لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (9%)

رواية أشاوس شولوس من تأليف مليكة بوسيس بعدما سموك شولو الفينيقيون، قال الأب: أتممت كل أشغالك يا ولدي؟ يكملون طعامهم يزيده المزاح والضحك نكهة ولذة، يبقون متجمعين يأكلون تارة ويتسامرون تارة أخرى. في هذا الوقت بقي يونس صامتا يسمع لكلام أبيه وهو يفكر بعمق. لم يكن يعرف شكل ابنة شيخ القبيلة ولم يتعرف إليها شخصيا من قبل لكن صيتها الحسن وشجاعتها يحكى به بكل قبائل المنطقة. فقط كان يتحسر لتمنيه لو كانت تلك الفتاة الساحرة التي رآها البارحة هي من ستكمل معه مشوار حياته. لكن يطرد الفكرة من باله ويقول في نفسه: الأهم مصلحة القبيلة. كيف أصبحت أخي؟ وقالت بنفسها: علي أن أمسح هذه اللحظة نهائيا من ذاكرتي المهم أن أُرضي والدي. الشيخ السعيد وأيضا يونس يتفقدون كل الناس بنظراتهم الثاقبة، وقد لاحظا كلاهما عدم وجود ابن حمدان معهم كما لم يروه قد حضر للوليمة، وحتى كل التفاصيل الصغيرة المعتادة عليها بحياتها اليومية، أحست بالاطمئنان لكلامه كبلسم يخفف آلامها وتمنت أن يكون لها ذرع الأمان ومنبع الحنان. رحب الشيخ السعيد بالفكرة وأيضا يونس وكل العائلة، وأيضا أعلم الجميع وأطلب منهم أن يسمحوا لبناتهم ونسائهم بدراسة القرآن فالتعليم ليس حكرا على الذكور فقط. ويقول بنفسه كل يوم أكتشف بها ميزات مثالية لأحمد الله أنها كانت من نصيبي. الشيخ السعيد: تعال معي بني يونس أريد أن أكلمك. جلس الأب ثم جلس يونس أمامه. غدا بعد صلاة الفجر سأسافر مع الطيب وعمر مثل المرة السابقة، أما مزيانة فهي تحفز كل البنات على تعلم القرآن لما يعكسه من نور على حياتهم بالدنيا والآخرة. وتتجه نحو كل التجمعات السكنية المكونة لمدينة "القل"، يرد عليها الشيخ السعيد: بوركت يا ابنتي إن شاء الله سيكلل الله كل خطواتك بالسداد يا رب.


النص الأصلي

رواية أشاوس شولوس من تأليف مليكة بوسيس
يترجل عن حصانه ويربطه بشجرة البلوط الفتية، بثخوم الغابة المحاذية لجنائن والده، له قلب قوي يجابه الأسد، وتتوقد به حمم الجرأة والغيرة على الوطن، لكن بنفس الوقت ملفوف بأوراق ورد تلمس وتتناغم برقة لا متناهية، هاهو الآن يمسح ببصره على السهول المترامية الأطراف، متأملا أدق التفاصيل لجمال وَبَرها الأخضر المزين بلوني الأقاحي الأبيض والأصفر، ليصل إلى سحر الرمال الذهبية المحاذية لزرقة البحر الصافي الذي تحتضنه هذه المدينة بذراعيها، شبه جزيرة "الجردة" يمينها وغابة "ضانبو" يسارها.
يقول بخاطره: أنا محظوظ جدا لأني ابن ترابك الطاهر وأهلك الطيبين يا لؤلؤة الشرق المكنونة كم أنت ساحرة يا شولوس كما سموك الرومان، بعدما سموك شولو الفينيقيون، والآن اسمك القل بعد الفتوحات الإسلامية، سحرت الغرب بجمالك ونجاح تجارتك لكنك استعصيت عليهم، لأنك محصنة بأسودك الأشاوس قوة وعددا. وسنقف الآن بوجه هذا الاستعمار القادم عبر المتوسط ولن ينال منك ما دام هذا الدم الحار يجري بالوتين.
يبقى يتأمل ويقول: سبحان من خلقك بأحسن صورة.
فتعود به الذاكرة لصورة أخرى بقيت عالقة بذهنه منذ البارحة، عندما كان يود أن يذهب للمنبع لشرب الماء، هو منبع بارد على شاطئ البحر مباشرة تحت شجرة نخيل جميلة بالقرب منه صخور تحد بين البحر وغابة ضانبو، قبل أن يصل إليه قادما من جهة الغابة، يشاهدها تساعد صديقتها برفع جرة الماء على رأسها ثم ترفع جرتها بصعوبة وهو كان من ورائها، فساعدها بإكمال رفع الجرة فوق رأسها، أدارت وجهها الملائكي الذي سرق من البدر نوره ومن الورد عطره وجماله وزادها ذلك اللباس المتأنق رونقا إضافيا، لتبقى تلك الصورة الآسرة محتلة فكره.
يعاود امتطاء حصانه الأسود الأصيل، ويعود إلى بيته والشمس بدأت تنسدل خلف الجبال.
يدخل حصانه الإسطبل الواقع بالجهة الخلفية للمنزل ويقابل والده أمام الباب، يمشيان سوياً حتى يدخلا إلى المنزل وهما يتحادثان.
قال الأب: أتممت كل أشغالك يا ولدي؟
رد عليه بابتسامة: أكيد يا أبي ألا تثق بقدراتي..
الأب: الحمد لله أنك أصبحت رجلا يعتمد عليه، وأي مهمة أكلفك بها أعلم جيدا أنك ستتمها على أحسن وجه، حفظك الله يا يونس يا ولدي..
يتمتم: آمين وبداخله تتقوّى أعمدة الشموخ والعزة.
على مائدة الطعام المستديرة جهزت أم يونس طبق به الكسكس باللحم والخضروات، يتجمع حول المائدة إخوة يونس وعددهم ستة وأخته الصغرى فاطمة، مفترشين جلود الأغنام ينضم إليهم الوالد ويونس والأم، معتادين على لمتهم وتقاسم طعامهم بمحبة وانسجام...
يكملون طعامهم يزيده المزاح والضحك نكهة ولذة، بعد انتهائهم من أكل الكسكس تحضر الأم طبق به الكرز، يبقون متجمعين يأكلون تارة ويتسامرون تارة أخرى.
يقول الأب متوجها نحو ابنه الكبير يونس: لقد كبرت يا بني وأريد أن أزوجك لأرى أحفادي أنت تعلم لقد دخل الجيش الفرنسي إلى البلاد، وعلينا التخطيط للتصدي له بكل الوسائل، فلا نحتاج فقط للسلاح فعلينا إكثار نسلنا وأنا كشيخ قبيلة علي أن أتحمل مسؤوليتي ، فلن نمكنه من احتلال مدينتنا وسنكون له بإذن الله بالمرصاد.
في هذا الوقت بقي يونس صامتا يسمع لكلام أبيه وهو يفكر بعمق..
ثم يكمل الأب كلامه: ماذا تقول يا بني بابنة عمك وناسة ، إنها كالزهرة بجمالها كما أنها تربت على الشجاعة والفروسية منذ صغرها.
يرد يونس بهدوء ورزانة: أعلم ذلك يا أبي لقد تربينا معا حتى أن كامل القبيلة تظن أننا توأما لتقارب أعمارنا وتشابه أسمائنا، وتشابه حتى ملامحنا هي أختي وصديقتي منذ الصغر، تدربنا المبارزة معا وكنا نتسابق بأحصنتنا، أقدرها كثيرا لكن لا أستطيع أن أفكر فيها كزوجة فهي أختي الأولى قبل أن أعرف أختي الصغرى فاطمة، أبي إن أردت رأيي أنا أريد أتزوج من بنت شيخ قبيلة "ويشاوة" المجاورة، حتى تتحد القبيلتين أكثر بمصاهرتنا ونكون أقوى لمجابهة العدو، فأنت تعلم الخلاف الذي حدث مؤخرا لا تزال آثاره قائمة بعد تعدي ذلك المعتوه بن حمدان على أحد أفراد قبيلتهم.

قد فكر يونس بعقله وكان كل ما يهمه هو مصلحة القبيلة والمنطقة عامة لمواجهة الاحتلال الغاشم الذي أكيد سيطالهم اجتياحه في قادم الأيام.
لم يكن يعرف شكل ابنة شيخ القبيلة ولم يتعرف إليها شخصيا من قبل لكن صيتها الحسن وشجاعتها يحكى به بكل قبائل المنطقة.
فقط كان يتحسر لتمنيه لو كانت تلك الفتاة الساحرة التي رآها البارحة هي من ستكمل معه مشوار حياته.
لكن يطرد الفكرة من باله ويقول في نفسه: الأهم مصلحة القبيلة..
أجابه الأب بموافقته على رأيه وأثنى عليه لبعد تفكيره.
وقال له: سأخبر عمك غداً صباحا ونذهب معا لنكلم والدها.
في الصباح الباكر عندما بدأت الشمس تطل من وراء شبه جزيرة "الجردة" معلنة ابتداء نهار جديد، كان الأب السعيد أمام المنزل جالساً بالقرب من شجرة زيتون، خرج أخاه من سكنه المجاور فاتجه نحوه، وألقى عليه التحية: صباح الخير، كيف أصبحت أخي؟
رد عليه: نهارك مبارك، بخير والحمد لله يا ابن أمي، أنا أنتظرك لأكلمك بموضوع مهم.
ثم تابع كلامه والأخ المختار ينصت إليه بإمعان ليقول: أنا سأخطب لابني يونس..
فبدت بشائر الفرح بادية على وجه العم المختار وهو يقول: مبارك مبارك، من هي الأميرة التي اخترتها للشهم يونس؟
قال له ابنة الشيخ مبارك سيد قبيلة "ويشاوة".
فقال له وهو يحاول إخفاء امتعاضه: خير ما اخترت يا أخي خير ما اخترت، ربي يكمل بالخير والهناء يا رب.
فرد السعيد ببسمة فرح: سعيد لأنك لم تغضب لأنني لم أطلب ابنتك وناسة ليونس.
فرد: أعلم أن المزاح لا يصبح دوماً حقيقة وأنا سأفرح له كولدي، تعلم كم أحبه وأقدره.
فقال السعيد: أنا أيضا أحب ابنتك وناسة وتمنيتها له، لكن هذه المصاهرة ستلعب دوراً كبيراً لحل النزاع القائم بين القبيلتين.
فقال وغمامة الأسى التي كانت تغلف قلبه بدأت تنقشع: رأيك دوما راشد وصالح يا شيخ قبيلتنا الواعي.
رافقه العم مختار إلى القبيلة المجاورة ممتطيين جواديهما، ولاقا ترحيبا يليق بهما من شيخ قبيلة "ويشاوة" مبارك، فأجلسهما ببيته وأحضر لهما اللبن والدقلة.
فقال له الشيخ السعيد: قبل أن تضيفنا نعلمك بسبب قدومنا، لقد جئت مع أخي لطلب يد ابنتك لابني يونس، مصاهرتنا تزيد من روابط المودة والتفاهم وتنهي الشقاق والنزاع.
فرد الشيخ مبارك: قدركم سيبقى مرفوع لدي ولن أحاسبكم بما فعل السفهاء منكم.
سأرد على طلبكم بعد المشاورة أمهلوني بعض الوقت، خرج إلى الغرفة الأخرى أين تجلس ابنته تنسج زربية..
وقال لها: لقد حضر الشيخ السعيد شيخ قبيلة "القل" لطلب يدك لابنه يونس فما رأيك؟
تعقد لسانها بادئ الأمر وأطرقت رأسها ثم قالت بهدوء: ما تراه مناسبا يا أبي أوافق عليه.
فقال الوالد: إذن مبارك عليك يا بنيتي مزيانة.
وخرج من غرفتها مسرعا، بينما هي تفكر باللحظة التي ساعدها بها ذلك الفتى الشهم، حيث نال إعجابها شكلا ومروءة، لكن تحاول أن تتناسى ذلك.
وقالت بنفسها: علي أن أمسح هذه اللحظة نهائيا من ذاكرتي المهم أن أُرضي والدي.
أعلم الشيخ مبارك الشيخ السعيد وأخيه المختار بالموافقة، فاتفقوا على كل ترتيبات الزواج الذي سيكون بعد شهر واحد، وقرؤوا فاتحة الكتاب، داعين الله تتمة هذا الزواج بالخير والهناء.
عادا إلى قبيلتهما يحملان البشرى إلى يونس وكل العائلة، وبدأت على الفور ترتيبات الزواج بتجهيز غرفة ليونس وفرشها، وساهم بذلك كل الأخوة بالفرح والسرور.
وتم انتشار خبر زواج يونس بالقبيلة فعمت الفرحة على الجميع، بن حمدان ذلك الرجل الذي مظهره يوحي أنه مسكين يستحق العطف، لكن ملامح وجهه ونظرته الثاقبة تثير بالنفس الرعب، وتوحي بأنه يحمل بقلبه الشر والغدر، لم يرقه أبدا خبر زواج يونس فكرهه لقبيلة "ويشاوة" كبير جدا، وهذا ما سبب اعتداءه على أحد أفراد قبيلتهم وضربه له ضربا مبرحا بعصا على ظهره من الخلف كاد أن يرديه قتيلا، حيث تركه مرميا بالغابة ولحسن حظه أنه وجده أحد الرعاة وأنقد حياته.
جاء يوم حفلة عرس يونس وإقامة الوليمة وكل أفراد القبيلة مدعوون لهذا العشاء كبارا وصغارا نساءً ورجالا حيث يخصص مكان واسع خارج المنزل لتقديم العشاء، وبنفس الوقت أهل العروس أيضا يقيمون الوليمة ببيتهم التي تكون مهداة من طرف أهل العريس حيث يحضرون من قبل شاتين وما يلزم لتحضير كسكس العشاء.
وفي هذا الوقت بن حمدان بدأ يخطط لفعل شنيع لغضبه الكبير من إقامة هذا الزواج، فانتظر حتى اجتمع كل الناس أمام البيت يتناولون الوليمة وهم مبتهجين، ذهب يتسحب إلى زريبة المواشي للشيخ السعيد التي توجد خلف المنزل وأشعل النار ورماها بالداخل وغادر مسرعا.
بعد فترة قليلة بدأت رائحة الدخان تصل إلى مكان الوليمة، فبدأ الجميع يتحركون بكل اتجاه وهم يبحثون عن مكان الحريق ليسمعوا يونس ينادي: أسرعوا أحضروا الماء زريبتنا تحترق، فتعاون الجميع على سحب الماء من البئر الموجود قرب المنزل لإطفاء الحريق مع ضجيج من أصوات الناس بالدعاء والتنديد.. وثغاء الأغنام التي بعضها يحترق والبعض الأخر يكاد يختنق من الدخان.
أسرع يونس بإطفاء النار جهة الباب ويبدأ بإخراج الأغنام وهو يتوغل حتى الداخل ودلو الماء بيده ويحاول توجيه الأغنام باتجاه الباب للخروج وبتعاون الجميع، تم إخماد الحريق بسرعة ونجت معظم الأغنام تضررت بعضها بحروق بليغة، تم ذبحها والتصدق بها لفقراء القبيلة.
احتار الجميع وقال أحدهم: من يكون قد فعل ذلك ومن يتجرأ أن يلحق الضرر بشيخنا، هل يكون أحد ما تسلل من القبائل المجاورة؟ فلا يعقل أن يكون منا وكلنا نحب شيخنا ولا نريد له إلا الخير والجميع هنا مجتمعين.
الشيخ السعيد وأيضا يونس يتفقدون كل الناس بنظراتهم الثاقبة، لكن لم يذكروا شيئا، وقال الشيخ السعيد: أكيد سنحقق بالأمر ومن فعلها سينال جزاءه..
وقد لاحظا كلاهما عدم وجود ابن حمدان معهم كما لم يروه قد حضر للوليمة، لكن لم يذكروا ذلك حتى لا يعلم أنه يشك بأمره ويهرب من القبيلة، وعلى الفور ذهب يونس أخرج حصانه وركبه وذهب للبحث عن ابن حمدان، فوجده ببيته فقال له: تعال معي سآخذك لشيخ القبيلة فلن تنجو بفعلتك سنبقيك محبوسا إلى حين ينظر بأمرك في مجلس القبيلة.
في اليوم التالي حيث كان يوم الجمعة بعد أداء الصلاة بالجامع الكبير الذي يطل على البحر بداية "الجردة" من جهة الميناء حيث كان هذا الجامع معبدا في العهد الفينيقي، ثم حول إلى مسجد بعد الفتوحات الإسلامية وأعاد بناءه أحمد باي من الجيش العثماني في القرن السابع عشر، بعد إتمام الصلاة فيه تمت قراءة الفاتحة من طرف إمام المسجد أي تم عقد القران بحضور أب الزوج وأب الزوجة أيضا.
عند عودتهم إلى البيت يتم ذهاب موكب لإحضار العروس من بيت أهلها بالأحصنة والبارود وبإحداث زفة بالمزمار والطبول إلى حين وصولهم إلى بيت العروس يخرجونها من بيتها بالزغاريد وطلقات البارود، تُركب على حصانها المسرج وهي بأحلى حلة ومغطاة بالحايك.
تصل إلى بيت العريس على أنغام المزمار وقرع الطبول يحتفل أمامها بالرقص والغناء، وعند وصولها إلى باب المنزل توضع أمامها آنية كبيرة تسمى "قصعة" فيها ماء تدخل بها رجلها اليمين وتُعطى ملعقة عسل وتدخل إلى الداخل على أصوات الزغاريد.
عند التقاء العريسين لأول مرة بغرفتهما كانت المفاجأة الكبيرة لكليهما عندما علما أن هذا ليس لقاءهما الأول، فاللقاء الأول كان أمام منبع الماء، فهي نفسها الفتاة التي سحرته بجمالها لما أعانها على رفع جرتها، وهو نفسه الشاب الذي زعزع كيانها بمروءته فقال في نفسه: من يريد إرضاء الله ومصلحة قومه سيرضيه الله.. وكانت نفس الفكرة تجول أيضا بذهنها.
فقال لها: لم أكن أتصور أبدا أن تحدث مثل هذه المفاجأة، فكنت أظن أنك من قبيلتنا لما رأيتك في المنبع.
فردت: كنت هنا لزيارة خالتي وذهبت مع ابنتها لنجلب الماء من المنبع، أنا أيضا تفاجأت لهذا لكن تعتبر أحسن مفاجأة بحياتي.
اتفقا سويا من اليوم الأول أن مصلحة القبيلة والوطن أولا وقبل كل شيء وأيضا احترام الأعراف والتقاليد...كان معجب فقط بجمالها لكن كلامه معها أضاف تقديرا كبيرا لنبوغ فكرها.. وأيضا هي ازدادت ثقة بشهامته ورجولته ونبله ورباطة جأشه.
كانت قلقة جدا قبل تعرفها عليه وحزينة جدا لمفارقة أهلها خاصة أمها، أبيها..وصديقاتها.. وحتى كل التفاصيل الصغيرة المعتادة عليها بحياتها اليومية، فالزواج بالنسبة لها انعطاف كبير بحايتها نحو غموض يحمل معه الكثير من المفاجآت.
أحست بالاطمئنان لكلامه كبلسم يخفف آلامها وتمنت أن يكون لها ذرع الأمان ومنبع الحنان..وقد اتفقا الاثنين على الوفاء لبعضهما وتحدي كل الظروف معا لتحقيق الأفضل والسعادة لهما وللعائلة والبلاد.
بدأت مزيانة زوجة يونس حياتها الجديدة محاولة الاندماج بهذه الأسرة، تبدأ بالتعرف على ما يتوجب عليها من مسؤوليات وتقوم بها على أكمل وجه وتعامل الجميع بمحبة واحترام.
تبدأ يومها بالنهوض باكرا لتحلب البقرة، وتحضر الحليب للإفطار وما يتبقى منه تحتفظ به بجرة، ليصنع به اللبن تحضر مع الحليب ما يسمونه بالمنطقة "بوسكسف" تحضره بالسميد المطبوخ بالطاجين على النار، تضيف له زيت الزيتون وعسل النحل.
كل أفراد العائلة ينهضون باكرا ويتناولون إفطارهم ثم يتوزعون لأعمالهم، بعضهم يذهبون للعمل في الحقل أو إخراج المواشي للرعي أو صيد السمك ، تبقى فاطمة فقط مع أمها ومزيانة للقيام بالأعمال المنزلية وأحيانا يخرجون أيضا للحقل للمساعدة بجني الثمار أو الزراعة.
أصبحت مزيانة عضوا فعالا جدا بالعائلة خاصة للأم التي كانت تتحمل كل أعباء العناية بالمنزل والطبخ لوحدها وفاطمة لا تزال صغيرة.
أحبت مزيانة أن تقدم عملا إضافيا لفائدة القبيلة فاستشارت زوجها وكل العائلة به، فقالت لهم: لقد تعلمت القرآن منذ صغري وأنا حافظة لعشرة أجزاء وأود أن لا أحتفظ به لنفسي فحسب بل أفيد به القبيلة فأريد أن أجمع الفتيات وأيضا النساء وأعلمهن القرآن الكريم، أود معرفة رأيكم؟
رحب الشيخ السعيد بالفكرة وأيضا يونس وكل العائلة، فقال الشيخ السعيد: أحسنت بنيتي سيكون عملا يجازيك الله عليه خيراً، سأحضر لك المكان الذي تدرسين به وأفرشه لك، وأيضا أعلم الجميع وأطلب منهم أن يسمحوا لبناتهم ونسائهم بدراسة القرآن فالتعليم ليس حكرا على الذكور فقط.
يونس ينظر إلى مزيانة ويجتاحه الشعور بالإعجاب والفخر بها، ويقول بنفسه كل يوم أكتشف بها ميزات مثالية لأحمد الله أنها كانت من نصيبي.
الشيخ السعيد: تعال معي بني يونس أريد أن أكلمك..
دخلا معا إلى غرفة الشيخ أين يستقبل ضيوفه ويقيم الاجتماع مع سادة القبيلة، جلس الأب ثم جلس يونس أمامه.
قال له: يا بني أريد أن أرسلك لإحضار السلاح من المكان المعتاد، أعلم أنه ليس الوقت المناسب ولم تمر إلا أيام قليلة عن زواجك لكن ليس باليد حيلة فأنا لا أثق بغيرك.
رد يونس: لا عليك يا أبي أنا لها بإذن الله، غدا بعد صلاة الفجر سأسافر مع الطيب وعمر مثل المرة السابقة، سأخرج لإعلامهما بموعدنا.
تجهز يونس بالصباح الباكر بلباسه الجلدي السميك الذي يحميه من الأذى، ثم ودع زوجته قائلا: أرجو أن تعتني بنفسك وسأراك على خير بإذن الله.
فردت مغشية ألمها: أرجو أن يحفظك الله بعنايته وترجع سالما غانما وربي يعينني على تحمل ثقل هذه الأيام إلى حين عودتك.
ركب يونس حصانه مغادرا ووالده يقول: رافقتك السلامة يا بني.
يلتقي بعمر والطيب بالطريق، عمر بعربته والطيب على حصانه، يبدؤون رحلتهم بالغلس وأصوات الديكة تداعب أذانهم حتى خرجوا من القبيلة، يواصلون دربهم أحيانا بالغابات بين أشجار السرو والبلوط وأحيانا أخرى بهضاب بها حشائش وشجيرات الدرو والريحان، يتوقفون قليلا قرب الوادي يغتسلون منه.
يقول يونس: لوجود العربة معنا علينا بسلوك هذا الطريق فلو كنا بالأحصنة فقط لسلكنا طريقا مختصرا لنصل أسرع، إن شاء الله سنصل بعد ثلاثة أيام، نرتاح كل ليلة خمس ساعات فنحن في الأيام البيض من الشهر وسيساعدنا ذلك في الرؤية.
بينما هم يغتسلون سمعوا صوت بقرة تخور بصوت عال وكأنها تتألم، تقدموا خلف الأشجار بمحاذاة الوادي ليجدوا رجلا وأمامه بقرة تخور، ألقوا عليه التحية، ثم تقدم يونس منه وقال: ما بها؟
فرد عليه الرجل والقلق باد عليه: إنها على وشك الولادة لكن جسدها ضعيف لا تستطيع حتى الوقوف، إنني أتألم لألمها، هذه بقرتي الوحيدة وهي عزيزة علي ولا أريد أن أفقدها.
اقترب منه يونس وقال له: لا تقلق سنساعدها ويمر الأمر بسلام إن شاء الله..
أمسكها يونس مع صديقه عمر وأعاناها بالضغط على بطنها والتدليك لتسهيل خروج العجل..
قال عمر: لقد بدأ العجل بالخروج أسرع يا يونس.
أمسك يونس برجليه بقوة وبدأ بالسحب وهو يقول: بسم الله والصلاة والسلام عليك يا رسول الله..
وعمر والرجل يساعدانها بالتدليك لتقدر على دفعه، حتى تمكن يونس من سحبه نهائيا وأنزله على الأرض بالقرب من رأس البقرة، لكن في هذه الفترة بقيت البقرة من دون حركة ملقية رأسها على الأرض، وبقيت على حالها حتى انتابهم الخوف إن كانت بخير أم أنها ستفارق الحياة.
بدأ الرجل يمرر بيده على رأسها ويقول: يا رب يا شافي يا رب..
ثم رفعت رأسها، فاطمأن الجميع وحمدوا الله على نجاتها، وبدأت تلعق صغيرها بلسانها حتى يجف ويقوى على الحركة، ثم انتبه الرجل وقال: نسيت عندي بيضة لكي أطعمها له، ستفيده بإذن الله فأعطاه البيضة ويونس يمسك برأسه يفتح فمه.
قال يونس: مبارك يا رجل لقد نجت البقرة والعجل أيضا.
فرد عليه: لقد أرسلكما الله لي لنجدتها منذ رؤيتها هكذا وأنا عاجز على مساعدتها، بقيت أدعو الله أن تنجو فقط ولا أراها تموت بين يدي، أرجو منه أن ييسر طريقكم ويجازيكم كل خير.
عادا يونس وعمر إلى صديقهم الطيب الذي كان ينتظرهم مع العربة، ثم أكمل الشباب طريقهم، في هذه الأثناء مزيانة تؤسس لمشروعها التعليمي بمساعدة الشيخ السعيد الذي انتهى من تجهيز مكان الدراسة وفرشه بالزرابي والجلود، أما مزيانة فهي تحفز كل البنات على تعلم القرآن لما يعكسه من نور على حياتهم بالدنيا والآخرة.
امتطت جوادها وهي متزينة بلباسها الملكي الجميل بحلي تزين جبينها وتحكم خمارها المنسدل من الوراء، وتتجه نحو كل التجمعات السكنية المكونة لمدينة "القل"، فتنتقل من مقر إقامتها "بالجردة" إلى "الآزولين" التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى أصل سكانها، وتقصد القائد المسؤول عنهم وتقول له: أود نشر التعليم بين الفتيات والنساء وأنا سأستقبلهم بمقر التدريس بجانب منزل الشيخ السعيد ويمكن بعد تعلمهن أن يعلّمن أيضا بالمستقبل.
يرد القائد: سأختار لك الفتيات الأكثر حبا بالتعلم والأكثر قدرة على التعليم، لكن سأقترح عليك اقتراحا آخر، أنت تعلمين أن الرجال غيورين جدا على بناتهم ونسائهم، لذلك قد لا يسمحون لهم بقطع مسافة كبيرة للوصول إلى مقر التدريس، ماذا قولك لو نخصص لك وقتا معينا وتأتين إلى هنا وتدرسي البنات بالزاوية القرآنية.
ردت مزيانة: فكرة جيدة أنا موافقة عليها، سأخصص يوم بالأسبوع لكل منطقة وبقية الأيام أستقبلهن بمركز التدريس لمن يقدرن على ذلك. ليكن يوم السبت هنا سأحضر صباحا ونكمل قبل آذان الظهر.
أتمت مزيانة الاتفاق ثم انطلقت إلى حومة "بير الطويل" ، واتفقت مع قائدها أيضا على التدريس عندهم يوم الأحد.
ثم أكملت مشوارها بحومة "بير قايد" وأيضا أتمت اتفاقها مع القائد بأن تدرس بزاويتهم يوم الإثنين.
لم يتعبها التنقل بين هذه التجمعات السكنية لقرب المسافة بينها فهي تقدر بحوالي أربع مائة خطوة فقط، كما أنها كانت ممتطية جوادها إضافة إلى قوتها الجسدية وشخصيتها القوية تجعل منها قادرة على تحدي كل شيء لأجل تحقيق غاياتها التي تثق بنبلها وبعدها الإيجابي.
تعود إلى بيتها مستبشرة، وتقابل الشيخ السعيد أولا وتخبره بما أنجزته من اتفاقيات مع قائدي كل أنحاء مدينة "القل".
يرد عليها الشيخ السعيد: بوركت يا ابنتي إن شاء الله سيكلل الله كل خطواتك بالسداد يا رب.
خرجت من عنده السيدة مزيانة، ليدخل أسياد القبيلة للتحقيق بقضية ابن حمدان وحرقه لزريبة الماشية. وقد تبين من خلال التحقيق معه أنه ارتكب هذا الجرم واضطر للاعتراف، فتم إصدار الحكم عليه بالحبس لمدة ثلاث سنوات.
كانت مزيانة منشغلة بالتحضير للتعليم مع الأشغال المنزلية الكثيرة، من تحضير الكسرة والطبخ، تذهب الآن لتغسل الثياب بالوادي وتأخذ معها فاطمة، مزيانة تبدأ بغسل الثياب وفاطمة تلعب بجانبها بماء الوادي وتقفز فوق الحجارة أحيانا أخرى.
ثم قالت لمزيانة: سأجمع بعض الزهور لأمي.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

ستطاعت القوات ا...

ستطاعت القوات المسلحة المصرية، خالل السنوات السبع الماضية، أن تحافظ على األمن القومى المصرى فى ظل ا...

في الختام تتوقف...

في الختام تتوقف هذه التوقعات على الظروف الراهنة والمتغيرات المحتملة في المستقبل. التأثيرات الدقيقة ي...

يعتبر مطعم لذة ...

يعتبر مطعم لذة وصاية وجهة مثالية لعشاق الأطعمة الشرقية والمقبلات الشهية، حيث يجمع بين الأصالة والحدا...

الباب األول أحك...

الباب األول أحكام عامة املادة األوىل: أحكام متهيدية أ( تهدف هذه التعليمات إىل تنظيم فتح احلسابات اا...

بِسْمِ اللَّـهِ...

بِسْمِ اللَّـهِ الرحمن الرَّحِيمِ كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في الليلة الثالث...

The cows were s...

The cows were split into four groups: Group 1 (Double ovisynch): GnRH on day 0, PGF2 on day 7, and G...

Case Study: Liv...

Case Study: Liver Disease Fatima, a 42-year-old female, came to the clinic complaining of fatigue, a...

🔴 هروب بارون ال...

🔴 هروب بارون الصاروخ من مركز الحكمة بئر العاتر وسط تستر أمني مريب ☣️ 🔴 تعود حيثيات القضية إلى ما يقا...

طبعا لم تسلم نظ...

طبعا لم تسلم نظرية الاشتراط الاجرائي لسكنر من بعض الانتقادات ومنها: 1_إهمال النظرية للجانب البيولوجي...

يشهد العالم منذ...

يشهد العالم منذ بداية القرن الحادي والعشرين ثورة معرفية وتكنولوجية، أدت إلى حدوث تغيرات سريعة ومتلاح...

الذكريات السودا...

الذكريات السوداء أنا منار عمري عشرون عاما عشت في أيام سوداء تسببت في منحي ذكريات سوداء حاولت نسيانها...

أمراض حديثي الو...

أمراض حديثي الولادة: مثل الإنتان الوليدي (تسمم الدم)، مشاكل أثناء الولادة (نقص الأكسجين)، والمضاعفات...