لخّصلي

خصصها للعالمين الفاضلين ابني الامام : أبي زيد عبد الرحمن ، وأبي موسى عيسى ، ليدرسا بها . بعده أسس ابنه الأمير تاشفين الأول المدرسة التاشفينية بعده بجانب الجامع الأعظم حيث مركز البلدية الحالي . وفي عام 748 هـ ( 1347 م ) أمر السلطان المريني أبو الحسن د ببناء مدرسة العباد الحالية . وبعده أمر ابنه أبو عنان ببناء المدرسة العنانية بجانب ضريح الولي الصالح أبي عبد الله الشوذي الحلوي الأشبيلي عام 754 هـ ( 1356 م ) . وبعد حوالي ست سنوات أمر الأمير أبو حمو موسى الثاني ببناء المدرسة اليعقوبية عام 763هـ ( 1362 م ) بجانب
ضریح قبور : أبيه أبي يعقوب ، وعميه : أبي سعيد عثمان، وأبي ثابت ، وخصصها للعالم الفقيه أبي عبد الله محمد الشريف الحسني التلمساني ، وولده أبي محمد من بعده ، ليدرسا بها ، وينشرا علومهما ومعارفهما الواسعة . وفيها دفن العالم الصالح ابراهيم المصمودي تلميذ أبي عبد الله الشريف . وقد أزال الاستعمار الفرنسي هذه المدارس كلها وخربها ما عدا مدرسة العباد بجوار ضريح أبي مدين شعیب .
ويعود سبب ازدهار الفكر والثقافة بتلمسان خلال هذه
الفترة وما بعدها الى عدة عوامل أهمها : موقعها الجميل
بين الشرق والغرب الأندلسي ، والشمال التلي ، والجنوب

لقد شهدت تلمسان في العصر الاسلامي الوسيط حياة فكرية رائدة ، وحركة تنوير واسعة للعلوم والمعارف الاسلامية المختلفة امتدت تأثيراتها واشعاعاتها الى المدن والعواصم الاسلامية الكبرى فى مغرب العالم الاسلامي
ومشرقه .
وانكب شعب هذه المدينة ، وأمراؤها وسلاطينها ، على البناء الحضاري بمفهومه الواسع ، وشهد القرن الثامن الهجري ) والرابع عشر الميلادي ) بناء عدد من المدارس العلمية ، وانكباب جيل من العلماء للتدريس بها ، وتثقيف الأجيال وتنويرها ، والنهوض بها ، الى الآفاق السعيدة .
وهكذا أسس الأمير أبو حمو موسى الأول ، أول مدرسة علمية بتلمسان في مطلع القرن الثامن الهجري

فهي أولا : عقدة مواصلات لطرق القوافل التجارية بين التل والصحراء ، تزود الجنوب ببضائع الشمال المختلفة الزراعية ، والحيوانية ، والصناعية ، وتستورد منه بضائعه الصحراوية المختلفة خاصة : الأصواف ، والجلود ، وتبر الذهب ، والعبيد ، والسمن ، والملح ، وأنياب الفيلة ، وريش النعام ، وعظامه . وحجر النيلة ، وبعض الأدوات
الجلدية .
وهي ثانيا : منبت ومحط أنظار العلماء والمفكرين ، وطلاب العلم والمعرفة الذين يفدون اليها من الغرب الأندلسي ، ومن المشرق ، للتعلم والتعليم في مدارسها
الناهضة ومساجدها الجامعة .
وهي ثالثا : محطة عبور لقوافل الحجاج الذين يفدون ويروحون بين بلدان المشرق من جهة ، وبلدان المغرب والأندلس من جهة أخرى ، الأداء فريضة الحج ، وزيارة قبر الرسول ، والممارسة الأعمال التجارية ، وتلقي العلم ،
والمعرفة على أجلة الشيوخ وأكابر العلماء
وبفضل هذا الموقع الاستراتيجي الهام المدينة تلمسان ،
وبفضل تلك المدارس العلمية العديدة التي أنشئت بها خلال القرن الثامن الهجري ( 14 م ) استقطبت عددا كبيرا ، قد لا يحصى ، من عمالقة الفكر والأدب ، وأساطين
الثقافة والمعرفة ، بمفهومها الواسع ، وفروعها العديدة والمتنوعة : الدينية ، واللغوية ، والتاريخية ، والأدبية وغيرها ، البعض منهم من أبنائها ومواليها ، والبعض الآخر جاؤوا اليها من الأصقاع البعيدة شرقا وغربا وجنوبا ،
واستقروا بها وأصبحوا من أهلها وذويها .
ومن الطريف أن تذكر هنا أن كثير من هؤلاء العلماء الأجلاء ، لم تكن تعيقهم الحدود والحواجز السياسية ، ولم يكونوا يخافون أو يرهبون من الأمراء والملوك والسلاطين بل ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو شعار أغلبهم وكانوا بحق علماء عالميين يتنقلون بين مختلف العواصم الاسلامية للتعليم والتدريس والوعظ والارشاد والتأليف ، ولنصح الملوك والأمراء والسلاطين ، ولا يتحرجون من زجر أي سلطان ، وترك خدمته والانتقال الخدمة سلطان آخر ، وأبرز مثل على ذلك ، ابن مرزوق الجد والخطيب وعبد الرحمن بن خلدون ، ولسان الدين بن الخطيب ، وأبو زيد عبد الرحمن ابن الامام ، وأخوه أبو موسى عيسى ، وأبو مدين شعيب الغوث ، وأبو عبد الله أحمد الشرف ، وعبد الكريم المغيلي ، وأحمد المقري