11يمكــن إرجــاع هــذا املصطلــح يف صيغتــه باللغــات الالتينيــة deontology إلــى الفيلســوف األملانــي
  إيمانويــل كانــط مــن خــال نظريــة الواجــب األخالقيــة.
  الجامع يف أخالقيات الصحافة
  25
  ّة لتمييز الخطأ والصواب12 يف
  خلفيةً لها؛ باعتبارها مرجعية قيمي
  سلوكيات كلّ منتسب لجسم مهني ما. وهي تؤطر - مهنيا يف مجال
  الصحافة - عالقةَ الصحفي واملؤسسة الصحفية يف ارتباطهما مع
  املكوّنات املجتمعية من جمهور ورأي عام ومصادر وفاعلين مجتمعيين...
  ِعْ ل اإلخبار نزيها عاكسا للواقع، ومفسرا له، وفاعال فيه بإيجابية
  ليكون ف
  من خالل القوة االقتراحية للصحافة.
  ولهذا، ال يمكن لبنود أخالقيات الصحافة إال أن تضم جوانب مهنية
  داخلها.
  وتأسيسا ىلع ما سبق، يصح القول إن األخالق تشكل خلفية ألخالقيات
  املهنة، إال أنهما متمايزان يف اآلن نفسه، بالنظر للتطور الذي عرفتْه
  أخالقياتُ الصحافة، تنظيرا وممارسة.
  هي عامة تخترق مبادؤها كل
  املجاالت )الطب، اإلعالن، الصحافة،
  السياسة، االقتصاد...(، وكل
  املستويات االجتماعية والفئات
  العمرية، والدول كيفما كانت
  أنظمتها، والثقافات والحضارات
  املختلفة.
  خاصة بكل منظومة أو جسم13
  مهني، بحيث تختلف من منظومة
  إلى أخرى، وترتبط باألداء العملي
  النزيه لكل منها ىلع حدة.
  وهي مرتبطة بالفعل واملمارسة، وال
  توجد خارجهما.
  ُــق والســلوك مــن حيــث الخطــأ
  ّف قامــوس Webster األخالقيــات بأنهــا: ”كل مــا يتعلــق بالخُ ل
  ُعــر
  12 ي
  والصــواب“.
  13 املقصود هنا بالجسم: الهيئة أو املؤسسة أو املنظّ مة أو مجموعة العاملين يف مهنة ما.
  الفرق بين األخالق )morals( واألخالقيات )deontology(
  األخالقيات األخالق
  الجامع يف أخالقيات الصحافة
  26
  األخالقيات األخالق
  تتكون عبر التنشئة االجتماعية.
  واملجتمع هو من يسطّ رها من
  خالل مؤسساته املتعددة، ومنها
  أساسا األسرة واملدرسة واملؤسسات
  الدينية واألقران ومنظمات املجتمع
  املدني، خاصة تلك التي تدعو إلى
  املواطنة الصالحة، والسلوكيات
  املجتمعية القويمة. وقد يتم يف
  ّنة خاصة االستناد
  املجتمعات املتدي
  َن
  إلى ثنائي الحالل/الحرام، أو السُّ ن
  الحميدة للسلف، للحُ كم ىلع توجّ ه
  األخالق، سلبا أو إيجابا.
  ّمها القانون،
  ما عدا الحاالت التي يجر
  تظل األخالق شأنا شخصيا.
  غالبا ما تكون لألخالق مرجعية
  فوقية، وهي تمرر عبر التنشئة
  االجتماعية. ويكون الفرد يف الغالب
  وارثا لها ال مُساهِ ما يف صنعها.
  الهيئات املهنية هي التي تضع
  قواعد األخالقيات للمنظومة أو
  الجسم املهني لتضمن عدم إلحاقه
  الضرر باملجتمع واملجموعات
  واملؤسسات واألفراد.
  واألخالقيات مقترنة بمزاولة املهنة،
  بغض النظر عن تصورات املشتغلين
  بها عن األخالق العامة.
  تخضع األخالقيات للمساءلة من
  طرف الجسم املهني الذي يحدد
  بنودها ويتبناها.
  ال يستحب أن تسطّ ر أخالقيات
  املهنة من خارج املنتسبين للمهنة،
  ألنها تدخل يف عداد التنظيم
  الذاتي.
  الجامع يف أخالقيات الصحافة
  27
  األخالقيات األخالق
  مرجعيات األخالق فلسفية، عَ قَ دية،
  دينية.
  تدهور األخالق ىلع املستوى
  الشخصي قد ال تكون له آثار
  مجتمعية واضحة.
  ليست كل األخالق املجتمعية جيدة
  ُعْ د ديمقراطي إنساني،
  وذات ب
  وىلع الرغم من ذلك يمكن للمجتمع
  تبنيها. فمثال وأد البنات قديما
  لدى بعض املجتمعات وتقديم
  البشر قرابين لآللهة... وقطع الرقاب
  ّجم جزاء ىلع أمر يعتبره
  أو الر
  املجتمع خارجا عن األعراف، هي
  ُعتبر - ىلع الرغم من
  سلوكيات ال ت
  فظاعتها - ضارة باألخالق يف بعض
  املجتمعات؛ الرتباطها بعقائد تجيز
  ذلك.
  مرجعيات األخالقيات مهنية،
  وأساسها طلب الجودة. ففي
  الصحافة/اإلعالم، تتوقف جودة
  األخالقيات ىلع مدى خدمتها
  للمصلحة العامة14، والتعامل القويم
  والشفّ اف مع الجمهور والرأي العام.
  تدهور األخالقيات لدى املنتمين
  لجسم مهني ما، تترتب عليه آثار
  وخيمة داخل املجتمع. وتكون هذه
  اآلثار واضحة يف مجال الصحافة
  بحكم وظيفة الصحفي التأطيرية.
  يمكن لألخالقيات أن تكون ضدَّ ما
  َن املجتمع
  هو متعارف عليه كسُ ن
  ونواميسه؛ ألنها تخص ممارسة
  ما داخل هيئة أو جسم مهني ما،
  وتحتكم ملنظومة حقوق اإلنسان،
  وتتطور كلما تطورت هذه األخيرة.
  14 يف ســياق الحديــث عــن املصلحــة العامــة، انظــر مضاميــن الخدمــة العموميــة يف الفصــل الثالــث مــن
  هــذا املؤلَّــف، الــواردة يف اإلطــار املعنــون بـــ ”بعــض البنــود املتعلقــة بالخدمــة العموميــة يف وســائل
  اإلعــام. نمــوذج مــن دفتــر تحمــات شــركة صورياد-القنــاة التلفزيونيــة الثانيــة باملغــرب“.
  الجامع يف أخالقيات الصحافة
  28
  الخير والشر من منظورات مختلفة
  وضمنها أخالقيات الصحافة
  تختلف عالقة أخالقيات الصحافة بالخير والشر - كمفهومين يؤطران
  املحظور واملسموح به - عن باقي الدوائر التي تستند هي أيضا إلى هذين
  ُهَيْكِليْن لسلوك اإلنسان.
  املفهومين امل
  ويختلف التعامل مع الخير والشر من دائرة ألخرى، فهما يخضعان:
  • من وجهة نظر دينية إللزامية عَ قَ دية.
  • ومن زاوية وضعية إللزامية قانونية تقوم ىلع اإلكراه.
  • ومن منظور ذاتي إللزامية معنوية خاضعة لخيارات فردية.
  • ومن منطلق مهني إللزامية يصبح معها التقيد باألخالقيات محددا مهنيا.
  الجامع يف أخالقيات الصحافة
  29
  األخالقيات وشرف املهنة
  َم التي تؤهل أي مهنة ألن تكون
  شرف املهنة هو مجموعة املبادئ والقِي
  شريفة، باملعنى الذي يفيد أنها تؤدي رسالة نبيلة لصالح اإلنسانية كافة،
  دون تعسف وال تمييز. ”فالطبيب الذي أقسم قسم أبقراط يجب أن يراعي
  ضميره يف مهنة الطب فيعالج الناس، وخاصة البسطاء منهم بأمانة،
  ويحافظ ىلع أسرار مرضاه، ويجب ىلع املحامي أن يدافع عن الحق
  ويراعي أسرار البيوت، وىلع املعلم أن يعامل جميع طالبه بالطريقة ذاتها،
  وال يستخدمهم يف تحقيق أغراض شخصية أو وسيلةً لتحقيق الربح املادي
  عن طريق الدروس الخصوصية مثال، ويجب ىلع البائع أال يغش زبائنه15“.
  وتنص ديباجة ميثاق أخالقيات مهنة الصحافة يف املغرب ىلع أن من
  يخرق قواعد امليثاق ينتهك شرف املهنة.
  ُ ”ميثاق شرف املهنة“ مرادفا لـ
  ُعتبر - ىلع املستوى العملي - تعبير
  وي
  ”ميثاق أخالقيات املهنة“.
  15 محمــد حنفــي، ”شــرف املهنــة.. شــعار فقــد مصداقيتــه“، صحيفــة القبــس الكويتيــة، 29 أكتوبــر 2006
  . https://alqabas.com/article
  ,
  الجامع يف أخالقيات الصحافة
  30
  III- تشعُّ ب أخالقيات الصحافة:
  ال يمكن حصر كل معايير األخالقيات وبنودها ألنها كثيرة، ويحيل بعضها
  ىلع بعض. قد يكون أهمها مسطّ را، لكن كثيرا من الدقائق لم يتم
  تناولها بشكل جَ ِليّ ، وهي تحتاج إلى دراسات مكثفة ملالمستها. وقد
  تكون هذه الدقائق من تبعات عناصر أخالقية أخرى، لهذا يظل القرار
  األخالقي داخل هيئات التحرير مطبوعا - يف قضايا بعينها - بالجدل
  وتمايز املواقف.
  فمثال، إذا تأملنا سكرتارية التحرير أو اإلدارة الفنية ملؤسسة إعالمية
  ما، فيجب ىلع اإلخراج الصحفي - الذي هو من مهامها األساسية - أن
  َصَ ري، تجنبا للتحوير والتوجيه
  يراعي أخالقيات املهنة ىلع املستوى الب
  ُضْ مَر. فإذا تم - افتراضا - وضع عنوان ملادة إعالمية حول التحرش
  امل
  ُسمت
  بهذا الشكل: ”تحرش النساء بالرجال: انتقال العدوى الذكورية“، ور
  كلمة ”النساء“ باللون األحمر، فإن هذا قد يغير مدلول املادة الصحفية
  ُحْ دث تكثيفا بصريا/إدراكيا لكلمة ”النساء“ فيثير بذلك استغرابا
  إذ ي
  ُضفيه سكرتير التحرير ىلع
  أو استنكارا أو تعجبا أو تذمرا أو ما شابه، ي
  العنوان املقترح من طرف الصحفي. وىلع النقيض من ذلك، يكون
  االنطباع الذي يستقر عند الجمهور مخالفا إذا تم رسم كلمة ”الرجال“
  باألحمر. وهنا يمكن للعنوان أن يكون موجِّ ها ملواقف وإن لم يكن يفصح
  عنها صراحة.
  ولذلك يتوجّ ب ىلع كل مَرافق االشتغال الصحفي أن تضبط البنود
  األخالقية التي تشتغل بها كافةُ مكوّنات الوسيلة اإلعالمية، ىلع
  اعتبار أن املنظومة األخالقية ليست محصورة يف الجانب التحريري، بل
  هي متشعبة تتعداه لتشمل كل هياكل املؤسسة الصحفية وأقسامها.
  الجامع يف أخالقيات الصحافة
  31
  • أربعة شروط لتعزيز أخالقيات الصحافة:
  ُِلمّ بشكل جيد بأخالقيات الصحافة دون االستيعاب
  ال يمكن للصحفي أن ي
  الكايف للمواضيع التي يعالجها، والتشبع باملهنية من حيث صناعة
  الصحافة وتقنياتها، واإلملام باملجال القانوني )خاصة قوانين اإلعالم(،
  واإلدراك الوايف لفلسفة حقوق اإلنسان ومفرداتها وتطبيقاتها.
  ويستدعي التفعيل الجيد ألخالقيات الصحافة يف أي عمل إعالمي
  توفر شروط أربعة:

1. شرط املعرفة: اإلملام الكايف بموضوع املادة الصحفية.


2. شرط املهنية: التمكن من األجناس الصحفية، واملعالجة
   املقترنة بها.


3. شرط االلتزام القانوني: تجنب كل خرق قانوني يف مزاولة
   املهنة عامة، وخاصة يف ما يرتبط بالبنود القانونية التي هي
   عبارة عن أخالقيات تم وضعها تحت مراقبة القانون.


4. شرط االلتزام الحقوقي: تجنب كل ما يخدش حقا من حقوق
   اإلنسان يف العمل الصحفي.