لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (75%)

ومن ثم وجب بداية القيام بتعريف القرائن القضائية مع تبيان العناصر التي تبنى عليها. وبما أن القرائن القضائية تعد طريقا من طرق الإثبات غير المباشرة فإنها تشترك مع بعض النظم الأخرى في صفات تصل إلى حد التداخل مما يتطلب التمييز بينهما وتبيان نقاط التشابه والاختلاف في مبحث أول. إن دراسة هذا المبحث تقتضي تقسيمه إلى مطلبين بحيث أخصص المطلب الأول لتعريف القرائن القضائية وبيان عناصرها، تعريف القرائن القضائية وبيان عناصرها
سأتطرق في هذا المطلب إلى تعريف القرائن القضائية في الفرع الأول، ثم إلى تبيان عناصرها في الفرع الثاني. يختلف تعريف القرائن لغة عنه شرعا وكذا قانونا. أولا: تعريف القرائن لغة
القرائن جمع قرينة: والقرينة في اللغة فعيلة بمعنى المفاعلة مأخوذة من المقارنة، والقرينة أمر يشير إلى المقصود أو يدل على الشيء من غير الاستعمال فيه، فيقال: قرن الشيء بالشيء وصله به، وقارن الشيء بالشيء مقارنة وقرانا: اقترن به وصاحبه، ويقال قرن بين الحج والعمرة أي جمع بينهما بنية واحدة وتلبية واحدة وإحرام واحد وطواف واحد وسعي واحد، وهو عند أبي حنيفة أفضل من الإفراد والتمتع، والقرينة هي مؤنث القرين، والقرين: المصاحب والزوج، والقرينة: تطلق على عدة معان منها: النفس، والقرينة قسمان: حالية ومقالية، ومثال القرينة الحالية أو اللفظية أن تقول للمسافر: " في كنف الله ورعايته "، فإن في العبارة حذفا يدل عليه حال المسافر وتجهزه وتأهبه للسفر وهو القرينة الحالية، ومثال القرينة المقالية أو المعنوية أن تقول: "رأيت أسدا يخطب "، فإن المراد بالأسد في هذا المقام الرجل الشجاع، ويدل على إرادة ذلك لفظ " يخطب " فهو قرينة مقالية . ثانيا: تعريف القرائن شرعا
منها قوله تعالى:{ وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها ءاخر فألقياه في العذاب الشديد قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد } وقال تعالى:{ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} وقال تعالى:{ حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين } وقال تعالى:{ قال قائل منهم إني كان لي قرين } . وقال تعالى:{ والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} . ولم يعرف فقهاء الشريعة الإسلامية القدامى القرينة، وظهور دلالتها على المراد منها . وقد عرفها الشريف الجرجاني من متأخري الفقهاء بأنها: " أمر يشير إلى المطلوب ". وهي " ما يلزم من العلم به الظن بوجود المدلول، كالغيم بالنسبة للمطر " . ثم كان المراد من القرائن " الأمارات والعلامات التي يستدل بها على وجود شيء أو نفيه ". وآخر هارب أمامه بيده عمامة وعلى رأسه عمامة، أما الفقهاء المحدثون فقد عرفوها تعريفات متعددة، حيث عرفها الأستاذ مصطفى الزرقا بأنها: " كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا وتدل عليه، وهي مأخوذة من المقارنة بمعنى المفاعلة" ، وعرفها الشيخ عبد العال عطوه بأنها: " الأمارة التي تدل على أمر خفي مصاحب لها بواسطة نص أو عرف أو سنة أو غيرها ". وعرفها كذلك بأنها: " الأمارة التي تدلنا على الأمر المجهول استنباطا واستخلاصا من الأمارة المصاحبة والمقارنة لذلك الأمر الخفي المجهول، فالبعرة تدل على البعير وأثر السير يدل على المسير" . وعرفها الدكتور سامح السيد جاد بأنها: " الأمارات التي نص الشارع الحكيم عليها أو توصل إليها فقهاء المسلمين باجتهادهم أو استنتجها القاضي من ظروف الدعوى المعروضة عليه لتدل على أمر مجهول، فالقرينة إنما تعني أمارات معلومة يستدل بها على أمر مجهول" . وعرفها الدكتور الشيخ فتح الله فتح الله زيد بأنها: " الأمارة التي نص عليها الشارع أو استنبطها أئمة الشريعة الإسلامية باجتهادهم، ومن خلال التعريفات التي سبق عرضها يتبين أن هذا التعريف الأخير هو الذي يمكن اختياره وترجيحه، وذلك يرجع إلى أمرين أساسيين، الأول: أن هذا التعريف يشمل جميع أشكال وضروب القرائن الفقهية، والظروف والملابسات المحيطة بها. الثاني: أن هذا التعريف اقتصر على القرائن الفقهية دون غيرها، كالقرائن البلاغية ، ثالثا: تعريف القرائن قانونا
لقد عرفت المادة "1349" من القانون المدني الفرنسي القرائن بصفة عامة بأنها:
" القرائن هي النتائج التي يستخلصها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة " . وقد أخذت بعض التشريعات بهذا التعريف حيث عرفت المادة "299" من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني القرائن بأنها: " القرائن هي نتائج تستخلص، بحكم القانون أو تقدير القاضي، من واقعة معروفة للاستدلال على واقعة غير معروفة " ، كما عرفت المادة "479" من قانون الالتزامات والعقود التونسي القرائن بأنها: " ما يستدل به القانون أو الحاكم (القاضي) على أشياء مجهولة " . ولم يتعرض قانون الإثبات المصري لتعريف القرائن بطريقة مباشرة كما عرفها القانون المدني الفرنسي في المادة "1349" السابق ذكرها، ويلاحظ أن القانون المدني المصري – والذي اشتق منه قانون الإثبات المصري- مأخوذ من القانون المدني الفرنسي، ولعل الذي دعا مقتبس القانون المصري إلى سلوك هذا المسلك هو وضوحها

أما بالنسبة للمشرع الجزائري فإنه لم يعرف القرائن بصفة عامة، وإنما اكتفى بتنظيم أحكامها في الفصل الثالث من القانون المدني حيث تعرضت المادة "337" من القانون المذكور للقرائن القانونية بنصها على ما يلي: " القرينة القانونية تغني من تقررت لمصلحته عن أية طريقة أخرى من طرق الإثبات، على أنه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك "، أما المادة "340" من نفس القانون المذكور فقد تعرضت للقرائن القضائية بنصها على ما يلي: " يترك لتقدير القاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون. ويلاحظ أن المشرع الجزائري قد وفق حين تجنب تعريف القرينة لأن هذه المسألة ترجع إلى اختصاص الفقهاء وليست من عمل التشريع ، كما أن تعريف المشرع الفرنسي السابق ذكره في المادة "1349" من القانون المدني الفرنسي قد انتقد من طرف الفقه الغربي وعلى رأسهم الفقيه الفرنسي Garraud وذلك لكون هذا التعريف هو تعريف الإثبات نفسه، فالقاضي يلجأ إلى التفكير ويقرر علاقة منطقية بين الفعل المعلوم والفعل المتنازع عليه للوصول إلى اليقين، أي أن هذا التعريف يتميز بعدم الدقة والعمومية بحيث يشمل هذا التعريف الدليل بصفة عامة، فالدليل هو كل ما يدل على شيء مجهول، وينطبق ذلك على شهادة الشهود أو الإقرار وغيرها من وسائل الإثبات . أما فيما يتعلق بموقف الفقه من تعريف القرائن، فيلاحظ أنه قد تعددت تعريفات شراح القانون المدني للقرينة حيث عرفها البعض منهم بأنها : "القرينة هي استنباط أمر غير ثابت من أمر ثابت " . وعرفها الدكتور عبد الرزاق السنهوري بأنها: " النتائج التي يستخلصها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة " . وعرفها الدكتور سليمان مرقس بأنها: " استنباط أمر مجهول من أمر معلوم " . وعرفها الدكتور عبد المنعم فرج الصده بأنها: " ما يستنبطه المشرع أو القاضي من أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول " . وعرفها الدكتور أنور سلطان بأنها: " القرينة هي استخلاص أمر مجهول من أمر معلوم على أساس غلبة تحقق الأمر الأول إذا تحقق الأمر الثاني " . وعرفها الأستاذ أحمد نشأت بأنها: " استنباط الشارع أو القاضي لأمر مجهول من أمر معلوم" . ولقد عرفت محكمة النقض المصرية القرائن بأنها: " استنباط أمر مجهول من واقعة ثابتة معلومة "، وفي حكم آخر لها قررت بأنه: " من القرائن ما نص عليها الشارع أو استنبطها الفقهاء باجتهادهم، ومنها ما يستنبطه القاضي من دلائل الحال أو شواهده " . كما عرفت محكمة التمييز الأردنية القرينة بأنها : " القرينة هي استنتاج واقعة مطلوب إثباتها من واقعة أخرى قام عليها الدليل " . أما القرائن القضائية فلقد عرفتها المادة "1353" من القانون المدني الفرنسي بأنها: " القرائن التي لم ينص عليها القانون وتترك لفطنة القاضي وتقديره، ولا يجوز أن يأخذ إلا بالقرائن القوية الدلالة والدقيقة التحديد والمتماسكة، ولا يؤخذ بها إلا في الأحوال التي يجيز
القانون الإثبات فيها بالشهادة ما لم يطعن في التصرف القانوني بالغش أو التدليس " . ولم يضع المشرع الجزائري تعريفا للقرينة القضائية وإنما اكتفى بتنظيم أحكامها في المادة "340" من القانون المدني التي تنص على أنه: " يترك لتقدير القاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون، ولا يجوز الإثبات بهذه القرائن إلا في الأحوال التي يجيز فيها القانون الإثبات بالبينة " . ويقابل هذا النص في القوانين المقارنة المادة "100" من قانون الإثبات المصري ، والمادة "302" من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني ، والمادة "92" من قانون البينات السوري ، والمادة "43" من قانون البينات الأردني ، والمادة "505" من القانون المدني العراقي ، والمادة "486" من قانون الالتزامات والعقود التونسي . فهو يستنبطها من ظروف الدعوى المعروضة أمامه وملابساتها. فالقاضي يختار واقعة معلومة من بين وقائع الدعوى، ثم يستدل بها على الواقعة المراد إثباتها . وتعرف القرائن القضائية بأنها استنباط أمور مجهولة من أمور معلومة، فهي قرائن يستنتجها القاضي باجتهاده وذكائه من موضوع الدعوى وظروفها ولذا فإنها تعرف أيضا بالقرائن الموضوعية . أي إلى اعتبار هذه الوقائع ثابتة . ولقد عرفت محكمة النقض المصرية القرائن القضائية بأنها: " استنباط أمر مجهول من واقعة ثابتة معلومة بحيث إذا كانت هذه الواقعة محتملة وغير ثابتة بيقين فإنها لا تصلح مصدرا للاستنباط " . أما محكمة التمييز الأردنية فقد عرفتها بأنها: " القرائن القضائية هي التي يستخلصها القاضي من ظروف الدعوى ويقتنع بأن لها دلالة مقنعة حيث يستنبط القاضي واقعة مجهولة من واقعة معلومة ثابتة " . والقرائن القضائية تعتبر دليلا غير مباشر لأن الإثبات فيها لا ينصب على الواقعة ذاتها مصدر الحق، وإنما على واقعة أخرى قريبة منها ومتصلة بها إذا ثبتت أمكن للقاضي أن يستخلص منها ثبوت الواقعة المراد إثباتها .


النص الأصلي

القرائن القضائية باعتبارها موضوع بحثي، فإنني أستهل دراستها بتخصيص هذا الفصل لاستعراض مفهوم القرائن القضائية، ومن ثم وجب بداية القيام بتعريف القرائن القضائية مع تبيان العناصر التي تبنى عليها. وبما أن القرائن القضائية تعد طريقا من طرق الإثبات غير المباشرة فإنها تشترك مع بعض النظم الأخرى في صفات تصل إلى حد التداخل مما يتطلب التمييز بينهما وتبيان نقاط التشابه والاختلاف في مبحث أول. ثم تحديد مجال أو نطاق الإثبات بالقرائن القضائية وذلك بتبيان الحالات التي يجوز فيها الإثبات بالقرائن القضائية أصلا ثم الحالات التي يجوز فيها الإثبات بالقرائن القضائية استثناء في مبحث ثان.
المبحث الأول
مفهوم القرائن القضائية
إن دراسة هذا المبحث تقتضي تقسيمه إلى مطلبين بحيث أخصص المطلب الأول لتعريف القرائن القضائية وبيان عناصرها، ثم أدرس تمييز القرائن القضائية عما يشابهها من النظم الأخرى في مطلب ثان.
المطلب الأول
تعريف القرائن القضائية وبيان عناصرها
سأتطرق في هذا المطلب إلى تعريف القرائن القضائية في الفرع الأول، ثم إلى تبيان عناصرها في الفرع الثاني.
الفرع الأول
تعريف القرائن القضائية
يختلف تعريف القرائن لغة عنه شرعا وكذا قانونا.


أولا: تعريف القرائن لغة
القرائن جمع قرينة: والقرينة في اللغة فعيلة بمعنى المفاعلة مأخوذة من المقارنة، والقرينة أمر يشير إلى المقصود أو يدل على الشيء من غير الاستعمال فيه، فيقال: قرن الشيء بالشيء وصله به، وقارن الشيء بالشيء مقارنة وقرانا: اقترن به وصاحبه، وتقارن الشيئان: تلازما، ويقال قرن بين الحج والعمرة أي جمع بينهما بنية واحدة وتلبية واحدة وإحرام واحد وطواف واحد وسعي واحد، فيقول: لبيك بحج وعمرة، وهو عند أبي حنيفة أفضل من الإفراد والتمتع، والقرينة هي مؤنث القرين، والقرين: المصاحب والزوج، والقرينة: تطلق على عدة معان منها: النفس، وسميت بذلك لأنها مقارنة للإنسان مصاحبة له، ومنها: الزوجة، وسميت بذلك لأنها تقارن الزوج وتلازمه في حياته .
والقرينة قسمان: حالية ومقالية، وقد يقال لفظية ومعنوية، ومثال القرينة الحالية أو اللفظية أن تقول للمسافر: " في كنف الله ورعايته "، فإن في العبارة حذفا يدل عليه حال المسافر وتجهزه وتأهبه للسفر وهو القرينة الحالية، ومثال القرينة المقالية أو المعنوية أن تقول: "رأيت أسدا يخطب "، فإن المراد بالأسد في هذا المقام الرجل الشجاع، ويدل على إرادة ذلك لفظ " يخطب " فهو قرينة مقالية .
ثانيا: تعريف القرائن شرعا
القرينة مؤنث القرين، وقد ورد لفظ القرين في عدة آيات من القرآن الكريم في مواضع مختلفة، منها قوله تعالى:{ وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها ءاخر فألقياه في العذاب الشديد قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد } وقال تعالى:{ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} وقال تعالى:{ حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين } وقال تعالى:{ قال قائل منهم إني كان لي قرين } .
وقال تعالى:{ والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} . وقد جاء في تفسير الطبري عن معنى الآية الكريمة الأخيرة، يعني بذلك سبحانه وتعالى ومن يكن الشيطان له خليلا وصاحبا فساء قرينا ، وفي المصحف المفسر ومن يكن الشيطان ملازما له فقد ساء قرينا .
ولم يعرف فقهاء الشريعة الإسلامية القدامى القرينة، وإن كانوا قد استعملوها بألفاظ مترادفة، مثل القرائن، والعلامات، والأمارات، ولعل السبب في عدم تعريفهم لها هو وضوح معناها، وظهور دلالتها على المراد منها .
وقد عرفها الشريف الجرجاني من متأخري الفقهاء بأنها: " أمر يشير إلى المطلوب ". وتستعمل كمرادف للأمارة، وهي " ما يلزم من العلم به الظن بوجود المدلول، كالغيم بالنسبة للمطر " .
ثم كان المراد من القرائن " الأمارات والعلامات التي يستدل بها على وجود شيء أو نفيه ".
كما لو رأينا رجلا مكشوف الرأس وليس ذلك من عادته، وآخر هارب أمامه بيده عمامة وعلى رأسه عمامة، حكمنا له بالعمامة التي بيد الهارب قطعا وذلك للقرينة الظاهرة التي هي أقوى بكثير من البينة والإقرار .
أما الفقهاء المحدثون فقد عرفوها تعريفات متعددة، حيث عرفها الأستاذ مصطفى الزرقا بأنها: " كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا وتدل عليه، وهي مأخوذة من المقارنة بمعنى المفاعلة" ، وعرفها الشيخ عبد العال عطوه بأنها: " الأمارة التي تدل على أمر خفي مصاحب لها بواسطة نص أو عرف أو سنة أو غيرها ". وعرفها كذلك بأنها: " الأمارة التي تدلنا على الأمر المجهول استنباطا واستخلاصا من الأمارة المصاحبة والمقارنة لذلك الأمر الخفي المجهول، ولولاها لما أمكن التوصل إليه، فالبعرة تدل على البعير وأثر السير يدل على المسير" .
وعرفها الدكتور سامح السيد جاد بأنها: " الأمارات التي نص الشارع الحكيم عليها أو توصل إليها فقهاء المسلمين باجتهادهم أو استنتجها القاضي من ظروف الدعوى المعروضة عليه لتدل على أمر مجهول، فالقرينة إنما تعني أمارات معلومة يستدل بها على أمر مجهول" .
وعرفها الدكتور الشيخ فتح الله فتح الله زيد بأنها: " الأمارة التي نص عليها الشارع أو استنبطها أئمة الشريعة الإسلامية باجتهادهم، أو استنتجها القاضي من الحادثة وظروفها وما يكتنفها من أحوال" .
ومن خلال التعريفات التي سبق عرضها يتبين أن هذا التعريف الأخير هو الذي يمكن اختياره وترجيحه، وذلك يرجع إلى أمرين أساسيين، وهما :
الأول: أن هذا التعريف يشمل جميع أشكال وضروب القرائن الفقهية، وهي ثلاثة:
أ- القرائن التي نص عليها الشارع، سواء وردت في القرآن أم في السنة.
ب- القرائن التي استنبطها الأئمة المجتهدون من علماء الشريعة، وذكروها في مؤلفاتهم.
ج- القرائن التي يستنبطها القضاة من الوقائع، والظروف والملابسات المحيطة بها.
الثاني: أن هذا التعريف اقتصر على القرائن الفقهية دون غيرها، كالقرائن البلاغية ، والمنطقية .
ثالثا: تعريف القرائن قانونا
لقد عرفت المادة "1349" من القانون المدني الفرنسي القرائن بصفة عامة بأنها:
" القرائن هي النتائج التي يستخلصها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة " .
وقد أخذت بعض التشريعات بهذا التعريف حيث عرفت المادة "299" من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني القرائن بأنها: " القرائن هي نتائج تستخلص، بحكم القانون أو تقدير القاضي، من واقعة معروفة للاستدلال على واقعة غير معروفة " ، كما عرفت المادة "479" من قانون الالتزامات والعقود التونسي القرائن بأنها: " ما يستدل به القانون أو الحاكم (القاضي) على أشياء مجهولة " .
ولم يتعرض قانون الإثبات المصري لتعريف القرائن بطريقة مباشرة كما عرفها القانون المدني الفرنسي في المادة "1349" السابق ذكرها، وإنما اكتفى بوضع أحكامها في المادتين "99" و "100" منه، ويلاحظ أن القانون المدني المصري – والذي اشتق منه قانون الإثبات المصري- مأخوذ من القانون المدني الفرنسي، ورغم ذلك فإنه لم يحتذ حذوه في وضع تعريف لها، ولعل الذي دعا مقتبس القانون المصري إلى سلوك هذا المسلك هو وضوحها
وعدم خفائها .

أما بالنسبة للمشرع الجزائري فإنه لم يعرف القرائن بصفة عامة، وإنما اكتفى بتنظيم أحكامها في الفصل الثالث من القانون المدني حيث تعرضت المادة "337" من القانون المذكور للقرائن القانونية بنصها على ما يلي: " القرينة القانونية تغني من تقررت لمصلحته عن أية طريقة أخرى من طرق الإثبات، على أنه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك "، أما المادة "340" من نفس القانون المذكور فقد تعرضت للقرائن القضائية بنصها على ما يلي: " يترك لتقدير القاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون. ولا يجوز الإثبات بهذه القرائن إلا في الأحوال التي يجيز فيها القانون الإثبات بالبينة" .
ويلاحظ أن المشرع الجزائري قد وفق حين تجنب تعريف القرينة لأن هذه المسألة ترجع إلى اختصاص الفقهاء وليست من عمل التشريع ، كما أن تعريف المشرع الفرنسي السابق ذكره في المادة "1349" من القانون المدني الفرنسي قد انتقد من طرف الفقه الغربي وعلى رأسهم الفقيه الفرنسي Garraud وذلك لكون هذا التعريف هو تعريف الإثبات نفسه، فالقاضي يلجأ إلى التفكير ويقرر علاقة منطقية بين الفعل المعلوم والفعل المتنازع عليه للوصول إلى اليقين، أي أن هذا التعريف يتميز بعدم الدقة والعمومية بحيث يشمل هذا التعريف الدليل بصفة عامة، فالدليل هو كل ما يدل على شيء مجهول، وينطبق ذلك على شهادة الشهود أو الإقرار وغيرها من وسائل الإثبات .
أما فيما يتعلق بموقف الفقه من تعريف القرائن، فيلاحظ أنه قد تعددت تعريفات شراح القانون المدني للقرينة حيث عرفها البعض منهم بأنها : "القرينة هي استنباط أمر غير ثابت من أمر ثابت " .
وعرفها الدكتور عبد الرزاق السنهوري بأنها: " النتائج التي يستخلصها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة " .
وعرفها الدكتور سليمان مرقس بأنها: " استنباط أمر مجهول من أمر معلوم " .
وعرفها الدكتور عبد المنعم فرج الصده بأنها: " ما يستنبطه المشرع أو القاضي من أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول " .
وعرفها الدكتور أنور سلطان بأنها: " القرينة هي استخلاص أمر مجهول من أمر معلوم على أساس غلبة تحقق الأمر الأول إذا تحقق الأمر الثاني " .
وعرفها الأستاذ أحمد نشأت بأنها: " استنباط الشارع أو القاضي لأمر مجهول من أمر معلوم" .
ولقد عرفت محكمة النقض المصرية القرائن بأنها: " استنباط أمر مجهول من واقعة ثابتة معلومة "، وفي حكم آخر لها قررت بأنه: " من القرائن ما نص عليها الشارع أو استنبطها الفقهاء باجتهادهم، ومنها ما يستنبطه القاضي من دلائل الحال أو شواهده " .
كما عرفت محكمة التمييز الأردنية القرينة بأنها : " القرينة هي استنتاج واقعة مطلوب إثباتها من واقعة أخرى قام عليها الدليل " .
أما القرائن القضائية فلقد عرفتها المادة "1353" من القانون المدني الفرنسي بأنها: " القرائن التي لم ينص عليها القانون وتترك لفطنة القاضي وتقديره، ولا يجوز أن يأخذ إلا بالقرائن القوية الدلالة والدقيقة التحديد والمتماسكة، ولا يؤخذ بها إلا في الأحوال التي يجيز
القانون الإثبات فيها بالشهادة ما لم يطعن في التصرف القانوني بالغش أو التدليس " .
ولم يضع المشرع الجزائري تعريفا للقرينة القضائية وإنما اكتفى بتنظيم أحكامها في المادة "340" من القانون المدني التي تنص على أنه: " يترك لتقدير القاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون، ولا يجوز الإثبات بهذه القرائن إلا في الأحوال التي يجيز فيها القانون الإثبات بالبينة " .
ويقابل هذا النص في القوانين المقارنة المادة "100" من قانون الإثبات المصري ، والمادة "302" من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني ، والمادة "92" من قانون البينات السوري ، والمادة "43" من قانون البينات الأردني ، والمادة "505" من القانون المدني العراقي ، والمادة "486" من قانون الالتزامات والعقود التونسي .


وبمراجعة هذه النصوص كلها يلاحظ أنها متفقة على أن القرائن القضائية هي القرائن التي يترك أمر استنباطها للقاضي، فهو يستنبطها من ظروف الدعوى المعروضة أمامه وملابساتها. فالقاضي يختار واقعة معلومة من بين وقائع الدعوى، ثم يستدل بها على الواقعة المراد إثباتها .
وتعرف القرائن القضائية بأنها استنباط أمور مجهولة من أمور معلومة، فهي قرائن يستنتجها القاضي باجتهاده وذكائه من موضوع الدعوى وظروفها ولذا فإنها تعرف أيضا بالقرائن الموضوعية .
كما تعرف أيضا بأنها قرائن يستظهرها القاضي من وقائع الدعوى المعروضة أمامه، فيصل منها، بطريق الاستنباط، إلى الاقتناع بصحة وقائع أخرى، أي إلى اعتبار هذه الوقائع ثابتة .
ولقد عرفت محكمة النقض المصرية القرائن القضائية بأنها: " استنباط أمر مجهول من واقعة ثابتة معلومة بحيث إذا كانت هذه الواقعة محتملة وغير ثابتة بيقين فإنها لا تصلح مصدرا للاستنباط " .
أما محكمة التمييز الأردنية فقد عرفتها بأنها: " القرائن القضائية هي التي يستخلصها القاضي من ظروف الدعوى ويقتنع بأن لها دلالة مقنعة حيث يستنبط القاضي واقعة مجهولة من واقعة معلومة ثابتة " . والقرائن القضائية تعتبر دليلا غير مباشر لأن الإثبات فيها لا ينصب على الواقعة ذاتها مصدر الحق، وإنما على واقعة أخرى قريبة منها ومتصلة بها إذا ثبتت أمكن للقاضي أن يستخلص منها ثبوت الواقعة المراد إثباتها . وهي بذلك تتميز عن باقي الأدلة الأخرى كالإقرار وشهادة الشهود التي تعتبر أدلة مباشرة لكونها ترد مباشرة على الواقعة المراد إثباتها .


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

يُعتبَر الأمن ا...

يُعتبَر الأمن الغاية التي سعت إليها الحضارات، والأُمَم على مرّ العصور، وهي أيضاً الغاية التي تسعى إل...

الفصل العاشر ال...

الفصل العاشر التدريس الفعال للقراءة والكتابة في المدارس الدامجة (Effective Literacy instruction in i...

Japanese design...

Japanese design is a blend of Japanese and Scandinavian design, characterized by clean lines, natura...

إحدى استراتيجيا...

إحدى استراتيجيات التسعير التي يمكن أن تكون فعالة بشكل خاص في سوق شديدة التنافسية هي التسعير القائم ع...

كانت التجارة عل...

كانت التجارة على طريق الحرير التاريخي إحدى أعجوبة التجارة القديمة، إذ كانت تربط الشرق بالغرب من خلال...

ظهرت في العصر ا...

ظهرت في العصر الحديث أشكال متعددة من المنظمات تهدف إلى تلبية الحاجات المختلفة للفرد المعاصر، وتنوعت ...

ترتبط البيانات ...

ترتبط البيانات الجغرافية المكانية بأبعاد مختلفة ومهمة سواء في التمثيل الخرائطي أو الجيومكاني. ومن تل...

Positioning sys...

Positioning systems fall into one of three categories. In the network-based approach, infrastructure...

نبدأ مشروعنا بس...

نبدأ مشروعنا بسم الله الرحمن الرحيم ونسأله التوفيق في الوصول الى مشروع تخرج مميز ، التنمر المدرسي :...

إن تصنيع المواد...

إن تصنيع المواد وتوزيعها واستهلاكها والتخلص منها كلها مراحل يجب أن يتم فيها التعامل مع المواد، والتي...

Fashion is not ...

Fashion is not merely about clothing; it's a language that speaks volumes about cultures and societi...

There are many ...

There are many reasons for doing things, but most motivation belongs to one of four main categories....