خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
هي المظهر العلني لحركتنا السرية ، والكلمة الأولى في حركتنا ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ . وانتخابات النادي كانت تتم في هدوء خلال السنوات السابقة ، من المهتمين بالسياسة يلقي بالا إليها ؛ لأن المرشحين كانوا يتبارون على خدمة زملائهم وتوفير أفضل الوسائل لراحتهم . ولكن الأمر اختلف عام ١٩٥٢ . بل يمكن القول بأنه تغير تغيرا كاملا . بعض الأمر تم بإرادتنا والبعض فرض علينا فرضًا . استقر رأيي على أن أرشح نفسي رئيسًا لمجلس إدارة النادي لجس نبض الحالة وتحديًا للملك الذي نقلني من سلاح الحدود . وأشعل معركة الانتخابات إصرار الملك على ترشيح اللواء حسين سري عامر وكأنه هو الذي يلقي القفاز في وجهي . واجتمعت الجمعية العمومية للضباط وقررت أنه لا يجوز ترشيح اللواء قررت ذلك وأعلنت عن موعد الانتخابات دون استجابة لرأي الملك . وكانت فترة الانتخابات فرصة هائلة للالتقاء مع الضباط في ناديهم بالزمالك الذي كان قد ضم إليه مبنى الاتحاد المصري الإنجليزي الذي لعب دورًا رئيسيا في توجيه السياسية المصرية خلال الحرب العالمية الثانية . كان الضباط يحتشدون في النادي كل ليلة، وتدور المناقشات واضحة صريحة . ولا تدور عن أسعار الطعام والمشروبات . وكانت نبرة الرفض والغضب تتصاعد كلما اقترب موعد الانتخابات . لم أكن المرشح الوحيد للرئاسة . كان ينافسني ثلاثة ضباط آخرين أحدهم اللواء حافظ بكري مدير سلاح المدفعية واللواء إبراهيم الأرناؤوطي مدير المهمات واللواء سيد محمد مدير الصيانة . ولم تكن النتيجة غريبة ؛ لأنها كانت نابعة من إدراك الضباط الحقيقة هامة. وهي أنهم لا يجوز أن يعطوا أصواتهم لقيادات تقليدية تسير في ركب السراي والسلطة بلا وعي ولا إرادة . حصلت على عدة مئات من الأصوات، ونجح في مجلس الإدارة أيضًا عدد من الضباط المرتبطين بنا ، نجح القائمقام رشاد مهنا سكرتيرا للنادي ، مجلس الإدارة كل من البكباشي زكريا محيي الدين ، وقائد الجناح حسن إبراهيم والصاغ جمال حماد . ولكن الملك لم يقبل هذه النتيجة أو هذه الهزيمة . استدعاني الفريق محمد حيدر إلى مكتبه ومعي رشاد مهنا وقال لنا في صراحة : أن أوامر ( مولانا » أن يدخل حسين سري عامر مجلس إدارة النادي . وقلت لحيدر : إن هذا ليس من حق مجلس الإدارة . فإذا أصر «مولانا» فاعقد الجمعية العمومية واعرض الأمر رغم ظهور نبرة تهديد صريحة في حديث حيدر عندما وحاول الملك محاولة أخيرة لتعديل لائحة النادي عن طريق الجمعية العمومية بما يسمح بإدخال حسين سري عامر ممثلا للحدود ولكنه مني بالفشل أيضًا. فأصدر أمرًا بحل مجلس إدارة النادي وتعيين مجلس مؤقت برئاسة شقيقي علي نجيب . ولم تكن هذه الحركة تدل على لأنها أشعلت غضب الضباط كالنار في الهشيم . وفي هذا الجو المشحون فوجئت بخبر أثارني تماما . وأسرعت إلى مكتب حيدر محتجا . وقال الرجل : إنه لا واتصل أمامي تليفونيا بمدير المدفعية الذي أبلغه أن رشاد مهنا قد نقل للعريش بناء على طلبه . ونزلت من مكتب حيدر إلى منزل رشاد مهنا فوجدت أن الخبر صحيح وأن تبرير رشاد مهنا له هو رغبته في الابتعاد عن القاهرة في هذا الوقت الذي يلاحقنا ولم أقتنع أيضًا بانفراده في اتخاذ القرار في هذه الفترة قد دخلت أيامًا مظلمة . والوزارة الشعبية أقيلت . والكفاح المسلح في القناة توقف . والوزارات الجديدة لا تكسب ثقة الشعب ، وبدأت ألاحظ أني موضوع تحت الرقابة . وناس لا أثق فيهم يحاولون أن يستدرجوني في الحديث . الحكيم عامر حتى نجنح جميعًا إلى مزيد من السرية في الاتصالات دون تردد أو وفكرنا في القيام بتحريك القوات في الأيام التي أعقبت حريق القاهرة ولكن الموقف فيما يبدو لم يكن ناضجا لذلك . وأصبحت أمامنا بعد حل مجلس إدارة النادي ثلاثة طرق مفتوحة : الأول : إرسال برقيات احتجاج من الضباط للملك ولكني كنت ضد هذا لأنه كان سيكشف أسماءنا أولا ولن يستجيب الملك له ثانيا . الثاني : كان متطرفًا إلى حد ما هو احتلال النادي بالقوات المسلحة وقد رفضته أيضًا لاحتمالات التصادم المسلح بين أفراد الجيش وهو ما تحاشيته دائما حرصا على ألا يقتل مصري ابنا من أبناء وطنه . الثالث : تجميع كبار الضباط واعتقالهم وفرض شروطنا على الملك . هذا الحل هو ما وافقت عليه وقررنا الأخذ به . وبقي تحديد الموعد المناسب . وكنت على ثقة تامة من أن الشعب والجيش معا ينتظران حركة تغيير الأوضاع وكان عجز الوزارات التي شكلت بعد حريق القاهرة حافزا على تحقيق كنا نلعب لعبة مكشوفة . الكل يلمس أن شيئًا ما يحدث في صفوف الجيش ، يعبر عن ذلك انتظام منشورات الضباط الأحرار» ولكن التفاصيل والأسماء كانت إلى حد ما مجهولة . وفوجئت يوما باللواء أحمد فؤاد صادق يزورني في مكتبي ويروي لي همسًا أنه كان في منزل الدكتور يوسف رشاد ، وإذا بعد اتصال تليفوني يعود له قائلا بأنه سوف يقبض على اللواء محمد نجيب لاتهامه بتزعم حركة ثورية داخل الجيش . استطرد أحمد فؤاد صادق قائلا إنه قد نفى ذلك نفيا قاطعا وإن يوسف رشاد لأنها تتعلق بحياة ملك ورغم ذلك فإنه يبدو أنه قد اقتنع على حد تعبيره . وأدركت أن اهتمام يوسف رشاد يعود إلى الدور الذي رسمه له في الحرس الحديدي - كما سبق أن ذكرت . وأصبحنا في سباق مع الزمن . وكانت وزارة نجيب الهلالي قد استقالت وتولى حسين سري رئاسة الوزارة الثالثة خلال ستة شهور بعد حريق القاهرة . وفي يوم ١٨ يوليو حضر إلى بعد الغروب بقليل رجل أعرفه وطلب مني الذهاب لمقابلة محمد هاشم «باشا» وزير الداخلية، وزوج بنت حسين سري والرجل القوي في وزارته . ولما كنت أعرف هذا الرجل منذ كان يعمل مع محمود فهمي القيسي «باشا» وزير الداخلية وقريب زوجتي فقد خرجت معه مطمئناً دون أن أحمل سلاحًا . ولم نجد الوزير في الشقة التي أخذني لها في الزمالك فاتصل به الرجل تليفونيا ، فأجاب بأنه سيعود فور انتهاء اجتماع مجلس الوزراء . ومرت الدقائق والساعات بطيئة وثقيلة ، وتجاوز الوقت منتصف الليل ولم وبدأت الشكوك تلعب في نفسي بأنني ربما قد وقعت في كمين . ودرت بنظري في غرفة الصالون الفاخرة التي أجلس بها . مقعد بجوار زهرية من النحاس الثقيل لأستخدمها في الدفاع عن نفسي إذا وفي الساعة الواحدة والقلق يستبد بي وصل وزير الداخلية ، أخذ يسألني عن أسباب تذمر رجال الجيش وعن مطالبهم . وأطنبت في شرح أسباب التذمر ، وأرجعتها إلى أننا نحكم حكما ديكتاتوريا ، وليس حكمًا ديمقراطيا معبرًا عن إرادة الشعب . وأدار هاشم «باشا» الحديث فجأة ، ليسألني عما إذا كان تعيين وزير حربية يعتبر كافيا لإزالة أسباب التذمر ، وخلق حالة من الرضا بين الضباط . واستطرد متسائلًا عما إذا كنت أنا شخصياً أقبل هذا المنصب ؟ ولكني أجبت بالرفض مباشرة متعللا بأن وكالة وزارة الحربية عرضت عليَّ ورفضتها ، وأني لا أفضل عن مكاني في الجيش شيئًا . قلت له مداعبًا : إذا عينتموني وزيرًا للحربية فإن وزارتكم ستقال في اليوم التالي . وكان رفضي في الحقيقة مستندا إلى شعوري بأنهم يقومون بمناورة لإبعادي وخلال هذا الحديث الذي امتد حتى الثانية بعد منتصف الليل ، «باشا» بطريقة عابرة أن هناك لجنة من ۱۲ شخصًا عرفت الجهات المسؤولة أسماء ثم لم يشأ أن يصرح بشيء . وأبديت له عدم الاكتراث بمثل هذا مؤكدًا له أن هناك شعورًا عامًا وجارفًا في صفوف الجيش ضد كثير من وأثناء عودتي إلى منزلي في الزيتون ، وكان ليل القاهرة هادئا صافيًا استرجعت وأدركت أن الموقف خطير . ووجدت زوجتي عائشة تنتظرني بشرفة المنزل في قلق شديد . وكانت تلحظ وجود بعض الأغراب حول المنزل وتنبهني لذلك . فلم أكن حتى هذه اللحظة قد نمت نوما متقطعا وأنا أرنو إلى نور الصباح . حضر الصاغ جلال ندا الضابط السابق الذي كان يعمل محررًا عسكريا بدار أخبار اليوم ، ومعه محمد حسنين هيكل رئيس تحرير آخر ساعة وقتئذ» لسؤالي عما تم في مقابلتي مع محمد هاشم «باشا» وزير الداخلية . معرفة المقابلة. وكنت أعرف محمد حسنين فقد كان مراسلًا حربياً أثناء معركة فلسطين وحضر لتغطية الموقف عقب معركة أسدود، كما أني عرفته بالمحامي عبد الحميد صادق الذي كان يصرف من جيبه الخاص على كتائب الفدائيين في معركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز بالقناة ١٩٥١ وذلك ليعمل تحقيقا صحفيا عن الفدائيين . عامر على غير موعد . ولما وضح من حركتها أنهما يريدان أن يسرا إلي بشيء ما ، وكان لقاءه الأول لهما . وفي هذه الجلسة تحدد موعد الثورة . كان جمال وعبد الحكيم يريدان أن تكون الحركة يوم ٤ أغسطس لسببين : أولهما : اكتمال وصول الكتيبة ١٤ مشاة إلى القاهرة في حركة التنقلات العادية . ورفضت السببين ، فإن القوات التي كانت معنا تعتبر كافية لإنجاح مهمتنا ، وليس هناك مبرر للتأجيل من أجل استلام المرتبات. الداخلية في جلستي معه الليلة الماضية، واتفقنا على أن تحركنا يجب أن يتم خلال أيام محدودة حتى نحقق عنصر المفاجأة . سباق رهيب مع الزمن . بتحديد الموعد . الشخصية ، وكنت مركز اهتمام أجهزة الأمن التي لم يكن ينقصها الشك في وإن كان ينقصها المعرفة لاعتقال كل المتصلين بي . لأنه لا اللواء محمد نجيب والاثنى عشر ضابطًا الذين يعملون معه وأنت تعرفهم ) . كما أكدت هذه الحقيقة رسالة تليفونية من الإسكندرية تلقاها البكباشي رئيس تحرير المصري، تقررت لعدد من الضباط . رئيس هيئة أركان الحرب أسماء عدد من ضباط الثورة وقد تقرر نقلهم خارج القاهرة . وكان مقدرا لي أن أصبح قائدا للمنطقة الجنوبية في منقباد بمديرية أسيوط . وتقرر أن تكون الحركة ليلة ٢١ - ٢٢ يوليو ثم تأجلت يوما لإبلاغ أكبر عدد من الضباط الأحرار وتجهيز الوحدات وإبلاغ المناطق الخارجية . وفكرنا في تضليل أجهزة الأمن بسفري خارج القاهرة إلى قريتي «النمارية» ولكنا صرفنا النظر عن ذلك كما أن وجودي في القاهرة اعتبر ضروريًا للرجوع إلى عند أية مفاجأة . نجيب الهلالي . الاهتزاز . ولكن نجيب الهلالي لم يوافق ، فقرر تعيين صهره زوج الأميرة فوزية الأمير الاي إسماعيل شيرين ، بسلاح الحدود ، وكان يعاونه البكباشي محمود رياض أمين الجامعة العربية الحالي . وتخلق لها رأيا عاما مؤيدا في صفوف الجيش والشعب معا . الساعة الحاسمة تقترب ووزارة نجيب الهلالي تحلف يمين الولاء للملك . وعلمت من شقيقي اللواء علي نجيب أن مؤتمرًا سوف يعقد في القيادة العامة يحضره اللواء حسين فريد وقادة الأسلحة والخدمات في العاشرة مساء . الشبهات ؛ لأنه من أركان حربي السابقين ، وقررت أن يتم اعتقالهم أثناء وجودهم في المؤتمر حقناً للدماء ، وأعطيت تعليمات بذلك لعبد الحكيم عامر . وكانت خطة العمليات التي وضعها زكريا محيي الدين المدرس بكلية أركان الحرب في ذلك الوقت تقضي بأن أبقى في المنزل حتى تتم التحركات العسكرية ثم أذهب إلى رئاسة أركان الحرب لتولي القيادة ؛ يفسد الخطة . وكان بعد منزلي في الزيتون عن طريق تحركات الجيش باعثاً على قلقي وشغفي لمعرفة ما يحدث وظللت طول الوقت أنفث الدخان من غليوني الصغير. وكانت زوجتي عائشة ترقب الموقف من بعيد وهي تدعو الله بنصر الحركة. مراقبة المخبرين للمنزل . وعند منتصف الليل اتصلت بنا زوجة شقيقي علي تسأل عنه وتقول : إنه ليس من عادته التأخر دون إبلاغها . وطمأنتها قائلاً إني سأبحث عنه . ولم أحدثه عنها مطلقا ، رغم ثقتي به ؛ عن الأمن والنظام بها . وإن كنت قد نصحته من طرف خفي بأن يجري تدريبات وذلك تسهيلا مرة ؛ لأنهم ربما لو عرفوا أنهم يتحركون لانقلاب لأحجم بعضهم أو أفشى السر . ثم أبلغني أن بعض ضباط البوليس قد أبلغوه أن قوات الجيش تتحرك إلى قصر عابدين . من صحة ذلك . الليلة . ثم أبلغته عن سؤال زوجته عنه . لي أهم خبر في حياتي . ونكسة وتعرض للخطر . الدقائق تمر بطيئة والثواني أصبح لها زمن . وليل القاهرة هادئ وصامت ، ولم أكره الصمت في حياتي مثلما كرهته في هذه الليلة . ولكن الالتزام بالخطط العسكرية شرط من شروط نجاحها . ونحن قد قتلنا هذا الموضوع بحثا وانتهى العامة ؛ كلها للفشل . وتحرك الجهاز الصامت فجأة وعلا صوته، ورفعت السماعة فإذا بالمتحدث مرتضى المراغي وزير الداخلية وفريد زعلوك وزير الدولة وهما يقولان لي : إن مصلحة الوطن . ولما ألحوا في الرجاء وعدتهم خيرًا وأغلقت السماعة ، وقد بدأ الأمل في النجاح ينعش نفسي . ولم تمضي دقائق حتى علا رنين التليفون واستبدت بي الإثارة فقد خامر ني يقين بأن اللحظة الحاسمة التي كنت أترقبها قد حانت وأمسكت التليفون بلهفة شديدة وسرعان ما دب الاطمئنان إلى قلبي فقد طرق سمعي صوت الصاغ جمال حماد المسلحة ، وكان الصاغ جمال حماد أركان حربي بسلاح المشاة وأحد الضباط الأحرار المسؤولين عن تنفيذ خطة الثورة وقد عين بعد ذلك ملحقا عسكريًا بدمشق وبيروت ورقي إلى رتبة اللواء ثم عين محافظا لكفر الشيخ ثم المنوفية ، وأبلغني جمال حماد وقتئذ أنه سيرسل لي ثلاث عربات مدرعة لإحضاري من المنزل ولكني أخبرته بأن لا داعي لذلك فإنني سأركب فورا عربتي الأوبل الصغيرة التي يقودها سائقي الخاص توفيرا للوقت . وصلت كوبري القبة وهناك تلقاني بعض ضباط الثورة وانتقلت من عربتي إلى عربة جيب دخلت بها مركز قيادة الجيش . ولم أجد حسين فريد في مكتبه وإنما وجدت ضباط الثورة ينصتون وقوفا للبكباشي يوسف صديق الذي كانت قواته القادمة من هايكستيب - في ضواحي القاهرة البعيدة - هي أول قوات تحتل القيادة وتعتقل اللواء حسين فريد وتنقله إلى معسكر الاعتقال في الكلية الحربية المواجهة لها . وكانت لحظات عامرة بالحب والثقة . كل ضابط يهنئ زميله ويقبله والبشر يملأ الوجوه رغم ليلة طويلة بلا نوم . وأشرق على القاهرة فجر يوم بهيج . كلهم أولادي ، تجاوزت الخمسين وهم بعد ما زالوا في ربيع العمر لم يتجاوز أكبرهم الخامسة والثلاثين . تماما ، وتم اعتقال الباقين في الصباح . ولم يكن هناك لواء عامل في الجيش يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ينعم بحريته سواي ، حتى شقيقي علي دخل المعتقل مع زملائه . وما أن أشرق الصباح حتى تلقيت مكالمة من رئيس الوزراء أحمد نجيب لتلبية هذا الطلب . ولما استفسر مني عن طلباتنا قلت له : إننا نطالب بالآتي :
كانت انتخابات نادي الضباط، هي المظهر العلني لحركتنا السرية ، والاختبار
الديمقراطي لإرادة ضباط الجيش، والكلمة الأولى في حركتنا ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ .
وانتخابات النادي كانت تتم في هدوء خلال السنوات السابقة ، لا يكاد أحد
من المهتمين بالسياسة يلقي بالا إليها ؛ لأن المرشحين كانوا يتبارون على خدمة
زملائهم وتوفير أفضل الوسائل لراحتهم .
ولكن الأمر اختلف عام ١٩٥٢ ... بل يمكن القول بأنه تغير تغيرا كاملا ...
بعض الأمر تم بإرادتنا والبعض فرض علينا فرضًا .
استقر رأيي على أن أرشح نفسي رئيسًا لمجلس إدارة النادي لجس نبض الحالة
في الجيش، وتحديًا للملك الذي نقلني من سلاح الحدود .
وأشعل معركة الانتخابات إصرار الملك على ترشيح اللواء حسين سري عامر
رئيسًا للنادي .... وكأنه هو الذي يلقي القفاز في وجهي .
واجتمعت الجمعية العمومية للضباط وقررت أنه لا يجوز ترشيح اللواء
حسين سري عامر ؛ لأنه من الحدود ... وهي لا تعتبر سلاحًا ؛ لأنها تضم ضباطاً
من مختلف الأسلحة .
قررت ذلك وأعلنت عن موعد الانتخابات دون استجابة لرأي الملك .
وكانت فترة الانتخابات فرصة هائلة للالتقاء مع الضباط في ناديهم بالزمالك
الذي كان قد ضم إليه مبنى الاتحاد المصري الإنجليزي الذي لعب دورًا رئيسيا في
توجيه السياسية المصرية خلال الحرب العالمية الثانية .
كان الضباط يحتشدون في النادي كل ليلة، وتدور المناقشات واضحة صريحة ....
ولا تدور عن أسعار الطعام والمشروبات ... ولكن عن الموقف السياسي العام ....
وكانت نبرة الرفض والغضب تتصاعد كلما اقترب موعد الانتخابات .
لم أكن المرشح الوحيد للرئاسة ... كان ينافسني ثلاثة ضباط آخرين أحدهم
اللواء حافظ بكري مدير سلاح المدفعية واللواء إبراهيم الأرناؤوطي مدير المهمات
واللواء سيد محمد مدير الصيانة .
ولم تكن النتيجة غريبة ؛ لأنها كانت نابعة من إدراك الضباط الحقيقة هامة.
وهي أنهم لا يجوز أن يعطوا أصواتهم لقيادات تقليدية تسير في ركب السراي
والسلطة بلا وعي ولا إرادة .
حصلت على عدة مئات من الأصوات، وحصل الثلاثة الآخرون جميعا على
٥٨ صوتا فقط
ونجح في مجلس الإدارة أيضًا عدد من الضباط المرتبطين بنا ، والذين كنت
أعرف ذلك عنهم ، نجح القائمقام رشاد مهنا سكرتيرا للنادي ، ونجح في عضوية
مجلس الإدارة كل من البكباشي زكريا محيي الدين ، وقائد الجناح حسن إبراهيم
والصاغ جمال حماد .
ولكن الملك لم يقبل هذه النتيجة أو هذه الهزيمة .
استدعاني الفريق محمد حيدر إلى مكتبه ومعي رشاد مهنا وقال لنا في صراحة :
أن أوامر ( مولانا » أن يدخل حسين سري عامر مجلس إدارة النادي .
هكذا دون لف أو مواربة .
وقلت لحيدر : إن هذا ليس من حق مجلس الإدارة ... بل هو من صميم حقوق
الجمعية العمومية ... فإذا أصر «مولانا» فاعقد الجمعية العمومية واعرض الأمر
ساعات حتى الثانية صباحًا في حوار ونحن لا
عليها .
واستمرت الجلسة سبع
نتزحزح عن موقفنا شعرة ، رغم ظهور نبرة تهديد صريحة في حديث حيدر عندما
أعيته الحيلة .
وحاول الملك محاولة أخيرة لتعديل لائحة النادي عن طريق الجمعية العمومية
بما يسمح بإدخال حسين سري عامر ممثلا للحدود ولكنه مني بالفشل أيضًا.
وهنا كان صبره فيما يبدو قد نفد ، فأصدر أمرًا بحل مجلس إدارة النادي
وتعيين مجلس مؤقت برئاسة شقيقي علي نجيب ... ولم تكن هذه الحركة تدل على
أي قسط من الذكاء ؛ لأنها أشعلت غضب الضباط كالنار في الهشيم .
وفي هذا الجو المشحون فوجئت بخبر أثارني تماما ... بلغني أن رشاد مهنا قد
نقل إلى العريش ... وأسرعت إلى مكتب حيدر محتجا ... وقال الرجل : إنه لا
يعلم شيئًا عن الموضوع ، واتصل أمامي تليفونيا بمدير المدفعية الذي أبلغه أن
رشاد مهنا قد نقل للعريش بناء على طلبه .
وقع الخبر على كالصاعقة ، ولكني لم أصدق .... فربما كانت هي بعض ألاعيب
كبار الضباط .
ونزلت من مكتب حيدر إلى منزل رشاد مهنا فوجدت أن الخبر صحيح وأن
تبرير رشاد مهنا له هو رغبته في الابتعاد عن القاهرة في هذا الوقت الذي يلاحقنا
فيه غضب الملك ... ولم أقتنع بتبريره .... ولم أقتنع أيضًا بانفراده في اتخاذ القرار
دون مشورة .
كانت مصر
في هذه الفترة قد دخلت أيامًا مظلمة ... القاهرة احترقت ،
والوزارة الشعبية أقيلت ... والكفاح المسلح في القناة توقف ... والمفاوضات
عادت لتدخل في دوامة ، والوزارات الجديدة لا تكسب ثقة الشعب ، والملك
ماضي في أسلوبه اللاهي لا يتحول عنه .
وبدأت ألاحظ أني موضوع تحت الرقابة ... مخبرون يحومون حول المنزل
وناس لا أثق فيهم يحاولون أن يستدرجوني في الحديث ... وأبلغت ذلك لعبد
الحكيم عامر حتى نجنح جميعًا إلى مزيد من السرية في الاتصالات دون تردد أو
تراجع في الآراء .
وفكرنا في القيام بتحريك القوات في الأيام التي أعقبت حريق القاهرة ولكن
الموقف فيما يبدو لم يكن ناضجا لذلك .
وأصبحت أمامنا بعد حل مجلس إدارة النادي ثلاثة طرق مفتوحة :
الأول : إرسال برقيات احتجاج من الضباط للملك ولكني كنت ضد هذا
الرأي ؛ لأنه كان سيكشف أسماءنا أولا ولن يستجيب الملك له ثانيا .
الثاني : كان متطرفًا إلى حد ما هو احتلال النادي بالقوات المسلحة وقد رفضته
أيضًا لاحتمالات التصادم المسلح بين أفراد الجيش وهو ما تحاشيته دائما حرصا
على ألا يقتل مصري ابنا من أبناء وطنه .
الثالث : تجميع كبار الضباط واعتقالهم وفرض شروطنا على الملك ... وكان
هذا الحل هو ما وافقت عليه وقررنا الأخذ به .
وكانت هذه هي نقطة الانطلاق .... وبقي تحديد الموعد المناسب .
وكنت على ثقة تامة من أن الشعب والجيش معا ينتظران حركة تغيير الأوضاع
القائمة ... وكان عجز الوزارات التي شكلت بعد حريق القاهرة حافزا على تحقيق
خطتنا
كنا نلعب لعبة مكشوفة ... الكل يلمس أن شيئًا ما يحدث في صفوف الجيش ،
يعبر عن ذلك انتظام منشورات الضباط الأحرار» ولكن التفاصيل والأسماء
كانت إلى حد ما مجهولة .
وفوجئت يوما باللواء أحمد فؤاد صادق يزورني في مكتبي ويروي لي همسًا أنه
كان في منزل الدكتور يوسف رشاد ، وإذا بعد اتصال تليفوني يعود له قائلا بأنه
سوف يقبض على اللواء محمد نجيب لاتهامه بتزعم حركة ثورية داخل الجيش .
استطرد أحمد فؤاد صادق قائلا إنه قد نفى ذلك نفيا قاطعا وإن يوسف رشاد
قال له : إن المسألة خطيرة ؛ لأنها تتعلق بحياة ملك ورغم ذلك فإنه يبدو أنه قد
اقتنع على حد تعبيره .
وأدركت أن اهتمام يوسف رشاد يعود إلى الدور الذي رسمه له في الحرس
الحديدي - كما سبق أن ذكرت ..
وأصبحنا في سباق مع الزمن .
وكانت وزارة نجيب الهلالي قد استقالت وتولى حسين سري رئاسة الوزارة
الثالثة خلال ستة شهور بعد حريق القاهرة .
وفي يوم ١٨ يوليو حضر إلى بعد الغروب بقليل رجل أعرفه وطلب مني
الذهاب لمقابلة محمد هاشم «باشا» وزير الداخلية، وزوج بنت حسين سري
والرجل القوي في وزارته .
ولما كنت أعرف هذا الرجل منذ كان يعمل مع محمود فهمي القيسي «باشا»
وزير الداخلية وقريب زوجتي فقد خرجت معه مطمئناً دون أن أحمل سلاحًا .
ولم نجد الوزير في الشقة التي أخذني لها في الزمالك فاتصل به الرجل تليفونيا ،
فأجاب بأنه سيعود فور انتهاء اجتماع مجلس الوزراء .
ومرت الدقائق والساعات بطيئة وثقيلة ، وتجاوز الوقت منتصف الليل ولم
يحضر الوزير ... وبدأت الشكوك تلعب في نفسي بأنني ربما قد وقعت في كمين ...
ودرت بنظري في غرفة الصالون الفاخرة التي أجلس بها ... ونقلت مكاني إلى
مقعد بجوار زهرية من النحاس الثقيل لأستخدمها في الدفاع عن نفسي إذا
هو جمت .
وفي الساعة الواحدة والقلق يستبد بي وصل وزير الداخلية ، وبعد تحية طيبة
أخذ يسألني عن أسباب تذمر رجال الجيش وعن مطالبهم .
وأطنبت في شرح أسباب التذمر ، وأرجعتها إلى أننا نحكم حكما ديكتاتوريا ،
وليس حكمًا ديمقراطيا معبرًا عن إرادة الشعب .
وأدار هاشم «باشا» الحديث فجأة ، ليسألني عما إذا كان تعيين وزير حربية
ترضى عنه ، يعتبر كافيا لإزالة أسباب التذمر ، وخلق حالة من الرضا بين الضباط ....
واستطرد متسائلًا عما إذا كنت أنا شخصياً أقبل هذا المنصب ؟
وكان الاقتراح مفاجئًا ، ولكني أجبت بالرفض مباشرة متعللا بأن وكالة
وزارة الحربية عرضت عليَّ ورفضتها ، وأني لا أفضل عن مكاني في الجيش شيئًا ... ثم
قلت له مداعبًا : إذا عينتموني وزيرًا للحربية فإن وزارتكم ستقال في اليوم التالي .
وكان رفضي في الحقيقة مستندا إلى شعوري بأنهم يقومون بمناورة لإبعادي
عن الجيش .
وخلال هذا الحديث الذي امتد حتى الثانية بعد منتصف الليل ، أبلغني هاشم
«باشا» بطريقة عابرة أن هناك لجنة من ۱۲ شخصًا عرفت الجهات المسؤولة أسماء
ثمانية منهم ... ثم لم يشأ أن يصرح بشيء ... وأبديت له عدم الاكتراث بمثل هذا
الحديث، مؤكدًا له أن هناك شعورًا عامًا وجارفًا في صفوف الجيش ضد كثير من
تصرفات رجال السراي .
وأثناء عودتي إلى منزلي في الزيتون ، وكان ليل القاهرة هادئا صافيًا استرجعت
ما دار من حديث .
وأدركت أن الموقف خطير ... خطير
ووجدت زوجتي عائشة تنتظرني بشرفة المنزل في قلق شديد .
وكانت تلحظ وجود بعض الأغراب حول المنزل وتنبهني لذلك .
وطمأنتها وأنا أتناول معها بعض الطعام، فلم أكن حتى هذه اللحظة قد
تناولت العشاء .
نمت نوما متقطعا وأنا أرنو إلى نور الصباح ... وقبل أن أخرج من المنزل
حضر الصاغ جلال ندا الضابط السابق الذي كان يعمل محررًا عسكريا بدار أخبار
اليوم ، ومعه محمد حسنين هيكل رئيس تحرير آخر ساعة وقتئذ» لسؤالي عما تم في
مقابلتي مع محمد هاشم «باشا» وزير الداخلية ... واستبدت بيا الدهشة عن سر
معرفة المقابلة.
وكنت أعرف محمد حسنين فقد كان مراسلًا حربياً أثناء معركة فلسطين
وحضر لتغطية الموقف عقب معركة أسدود، كما أني عرفته بالمحامي عبد الحميد
صادق الذي كان يصرف من جيبه الخاص على كتائب الفدائيين في معركة الكفاح
المسلح ضد الإنجليز بالقناة ١٩٥١ وذلك ليعمل تحقيقا صحفيا عن الفدائيين .
وأثناء جلستنا فوجئت بحضور البكباشي جمال عبد الناصر والصاغ عبد الحكيم
عامر على غير موعد ... ولما وضح من حركتها أنهما يريدان أن يسرا إلي بشيء ما ،
أخذتهما من الصالون إلى غرفة الطعام المجاورة ... ولكن بعد أن طلب هيكل أن
أقدمه لهما ، وكان لقاءه الأول لهما .
وفي هذه الجلسة تحدد موعد الثورة .
كان جمال وعبد الحكيم يريدان أن تكون الحركة يوم ٤ أغسطس لسببين :
أولهما : اكتمال وصول الكتيبة ١٤ مشاة إلى القاهرة في حركة التنقلات العادية .
وثانيهما : هو أن يكون الضباط قد حصلوا على مرتباتهم في أول الشهر .
ورفضت السببين ، فإن القوات التي كانت معنا تعتبر كافية لإنجاح مهمتنا ،
وليس هناك مبرر للتأجيل من أجل استلام المرتبات.
وحسمت الأمر بتوضيح الخطر الذي يهددنا جميعا والذي لمح له وزير
الداخلية في جلستي معه الليلة الماضية، واتفقنا على أن تحركنا يجب أن يتم خلال
أيام محدودة حتى نحقق عنصر المفاجأة .
سباق رهيب مع الزمن .
الاجتماعات التنظيمية لا تنقطع بين الضباط الأحرار الذين فوجئ أغلبيتهم
... بتحديد الموعد ... وكنا قد قررنا ألا نعطي السلطات فرصة الشك بتقليل اتصالاتي
الشخصية ، حيث كانت الأضواء كلها مسلطة عليَّ ، وكنت مركز اهتمام أجهزة
الأمن التي لم يكن ينقصها الشك في وإن كان ينقصها المعرفة لاعتقال كل المتصلين بي .
وقد علمت من بعض الأصدقاء أن الملك قد وجه لوما إلى حيدر باشا ؛ لأنه لا
يعرف القائمين بهذا النشاط الثوري قائلا له : «يجب عليك أن تطرد من الجيش ، اللواء
محمد نجيب والاثنى عشر ضابطًا الذين يعملون معه وأنت تعرفهم ) .
كما أكدت هذه الحقيقة رسالة تليفونية من الإسكندرية تلقاها البكباشي
ثروت عكاشة بسلاح الفرسان يوم ۲۰ يوليو من زوج شقيقته أحمد أبو الفتح
رئيس تحرير المصري، وكان مضمونها أن هناك معلومات بأن حركة اعتقالات قد
تقررت لعدد من الضباط .
وقد تأيد ذلك فيما بعد عندما وجدنا في مفكرة اللواء حسين فريد ، رئيس هيئة
أركان الحرب أسماء عدد من ضباط الثورة وقد تقرر نقلهم خارج القاهرة ....
وكان مقدرا لي أن أصبح قائدا للمنطقة الجنوبية في منقباد بمديرية أسيوط ..
وتقرر أن تكون الحركة ليلة ٢١ - ٢٢ يوليو ثم تأجلت يوما لإبلاغ أكبر عدد
من الضباط الأحرار وتجهيز الوحدات وإبلاغ المناطق الخارجية .
وفكرنا في تضليل أجهزة الأمن بسفري خارج القاهرة إلى قريتي «النمارية»
مركز كفر الزيات على أن أتسلل عائدًا ليلة الحركة ... ولكنا صرفنا النظر عن ذلك
حيث وجدنا أنه لن يكون صعبا على قوات البوليس السياسي أن تتبعني ، كما أن
وجودي في القاهرة اعتبر ضروريًا للرجوع إلى عند أية مفاجأة .
وكانت دهشتي بالغة عندما أذيعت أنباء استقالة وزارة حسين سري ، وعودة
نجيب الهلالي ... ولم أكن أعتقد أن أمور السلطة قد وصلت إلى هذا الحد من
الاهتزاز .
ووصلتني أخبار مؤكدة بأن الملك أراد أن يفرض حسين سري عامر وزيرا
للحربية ، ولكن نجيب الهلالي لم يوافق ، فقرر تعيين صهره زوج الأميرة فوزية
الأمير الاي إسماعيل شيرين ، وكان يعمل مديرًا لشئون فلسطين تحت رئاستي
بسلاح الحدود ، وكان يعاونه البكباشي محمود رياض أمين الجامعة العربية الحالي .
وتأكدت أن هذه الخطوات الفجة سوف تكون سندا لحركتنا ، وتخلق لها رأيا
عاما مؤيدا في صفوف الجيش والشعب معا .
الساعة الحاسمة تقترب ووزارة نجيب الهلالي تحلف يمين الولاء للملك .
وعلمت من شقيقي اللواء علي نجيب أن مؤتمرًا سوف يعقد في القيادة العامة
يحضره اللواء حسين فريد وقادة الأسلحة والخدمات في العاشرة مساء .
فأبلغت هذا الخبر إلى عبد الحكيم عامر الذي كانت اتصالاته بي لا تثير
الشبهات ؛ لأنه من أركان حربي السابقين ، وقررت أن يتم اعتقالهم أثناء وجودهم
في المؤتمر حقناً للدماء ، وأعطيت تعليمات بذلك لعبد الحكيم عامر .
وكانت خطة العمليات التي وضعها زكريا محيي الدين المدرس بكلية أركان
الحرب في ذلك الوقت تقضي بأن أبقى في المنزل حتى تتم التحركات العسكرية ثم
أذهب إلى رئاسة أركان الحرب لتولي القيادة ؛ لأن اعتقالي أو إثارة الشبهات حولي
يفسد الخطة .
وبقيت ساهرا في المنزل لأضلل المراقبين وأطمئنهم ... وكان بعد منزلي في
الزيتون عن طريق تحركات الجيش باعثاً على قلقي وشغفي لمعرفة ما يحدث
ولكني في سبيل السرية وانتصار الحركة قاومت عواطفي ، وظللت طول الوقت
أنفث الدخان من غليوني الصغير.
وكانت زوجتي عائشة ترقب الموقف من بعيد وهي تدعو الله بنصر الحركة.
وتلفت انتباهي إلى أي صوت غير طبيعي في المنطقة ؛ لأنها كثيرًا ما عانت من
مراقبة المخبرين للمنزل .
وعند منتصف الليل اتصلت بنا زوجة شقيقي علي تسأل عنه وتقول : إنه ليس
من عادته التأخر دون إبلاغها ... وطمأنتها قائلاً إني سأبحث عنه .
ولم يكن علي يعرف شيئًا عن الحركة ... ولم أحدثه عنها مطلقا ، رغم ثقتي به ؛
لأني خشيت أن يتعارض ذلك مع واجبه باعتباره قائدا لحامية القاهرة والمسؤول
عن الأمن والنظام بها ... وإن كنت قد نصحته من طرف خفي بأن يجري تدريبات
للجنود على التحرك إلى أماكن مختارة باعتبارنا في حالة طوارئ ... وذلك تسهيلا
المأمورية الضباط الأحرار في تحريك قواتهم بدلا من أن يفاجئوهم بالحركة لأول
مرة ؛ لأنهم ربما لو عرفوا أنهم يتحركون لانقلاب لأحجم بعضهم أو أفشى السر .
وبعد دقائق طلبني علي تليفونيا وكأنها ليستوثق من وجودي أولا ... ثم أبلغني
أن بعض ضباط البوليس قد أبلغوه أن قوات الجيش تتحرك إلى قصر عابدين .....
ولكني طمأنته طالبا منه ألا يثق بهم وأن عليه أن يتحرك بنفسه إلى عابدين للتأكد
من صحة ذلك ... وكنت أعرف أن قصر عابدين خارج خطة التحركات في هذه
الليلة ... ثم أبلغته عن سؤال زوجته عنه .
وبدأت نظرتي تتركز على التليفون الأسود الصغير ... إن رنينه سوف يحمل
لي أهم خبر في حياتي ... إما انتصار للحركة وتغيير في حياة مصر ... وإما فشل
ونكسة وتعرض للخطر .
الدقائق تمر بطيئة والثواني أصبح لها زمن ... وليل القاهرة هادئ وصامت ،
ولم أكره الصمت في حياتي مثلما كرهته في هذه الليلة .
فكرت في ارتداء ملابسي والخروج وليكن ما يكون ... ولكن الالتزام بالخطط
العسكرية شرط من شروط نجاحها ... ونحن قد قتلنا هذا الموضوع بحثا وانتهى
الرأي على ألا أتحرك إلا إذا تلقيت مكالمة تليفونية بنجاح الهجوم على القيادة
العامة ؛ لأنني إذا كنت مراقباً فسوف يتبعونني وقد يقبضون على وتتعرض الخطة
كلها للفشل .
وتحرك الجهاز الصامت فجأة وعلا صوته، ورفعت السماعة فإذا بالمتحدث
مرتضى المراغي وزير الداخلية وفريد زعلوك وزير الدولة وهما يقولان لي : إن
بعض أولادك قائمون باضطراب في كوبري القبة ورجاؤنا أن تمنعهم حرصا على
مصلحة الوطن ... وقلت لهم إني لا أعرف شيئًا عن ذلك ، ولما ألحوا في الرجاء
وعدتهم خيرًا وأغلقت السماعة ، وقد بدأ الأمل في النجاح ينعش نفسي .
ولم تمضي دقائق حتى علا رنين التليفون واستبدت بي الإثارة فقد خامر ني يقين
بأن اللحظة الحاسمة التي كنت أترقبها قد حانت وأمسكت التليفون بلهفة شديدة
وسرعان ما دب الاطمئنان إلى قلبي فقد طرق سمعي صوت الصاغ جمال حماد
وهو يهنئني بنجاح المرحلة الأولى للخطة وإتمام احتلال القيادة العامة للقوات
المسلحة ، وكان الصاغ جمال حماد أركان حربي بسلاح المشاة وأحد الضباط
الأحرار المسؤولين عن تنفيذ خطة الثورة وقد عين بعد ذلك ملحقا عسكريًا
بدمشق وبيروت ورقي إلى رتبة اللواء ثم عين محافظا لكفر الشيخ ثم المنوفية ،
وأبلغني جمال حماد وقتئذ أنه سيرسل لي ثلاث عربات مدرعة لإحضاري من
المنزل ولكني أخبرته بأن لا داعي لذلك فإنني سأركب فورا عربتي الأوبل
الصغيرة التي يقودها سائقي الخاص توفيرا للوقت .
وصلت كوبري القبة وهناك تلقاني بعض ضباط الثورة وانتقلت من عربتي
إلى عربة جيب دخلت بها مركز قيادة الجيش .
ولم أجد حسين فريد في مكتبه وإنما وجدت ضباط الثورة ينصتون وقوفا
للبكباشي يوسف صديق الذي كانت قواته القادمة من هايكستيب - في ضواحي
القاهرة البعيدة - هي أول قوات تحتل القيادة وتعتقل اللواء حسين فريد وتنقله إلى
معسكر الاعتقال في الكلية الحربية المواجهة لها .
وكانت لحظات عامرة بالحب والثقة ... كل ضابط يهنئ زميله ويقبله والبشر
يملأ الوجوه رغم ليلة طويلة بلا نوم ... وأشرق على القاهرة فجر يوم بهيج .
والتف حولي الضباط ... كلهم أولادي ، تجاوزت الخمسين وهم بعد ما زالوا
في ربيع العمر لم يتجاوز أكبرهم الخامسة والثلاثين .
وبدأنا نتلقى البلاغات من الوحدات المختلفة وقد نفذت الخطة في القاهرة
تماما ، واعتقل معظم قادة الأسلحة والخدمات، وتم اعتقال الباقين في الصباح .
ولم يكن هناك لواء عامل في الجيش يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ينعم بحريته سواي ،
حتى شقيقي علي دخل المعتقل مع زملائه .
وما أن أشرق الصباح حتى تلقيت مكالمة من رئيس الوزراء أحمد نجيب
الهلالي يدعوني فيها للذهاب إلى الإسكندرية ولكني اعتذرت عن عدم إمكانية
لتلبية هذا الطلب ... ولما استفسر مني عن طلباتنا قلت له : إننا نطالب بالآتي :
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
لم تغير السمكة خط سيرها ولا اتجاهها ابدا طوال تلك الليلة وأمسى الطقس باردا غياب الشمس فاخذ الكيس الذ...
وُلِدَ أحمد شوقي بِحيّ الحنفي بالقاهرة في 29 جمادي الاخره 1285 هجري الموافق 16 اكتوبر 1886 ميلادي ،...
-المحتوى الرئيسي يلاحظ كوردر أن إحدى طرق مقارنة اللغات هي المقارنة بين اللغات، والتي تُسمى عادةً ال...
الخاتمة يوفر النموذج الهيدروليكي لفيضان وادي سيباو ورافده وادي بوغدورة تقييماً لحدود المناطق المعرض...
الطّباعة ثلاثيّة الأبعاد هي إحدى تقنيات التصنيع، حيث يتم تصنيع القطع عن طريق تقسيم التصاميم ثلاثية ا...
Head nurse fills one of the most critical first line-managing roles in the administration of nursin...
خاتمة يحتل اإلنفاق العام مكانة اقتصادية هامة يف اقتصاديات خمتلف الدول، بما يمثله من أداة بيد الدولة ...
تسند غالبية الدساتير اصدار لوائح الضبط الى المؤسسات التنفيذية العليا بالدولة . فالمادة 172 من دستور ...
Social media platforms have significantly transformed the way humans interact by: 1. Replacing Face-...
يعتقد بعض الأشخاص منّا أن الماضي هو فترة مستقلة بحد ذاتها ولا يُمكن لها أن تكون لها تأثير في الحاضر،...
The timeline of hypertension illustrates its progression from early awareness to contemporary treatm...
دراسات حالة وتطبيقات واقعية للتجارب الحقلية المحصورة (CFTs) 1. الذرة المعدلة بجينات Bt – كينيا ا...