لخّصلي

شهد المغرب خلال العهد الروماني (منذ بداية القرن الأول حتى أواخر القرن الرابع الميلادي) عدة ثورات مقاومة. أولها ثورة الجيتول (6-3م)، وهي قبائل بدوية رعت في المناطق الداخلية، من فزان شرقاً إلى سالة غرباً. ثاروا ضد الرومان والملك يوبا الثاني، مُسفرين عن نهب وحرق مستوطنات رومانية وقتل قادة رومان، قبل أن ينهزموا في 6م. ثم ثورة تكفاريناس (24-17م)، وهو جندي روماني سابق من قبائل الموزوالم، ثار بسبب التوسع الروماني. بخبرته العسكرية، كوّن جيشاً قوياً ضمّ قبائل المور، الغرامنت، والجيتول، محققاً انتصارات عدة قبل أن يُلقى القبض عليه ومقتله في 24م، باستخدام الرومان للدسائس والمباغتة. ثورة أخرى قادتها قبائل الحلف الخماسي (256-298م) في منطقة القبائل، متكونة من خمس قبائل (ماسينيسنس، تيندنسيس، إسفلنس، جوبالني، وإيسالنس)، واجهت الرومان بشراسة في القرن الثالث، متحدّة مع قبائل البوار، مُسيطرةً على أراضي نوميديا، قبل أن تُخمَد ثورتهم في 298م. أما ثورة قبائل البوار (253-296م)، فكانت لها فروع شرقية (بمنطقة القبائل) وغربية (بمنطقة جبال الونشريس)، سيطرت على غرب وهران، مُشكّلةً خطراً كبيراً على الرومان، متحالفةً مع قبائل أخرى، حتى نهاية القرن الثالث. أخيراً، ثورة فيرموس (375-372م)، من عائلة نبيلة بمنطقة القبائل، حشدَ قبائل مور ووالدوناتيين والطبقة المسحوقة، محققاً انتصارات قبل أن يُقتل، كما انتهى الأمر بشقيقه جيلدون بنفس المصير. أدت هذه الثورات إلى تراجع خط الليمس الروماني شمالاً، مع إخلاء الرومان لأراضي واسعة. المصادر المُستند إليها: ديون كاسيوس، تاكيتوس، وأميانوس مارسيلينوس.

أشكال المقاومة في بالد المغرب خالل العهد الروماني
لقد واجه سكان بالد المغرب االحتالل الروماني منذ بداية القرن األول للميالد، واستمرت
المقاومة حتى أواخر القرن الرابع للميالد، ونذكر منها:
-ثورة الجيتولGetulae( 06-03 م(:هي قبائل من البدو الرعاة ،كانت تنتشر في المناطق
الداخلية لبالد المغرب من منطقة فزان بليبيا شرقا إلى منطقة ساال Sala بجنوب الرباط
غربا ،لقد ورد عند ديون كاسيوس Cassius Dion أن قبائل الجيتول ثارت ضد الرومان
والملك يوبا الثاني الذي لم يكن في نظر رعاياه سوى وسيلة لتمهيد المنطقة لالستيطان
الروماني ، حيث قامت بسلب وحرق المستوطنات الرومانية المجاورة لها وقتلت عدة قادة
من الرومان الذين عارضوها، لكن ثورتهم لم تدم طويال ،حيث استطاع الرومان في سنة 6 م
تحقيق االنتصار عليها وإرغامها على التراجع نحو األراضي الداخلية الجنوبية.

• ثورة تكفاريناسTacfarinas( 24-17 م( :
  ينتمي تكفاريناس إلى قبائل الموزوالمMusulamae بمنطقة األوراس ، كان جنديا في
  الجيش الروماني ، وتمرد ضده بسبب سياسة التوسع التي انتهجها الرومان بالمنطقة ، وأعلن
  ثورته سنة 17 م ،وبفضل خبرته العسكرية في الجيش الروماني قام بتدريب جيش نظامي
  قوي يتكون من المشاة والفرسان، كما انضمت إلى جانبه قبائل المور بقيادة مازيبا
  Mazippa وأيضا قبائل الغرامنت Garamantes بمنطقة فزان بليبيا والجيتول، ولقد
  استطاع تكفاريناس إحراز العديد من االنتصارات على الجيش الروماني، حيث يذكر المؤرخ
  الروماني تاكيتوس Tacite في كتابه الحوليات أن ثورته كانت عنيفة ، حيث تطلبت عملية
  إخمادها عدة قادة من الرومان على التوالي باإلضافة إلى اإلمدادات العسكرية للملك يوبا
  الثاني)توفي سنة 23 م قبل إخماد ثورة تكفاريناس( وابنه بطليموس من بعده.
  ولقد تمكن الرومان من اإليقاع والقضاء على تكفاريناس في األخير باستعمال أسلوب
  الدسائس والمؤامرات والمباغتة ونشر العيون والجواسيس من المور،حيث تعرف الرومان
  في األخير على منطقة تمركز الثوار النوميديين بقيادة تكفاريناس ،وهي بمنطقة أوزيا
  Auzia(سور الغزالن(واستطاعوا بذلك مباغتته والهجوم عليه وعلى الثوار بطريقة مفاجئة،
  وقتل تكفاريناس ومن معه ،وهكذا انتهت ثورته سنة 24 م.


• ثورة قبائل الحلف الخماسي Quinquegentiani بمنطقة القبائل:
  ورد اسمها ألول مرة في النقوش الالتينية التي تعود لحوالي 256-253 م
  1
  ،كانت هذه
  القبائل تشغل في القرن الرابع الميالدي حسب جوليوس أونوريوسHonorius Julius

1CIL, VIII, 2615.وجغرافية أيتيكوس Cosmographia Aethicus المنطقة الواقعة
بينصالدايSaldae(بجاية Bougie )شرقا إلى روسوكورو Rusucurru(دلس( غربا،
يتكون الحلف الخماسي من خمس قبائل، تتمثل في قبيلة الماسينيسنس Massissenses التي
تم موافقتها حاليا لمسيسناMsisna أو إمساسنImsissen، المتمركزة بالضفة اليمنى لوادي
الصومام،قبيلة تيندنسيسTyndenses المتمركزة ربما في منطقة الفناية التي تشغلها حاليا
أيت وغليس وأيت عامر، قبيلة إسفلنس Isflenses،والمعروفة حاليا إفليسنIflissen
)فليسةFlissa )المتمركزة باإلقليم الشمالي الغربي لمنطقة القبائل الكبرى الذي يطل على
البحر األبيض المتوسط، قبيلة جوبالني Jubaleni ،اقترح كانيا Cagnat.R أن هذه القبيلة
تنتمي إلى قبيلة الزواوة المشهورة التي تقطن بجبال جرجرة، بينما يرى بول جافرال Paul
Gaffarel أنها توجد بجوار مدينة بجاية Bougie ،وهي حاليا بني جوبرJuber-Beni،
ومن الغرب منها نجد قبيلة إيسالنس Jesalenses(غرب الزواوة(.
ولقد كانت هذه القبائل التي شكلت الحلف الخماسي من أشد أعداء الرومان بمنطقة
مقاطعة موريطانيا القيصرية خالل القرن الثالث الميالدي، اتحدت مع قبائل البوار
Bavares ما بين 235 و262 م، واستطاعت بذلك اكتساح أراضي نوميديا )الجزء الشرقي
من الجزائر(، كما قامت قبائل الحلف الخماسي بالهجوم مابين 290 293- م على األودية
والسهول العليا الممتدة من الونشريس إلى غاية مقاطعة نوميديا، ولقد دامت هذه الثورة ثالث
سنوات، حيث استطاع الرومان من وضع حد لها وقتل العديد من الثوار ،لكن بالرغم من هذا
استمر تمرد هذه القبائل إلى غاية سنة298 م.لكن الرومان استطاعوا في النهاية من إعادة
السلم إلى المنطقة خالل تلك الفترة ، وكما انضمت خالل القرن الرابع للميالد إلى ثورة
فيرموس )372-375 م(.

• ثورة قبائل البوارBavares(296-253م):
  ذكرت بعض الدراسات وجود فرعين من البوار ،الفرع األول يتمثل في قبائل البوار
  الشرقية التي تقطن بمرتفعات البابور بمنطقة القبائل الصغرى )بجاية( التابعة لمنطقة
  موريطانيا القيصرية،وهي التي نشطت ثورة المور التي تعود لما بين 298-253 م،أما الفرع
  الثاني فيتمثل في قبائل البوار الغربية التي كانت تشغل أراض منطقة جبال
  الونشريسOuarsenisغرب موريطانيا القيصرية، ولقد سيطر البوار منذ أواخر القرن
  الثالث الميالدي على الغرب الوهراني بما فيها المدن الرومانية، وهو ما نتج عنه تراجع خط
  الليمسLimes( الحدود الرومانية( بهذه المنطقة، وبذلك ازداد شأن البوار خالل هذه الفترة
  2 واشتهر اسمها في وسط الرومان
  ،وتعودأقدم الشواهد أو النقوش الالتينية التي أشارت إلى
  البوار إلى عهد اإلمبراطور الروماني إلسكندرسيفريوسAlexander Severus(-222
  3 235 م(
  ،ولقد ورد ذكر البوار في خمسة عشر نقيشة التينية، عثر عليها بالعديد من المواقع

2 CIL, VII, 21630.
3
Inscriptions antiques du Maroc (I.A.M), II, n° 482.بكل من نوميدياوالموريطنيتين القيصرية والطنجية، وذلك نظرا لألحداث العسكرية التي
كانت طرفا مهما فيها خالل القرن الثالث الميالدي، وهو ما أدى بالرومان إلى التفاوض
معها، نذكر على سبيل المثال تفاوض القائد الروماني تيودوسيوسTheodosiusمع ممثلي
البوار من أجل ضمان حيادهم في حرب فيرموسFirmus(375-372 م( حسب نص
المؤرخ الالتيني اإلغريقي األصل أميانوس مارسيلينوسAmmianusMarcellinus الذي
عاصر هذه األحداث )عاش أواخر القرن الرابع الميالدي(.
ونظرا لقربها الجغرافي)بوار الغرب( من مقاطعة موريطانيا الطنجية فقد تحالفت في
العديد من المرات مع القبائل المعادية للرومان بهذه المقاطعة خاصة البقواطBaquates
ولقد شكلت خطرا كبيرا على الرومان ،كما تحالفت أيضا قبائل البوار مع القبائل الخمس
Quinquegentanie(منطقة القبائل(ومع رئيس قبيلة يدعى فراكس من أصل مرتفعات
بلعباس سنة 255 م ،انتهت بمقتل هذا األخير في سنة 260م ،لكن هذا لم ينه الثورة التي
استمرت إلى غاية نهاية القرن الثالث للميالد، حيث في سنة 290م شن البوار غارات جديدة
ضد الرومان بالمناطق الممتدة بين سور الجواب )المدية( وأوزيا Auzia(سور الغزالن(.
-ثورة فيرموس )372 375- م(:
ينتمي فيرموس إلى عائلة نبيلة ذات نفوذ كبير بمنطقة القبائل التابعة لمقاطعة موريطانيا
القيصرية ،تزعم فيرموس حركة تمرد ضد الرومان بمقاطعة موريطانيا القيصرية ،انضمت
إلى صفه العديد من قبائل المور ووالدوناتيين )المذهب المسيحي الدوناتي المناهض للسلطة
الرومانية( ،إستطاع أيضا استقطاب الطبقة المسحوقة التي انتشرت بمدن مقاطعة موريطانيا
القيصرية، كما انتظمت إلى جانبه قبائل الحلف الخماسي بمنطقة القبائل ، هكذا تمكن
فيرموس من تحقيق عدة انتصارات على الرومان ، لكن في األخير انتهت بالقضاء عليه
وذلك بسبب استعمال الرومان ألسلوب الدسائس والخيانة ككل مرة ، ولقد انتفضت قبائل
المور بقيادة شقيق فيرموس المدعوجيلدون )397-395 م( بعد أن كان حليفا للرومان ولقد
كانت نهايته مثل نهاية شقيقه فيرموس.
ولقد كان من أهم نتائج هذه الثورات تراجع خط الليمس أو الحدود الرومانية باتجاه الشمال
،حيث تم إخالء العديد من األراضي من طرف الرومان بسبب الضغط المستمر للقبائل
المحلية.
المصادر والمراجع:
-Dion Cassius, Histoire romaine, trad. E. Gros, paris, 1863, Liv, 28,3-8.

• Tacite, Annales
  -Ammien Marcelin, Histoire romaine