لخّصلي

عاش الأخطل الصغير في لبنان، في الفترة الممتدة بين نهاية القرن التاسع عشر وأوائل النصف الثاني من القرن العشرين وقد تأثر
بأوضاع البيئة وبالتقلبات السياسية التي شهدتها المنطقة.
ففي زمن السلطنة العثمانية، وبعد زوال نظام الإمارة وسقوط حكم القائمقاميتين، عرف لبنان نوعاً من الاستقلال الذاتي، وذلك ابتداء من سنة ١٨٦٠ وبعد الاتفاق على النظام الأساسي أو نظام البروتوكول الذي كان ينص على أن أراضي المتصرفية تقتصر على مناطق جبل لبنان، دون
بيروت والبقاع ومنطقتي طرابلس وصيدا. ولما وقعت الحرب العالمية الأولى سنة ١٩١٤، دخلت تركيا الحرب إلى جانب دول المحور وعادت إلى احتلال جبل لبنان ثم الغَتِ العمل بالنظام الأساسي.
قمع
خلال هذه الفترة، اشتدت مظاهر النضال الوطني والنشاط المعادي للدولة العثمانية في الحجاز، وعمل جمال باشا، في لبنان وسوريا، على القادة الأحرار وعلى تعليقهم على أعواد المشانق وقاد الشريف حسين الثورة على الأتراك سنة ۱۹۱٦ ، واستطاع ابنه فيصل الدخول إلى دمشق في نهاية الحرب وهزيمة الآستانة وانهيار السلطة العثمانية. ولكن الأمل بالحرية والاستقلال، تبدد مع اتفاقية سايكس بيكو التي قضت باقتسام المنطقة بين الإنكليز والفرنسيين، فبدأ بذلك عهد
الانتداب.
وفي أيلول ۱۹۲۰ أعلن الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير بعد أن
ضم إلى منصرفية جبل لبنان المناطق المقتطعة منها سابقاً. وفي سنة ١٩٢٦ أعلنت الجمهورية اللبنانية، تحت سلطة الانتداب
الفرنسي، وجرى انتخاب شارل دبّاس أول رئيس للجمهورية. وفي سنة ۱۹٣٩ بدأت الحرب العالمية الثانية، التي أدت إلى احتلال المانيا لفرنسة، وقيام حكومة فرنسا الحرّة بقيادة شارل ديغول؛ وقد أسهمت هذه الحكومة، مع الجيش البريطاني في الهجوم على بيروت، وأعلن الجنرال كاترو بالحرف: «لقد أتت الساعة أيها اللبنانيون والسوريون، الساعة الكبرى التي تُعلن فرنسة بصوتي استقلالكم، فرنسة التي تناضل بحياتها من أجل حرية العالم.»

وانتهت المعارك العسكرية بين حكومة فيشي وحكومة فرنسا الحرة إلى سيطرة هذه الأخيرة على كل لبنان، ثم جرت انتخابات نيابية في صيف ١٩٤٣، انتهت إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو بشارة خليل الخوري الذي كلّف رياض الصلح تأليف الحكومة؛ وما لبث أن أعقب ذلك تعديل الدستور وإعلان الاستقلال في ٥٨ ٢ ١٩٤٣، فما كان من الفرنسيين الا اصدار الأوامر باعتقال القادة اللبنانيين في راشيا. وفي ۲۲ ت ١٩٤٣٢، أطلق سراح هؤلاء، واعتبر هذا اليوم عيداً لاستقلال
لبنان
بعد ذلك بسنوات أعلن استقلال سوريا، كما نقد البريطانيون وعدهم بقيام دولة لليهود (وعد بلفور (۱۹۱۷)، فأعلنت دولة إسرائيل سنة ١٩٤٨، وبدأت القضية الفلسطينية تتفاعل في جميع الأقطار العربية
بعد نزوح آلاف الفلسطينيين إلى الدول العربية، وفي مقدمتها لبنان. ومن الطبيعي أن يتأثر الأدب بالأوضاع القائمة زمانياً ومكاناً، وفي مختلف الحقول. وقد شهد خلال هذه الفترة الزمنية (١٨٨٥ - ١٩٦٨) نوعاً من التحول العكس صراعاً بين التقليد والتجديد، وذلك نتيجة
مسر
عوامل متعددة اتخذت من لبنان رحاً لها، ومن أهم هذه العوامل: انتشار مدارس الإرساليات الأجنبية في لبنان، وقد مثلت دوراً كبيراً في توجيه الناس ونشر التعليم وفي تشجيع الطلاب على تعلم اللغات الأجنبية، وقد ترافق ذلك مع انتشار الصحافة بأنواعها الأدبية والفنية والسياسية والاجتماعية، وهي التي أسهمت في تشجيع الترجمة، وفي تقديم الثقافة الغربية، باللغة العربية، لمن لا يُتقن اللغات الأجنبية. كما كان للهجرة اللبنانية إلى أوروبا والأميركتين دور في هذه النهضة وفي طليعة المهاجرين، أدباء ومفكرون كبار مثل جبران ميخائيل نعيمه، أمين الريحاني، فوزي وشفيق المعلوف، إيليا أبو ماضي، رشيد أيوب، الشاعر القروي... إلى جانب ذلك، فان البعثات العلمية والأدبية والتجارية والديبلوماسية شجعت على التفاعل الثقافي وعلى إرسال بعض الطلاب إلى أوروبا لمتابعة الدراسة أو الاختصاص. هذه العوامل مجتمعةً مكنت رجال الفكر والأدب من الاطلاع على الثقافة الأجنبية، كما أثارت فيهم شهوة التجديد. وهنا يبرز دور بعض
الأدباء، وفي طليعتهم الأخطل الصغير.